البحث في الموقع

كلمة الحياة

العظات

29/6/2018 "أنت المسيح، ابن الله الحيّ، مخلِّص العالم" الأب نيقولا حداد

عظة الأب نيقولا حدّاد
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
كنيسة دير القدِّيس بطرس - مرمريتا

29/6/2018

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.

الله معكم إخوتي،
منذ ستّة أشهر، انطلقت جماعة "أذكرني في ملكوتك" في هذه الرعيّة، من خلال القداديس الشهريّة الّتي تُقدِّمها من أجل الراقدين على رجاء القيامة. نشكر الله على هذه العائلة الّتي وُلِدت في رعيّتنا، والّتي تنمو يومًا بعد يومٍ زارِعةً الرّجاء والإيمان والمحبّة في قلوب المؤمِنِين.

من خلال النّص الإنجيليّ الّذي تُلِيَ على مسامِعنا، يَطرحُ يسوعُ السؤالَ على كلِّ مؤمِنٍ به، قائلاً: مَن أنا بالنسبة لك؟ هل أنا إيليّا، أو يوحنّا المعمدان، أو أحد الأنبياء؟ نصلّي إلى الله كي يكون جوابنا، على سؤال الربّ، واحدًا: "أنت المسيح، ابن الله الحيّ، مخلِّص العالم". على الرّغم من تحقيق الربّ الخلاصَ لنا بموتِه على الصّليب، ومَنْحِنا الحياة الأبديّة، لا يزال الموت سبب إشكاليّة لنا، فنطرح السؤال: لماذا لا يزال الموت موجودًا؟ إنّ الموت لا يزال موجودًا في هذه الأرض، لأنّ ما لهذه الأرض، يبقى في هذه الأرض، وما للسّماء يعود إليها: هذا هو إيماننا المسيحيّ. وبما أنّ قلب الإنسان لا يرتاح إلّا في الله الّذي منه خَرَج، كان عليه أن يعود إلى السّماء، أي إلى قلب الله خالق البشر، فيَجِد راحته. إنّنا نصلّي من أجل أمواتنا الرّاقدين، لأنّنا نشكِّل معهم الكنيسة الّتي رأسها المسيح: فَهُم قد تكلّلوا بالمجد وانتقلوا إلى الحياة الأبديّة، بينما نحن لا نزال نجاهد في هذه الأرض. ونصلّي أيضًا في هذه الذبيحة الإلهيّة، من أجلنا، كي نَثبُتَ على الإيمان بيسوع المسيح، الّذي وَعد المؤمِنِين به بالحياة الأبديّة. إذًا، على المؤمِنين أن يميِّزوا ما بين الحياة على هذه الأرض، وبين الحياة الأبديّة في السّماء: في هذه الأرض، تَحِلُّ الظلمة حين يغرب نور الشّمس، أمّا في تلك الحياة، فشمس الربّ ساطعةٌ أبدًا، لا يغرب نورها؛ في هذه الأرض، يسيطر المرض والضُّعف والألم والشَّقاء، بينما في الحياة الأبديّة، يعمّ الفرح والسّلام، فهناك لا تَنَهُدّ ولا بكاء ولا أوجاع.

إنّنا نعيش في هذه الأرض كغرباء، ولذا لا بدّ لنا أن نرحل عنها، أمّا في تلك الأرض السماويّة، فسنعيش كأبناء، ولذا نتجرّأ على الصّراخ لله الآب:"أبّا". فمَن كان أبوه حيًّا لا يمكننا أن نسمِّيه يتيمًا، وبالتّالي لا يمكن للمؤمِن أن يكون يتيمًا إذ كان لديه أبٌ حيٌّ وهو الله، وأمٌّ هي العذراء مريم الّتي انتقلت إلى الحياة في السّماء. إنّ الّذي يؤمِن بالربّ يسوع، لا بدَّ له أن يتَّخذ العذراء مريم، والدة الإله، شفيعةً له، وبالتّالي فإنّ المؤمِن لا يستطيع أن يعيش يتيمًا لأنّه مغمورٌ بالحنان والعاطفة السماويّتين، من الله ومن العذراء مريم، ومن جميع القدِّيسين الّذين سبقونا ورقدوا للحياة الأبديّة.

ليست الحياة على الأرض، سوى ممرٍّ، لجميع البشر، يصل بهم إلى السّماء، حيث الفرح الأبديّ، والشمس الّتي لا يغرب نورها، وحيث المنازل السماويّة معدَّةٌ لنا مِن قَبلِ إنشاء العالم. آمين.

ملاحظة: دُوِّنت العظة من قِبَلِنا بتصرُّف.

تتمة...
28/6/2018 "أنت هو المسيح، ابن الله الحيّ" الأب مخايل عوض

عظة الأب مخايل عوض
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
الذكرى الثالثة لانطلاقة جماعة "أذكرني في ملكوتك"
في كنيسة مار الياس الحيّ - عين الصِّفصاف

28/6/2018

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.

إخوتي الأحبّاء،
في هذا المساء، نحتفل بالذبيحة الإلهيّة، في مُناسبَتَين عزيزَتَين على قلبي وعلى حياتي الروحيّة، هما: عيد القدِّيسَيْن بطرس وبولس، والذكرى السنويّة الثالثة لانطلاقة جماعة "أذكرني في ملكوتك" في هذه الرعيّة المباركة.
تَصِفُ الكنيسة المقدَّسة القدِّيسَ بطرس في صلواتها، بأنّه "رُكن الإيمان"، على الرّغم مِن وقوعه في تجاربَ إيمانيّة عِدّة أظهرَتْ ضُعفَ إيمانه بالربّ يسوع. وفي الإنجيل الّذي تُلِي على مسامِعنا اليوم، طَرَح الربّ يسوع على رُسُلِه سؤالَين: الأوّل، حول رأي النّاس به كابن الإنسان، والثّاني حول رأي الرّسل به، فكان جواب بطرس الرّسول: "أنت هو المسيح، ابن الله الحيّ" (متّى 16: 13-20). يعبِّر جواب بطرس عن جوهر الإيمان المسيحيّ، ولذا اختاره الربّ ليكون الصّخرة الّتي سيَبْني عليها كنيسته، فالربّ لم يَختَرْ إنسانًا متزعزعًا في إيمانه، إنسانًا لا يرى في المسيح سوى نبيّ كسائر أنبياء العهد القديم، بل اختار الربُّ إنسانًا ثابتًا في إيمانه، يملك الجرأة لإعلان حقيقة الربّ بأنّه "المسيح ابن الله الحيّ". إنّ الإنسان غير المؤمِن بالربّ لا يستطيع الاعتراف بالمسيح ربًّا، وبالتّالي هو إنسانٌ لا يؤمِن لا بتعاليم الربّ ولا بتعاليم كنيسته، لذا يرفض الإيمان بالرّوح القدس وبقيامة المسيح وسواها من الحقائق الإيمانيّة. إنّ إعلان المؤمِن إيمانه بالربّ، قائلاً فيه إنّه "ابن الله الحيّ"، يفرِض عليه السّلوك بموجب تعاليم الربّ كي تكون حياته منسجمة مع ما يؤمِن به، أي أنّ عليه أن يحفظ تعاليم الربّ، ساعيًا يومًا بعد يوم، إلى التطهّر من خطاياه ليتمكّن من معاينة مجد الله عند انتقاله من هذه الفانية. وحده الإيمان بالربّ، هو الّذي يدفعنا إلى القيام بتلك المسيرة الروحيّة للوصول إلى المجد الأبديّ.
أمّا في هذه الرِّسالة الّتي تُلِيَت على مسامِعنا، فيُخبرنا بولس الرّسول بمعاناته في مسيرته التبشيريّة إذ يقول لنا: تَلَقَيّتُ الـجَلْدَ مِنَ اليهود خمس مرّات، كلّ مرّةٍ أربعون جَلدةً إلّا واحدة! رُجمتُ مرّةً واحدة! انكسرَتْ بيَ السّفينةُ ثلاث مرّات! "(2 قور 11: 21-30). وبهذا الوصف لاختبار بولس، نتذكّر كلام الكِتاب القائل: "ما لم تَرَه عَينٌ ولَا سَمِعَت به أُذُنٌ ولا خَطَر على قلبِ بشرٍ، ذلك ما أعدّه الله للّذين يُحبّونه" (2 قور 2: 9). إنّ الربّ قد أظهر نفسه لبولس الرّسول حين كان في طريقه إلى دِمشق لاعتقال المؤمِنِين به، فظهر له بشكلِ نورٍ ساطع أعجزَ الرّسول عن متابعة مسيرته في اضطهاد المسيحيّين. فاهتمّ حنانيا ببولس الرّسول، استجابةً لطلب الربّ منه، وعلَّمه الحقائق الإيمانيّة، فعبَّر هذا الأخير عن رغبته في الالتزام بالربّ، طالبًا من معلِّمه أن يمنحه سرّ العِماد، فكان له ما يريده. وعندما تعمَّد، سقطت القشور عن عَينَيّ بولس الرّسول وعاد إليه نظره، فتحوّلت رؤيته إلى الحياة، وتحوّلت معها حياته من مضطهِدٍ للمسيح إلى مبشِّرٍ به. كان بولس يؤمِّن قوتَه الأرضيّ من عَمَلِه في صناعة الخِيام، وهو قد رَفضَ القبول بمساعدات أهل كورنثوس مخافة أن يؤثِّر ذلك على قبولهم بشارته.
في هذا العيد، تُلقي الكنيسة الضوء من خلال هذه القراءات على الاضطهادات الّـتي يتعرَّض لها المؤمِنون بالمسيح: فالاضطهادت لاحقت المؤمِنِين مِن عهد الرّسل إلى أيّامنا هذه، ولكنَّ الكنيسة تدعونا إلى التشبّه بالرّسول بولس، الّذي تحمّل كلّ تلك المعاناة في سبيل إيصال كلمة الله للآخرين. أمام كلّ هذه الاضطهادات الّتي نُعانيها اليوم في سبيل البشارة بالمسيح، يُطرَح علينا السؤال: ما هو هَدَفنا من البشارة بالمسيح: أهو الحصول على مجد النّاس، أم على مجد الله؟ فإنْ كان مجد الله هو ما نصبو إليه، فإنّ تلك الاضطهادات الّتي نُعانيها، والّتي قد تُحرِننا إلى حين، ستدفعنا إلى التفكير في وعود الربّ الّذي لم يَعِدنا بفرحٍ أرضيّ زائل، إنّما بفرحٍ سماويّ لا يزول. لذا فلنطلب من الربّ بشفاعة القدِّيسَين بطرس وبولس، أن يـَمنحنا النِّعمة لاحتمال صعوبات هذه الحياة، فنتمكّن من الوصول في نهاية هذه الحياة إلى المجد الأبديّ، ومعاينة وجه الله.
في هذا المساء المبارك، تُصادف أيضًا الذِّكرى الثالثة لانطلاقة جماعة "أذكرني في ملكوتك" في هذه الرعيّة، والّتي تحثّ المؤمِنِين على الصّلاة لأمواتهم. إنَّ صلاتَنا لأمواتنا قد تتخِّذ أشكالاً متعدِّدة كالسُّجود أو المشاركة في الذبيحة الإلهيّة أو تلاوة الوَرديّة، ولكنّها تُعبِّر، على اختلافها، عن إيماننا بالربّ القائم من الموت، وبالتّالي عن إيماننا بقيامة الأموات. في صلاتنا للموتى، نطلب من الربّ أن يرحم نفوسهم، راجينَه أن يُرسِل إلينا مَن يُصلّي لنا، حين ننتقل من هذا العالم، كما نحن فاعلون اليوم مع أمواتنا. نسأل الله في هذه الذّكرى الثّالثة لجماعة "أذكرني في ملكوتك"، أن يكلِّل بالنّجاح الدائم مسعى القيِّمين على هذه الرسالة، ليتمكّنوا من نشر روحانيّتها في قلوب جميع المؤمِنِين. إنّ هدف هذه الجماعة هو تسليط الضوء على موضوع إيمانيّ جوهريّ، يقوم على تفعيل رسالة الصّلاة من أجل الموتى المؤمِنِين من خلال اشتراك المؤمِنِين في الذبيحة الإلهيّة؛ لذا وضَع المسؤولون فيها خطّة عملٍ تبشيريّة من أجل الوصول إلى الهدف المنشود. إنّ عمَل هذه الجماعة هو عَملٌ مباركٌ ومستحقّ كلّ التقدير، على هذه الأرض وفي السّماء.
أمام رسالة هذه الجماعة، وهي الصّلاة للرّاقدين، يُطرَح علينا السؤال: ما هي فائدة صلاتنا لأمواتنا: أيحتاج الربّ لصلاتنا كي يرحم أبناءه المنتقلِين من هذا العالم، خاصّة أنّ رحمة الله لامتناهيّة؟ وبالتّالي، أقادرة صلاتنا لله على تغيير مصير أمواتنا، وبالتّالي إلى التأثير على قلب الله؟ بالطبع، لا يحتاج الربّ لصلاتنا كي يُعامِل أبناءه بالرّحمة، فرحمته على البشر أكثر فعاليّة وقوّة من صلاتنا لهم. إنّ المؤمِنِين بالربّ، أحياءً وأمواتًا، هم أعضاء في جسد المسيح السريّ، وبالتّالي هم في رباطٍ وثيقٍ لا يستطيع الموت الجسديّ قَطعَهُ أبدًا. إذًا، نصلّي من أجل أمواتانا في سبيل المحافظة على الرّباط الإيمانيّ الّذي جمعَنا بهم، كما نُحافظ من خلال صلاتنا هذه، على رباطِنا بالله. لا نستطيع إخوتي، أن نَفصلَ ذواتنا عن إخوتنا البشر المنتقلِين من بيننا، إلّا إذا كان مصيرهم الموت الأبديّ، أي في جُهنَّم. صحيحٌ أنَّ الله لا يحتاج إلى صلاتنا كي يُعامِل أبناءه بالرَّحمة، ولكنّه يُسَّر عندما يرى أبناءه الأحياء في هذه الأرض، يعترفون بحاجتهم إليه، ويطلبون منه الرّحمة لإخوتهم الموتى. إنّ البشر هم غير مستَّحقين لرحمة الله لهم، نتيجة خطاياهم الكثيرة، ولكنّ صلاتنا إلى الله من أجل إخوتنا الموتى المؤمِنِين، تُعبِّر عن تواضعنا وتجعلنا أهلاً لتلك الرَّحمة الّـتي يفيضها الربّ علينا وعلى أمواتنا. إخوتي، لا أحدَ منّا يستحقّ أن يتناول جسد الربّ ودَمه، ولكنَّ الربّ بمحبّته لنا مَنَحنا تلك النِّعمة، كذلك هي صلاتنا من أجل موتانا، تمنحنا النِّعمة أن نكون مستحِّقين لرحمة الله لنا، حين نطلب الرّحمة لأمواتنا. إنّ المؤمِنِين، أحياءً وأمواتًا، هم في شراكةٍ دائمةٍ بالربّ، من خلال الرّوح القدس الّذي يجمعنا ويجعلنا جسد المسيح السريّ. إنّ صلاتنا لأمواتنا مبنيّة على أُسسٍ ثلاثة: أوّلا، طَلب الرّحمة لهم، ثمّ طَلب الرّحمة لنا، ثمّ طلب المعونة من القدِّيسِين. إنّ طلب المعونة من القدِّيسِين لمساندتنا في تخطّي صعوبات هذه الحياة للوصول إلى الملكوت، هو عملٌ يدلّ على تواضُعٍ منّا، وهذا ما يطلبه الله منّا، أن نتواضع، ففي عمَلِنا المتواضِع هذا يتحقّق خلاصنا.
قدّسنا الله، وباركنا جميعنا، بشفاعة القدِّيسَين بطرس وبولس، وجميع الموتى المؤمِنِين الّذين تمكّنوا من الوصول إلى الملكوت السماويّ، بنعمة الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، له المجد إلى الأبد. آمين.
ملاحظة: دُوِّنت العظة من قِبَلِنا بتصرُّف.

تتمة...
12/6/2018 :أنظروا، لا تحتقروا أحدًا من هؤلاء الصِّغار الأب عبود عبود الكرملي
https://youtu.be/nxQiFlrq7hU

عظة الأب عبود عبود الكرمليّ
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
دار المسيح الملك - زوق مصبح

12/6/2018

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.

في هذا المساء،كما في الثُّلاثاء الثّاني من كلِّ شهر، نجتمع في كنيسة يسوع الـمَلِك، الـمَلِك على قلوبنا، على حياتنا، على عيالنا، على وطننا، كي نشكر الله على كلّ النِّعَم والمواهب الّـتي مَنَحَنا إيّاها. كما نجتمع أيضًا لنتذكّر أمواتنا الّذين سبقونا إلى الملكوت السماوي، فنُقدِّم الذبيحة الإلهيّة لأجل راحة نفوسهم، إذ إنّنا نعلم أنّ الصّلاة وبخاصّة الذبيحة الإلهيّة، هي الصِّلة الوحيدة الّتي تجمعُنا بأمواتنا المنتقلين مِن هذا العالم. في الذبيحة الإلهيّة، نتشارك الصّلاة معًا لتسبيح الله وتمجيده وشُكرِه على كلّ ما أنْعَمَ بهِ علينا، كما أنّنا نتشارك في تَناوُلِ جسد الربّ، الّذي يدخل إلى حياتنا فيُقدِّسها. عظيمةٌ هي تلك النِّعمة الّتي ننالُها بأفواهنا، نحن الخطأة!

هذا الزّمن هو زمن العنصرة، زمن حلول الرّوح القدس المعزّي، والمانح الحياة للبشر. ولكنّنا للأسف، في الكثير من الأحيان، نتذكّر أعيادَ القدِّيسين ونصلّي لهم، وننسى الصّلاة للرّوح القدس، الّذي هو الله، الـمُساوي للآب والابن في الجوهر، كما نُعلِن في قانون الإيمان. إنّ الله يزرع فينا مواهبه من خلال الروح القدس الّذي ينمِّيها فينا، ويساعدنا للوصول إلى القداسة مُحقِّقين مشيئة الله في حياتنا. علينا أن نتوجّه في صلاتنا لا إلى الله الآب، والابن يسوع المسيح وحسب، إنّما أيضًا إلى الرّوح القدس، الّذي يمنحنا الاندفاع والقوّة لمتابعة مسيرتِنا في هذه الحياة نحو القداسة. ويمكننا أن نتَّخذ في هذا الصَّدد مثالاً لنا بعض القدِّيسين والقدِّيسات الّذين تمكّنوا من الانطلاق في محبّة الله الآب والابن، ومحبّة الكنيسة جمعاء، مِن خلال صلاتهم للرّوح القدس. إنَّ زمن العنصرة الّذي يمتدّ لفترةٍ زمنيّة طويلة من السَّنة، يشكِّل فرصةً لنا كي نتذكّر أهميّة الرّوح القدس في حياتنا وفي حياة عيالنا وكنيستنا، فنحوِّل صلاتنا إليه، طالبين منه أن يمنحنا القوّة والمساندة لنتمكّن من متابعة مسيرتنا على هذه الأرض. في هذا الزّمن، نتذكّر انطلاقة الكنيسة مع العذراء مريم والرّسل والتّلاميذ الّذين كانوا مجتمعين في العليّة، والخوف يملأ قلوبهم خاصّةً بعد صعود المسيح إلى السّماء. لقد تبدَّد خوفهم حين حقّق الربّ يسوع وَعدَه له، إذ أرسل لهم الرّوح القدس، البارقليط. فكلّما أدرَكنا أهميّة الرّوح القدس، كلّما ازددنا نموًّا في حياتنا.

في هذا النّص الإنجيليّ الّذي تُلِيَ على مسامِعنا، نقرأ الآية القائلة: "اُنظروا، لا تحتقروا أحدًا من هؤلاء الصِّغار، فإنّي أقول لكم: إنَّ ملائكتَهم في السّماوات يُشاهِدونَ كلَّ حينٍ وَجه أبي الّذي في السّماوات"(متى 18: 10). إنّ الربّ يسوع يدعونا إلى التشبّه بالأطفال، لأنّ الأطفال يتمتَّعون ببساطة التصرّف، على عكس الرّاشدين. إنّ تصرّفات الأطفال بريئة، ولا تهدف إلى الأذيّة، حتّى وإن بَدَت في بعض الأحيان مُزعجة. إنّ تصرّفات الأطفال تشكِّل رسالةً شخصيّة للرّاشدين في بعض الأحيان كي يتَّخذوا المبادرة في تحسين بعض الأمور الخاطئة في حياتهم، وفي الحياة من حولهم. إنّ تصرّفات الأطفال لا تشبه تصرّفات الرّاشدين: فالرّاشدون يتمسّكون بعنادهم ولا يقبلون بآراء الآخرين إذ يعتقدون أنّهم على صواب في ما يُعبِّرون عنه، وأنّ الآخرين مُخطِئون على الدّوام؛ أمّا الأطفال فهم ينصاعون لأوامر والديهم وآرائهم، من دون تحليلٍ لها أو تفكير فيها. إذًا، حين يدعونا الربّ للتشبّه بالأطفال، فهو يدعونا إلى التخلّي عن العِناد وعن التمسُّك بآرائنا، وإلى التحلّي ببساطة التصرّف، فنقبل بالإصغاء لآراء الآخرين المختلفة ومناقشتها فنصل إلى رأيٍ مشترك يجمع الآراء المتباعدة. وهذا الأمر يتطلّب مرونة من الإنسان ليتقبّل رأي الآخر، وللتخلّي عن رأيه الخاصّ إن كان خاطئًا. إنّ الأطفال يتمتّعون بنعمة الاستسلام، فهم يقبلون بآراء والديهم من دون أيّة مناقشة، ولا يختلفون مع الآخرين، على الرّغم من اختلافهم في الرأي، فحُزنُ الأطفال لا يدوم، إذ لا تلبث أن تظهر ابتسامتهم سريعًا على وجوههم. إنَّ الأطفال يعبِّرون عن محبّتهم الصّادقة والحقيقيّة تجاه الآخرين، الّتي لا رياء فيها، أمّا الرّاشدون فيتمسَّكون بكبريائهم، مستغلِّين ضُعفَ الآخرين من خلال استغلالهم للمواهب الّتي وَضعها الله بين أيديهم. إنّ الربّ يمنحنا تلك النِّعم لِما فيها مِن خيرٍ لنا وللآخرين. هذا ما يقصده الربّ بكلامه لنا، حين يدعونا إلى التشبّه بالأطفال: أن نتخلّى عن كبريائنا وعِنادِنا وأن نتمسَّك ببساطة الأطفال المتمثِّلة بالاستسلام الكلّي لوالديهم، ومحبّتهم الصّادقة لكلّ مَن حولهم.

في شهرِ نَيسانَ الماضي، أصدر قداسة البابا إرشادًا رسوليًّا بعنوان "افرحوا وابتهجوا"، حثَّ فيه المؤمنين في عالمنا المعاصر إلى السّعي من جديد نحو القداسة، لأنّها ليست حِكرًا على المكرّسات والمكرّسين في الكنيسة فقط، بل هي بِذرةٌ زُرِعت في كلّ مؤمِن يوم عماده، وبالتّالي على كلّ مؤمِن السّهر على نموِّها في حياته. إنّي أدعوكم إخوتي، إلى قراءة هذا الإرشاد الرّسولي والتأمّل به، لما له من أهميّة في إعطائنا غذاءً روحيًّا ودَفعًا نحو انطلاقة جديدة في حياتنا. فكما أنّ الإنسان يحتاج إلى طعامٍ كي يستمرّ في هذه الحياة، وإلى اللّباس كي يتجنّب البرد، وإلى الأدوية لمكافحة الأمراض والمحافظة على صحّته، كذلك يحتاج الإنسان إلى التأمّل في كلمة الله، للمحافظة على حياته الروحيّة. إنّ الحياة الروحيّة لا تنمو من خلال قراءة كلمة الله وحسب، بل تنمو أيضًا من خلال قراءة المؤمِنين لكتابات الآباء القدِّيسين، وتلاوتهم لمسبحة أمِّنا مريم. إنّ العذراء تفيض إنعاماتها على كلّ الّذين يُصلّون بإيمانٍ مسبحتها، وهي تحميهم بثوبها المقدّس، وبخاصّة بثوب الكرمِل. إنّ قداسة البابا يوحنّا بولس الثّاني، قد نجا من محاولة اغتياله بفضل ارتدائه لثوب الكرمَل، وقد عبّر عن حماية العذراء له بثوب الكرمِل. إذًا، إنّ الصّلوات تُساهم في نموّ حياة الإنسان الروحيّة،كما يُغذّي الطّعامُ جسدَه البشريّ الضّعيف. فكلّما ازددنا تعمّقًا في إيماننا، كلّما اكتشفنا بُعدَ المسافة بيننا وبين الربّ، وهذا يدفعُنا إلى التخلّي عن كبريائنا وعِنادِنا وعن كلّ ما مِن شأنِه أن يُبعِدنا عن الربّ لنتحلّى بالتواضع والبساطة وكلّ ما يُقرِّبنا منه. في هذا الإرشاد الرّسوليّ، يذكِّرنا قداسة البابا فرنسيس، بأنّ القدِّيسين ليسوا فقط أولئك الّذين أُعلنَتْ قداستهم على المذابح، بل يؤكِّد لنا أنّ القدِّيسين هم فيما بيننا، فيقول لنا في الفقرة السادسة من الفصل الأوّل منه: "لا نُفكِّرنَّ فقط بالّذين تمَّ تطويبهم، أو أُعلِنت قداستهم. إنّ الرّوح القدس يفيض القداسة في كلّ مكان، في شعب الله المقدَّس والأمين، لأنّ الله قد شاء "أن يقدِّس النّاس ويخلِّصهم، لا فرديًّا وبدون أي ترابط فيما بينهم، بل أراد أن يجعلهم شعبًا يعرفه في الحقيقة، ويخدمه في القداسة". إذًا، إنّ بِذرةَ القداسة تُزرَع في الإنسان المؤمِن في يوم عماده، ويفعِّلها المؤمِن وينمِّيها في حياته بأفعاله وأقواله، فتظهر قداسته للآخرين.

أخواتي وإخوتي، نُصلّي إلى الله واضعين أمامه كلّ أفكارنا ونوايانا، طالبين منه أن يُرسِل إلينا نِعَمِه فنتمكّن من تكريمه، هو الثّالوث الأقدس، الآب والابن والرّوح القدس. كما نسأله أن يجعل مِن كلمته الإلهيّة، غذاءنا الوحيد الّذي يقودنا إلى القداسة الحقيقيّة، القائمة على إعلاننا يسوع مَلِكًا على حياتنا. إنّ قداستنا تظهر من خلال أقوالنا وأفعالنا مع المحيطين بنا، لأنّهم أمانةٌ أعطانا إيّاها الربّ لنشهد له في وَسَطِهم.

ملاحظة: دُوِّنت العظة من قِبَلِنا بتصرُّف.

تتمة...
11/6/2018 انتقلوا من هذا العالم ليكونوا في قلب الله الأب ريمون جرجورة
https://www.youtube.com/watch?v=p4uWrl4gl50&t=3s

عظة الأب ريمون جرجورة
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
الذكرى الثانية لانطلاقة جماعة "أذكرني في ملكوتك"
في كنيسة الميلاد الإلهيّ
الحضيرة - بيت الشِّعار

11/6/2018

.باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.

ها نحن نحتفل اليوم، بالذكرى الثانية لانضمام جماعة "أذكرني في ملكوتك"، إلى رعيّتنا. إنّ هذه الجماعة تُصلّي من أجل الراقدين من بيننا، مِن أهل وأحبّاء، من خلال المشاركة في الذبيحة الإلهيّة؛ لذا خصّصنا الذبيحة الإلهيّة، في الاثنين الثّاني من كلّ شهر، لذكر الرّاقدين وبخاصّة أولئك الّتي تمّ تسجيل أسماءهم في سجلّ هذه الجماعة، منذ انطلاقتها إلى الآن.

لماذا تُصلّي الكنيسة من أجل الرّاقدين؟ سؤالٌ يُخالجنا في الكثير من الأحيان، من دون أن نجد له جواب. لهذا السَّبب، سنتطرّق لهذه المسألة من الناحية اللاهوتيّة.
انطلاقًا مِن مفهومنا اللّاهوتيّ، تنقسم الكنيسة إلى قسمين: كنيسة مجاهدة، وكنيسة ممجدّة. تتألّف الكنيسة المجاهدة مِن الأحياء الّذين لا يزالون يتنَّفسون هواءً مصدره الغلاف الجويّ لكَوكَب الأرض، أمّا الكنيسة الممجدّة فتتألّف من الأحياء في عالم الله، الّذين يتنّفسون هواءَ مَصدره الله. إنّ الكنيسة المجاهدة تُصلّي للرّاقدين رغبةً منها في استمرار التواصل بينها وبين الكنيسة الممجَّدة: في عالمنا الأرضيّ، يتواصل البشر مع بعضهم البعض، من خلال وسائل متعدِّدة، منها: الزيارات، أو الاتصال هاتفيًّا، أو عبر المراسلة، إضافةً إلى وسائل التواصل الاجتماعيّ؛ أمّا التواصل مع أحبّائنا الموجودين في حضن الله، في قلب الثّالوث، فإنّه يتمّ فقط من خلال الصّلاة، وبخاصّة في الافخارستّيا، أي في الذبيحة الإلهيّة. في الذبيحة الإلهيّة، تجتمع الكنيسة المجاهدة مع الكنيسة الممجدّة في جسد ودم يسوع المسيح، الحاضر على المذبح.

إنّ الكنيسة تُصلّي من أجل الرّاقدين وتذكرهم باستمرار في كلّ ذبيحة إلهيّة: فإنّ الذبيحة الإلهيّة الّتي يحتفل بها الكاهن، منفردًا كان أم مع الشَّعب المؤمِن، تفترض تحضيره للحمل إضافةً إلى وَضع صورة للعذراء مريم، كما يتوجّب عليه ذِكر الملائكة والقدِّيسين وجميع الرّاقدين على الإيمان، كما عليه أن يذكر الكنيسة المجاهدة، أي جميع المؤمِنين في هذه الأرض. إذًا، في كلّ ذبيحة إلهيّة يتمّ ذِكر الموتى المؤمِنين، وإن لم تكن الذبيحة مقدَّمة من أجل راحة نفس أحد المنتقلين مِن بيننا. حين نُقدِّم الذبيحة الإلهيّة من أجل راحة نفس موتانا، فإنّنا في ذلك الأمر نؤكِّد لهم رغبتنا في الإبقاء على هذا التواصل بيننا وبينهم، وأنّنا نرغب في الاتِّحاد معهم، هم الكنيسة الممجدّة من خلال الربّ يسوع الموجود في القربان. حين نُقدِّم الذبيحة الإلهيّة من أجل الراقدين، فإنّنا بهذا الفعل نطلب من أمواتنا مساعدتَنا في مسيرتنا الأرضيّة، وبالتّالي فإنّ صلاتنا هذه لأجلهم، تُساهِم في خلاص نفوسنا، إذ لا يمكن تغيير أيّ أمرٍ بعد الموت.

في الإنجيل الّذي تُليَ اليوم على مسامِعنا، نسمع الربّ قائلاً لنا إنّ يوحنّا المعمدان هو إيلّيا الّذي عاد ليُهيّء الطريق للمسيح المنتظر. إنّ العهد القديم يُخبرنا أنّ إيلّيا قد صَعِد إلى السّماء بمرَكَبَةٍ ناريّة، وبالتّالي فهو لم يَمُت، وما هذا إلّا دليل على أنّ المؤمِنين بالربّ هم أحياءٌ في السّماء. إنّ الموتى المؤمِنين قد انتقلوا من هذا العالم ليكونوا في قلب الله، أي أنّهم أحياء إلى الأبد، وبالتّالي وَصَلوا إلى هدفهم وهو السُّكنى مع الربّ. إذًا، إنَّ صلاتنا لأجل الموتى المؤمِنين ليست فقط من أجل الّذين انتقلوا إلى ديار الربّ، بل مِن أجلنا، نحن المؤمِنين الأحياء الّذين عاجلاً أم آجلاً سننتقل من هذا العالم، كي تكون مسيرتنا في ختام حياتنا الأرضيّة صالحة.

إنّ القرابين الّتي نُقدِّمها من أجل راحة نفوس موتانا، ما هي إلّا تعبير عن محبّتنا لهم، لذا نساهم من خلال ما نُقدِّمه، في دعم الكنيسة المجاهدة على هذه الأرض. إنّ "حَسَنَة القدَّاس" الّتي نُعطيها للكاهن ليُصلّي من أجل راحة نفوس موتانا، تهدِف إلى دَعم الكنيسة المجاهدة وبخاصّة الفقراء منها والمحتاجين. حين نُقدِّم القربان للمذبح من أجل راحة نفوس موتانا، فإنّ الكاهن يضع جزءًا منها مع القرابين الموجودة على المذبح، ليُعبِّر بذلك عن رغبة الكنيسة المجاهدة، وبخاصّة مِن قدَّموا القرابين، في الاتِّحاد الكامل مع الكنيسة الممجدّة، أي برغبتها في استمرار التواصل ما بين الكنيسة المجاهدة والكنيسة الممجدَّة. إنّ التواصل مع أمواتنا هو دليلٌ على محبّتنا لهم، فاختبارنا في هذه الأرض علّمنا أنّ مَن نحبّه نتواصل معه، ومَن لا نرغب في استمرار علاقتنا معه، نقطع التواصل والحوار معه. إنّنا نعبِّر عن محبّتنا لموتانا من خلال استمراريّة التواصل معهم بالصّلاة، ولنؤكِّد لهم أنّ تلك العلاقات المتينة الّتي بَنَيناها معهم حين كانوا في هذه الأرض، لا يستطيع الموت الجسديّ إيقافها، بل هي تستمرّ إلى الأبد، وأنّه بعد انتقالنا نحن أيضًا من هذه الأرض، سنلتقي بهم، وبالربّ يسوع الّذي هو القيامة والحياة، فهو الوحيد الّذي يستطيع أن يهَب الحياة والقيامة للمؤمِنين به.

في هذا المساء المبارك، نرفع صلاتنا في هذه الذبيحة الإلهيّة، بشفاعة جميع القدِّيسين وكلّ الذين سبقونا، كي نحافظ على رجائنا بالربّ في هذه الحياة الفانية، لنتمكّن بعد انتقالِنا مِنها مِن الوصول إلى قلب الثّالوث، فنَحيا الله، ونلتقي بجميع الّذين سبقونا إلى الحياة الأبديّة. كما نرفع صلاتنا في هذه الذبيحة من أجل إخوتنا المرضى، المعذَّبين نفسًا وجسدًا، طالبين من الربّ أن يمنحهم نِعمة الشِّفاء، وأن يهبهم القوّة ليتحمّلوا آلامهم بكلّ شجاعةٍ، محوِّلاً آلامهم هذه، إلى آلام خلاصيّة. وختامًا، نصلّي إليك يا ربّ من أجل كلّ العائلات المحزونة نتيجة فقدانها لأحد الأعزّاء، ازرع يا ربّ في قلوبهم نعمتَك ورَحمتَك وتعزّيتك وبَلسَمكَ. آمين.

ملاحظة: دُوِّنت مِن قِبَلِنا بتصرّف

تتمة...
7/6/2018 ولكنّ حُزنَكم سيتحوّل إلى فرحٍ الخوري جوزف سلوم
https://youtu.be/lMoEVkQz4JU

عظة الخوري جوزف سلوم
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
الذكرى الثانية عشرة لانطلاقة جماعة "أذكرني في ملكوتك"
في كنيسة مار فوقا- غدير

7/6/2018

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

"ولكنّ حُزنَكم سيتحوّل إلى فرحٍ" (يو 16: 20)

إنّ عالمنا اليوم عاجزٌ عن مساعدة الإنسان على تخطّي الحزن الّذي يخترق قلبه بسبب موت أحد أحبّائه. وهنا نطرح السؤال: مَن الّذي يستطيع تحويل ذلك الحزن في قلب الإنسان إلى فرحٍ ورجاء؟ لا أحد غير يسوع المسيح ربّنا، يستطيع تحقيق ذلك لأنّه اختبر عمق الحزن البشريّ بمعاناته العذاب والصّلب والموت، ولكنّه تغلّب عليها بقيامته من الموت منتصرًا.
إنّ حياة الإنسان مليئة بالصّعوبات والأحزان، ولكنْ أمام كلّ صعوبةٍ تَظهر قدرة الله على تحويل حزن الإنسان إلى فرحٍ ورجاء. هذا ما حدث تمامًا مع جماعة "أذكرني في ملكوتك"، الّتي انطلقت منذ اثنتي عشرة سنة، أي في الأوّل من حزيران سنة 2006، من هذه الرعيّة المباركة، لتنشر في العالم كلّه الرِّسالة الّـتي أوكلها الله إيّاها وهي: تذكير المؤمِنين بالربّ يسوع، مصدر كلّ رجاء، القادر على تحويل كلّ حزنٍ ويأسٍ في حياتهم إلى مصدر فرحٍ ورجاء. لا يغشُّكم أحدٌ: لا أحد يستطيع أن يمنح المؤمِنين الرّجاء إلّا الربّ يسوع، ومَن كان على علاقة متينة معه. إنّ الألم والحزن والموت في حياتنا تؤدِّي بنا إلى الإحباط واليأس، إن لم تُقرَأ في ضوء نور قيامة الربّ يسوع الّتي تزرع في قلوب المؤمِنين به كلّ رجاء وسلام. هذه هي رسالة جماعة "أذكرني في ملكوتك" أن تُذكِّر المؤمِنين بالخلاص الّذي حقّقه الربّ يسوع ومَنَحَه لهم بقيامته من بين الأموات، فتزرع الرّجاء والتعزية في قلوب الحزانى ماسحةً الدّموع مِن عيونهم.

واليوم أيضًا، يُصادف عيد قلب يسوع الأقدس: وفي هذه المناسبة، أودّ أن أعرض أمامكم بعض أمراض القلب الّـتي قد تصيب قلب المؤمِن فتُعيقه عن النموّ في مسيرة القداسة الّتي يطمح إليها.
على المؤِمن أوّلاً أن يتجنّب وقوع قلبه في حالة من الفراغ، فيكون قلبه خاويًا خاليًا، عُرضةً لكلّ الأهواء البشريّة. في هذا الصَّدد، نقول: طوبى للإنسان الّذي قَبِل حضور الربّ في حياته، لأنّ قلبه يُصبح على مثال قلب العذراء "ممتلئًا نعمةً". على المؤمِن أن يحفظ قلبه من الفراغ لأنّه يؤدِّي إلى الإحباط واليأس، لذا عليه أن يتحلّى بالصّبر والمثابرة، طالبًا من الربّ أن يملأ قلبه بالنِّعَم الّتي يحتاجها في مسيرته الأرضيّة.
أمّا المرض الثّاني الّذي قد يُصيب قلب الإنسان فهو انغلاق القلب، فيُصبح الإنسان مكتفيًا بذاته، مُشْبَعًا بالأنانيّة، ورافضًا رؤية الأمور على حقيقتها. هذا المرض هو من أخطر الأمراض الّتي قد تصيب قلب الإنسان لأنّه يَجعله منغلقًا عن العطاء للآخرين.

كما أنّ القلب قد يُصابُ أيضًا بالحقد، ممّا يؤدّي إلى عرقلة مسيرة الإنسان الروحيّة. لذا على المؤمِن السَّعي إلى تحاشي العداوات مع الآخرين. إنّ عالمنا اليوم، يُعاني من العداوات على مستوى الأخوَّة، والكتاب المقدَّس قدّم لنا منذ القِدَم أمثلةً عن تلك العداوات: قايين وهابيل، عيسو ويعقوب، ويوسف الّذي باعه إخوته؛ كما قدّم لنا أيضًا علاقة الابن الأكبر بالابن الأصغر في مثل الابن الضّال: فالابن الأكبر رفض المشاركة في الاحتفال الّذي أقامه والده ابتهاجًا بعودة أخيه الأصغر. إنّ الربّ يسوع بقبوله الموت على الصّليب، أعاد بحبّه العظيم إخوتَه البشر إلى الله أبيه، زارعًا المحبّة في قلوبهم ونازعًا منها كلّ حقدٍ.
وهناك مرضٌ آخر يُصيب قلب الإنسان وهو انغلاق القلب على نعمة الله. على المؤمِن الّذي يُعاني من هذا المرض في قلبه أن يسعى ليتحلّى بأمور ثلاثة أساسيّة تؤمِّن وصوله إلى الملكوت.
أوّلاً: نقاوة القلب: في الكتاب المقدَّس نقرأ: "طوبى لأنقياء القلوب، فإنّهم يُشاهِدون الله" (متّى 5: 8).

ثانيًا: وداعة القلب: في الكتاب المقدّس نقرأ "طوبى للوُدعاء، فإنّهم يرثون الأرض" (متّى 5: 4). إنّ الإنسان صاحب القلب الوديع هو إنسانٌ يشعر مع الآخرين، إذ يفرح لفَرَحِهم ويحزن لحزنهم.
ثالثًا: القلب المتواضع: إنّ الربّ ينظر إلى القلب المتواضع، وهذا ما أكّدته لنا مريم في نشيدها: "تعظّم نفسي الربّ، لأنَّه نظر إلى تواضع أَمَتِه" (لو 1: 46 و 48).

إذًا، على المؤمِن أن يبتعد عن كلّ ما مِن شأنه أن يجعل قلبه فارغًا أو حاقدًا أو مُغلقًا على نعمة الله وعلى الآخرين؛ ساعيًا إلى التحلّي بقلبٍ نقيٍّ، وديعٍ ومتواضعٍ، فيتمكّن من التقدُّم في مسيرته الروحيّة صوب القداسة أي صوب الملكوت.

في الختام، أودّ أن أُجدِّد معكم رجاءنا بالربّ يسوع القائم من الموت، فنتشارك الصّلاة مع جماعة "أذكرني في ملكوتك"، مِن أجل إخوتنا الرّاقدين وبخاصّة أولئك الّذين رقدوا حديثًا بالربّ، فنكون شهودًا معها على الرّجاء المسيحيّ. ليس الأهمّ في الحياة تحقيق الإنجازات العظيمة، بل الأهمّ يكمن في كيفيّة عيش المؤمِن لهذه الإنجازات العظيمة، فتُصبح حياته شهادة حيّة لإيمانه بالربّ يسوع. إنّ الإنجاز الأهمّ في حياة المؤمِن هو أن تكون حياته مُطابقة لحياة المسيح يسوع وتعاليمه، ومنسجمةً مع حبّه للبشر. فعند تحقيق هذا الإنجاز، تصطلح أمور هذا العالم، فيعيش في سلامٍ مع ذاته ومع الآخرين.
في الذكرى الثانية عشرة لانطلاقة جماعة "أذكرني في ملكوتك" في رعيّتنا، أتوجّه بالمعايدة القلبية لكلّ أعضائها متمنيًّا للجماعة المزيد من التألّق في مسيرتها الروحيّة، طالبًا من الربّ أن يسدِّد خطاها في تحقيق خلاص النّفوس ووصولها إلى الملكوت. آمين.

ملاحظة: دُوِّنت العظة مِن قِبَلِنا بتصرُّف.

تتمة...
19/5/2018 سبت الأموات الأب أنطوان الندّاف

عظة الأب أنطوان النّداف
الرّاهب الباسيلي الشويري
في القداس الإلهي "سبت الأموات"
مدافن الخنشارة

19/5/2018

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

أخواتي، إخوتي،
ونحن في مهابةِ موقفٍ كهذا وفي هذا المكان بالذّات، تحضرني لوحةٌ لأحد الفنّانين تمثِّل آدم يرتجف خوفًا وهَلَعًا، وعندما أَقْبَلَ عليه اللّيل الأوّل، وكان قد نَعِمَ بكلِّ ما طابَ في الفردوس، راح يندب حظّه التّعس، وسعادته الّتي سيفقدها. ولكن سرعان ما ولّى اللّيل وعاد النّهار مِن جديد، واستعاد آدم معه طمأنينته وسعادته.

يا أحبّة، إنَّ ما حصل لآدم يومًا في الفردوس، يحصل لأبناء آدم كلّ يوم. فعندما يُقبِلُ ليلُ الحياة، أي الموت، يخاف الإنسان ويضطرب، لِظَنِّهِ أنّه سوف يخسر كلّ مباهج الحياة وطيّباتها، ويخسر معها أهله وأصدقاءه ومُحبّيه، وما جَمَعَ مِن مالٍ وجاهٍ طوال سِنيّ حياته على هذه الأرض، وما كان يُمنِّي النَّفسَ به مِن آمال.

لكن لو عاد ذلك الإنسان إلى إيمانه، وكلُنا مؤمنون أليسَ كذلك؟ لرأى أنّ ليل الحياة، أي الموت، سُرعان ما ينقضي ويعقبه نهار الأبديّة السّاطع، فينقله إلى حياةٍ أفضل وسعادةٍ دائمة وهانئة، فيستعيدَ معها طمأنينته وسعادته. وسعادةُ الإنسان على الأرض مهما كانت غامرةً فإنّها تبقى محدودةً ومهدَّدةً بالزّوال، وكلُّ سعادةٍ محدودة ومهدَّدة بالزّوال ليست سعادة حقيقيّة، وأمّا سعادةُ ما بعد الموت فهي دائمةٌ بدوام الله وتُولي الإنسان طمأنينةً وغبطةً لا حدَّ لهما. فالموت إذن ليس رجوعًا إلى العدم فنخاف منه، بل إنّه انتقالٌ إلى حياة أفضل: الحقّ الحقّ أقول لكم، يقول السيِّد المسيح: "مَن يسمَع كلامي وآمَن بِمَن أرسلني، فله الحياة الأبديّة ولا يمثل أمام القضاء، بل انتقل من الموت إلى الحياة" (يو 5: 24) .

أحبّتي، هل أطيب وأشهى من عودة الابن إلى أبيه بعد غيابٍ طويل؟! والقدِّيس بولس بعد السيِّد المسيح قد فَهِمَ الموت هكذا بقوله: "لا نريد أيّها الإخوة أن تجهلوا مصير الأموات لئلّا تحزنوا كسائر النّاس الّذين لا رجاء لهم" (ا تس 4: 13)
فالموت إذن لا يُفقِدُنا إلى الأبد، مَن نَفقِد على الأرض بل هو مجرَّد فراقٍ مؤقّت أو إذا شئتم إغترابًا، وإن يكن إلى أبعد من الاغتراب في دنيا البشر. فما الفرق بين مغتربٍ إلى بلاد شاسعة، يقضي بعيدًا عن أهله وذويه عشرات وعشرات السِّنين، وبين مغتربٍ إلى دنيا الأبد، يعرف أهله ومحبّوه أنّهم سيلتقون جميعًا بعد عُمرٍ مديدٍ في بيت أبيهم السماويّ؟ نِعمَ اللُّقيا ونِعَمَ المكان، عسانا وإيّاكم جميعًا أن ننعم بهذا الوطن السماويّ المشتهى. ونعزّي بعضنا بعضًا على مَن فقَدْنا، أطال الله بعمركم، هو السَّميع المجيب. آمين.

تتمة...
8/5/2018 الصعود الإلهي الأب عبود عبود الكرملي

عظة الأب عبود عبود الكرمليّ
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
جماعة "أذكرني في ملكوتك"
في دار المسيح الملك- زوق مصبح

8/5/2018

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.

ها نحن نستعدُّ في هذا اليوم المبارك مِن زمن القيامة، للاحتفال بصعود المسيح إلى السّماء، يوم الخميس المقبل. في زمن القيامة، يختبر المؤمِن فرحَ قيامةِ الربّ يسوع، فيتعزّز رجاؤه بقيامة الأموات إذ يُدرِك أنّ الربّ يسوع قد انتصر على الموت بقيامته في اليوم الثّالث، وبالتّالي أبادَ المسيحُ سُلطانَ الموت والخطيئة. إنّ قيامة الربّ مِن بين الأموات تشكِّل جوهرَ إيماننا، وَمَدعاةَ فَرَحِنا وَسُرورِنا: فالمسيح قد أخلى ذاته مُتَّخذًا طبيعتَنا البشريّة فقدَّسها بقيامته، وفتح أمامنا الطريق لنكون مِن أبناء الملكوت.

ها نحن نجتمع معًا اليوم، في الثّلاثاء الثّاني من الشَّهر، كالعادة، لنسبِّح الله أوّلاً ولنُمجّده ولنشكره على كلِّ نِعَمِه، وكي نتشارك الصّلاة ثانيًا على نيّة أمواتنا. إنّنا جميعنا نعرف أشخاصًا أعزّاء على قلوبنا غادروا هذه الحياة، أكانوا أقارب أم أباعد، فَهُم إخوتُنا في المسيح يسوع، ولذا نُصلّي من أجلهم كي يغمرهم الربّ بفيض مراحمه. إنّ الموت لا يستطيع أن يقطع العلاقة الّتي تجمعنا بأمواتنا، فنحن نستطيع أن نلتقي بهم مِن خلال الصلاة الشخصيّة كما مِن خلال صلوات الكنيسة أي في الذبيحة الإلهيّة حيث يتحوّل الخبز والخمر إلى جسد ودم الربّ يسوع بفِعل الرّوح القدس. وفي هذا الشهر الّذي نكرِّسه لتكريم مريم العذراء أمّنا، نصلّي معها لأجل أمواتنا، فهي قد عرفت العذاب يوم كانت واقفة أمام الصّليب بصمت، وقد تمسَّكت برجاء قيامة ابنها من الموت وانتصاره على الخطيئة لأنّها تعلم بطاعَتِه لله الآب. إنّها نِعمةٌ كبيرة لنا نحن المؤمِنِين، أن يكون لدينا أُمَّان: الأولى، أرضيّة بشريّة - وهنا نسأل الله أن يُعطي الأحياء منهنَّ الصِّحة وأن يمنح الأموات منهنّ الرّحمة والراحة الأبديّة - والثانية، سماويّة وهي العذراء مريم. إنّ هذه النِّعمة الّتي يشعر بها المؤمِنون بالربّ دون سواهم مِن البشر، تَجعلهم في حالةٍ مِنَ الفيض العاطفيّ، فالأمّ هي نبعُ الحنان والعاطفة وهي مركز عطاء الذّات المجانيّ.

إنّ الإنجيل الّذي تُلِيَ على مسامِعنا اليوم، يُخبرنا عن موت لعازر وأنّ يسوع أقامه مِنَ الموت بعد أربعة أيّام على وَفاته. إنَّ هذا النّص يدعونا إلى تمجيد الله القادر على كلّ شيء، إذ لم يتمكّن لا المرض ولا الموت مِن مَنِع يسوع من إقامة صديقه لعازر مِنَ الموت. إنّ إقامة لعازر من الموت ما هي إلّا عمليّة تحضيريّة لقيامة الربّ يسوع، على المستوى اللّاهوتيّ والتاريخيّ. إنّ اليهود الّذين كانوا حاضرين حين أقام يسوع لعازر من الموت، لم يفهموا ما حدث، فحوّلوا قيامة لعازر إلى تهمةٍ يشتكون بها على يسوع للحُكم عليه بالموت. بعد إقامة يسوع لعازرَ مِنَ الموت، تابع لعازر حياته ثمّ عاد ومات مِن جديد منتقلاً إلى الحياة الجديدة. أمّا يسوع، فقد عاش حياته وحين أنهى رسالته على هذه الأرض، مات وقام في اليوم الثّالث إلى الأبد. إذًا، هذا هو الفرق بين قيامة لعازر وقيامة يسوع: قيامة لعازر كانت وقتيّة، أمّا قيامة يسوع فكانت أبديّة. إنّ إيماننا المسيحيّ مرتكزٌ على قيامة الربّ يسوع مِن بين الأموات في اليوم الثّالث: إنّ قيامة يسوع مِن بين الأموات تزرع فينا حياةً جديدة، وتدفعنا إلى التغلّب على مخاوفِنا من الموت، وخاصّة في الظّروف الّتي نعيشها حيث يُبشِّرنا المسؤولون بِحُروبٍ مستقبليّة في العالم وفي محيطِنا. إنّ رجاءنا وقوّتنا كمؤمِنين نستمدُّها مِن الربّ القائم والمنتصر على الخطيئة والموت. إنّ الإنسان الّذي لا يُثابر على الصّلاة والتأمّل في كلمة الله، يخاف ويشعر بُضعفه حين تعترضه صعوبات الحياة؛ أمّا الإنسان المتَّكِل على الله والمثابر على الصّلاة، فإنّه يعرِف أنّ الربّ سيمنحه القوّة لمواجهة الـمِحَن الّتي تعترضه في هذه الحياة، لذا فهو يشعر بالفرَح والتعزية عندما يتخطّاها. إنَّ الصُّعوبات تزيد المؤمِن تَجَذُّرًا وتعمُّقًا في إيمانه بالربّ القائم من الموت.

إنّ هذا النّص الإنجيليّ يَحُثّنا على الانطلاق إلى الأمام. إنّ الربّ يسوع قال لِمَرتا في نصٍّ إنجيليّ آخر: "مرتا، مرتا، إنَّك في همٍّ وارتباكٍ بأمورٍ كثيرة، مع أنّ الحاجة إلى أمرٍ واحدٍ. فقد اختارت مريم النَّصيب الأفضل ولن يُنزَع منها" (لو 10: 41-42). وبالتّالي يدعونا هذا النَّص الإنجيليّ إلى الجَمعِ ما بين صلاةِ مريم وأعمال مرتا. على المؤمِن أن يكرِّس قِسمًا مِن وقته للربّ، بينما يكرِّس القسم الآخر مِن نهاره للعمل. إنّه مِن المفضَّل أن يكون الوقت الّذي نكرِّسه للربّ وقتًا محدَّدًا ثابتًا. فعندما يكرِّس المؤمِن وقتًا مِن يومِه للربّ يسوع، فإنّ أعماله تُصبح تعبيرًا عن محبّته للربّ أي أنَّ أعماله تُصبح أكثر صلاحًا. إنّ كلّ عملٍ يقوم به الإنسان لا ينبع مِن محبّته لله ومن إيمانه به، هو عملٌ ناقصٌ، أمّا أعمال الإنسان الناتجة عن محبّته لله وعن إيمانه به، فتُثْمِر فرَحًا ونشاطًا، ومحبّةً بين الإخوة واتِّحادًا بهم.
إنّ الربّ قد أخلى ذاته من أجلنا، ووَهبنا الحياة الأبديّة، لأنّه أحبّنا إلى الغاية، وبالتّالي ألا يستحقّ عَمَلُهُ هذا لأجلنا أن نبادِر بِدَورِنا إلى إخلاء ذواتنا تعبيرًا عن حبّنا له؟! إنّ إخلاء ذواتنا يكون بتكريس بعض الوقت من يومِنا للربّ: فنشارك على سبيل المثال في الذبيحة الإلهيّة كما هي الحال الآن. إنّ إخلاء ذواتنا بكلّيتها للربّ تواجه بعض الصّعوبات: إذ قد يشرد المؤمِن على سبيل المثال في أثناء صلاته، فيفكِّر في قلبه وفكرِه في أمورٍ أرضيةٍ كثيرةٍ، مُتناسيًا أنّه في حضرةِ الله. لا يمكِن للمؤمِن أن يسمع كلمة الله حقًّا ويغوصَ فيها إن كان قلبه وفكره ونظره مشغولاً بأمورٍ أخرى. إنّ تكريس وقتٍ للربّ يتطلّب منّا الجلوس في حضرته كالطفل المولود حديثًا، الّذي لا يملك من الأفكار والأقوال ما يشوِّش حضوره بين يدَي أبيه. إنَّ إخلاء الذّات للربّ هو السّماح له بالدّخول إلى أعماقنا، حتّى وإن لم ننجح بنزع كلّ ما يُساوِرنا من أفكار بشكل نهائي. إنَّ دخول الربّ إلى أعماق الإنسان، يجعل من أعمال هذا الإنسان أعمالاً تعكس المسيح للآخرين، فتُصبح أعمال المسيح أعماله.
إنّ إخلاء الذّات للربّ، بالنسبة للقدِّيسِين، لم يكن بالأمر السَّهل بل تطلّب منهم مثابرة على الصّلاة، ولكنَّهم نجحوا في نهاية المطاف في جَعل المسيح محور تفكيرهم واهتمامهم في حياتهم، فتمكّنوا مِنَ الاتِّحاد به. كان بولس الرّسول يضطهد المسيحيّين، حين ظهر له الربّ يسوع على طريق دِمشق. حين تعرَّف بولس الرّسول إلى الربّ، ترك كلّ شيء وتَبِع المسيح، وتحوَّلت حياته من اضطهادٍ للمسيحيّين إلى حياةِ تبشيرٍ بكلمة الله، فكتَبَ عددًا كبيرًا من الرّسائل إلى الكنائس الّتي بشَّرها، ولا زالت رسائِله تُقرأ حتّى يومِنا هذا في أثناء احتفالاتنا اللّيتورجيّة. حين تَعرَّف بولس الرّسول على الربّ، أخلى ذاته من كلِّ الهموم الدنيويّة الأرضيّة، مُكرِّسًا كلّ وقته للتبشير بكلمة الله.

إنّ الكتاب المقدَّس هو إحدى الوسائل الّـتي تُساعدنا على إخلاء ذواتنا، لذا فلنسعَ إلى قراءة الكتاب المقدَّس بَعَهديه، والتأمُّل بكلمة الله، مكرِّسين لها الوقت في حياتنا، محاولين إبعاد عن أذهاننا وقلوبنا ونظرنا، كلّ ما مِن شأنه أن يُشوِّش تفكيرنا بالربّ وعلاقتنا به، فنتمكّن من النّمو في الإيمان والرّجاء والمحبّة. على أعمالنا أن تنبع مِن صلاتنا للربّ، فتكون أعمالنا صالحة تُعبِّر عن محبّتنا للربّ، فنشهد من خلالها أنّنا أبناء الملكوت، على الرّغم من كلّ صعوبات الحياة، وبخاصّة الموت. إنّ الإنسان ضعيفٌ لذا قد يتفاجأ حين يسمع نبأ موتِ شابٍ، إذ يعتبر أنّ الوقت ما زال مبكِّرًا لفقدانه. لا يمكن للإنسان أن يدخل إلى الملكوت إلّا بالموت، وبالتّالي علينا أن نتقبّل موت أحبّائنا إذ إنّه انتقالٌ من حياةٍ فانية إلى أخرى أبديّة. إنّ تأمُّلَنا بالمسيح القائم من الموت، والّذي أقام لعازر مِن سُباته، يجعلنا نُدرِك أنّ الربّ قادِرٌ على كلِّ شيء. من الربّ القائم نستمِدّ رجاءنا بالقيامة.
وفي هذا الشَّهر المريميّ، فلنطلب مِن العذراء مريم، أم الله، أن تحمي بثوبها الطاهر، أبناءها مِن كلّ الشّرور، وأن تَرُدَّ الأخطار عن وطنِنا وعن العالم أجمع، فننعم جميعنا بالسلام ونعيش بفرحٍ ومحبة مع الآخرين. كما نسألها اليوم أن تطلب من ابنها أن يُرسِل إلينا كلَّ النِّعَم التّي نحتاجُها لمتابعة مسيرتنا على هذه الأرض، فنكون شهودًا للآخرين بأنّنا أبناء النّور الّذي لا يزول، له المجد إلى الأبد. آمين.
ملاحظة: دُوِّنت العظة من قِبَلِنا بتصرُّف.

تتمة...
7/5/2018 صلوات الموتى في القداس الإلهي الأب ميلاد أنطون

عظة الأب ميلاد أنطون
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدِين على رجاء القيامة
في كنيسة سيّدة الورديّة - زوق مصبح

7/5/2018

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.
الله معكم إخوتي،

إنّ الإنجيل الّذي تُلِيَ على مسامعنا في هذه الذبيحة الإلهيّة، يساعدُنا على التأمّل في الموت والقيامة؛ أمّا اليوم، فلن أتطرّق إلى هذا الإنجيل بل إلى أهميّة الصّلاة للموتى المؤمِنين في كنيستنا المارونيّة، مِن خلال التأمّل في الصّلوات الّتي نتلوها في كلّ ذبيحة إلهيّة. لم تُخِطئ المقولة:"شريعة الصّلاة هي شريعة الإيمان"، لأنّه حين يصلّي المؤمِن، وبخاصّة صلواتٍ ليتورجيّة مع الجماعة المصلّية، فإنّه يُعلِن عن إيمانه بالله وعن رغبته في تصحيح مسيرته الحياتيّة لتكون مُطابقة لإيمانه. إنّ الصّلوات اللّيتورجيّة الّتي نردِّدها في كلّ ذبيحةٍ إلهيّةٍ، مُتوجِّهين بها إلى الله، طالبِين منه الرّحمة لأمواتنا، تشكِّل مدرسةً إيمانيّةً تعكس حقائق لاهوتيّة وروحيّة مهمَّة في إيماننا المسيحيّ.

للصّلاة أبعادٌ ثلاثة مهمّة: أوّلاً، تستمِّد الصّلوات اللّيتورجيّة قوَّتها مِنَ الآباء القدِّيسين الّذين كَتَبوها، فَحِينَ أُصلّي نافور الرّسل الاثني عشر، أو نافور مار يعقوب، أو نافور مار بطرس، فأنا أعلِن أنّ إيماني هو إيمان هؤلاء الملافنة في الكنيسة، هم الّذين عَبَّروا عن هذا الإيمان مِن خلال هذه الصّلوات. ثانيًا، تستمِّد هذه الصّلوات قوّتها مِن الشَّعب الّذي ردّدها على مرّ الأجيال في الشرق والغرب، منذ ما يقارب ألفَي سنة، كما تستمِدُّ قوتّها مِن انغماسِها في كلمة الله، إذ تُتَرجِم ما وَرَد في الكتاب المقدَّس. ثالثًا وأخيرًا، تستمِدّ هذه الصّلوات قوَّتها مِن استخدام المؤمِنين لها في كلّ ذبيحة إلهيّة، أي أنّها تُتلى بحضور الجماعة لا بشكلٍ فرديّ، وبالتّالي فهي تعكس إيمان الجماعة. في القدّاس الإلهيّ، تجتمع كنيسة السماء والــــ"المطهر" وكنيسة الأرض، فهذه الكنائس غير منفصلة، بل متَّصلة بعضها ببعض إذ إنّ رأسها واحدٌ وهو يسوع المسيح.
أمّا الآن، فسأتطرّق إلى الصّلوات اللّيتورجيّة في الذبيحة الإلهيّة، لما تَحمِله مِن أهميّة في ذِكرِها للموتى. في هذا الإطار، سأستنِد إلى القدّاس المارونيّ في زمن القيامة بشكلٍ خاصّ، وتحديدًا قدّاس يوم الاثنين الّذي نحتفل به اليوم، كما سأختار مِنْ بَين النوافير الّتي تُتلى في الذبيحة الإلهيّة، نافور الرّسل الاثني عشر.

في بداية القدَّاس، بعد ترتيلة "المجد لله"، يُبخِّر الكاهنُ وتُتلى في تلك الأثناء صلاةٌ طويلةٌ، يُطلق عليها اسم "حِسَّاية"، وهي كلمةٌ سِريانيّةُ الأَصِل، أمّا كَلِمةُ "نافور" فهي كلمةٌ يونانيّة الأصل. إنّ "الحِسّاية" تختلف في كلّ ذبيحة إلهيّة لتكون منسجمة مع الأزمنة الطقسيّة في الكنيسة، ولكنّها لا تغفل عن ذِكر الموتى في كلّ مرّة. فمثلاً، في صلاة "الحِسَّاية" الّتي تُتلى في ذبيحة يوم الاثنين مِن زمن القيامة، يُقال:"... أرِح المنتقلين الرّاقدين على رجائك في نعيمِك الأبديّ. أُمحُ خطاياهم وخطايانا..."، وما هذا إلّا دليل على أنّ الكنيسة لا تنسى مَن انتقلوا مِن بينها بل تذكُرُهم في صلواتها اللّيتورجيّة على الدّوام، طالبةً من الربّ أن يغفر لهم خطاياهم، ويُفيض عليهم مراحمه، فتَنال نفوسهم الخلاص.

لا تقتصر الصّلاة مِن أجل الموتى المؤمِنين في الذبيحة الإلهيّة على الحسّاية فقط بل هي تشمل صلوات عديدة في القدّاس: ففي اللّحن الّثاني، أي في التّرنيمة الّتي تَلِي الحسّاية، يتمّ ذِكر الموتى، على اختلاف الأزمنة الطقسيّة.
ويَلي اللّحنَ الثّاني صلاةٌ صغيرةٌ، تُسمّى في السريانيّة "الِمرماية" ونقول فيها: "أرِح أمواتَنا الراقدين على رجاء القيامة".
ثمّ في التّقديسات الثّلاثية، نقول "... قديشات لومويوتو"، وتعني "قدُّوسٌ أنت يا الله، الّذي لا يموت". إنّ الله يسكن في قلبي وبما أنّه لا يموت، فهذا يعني أنّي أنا أيضًا لا أموت.
وكذلك في الصّلاة الثّانية ما قبل النّافور، أي بعد نَقلِ المؤمِنين للقرابين، يَقرأ الكاهن صلاةً يقول فيها: "أذكر اللَّهُمَّ، آباءنا وإخوتنا، الأحياء والأموات، أبناء البيعة المقدَّسة....". إذًا، في كلّ ذبيحة إلهيّة يَذكر الكاهن كلّ أبناء البيعة المقدَّسة، أحياءً وأمواتًا، فأمواتُنا الّذين في الملكوت، يحضرون لمشاركتنا في ذبيحتنا الإلهيّة لأنّ الربّ يسوع الجالس في المجد الأبديّ عن يمين الله يحضر بجسده ودمه، ليكون هو محور ذبيحة كنيسته الأرضيّة. إذًا، إنَّ الذبيحة الإلهيّة يتمّ الاحتفال بها في الوقت نفسه على المذابح الأرضيّة والسماويّة معًا. إنَّ القدّاس الإلهيّ هو عمليّة استباقيّة للملكوت السماويّ، لذلك، يشارك المؤمِنون الأحياء في هذه الأرض، أجواق الملائكة السماويّين أناشيدهم فيسبّحون الله ويمجِّدونه معًا قائلين: "المجد لله في العلى"، و"قدّوسٌ قدّوسٌ قدّوس".

في صلاة النّافور، يتلو الكاهن في ختام كلام التقدِّيس أي ما يُعرَف بالكلام الجوهري، صلاةً يقول فيها نيابةً عن الشَّعب كلِّه: "نذكر يا ربّ موتَك ونعترف بقيامتِك وننتظر مجيئك...". إنّ هذه الصّلاة تعبِّر عن جوهر العقيدة المسيحيّة، وتعكس ثقافة المؤمِنين في الشَّرق، الّتي لا تفصِل بين موت الربّ وقيامته. حين يتكلّم المؤمِنون في الشّرق عن موت المسيح، يتكلّمون عن القيامة أيضًا والعكس صحيح، لأن المسيح الّذي مات على الصّليب قد قام مِن بين الأموات ويجلس عن يمين الله الآب في السّماوات. إنّ الموتَ والقيامةَ حقيقتان إيمانيّتان غير منفصِلَتَين، وهذا ما عبِّر عنه بولس الرّسول في رسائله، حين يقول: "وإن كان المسيحُ لم يقم، فتبشيرُنا باطِلٌ وإيمانكم أيضًا باطِلٌ"(1 كور 15: 14)

أمّا في نوايا المؤمِنين، فيقرأ الشماس النّوايا، وفي الأخيرة منها، يصلّي شماسٌ أو عِلمانيّ، باسم الشَّعب، مِن أجل آباء الكنيسة ومعلِّميها، الّذين انتقلوا مِن بَينِنا إلى جِوار الله. ثمّ يقرأ الكاهن نيّةً أخيرة تُعبِّر عن تفكير الكنيسة المتواصِل في الموتى المؤمِنين إذ يقول: "أُذكر يا ربّ الموتى المؤمِنين المنتقِلين مِنّا إليك، الراقدين على رجائِكَ، المنتظِرين ذلك الصّوت الـمُحيي، الّذي سيدعوهم إلى الحياة؛ إقبَل القرابين الّتي نُقدِّمها لكَ عنهم، وأَرِحْهُم في ملكوتك؛ لأنَّ واحِدًا ظهر على الأرض بلا خطيئة، وهو ربُّنا يسوع، الّذي بواسِطَتِه نرجو أن ننال الـمَراحِم وغُفران خطايانا وخطاياهم". إنَّ الكنيسة الأرضيّة تذكر جميع الموتى وبخاصّة المؤمِنين مِن دون تسمِيَتهم، إيمانًا مِنها بتلك الشراكة الّـتي تجمعها بكنيسة السّماء، فالّذين انتقلوا مِن بيننا هم إخوةٌ لنا في المسيح يسوع، فجميعنا أعضاءٌ في كنيسته، الّتي افتداها بِدمه على الصّليب. وبالتّالي نحن نشترك في الإيمان الواحد والرّجاء الواحد. كما تُصلّي الكنيسة أيضًا من أجل جميع الموتى غير المؤمِنين، سائلةً الربّ لأجلهم أن يُفيض عليهم مراحمه، لأنّهم وإن لم يؤمِنوا بالمسيح في هذه الأرض، فإنّ المسيح يسوع قد مات من أجلهم وافتداهم. إنّ الكنيسة تُصلّي للموتى المؤمِنين كي يتمكّنوا من تحقيق دعوتهم بلقاء الربّ إن لم يكن في هذه الفانية، في الحياة الأبديّة. إنّ صلوات الكنيسة من أجل الموتى المؤمِنين تنطلق من مفهوم الرَّجاء المسيحيّ. إنَّ القدَّاس يتوجّه بشكلٍ عامٍ في صلواته إلى الموتى المؤمِنين عمومًا، لذا في بعض الأحيان يتمّ تقديم الذبائح الإلهيّة على نيّة أحد الرّاقدين على رجاء القيامة. في الذبيحة الإلهيّة، يُقدِّم المؤمنون القرابين، الخبز والخمر، على نيّة أمواتهم. هذا هو القدّاس المارونيّ، الّذي تصلّيه الكنيسة المارونيّة منذ نشأتها: إنّه يعبِّر عن إيمانها، وعن ليتورجيّتها.
قبل صلوات الكَسِر، يُصلّي الكاهن باسم الشَّعب قائلاً: "سامِحنا، اللّهم واغفر لنا ولهم، فيتمجدّ بنا وبكلِّ شيء، اسمك القدُّوس". إنَّ صيغة الغائب في هذه الصّلاة تدلّ على الموتى المؤمِنين.
وقبل تلاوة الأبانا، يصلّي الكاهن قائلاً: "ليكن تناوُلُنا لمغفرة الخطايا والحياة الأبديّة". هذا هو الهدف مِن الذبيحة الإلهيّة: طلب المغفرة مِن الربّ قَبْل الاقتراب مِن تناوُل جسدِ المسيح، الّذي يمنحنا الحياة الأبديّة.
إنَّ غالبيّة التّراتيل بعد المناولة المقدَّسة تذكُر الموتى المؤمِنين وتشدِّد على طلب المؤمِنين مِن الربّ الرَّحمة لأمواتهم، والرّاحة الأبديّة.

إذًا، في القدّاس المارونيّ، وفي كلّ ذبيحة إلهيّة، إحدى عشرة صلاة يتوجّه بها المؤمِنون إلى الربّ مِن أجل موتاهم. هذا هو تُراثُنا وإيمانُنا، وقدّاسنا المارونيّ، والإيمان والرّجاء يملآن قلوبَنا، طالبين من الربّ أن يفيض مراحِمه على جميع الموتى المؤمِنين. آمين.

ملاحظة: دُوِّنت العظة مِن قِبَلِنا بتصرُّف.

تتمة...
27/4/2018 مَن يأكل جسَدي ويشرب دَمِي فَله الحياة الأبديّة... الأب نيقولا حداد
https://youtu.be/xvIAdhD2WGQ

عظة الأب نيقولا حدّاد
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
دير القدّيس بطرس للروم الكاثوليك - مرمريتا

27/4/2018

"مَن يأكل جسَدي ويشرب دَمِي فَله الحياة الأبديّة، وأنا أقيمُه في اليوم الأخير" (يو 6: 54)

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

مساءٌ مباركٌ إخوتي وأحبّائي،
هذا هو الشَّهر الرابع، الّذي نجتمع فيه مع جماعة "أذكرني في ملكوتك"، كي نذكر أحبّاءَ لنا: آباء وأمّهاتٍ، إخوةً وأخوات، أهلاً وأصدقاء وشهداء، رقدوا على رجاء القيامة. إنّ إيمانَنا ثابتٌ بأنّ كنيسة المسيح، أي جسده السريّ، هي واحدة: كنيسةٌ منتصرةٌ في السّماء، وكنيسةٌ مجاهدةٌ في هذه الأرض. إنّ الكنيسة المجاهدة، تصلّي أوّلاً من أجل حصول أبنائها المؤمِنين الأحياء في هذه الأرض على رحمة الربّ،كما تصلّي مِن أجل راحة نفوس الّذين سبقوها إلى الحياة الثانية طالبةً لهم الرّاحة الأبديّة. إنّ الكنيسة المجاهدة، تُصلّي لأجل الّذين انتقلوا مِن بَيْنِها ومعهم، لأنّ إلههم واحد، إلهُ أحياءٍ لا إله أموات، وهو يسوع المسيح القائم مِن بين الأموات.
وفي هذا الأسبوع، أسبوع حاملات الطِّيب، نسير مع هؤلاء النِّسوة إلى القبر لا لنُحنِّط جسد الربّ، بل لنأخذ مِن طيِبِ يسوع حياةً أبديّة. وكما تقدَّم يوسف الرّامي مِن بيلاطس مُطالبًا بجسد يسوع المصلوب ليَضَعه في قبرٍ جديد، كذلك نتقدَّم، نحن أيضًا، مِن جسد يسوع لا لنأخذه إلى قبرٍ جديدٍ، بل لنَضعه في قلوبنا، في عائلاتنا، وفي عالمنا الـمُظلم، فتستنيرَ حياتُنا، ويستنير العالم كلّه بالربّ، الّذي هو نور العالم الحقيقيّ فيُضيء مسيرة كلّ سائر في الظّلام. إنّ دورَ المسيحيّين هو الشّهادة بحياتهم وسلوكهم على أنّهم أبناء القيامة، كي يكونوا شهودًا للربّ القائم مِنَ الموت. إنّ المؤمِنين يشهدون لقيامة الربّ حين يتناولون جسده قربانًا شهيًّا، خُبزًا نازلاً مِن السّماء، فيُحوّل أجسادهم الفانية إلى أجساد روحانيّة في السّماء. إنّ الربّ يسوع قد انتصر على الموت بقيامته، على هذه القيامة يرتكز كلّ إيماننا المسيحيّ، وعلى هذا الإيمان والرّجاء الثابتَين في الربّ، نُصلّي لأمواتنا طالبين من الربّ أن يتغمَّدهم بمراحمه، فيجعلهم شُركاء له في المجد الأبديّ. آمين.

ملاحظة: دُوِّنت العظة مِن قِبَلِنا بتصرُّف.

تتمة...
20/3/2018 إنَّ القيامة هي الوجه الآخر للموت الأب دانيال الخوري

عظة الأب دانيال خوري
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
الذكرى الخامسة لانطلاقة جماعة "أذكرني في ملكوتك"
كنيسة مار عبدا وفوقا - بعبدا

20/3/2018

باسم الآب والابن والرُّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

الله معكم أحبّائي،
يُكلِّمنا هذا النصّ الإنجيليّ الّذي تُلِيَ على مسامعنا اليوم، عن صعود الربّ يسوع إلى أورشليم، وهو بالتّالي يُهيّئنا للاحتفال بعيد الشَّعانين في نهاية هذا الأسبوع، الّذي فيه نُعلِن يسوعَ مَلِكًا على حياتنا.
في هذا المساء المبارك، نحتفل بذكرى السنّوات الخمس على انطلاقة جماعة "أذكرني في ملكوتك" في رعيّتنا، لذا سنقف على بعض النِّقاط المهمَّة في روحانيّة هذه الجماعة، الّتي تدعونا للصّلاة في الذبيحة الإلهيّة، من أجل أحبّائنا الّذين انتقلوا مِن بيننا إلى جوار الربّ.

إنّ لقاءات تمييز الدّعوات، الّتي تقيمها الإكليريكيات، تساعد الشباب الّذين يشاركون فيها، على مشاركة الآخرين اختباراتهم الخاصّة حول سماعهم لصوت الربّ يدعوهم إلى اتِّباعه، فيكتشفون معًا أنّ إلههم الخاصّ هو إلهٌ مشترك بين جميع الحاضرين، وأنّه يدعو آخرين لاتِّباعه كما يدعوهم هم. لذلك، إذًا، إنَّ أهميّة الجماعة تكمن في مساعدتها الإنسان على تمييز صوت الله.
إنّ اختبارنا، نحن الجماعة الحاضرة في هذه الذبيحة الإلهيّة، يشبه اختبار هؤلاء الشباب إذ يُشارك كلّ واحدٍ منّا الجماعةَ الـمُصلِّية الحاضرة ما اختبره مِن ألم فقدان الأعزّاء إذ يسجِّل أسماء أحبّائه الّذين غادروا هذه الفانية، طالبًا مِن المؤمِنين الحاضرين في هذه الذبيحة، مشاركته الصّلاة مِن أجل راحة نفوسهم. إنّ كلّ إنسان في هذه الأرض الفانية قد اختبر ألم فقدان عزيزٍ، ولذا فإنّ هذا الاختبار أصبح مُشتَركًا بين أعضاء الجماعة الـمُصلّية، لذا فإنّ ذِكر المؤمِن لـمَوتاه يشكِّل تعبيرًا منه عن مدى محبّته لهم، واعترافًا منه أمام الجماعة الـمُصلِّية أنّه لا يزال يذكرهم وأنّهم باقون في ذاكِرته وقلبه. كما يعبِّر المؤمِن أيضًا في ذِكره لأمواته عن إيمانه بالحياة الأبديّة إذ يُصلّي لهم لإدراكه أنّهم لا يزالون أحياءً مع الربّ في الملكوت. لقد سُرِرتُ جدًّا حين عَلِمْتُ أنّ جماعة "أذكرني في ملكوتك"، الّتي تحثّ المؤمِنين على ذِكر أمواتهم والصّلاة لأجلهم، تحتفل بِـمِثلِ هذه القداديس في أكثر مِن رعيّةٍ في لبنان، وفي رعايا متعدِّدة في بلاد الانتشار.

إذًا، إنّ الجماعة الـمُصلّية تتشارك مع بعضِها البعض اختبارها في مواجهة ألم الفقدان بالصّلاة لأجل مَن رَحَلوا عنّا. إنّ الله قد اشترك مع أبنائه البشر في هذا الاختبار: إذ شعر الآب بألم الفقدان يوم قدَّم ابنه ذبيحةً كفّارة عن جميع البشر، فكان موت الابن على الصّليب وسيلةً للعبور إلى الملكوت، أي إلى الحياة الأبديّة. لقد اختبر الربّ يسوع ألم الفقدان يوم نادى أباه في الصّلاة طالبًا منه أن يُبعِد عنه هذه الكأس، كأس الموت. إنّ مريم بدَورها اختبرت هذا الألم إذ فقدت ابنها الوحيد وهو لا يزال شابًا. إذًا، إنّ ألم الفقدان هو اختبارٌ بشريّ بامتياز، ولكنّه أيضًا اختبارٌ إلهيّ: إذ إنّ الآب اختبر ما يختبره البشر يوم قدَّم ابنه كفّارة، فمات الابن على الصّليب.

لم نجتمع نحن المؤمِنين الحاضرين اليوم هنا، بسبب اختبارنا المشترك لألم الفقدان وحسب، إنّما لإيماننا المشتَرك بقيامة أمواتنا وانتقالهم إلى الحياة الأبديّة. إنَّ القيامة هي الوجه الآخر للموت. إنّ أكثر ما لفتني في رسالة جماعة "أذكرني في ملكوتك"، هو تشديدها على الوجه الآخر للموت، ألا وهو القيامة، مِن خلال حثّ المؤمِنين على ذِكر أمواتهم في الصّلاة وبخاصّة في الذبيحة الإلهيّة. إنّ أحبّاءنا الّذين غادروا هذه الفانية، قد اختبروا فيها القيامة، إذ آمنوا بالربّ يسوع وتعاليمه، وها هم اليوم يختبرون حقيقتها في معاينتهم لوجه الربّ في الملكوت. فالقاسم المشتَرك إذًا، بين جميع الحاضرين ههنا، هو أمر إيجابيّ لا سلبيّ، إذ نحن الّذين لا نزال في هذه الحياة المحدودة، نذكر في صلاتنا الّذين انتقلوا للحياة الأبديّة غير المحدودة. إنّ صلاتنا لأجل الّذين أصبحوا في الحياة الأبديّة، هو تعبيرٌ عن شراكتنا مع الّذين سبقونا، كما تشكِّل ذبيحتنا لأجلهم مصدر تعزيةٍ لقلوبنا الحزينة على فقدانهم.
إنّ الحبيب يتمنّى لمحبوبه عدم الموت ليتمكّن من رؤيته على الدّوام. إنّ الحبّ البشريّ يبقى ناقصًا وبالتّالي عاجزًا عن تحقيق الخلود لأحبّائه، أمّا حبّ الربّ لنا فهو كاملٌ، وهو قادرٌ أن يمنحنا الحياة الأبديّة. إنّ محبّتنا للأشخاص الّذين غادرونا مُهِمَّة جدًّا لهم، ولكنّها لم تعد نافعة لهم، لذا على المؤمِن أن يسلِّم أحبّاءه لمحبّة الربّ القادرة، على حَسَبِ ما ورَد في سفر حزقيال، على إحياء العِظام الرميمة، ومَنْحِها القيامة الأبديّة. إنّ الربّ هو الوحيد القادر أن يخلق الإنسان من العدم، وبالتّالي أن يمنحه الحياة في هذه الفانية، وفي الملكوت. إنّ محبّة الله للبشر هي أعظم من محبّة البشر لبعضهم البعض، لذا فلنتحلَّ بالتواضع، ولنُسلِّم أمواتنا لمحبّة الله العظمى، القادرة على غفران الخطايا ومَنْحِ الحياة الأبديّة لكلّ مَن يطلبها، أكان تحت التُّراب أم حيًّا في هذه الأرض.
في هذا المساء، نصلّي مع جماعة "أذكرني في ملكوتك"، الّتي تحتفل بذكرى السنّوات الخمس على انطلاقتها في هذه الرعيّة، ونسأل الربّ أن يمنحَها دوام الاستمراريّة، وأن يزيد مِن انتشارها في الرعايا، إذ تجمع بين أورشليم الأرضيّة أي الأحياء في هذه الأرض، وأورشليم السماويّة أي الأحياء في الملكوت. إنّنا نرفع اليوم صلواتنا إلى الله على نيّة أمواتنا، بروح الرّجاء والإيمان أنّ أمواتنا قد أصبحوا مِن أهل الملكوت، ملكوت الحبّ، ملكوت الرّحمة، وبالتّالي نالوا الحياة الّتي لا تزول.

ملاحظة: دُوِّنت العظة مِن قِبَلِنا بتصرُّف.

تتمة...
22/2/2018 إفرحوا معنا الأب عمانوئيل الراعي
https://youtu.be/soBPCPr7ryk

عظة الأب عمانوئيل الرّاعي
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
الذكرى السادسة لانطلاقة جماعة "أذكرني في ملكوتك"
كنيسة سيدة الانتقال، عينطورة- كسروان

22/2/2017

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين

بدايةً، أودّ أن أشكر الأب الياس، لأنّه سمح لنا بمشاركتكم الصّلاة بفرح مع الشَّماس والشِّدياق ومع جماعة "أذكرني في ملكوتك". إنّنا نحتفل وإيّاكم بالقدّاس الإلهيّ من أجل الإخوة الراقدين لنُعَبِّر لهم عن محبَّتنا تجاههم، من خلال الصّلاة.
إنّ زمن الصّوم، هو "زمن الفرح"، أي أنّه علينا ألّا نظهر أمام الآخرين بوجوه عابسةٍ حزينة، بل علينا أن نُشرق عليهم بوجوهٍ مبتسمةٍ تُعبِّر عن فرحتنا لمشاركة الكنيسة جمعاء في هذه المسيرة. يبدأ زمن الصّوم بعرس قانا الجليل، الّذي حَضَرَهُ يسوع وأمّه مريم؛ وينتهي بِعرس القيامة، الّذي تمّ بحضور يسوع القائم من الموت وأمّه مريم. إنّ الكنيسة تدعونا في فترة ما بين العُرسَين، إلى عيش حالةٍ من العُرس الدائم مع الربّ فنتمكّن مِن العبور مع المسيح القائم إلى عرس السَّماء، عرس الحياة، الحياة الأبديّة. في هذا الصّوم، يدعونا الربّ إلى السَّعي للتشبُّه به: فكما صام الربّ في البريّة واختلى بذاته للصّلاة وأعطى البشريّة ذاته يومَ مات على الصّليب حُبًّا بها كي يجعلها من أهل الملكوت السماويّ، كذلك على المؤمنين أن يصوموا مُتَحَلِّين بالرّوحانيّة نفسها، فيُكرِّسوا وقتهم للصّلاة الّتي تجعلهم أشخاصًا ممتلئين مِن نعمة الله، وبتواصل دائمٍ مع الربّ، ويتصدَّقوا بمالهم وبمحبّتهم على الآخرين المحتاجين. إذًا، في هذا الزّمن المبارك، تدعونا الكنيسة إلى اختبار فرح العيش مع الربّ، واختبار الفرح مع أمواتنا الّذين عبروا من هذه الحياة، إذ قد تزيّن الملكوت بقداستهم.
"إفرحوا بالربّ دائمًا، وأقول لكم أيضًا إفرحوا" (فيلبي4:4)، هذا ما يدعونا إليه بولس الرّسول في الرسالة الّتي تُلِيَت على مسامِعنا اليوم في هذا القدَّاس. إنّ بولس الرّسول يدعونا إلى عيش الفرح في كلّ آنٍ: في الاحتفالات السَّعيدة، كما في الاحتفالات الحزينة، وكذلك في أيّام الصُّعوبات والشِّدة. على المؤمِن أن يفرح ويبتهج، حين يُدعَى إلى عُرسٍ؛ كما عليه أن يعيش حُزنه على فقدان أحد الأعزّاء بفرح، أي أنَّ على بكائه أن يكون ممزوجًا بالفرح لإدراكه أنّ الربّ المنتصر على الموت، سيُقيم موتاه أيضًا ويُدخلهم معه إلى الحياة الأبديّة. إنّ الفرح هو ثمرةُ قبول المؤمنين بالبشارة، وهو يشكِّل شهادة للآخرين عن إيمان المؤمنين بالربّ يسوع. إنّ كلّ عملٍ يُقدّمه المؤمِن على نيّة أمواته، يجب أن يقوم به بكلّ فرحٍ. إنّ أمواتنا لم يذهبوا إلى العدم، بل هم موجودون مع الربّ في السّماء. إنّ أكثر عملٍ نقوم به، يُفرِح أمواتَنا هو الصّلاة لأجلهم. إنّ صلاتنا لأجل موتانا هي ذاتُ منفعةٍ كُبرى لهم ولنا، على حدٍّ سواء: فهي تساهم في تسريع عمليّة دخولهم إلى الملكوت السماويّ، وتفيض علينا بركات مِن عند الربّ، وتساعدنا على فهم سرّ الموت بشكلٍ أفضل.

تتمة...
17/2/2018 جماعة وُلِدت من الألم الأب فرنسيس جرماني
https://youtu.be/Z7cy0yRRJrI

كلمة شُكرٍ من الأب فرنسيس جرماني
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
الذكرى الرابعة لانطلاقة جماعة "أذكرني في ملكوتك"
في كنيسة مار مارون، الانطونية - الحدث

17/2/2017
الله معكم،
قدَّاسٌ مقبولٌ ومباركٌ للجميع،
بدايةً، نشكرُ الله الّذي يجمعُنا نحن البشر، ويدعونا للتَّناول مِن ذبيحة الحبّ، إذ تجعلنا نسْتَشِفُّ منها قوّةً، وتجعلنا أصحاب قضيَّة هي: أن نكون علامةَ تَعزيةٍ للآخرين في مجتمعنا.
إخوتي، إسمحو لي أن أشكر باسمي وباسم جميع الحاضرين، المونسنيور رافايل طرابلسي الّذي يُشرِّف رعيّتنا للمرّة الأولى بزيارته المبارِكة تعبيرًا عن مدى محبّته لرّعيتنا. إنّ المونسنيور رافايل هو النائب العام لأبرشيّة الكلدان في بيروت، قاضٍ في المحكمة الروحيّة، ومقرّه الأساسيّ هو في مطرانيّة الكِلدان في الحازمية، أي في منطقةٍ مجاورةٍ لنا، لذا يمكن لكلِّ من يرغب من بيننا الاسترشاد أو طلب النّصيحة ألّا يتردّد في ذلك، فالمونسنيور عبّر عن استعداده لتقديم المعونة لكلّ مؤمنٍ.كما نشكره على تقديمه لنا هذه القراءة المعمَّقة لكلمة الله، الّتي أدخلتنا في أجواء الرّجاء والقيامة مع الربّ يسوع، وقَوَّت إيماننا، نحن أبناء الرّجاء، فازدَدْنا تمَسُّكًا بشعار القيامة والانبعاث مع المسيح، على الرّغم من كلّ الصُّعوبات الّتي تواجهنا في هذه الحياة. من هنا، فإنّ كلمة الله الّتي نتأمّل بها، ونسمعها من الآباء الّذين يشكِّلون "صوت الله في قلب هذا العالم"، تولِّد في قلوبنا وفكرِنا وحياتنا تعزيةً كُبرى.

ونشكر أيضًا مع المونسنيور رفايل طرابلسي، كلّ الآباء الحاضرين: الأب شربل بو عبّود الأنطونيّ، والأب جوزف رفوّل الّذي أظهر رغبةً لمعاونة الأب طوني عيد في الاستماع إلى اعترافات المؤمنين،كما أنّه لا يسعنا إلّا أن نشكر سيِّدةً وأُمًّا روحيّةً مُناضِلة، هي السيِّدة جانيت الهبر، الّتي حملت الهَمّ الرّسولي، حين حَمَلَتْ في صلاتها، كلّ شخصٍ قد انتقل من هذه الحياة إلى الحياة الأخرى، ودفعتنا بالتّالي إلى الاحتذاء بها، فحمَلناهم بِدَورِنا في صلواتنا وقداديسنا اليوميّة. استطاعت هذه السيِّدة، بإرادة الله وقوَّته، وبمساندة بعض المؤمنين مِن حولِها، أن تُؤسِّس جماعةً، فوُلِدَت من قلب الوَجَع، والأَلم والموت، جماعة "أذكرني في ملكوتك". تمكّنت هذه الجماعة مِن الشَّهادة أمام القلوب الموجوعة والحزينة بأنّ المسيح لا يزال موجودًا، والتذكير بقول المسيح للمؤمنين إنّ مَن آمن به، فلن يموت أبدًا. لقد اتَّخذ قدِّيسون كُثُرٌ كلامَ يسوعَ شعارًا لهم، فاعتبروا أنّ هذه الحياة فانية وزائلة، وأنّ الموت هو مجرَّد انتقال وعبور من هذه الحياة إلى الحياة الأخرى، ففسَّروا الموت قائلين إنّه كما ينتقل الإنسان من مكانٍ إلى آخر في هذا العالم،كذلك ينتقل الإنسان من هذا العالم الماديّ الزائل إلى عالم الحياة، ويَعبُر مِن الظلمة إلى النور الأبديّ.

نريد إذًا، أن نشكر السيِّدة جانيت الهبر على تحمُّلها لهذه المسؤوليّة، كما نودّ أن نشكر معها كلّ المؤمنين الّذين يُقدِّمون لها الدّعم والمساندة في نشر هذه الرسالة. كما نشكر كلّ جماعات "أذكرني في ملكوتك"، ابتداءً من الجماعة الموجودة في رعيّتنا، ومن ثمّ الجماعات الموجودة في المدن المجاورة لنا، كما نشكر كافة الجماعات الموجودة على الأراضي اللبنانيّة وفي بلاد الانتشار أيضًا. إنّ هذه الجماعات تمجِّد الربّ بحضورها، وتشهد أنّ المسيح قام، حقًّا قام من بين الأموات، وأنّها شاهدةٌ على ذلك، من خلال أعضائها.
إخوتي، لا بدّ لنا أن نشكر في الختام، الجوقة الّتي خدمت هذا القدّاس، بكلّ عطاءٍ منها، استجابةً لطلبنا في أن تشاركنا في هذا الاحتفال، كما فَعلَت أيضًا في قدّاس مار مارون. كما نشكر أبناء هذه الرعيّة، الحاضرين والغائبين، طالبين من الله أن نلتقي بهم لا في الأحزان وحسب، بل في الأفراح أيضًا. وإن التقينا في الأحزان، نتسلَّح بإيماننا المسيحيّ لاجتياز كلِّ ألمٍ وحزنٍ بفرح القيامة. والآن، سنشاهد فيلمًا وثائقيًّا قصيرًا يُلخِّص رسالة "أذكرني في ملكوتك".

ملاحظة: دُوِّنت الكلمة مِن قِبَلِنا بتصرُّف.

تتمة...
12/2/2018 السَّهر واليقظة والاستعداد الأب ريمون جرجورة

عظة الأب ريمون جرجورة
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
في كنيسة الميلاد الإلهيّ
الحضيرة - بيت الشِّعار

12/2/2018

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين

ينتاول هذا الإنجيل موضوع السَّهر والاستعداد والتيَقُّظ لمجيء الربّ. في زمن الصّوم، يدعونا هذا النّص الإنجيليّ، كي يسهر كلّ مِنَّا على ذاته أوّلاً، كما يسهر الربّ على خليقته، فيكون على استعدادٍ لمجيء الربّ. كما يدعونا إلى السّهر على إخوتنا البشر، فَنَنْتَبه إلى تصرّفاتنا معهم أوّلاً، كي لا تكون تلك الأخيرة مصدرَ شكٍّ وسببَ عثرةٍ لهم، فنتمكّن حينها من مساعدتهم على النموّ في الإيمان والرّجاء والمحبّة.

إنّ هذا النّص يدعونا أيضًا إلى التيَقُّظ أي إلى معرفة قراءة علامات الأزمنة، على مثال الفلّاح الّذي يُدرِك اقتراب فصل الصَّيف حين يرى البراعم على الشَّجر. على المؤمِن أن يتعلّم قراءة علامات الأزمنة الّتي يعطيه إيّاها الربّ، فيُدرِك أنَّ مجيئه قد اقترب، فيستعدَّ له بالتوبة والعودة إلى قلب الربّ. في عالمنا اليوم، علامات كثيرة تساعدنا على قراءة الأزمنة، منها ما هو سيّئ ومنها ما هو جيِّد. إخوتي، إنّ الله قادرٌ على أن يحوّل كلّ الأمور السَّيئة لما فيه خير المؤمنين، لذا ينجح كلُّ متَّقٍ للربّ في رؤية الإيجابيّة في الأحداث الّتي تحصل مِن حولِه على الرّغم من سلبيّتها. ففي لبنان مثلاً، لم تعد الحروب وسقوط القذائف سببًا للخوف عند المؤمنين، إذ اعتادوا على مثل تلك الأمور، ولذلك ينظرون إلى المستقبل بكلّ رجاءٍ وأَمَلٍ كبيرٍ في الحياة. إنّ كلّ الأمور السلبيّة الّتي تحصل في مجتمعنا تدفعنا لا إلى التوقّف عن الصّلاة، إنّما إلى تكثيف الصّلاة من أجل عالمنا الّذي يتخبَّط في شتّى أنواع الحروب والعنف.

إنّ الربّ يدعونا في هذا الإنجيل إلى الاستعداد لذلك اليوم، يوم الموت، يوم الدّينونة. إنّ الموت الخاصّ يُشبه الموت العام، إذ عندما ينتقل الإنسان من هذا العالم لا يعود قادرًا على التفاعل مع أحداث هذا العالم، وهو لا يتأثَّر بها. على المؤمِن أن يستعدَّ لهذا الموت الخاصّ من خلال مسيرة حياته على هذه الأرض الفانية. إنّ الاستعداد للموت لا يكون بتحويل كلّ اهتمامنا إلى التفكير في ساعة انتقالنا من هذه الحياة. إنْ كنْتَ تريد أن تستعدَّ للموت، فعليك أن تستعدّ للحياة: فإذا نجحتَ في عيش حياتك بطريقة صحيحة، نجحتَ كذلك في الاستعداد لساعة انتقالِك من هذه الحياة. زارني في الأيّام القليلة الماضية، عجوزٌ يناهز عمره التسعة والتسعين، ليتحدَّث معي قائلاً: أبتِ، أنا لا أعرف هدف الله وحكمته من إبقائي على قيد الحياة، خاصّة أنَّ سَمَعي ونظري قد شحّا، فأنا على استعدادٍ كاملٍ للقائه حين يدعوني إلى مجده. إنّ كلام هذا العجوز هو مدعاة للتفكير ولطرح السؤال على ذواتنا: هل نحن على استعدادٍ للقاء الربّ إن دعانا إلى مجده؟ إنْ كان جوابنا إيجابيًّا فهذا يشير إلى أنّنا نُحسِن العيش على هذه الأرض، أمّا في حال كان الجواب سلبيًّا، فهذا يشير إلى أنّه علينا الإسراع في تغيير مسيرة حياتنا كي نكون على استعداد للقائه يومَ يَدعونا لملاقاته في المجد. هذا ما يدعونا إليه الربّ في زمن الصّوم من خلال هذا الإنجيل: السَّهر واليقظة والاستعداد.
إنّ الصّوم هو فترة تمرين يخضع لها المؤمِن بإرادته، تُساعده على مواجهة تحدّيات حياته اليوميّة: فالصّوم ليس أبدًا فترةً نُحقِّق فيها ما يطلبه منّا الربّ بعد تَقاعُسِنا عن القيام به باقي أيّام السنّة، بل الصّوم هو فترة تدريبٍ لنا، نقوم فيها ببعض التمارين الّتي تُكْسِبنا عاداتٍ جديدة تُساعِدنا على مواجهة صعوبات الحياة، خارج زمن الصّوم. في زمن الصّوم، نتمرّن على الصّلاة، والتأمّل في كلمة الله، والتوبة والعودة إلى الله، كما نتمرّن أيضًا على العطاء بسخاء لكلّ محتاجٍ. إخوتي، إنّ العطاء ليس عطاءً ماديًّا وحسب، بل يمكنه أن يكون عطاءً فكريًّا وروحيًّا ونفسيًّا أيضًا: فبعض الأشخاص يحتاجون إلى مَن يُصغي إليهم، فإصغاؤك إليهم بالنسبة لهم هو أثمن من كلّ عطاءٍ ماديّ لهم. إنّ الإنسان يستطيع أن يُعطي الآخرين من أمواله إن كان قادرًا على ذلك، كما أنّه يستطيع أن يعطي الآخرين المحيطين به محبّته وتعبه.

تتمة...
11/2/2018 لِندخل إلى الحياة الأبديّة المونسنيور شربل أنطون
https://youtu.be/W7TA7gI3yzk

عظة المونسنيور شربل أنطون
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
الذكرى الرابعة لانطلاقة جماعة "أذكرني في ملكوتك"
في كنيسة مار انطونيوس الكبير- مستيتا

11/2/2017

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

تأسسّت جماعة "أذكرني في ملكوتك"، في رعيّتنا منذ أربع سنوات، وقد أَوكَلها الربّ رسالةً سماويّة هي نشر مفهوم القيامة في قلوب المؤمنين. "أذكرني في ملكوتك"، هي عبارة إنجيليّة تُعبّر عن طَلَبِ لصٍّ من الربّ يسوع: إذ اكتشف اللِّص اليمين من خلال حواره على الصّليب مع الربّ يسوع، هويّة الربّ الحقيقيّة، فآمن به وأعلن توبتَه عن خطاياه سائلاً الربّ أن يذكره حين يأتي في ملكوته.
بدايةً أودّ تسليط الضّوء على بعض القواعد الإيمانيّة المهمّة في كنيستنا الكاثوليكيّة. إنّ تعليم الكنيسة واضحٌ جدًّا، إذا إنّه قادرٌ على إعطاء الأجوبة الشافية لكلّ أسئلة المؤمنين، غير أنّ عدم اضطِّلاع الكثير منهم عليه، أدّى إلى ابتعادهم عن الإيمان الصَّحيح. إنّ أُولى تلك القواعد المهمّة في موضوع الموت والقيامة، هي الإيمان بوجود السّماء. إنّ بعض المؤمنين يعتقدون أنَّ السّماء غير موجودة، وأنّ الكلام عنها هو مجرّد خرافات لا أساس لها، بينما يعتقد البعض الآخر أنّ السّماء هي مصيرهم المحتّم. إنّ يسوع قد جاء إلى أرضنا وبشَّر النّاس بالملكوت السماويّ، وما تعليمه في الإنجيل سوى دليلٍ واضحٍ على وجود السَّماء. أمّا القاعدة الإيمانيّة الثانية الّتي نستند عليها في موضوعنا اليوم، هي إيماننا بوجود "المطهر". إنّ "المطهر" ليس ثمرةَ تأليفٍ بشريّ، أو نتيجةَ خيالٍ كنسيّ، بل هو عقيدة إيمانيّة كاثوليكيّة. إنّ الكنيسة الكاثوليكيّة استندت على بعض النُّصوص الإنجيليّة لإعلان "المطهر" عقيدة إيمانيّة ومن هذه النُّصوص: كلام بولس في إحدى رسائله، عن "النّار الـمُطهِّرة". في كلامنا عن الحياة ما بعد الموت، يجدر بنا الإشارة إلى أنّ "المطهر" هو حالة، وكذلك جُهنَّم أيضًا. إنّ جهنّم موجودة على الرّغم من إنكار بعض المؤمنين وجودها، إذ إنّ النّص الإنجيليّ واضح، إذ يقول الربّ للأشرار الّذين عن شماله: "إليكم عَنّي، أيُّها الملاعين، إلى النّار الأبديّة الـمُعَدَّة لإبليس وملائكته"(متّى 25/41). إنّ القدِّيس البابا يوحنّا بولس الثاني قال في هذا الصَّدد: إنّ مَن يُنكر وجود الشَّر، هو إنسانٌ لا يؤمن بالإنجيل.

أمّا الآن، فننطلق في حديثنا عن الملكوت فنقول إنّ الملكوت هو الحياة الجديدة. إنّ الربّ يسوع قد تجسَّد في أرض البشر، ليكشف لهم صورة الله الآب الحقيقيّة، فأدركوا أنّ الله هو أبٌ حنونٌ مُحبٌّ وغفور، ممّا ساهم في تعمُّقهم في إنسانيّتهم. إنّ الله الآب دعا أبناءه البشر إلى مشاركته الملكوت، أي أنّه بمعنى آخر، أراد خلاص نفوسهم أجمعين، وهذا هو تحديدًا الهدف مِنَ الإنجيل وكلّ القوانين الكنسيّة. إنّ الكنيسة المجاهدة على هذه الأرض، تعمل على خلاص النّفوس، أي إلى وصول جميع أبنائها إلى الحياة الأبديّة بعد انتقالهم من هذه الفانية. إنّ الربّ يسوع قد وعدنا بأنّ مَن يؤمن به ينال الحياة الأبديّة، وهذا هو أساس إيماننا، إذ ليس مِن سببٍ آخر، يدفع المؤمنين إلى الالتزام بالمسيح وتحمُّل آلام هذه الحياة ومشقّاتها سوى رغبتهم في الوصول إلى الأبديّة أي في الخلود. إنَّ الموت عند المؤمنين بالمسيح لا يشكِّل نهاية لوجودهم، بل هو وسيلةٌ يَعبُر المؤمنون من خلالها إلى الحياة الثانية، حيث يتمتَّعون بمشاهدة الربّ وجهًا لوجه في الملكوت.

إنّ المؤمنِين يطرحون أسئلةً كثيرة حول تلك الحياة الثانية الّتي وعدهم بها الربّ، إذ بحسب قولهم، لم يعد أيًّا من الأموات، الّذين انتقلوا من هذه الحياة، ليُخبرنا عن الحياة في الملكوت.

تتمة...
8/2/2018 "قد مجَّدتُ، وسأُمجِّد أيضًا" يو 12: 28 الأب جوزف عبد الساتر

عظة الأب جوزف عبد الساتر
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
الذكرى التاسعة لانطلاقة جماعة "أذكرني في ملكوتك"
دير مار الياس- انطلياس

8/2/2018

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين

"فجاء صوتٌ مِن السَّماء يقول: "قد مجَّدتُ، وسأُمجِّد أيضًا" (يو 12: 28)

في ذكرى مرور تسع سنوات على ولادة جماعة "أذكرني في ملكوتك" في هذه الرعيّة، نسمع اليوم من خلال هذه الجماعة صوتَ الله الآب من السّماء، يدعونا إلى عيش شراكة الصّلاة مع أمواتنا الّذين سبقونا إلى بيته، ليُعِدُّوا لنا مكانًا في السّماء. إنّ الله سيذكُرنا بالطبع في ملكوته، إذ إنّنا ذَكرنا أمواتنا في صلاتنا، وصلّينا لأجل راحة نفوسهم.

في الرسالة الّـتي تُليت على مسامِعنا، يقول القدِّيس بولس لتلميذه تيموتاوس: "لقد تَبِعْتَ تعليمي، وَسِيرَتي، وَقَصْدي، وَإيماني، وأَناتي، وَمَحَبّتي، وثباتي، واضطهاداتي، وآلامي، كالّتي أصابَتْني في أَنْطاكِيَة وإِيقُونْيَةَ ولِسْتَرة، وأيَّ اضطهاداتٍ احتَمَلْتُ!"(2 طيم 3: 10- 11)، ويُضيف قائلاً: "فجميع الَّذين يريدون أن يَحيَوا بالتَقوى في المسيحِ يسوع يُضطَهَدون"(2 طيم 3: 12). إذًا، إنّ كلّ مَن يقرّر اتِّباع الربّ والسَّير في طريق التقوى، سينال نصيبه مِنَ الاضطهادات، التّي من شأنها أن تقوِّي إيمان المؤمِن، لا أن تجعله يغار من الأشرار الّذين، حسب قول بولس، "يتمادون في الشَّر مُضَلِّلينَ الآخرين، وهم أنفسهم مُضَلَّلون" (2 طيم3: 13). إنّ الربّ قد تجسَّد في أرض البشر وغلب الشَّر بالحبّ.

إنّ هذا النّص الإنجيليّ الّذي تُليَ على مسامعنا، يأتي بعد حادثة إقامة لعازر مِنَ الموت، وبعد دخول المسيح يسوع مَلِكًا إلى أورشليم. لم يتمكّن الشَّعب اليهوديّ من معرفة المسيح على الرّغم من مسيرة الله مع شعبه عبر التّاريخ وتحضيره لمجيء الربّ. في تصرّف اليهود واليونانيّن في هذا النّص، نجد تطبيقًا عمليًّا للآية الكتابيّة القائلة: "جاء إلى بيته، وما قَبِلَه أهل بيته. أمّا الّذين قبلوه، وهم الّذين يؤمنون باسمه، فقد مكّنهم أن يصيروا أبناء الله" (يو1: 11). إنّ الحبّ وحده يستطيع أن يكسر كلّ الحواجز، بدليل أنّه خرق قلوب الوثنيّين، فجاؤوا باحثين عن المبشِّر بالحبّ، ألا وهو يسوع المسيح.

لقد صلّى الربّ يسوع إلى الله أبيه قائلاً: "يا ربّ مجِّد ابنك"، فاستجاب الآب له حين سُمِع صوتٌ من السّماء يقول: "مجَّدتُ وسأُمجِّد". مع ختام هذا الإصحاح، يُنهي الإنجيليّ يوحنّا كلامه عن مسيرة يسوع التبشيريّة في هذه الأرض، ليبدأ في الإصحاح التّالي الكلامَ عن آلام المسيح. إذًا، على كلّ مؤمِن أن يتحضَّر للصّلب والاضطهادات، إن كان يريد أن يعيش عمق المحبّة مع المسيح. إنّ اعتقاد بعض الحاضرين أنّ هذا الصّوت الّذي سُمِع من السّماء هو صوتُ رعدٍ، هو دليلٌ على انتظارهم للمسيح، ملِكًا قويًّا، يبطش بالآخرين مُحقِّقًا طموحات الشَّعب الدُّنيويّة. أمّا الّذين اعتبروا أنّ الصّوت الّذي سُمِع من السّماء هو صوتُ ملاكٍ، فَهذا يشير إلى أنّهم بدأوا يَتلمَّسون حقيقة الربّ. بعد سماعه هذا الصّوت، قال يسوع لجميع الحاضرين إنّ هذا الصّوت لم يكن من أجله بل من أجلهم.
"إنَّ حبّة الحنطة الّتي تقع في الأرض، إن لم تَمُت تبقى وحيدة. وإذا ماتت أخرجَتْ ثمرًا كثيرًا" (يو 12: 24)، أي أنّ على الإنسان أن يموت عن ذاته إنْ أراد أن تُثمر حياته حياةً للآخرين. ولا نقصد بالموت هنا، الموت الجسديّ، إنّما نقصد به قيام الإنسان بالتضحيات وبأعمال الحبّ تجاه الآخر، إذ لا يمكن لحياةٍ جديدة أن تنمو، دون أن تضمحلّ حياةُ آخر. إنّ الربّ يدعونا إلى الخدمة، حين يقول: "مَن أراد أن يخدمني، فليتبعني، وحيث أكون أنا، هناك يكون خادمي، ومَن خدمني أَكرَمَه أبي" ( يو 12: 26).

تتمة...
9/1/2018 الصّدق في الرسالة الأب موريس معوض
https://youtu.be/_oQ7ilfUWFI

عظة الأب موريس معوّض
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
كنيسة مار تقلا - المروج

9/1/2018

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

في زمن الظهور الإلهيّ، أي زمن الغطاس، نكتشف يومًا بعد يومٍ شخصيّة يوحنّا المعمدان. وقد ظهر من خلال نصوص الإنجيليّين الأربعة، قاسمٌ مشتركٌ في شخصيّة يوحنّا وهو صِدقُهُ في العيش وفي الرسالة: صِدْقٌ في تلبية دعوة الله له، وصِدقٌ في تحقيق الرسالة الّتي أوكله الله إيّاها. تميَّز يوحنّا في عَيْشِه حياةً تصوُّفيّة على الرّغم مِن أنّه كان وحيد أهله الطّاعنَين في السِّن، وقد كانت ولادته في بيت زكريّا، تشكِّل رحمةً من الله لوالدته العاقر. لم يفكّر يوحنّا المعمدان بالزّواج، بل اختار حياة التكرُّس الكامل للرسالة الّتي أوكله إيّاها الله، منذ أن كان في حشا أمّه إليصابات، فكان الصّوت الصّارخ في البريّة ومُعِّدَ الطريق لمجيء المخلِّص يسوع المسيح.

إنّ شخصيّة يوحنّا المعمدان كانت محطّ جدلٍ عند اليهود، لذا أرسلوا إليه كهنةً ولاويّين يتمتّعون بمصداقيّة عالية عند الشَّعب ليسألوه عن هويّته، فكان جوابه مستندًا على العهد القديم الّذي كان مرجعيّته الوحيدة للردّ على كلّ تساؤلاتهم. لقد استعان إذًا، يوحنّا المعمدان بأسفار الأنبياء في العهد القديم، واستشهد بكلّ الأحداث الخلاصيّة في التاريخ ليُثبِتَ لليهود حقيقة رسالته ومصداقيّته. إنّ يوحنّا دفع حياته ثمنًا لمصداقيّته، فاستشهد مقطوع الرأس على يد جنود الإمبراطور الرومانيّ هيرودس، لأنّه رفض السّكوت عن الخطأ الّذي ارتكبه هذا الأخير بزواجه من امرأة أخيه.

إنّ هذا الزّمن، زمن الدِّنح المبارك، يشكِّل دعوةً لكلِّ مؤمنٍ كي يتخِّذ مِن يوحنّا المعمدان قدوةً له، فيقول الحقيقة مهما كانت، حتّى ولو كلّفه ذلك الاستشهاد. إنّ الحقيقة، في بعض الأحيان، قد تكون غير مقبولة عند البعض، لذا يفترون على قائلها ويتَّهمونه بالكذب. إخوتي، على المؤمن أن يكون أوّلاً صادقًا مع ذاته ومع الآخرين، فيعبّر بذلك عن التزامه بالمسيح، وثانيًا أن يقول الحقيقة حتّى ولو قاده ذلك إلى الاستشهاد،كما حدث مع يوحنّا المعمدان.

إنّ الله أعطى كلّ واحدٍ منّا رسالةً خاصّةً، وهي أن يكون شاهدًا على موت المسيح وقيامته، في الحياة الّتي يختارها أكانت حياةً زوجيّةً، أم كهنوتيّة، وحتّى بتوليّة. إنّ الشهادة للمسيح مكلفة، لذا يفضِّل الكثيرون السعي لإرضاء النّاس، لا الله، عبر اختيارهم من الحقيقة ما يُناسِب مصالحهم الخاصّة. إخوتي، على كلّ مؤمن أن يسعى لإرضاء الله لا النّاس، وإلى تحقيق قداسته الخاصّة أوّلاً وحصوله على الخلاص، ثمّ يهتمّ بنقل الخلاص إلى الآخرين وبِحَثِّهم على تحقيق قداستهم، لذا عليه تحاشي استعمال أساليب العالم من غشٍّ واحتيال، للحصول على رضى النّاس.

إنّ قديسين كُثُرًا، كما القدِّيس شربل، قد تعرَّضوا لمضايقاتٍ جمّة من المحيطين بهم، نتيجة عَيْشِهِم لحياة الصّمت والصّلاة والسُّجود للقربان المقدَّس. غير أنّ هؤلاء القدِّيسين لم يستسلموا أمام تلك الانتقادات ولم يتراجعوا عن مسيرتهم مع الربّ بكلِّ صدقٍ وشفافيّة، بل أكملوا طريقهم صوبهم بخطىً ثابتة. لقد ظهرت بطولة القدِّيسين في الحياة الخفيّة الّتي عاشوها مع الربّ، معتمدين المصداقيّة مع الذّات ومع الآخرين في قولهم الحقيقة دون مواربة، ومبتعدين عن ضوضاء هذا العالم ومُغرَياته، وبالتّالي شابهوا يوحنّا المعمدان واتخّذوا من شخصيّته بعض السّمات المهمّة في مسيرتهم مع الربّ. لم يكن لصّ اليمين أوّل الدّاخلين إلى الملكوت السّماويّ، بل كان يوحنّا المعمدان أوّل الدّاخلين إليه لأنّه اعتمد بإيمانه بالربّ يسوع، وقد كان أوّل شهداء العهد الجديد، إذ مات مقطوع الرأس. آمين.

ملاحظة: دُوِّنت العظة مِنْ قِبَلِنا بتصرّف.

تتمة...
29/12/2017 هَرَبْ الطِّفل يسوع مع أبَوَيه من بيت لحم إلى مِصر الخوري يوسف الخوري

عظة الأب يوسف الخوري
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
في كنيسة سيّدة الخلاص- مرجبا

29/12/2017

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

في هذا المساء، تتلو الكنيسة على مسامِعنا إنجيلَ هَرَبْ الطِّفل يسوع مع أبَوَيه من بيت لحم إلى مِصر، كما تتلو على مسامِعنا أيضًا نصًّا من الرسالة إلى العبرانيين عن خروج الشَّعب اليهوديّ من مِصر إلى أرض الميعاد مع النبيّ موسى. في مقارنةٍ بين هذين النَّصين، نجد أنّ النبوءة: "مِن مِصر دعوت ابني"، الّتي يذكرها الإنجيليّ قد تحقّقت في العهد القديم مع موسى النبيّ، وتحقّقت في العهد الجديد أيضًا مع يسوع المسيح. عندما حقّق الربّ خلاصه للشَّعب اليهوديّ، بإخراجهم من أرض مِصر، احتفل الشَّعب بهذا الخروج، مقدِّمين الذبائح لله، فكان الفِصح اليهوديّ الأوّل مع موسى. وتخليدًا لهذه الذكرى، قرّر الشَّعب الاحتفال بالفِصح سنويًّا، تَعبيرًا عن فرحهم بخلاص الربّ لهم. لقد طلب الله من موسى رشَّ أعتاب بيوت المؤمِنِين بِدَمِّ الذبائح، تعبيرًا عن مباركته للشَّعب، وبذلك كان موسى لا نبيًا وحسب، بل كاهنًا أيضًا. إنّ الربّ يسوع هو نبيّ العهد الجديد، على مِثال موسى، نبيّ العهد القديم، إذ أخبر الشَّعبَ بكلمة الله الحقّة، فنال كلّ مَن آمن بها غفران خطاياه والحياة الأبديّة في الملكوت السماويّ، أي الخلاص.

في هذا النَّص الإنجيليّ نبوءتان، الأولى:"مِن مصر دعوتُ ابني" (متى 2: 15)، والثانية:"صوتٌ سُمِعَ في الرّامة، بكاءٌ ونحيبٌ شديد، راحيل تبكي على بَنيها، وقد أَبَت أن تتعزّى، لأنّهم زالوا من الوجود" (متى 2: 18). لقد ظهر ملاك الربِّ ليوسف في الحُلم لِسَبَبَين: الأول، لِيَطلب منه الهروب إلى مِصر مع الطِّفل وأمّه؛ والثاني، لِيَطلب منه العودة إلى بيت لحم، لأنّ هيرودس المجرم قد مات. وبالتّالي، من خلال استجابة يوسف لملاك الربّ، تحقّقت النبوءة الأولى. أمّا النبوءة الثانية، فقد تحقّقت حين قَتَل هيرودس الـمَلك كلّ أطفال بيت لحم، الّذين هم دُون السَّنَتَين من العُمر، إذ سُمِع صوت الأمهّات يَبكِين أولادهنَّ، في كلّ مدينة بيت لحم. إذًا، إنّ خلاص الربّ للبشر لم يتمّ إلّا بعد أن تحقّقت جميع نبوءات العهد القديم، الّتي قيلت في الربّ يسوع، وقد سبّب تحقيق تلك النبوءات آلامًا وعذابًا لبعض البشر، كمقتل الأطفال وبكاء الأمّهات، وهذا ما يدفعنا إلى طرح العديد من التساؤلات، حول إيماننا بالربّ، وخلاصه لنا. لقد قتَل هيرودس الملك أطفال بيت لحم، لأنّه خاف أن يَنتَزِع منه الربّ سُلطَته الأرضيّة، وبذلك أراد الله أن يقول لنا إنّ شرّ البشر لا يستطيع أن يعيق مسيرة الخلاص، فالربّ قادرٌ أن يحوِّل شرّ البشر لما فيه خَيرُ أحبّائه المؤمِنِين به. إنّ "راحيل" هي زوجة يعقوب ابن اسحق ابن ابراهيم، وهو أحد آباء العهد القديم، وبالتّالي أراد الإنجيليّ القول إنّ خلاص الربِّ لنا، مرتبطٌ بالعهد القديم، فخلاص الربّ هو تحقيق لنبوءات العهد القديم، من خلال آباء الكتاب المقدَّس. إذًا، لا يمكننا أن نَفهم سرّ الخلاص بـمَعزلٍ عن العهد القديم.

في مسيرة الخلاص، كانت هناك مسيراتٌ بين بيت لحم ومصر، مليئةٌ بالدِّماء والمعاناة: فالشَّعب اليهوديّ انتقل من بيت لحم إلى مِصر بسبب المجاعة التّي حلَّت في أرض اليهوديّة. والربّ هرب من بيت لحم باتِّجاه مِصر، بسبب حبِّ هيرودس الملك للسُّلطة، فروّى ذلك الملكُ الأرضَ بدماء أطفال بيت لحم. إذًا، إنَّ تحقيقَ الربِّ لوعوده مع البشر لا يتمّ دون آلامٍ وأوجاعٍ بشريّة. ولذا نحن مدعوِّون اليوم، من خلال هذا النَّص الإنجيليّ إلى التأمُّل في مسيرة حياتنا، لنتمكَّن من رؤية حضور الله فيها على الرُّغم من كلّ الصُّعوبات والآلام، الّتي تواجهنا في حياتنا. إنّ الله يدعونا إلى انتظار الخلاص، مُـحتَمِّلين الآلام والصّعوبات الّتي تواجهنا في حياتنا. إنّنا مدعوِّون إلى الصّراخ إلى الربّ في وقت صعوباتنا، لنتمكّن من رؤية خلاص الربِّ لنا في حياتنا. في مسيرته في الصّحراء، عانى الشَّعب اليهوديّ من الجوع والعطش، فصرخ إلى الربّ، فسمع الربُّ صراخ شعبه واستجاب لطِلباته.

إنَّ ملاك الربّ ظهَر في الحلم ليوسف، وطلب منه الهرب إلى مِصر مع مريم والطِّفل، لأنّ هيرودس يريد أن يُهلِك الصّبي. لقد أراد هيرودس الملك قَتل يسوع، وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، قَتَل كلّ أطفال بيت لحم، وبالتّالي مات هؤلاء الأطفال بسبب يسوع، ولكنّ الربّ عاد وخلَّصهم بموته على الصّليب وقيامته، فكانت لهم ولجميع النّاس أيضًا الحياة الأبديّة. لم يكن موت أطفال بيت لحم، بسبب يسوع، إنّما بسبب شرّ هيرودس وحبِّه للسُّلطة. إذًا، إنّ أنانيّة البشر لا تُعطي إلّا موتًا، أمّا محبّة الله لنا فلا تُعطي إلّا حياةً وخلاصًا لجميع البشر، إذ إنّها قادرة على أن تُبَلسِمَ أوجاع النّاس وتخفِّف ثِقل صعوباتهم اليوميّة. إنَّ الربّ أيضًا تحَمَّل معنا صعوبات هذه الحياة، ليجعلنا من جديد أبناءً لله. إنّ الله قد تجسَّد في مغارةٍ فقيرةٍ، وصار إنسانًا وتحمّل آلام هذه الحياة، ليعلِّمنا أنّ الإنسان ضعيف، وهو بحاجة لله في مسيرته على هذه الأرض. إنَّ الله يرافقنا في مسيرتنا الأرضيّة، لأنّه يريد أن يمنحنا الفرح والسّلام والحياة، فنكون شهودًا حقيقيّين على تجسُّده وقيامته، للآخرين، مُعلِنين أنّنا أبناء الله حقًّا.

إنّ الحياة الأرضيّة تمنحنا الفُرصة، لنُعبِّر للآخرين من خلال أعمالنا اليوميّة، أنّنا حقًّا أبناء الله، إذ إنّنا مدعوّون إلى تمجيد الله من خلال أعمالنا اليوميّة. ولكن إن لم يشعر الإنسان حقًّا بمحبّة الله له واهتمامه به، فهو لن يكون قادرًا على الإعلان بأنّه ابن الله حقًّا، وبالتّالي لن يجد أيّ فائدة من صلاته إلى الله، أو مشاركته في الذبيحة الإلهيّة. إنّ الله لم يخلُقِ الإنسان ليتركه وحده يصارع صعوبات هذه الحياة، بل إنّه يبقى بجانب الإنسان طيلة حياته على هذه الأرض، ولكنَّ المشكلة تكمن في عدم شعور الإنسان بحضور الله في حياته. أن يكون الإنسان ابنًا لله، فهذا يعني أنّه شريكٌ له في الميراث، في ميراث المجد، في ميراث الحياة، ميراث الفرح والعزّة والكرامة، وهذه كلُّها لا أحدٌ يمكنه أن يمنحك إيّاها سوى الله. وبالتّالي حين تعيش حياتك الأرضيّة بكرامة الله وعزّته ومجده، فإنّك عندها ستشعر بأنّك حقًّا ابن الله وتُثبِت للآخرين أنّك حقًّا تلميذٌ ليسوع المسيح. آمين. ملاحظة: دُوِّنت العظة مِنْ قِبَلِنا بتصرّف.

تتمة...
7/12/2017 إنّ الموت هو بداية حياة جديدة الأب أنطوان خليل

عظة الأب أنطوان خليل
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
جماعة "أذكرني في ملكوتك"
في دير مار يوسف - المتين

7/12/2017

اسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.

في زمن الميلاد المجيد، تحتفل الكنيسة في هذا الأسبوع بزيارة العذراء مريم لنسيبتها أليصابات. وفي هذا الشَّهر المبارك، ننتظر زياراتٍ كثيرة وأهمّها زيارة إلهنا ومخلِّصنا "عمانوئيل"، إِلَـهُنا معنا، الّذي سيمنحنا النِّعمة ويضع أمانه وسلامه في قلوبنا وفي بيوتنا، في بلادنا وفي العالم أجمع.

في زيارة مريم لنسيبتها أليصابات، نكتشف من جديد أنَّ يسوع هو الّذي يزرع النّعمة والبهجة والبركة في قلوب النّاس، فكلام الإنجيل واضحٌ حين يقول إنّ الجنين قد ابتهج فرحًا في حشا أليصابات. إنّ موتانا أيضًا يبتهجون فرحًا حين يزورهم يسوع المسيح في القبور، فزيارتُه لهم تزرع الرّجاء والتعزيّة في قلوبهم وتمنحهم القيامة؛ كما أنّ زيارته للنفوس المحزونة، تزرع فيهم التعزيّة والرّجاء بأنّ أمواتهم سيقومون معه. إنّ زيارة المؤمنين لمدافن موتاهم هي في غاية الأهميّة لأنّها تجعلهم يلتقون بأحبّائهم الّذين غادروا هذه الأرض من خلال الصّلاة، فالمؤمنون على يقين أنّ الموت لا يستطيع أن يُنهي علاقتهم بأحبّائهم المنتقلين من بيننا.

إنّ الموت هو بداية جديدة: فكما أنَّ المسيح بدأ حياةً جديدة بعد موته على الصليب بقيامته من بين الأموات، كذلك نحن أيضًا إذ نبدأ حياةً جديدة مع الربّ، بعد موتنا في هذه الفانية. إخوتي، إنّنا نلتقي بموتانا بطُرق متعدِّدة: أوّلاً من خلال الصّلاة، ثمّ من خلال استحضار أقوالهم وأفعالهم في زمننا الحاضر، واستذكار تضحياتهم وخدمتهم، والمحبّة الّـتي تجمعنا بهم. إنّنا، نحن الأحياء في هذه الأرض، نفتقد حضور موتانا، كما أنّ موتانا يطلبون منّا الصّلاة لأجلهم لأنّهم في أَمسّ الحاجة لها.

إخوتي، إنّ للصّلاة أهميّة كبرى في حياتنا المسيحيّة: فالمؤمنون يصلّون لأجل إخوتهم المتألِّمين والمرضى، كما يصلّون أيضًا للمنتقلين من بينهم. إنّ المؤمنين يصلّون بشكلٍ خاصّ من أجل إخوتهم الّذين هم على فراش الألم والموت، كي يمنحهم الربّ

تتمة...
7/12/2017 لأن خلاصه قد اقترب الأب يوحنا داوود

عظة الخوري يوحنا داوود
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
جماعة "أذكرني في ملكوتك"
كنيسة سيّدة العناية - البوشريّة

7/12/2017

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين

في هذا النّص الإنجيليّ، ينقل يسوع إلينا بُشرى سارّة، وهي أنّ خلاصه قد اقترب. إنَّ هذه البشرى تحمل الرّجاء إلى كلّ إنسان حزينٍ ومتألِّم، خاطئٍ ومُتعبٍ من أثقال الحياة.
إنّ إدراك المؤمنين بأنّ خلاص الربّ أصبح قريبًا، مِن شأنه أن يُولِّد فيهم الرّجاء، الّذي يمنحهم نعمة الصّبر والتحمُّل لانتظار مجيء الربّ الّذي أصبح قريبًا. إنَّ مشكلة الإنسان تكمن في كونه يلجأ إلى الزّمن الحاضر ليقيس اقتراب الخلاص أو بُعْدِه: فمثلاً حين يقول الإنسان إنّ هذا الأمر سيتمّ قريبًا، فهو يعني أنّه سيتمّ الآن، أو بعض لحظاتٍ قليلة. ولكنّ الله هو خارج الزّمن، وبالتّالي فإنّ زمن الله مختلف عن زمننا الحاضر.

وهنا السؤال يُطرَح: أمام اختلاف زمننا عن زمن الله، ما الّذي سيشجِّعنا على الاستمرار بالتمسُّك بالرّجاء؟ إنّ ثقتنا بوعد يسوع الّذي قال لنا إنّ السّماء والأرض تزولان وكلامه لا يزول، هو دافعنا للاستمرار بالتمسُّك برجائنا المسيحيّ. إنّ صدى كلمات يسوع سيبقى حاضرًا في قلب المؤمن، فيمنحه الصَّبر ليتحمّل كلّ الضِّيقات الّتي تواجهه في هذه الحياة، ويذكِّره بوعد الله للمؤمنين به باقتراب الخلاص. لذا، على المؤمن أن يجدّد ثقته بالله وبوعده له، فيسترجع في فكره خبرة الخلاص في الكتاب المقدَّس، ومن ثمّ خبرة الآباء والأجداد القدِّيسين.

من خلال قراءته خبرة شعب الله وحصوله على الخلاص في الكتاب المقدَّس، يكتشف المؤمن أنّ الله صادقٌ في مواعيده، إذ قد حقّق لشعبه كلّ ما وَعَدَهم به. وبالتّالي، عندما يَعِدنا الله بأمرٍ ما، فهذا يعني أنّ ذلك سيتحقّق فعلاً. إنّ الله يعدنا اليوم أنّ خلاصه قريب، وبالتّالي هو سيحقّق هذا الخلاص في المكان والزّمان اللّذين يحدِّدهما هو وحده. إنّ الإنسان لم يُعطَ أن يعرف لا الوقت ولا المكان الّذي سيتمّ فيه هذا الخلاص، لذا عليه أن يكون مستعدًّا على الدّوام وحاضرًا له في كلّ زمان ومكان. إنَّ الاستعداد للخلاص، يكون حين يضع المؤمِن ذاته بكليّتها في حضرة الله دائمًا قائلاً له: هاءنذا يا ربّ في انتظار وشوقٍ لخلاصك. على المؤمن أن ينتظر خلاص الربّ بفرحٍ ورجاء، لا في حالة من اليأس، فاقتراب خلاص الربّ هو مدعاة للفرح. إنّ رجاء المسيحيّ ثابتٌ، لا يتزعزع، لأنّه مبنيّ على أساسٍ متينٍ هو الربّ يسوع. وحين يتعرَّض المؤمن للشكّ، عليه أن يُسارِع إلى الله قائلاً له: "أعِن يا سيِّدُ قلّة إيماني، فأنا إنسان ضعيف".

نحن على ثقة تامّة بالربّ أنّه سيُحقّق كلّ ما وَعَدنا به، لذا فَنَحْنُ نترجم هذه الثِّقة من خلال اجتماعنا في الخميس الأوّل من كلّ شهر لنُقدِّم الذبيحة المقدَّسة الطاهرة، لأجل راحة نفوس كلّ الراقدين من بيننا على رجاء إيمانهم بالربّ، أكنّا نعرفهم أم لا. إنّ ذبيحتنا تكون مستجابة عند الربّ ومقبولة، إن قدَّمناها بفرحٍ من أجل موتانا، لا بحالة من اليأس والحزن على فراقهم لنا، فنحن نعلم أنّهم لا يزالون أحياء مع الربّ، لأنّنا نؤمن بأنّ الله صادقٌ في ما وَعَدنا به حين قال لنا: إنّ مَن سمِع كلامي وآمن بِمَن أرسَلني له الحياة الأبديّة، ولا يأتي إلى دينونةٍ، بل ينتقل إلى الحياة الأبديّة. عليّ أن أشارك في هذه الذبيحة الإلهيّة الّتي نذكر فيها جميع موتانا، لنذكُرَهم بفرح، لأنّهم انتقلوا من بيننا ليكونوا في حضرة الله، ولكن لا يمكننا أن نُنكر أنَّ طبيعتنا البشريّة ضعيفة، لذا هي تحزن لأنّها ما زالت على المستوى العاطفيّ البشريّ. فلنطلب من الربّ في صلاتنا أن يساعدنا على ضبط حزننا البشريّ على فقدان أحبّائنا، وأن يُوجّهه توجيهًا إيمانيًّا فنتمكّن من أن نكون شهودًا حقيقيّين على قيامة الربّ يسوع من بين الأموات.
إخوتي، إنّ الربّ يدعونا اليوم، إلى التجذّر أكثر فأكثر في رجائنا به، كي نتملئ فرحًا وابتهاجًا. إنّ المسيحيّ لا يستطيع أن يكون إنسانًا حزينًا، إذ عليه أن يشهد للبشرى السّارة، أي الإنجيل، أمام الآخرين. إذًا، إنّ الإنجيل هو بشرى سارة، وبالتّالي على المؤمِن أن يؤكِّد على ذلك قولاً وفعلاً، أمام الآخرين. إنّ الإنسان يتعرَّض لخسائر كبيرة ومتنوعة في حياته اليوميّة، غير أنّ الربّ يدعو المؤمِن في وَسطِ هذه الـمِحَن إلى الشّهادة لإيمانه، حين يُجابِه حزنه بالفرح النَّابع من رجائه بالقائم من بين الأموات والمنتصر على الشّر.
أمام فقدان الأعزّاء، يُقسَم البشر إلى نوعَين: مِنهم مَن يسعى إلى التغلُّب على حزنه من خلال تجذّره في الرّجاء النّابع من إيمانه بيسوع المسيح، ومنهم مَن يغرق في حزنه على الفقيد، فيعيش هذه المرحلة الصَّعبة على المستوى البشريّ العاطفيّ، دون التسلُّح بإيمانه. إنّ بولس الرّسول حذَّرنا من التوقّف عند الحزن أمام هذه الخسارة البشريّة قائلاً لنا إنّه يحقّ لنا أن نبكي إثر فقدان أحد الأحبّاء، ولكن على حزننا ألّا يكون كَمَن لا رجاء لهم، بل كَمن لهم رجاءٌ، فرجاؤنا هو يسوع المسيح، وهذا الرّجاء لا يخيب أبدًا.
إخوتي، إنّنا نحن المؤمنين بالمسيح، طينةٌ ضعيفة كما سائر البشر، غير أنّ الله في يوم معموديّتنا، يجعلنا ذَوي طينة أخرى، طينة غير فاسدة، هي طينة المسيح يسوع. إنّنا في المعموديّة، نلبسُ المسيح، فحذارِ إخوتي، أن تجرَّنا صُعوبات هذه الحياة إلى خلع هذا الثوب، ثوب المسيح الّذي لبسناه في يوم عِمادِنا. إنّ يسوع قد حذّرنا مِن أن يتحوّل هذا النُّور الّذي فينا إلى ظلام، لأنّه حينها سيكون ظلامًا دامِسًا.
في زمن ميلاد الربّ يسوع، نتحضّر أسبوعًا بعد آخر، لاستقبال السيِّد الربّ في وَسَطنا. وهنا نطرح السؤال: كيف نستعدّ نحن المؤمنين بالمسيح، لاستقباله في وَسَطِنا؟ على كلّ فردٍ منّا أن يُعطي جوابه الخاصّ على هذا السؤال. لا يجب أن يكون استقبالنا للمسيح يسوع بالزِّينة الخارجيّة، أي من خلال صُنعِ المغائر ووضع أشجار العيد المزيّنة، إذ إنّ غير المؤمنين يفعلون ذلك أيضًا. ويبقى السؤال: كيف أستعدّ أنا كمؤمِن لهذا الحدث الخلاصيّ؟ إنّ حدث الميلاد، ليس حدثًا تاريخيًّا تَمَّ في قديم الزّمان، بل هو حدثٌ يتمّ اليوم والآن. في هذا الزّمن أنا مدعوّ أكثر فأكثر إلى الإصغاء لصوتِ الله، والعمل بحسب مشيئته القدُّوسة. لذا إخوتي، فلنفتَح آذاننا، وقلوبنا وأفكارنا ونقدِّمها جميعها للربّ، فيتمكّن من مَلئها بنِعمِه ومواهبه. أمام لحظات الحزن والخسائر الموجعة، علينا أن نتذكَّر على الدّوام أنّ اتِّكالنا هو على الربّ الّذي يُقوِّينا، ويساعدنا على تحمّل كلّ الآلام ومواجهتها، فَنُرتّل مع صاحب المزمور قائلين" أنا عالِـمٌ على مَن اتَّكلتُ". إنّنا نتَّكل على الربّ، إذ إنّنا نؤمن بوعوده لنا، ولذا علينا أن نوجِّه حزننا أمام كلّ خسارة توجيهًا إيمانيًّا، فنشهد على أنّنا أبناء الله في طريقة مواجهتنا لهذه الصُّعوبات.
إخوتي، بهذا الرّجاء المسيحيّ، نتابع احتفالنا بهذه الذبيحة المقدَّسة الطّاهرة، ونرفع الصّلاة بفرح من أجل راحة نفوس كلّ الراقدين المنتقلين من بيننا إلى الحياة الأبديّة. آمين.

ملاحظة: دُوِّنت العظة مِن قِبَلِنا بتصرُّف.

تتمة...
30/11/2017 لِنعبر إلى الضفة الأخرى الأ ب مروان خوري
https://youtu.be/USf7b_wjnNE

عظة تأمّليّة في "إنجيل مرقص 4: 33-41"
للأب مروان خوري
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
جماعة "أذكرني في ملكوتك"
كنيسة سيّدة الانتقال - عينطورة

30/11/2017

بدايةً، أتوجّه بالشكر إلى كاهن الرعيّة، وإلى جماعة "أذكرني في ملكوتك" الّـتي جمعتنا في هذا اللّقاء الروحيّ العميق وفي هذا الشهر المبارك تحديدًا، الّذي تكرِّسه الكنيسة من أجل ذكر أمواتنا المؤمنين، وبخاصّة الأنفس المنقطعة منهم.
إنّ تأمُّلَنا اليوم يتمحوّر حول سرّ الحياة، فندرك معنى وجودنا فيها، ونعيش حياتنا على هذه الأرض كما ينبعي. في هذا الصَّدد، يقول صاحب المزامير: إنّ الإنسان يشبه السَّفينة الّتي ما إن تبحر حتّى يختفي أثرها سريعًا، وكأنّها لم تكن موجودة على الشاطئ. وهنا يُطرح السؤال: ما فائدة حياة الإنسان؟ أَوُجِد الإنسان في هذه الحياة كي يُمضي فيها وقتًا زمنيًّا محدَّدًا ثمّ يرحل عنها، من دون ترك أيّ أثرٍ له فيها، كما هي حال السفينة؟ أم أنَّ لحياته هدفًا أسمى؟ إنّ الإجابة عن هذا السؤال تبدأ من اكتشافنا لهويّتنا الحقيقيّة، وللغاية الّتي من أجلها وُهِبَت لنا نعمة الحياة، وهذا الاكتشاف لا يتمّ إلّا من خلال تعرُّفنا إلى جابلنا وصانعنا، ألَا وهو الله.
إنّ كلَّ صانعِ آلةٍ، يُرفِقها بدليلِ استعمالٍ، يُخوِّل مستخدِمَها حسن استعمالها، وعدم إفساده لها. إنَّ الإنسان هو صنيعة الله، لذا عليه أن يطلبَ من الله خالقه، دليلَ استعماله في هذه الحياة كي يعرف ما هو هدف حياته، وما هي مشيئة الله فيحقِّقها، فتكون لحياته قيمة، ولا يهدرها سدىً من دون أن يصِل إلى الهدف المنشود من وجوده فيها.

إنّ الموت، بالنسبة إلى الإنسان، هو لحظةٌ مفجعةٌ وقاسيةٌ، يتمنّى الإنسان لو يستطيع إلغاءها من الوجود، غير أنّه لن يتمكّن أبدًا من الهروب منها، لأنّها محتّمة على كلّ إنسان، مهما علا شأنه أو صَغُر. إنّ فلسفات هذا العالم، لا تملك جوابًا واضحًا عن هدف الوجود، لذا لم تتمكّن من مساعدة الإنسان في إيجاد جوابٍ عن سبب وجوده. إنّ هذه الفلسفات تُشبه الأعمى الّذي يقود أعمىً، على حدِّ قول الإنجيل، والنتيجة هي فشل الاثنين في الوصول إلى أهدافهما. إنّ الإنسان لن ينجح في اكتشاف هويّته الحقيقيّة وفي معرفة هدف وجوده، إلّا من خلال كلمة الإنجيل، لذا على الإنسان أن يتمسّك بيسوع، لأنّه هو الوحيد القادر على إعطائه الجواب الّذي يروي ظمأ قلبه.
في النصّ الإنجيليّ الّذي تُلِيَ على مسامعنا اليوم، سَمِعنا أنَّ يسوع كان يلجأ إلى الأمثال لمخاطبة الشَّعب، ولم يكن يُكلِّمهم إلّا بالأمثال. إنّ الحياة مليئة بالرّموز الّتي تحتاج إلى شرحٍ وتفسير، وقد كان يسوع يساعد الإنسان على اكتشاف تلك الرّموز وفهمها من خلال الأمثال. إنّ قوّة الإنسان تكمن في اكتشافه لرموز الحياة وَحَلِّها، فَمِن خلالها يكتشف الإنسان سرّ وجوده.

إنّ الله يشرح للإنسان عن سرّ الوجود من خلال الأحداث اليوميّة الّتي يمرّ بها، والتّي تحتاج في كثير من الأحيان إلى شرح وفكٍّ لرموزها. إنّ بعض الأحداث الّـتي يتعرَّض لها الإنسان، قد تُوقِعُه في حالة من القلق والحزن، ومن عدم الفهم. إنّ العلم قد تمكّن مِن شرح كيفيّة حدوث بعض الأمور الطبيعيّة، ولكنّه لم يتمكّن إلى الآن من معرفة أسباب حدوثها. إنّ العلم قد تمكّن، على سبيل المثال، من شرح كيفيّة وقوع "تسونامي" في أندونيسيا في العقد الماضي، لكنّه لم يتمكّن من إعطاء البشر أسبابًا منطقيّةً لموت هذا الكمِّ من الضحايا. في محاولة تبريره لما حدث مع هؤلاء الضحايا، قال العلم إنّ حظّهم كان سيئًا للغاية إذ تواجدوا في هذا الوقت هناك. هذا أقصى ما يمكن للعلم أن يقول، لأنّه لا يملك المقدرة على تبرير ما حدث وبخاصّة لأهل الضحايا. إنّ السؤال ما زال مطروحًا إلى الآن، وبعد مرور فترةٍ من الزّمن على تلك الحادثة، وهو: ما ذَنْبُ هؤلاء البشر كي ينالوا ميتةً كهذه؟ حين يتعرَّض لأحداثٍ غير مفهومة من قِبَل عقله البشريّ، يتصرّف المؤمِن بالطريقة نفسها الّتي تصرّف فيها العلماء مع حادثة "تسونامي"، فَيُلقي السبب في ما حدث له، على حظّه السيِّئ. إنّ القول "إنّ حظّي سيِّئ، لهذا حدثت معي هذه الأمور المزعجة"، هو كلامٌ يجرح قلب الله الآب، إذ إنّه لا يمتُّ إلى كلام الإنجيل بِصِلَة، وهو بالتّالي لا يعبِّر في الحقيقة عن إيمان الإنسان بالمسيح. وهنا السؤال يُطرَح: أين هي عناية الله بالإنسان الّذي يتعرَّض لهذه الأحداث المؤلمة؟ لماذا لم يتدخَّل الله ليمنع حدوثها؟ إنّ الله يدعو الإنسان إلى حلّ رموز هذه الأحداث ليفهم سرّ الحياة، وهذا الأمر يبدو مستحيلاً من دون العودة إلى كلمة الله. إنّ الكتاب المقدّس ليس كتابًا علميًّا، بل هو "كتاب الحياة"، أي الكتاب الّذي يساعد الإنسان على فهم سرّ الحياة، ومعنى وجوده فيها.
وفي العودة إلى هذا النصّ الإنجيليّ، نجد أنّ الربّ لا يتوانى عن تفسير كلّ تلك الأمثال لتلاميذه حين يتواجد معهم على انفراد. إذًا، إنّ جلوس المؤمِن مع الربّ، هو أمرٌ في غاية الأهميّة، لأنّ الربّ هو الوحيد القادر على توضيح أسرار كلّ الأحداث الّتي يتعرَّض لها المؤمِن في حياته. على المؤمِن أن يجعل يسوع مرجعه الأساسيّ، خاصّة في الأمور الّتي يعجز العلم عن شرح أسباب حدوثها. فأمام حادثٍ مصيريّ كالموت مثلاً، على المؤمِن الإصغاء إلى كلام المسيح في الإنجيل، لا إلى كلام النّاس المتوافدين إليه ليُقدِّموا له واجب العزاء، لأنّ كلمات الكثيرين منهم قد تدفع بالمؤمِن إلى الشعور بالإحباط واليأس والاستسلام، في حين أنّ الربّ يدعونا إلى التمسُّك بالرّجاء والإيمان به

تتمة...