شهادة حياة السيّدة تريز مدوَّر
في الرياضة الروحيّة السنويّة لجماعة "أذكرني في ملكوتك"
دير مار جرجس- بحردق
31/3/2019
تريز مدوّر، من عينطورة كسروان، متزوِّجة من طوني مدوّر. لدينا ابنةٌ "نتاشا"، عمرها 22 سنة، وهي في الجامعة. و"فانسان"، صار من أبناء السّماء، وقت يللي انتقل كان عمرو 19 سنة ونص. رزقنا الله "فانسان" بعد أربع سنين من الزّواج، بعد الصّلوات والنّذُورات، ومِن بَعدو أختو. كنّا عايلة ملتزمة مسيحيّة وحلوة، مبسوطِين بحياتنا، كلّ أَحَدْ منشارك بالقدَّاس، وكان "فانسان"، يخدم القدَّاس. كان عندو روحانيّة وكان ملتزم بجماعة روحيّة، يللي هيي الفوكولاري، لحدّ عمر 19سنة ونص. فجأةً، المرض دَقّْ بابنا، صار فانسان يسعل كتير وعِمِل حرارة ودخل على المستشفى، عامل pneumonie، 10 أطبّاء من أشهر المستشفيات كان معو. فحوصات للخارج وصلت، والطبيب يللي كان مرافقو كان صديق العيلة، وكان اختصاصو الأمور المستعصية. كلّ شي كان متوفّر: مصاري، تأمين، مستشفى، أطبّاء، صلّينا كتير وطَلَبْنا كتير. وفانسان صلّى وطلب من يسوع، كان في حدّ تختو صورة لقلب يسوع، وصلّى كتير، وقلِّي: "هويّ ما بدّو يشفيني". ما كنت عم بعرف شو عم بيصير. عاصفة ونحنا بقلبها، بيقول الدكتور عامل maladie du ….، سرطان كتير قويّ، هيدا شي عرفناه، نهار يللي ترَكْنا فانسان. كلُّن بشهر ونصّ، ب 1 شباط، انتقل فانسان، وكان دخول المسيح إلى الهيكل. وهون كانت الصّدمة كتير كبيرة، صار في شي أسوَد، قدّامي، زعل، حزن كبير، تركنا الصّلا، وتغيّر جوّ البيت، وحسِّيت وِقْفِت الدِّيني. بس في شي بحب قولو، نهار الدّفن، كنت واقفة كلّ الوقت، وحاسِّي بشي غريب، بِتِقل ع كتافي غامِرني. كان الحزن بقلبي كتير كبير، وبالوقت ذاتو كان في سلام، ما بعرف أوصف هيدا الشي. الحزن كبير وأنا ساكتة عم بسأل: ليش نحنا، وليش هوي؟ وما في جواب.
وبعد شهرين، لبِّيت دعوة على قدَّاس لجماعة "أذكرني في ملكوتك"، لبِّيت بعد إلحاح كتير كبير. وأنا بهالقدَّاس شعرت بتَعزية، وحسِّيت بسلام داخلي، لأنّو حسِّيت أنا هون لازم كون، حسَّيتو للمحزونين. قرّرت انقل القدّاس لرعيّتي عينطورة، وكان أوّل قدَّاس، ب 27 أيلول، كان عيد مار منصور، ومن هون بلَّشت إفهم، كنت إسأل ليش نحن وليش فانسان؟ فهمت وِعْرِفِتْ ومن فوق إجتني تعزية كبيرة، ولا مرّة فكِّرت إنو بيجي يوم ونصلِّي لأمواتنا. شو حلو لـمّا بيجوا ولاد وبيقولولي: "تانْت، فينا نحطّ اسم تيتا واسم جدّو بالقدّاس؟"، وفي ناس بيقولولي: "تيرا، ذكَّرتينا بأمواتنا، صرنا نعيش الرَّجاء كلّنا مع بعض". وصرت أنا إدعي النّاس المحزونة، تِجي تصلِّي معنا، اتِّصل فيون، تعوا شاركونا القدَّاس، تعوا تنصلِّي سوا. كلّ قدّاس في تعزية كبيرة لكلّ شخص، هيدي من بعد خبرة. صار ضُعف النّاس عم ينقلب لقوّة، من خلال ضمّ جرحن لجرح يسوع على صليب القيامة. من بعد أربع سنين على مرور قدّاس "أذكرني في ملكوتك"، هلّق تَ عْرِفت شو معنى مَثل الوزنات الحقيقيّ. عرفت كتير منيح: أنا معي وَزنة، وزنة كتير كبيرة، هي الخدمة على مَذبح الربّ. و دِعْيِتْني العدرا على مديغوريّة وهونيك شعرت بالسلام والارتياح، وانعمل قدّاس لفانسان، وحسِّيت بتعزية كبيرة لإلي، وكمان كان في فرح بقلبي. وصِّليت لأنّو يللي كان مرشد معنا في مديغورية، هو الأب ايلي زوين، هوي خوري في كندا، ويللي نقل الرسالة على كندا، على لافال، رعيّة القدِّيس يوسف، وهو الآن قد أصبح مونسنيور.
يسوع بيحكي كلّ واحد منّا، بس نيّالو يللي بيسمعلو. تغيّرت كتير حياتي، صرت صلِّي أكتر، تعمّقت أكتر. صار عندي نعمة الرّجاء كتير قويّة، صرت بحسّ بوجود فانسان بيساعدني،حسِّيت يسوع بدّو لـمّا نفقد حدا عزيز على قلبنا، بدّو هويّ يقعد محلّو. صرنا بالبيت كلّنا ملتزمين: ناتاشا ملتزمة روحانيًّا بشبيبة "أذكرني في ملكوتك"، بيدعوا الشباب والصبايا على القدّاس، فيا رجاء كبير وإيمان. تعمَّقنّا بالقدَّاس والصّلا.
يسوع بس رزقنا بفانسان، كان يحبّني، وبس انتقل كان يحبّني. ويسوع وَعَدنا أبعد من الحياة الأرضية، هودي اكتشفتن من خلال شو عم يصير معي من أحداث. حسِّيت بشراكة بين السّماء وأهل الأرض، بالذبيحة الإلهيّة.
كلّ سنة، بتذكار الموتى، منزور المدافن، ونضوّي شموع، ومنحطِّ عَلَيُن مُلصَقْ "أذكرني في ملكوتك"، منضوي كلّ المدافن. وإيّام على عيد الميلاد، منعمل هيدا الشي كمان. كِنّا معجوقين بالأكل والهدايا والألعاب، متل كلّ النّاس، صرت شوف الحياة من غير منظار كُليًّا. كلّ آخر خميس بالشَّهر، بس نلتقي بهالقدَّاس، بحسّ بفرح، لأنّو كلّ شخص، هوي ورايح عم ياخذ زوّادة، وزوّادة كتير كبيرة. وبحب قول، إنّو قدّاس "أذكرني في ملكوتك"، أعطى الرَّجاء لكتير من المؤمِنِين. أنا بشتاق كتير لابني، ببكي، بس برجا وإيمان.
حضنتني هالجماعة، وحسِّيت بقوّة كتير كبيرة فيا. "نحنا قدّ ما نتعذّب وقدّ ما تكون عذاباتنا كبيرة، ما بيطلعو قدّ حبِّة عدس من آلام يسوع". حُبّ الله اختبرتو بضعفي وظلمتي، ووعيت ع حبُّو ورحمتو. أنا كنت بعرفو بس مش هالمعرفة، لأنّو لازم نتعلَّم نحبُّو، ونحبُّو ببلاش. وفانسان بدل ما نوَّرْتُو الأرض والأملاك، وَرَّتنا الصّلاة والقدَّاس. اختبرت بالرُّغم من كلّ شي أنو ابني كان وجودو نعمة، وانتقالو نِعمة. شو هالنّعمة يللي حاطني فيا يسوع، عم اِبْنِي علاقة مع يسوع، هُوِي فرح يسوع بحياتي. بشكرك يسوع.
السيّدة تريز مدور
مسؤولة جماعة "أذكرني في ملكوتك"
رعيّة سيّدة الانتقال – عينطورة، كسروان.
"كلّما اقتَرَب الإنسان من الربّ عاش النعمة..."
السيّدة ألين لحود
15/11/2015
كنتُ أشكر الربّ في كلّ حين على أنّني تربّيتُ في عائلة مؤمنة، وكان لوالدتي إصرارٌ دائم على الصلاة، الاعتراف، الذهاب للكنيسة، وكلّ الطقوس الدينيّة. وأيضًا، كنت أعتقد أنّه يكفي أن أصلّي لوحدي في غرفتي، فالربّ يسمع الصلاة أينما كنت، واكتشفتُ من خلال تجارب حياتي أنّه كلّما اقتَرَب الإنسان من الربّ عاش النعمة، وكلمّا ساعد نفسه، الربّ سَاعَدَه أكثر.
اعتبرتُ أنّني أستطيع أن أعتمد على نفسي في كثير من مراحل حياتي. فالله وهبني العقل والمواهب لأستفيد منها وأتابع حياتي، وحاولتُ أن أختبرَ نفسي في مرحلتَيْن مختلفتَيْن واجهتُ فيهما الصعوبات نفسها. في مرحلة معيّنة اعتقدتُ أنّني من الممكن أن أجدَ الحلّ للمشاكل التي تعترض طريقي، فلاحظتُ أنّ هذه المشاكل تدوم لوقت طويل وأنّه أصبح من الصعب تجاوزها. وفي يوم من الأيام، بينما كنت أتحدّث مع أحدّ الكهنة عن مشكلة كبيرة، غير قادرة أن أجد لها حلًّا، وبعد أن وصلتُ إلى مرحلة من اليأس وفقدتُ الأمل من إيجاد حلول لها، ذكّرني الكاهن بأنني في مرحلة من مراحل حياتي كرّستُ نفسي للربّ من خلال أعمالي وصلواتي، فلماذا ابتعدتُ عنه ؟
فقدتُ والدتي بعد أن عشتُ معها كلّ المراحل الدينية، وكانت صدمة كبيرة لي؛ فقد كنتُ أصلّي دائمًا أن يُنجيني الله تجربة فقدان أمّي التي هي نقطة الضعف في حياتي، وأنّني حاضرة لأخوض كلّ التجارب الأخرى. وهكذا بعد وفاة والدتي لفترة زمنية، تفاجأتُ من صمودي، من القوّة التي وهبني إيّاها الربّ لأقف على رجلَيّ وأتابع حياتي، ولكنّني بدلاً من الإستفادة من هذه القوّة، ابتعدت عن طريق الربّ، ورفضت الذهاب إلى الكنيسة، وعشتُ جمودًا في صلاتي، وتُهتُ في فراغ كبير، فراغ لم يعد أحد يملأه...لا الأصحاب، ولا الأقارب، ومع ذلك لم يبتعد الربّ عنّي بل بقيَتْ نعمتُه موجودة من خلال متابعتي لعملي، ومن هنا كانت تفيض نعمتُه وقوّته على حياتي، ولكنّني لم أكن مُدركة لهذا الموضوع، وظننتُ أنّني القويّة، أنا التي أهبُ نفسي هذه القوة من خلال تأقلمي مع الوضع. ابتعدت لسنوات عدّة عن الله، حتى وقعتُ في مشكلة شخصيّة كنتُ قد مررتُ بها سابقًا في الأيام التي كنت فيها أكثر روحانيّة وإيمان، وتفاجأتُ من نفسي أنّني أكبر سِنّاً الآن، وليس بإمكاني معالجة هذا الموضوع وأخذ قرارات صارمة، وأصبحتُ أتساءل لماذا عندما كانت أصغر سنّاً، كنت أكثر صرامة وقوّة في قراراتي؟. حتّى التقيتُ مجدّدًا بالكاهن ذاته الذي كنت على علاقة وطيدة معه منذ الصِغر، فهو الّذي كان يُرافقني ويُتابعني روحيًّا في حياتي، ووجد في عينَيّ فراغًا كبيرًا، وسألني عن سبب غيابي كلّ هذه السنين عن الكنيسة وعن سبب انطفاء الحرارة التي في داخلي. فأجبته أنّني لم أكن على استعداد لإعلامه كي لا أقوم بما يطلبه منّي. كنتُ غارقة في فراغ اليأس والوجع، وأنظر دائماً إلى السماء وأقول للربّ: "لماذا أنَا، مَاذا تُريد مِنِّي بعد، فقد تُوفيت أُمّي، وتوفيت خَالتي بعدها بعشرة أشهر، وأصبحتُ وحيدة".
لم أكن مدركةً بأنّني أنا التي تركتُ الربّ وليس هو من ابتعد عنّي، وكان الكاهن يُذكِرّني بألين السابقة، ألين التي كانت تَشِعُّ بالفرح وتنبض بالحياة. وبعد فترة أدركتُ واقعي، وقررت النهوض من جديد والعودة إلى ممارسة حياتي الروحيّة، وتساءلتُ هنا حول كيفيّة العودة إلى الكنيسة...إلى سرّ الاعتراف؟ ولماذا لم أعُد قادرة على حلّ مشاكلي؟. فدعاني الكاهن بأن أقوم بالخطوة الأولى، والنعمة تأتي من الربّ تدريجيًا. وبعد مدّة بدأتُ بالذهاب إلى جماعات صلاة مع إحدى صديقاتي التي كانت جِسر عبورٍ لي في هذه المرحلة، وبدأت أشعر بأنّني أريد الذهاب من تلقاء نفسي للمشاركة في السجود للقربان المقدّس وتلاوة المسبحة.... وبدأت تتفكك يومًا بعد يوم المشكلة التي كنت أعاني منها منذ سنة. ذهبت بعد شهر إلى الكاهن وحدّثته عن وضعي وكيف بدأت المشكلة تزول، وأنّني أصبحتُ أصلّي من كلّ قلبي، وأردّد مسبحة الرحمة في عملي (التصوير)، وأقرأ الإنجيل...وبدأت نعمة الربّ تحلّ عليّ، أصلّي من كلّ قلبي وكأنّني على موعد مع الحبيب، واكتشفت أنّه رغم العقل والمواهب والنعم التي أفاضها الربّ عليّ، فوجوده في حياتي وعلاقتي به هما الأهم.. ولم أعُد أريد أن أتعامل مع الربّ على أنّه القوة التي تخيفني، فكان كلّ هدفي أن يعود هذا الرابط القويّ معه، وأن أتقرّب منه أكثر. بعدها أدركتُ أنّ الإنسان هو الذي يبتعد عن الربّ بسبب ضعفه.
كنتُ أشكر الربّ دومًا على الأوجاع التي عانيتها، وأؤكد أنّ كلّ الآلام التي يتحمّلها الإنسان هي بمثابة الوزنات، وكلّ شخص يعطيه الرّب وزنات خاصّة به وهو يعرف أنّه قادر على تحمّلها من خلال الاقتراب منه والإيمان به.
ملاحظة:شهادة حياة للفنانة ألين لحود في اللقاء السنويّ الأوّل لشبيبة "اُذكرني في ملكوتك"، في مدرسة سيّدة جبل الكرمل- الفنار،
ودُوّنت من قبلنا بتصرّف
ما جرى في حياتنا هو بفعل يد الله...
السيّدة مايا الهبر
15/2/2015
مُنذ عشر سنوات كان اختبار واقع الموت، الموت المفاجىء لوالدي، باسيليوس، الذي لم يكن يُعاني مِن أيّ مُشكلة صحيّة. كان عمري 19سنة، وكنتُ أظنّ أنّ الموت فكرة بعيدة عنّي، وأعتقد دائمًا أنّ الموت يكون لشخصٍ مريضٍ، كبيرٍ في السنِّ، ولم أكن أدرك أنّه يُفاجِئنا أحياناً.
في ذلك اليوم خرج أبي لرياضته ولم يَعُد، وبالطبع كانت صدمة كبيرة للعائلة، وواجهنا واقع الموت. ولكنّ الله، في هذه الفترة الصعبة، رافقنا في حياتنا ولم يتركنا أبداً، إذ كانت دعوة لي لفهم حقيقة سرّ الموت... فتغيّرت حياتي وحياة عائلتي.
بعد موت أبي، بدأنا نصلّي مع إخوتي وأمّي صلاة السبحة يوميًا علّ محبتُنا له تدوم. وبعد فترة قصيرة، بدأنا نشعر بتدخّل عناية الله في حياتنا، وحضور أبي خاصة من خلال مواقف صغيرة حصلَتْ معنا، أكدّتْ لنا حضورَه، وحقيقة القيامة، ووجود حياة ثانية ما بعد الموت... مما أفاض في قلوبنا الفرح والتعزية والسلام. وهنا أدركنا أنّ الإنسان الذي يموت يبقى حيّاً ونلتمس حضوره إذا واظبنا على الصلاة. وموته لا يعني نسيانه أو عدم ذكر اسمه.
وفي قدّاس الأربعين الذي كان في زمن القيامة، يُرَدَدُّ دائماً في القدّاس البيزنطي: "المسيحُ قَامَ مِن بين الأموات، ووطىء الموتَ بالموت، ووهبَ الحياةَ للذين في القبور". عندها فهِمتُ العبارة بمعنى جديد، فهمْتُ معنى القيامة، ودخل السلام إلى قلبي، وخلعتُ اللباس الأسود وارتديتُ الأبيض بدلاً مِنه لأنّه رمز القيامة، وبعد أن عشتُ والعائلة علامات تعزية وفرح القيامة من خلال تدخل عناية الله وتدبيره في حياتنا، دُعينا للصلاة من أجل الموتى وابتدأتْ مسيرةُ "اذكرني في ملكوتك".
وبعد هذه التجربة، فهمتُ المعنى الحقيقي للحياة، والحياة الحقيقية هي ما بعد الموت. فالحياة الأرضيّة جزءٌ صغيرٌ من حياتِنا، والجزء الأهم يأتي لاحقاً. وأصبحتُ أعتمد على الله في حياتي بشكل أكبر، أعيش حضوره وأذكره في يومي مراراً.
في البدء، لم نكن نفهم ما يحصل لنا، ولا الغاية في وقتها، وهنا أدركنا أن الله يقودنا في طريقنا ويعرف ما هو الخيرُ لنا. وما جرى في حياتنا هو بفعل يد الله... وكلّ المشاكل والصعوبات التي كنّا نواجهها في حياتنا أصبحنا نعتبرها صغيرة، فالمهمّ أن نعيش بمحبة ورجاء لنصل إلى الحياة الحقيقية...
وإذا اعتبرنا أن هذه هي الحياة الحقيقيّة التي نُخلق فيها، نعيشها، نواجه المشاكل والصعوبات، ونموت من بعدها، فلا نكون قد اختبرنا المعنى الحقيقيّ للحياة بعد، فهذه حياة بسيطة وتمهيد للحياة الثانية التي هي حياة الملكوت.
وإذا ابتعدنا نحن كشبيبة عن التفكير بموضوع الموت، فلا يعني أنّه بعيد عنّا حقّاً، فإنّه سوف يدقُّ أبوابنا من دون أن نعلم، ويجب أن نكون دائماً حاضرين لنتقبله ونفهمه، ولنساعد من حولنا بإيماننا المسيحي. فالقيامة هي ركيزة المسيحيّة، ويقول بولس: "إن لم يَكُن المسيح قد قام فباطل إيمانكم".
وأخيراً علينا أن نكون، نحن الشبيبة، العلامة الفارقة من خلال لبس الأبيض في الحزن، وقول جملة "المسيح قام "...فكلّ هذا من المؤكَّد أنّه سيؤثر في أحدِّ الموجودين ويمسّه ويُغيّر له حياته. وأيضًا أن نعيش الحياة الحاضرة بمحبة ورجاء ولكن من دون نسيان النظر إلى الأعلى والتفكير بالحياة الثانية.
ملاحظة: شهادة حياة لمايا باسيليوس الهبر في نشأة الجماعة، أثر اختبار واقع الموت بانتقال والدها الى الحياة الأبدية.
الألم الخلاصي
بقلم السيّد مارون عون
22/10/2013
بِشكرِك جماعة "اذكرني في ملكوتك" لأنك كنتِ آداة لسلام الرب بقلوبنا وسمَحتيلنا نقدم هالشهادة، اللي من جهة هي تعزية إلنا من السما، ومن جهة تانية تنعرّف الناس عرسالة طوني وليال اللي بلشت بوجودن عالأرض، وما انتهت رسالتن بس تركوا هالأرض، لأنو النصر ابتلع الموت متل ما قال مار بولس وطلعوا عالسما!
صحيح الموت حقيقة مرعبة، بس الحقيقة اللي بنعرِفا هي الشي اللي بنعرفوا عن الحقيقة. حقيقة مرعبة إذا وقفنا عندا بنظرنا المحدود، أما إذا شفناه بإيمانَّا، ببصيرتنا فهو لحظة عبورنا (النفس البشرية)، من جسد مادي حي لحي بلا جسد مادي لملاقاة الآب الأزلي، لأن إلهنا ليس إله أموات بل إله احياء. وهو القيامة والحياة، به كونُ كل شيء وله يطمح كل حي. يعني بلحظة الموت، بتشلح النفس الإنسانية جسدا لتِنكِشِف أمام الخالق وأهل السما يعني بتولد فوق، ويبلش ساعتا العرس، عرس قانا السماوي حيث الزغاريد والفرح والخمرة السماوية التي لا تنضب. ونحنا هون عمنبكي! (متل وداع الأحبة على المطار).
بها الشهادة ما في بكي على أبريق انكسر وكبَّيناه، بل رجا للقلوب لأنو اللي بيمشي متل طوني وليال درب جلجلة مع يسوع بيشع صليبو رجاء ونِعَم.
فوفاءً لطوني وليال، وأمانة لبراءة تخلّت عن مباهج العالم، وتحلت برجاء القيامة، وتجلِّت بالرب يسوع، وعربون شكر للرب عن حياة أبدية بدأت يوم عرفنا النور الأزلي ولن تنتهي بنهاية زمان ومكان، نشهد عن أبنائنا شهادة يسوع عن أبيه.
بهال CV الروحي تقدم طوني وليال للرب، ولأنن عاشوه مع الرب وطؤوا الموت بالموت.
ليال كانت تحلم تعمل حكيمة (تحكم الأولاد ببلاش)، وطوني كان بدو يعمل محامي (يدافع عن المظلومين) وخوري كمان تيعطينا الفرح ويسوع متل ما قال. لكن مشيئة ربنا إنو ليال وطوني يسبقونا ويحققوا مستقبلن اللي ما بيسرقو لص ولا بيفسدو السوس، وصاروا بنعمة الله، محامي وحكيمة للنفوس مش بس للأجساد، لأنن نالوا مرتبة عالية: السما.
يسوع بليلة آلامو عطانا أسرار للكنيسة اللي ما فهما تلاميذو بوقتا إلا بعد حلول الروح القدس بالعنصرة. وموت ليال وطوني حمل أسرار كبيرة إلنا ما فهمناها إلا بعد تدخل رباني لفهما.
طوني طلع من 10 سنين (2002) وكان عمرو 7 سنين، ليال طلعت من 5 سنين (2007) وكان عمرا 14 سنة.
طوني طلع ليلة عيد مار مارون 8 شباط (عيد اسمي أنا)، وليال يوم عيد ميلادي أنا ب 22 شباط. تنيناتن طلعوا يوم جمعة. تنيناتن طلعوا أول الصوم، طوني آخر يوم جمعة قبل عرس قانا وليال أول يوم جمعة بعد عرس قانا. وكأن الرب بيقول: لن تصومَ العروس بعد اليوم، فالعريس معها بعرسٍ دائمٍ أبدي حيث لا تنضب الخمرة السماوية على مائدة الحمل، كفاكِ صوماً عن مأكل ومشرب وحتى هواء هذا العالم.
تجادلت كتير يومتا - بس تركتنا ليال - أنا وربنا وشارَعتو كتير وصلَّيتلو كتير كمان، وتاني نهار نحنا وآخذين ليال عالضيعة وبعدا الشريعة والصلاة ماشية، وأسئلة كتيرة وكبيرة بسألا: ليش صار هيك؟ الموت قصاص؟ ليه أخدتن بأعيادي؟ شاطر تقلنا كل ما نسحب آية عَنيِّة ليال: هالمرض مش للموت! وإنو الصبية لم تمت! إنو السما والأرض بتزول وكلامي ما بيزول! وفجأة بسمع الله بيقلِّي بعقلي: إنتو مش من هالعالم! وحل السلام بلحظتا بقلبي محل الاضطراب، وإجت معا جمل كتيرة بفكري بتفسرها: أنا بدي قديسين! ولادكن ما بتحبوهن أكتر مني! أعيادكم أعياد سماوية مش أرضية.
كتير من الآيات تغيَّر معناها إلنا من بعد ما صاروا بقلب الله. لأنو كنا نفسِّر كلمة الله من منظور بشري مادي بعقل محدود، وعقلنا المحدود ما بيقدر يفسر العقل اللا محدود: الله.
نحنا بدنا صحتنا وجسدنا يعني بعدنا عمستوى الوصايا العشرة الجسدية. وربنا بدو خلاص نفوسنا نحنا أبناء الملكوت عبر الوصية الجديدة اللي حطّا بقلبنا: أحبوا بعضكم بعضاً. وقلنا: ما تخافوا من يللي بيقتُل الجسد، خافوا من يللي بيقتُل الجسد والروح.
أوقات كتيرة ربنا بيستخدم ألمنا ووجعنا لتطهير ذاتنا وصَقْلا لتصير طاهرة خرج السما وهيدي غاية الخلق كلو. ربنا زرعنا عالأرض نصبة برية، طعّمنا بالعماد بروحو القدوس، وسقانا بدمو عالصليب، وغذانا بجسدو وكلمتو، ومن وقت لتاني بيشحِّلنا بالألم، تَنُورو يضرب كل زوايا قلبنا ونثمر الثمر اللي بيستحليه، ويكون عنا ما يؤكل، حتى ما يلعنَّا الرب متل ما لعن التينة اللي ما فيا ثمر. وكمان ربنا بيستعمل ألمنا كرمال الناس التانيين، وهيدي ما كنت افهما كيف بتصير، لمرة كنا بنزور القديس نعمة الله ليلة عيدو، وكان في ناس كتير، انوجعِت ليال وصارت تبكي، وبعد ربع ساعة إجت ست وقالتلي بدي بوس البنت، صرلي 5 سنين ما كنت اقدر صلِّي المسبحة وهلق كرمال بنتَك رجعِت من برا وصليتا بفرح كمان. إخوتي بألمنا بس نحملو مع يسوع، منفدي ذاتنا. فماذا يدفع الإنسان فداء ذاته؟ يسوع وتألم لفداء البشرية. والألم مَنُّو بالضرورة جسدي في يكون نفسي أو معنوي...احوا تنيناتن بسلام. آخر جملة قالا طوني: اعطيني يا ماما ماي مصلَّاية، متل آخر طلب ليسوع عالصليب: أنا عطشان. آخر ليلة بالبيت قالت ليال لإما (متل ما قال يسوع لتلاميذوا باآخر ليلة معن: اسهروا معي): اسهري معي يا ماما. هيدي آخر ليلة بسهر فيا معك، مع إنَّا رايحة تعمل عملية صغيرة (صارت عاملتها 7 مرات). وقالت لإما كأنا بدَّا تصرف عملتها المادية بالعملة الروحية بآخر جردة حساب عالأرض: بتعرفي يا ماما شو قيمة 13 سنة وجع ؟! ليلتا ما استرجت سَيِّدة تقلَّا :القداسة! والصبح ودعِت الكل وشلحِت أساورها ورحنا عالمستشفى. وآخر جملة قالتها ليال للحُكَما بالمستشفى: ما تعزبوني بقا، بعد ساعة بكون مع خيي!
- اللي بعزينا، إنن كانوا يسوع المتألم قدامنا، وهلق صاروا يسوع القايم من الموت بقلبنا. ما رفضوا ألمن ولا لحظه. مرة زار الأب دومينيك طوني بالمستشفى وقلو: يا طوني، هلق جايي يسوع يشفيك، كان جواب طوني (عمرو 6 سنين): أنا بدي يسوع يشفي كل الأولاد اللي بالمستشفى قبلي، وبعدن إذا بدو، يشفيني! خبرنا الأبونا هالقصة عقدَّاس الأربعين لطوني وقال: شو حسّيت حالي صغير قدام هالطفل الكبير، جربت اعطيه أمل علّمني إيمان. وقداس ال 40 كان أَحَد الأعمى وكان تعزية كبيرة إلنا لأن كنا وَهَبنا عيونو، و40 ليال كان أربعاء أيوب.
- اللي بعزينا، إنن آمنوا واختبروا إنو الرب هو الطريق والحق والحياة، ومن هيك بس ماتوا عاشوا الحياة. مرة بِكيِت سيدة بس كان كاهن عم بيصلي لطوني، بس فلَّينا قلا طوني يا ماما ليه عم تبكي؟ مش عارفه إنو الخوري بيعطينا يسوع، بيعطينا الفرح؟!
- اللي بعزينا، إنن بالسما. إنن بعمر صغير وصلوا مطرح ما كتار منا بيسعُوا يوصلوا، بس قلال يلِّي بيوصلوا. مش صدفة سموه الشباب لطوني: مختار، فكانوا يجوا حتى يسلّوه فيسلِّيُن طوني إلن. وكان طوني وليال مختارين من الله كمان، استحلاهم الله بعمر صغير بس بقلب وروحانية كبيرة، وَعدِت العذرا طوني اللي كان دايما يحكيا إنَّا بدَّا ترجَع تاخدو عالسما وتاخد ليال كمان، وقالتلو مرة: يسوع بيحبك، وما قلنا هالشي إلنا، بل لكاهن كان يرافقو، ونحنا ما عرفنا إلا بوعظة هالكاهن يوم مأتم ليال.
- اللي بعزينا، إنن شكروا ربُّن عكل شي بحياتن، حتى ألمن، وكأنن مع أيوب عم بيقولو: بقبَل المليح من ربنا وما بقبل المــَنُّو مليح؟ سأَلِت طوني مرة بعد كريزة وجع: كيفك هلق بابا؟ جوابو كان: كتّر خير الله، شو بدي أحسن من هيك!
- اللي بعزينا، إنو مع ألمن، ما فارقتن لا البسمة، ولا الفرح، ولا محبة حتى يلِّي وَجعوون بشك الإبر بالمستشفى. "رح ضَلني حبكن ولو وجعتوني"، قالها طوني للممرضة بعد ما شكِّتو إبر كتيري. وطوني الصغير حتى يعطي معنويات لليال الأكبر ب سنتين، كان يشك حالو الإبر بالمستشفى قبل ليال. أو يقلِّي: نام بابا حد ليال، أنا ما بتفرق معي. وبس يجي ولاد لعنا يحتار بشو بدّو يلعبن مع إنو هوي مربط ب 3 شرايط
- اللي بعزينا، إنو الموت ما فرَّق عيلتنا بعدنا بنلتقا ولو ما بنشوف بعضنا ببَصَرنا، بل بإحساسنا بمناسبات كتيرة. (زخائر سانت تريز في الوردية وتراتيل شو حلوي السما ويا مريم يا أم الله...)
- اللي بعزينا، إنن بحياتن فهموا معنى تعالوا إليّ أيها التعبون وأنا أريحكم. فكانوا وقت الوجع يقولوا: مع آلامك يا يسوع، الله كبير. وبس يكونوا مرتاحين كانوا يتساءلوا شو عم يعمل يسوع هلق؟ أفضل ترتيلة إلن: شو حلوي السما. ويا مريم يا أم الله.
- اللي بعزينا، إنو رحمة الله تحنَّنِت علينا ب"إيمانويل" قبل ما تركتنا ليال ب 3 أشهر. كنا مفكرين إنو "إيمانويل" الدَّوا لليال حتى تتحسَّن نفسيتا، لكن تدبير ربنا يكون "إيمانويل" الدوا إلنا (أنا وسيّدِة) تنتحمل فراق ليال وشوقنا إلن بفرح ورجا وإيمان. ع 40 ليال، قدَّمنا "إيمانويل" للمذبح مع القرابين، كتار حَوالينا خافوا وقالوا الله بيجرِّب، قدَّمتولو تنين وبزيادة! كان جوابنا: الله بيعطي تيقدِّس مش تيجرب! وحمدلله "إيمانويل" نعمة كبيرة من السما، وعن جد الله معنا، وأصلاً هو هدية من ربنا، هيك قلِّي الرب بحلم بس أخد طوني. بشكر الله اللي حط فيه وزنات كتيرة من إيمان وصحة وذكاء ونشاط قد 3 اولاد، بيمشي متل المغوار. بشكر الله عإيمانويل اللي عم ينما بالقامة والنعمة والحكمة بنظر الله والعالم.كتِّر خير الله خيراتو ونعمو كتيرة. وزاد بشفاعة ليال وطوني عنعمة الله معنا (إيمانويل) بعد 6 سنين. سنة (2013)، نعمة مريم (غريس ماري). يوم اللي خِلقت "غريس ماري" سألني الرب بآية: وأنتم من تظنون أني هو؟ فكان جواب القلب حاضر: ملك المجد والرحمة...
- بنشكر الله، عسيّدِة اللي حملت معي صلبان الجلجلة وكنا واحد، أنا أوقات بس إتعب قلِّل خَصِيِّة، سيِّدة مع كل تَعبَا ومرضَا ما قلَّلِت خَصِيِّة. مرة سألتا: كيف بتفضلي تكون حياتنا؟ متل هلَّق أو متل قبل ما تركونا ليال وطوني؟ تفاجَئِت وجاوبت بعدين: ياريت كنا بهالإيمان من زمان وما تركونا ليال وطوني!
- بنشكر الله، عكل قيرواني حطُّو بطريقنا وكانوا كتار من أهل وأصحاب وجماعات صلاة.
- بنشكر الله، على ثقتو الكبيرة فينا: عطانا صليبين بدل صليب، يعني وزنتين بدل وزنة. ورجانا كبير بس يسترد رب البيت أمانتو انشالله نردُّن عشرات الوزنات، ورجانا يقلنا الرب: يا لكَ من عبدٍ أمين حكيم، كنت أميناً على القليل، رح قيمَك عالكتير.
- بنشكر الله، ع حُضُورو الدايم معنا بسر القربان اللي بنلتقي فيه بكل قداس مع ليال وطوني الحاضرين بقلب الرب. كنا نحضر قداس متل الغربا كل يوم أحد . هلق صرنا بنحضِّر الوليمة مع ليال وطوني ليسوع.
- بنشكر الله، لأنو عطانا 3 مصابيح (قلبنا، عقلنا، إرادتنا) وبنوعدوا تبقى مليانة (محبة، إيمان، ورجا) وبس يرجع العريس السماوي رح يقول: تعالوا يا مباركي أبي ورِثُوا الملكوت.
ومتل ما كنت قول ليسوع بس كنت نام حد طوني (بقي سنتين على الأوكسيجين): يا رب ساعدنا نحافظ عأمانة الروح، إذا ما قدرنا نحافظ عأمانة الجسد. بقول للرب هلق: روحنا أمانة مِنَّك بجسدنا، ساعدنا نكون شهودك، مقرَّك، مَطَلَّك، فِعلِة بكَرمَك، أداة لسلامك، واحد بخدمتك ثابتين بمحبتك.
ولطوني وليال الحاضرين معنا بكل لحظه من حياتنا بقول: بابا اشتئنالكُن، ونحنا هون لأنّا فخورين فيكن، بماضيكن وحاضركن، اللي ما في زمن يلغيه، فخورين بأرضكن وبسماكن. مجَّدتوا الله على الأرض بإيمانكن بذكاكن بجمالكن وبمرضكن، ورجانا أكيد إنو الرب رح يتمجَّد كمان بقداستكن عَمَذبَحو. وبنعاهدكن نلتقي فيكم دايماً بسر القربان مع الرب.
وللعدرا بوصيَّا متل ما وصّاها يسوع عالصليب بيلِّي بيحبُّن: هذا ابنك! اهتمي فيه
إمي العدرا الحنونة مطرحنا إمُّن كوني
وكل ليلة إنتي ويسوع بوسي ليال وطوني
وبختم بهالوصية اللي تركتلنا ياها ليال بأجندة فاضية ومسكرة بقفل، كأنا الوصية: شيل الزعل من قلبك، ما تخاف ما تِتردَّد، صدقني وتأكد، إنو الله بحبك!
صلاة:
المجد للآب الخالق والابن الفادي والروح القدس المعزي إلى الأبد. آمين
أيها الآبُ الخالق الأكثر حباً وعطاءً، أيها الابن الفادي الأكثر رحمةً وحناناً، أيها الروح القدس المحيي الأكثر عزاءً وطهارة، يا الله اللا محدود الجود والصَّلاح، انظر إلينا برحمتك لا بعدلك وأعطنا بشفاعة ليال وطوني و بحقِّ آلامهما الموجعة نعمة......وأعطنا أن نحمل ألمنا بفرحٍ وإيمان ورجاءٍ، فِداءً عن خطايانا وخطايا العالم أجمع، مردِّدين مع الملائكة: المجد لله في العلى وعلى الأرض السَّلام والرجاء الصالح لبني البشر. ليجرِ يا رب دمك في عروقنا فيطهِّرنا ويقدسنا إلى الأبد .آمين.
المسيح قام
مارون عون
زهرة مختارة من الله فغدت شفيعة لنا ولمن عرفها
بقلم اليان صليبا لبكي والدة جنى
26/7/2009
لقد أنعم الله علينا، زوجي وأنا ،وبارك زواجنا بستة أولاد :ثلاث بنات وثلاث صبيان، نعما تزيّن حياتنا وتدفعنا لشكرانه في كلّ آن. وأمّا تصميمه لمسار حياتنا فقد شاءها مطبوعة بعلامة مميّزة مضيئة عبر ألم كبير ألمّ بأبنتا جنى وهي بعمر السادسة عشر. ولدت جنى في 11 شباط من العام 1989 في خضم أزمة أمنية، استشرى فيها الشّر ؤالحقد والقذائف على الشعب الهانئ الوديع. كان فرحنا عارماً باستقبال هذه الطفلة – الهدية التي أضفت سعادة ونالت اهتماما من جميع المحيطين بها كبارا وصغارا من أهل وأصدقاء وجيران. وكانت تنمو بالحكمة والقامة .متّقدة الذكاء، سريعة الحركة، قريبة من الجميع، مرهفة الحسّ ،تداري شعور الحزين أو المتعب وتخفف عنه .
دخلت مدرسة الطفل يسوع لراهبات المحبة-بزنسون بعبدات حيث درست حتى الصف الثاني الثانوي ثمّ انتقلت الى معهد راهبات الوردية في المنتزه.كانت تلميذة نشيطة ويقظة التفكير،منطقية النقاش، مشعّة بمحبتها للآخرين ،تهتمّ بانتباه وحب بالرفاق وتضمّ الى شلّتها من كان وحيدا أثناء فرص الترفيه، تنشر الفرح والالفة .
امتازت بالمشاركة بالاْمور والنشاطات الثقافية والاجتماعية .انتمت الى حركة دليلات لبنان والحركات الرعائية .كانت صاحبة مبادرة مقدامة ،دائمة الحركة، حاضرة للخدمة ،واعية لايمانها ليس فقط بالمعرفة بل بالالتزام، محفزة رفاقها على النشاط والفرح والمشاركة .عرفت يسوع مخلّصا ومحررا للانسان وكانت أفكارها وهّاجة بحبّه ،وعرفت أنّ كرامة الانسان، وبنوع خاص كرامة المرأة ،بكلّ أبعادها، لا يكتمل معناها الا بالمسيح يسوع .
طرق المرض بابها. فتفاجأت وتفاجأنا. كانت ردّة فعلها الاولى :كيف سأتغيّب عن المدرسة لأيّام !ولم نكن وهي أيضا ،ندرك بعد خطورة مرضها. (كانت في الصّف الثانوي الثاني وهي في السادسة عشر من عمرها ) .
وبعد أسابيع، وعند تبلغنا نتائج جميع الفحوصات ،تبيّن أن مرضها هو من أقسى الحالات، يستوجب علاجه دخول المستشفى لتلقّي علاجات طويلة وعلى مراحل، بأمل الشفاء. فكانت بداية الآلام و"الجلجلة".العلاجات كانت تجري عبر الشرايين بواسطة الشكّ بالأبر مباشرة أو بزرع "شامبر"أو "كاتيتر"، ممّا كان يسبّب لها ،في فترة هبوط المناعة، مجالات لالتقاط التهابات متعدّدة، مع معاناة شديدة لردّات فعل جسدية مؤلمة تسبّبها لها الأدوية .
آلام مرّة قاست، أيّام أحباط وضعف، هبوط وصعود في المعنويات ؛وكانت عالمة بمدى خطورة مرضها، اذ كشفت رمز ملفها الطبّي واستعلمت عن كلّ ما يحمل مرضها من مؤشّرات ونتائج و... كانت تلهف الى الوقت الذي تستردّ فيه نوعا ما، لتعوّض ما فاتها من الدروس ،لأنها كانت طموحة، وفي رأسها كثير من المشاريع. بعد أوّل مرحلة من المعالجات الطويلة دامت ستة أشهر، خضعت لعلاجات قصيرة داعمة على أنها اجتازت المرحلة الصعبة. فدرست قدر المستطاع وبجدّية، وتقدّمت من امتحان ترفيع الى الصّف التالي، فنجحت بتفوّق، والتحقت بمدرسة راهبات الوردية لمتابعة دراسة صفّ "العلوم العامّة"، الذي لم يتوفر في تلك السنة لدى مدرستها السابقة. فكانت متفوّقة رغم متابعتها العلاجات الداعمة من وقت الى آخر،و كانت عزيمتها على العمل قوية وبأرادة صلبة. وقد قالت مرّة لأحدى المريضات في المستشفى ،وهي في حاالة توجعّ حاد :"تطلعي بالهدف بتهون".
ألا أن أملنا وأملها بالشفاء لم يدم طويلا لأنّ ما أن حان وقت التحضير للامتحانات الدراسية الرسمية حتى عاودها المرض بشكل أكثر شراسة، ممّا استدعى أدخالها المستشفى غداة تقدّمها من الأمتحانات الرسمية، مهدّئين روعها بأنّ العلاج هو فقط لاسبوعين وكلّ شيىءسيصبح على ما يرام. وكانت تمنّي نفسها بتعويض ما فاتها من حياة طبيعية من لقاءات مع رفاقها والاهل والاصحاب .
كان دخولها من جديد الى المستشفى في 27 حزيران 2007 ،خضعت لعلاجات صعبة وقوية، وما عادت الى المنزل ألا في 31 تمّوز لتستريح، ثمّ نقلت الى المستشفى بشكل طارىْ في 6 آب 2007 ولم تبارحها ألا وقد وافت ربّها ...في 31 تشرين الأوّل 2007 .
كمّ تمنّت وترجّت أن ترجع الى البيت حيث الراحة والرفاق والفرح و...كم كان صعبا عليها البقاء في المستشفى وهي تعاني العزل والاحتجاز في غرفة سئمت المكوث فيها، مسجونة، وكم تمنّت أن تكون كالعصفورة تنتقل من غصن الى غصن في الشجرة التي تجاور المنزل .
كانت الصلوات والتساعيات والابتهالات والتضرّعات ترفع لأجلها من جميع من عرفها وعرف العائلة في الوطن وبلاد الاغتراب بشكل متواصل. في المراحل الاولى لمرضها ،كانت منتفضة على وضعها، تمرّ بفترات أمل بالشفاء، ولكن عندما أنتكست حلتها من جديد وهي الموعودة بالشفاء التام، صعبت لديها الأمور جدا"لأنّها كانت ترغب بملء جوارحها أن تتخصّص في دراسات عليا وتبرع فيها ....ألا أنها في ألأشهر الأخيرة، ومع احاطة الأهل لها،كباراً وصغاراً، ومشاركتها الصلاة يوميا مع تشجيعها أن لا أمر عسير عند الله، انتعش ألأمل لديها وطلبت من عمّها المونسنيور منصور لبكي أن يمنحها سرّ مسحة المرضى، آملة بمفاعيل السّر .فكان لها ما أرادت ضمن الاحتفال بالذبيحة الالهية في غرفتها في المستشفى يوم 24 آب 2007، بحضور العائلة . قوي رجاؤها وأخذت تتحوّل الى أنسانة متأملة وكأنّها أدركت معنى "الحياة ". يأتي أليها والدها كلّ يوم ويصلّي معها ومن حضر طالبين بحرارة وأيمان استجابة السماء ...أصبحت صابرة، ساكنة، مستسلمة لمشيئة الله، وكأن روحه حلّ عليها ،فكانت بكلّ هدوء ورباطة جأش تسأل الأطباء عن مدى سوء حالتها ،فكانوا يتهرّبون من الجواب عليها ...لكنها في النهاية أدركت أن لا شفاء لها الاّ بأعجوبة .فكانت تصلّي، تصبر، وتغوص في تأملات ...تجعلني أترقّب انتهاءها من تأملها لأتكلّم معها عن شيء ما.وكنت ألرفيقة الدائمة الحاضرة الى جانبها أعيش معها كلّ الأحاسيس والأوجاع، شاهدة وعاجزة في آن، أعاين استشهادها اليومي...حضوري الى جانبها مستقوية بايماني، داعمة لها بكلّ كياني ،كان مصدر أمان لها، تسألني أذا ما تأخرت خارج الغرفة :لم تأخّرت؟هل تعانين من شيء تخفينه عنّي ؟...
بعد أن طال بقاؤها في المستشفى وازدادت قساوة العلاجات بالكيميائيات والأشعة ،وهبطت مناعة جسدها بشكل خطير ،تعاني الأمرّين من الآلام وعدم الشهية وعدم امكانية البلع الاّ بصعوبة كبيرة ...شعرت بتدهور حالتها .وقبل ثلاثة أسابيع من انتقالها الى السماء ،وكان عشية يوم أحد، بعد انتهاء الصلاة وعودة والدها الى البيت ،طلبت مني أن أدعها تصلّي كما تريد دون أن أعارض ما تودّ قوله ،فقلت لها :قولي ما تشائين ،الصلاة هي مناجاة الله .فأخذت صورة مريم العذراء وخاطبتها قائلة :"يا مريم أنت أمّي ،أنا أحبّك وأعرف أنّك تحبينني ،اشفني والاّ خذيني اليك في هذا الليل لأنّني لم أعد أحتمل آلامي "،ثمّ استدركت وقالت لي :"لا وجود لكاهن هنا في هذا الليل كي أعترف وأكون حاضرة، لعلّ مريم العذراء أخذتني اليها في هذا الليل ،سأعترف أمامك ".فذكرت بعض ما خالته خطأ ،فبانت لي نقاوتها الساطعة ...ثمّ قالت لي الآن أريد أن أصلي ليسوع ، فقالت:"يا يسوع اشفني ،اذا شفيتني سأعطيك فرح عمري"...واستفاقت في اليوم التالي وقالت لي :"شو يا ماما ، أرى أنني ما زلت حيّة هل ستشفيني أمي مريم العذراء ؟ فأجبتها "بكلّ تأكيد ...".وكنت في كلّ سانحة أشدّد ايمانها وعزمها وأملها بالشفاء .
وكأنّ الله أراد أن يهيّئها الى "اليوم العظيم"، يوم ملاقاته، فشاء أن تلتقي قريبة لنا وهي تصلّي مع رفيقاتها من أجل شفاء جنى بشخص ينتمي الى جماعة صلاة وطلبت منه أن يصلّي لأجل شفائها. فما كان من هذا الأخير الاّ أن زار جنى في المستشفى بحضوري بمعية شخص وصلّيا بحرارة وايمان وتقوى ما يقارب ساعة من الزمن ،وفي نهاية الصلوات تلقّى أحدهما رسالة روحية لجنى فيها ما معناه أن جنى هي زهرة مختارة من الله، ستكون شفيعة لكل من اهلها وعارفيها في السماء وعلى الأرض، ولكن لا أحد يعلم لا الوقت ولا الساعة الاّ الآب وحده وجنى صديقة يسوع وهو يحبّها كثيرا .
وعلم والدها بخبر عن امرأة تقيّة جدّا تصلّي مع جماعة الوردية بتقوى وايمان كبيرين، وتتلقى أحياناً رسائل من العذراء، فسألها والد جنى أن تأتي وتصلّي معها في المستشفى. فأتت بمعيّة شخصين وصلّوا بحرارة وايمان كبيرين، خلال الصلاة تلقت هذه المرأة رسالة خاصة لجنى تذكر لها محبتها الكبيرة لها وكذلك ابنها يسوع .
هذان الحدثان شدّدا ايمان جنى وقوّيا عزيمتها. وبعد أيّام ،طلبت مني جنى أن أدعو جماعة الصلاة الاولى كي يأتوا مجّدداً للصلاة معها وألحّت بذلك. فما استطعت الاتصال بهم الا بعد يومين ،فلبوا الدعوة وصدف ذلك يوم الثلاثاء عشية انتقالها الى السماء. فبعد وقت من الصلاة وكان والدها حاضراً معنا تلقى الشاب نفسه الذي تلقى الرسالة في السابق من الروح القدس قائلاً أنّك يا ابنتي كما قلت لك سابقا أنت زهرة مختارة وستكونين شفيعة في السماء والأرض لأهلك ومن عرفك. الآب يحبك كثيرا، والعذراء مريم ويسوع سيأتيان في القريب العاجل ليأخذاك الى السماء، فكوني قوية ...فما كان من والدها الا أن خرج من الغرفة وايّاهم قائلاً بارتباك :ماذا فعلتم ؟والشاب ناقل الرسالة لم يكن يدري فعلاً ما أتى في الرسالة ...أما هي فقالت لي عندئذ :ماما سأموت ،هذا واضح !فأجبتها لا يا ابنتي، لا تجزعي كوني قوية كما أعهدك فهذا امتحان لأيماننا، فيسوع في آخر لحظة استجاب لطلب مريم بتحويل الماء الى خمر ،وهو قادر أن يجعلنا نتعافى ونقوم من جديد، وهو الذي أقام ألعازر من الموت ...
وفي نفس الوقت الذي حصلت فيه الرسالة في المستشفى تلقّت السيدة التي تتلقى رسائل من مريم العذراء وهي تصلّي مع الجماعة في بيتها دعوة للصلاة من أجل المرضى خاصة لجنى التي هي الآن في حضرة الروح .وقولوا لوالديها ألا يحزنوا لأنّها ستكون معي في السماء .
مرّت الليلة الاخيرة لها على الارض في انزعاج في التنفس وضيق حتى الصباح. فقالت لي :ماما ظهري يؤلمني كثيرا هل سأموت؟ أجبتها:ما بالك هل نسيت أن ظهرك يؤلمك عندما تبدأ المناعة بالصعود ؟فأصبحت تأمل من جديد وتقوّت منادية الممرّضة كي تسحب دماً للفحص . فحاولت الممرّضة سحب الدم وقالت لي كي يأتي والدها بأناس يتبرعون لها بالدم .
أمّا الممرضات اللواتي كنّ مسؤولات عنها أدركن أنّ حالتها في خطر فطلبن الطبيب المعالج الذي وصل عند الساعة الثامنة والنصف صباحاً فطلب اليها أن تستلقي على السرير كي يصل الدم الى رأسها وقوّى نسبة المورفين لأنّ الألم قد اشتد عليها. فاستدعاني الطبيب ليقول لي أنّ حالتها دقيقة جداً، فخلت أنّها في مرحلة صعبة لكن عابرة. رجعت الى الغرفة وكانت معي احدى شقيقاتي وابن عمّ جنى. صمتنا كي لا نزعجها وقد جثونا قرب سريرها نصلّي بصمت كي تمرّ هذه الدقائق الصعبة وتفرج. وعند الساعة التاسعة وخمس عشرة دقيقة رفعت ذراعيها ونظرت الى أعلى السقف في نقطة مقابلة لسريرها كأنّها تشاهد أحداً، وحاولت الكلام بتحريك شفتيها فلم تستطع حاولنا انزال ذراعيها الى مستوى السرير كلّ من جهته ابن عمّها وأنا فأعادت رفعهما كأنّها في استقبال أحد عزيز ،فخلنا جميعنا أن أعجوبة شفاء ستحصل، فما كان بعد دقيقة من الوقت الاّ أن أخفضت ذراعيها بهدؤ وصفاء وسكينة وسكت نفسها ثمّ أسلمت الروح .
فبانتقالها أحسست أنّ جزءاً كيانياً مني قد ارتفع معها وبقي معها ...الى الآن. ما أطيب ذكراها، أحسست بيقين عميق أنّها بين يدي الله ومريم العذراء في السماء. أحسست في داخلي بفرح سماوي يختلف كلياّ عمّا يسمّى فرحاً في المفهوم العادي للكلمة: انّه العزاء الألهي. وقد كانت تردّد لي أحياناً بعد تأمّل: اذا تركت هذه الدنيا لا تحزني لأنّي سأرافقكم وأسهر عليكم من فوق .
عرفت سرّ مريم التي واكبت ابنها في مسيرة الآلام وقد كانت باتحاد معه في تلك الساعات الأليمة، وكيف كان ينسلخ قلبها مع كلّ جرح ولكمة وجلدة وآلام الشوك والمسامير، بلهفة على ولدها ...
أزاء الألم الشديد، المشاركة تكون في "صمت"مقدّس وحضور داعم قرب المتألم والاستسلام لله،فهو يأخذ بكياننا ويعمل على "حملنا" ومساعدتنا. ينفح فينا الرجاء "البقاء في هذه الحياة لآخر لحظة "،ثمّ يرفعنا اليه الى الحياة الحقّة ؛طريقه آمن ووعده أمين .
إزاء الإستسلام هذا لمشيئة الله، وبعد انتقال العزيزة جنى إليه، حفظني الربّ من السقوط في اليأس والأضطراب ووهبني اليقين في ما هي عليه جنى في السماء من سعادة. ورافقتنا علامة في المنزل وهي رمز لها : زقزقة العصافير ليلاً ونهاراً، في الصحو والمطر والعواصف حول المنزل بشكل متواصل لمدّة تسعة أشهر .
أحسّ كلّ عارفيها ومحبيها بنوع من الإرتفاع الروحي يوم دفنها وكأنهم في عرس سماوي.جسدها بقي طرياً ومفاصلها ليّنة بعد ثلاثة ايّام من انتقالها، ممّا أدهش الشبّان الذين وضعوها في النعش ....لقد رآها كثيرون في منامات كالرؤيا ،تظهر فيها في سعادة كبرى .
أشعر ببقائها الروحي معنا، شفيعة ساهرة .صعب كثيراً على الانسان أن يفارق ولده الحياة الارضية قبله، لكنّ الايمان بأنّه عبر الى الحياة الحقّة وتسليم أمرنا لله، أنّه يمنحنا العزاء الحقيقي .
انّني أتواصل مع حبيبتي جنى دائماً وفي كل وقت خاصّة في ذبيحة القدّاس الألهي حيث تشترك الكنيسة على الارض ومعها من السماء الملائكة والابرار مع الكاهن ،ويهتفون: قدّوس قدّوس قدّوس...وعندما أحيي مريم العذراء ،أقول لها تلقائياً: افرحي يا ملكة السماء افرحي وتهللي لأن الذي استحققت أن تحمليه قام حقاً ووهبنا الحياة .
لقد تعرّفت على يسوع الطريق والحق والحياة منذ نعومة أظافري، ورجوت الله أن يهبني نعمة الأيمان الى آخر أيّامي على هذه الأرض، وايماني جاور اليقين فغدا القالب اليومي والأطار الثابت الذي يحتوي كياني ومسيرتي وتفكيري ونظرتي الى الأمور رغم دراستي للفلسفة التي بهت لمعانها أمام ايماني، خاصّة عندما اندلعت الحرب في لبنان حيث ضاع المنطق وانتكست الثقافة وباتت صمّاء أمام العنف. انّ اختباري الوجودي الذي عشته مع ابنتي الحبيبة جنى أثناء مرضها، فاق كلّ علم وثقافة وفلسفة: انّه مسيرة حياة مليئة بالنعم بارّة أدهشني ذكاؤها وايمانها واستسلامها بأمان لخالقها وهي بعد طريّة العود، ترسّخت لديّ بالاختبار مرافقة الله للانسان في المحنة، يمنحه القوّة في الضعف، و"يحمله"أي يساعده بما يلزم ويأتي لملاقاته عند عبوره الى الضفة الاخرى أي الحياة الحقّة معه. فلا خوف يعتريني بعد منذ ذلك اليوم لأنّي لا أزال مأخوذة بدهشة رحيلها الفائق الطبيعة البشرية ويمتلكني شعور رائع لما للانسان البار من رفعة في قلب الله. فيوم تحين ملاقاتي لربّي ستأتي جنى اليّ لمرافقتي .
كلّ يوم لنا هو فرصة للتعرف اكثر على يسوع خلاصنا فلا ندع الفرص الثمينة للعيش معه تضيع منّا بالتلهّي عن معنى الحياة الحقيقي،كلّ لحظة هي فرصة خلاص لنا ولمن حولنا.
حيّ المسيح يسوع، طوبى لمن يعرفه ويعمل بكلامه.
Copyright ©2024 Ouzkourni. All rights reserved. | خريطة الموقع |