البحث في الموقع

كلمة الحياة

العظات

23/11/2017 رسالة الرّجاء المسيحيّ إلى البشر الخوري يوسف الخوري

عظة الأب يوسف الخوري
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
في كنيسة سيدة الخلاص- مرجبا

23/11/2017

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

إنّ الربّ يسوع يُخاطب المؤمنين به من خلال كلمته. وفي هذا الإنجيل الّذي تُلي على مسامعنا، نسمع الربّ يقول لنا: "إنْ حَفِظَ أحدٌ كلمتي، فإنّه لن يشاهد الموت أبدًا"؛ وفي الرسالة، يُكلِّمنا بولس الرّسول عن الختانة والشريعة. إنّ الكلام الّذي سمعناه في الرسالة والإنجيل يدعونا إلى التساؤل حول الفرق بين كلمة الله، والختانة والشريعة. إنّ الفرق شاسعٌ بين هذه العبارات الثلاث: إنّ يسوع المسيح هو كلمة الله، الّـتي يخاطبنا الآب من خلالها، كما أنّ يسوع المسيح قد نقل إلينا ما سَمِعه من الآب، أي كلام الله. إنّ هذه الكلمة، كلمة الله، مختلفة كلّ الاختلاف عن الشريعة، الّتي أُنزِلت على موسى حين كان على الجبل، وقد كتبها النبيّ كما فَهِمَها، متأثِّرًا بالبيئة الّتي كان يعيش فيها. أمّا مفهومُنا، نحن المؤمنون، للكلمة الإلهيّة، فقد تغيّر بالكامل، مع مجيء المسيح إلى أرضنا.

لم يستطيع اليهود قبول كلام الربّ يسوع حين قال لهم: "إنْ حَفِظَ أحدٌ كلمتي، فإنّه لن يشاهد الموت أبدًا"، لذا قالوا فيه إنّ به شيطان. كان هذا الكلام عسير الفَهم عند اليهود، لأنّ كلّ الآباء والأنبياء في العهد القديم قد ماتوا، ومنهم مَن قُتِل على يد اليهود، لذا لم يتمكّنوا من قبول بأنَّ كلَّ مَن يحفظْ كلمة الربّ يسوع يحيَ إلى الأبد. ليس كلام الربّ يسوع صعب الفهم، إنّما ما هو صعب للفهم هو تفكير اليهود. في أيّامنا هذه، نلاحظ أنَّ العديد من المؤمنين يُعانون من صعوبة كبرى في فَهم ما يقوله لهم المسؤولون في الكنيسة، لا لأنّ كلام هؤلاء الأساقفة والكهنة صعب الفَهم، إنّما لأنّهم يجدون صعوبةً في القبول به وعيشه في حياتهم اليوميّة. إنّ الأساقفة يُعلنون للمؤمنين كلمة الله، كلمة الحقّ، أي يسوع المسيح. إنّ يسوع المسيح، هو المقياس الأساس والوحيد لكلّ مَن يريد إعلان الحقّ. لم يأتِ الربّ يسوع إلى أرضنا كي يُخلِّص المسيحيّين فقط، بل إنّه أتى كي يُخلِّص جميع البشر. فكما كان ابراهيم أبًا لجميع الأمم، كذلك كان المسيح يسوع مُخلِّصًا لجميع النّاس. إنّ الرسالات السماويّة قد تابعت مسيرتها عبر التّاريخ مِن دون أن تكون يومًا حِكرًا على فئة معيّنة من النّاس أو على شعبٍ دون آخر. كان الشَّعب اليهوديّ يعتبر نفسه، شعب الله المختار، دون باقي الشُّعوب، وفي هذا انعكاس لتفكير اليهود الانغلاقيّ، الأنانيّ، المتكبِّر.
لقد أتى يسوع المسيح إلى العالم ليُخلِّص جميع النّاس، فكلّمهم عن الحياة الأبديّة. إنّ الحياة الأبديّة هي الملكوت. وحين نتكلّم عن الملكوت، يتبادر إلى ذهننا جماعة "اُذكرني في ملكوتك". إنّنا نستطيع أن نقرأ كلّ الأناجيل انطلاقًا من رسالة جماعة "اُذكرني في ملكوتك". وهنا نطرح السؤال على ذواتنا: هل نحن مُدرِكون حقًّا للدَّور الرسوليّ والإرساليّ والتبشيريّ لهذه الجماعة؟ وبالتّالي، هل نعي حقًّا معنى كلام الربّ يسوع: "إنْ حَفِظَ أحدٌ كلمتي، فإنّه لن يشاهد الموت أبدًا"؟ إنّ حِفظَ كلام الربّ لا يعني أبدًا أن نحفظ الكلمات كَمن يحفظ أمثولته غيبًا، إنّما أن نحفظ كلام الربّ هو أن نعمل به في حياتنا اليوميّة، فيكون كلّ عملٍ نقوم به لمجد الله الآب لا لمجدنا الشخصيّ. إنّ كلام يسوع يدفعنا دائمًا للتفكير في مجد الله الآب لا في مجده هو. يكون عملنا لمجد الله حين لا نطالب الآخرين بالتصفيق لنا عند قيامنا بكلّ عملٍ حسن ومَرْضِيّ لله، أي حين نتخلّى عن كلّ شعور بالكبرياء والتفاخر على الآخرين. يقوم عمل كلّ مؤمن وبخاصّة أساقفة وكهنة، على ضبط كلّ عملٍ منحرف لا يخدم مجد الله. إنّ الإنجيل ينقل لنا عن يسوع قوله إنّه يعمل لأجل مجد الله الآب، لذا يُمجِّدُه الآب. حين نعمل لمجد الله، فإنّ الله الآب يمنحنا النِّعَم الّـتي نحتاجها، ويفتح أمامنا كلّ بابٍ مُغلَق. إنّ قريتنا، مرجبا، كما سواها من القرى، تشهد عمليّة تبرُّعات من أجل الكنائس، من قِبَل بعض المؤمنين الّذين لا ينتمون إلى هذه البيئة ولا إلى هذه الجغرافيّة. إنّ تبرّعات هؤلاء الأشخاص، والّتي تتمّ في الخفاء هي سعيٌ لتحقيق مجد الله، لا كما يعتقد الكثيرون من بينكم، أنّها من أجل مصالح شخصيّة سياسيّة، لأنّها نابعة من قناعة داخليّة عند هؤلاء المؤمنين.

تنتشر جماعة "أذكرني في ملكوتك" في كلّ لبنان: من شماله إلى جنوبه، من جبله إلى ساحله، كما تنتشر أيضًا في بلاد الاغتراب، وهي تسعى إلى المزيد من الانتشار كي تتمكّن من إيصال رسالتها، رسالة الرّجاء المسيحيّ إلى البشر. إنّ جماعة "أذكرني في ملكوتك" تعمل لمجد الله، إذ تجتمع مع أهل الرعيّة للصّلاة في الذبيحة الإلهيّة مرّة في الشّهر على نيّة راحة أنفس موتى الرعيّة، كما تُصلّي معهم من أجل شفاء كلّ مريض، وبالتّالي فإنّ هذه الجماعة من خلال هذا العمل تسعى إلى تفعيل الشراكة بين كنيسة الأرض أي المؤمنين الأحياء، وكنيسة السّماء أي المنتقلين من بيننا. إنّ عمل هذه الجماعة يتطلّب جُهدًا كبيرًا وسهرًا وتعبًا من أجل النّجاح في تلك الـمَهمّة الموكولة إليها من الله. يمكنكم الاطلاع من خلال الرسالة الشهريّة الّتي تُصدرها هذه الجماعة مع بداية كلّ شهر، على الرعايا المتواجدة فيها هذه الجماعة من خلال لائحة القداديس الشهريّة. إنَّ هذه الجماعة قد انتشرت بسرعة في أماكن متعدِّدة، نتيجة عمل الرّوح في هذه الجماعة وتجاوب المؤمنين المنتمين إليها لإلهامات الرّوح واندفاعهم لتحقيق مجد الله من خلال رسالة هذه الجماعة. إنّ هذه الجماعة الّتي تعمل باندفاعٍ ونشاط، نابع من إيمانها بالله ولمجده، تختبر حقيقةً قوّة عمل الرّوح القدس، إذ يكتشف أعضاؤها عمل الرّوح من خلال مساندته لهم في نقل البشارة إلى الآخرين، كما يختبرون عمل الرّوح في قلوب المؤمنين الّذين يقبلون تلك الرسالة الإلهيّة. إذًا، يتفاعل المؤمنون إيمانيًّا مع رسالة هذه الجماعة وهذا التفاعل هو نتيجة قوّة عمل الرّوح في قلوبهم. إنّ هذا اللّقاء الروحيّ بين المؤمنين هو الّذي ينشِّط الجماعة ويدفعها إلى الانتشار أكثر فأكثر في كافة بقاع الأرض، إذ إنّ أعضاء هذه الجماعة يعملون لمجد الله، بمجانيّة تامّة وعطاء كامل. إنّ كلّ عمل نقوم به، نحن المؤمنين، من خلال جماعة "أذكرني في ملكوتك"، أو سواها من الجماعات، عليه أن يكون لمجد الله الآب.
إنّ يسوع يُعلِن للشَّعب اليهوديّ، أنّ الله الآب سيمنحه المجد، وأنّ الله أباه هو إله هذا الشَّعب، ولكنّ هذا الشَّعب عَجِزَ عن معرفة الله على الرّغم مِن إرساله لهم الآباء والأنبياء. لم يتمكّنوا من معرفة الله لأنّهم اختاروا إلهًا آخرَ لهم هو إله هذا العالم، لذا قتلوا الآباء والأنبياء في القديم، فَهُم لم يفهموا لا رسالة ابراهيم ولا رسالة باقي الأنبياء. في هذا الأسبوع، أسبوع بشارة زكريّا، تُتلى على مسامعنا نصوص إنجيليّة، نسمع فيها توبيخ يسوع لليهود إذ يقول فيهم إنّهم ليسوا أبناء ابراهيم لأنّ الأعمال الّتي يقومون بها لا تشهد على أنّهم أبناء إبراهيم، أب المؤمنين بالله، بل إنّ أعمالهم تشهد على أنّ إبليس، عدّو الله، هو أبوهم.
إنّ أعمال ابراهيم تشهد على إيمانه بالله، ولكنّ السؤال اليوم هو: هل أعمالنا تشهد على إيماننا بالله، أم تشهد على أنّ لنا إلهًا آخر غير الله؟ إنّنا نقع في الكثير من الأوقات في الفخّ نفسه، الّذي وقع فيه اليهود، إذ إنّ أعمالنا لا تشهد على إيماننا بالله، بل تشهد أنَّ لنا إلهًا آخر من صُنع أيدينا، يُسيِّر حياتنا. إنّنا نسعى في الكثير من الأحيان، إلى بناء ملكوتنا نحن، لا ملكوت الله، نعمل من أجل مجدنا الأرضيّ، لا من أجل مجد الله الآب. إنّ مِثلَ تلك الأعمال تُعبِّر عن أنانيّة الإنسان وبحثه عن مجده الأرضيّ سعيًا إلى إرضاء إلهه، الّذي هو صُنعُ يديه. من هنا، نجد أهميّة كبرى كي تتنشَّأ الجماعات على القيام بنشاطاتها انطلاقًا من ذهنيّة الإنجيل، فتعبّر عن حضور الله وروحه القدّوس في كلّ أعمالها، باحثةً عن مجد الله. إنّ جماعة "أذكرني في ملكوتك" تنجح في كلّ أعمالها لأنّها تهدف إلى إظهار مجد الله. في الختام، نسأل الله أن يبارك أعمال هذه الجماعة ويمنح المسؤولين فيها المزيد من القوّة والعزم كي تستمرّ في مسيرتها صوب الملكوت، صوب تحقيق مجد الله. إنّ الربّ جاء إلى أرضنا ومنحنا الحياة الأبديّة، وعلّمنا كيفيّة الوصول إلى تلك الحياة. لذا، فلنسعَ اليوم إلى الوصول إلى الملكوت، عبر التحضير لتلك المرحلة منذ اليوم، لنكون مع الربّ لا في هذه الأرض وحسب إنّما أيضًا في الحياة الأبديّة.

إنّ جماعة "أذكرني في ملكوتك" تُذكِّرنا بأنّه علينا على الدّوام أن نطلب من الله أن يَذكُرنا في ملكوته، وكي يذكرنا في ملكوته، علينا بدورنا أن نذكره في كلّ ما نقوم به من أعمال وأحاديث. في هذا الأسبوع، أسبوع بشارة زكريّا، يُذكِّرنا الربّ بقسَمِه لنا أنّه لن ينسانا من خلال معاني أسماء شخصيّات هذا الإنجيل. إنّ زكريا تعني الله تذكّر، أليصابات تعني الله أقسَم، ويوحنّا تعني الله تحنّن. إنّ الله يتحنّن علينا وسيذكرنا في ملكوته، إن تذكرناه نحن أيضًا في حياتنا على هذه الأرض. لنسعَ كي تبقى أعمالنا تُعبّر عن حقيقتنا بأنّنا أبناء الله أبناء الملكوت. آمين.
ملاحظة: دُوِّنت العظة مِنْ قِبَلِنا بتصرّف.

تتمة...
12/11/2017 أحد تجديد البيعة الخوري عمانوئيل الراعي

عظة الأب عمانوئيل الرّاعي
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
الذكرى الرابعة لانطلاقة جماعة "أذكرني في ملكوتك"
كنيسة مار ضوميط – ساحل علما

12/11/2017

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

في هذا الأحد، تحتفل الكنيسة المارونيّة بِعيد تجديد البيعة. ليس المقصود بِعيد "تجديد البيعة"، تجديد الكنيسة الحجريّة بل المقصود تجديد البشر. وبالتّالي، يُشكِّل هذا العيد دعوةً لكلّ المؤمنين إلى تجديد رؤيتهم إلى الأمور: فليس الموت مثلاً دليلاً على نهاية كلّ شيء، إنّما هو عبورٌ من هذه الحياة الفانية إلى الحياة الجديدة مع المسيح القائم من بين الأموات. وفي النّص الّذي تُليَ على مسامعنا من الرسالة إلى العبرانييّن، نكتشف نظرة الشَّعب اليهوديّ إلى الذبائح الحيوانيّة الدمويّة: فهو كان يعتقد أنّه من خلالها يستطيع التكفير عن ذنوبه، وأنّه من خلال رشِّ دمِها تكون مغفرة الله لخطايا البشر، وبالتّالي يستطيع هذا الشَّعب البدء بحياة جديدة مع الله. ولكن مع مجيء المسيح إلى أرضنا، لم تعد هناك حاجة إلى تلك الذبائح الدمويّة، لأنّ المسيح يسوع، قد غسل البشر أجمعين من آثامهم بدمه الزكيّ الّذي سُفِك على الصّليب، وأعطاهم نعمة العبور معه من الموت إلى القيامة، ومنحهم حياةً جديدةً تبدأ بالمعموديّة ولا تنتهي بالموت بل تتخطَّاه إلى الملكوت السماويّ.

إنّ السؤال الّذي يُطرَح الآن، هو: كيف يستطيع المؤمِن، وبالتّالي الكنيسة، أن يتجدّد باستمرار؟ لا يستطيع المؤمن أن يتجدّد مِن دون الرّوح القدس القادر على تجديد حياته ومَلئِها من حضور الله، إن تجاوب مع إلهاماته. كما يستطيع الإنسان أن يتجدّد أيضًا من خلال المشاركة في الذبيحة الإلهيّة أي "الافخارستيا". إنّ كلمة "افخارستيا"، هي يونانيّة الأصل وتعني "وليمة شُكرٍ". وبالتّالي، يتجدّد الإنسان في كلّ مرّة يشكر الله على عطاياه الغزيرة له، وأهمّها ثلاث هي: نعمة الخَلِق، أي نعمة الحياة، ثمّ نعمة القداسة الّتي وَهَبه إيّاها في المعموديّة، وأخيرًا نعمة الخلاص. إذًا، الافخارستيّا هي دعوة لكلّ مؤمن كي يشكر الله لأنّه خلقه وأعطاه الحياة، وقدّسه في المعموديّة حين مَنَحَه الرّوح القدس، ومنحَه الخلاص بموت المسيح على الصّليب وقيامته من بين الأموات.

أمّا الآن، فالسؤال الّذي يُطرَح هو: ما دَور جماعة "أذكرني في ملكوتك"، في هذا التّجديد؟ وهل أنّ الملكوت فعلاً هو فقط في السّماء، أي أنّه لا يمكننا الحصول عليه في هذه الفانية؟ إخوتي، نستطيع أن نعيش الملكوت في كلّ لحظةٍ من حياتنا، فالربّ يسوع قال لنا في الإنجيل: إنّ ملكوت الله هو في داخلكم. إنّ حياتنا على هذه الأرض تستطيع أن تكون حياة الملكوت إن استطعنا أن نكتشف حضور الله فيها. أن أقول للربّ "أذكرني في ملكوتك"، فهذا يُعبِّر عن رغبتي في أن يُجدِّد الله حياتي ويسكن فيها، فتُصبح حياتي ملكوتًا على الأرض. حين أقول للربّ "أذكرني في ملكوتك"، عليّ أن أتذكّر أنّني مشروع قداسة أراده الله، لذا عليّ أن أُجاهد في هذه الحياة كي أصِل في النِّهاية إلى القداسة في السّماء، أي في الحياة الثّانية. إنّ هذه الكلمات "أذكرني في ملكوتك"، ليست حِكرًا فقط على الـمُشرفين على الموت، بل على جميع المؤمنين أن يجدوا فيها السّعادة لأنّها تُشكلّ دعوةً لهم للدّخول في سرّ الخلاص الدائم الّذي تمّ مرّة واحدة بموت يسوع المسيح وقيامته.
إذًا، إنّ كلّ مؤمنٍ مدعوّ اليوم إلى التجدّد، ولكنّ الإنسان لا يستطيع أن يتجدّد إلّا إذا اعترف أوّلاً بأنّه إنسانٌ ضعيفٌ وخاطئ، وبالتّالي بحاجته إلى التوبة. إنّ اعتراف الإنسان بخطيئته، هو الّذي يُجدّده، لأنّه يسمح للرّوح القدس بأن يعمل في ذاته ويغيّر حياته. إنّ جسد الربّ ودمه، يُشكِّلان مشروع الله لتجديد دائم للبشريّة بأسرها.
في هذه الذبيحة اليوم، نجدّد رؤيتنا إلى حياتنا، فنتذكّر أنّ الّذين انتقلوا من بيننا ليسوا أمواتًا بل أحياءً في الملكوت السماويّ، لأنّهم يتابعون في السّماء ما بدأوه في هذه الأرض، وهو بناء الملكوت السماويّ. أعطنا يا ربّ أن نعيش أحياءً في هذه الأرض، فنتمكّن من متابعة مسيرة حياتنا في الملكوت، قائلين لك على الدّوام: "أذكرنا يا ربّ متى أتيت في ملكوتك". آمين.
ملاحظة: دُوِّنت العظة مِنْ قِبَلِنا بتصرّف.

تتمة...
26/10/2017 فضيلة الرّجاء الأب ميشال عبود
https://studio.youtube.com/video/qSTxPUCkAUw/edit

عظة الأب ميشال عبّود
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
في كنيسة الجلجلة (دير الصّليب) - بقنايا

26/10/2017

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

إنّ الرّوح القدس هو محرّك الكنيسة أفرادًا وجماعات، لذا حين نسأل المؤمنين عن سبب قدومهم إلى الكنيسة للصّلاة، فإنّنا نحصل على أجوبة مختلفة ومتعدِّدة، غير أنّ الرّوح القدس يبقى الدّافع الأساس لحضورهم. فالمؤمن قد يأتي إلى الكنيسة لسبب خارجيّ، وهو رغبته مشاركة مؤمن آخر في مناسبة معيّنة، غير أنّ السبب الأقوى لاستمراره في المجيء إلى الكنيسة هو انجذابه إلى الله، فالله يجذبنا إليه بطرق متنوّعة، لأنّ هدفه هو إيصال المؤمنين إلى ملكوته السّماوي.

في هذا المكان المقدَّس، تجتمع اليوم عائلتان روحيّتان هما: "عائلة أبونا يعقوب"، وجماعة "أذكرني في ملكوتك". إنّنا نشكر الله على وجود مِثل تلك الجماعات في الكنيسة، الّتي يسعى أفرادها بكلّ جُهدٍ إلى عيش كلمة الله في حياتهم. إنّ الكنيسة هي"جسد المسيح السريّ"، على حسب قول بولس الرّسول: فالجسد لا يكون حيًّا إن كان جامدًا لا يتحرّك، وبالتّالي فإنّ وجود تلك الجماعات في الكنيسة دليلٌ على بقاء هذا الجسد حيًّا، نابضًا بالحياة. تتعرَّض الكنيسة إلى الانتقادات في الكثير من الأحيان غير أنّ ذلك لا يُشكِّل سببًا في ابتعاد أبنائها عن إيمانهم بالمسيح، كما يعتقد البعض، بدليل وجود تلك الجماعات الّتي تضمّ أعدادًا من المؤمنين الّذين لا يزالون يرتادون الكنيسة للصّلاة وللمشاركة في الذبيحة الإلهيّة. يستطيع المؤمن أن يكون تلك "الخَلِيّة الحيّة" في جسد المسيح حين يختلي للصّلاة في غرفته وحيدًا أو في مجتمعه مع عائلته البيتيّة أو في كنيسته. إنّ القدِّيسة تريزيا تقول في هذا الصّدد: "في قلب الكنيسة أمّي، سوف أكون الحبّ"، ففي كلّ مرّةٍ يخلو المؤمن للصّلاة، يجعل قلب الكنيسة ينبض بالحياة إذ يسمح لله بأن يعمل فيه.
"أذكرني في ملكوتك"، هي عبارة قالها اللّص اليمين للربّ يسوع حين كان مصلوبًا إلى جانبه على الصّليب، فتحوّل هذا اللّص إلى قدِّيس إذ دخل إلى الملكوت. إنّ قداسة هذا اللّص لم تكن نابعة من أعماله الحسنة، إنّما هي نابعة من رحمة الله له في لحظات عُمرِه الأخيرة. إنّ هذا اللّص رفض تعييرات لصّ الشمال للربّ، وردّ عليها قائلاً له: إنّ هذا العقاب الّذي نالاه هو نتيجة أعمالهما السيئة، أمّا الربّ فلا يستحقّ الصّلب لأنّه بارّ ولم يرتكب السُّوء، فما كان من لصّ اليمين إلّا أن نظر إلى الربّ قائلاً له: "أذكرني في ملكوتك". إنّ الكتاب المقدَّس لا يتكلّم عن لصّ يمين أو لصّ شمال، غير أنّ هناك تقليدٌ سائد بأنّ لصّ اليمين هو مَن طلب مِنَ الربّ أن يذكره في الفردوس، لأنّ اليمين تشير إلى الخلاص. لقد وجد لصّ اليمين في المسيح يسوع، المصلوب إلى جانبه والموضوع فوق رأسه لافتة مكتوبٌ فيها:"يسوع المسيح، ملك اليهود"، شخصًا سماويًا، لذا تجرّأ وطلب منه الملكوت السماويّ.

كُثرٌ هم الّذين اختبروا أمام لحظة الموت، عدم جدوى أموالهم وممتلكاتهم، وشهرَتِهم، فطرحوا السؤال على ذواتهم: ماذا بعد الموت؟ إنّ الجواب على هذا السؤال هو واضحٌ تمامًا بالنسبة لنا نحن المسيحيّين، إذ أعطانا الربّ يسوع خارطة الطريق للملكوت في إنجيله. إنّ البابا يوحنّا بولس الثّاني يدعونا إلى العبور إلى الضّفة الأخرى من الحياة بعيون مفتوحة، لأنّ الحياة الأبديّة بانتظارنا. إنّ الحياة الأبديّة تبدأ منذ اليوم، أي أنّ باستطاعة المؤمن أن يعيش سماءه منذ يومه الحاضر مِن دون انتظار موته الأرضيّ: فالمؤمن الّذي يعيش حياته الأرضيّة مع الله، فإنّه حتمًا سيكون معه أيضًا بعد الموت؛ ومَن يرفض الله في حياته الأرضيّة سيكون بعيدًا عنه أيضًا في حياته بعد الموت. لم يعد الموت يُخيف الإنسان المؤمن ويُرهبه: لأنّ المسيح يسوع قد غلب الموت وأعطانا الحياة الأبديّة. في ليلة آلامه، صلّى يسوع إلى الله الآب قائلاً له: "أبعِد عنّي هذه الكأس". إنّ هذه الرّهبة الّتي عاشها يسوع المسيح أمام الموت، هي شعور إنسانيّ طبيعيّ أمام لحظة الموت، ممّا يؤكّد لنا أنّ يسوع بكامل إنسانيّته وقف أمام الموت، هذا الاختبار الإنسانيّ القاسي.
في إنجيله، يكلِّمنا الربّ يسوع عن الملكوت السماويّ، وبالتّالي يتحوّل الإنجيل إلى خارطة طريق، بالنسبة لنا، تُوصِلنا إلى السّماء. إنّ الإنجيل يُخبرنا أنّ الله قد خلقنا نحن البشر، وأنّه يدعونا باستمرار إلى ملكوته السماويّ. غير أنّ القرار في تلبية تلك الدّعوة يعود للإنسان وحده: إذ يملك ملء الحريّة في قبول الملكوت أو رفضه. إنّ تصرّفاتنا نحن المسيحييّن، لا تدلّ على قبولنا بكلمة الله، إذ نتصرّف كالوثنيين، فنستمرّ بالحقد على الآخرين الّذين أساؤوا إلينا ونرفض المغفرة لهم، كما نستمرّ في الخضوع لشهواتنا الأرضيّة الدّنيويّة، على الرّغم مِن سماعنا لكلمة الله في كلّ أحدٍ في الذبيحة الإلهيّة. إنّ المسيحيّين الّذين يرفضون التَّغيير الّذي تدفعهم إليه كلمة الله، يُشبهون تلك الأرض الصخريّة الّتي يتكلّم عنها الإنجيل في إنجيل الزارع، إذ قد سمحوا للشِّرير أن ينزع من قلوبهم كلمة الله، نتيجة هموم الحياة الّتي تواجههم.
إنّ الحياة المسيحيّة هي دعوة من الله لكلّ المؤمنين به للدّخول إلى الملكوت. إنّ الإنسان لا ينفكّ يفكِّر في مستقبله بعد الموت، وما الّذي ينتظره بعد إغماض عينيه عن هذه الفانية. تقول لنا القدِّيسة أليصابات الثالوث إنّها وجدت سماءها على الأرض، فالسّماء بالنسبة لها هي الله، والله موجود في قلبها، وتمتلكها رغبة قويّة في أن تبوح بهذا السّر لأحبائها. إنّ الإنسان الّذي يعيش مع الله، تفوح منه رائحة الله، وبالتّالي لا يستطيع ذلك الإنسان إلّا إعلان الله وكلمته للآخرين.

إنّ يسوع لا يدعونا من خلال إنجيله لأنّ نكون تُرابًا في القبور عند موتنا، إنّما يدعونا لأنّ نكون أبناءً لله في الملكوت بعد انتقالنا من هذه الفانية. على كلّ مؤمن ملتزمٍ بالربّ وبكنيسته، أن يكون متأكِّدًا من مصيره بعد الموت ألا وهو الحياة الأبديّة. ففي حال وجود أيّ شكٍّ لديه في هذا المصير، فالأفضل له أن يكفّ عن الصّلاة لأنّه صلاته لا نفع منها لأنّه سيكون الخاسر الأكبر في هذه الحياة وفي الحياة الأخرى، إذ لم أسمع يومًا أن إنسانًا مُصلّيًا نال نتيجة صلاته المكافأت الدنيويّة، بل سمعتُ أنّ المصائب والشدائد تلازم الإنسان الملتزم بإيمانه بالربّ. إخوتي، إنّ الربّ لم يعد المؤمنين به بالسّعادة والأفراح في هذه الدّنيا، ولذا فإنّ مَن يبتعد عن الله بسبب الشدائد الّتي تلاحقه في هذه الدُّنيا، هو إنسان لم يقرأ بطريقة صحيحة مواعيد الله له في الإنجيل. إخوتي، إنّ كلام يسوع للمؤمنين به، هو كلام واضح وصريح إذ قال لهم: "أُرسِلكم كالخراف بين الذئاب"، وحين عاد إليه تلاميذه ليُخبروه بأنّهم طردوا الشياطين باسمه، وشفوا المرضى، كان جوابه لهم ألّا يفرحوا بكلّ تلك الأعمال الخارقة الّتي قاموا بها، لأنّه بالحريّ لهم أن يفرحوا لأنّ أسماءَهم مكتوبةٌ في السّماء.

هذه هي البشارة الّتي أتت جماعة "اذكرني في ملكوتك"، لتُكرِّرها اليوم على مسامعنا، وهي ضرورة الفرح لأنّ أسماءنا مكتوبةٌ في السّماء. إنّ أمواتنا قد سبقونا إلى الملكوت، وبعد فترةٍ من الزّمن سنتبعهم نحن أيضًا إلى الملكوت. لذا عندما نُصلّي لأمواتنا نُعبّر عن تلك الشراكة الّـتي تجمعنا، نحن كنيسة الأرض، بكنيسة السّماء، أي بأمواتنا، وهذا ما تُعبِّر عنه كلّ صلواتنا اللّيتورجيّة، وكلمات الكتاب المقدَّس. لا تهدف صلاتنا لأمواتنا إلى أن نتذكّر باستمرار حزننا على فراقهم، فنتقوقع على ذواتنا، إنّما تهدف صلاتنا لهم إلى الانفتاح على الحياة، فنتذكّر أنّنا من خلال عيشِنا على هذه الأرض، نستطيع مساعدتهم بالصّلوات وأعمال الرّحمة الّتي نقوم بها مع الآخرين، ونحضِّر أيضًا لحياتنا الأبديّة، فهذه الحياة نعيشها مرّة واحدة وعلينا الاستفادة منها. إنّ كلّ الّذين مرّوا بمرحلةٍ مِن الغيبوبة يدَّعون أنّهم اختبروا الحياة بعد الموت، لكنّهم في الحقيقة لم يختبروا ذلك لأنّ مَن اختبر الحياة بعد الموت وذاق طعمها هو كلّ إنسان مات بالجسد وأقامه الله من الموت إلى القيامة الأبديّة. على كلّ مؤمن أن يتحلّى بالرّجاء فيُدرِك أنّه بعد انتقاله من هذه الفانية سيذهب لملاقاة وجه الله القدُّوس. ولذا فإنّ كلّ مؤمن غير واثقٍ من أنّ نصيبه بعد الموت هو السّماء، هو مؤمن قد فقد فضيلة الرّجاء.

"أذكرني في ملكوتك" هي جماعة تُضيء من جديد على فضيلة الرّجاء الّتي على المؤمنين التحلّي بها، كما تدعوهم إلى السير معًا في هذه الحياة صوب الملكوت السماويّ. إنّنا نشكر الله على دعوته لنا لمشاركته الملكوت، وهنا نستذكر قول بولس الرّسول الّذي يقول إنّ آلام هذا الدّهر لا تساوي شيئًا أمام الفرح الّذي ينتظرنا في الحياة الأبديّة. إنّ سفر الرؤيا يتكلّم عن سماء جديدة وأرض جديدة، لأنّ السّماء والأرض ستزولان، كما يُخبرنا أنّ في تلك الأرض والسّماء الجديدتين، لا وجود للأحزان والدّموع، لأنّ الربّ سيمسح من عيون مُحبّيه كلّ دمعة ويزرع الفرح في قلوبهم.
أتمنّى لكم في النّهاية أن تعيشوا كأبناء الرّجاء،كأبناء الملكوت، أبناء الله، الّذي له كلّ المجد من الآن وإلى الأبد. آمين.
ملاحظة: دُوِّنت العظة مِنْ قِبَلِنا بتصرّف.

تتمة...
25/10/2017 ّالشهادة للربّ والجهاد المستمر الأب ابراهيم سعد

عظة الأب ابراهيم سعد
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
كائدرائية القدّيس نيقولاوس - بلونة
في تذكار القدّيس الشهيد ديمتريوس

25/10/2017

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

تحتفل الكنيسة اليوم، بِعيد القدِّيس ديمتريوس الشّهيد. ومن خلال الاحتفال بأعياد القدِّيسين الشُّهداء، تَحُثُّ الكنيسة المؤمنين على أمورٍ ثلاثة: أوّلها المحبّة، ثمّ الجهاد المستمرّ للوصول إلى القداسة، وأخيرًا الشّهادة للربّ.

إنَّ الإنسان يُعطي على قدر محبّته للآخر: فإن أحبّ قليلاً أعطى القليل، وإن أحبّ كثيرًا أعطى الكثير، وإن أحبّ إلى المطلق أعطى مِن دون حدود. هذا ما علّمنا إيّاه يسوع على الصّليب، إذ إنّه أحبّنا إلى الغاية، فقاده حبّه إلى الموت على الصّليب من أجلنا. كذلك شهداؤنا القدِّيسون، فقد قادهم حبّهم ليسوع، إلى تقدمة ذواتهم حبًّا به. لقد آمن القدِّيسون الشُّهداء بأنّ الربّ هو وحده "الطريق والحقّ والحياة"، لذا سلكوا وِفق تعاليمه، فكانت لهم الحياة فيه. لقد جاهد القدِّيسون في عبادتهم للربّ، لذا لم يسمحوا لإغراءات هذا العالم بإبعادهم عنه، ولم يتمكّن أيّ شيءٍ من إرهابهم، فَعَبَّروا عن إيمانهم بالربّ بكلّ شجاعة ومِن دون خوف أمام مُضطهديهم. لقد تمتّع القدِّيس ديمتريوس بهذه الصّفات، إذ لم يسمح لأيّ شيء بأن يمنعه من محبّة المسيح، فاختبر حبّ الله له، وأحبّ الآخرين على مثال محبّة المسيح يسوع للبشر، متمِّمًا وصيّة الربّ في الإنجيل:"أحبّوا بعضكم بعضًا كما أنا أحببتكم".

في زمننا الحاضر، يتعرَّض المؤمنون للكثير من الضِّيقات والاضطهادات: منها ما هو مِن الخارج، ومِنها ما هو مِن الدّاخل. في داخل الإنسان أمورٌ كثيرة تمنعه من التعبير عن حبّه لله، وتدفعه إلى التَّلكُؤ في مسيرته نحو الربّ. وللانتصار على كلّ تلك الأمور الدّاخليّة الّتي تواجهه، على الإنسان أن يتذكّر باستمرار حبّ الله له، ذلك الحبّ الّذي قاد الربّ إلى تقديم ذاته ذبيحةً على الصّليب من أجل خلاص البشر. إنّ الإنسان يعيش حياةً تملؤها السّعادة، حين يُدرِك أنّ هناك إلهًا يُحبّه إلى أقصى الدّرجات. في عالمنا، كُثُرٌ هم الّذين يُعانون من الإحباط واليأس، ويعيشون في حالة اضطرابٍ مستمرّة لأنّهم لا يُدرِكون أنّ في العالم أشخاصًا تُحبّونهم. لا يمكن للإنسان أن يختبر شعورًا أفضل من الشعور برضى الّذين يُحبّونه. إنّ الإنسان يشعر بالإحباط حين تواجهه الصّعوبات لأنّه أَمَال نظره عن ذلك الإله- الإنسان الّذي يُحبّه في كلّ ظروفه. إنّ خبرة القدِّيس بطرس مع الربّ هي خير دليل على ما نقوله: فالقدِّيس بطرس سار على المياه حين كان مُسمِّرًا نظره على الربّ، أمّا حين أمال نظره عنه، بدأ يغرق. في حياتنا اليوميّة، أمور كثيرة تدفعنا إلى أن نبعد نظرنا عن الربّ، منها: أخطاؤنا، ميولنا وأهواؤنا، أحلامنا المزيَّفة، وتقديراتنا للآخرين المبالغ بها. كلّ تلك الأمور تُشعرنا بالإحباط وبالفشل. إخوتي، بعد انتقالنا مِن هذه الفانية، لن يبقى لنا شيءٌ من تلك الأمور الّتي أبعدتنا عن الربّ يسوع، لذا فلنسعَ للقيام بما يُرضي الربّ. فالسؤال الّذي يُطرَح علينا، هو: كيف نستعدّ للقاء الربّ بعد الحياة؟ كيف سنلتقيه: أبرؤوس مُطأطأةٍ نتيجة خجلها مِن الأعمال الّـتي قامت بها، أم بابتسامةٍ تملأ وجوهنا، تعبِّر عن فرحِنا لشعورنا برضى الربّ علينا، وبالتّالي على أعمالنا الّتي قمنا بها في هذه الأرض؟

لو لم يمت القدِّيس ديمتريوس شهيدًا، لكانت حياته شهادةً على إيمانه بالربّ. إخوتي، إنَّ الشهادةَ نوعان: الشَّهادة الحمراء، والشَّهادة البيضاء. إنّ الشّهادة الحمراء هي موت الإنسان في سبيل دِفاعه عن إيمانه بالربّ، أمّا الشَّهادة البيضاء فهي حين يقتل الإنسان في داخله كلّ ما يُبعِده عن الربّ. إذًا، في الشَّهادتين، هناك عمليّة قتلٍ من أجل المسيح: الأولى، يَقتُل الآخرون المؤمنَ بسبب رفضِه التخلّي عن إيمانه، أمّا في الثانية، فيَقتُل المؤمن في داخله كلّ ما يؤثِّر سلبًا على علاقته بالربّ. وفي الحالتين، يُصبح المؤمِن مشروعَ شهيدٍ لإيمانه بالربّ يسوع. من خلال حياته، يدعونا القدِّيس ديمتريوس إلى مواجهة الموت الّذي يعترضنا في كلّ لحظة من حياتنا، لا إلى الخوف منه والهرب، بل إلى اعتباره فُرصةً تُبرهِن فيها عن حبّك للربّ، ودليل على جهادك المستمرّ في مسيرتك صوبه. إنّ الصّلاة اليوميّة وقراءة الإنجيل هما سلاحا المؤمِن في مواجهته اليوميّة للموت. على المؤمِن أن يسعى إلى رؤية يسوع في كلّ إنسان ولا سيّما في الخطأة: فمن خلال الذنوب الّتي يرتكبها الإنسان الخاطئ، يتذكّر المؤمِن خطاياه الخاصّة فيتوب عنها، ويغفر لأخيه خطاياه ويرحمه كما يفعل الربّ معه على الدّوام. إنّ النِّسيان، إخوتي، هي صفة إلهيّة لا إنسانيّة بدليل أنّ الكتاب المقدّس يُخبرنا أنّ الربّ ينسى لنا خطايانا ولا يعود يتذكرُّها من بعد، أمّا الإنسان فهو لا يكُّف عن تذكّر خطايا الآخر وتعييره بها. إنّ النِّسيان مبنيّ على الحبّ والرّحمة. غريبٌ هو الإنسان، إذ لا يتذكّر الأعمال الصّالحة الّتي قام بها تجاهه أخوه الإنسان، في حين أنّه لا يمكنه أن ينسى للآخر خطاياه الّتي ارتكبها في حقِّه. فماذا لو عامَلَنا الربّ بِمِثل معاملتنا للآخرين؟ إنّ الربّ يمدّ الإنسان بالرّحمة والحبّ، فيتمكّن هذا الأخير من معاملة أخيه ببعض الرّحمة والحبّ مُحاولاً نسيان أخطاء الآخرين تجاهه. إنّ جوهر الحبّ يقوم على تَذكّر الإنسان لأعمال أخيه الصّالحة، لا على تَذكُّر سيئاته.
كان القدِّيس ديمتريوس شُجاعًا، إذ واجه السُّلطان ورفض السُّجود له، على الرّغم من كلّ الاغراءات الّتي حاول هذا الأخير اللّجوء إليها لاستمالة القدِّيس إليه وإخضاعه له. غير أنّ كلّ تلك المحاولات باءت بالفشل، لأنّ القدِّيس رفض السُّجود لأيّ مخلوق أرضيّ، إذ لا يجب السُّجود إلّا لله الواحد، الّذي يليق به كلّ إكرام وعبادة. لذا أصبح القدِّيس ديمتريوس شفيع الشَّجاعة، بفضل حبّه الثّابت للربّ يسوع دُون سواه. لقد أحبّ القدِيس ديمتريوس الربّ، فأعطى ذاته إلى النّهاية على مِثال المسيح مُعلِّمه، رافضًا السُّجود إلّا للربّ القائم من بين الأموات. إنّ القدِّيس ديمتريوس قُتِل بسبب رفضِه الخضوع للسُّلطان والسُّجود له، فكان شهادته بطاقةَ دخول له إلى الملكوت، وبالتّالي ساهمت في الإسراع في جلوسه على العرش السماويّ ومعاينته لوجه الله القدُّوس.
إنَّ الإنسان يجد صعوبةً في تصديق أنّ باستطاعته أن يكون قدِّيسًا حيًّا، إذ بالنسبة إليه، القدِّيس هو ذلك الإنسان الّذي يقوم بأعاجيب وأعمال خارقة تُذهل المؤمنين. وبالتّالي، يرفض المؤمنون الاعتراف بقدِّيسٍ لم يقم بمعجزات وأعمالٍ فائقة للطبيعة. إخوتي، على المؤمن أن يتعلّق بالإنجيل لا بالأمور الخارجيّة الّتي تُذهلِه، فأساس إيماننا بالربّ يسوع هي تعاليمه لا مُعجزاته. إنّ غالبيّة كنائسنا في الشَّرق تتَّخذ القدِّيس جاورجيوس والقدِّيس إيليّا، إضافة إلى السيِّدة العذراء شُفعاء لها. إنّ القدِّيس جاورجيوس والقدِّيس إيليّا يُصوَّران للمؤمنين وفي أيديهما سيفٌ، للدلالة على قوّتهما وجبروتهما، فالمؤمنون في الشَّرق يُحبّون كلّ ما يرمز إلى القوّة والبَطش. إخوتي، في الكنيسة قدِّيسون ماتوا شُهداء بسبب رفضهم التخلّي عن إيمانهم بالربّ القائم من الموت، غير أنّهم منسيّون من قِبَل المؤمنين لأنّهم لم يقوموا بالأعمال الخارقة والأعاجيب. إنّ الكنيسة تحتفل كلّ يومٍ بعيد أحد القدِّيسين، وهم بغالبيّتهم غير معروفين عند المؤمنين بسبب عدم قيامهم بالمعجزات الـمُبهِرَة، ولكنّهم معروفون من قِبَل الله الّذي أظهر للكنيسة قداستهم. إخوتي، إنّ القدِّيسين في حياتهم الأرضيّة، عاشوا حبّهم للمسيح من خلال الأعمال الّتي قاموا بها مع الآخرين، وهذا ما أدّى إلى قداستهم. لذا فلنسعَ إخوتي، إلى التّعامل مع القدِّيسين انطلاقًا من لغة العالم، أي لا من خلال الأعاجيب، إنّما من خلال التشبّه بهم في محبّتهم للمسيح، فنكون على مِثالهم نحن أيضًا قدِّيسين. إخوتي، في كلّ مجموعة تحتفل بالذبيحة الإلهيّة لتُعبِّر عن حبّها للربّ يسوع، قدِّيسون لا يعرفهم إلّا الله وحده، هو كاشف الكِلى والقلوب. آمين.
ملاحظة: دُوِّنت العظة مِنْ قِبَلِنا بتصرّف.

تتمة...
10/10/2017 تخلّى القدِّيس شربل عن إرادته وحياته وحريّته طوعًا الأب موريس معوض

عظة الأب موريس معوّض
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
كنيسة مار تقلا - المروج

10/10/2017

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

منذ أربعين سنة، في التّاسع من تشرين الأوّل، أعلن قداسة البابا بولس السادس شربل مخلوف قدِّيسًا على مذابح الكنيسة. وفي هذه الذكرى الّتي احتفلنا بها أمس، وانطلاقًا مِن عنوان رسالة جماعة "أذكرني في ملكوتك" لهذا الشهر "في حضرة الله"، أودّ أن أتكلّم اليوم عن حياة مار شربل وحضور الله فيها.

تخلّى القدِّيس شربل عن كلّ ما مِن شأنه أن يزيغ نظره عن هدفه وهو: أن يملأ حياته مِن حضور الله. لقد تخلّى القدِّيس شربل عن إرادته وحياته وحريّته طوعًا، ليُطيع رؤساءه في الرهبانيّة، إذ كان يجد في طاعته لهم، طاعةً لله. لم يكن القدِّيس شربل يسأل عن أيّ شيء في حياته: لم يسأل عن الأسباب قبل قيامه بما يُطلب منه. كان القدِّيس في حالة استسلام كُليّ لمشيئة الله من خلال طاعته لأخيه الإنسان: أكان رئيس الدَّير أم الرُّهبان إخوته في المحبسة. لقد عاش القدِّيس شربل حضور الله في حياته، لذلك لم يكن يسمح للخطيئة أن تُسيطر على حياته. أمّا نحن اليوم، فننجرف وراء الأسباب الّتي تؤدّي بنا إلى ارتكاب الخطايا، ونسمح للخطيئة أن تتسرّب إلى حياتنا مِن دون أن نُفكّر في حياتنا وعلاقتنا مع الربّ. إنّ الإنسان يسعى إلى التسلّح بكبريائه وعنفوانه وحريّته لارتكاب الخطيئة، أمّا القدِّيس شربل فقد تخلّى عن كلّ ما مِن شأنه إبعاده عن الله. إنّ إرادة الربّ كانت واضحة بالنسبة إلى شربل فهو لم يعرف سواها، لذا كان يرى أنَّ كلّ عملٍ يقوم به تميمٌ لإرادة الربّ واكتمال لإرادة الله فيه. يُخبرون عن مار شربل أنّه قد ذهب لِجَمع الحطب من مكانٍ بعيدٍ جدًّا عن المحبسة، في حين أنَّ الأشجار كانت تُحيط بمحبسته، تلبيةً لرغبة أحد الرُّهبان المستهزئين به، الـمُعاونِين له في المحبسة. لم يهتمّ شربل في طاعته للآخرين، إلى رُتبة الشَّخص الّذي كان يوجّه إليه الأمر: فشربل كان يطيع الآخر أكان أعلى أم أدنى منه رُتبةً. إنّ القدِّيس شربل لم يعتبر يومًا طاعته لِمَن هم دُونه مرتبة، انتقاصًا من كرامته أو من شخصيّته أو حتى من كهنوته، فهو كان يتمتّع بطاعة عمياء، إذ كان يجد في طاعته للآخرين تحقيقًا لإرادة الله في حياته.

لذا إخوتي، لا نخجل من طاعة مَن هم أصغر منّا سنًّا إن كانوا أكثر خبرةً منّا في بعض الأمور، أو كان رأيهم أفضل مِن رأينا. إخوتي، علينا أن نتعلَّم الإصغاء لبعضنا البعض، نكتشف من خلال كلام الآخرين لنا ما هي إرادة الله لنا. لنسعَ إخوتي، إلى قبول الآخر، لا إلى محاربته، إذ قد يكون الآخر أذكى منّا في بعض الأمور، وأكثر نُضجًا منّا، فالذّكاء والنُّضج ليسا حِكرًا على أحد من البشر. علينا القبول برأي الآخر المختلف عنّا، بكلّ لطفٍ ومحبّة، رافضين التَّجريح به. فلنتعلَّم إخوتي من شربل القدِّيس كيفيّة التّعامل مع بعضنا البعض، فشربل لم يُجرِّح بأحدٍ حتّى الّذين غشُّوه وملأوا قنديله ماءً لا زيتًا. إنّ القدِّيس شربل لم يشتكِ من هؤلاء الخُدّام، ولم يوبِّخهم على تصرُّفهم الـمُخجل، بل استمرَّ في التعامل معهم بكلّ محبّة كما العادة، فأعطاهم درسًا في المحبّة بصمته. هذه هي ميزة شربل القدِّيس: إنّه يسعى إلى إيصال رسالته إلى الآخرين لا من خلال الصّراخ والتَّجريح إنّما من خلال صمته ومحبّته لهم. إنّ رسالة الله وإرادته تَصل إلينا من خلال الصّمت، فالصّمت هو الوسيلة الأفضل لكي يتمكّن الإنسان من فَهم الكثير من الأمور الحياتيّة وشرحها.

في هذا المساء، نصلّي من أجل جماعة "أذكرني في ملكوتك"، المتواجدة في لبنان وخارجه. ونسأل الله أن يَهبنا نعمة حضوره في حياتنا، فنتحلّى بالشفافيّة مع الآخرين، ونتعامل مع بعضنا البعض بكلّ لطفٍ ومحبّة، ونقبل بالآخر على حقيقته. إخوتي، لا يوجد إنسان أفضل من آخر، ولا سُلطة لأيّ إنسان على آخر في إصلاحه، فللجميع عيوب ونقائص. لذا فليسعَ كلّ مؤمِن لا إلى إصلاح الآخرين، إنّما إلى النّظر إلى المرآة ليرى عيوبه ويسعى إلى إصلاحها، ليسير في طريق القداسة، كما فعل مار شربل، فيتنعَّم برؤية وجه الله في الملكوت بعد انتهاء حياته الأرضيّة. آمين.

ملاحظة: دُوِّنت العظة مِنْ قِبَلِنا بتصرّف.

تتمة...
5/10/2017 إذ إنّهم أشبه بخليّة نحلٍ يعملون بنشاطٍ وصمتٍ على مثال شفيع رعيّتنا القدِّيس يوسف الأب أنطوان خليل

عظة الأب انطوان خليل
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
الذكرى الرابعة لجماعة "أذكرني في ملكوتك"
دير مار يوسف - المتين

5/10/2017

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.
إخوتي وأخواتي،
منذ أربع سنوات، اجتمعنا في منزل السيّدة ماريان الحاج، بحضور السيّدة جانيت الهبر والسيّدة لوريت بو داغر، وبعض الصديقات والأصدقاء، وكان إيماننا بالربّ يسوع وقيامته من بين الأموات محور حديثنا. وقد تحدّثنا عن قيامة أمواتنا أيضًا من بين الأموات بفضل إيمانهم بالربّ يسوع، لذا وجدنا ضرورةً للصّلاة من أجل أمواتنا المؤمنين، وشَعَرنا بالحماس لإطلاق جماعة "أذكرني في ملكوتك"، في رعيّتنا الحبيبة، رعيّة مار يوسف- المتين.

وها قد مضَت أربع سنوات على وجود هذه الجماعة في رعيّتنا، وقد صلَّينا في هذه الفترة على نيّة راحة أنفس جميع الموتى المؤمنين، مَن نعرفهم، ومَن لا نعرفهم، مِن أعزّاء على قلوب أعضاء هذه الجماعة في رعيّتنا. وكلّما صلَّينا لأجل أمواتنا المؤمنين، كلّما نما إيماننا بالربّ يسوع، وشعرنا بحضوره في قلب هذه الجماعة الّتي لا تزال ناشئة، غير أنّ الشغف والـجُرأة والنشاط يملأ قلوب أعضاء هذه الجماعة، وما مشروع بناء المقرّ الروحيّ لهذه الجماعة في سهيلة إلّا خير دليل على عمل الربّ في قلب هذه الجماعة وتفاعُل أعضائها مع إلهاماتِ روحه القدّوس، وعلى أنّ أمواتنا الّذين نُصلّي لهم، هم أحياء في السّماء ويتشفَّعون لنا لنُكمل مسيرة الصّلاة هذه على الأرض، فهذا المقرّ الروحيّ سيكون مقرًّا لكلِّ إنسان محزون، كي يُصلّي لراحة أنفس موتاه.

لا تُصلّي هذه الجماعة فقط من أجل الموتى، إنّما أيضًا لأجل جميع المؤمنين في الكنيسة جمعاء، أحياءً وبخاصّة المرضى لإدراكِها أنّ الكُلّ يحتاج إلى الصلاة، كما تُصلّي من أجل الأموات لأنّهم أعزّاء على المؤمنين الأحياء، ورغبةً مِن الّذين يُصلّون مع أعضاء هذه الجماعة في إيجاد مَن يذكُرهم في الأجيال القادمة بعد انتقالهم من هذه الفانية إلى جوار الله، متشفّعين عند الله الآب أن يذكُرهم في ملكوته. تتميّز هذه الجماعة بعيش أعضائها لفضيلة التواضع، وَسَعْيهم لعيش إيمانهم بالربّ يسوع، وهنا أودّ أن أُحيّي هذه الجماعة بكافة أعضائها الموجودين بيننا، إذ إنّهم أشبه بخليّة نحلٍ يعملون بنشاطٍ وصمتٍ على مثال شفيع رعيّتنا القدِّيس يوسف. إنَّ شفيع رعيّتنا، القدِّيس يوسف كان يعمل بصمتٍ وفي الخفاء فهو لم يهوَ يومًا حبّ الظهور والمجد العالميّ، فالربّ يرى كلّ ما نقوم به في الخفاء ويفرح به إن كان من أجل الخير العام.

تتمة...
28/9/2017 ذِكرى وفاءٍ منّا لأمواتنا الخوري جوزف سلوم
https://youtu.be/HY20gVob4Ko

عظة الخوري جوزف سلّوم
في القدّاس الإلهيّ مِن أجل الراقدين على رجاء القيامة
الذكرى الخامسة لانطلاقة جماعة "أذكرني في ملكوتك"
كنيسة سيّدة الانتقال - عينطورة

28/9/2017

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.

أبتِ الحبيب،
أخي الشماس،
وأخي الشدياق،
إخوتي في هذه الرعيّة الـمُحِبّة للمسيح،
بفرحٍ كبير ورجاءٍ عظيم، نلتقي اليوم لنحتفل معًا بالذكرى الخامسة لانطلاقة جماعة "أذكرني في ملكوتك" في رحاب هذه الرعيّة المباركة. لكلٍّ منّا، شخصٌ عزيز عَبَر مِن هذه الدّنيا إلى الضِّفة الثانية، وأصبح في شراكة مع الربّ في ملكوته السّماوي، لذا يستطيع جميع المؤمنين الانتماء إلى جماعة "أذكرني في ملكوتك"، لأنّ رسالة هذه الجماعة تقوم على ذِكر جميع أمواتنا المؤمنين في الذبيحة الإلهيّة. إنّ هذه الذكرى لهذه الجماعة في هذه الرعيّة، هي ذِكرى وفاءٍ منّا لأمواتنا. وهنا أودّ أن أقول إنَّ أموات هذه الرعيّة وبخاصّة أخينا "فانسان"، شكَّلوا الشرارة الأولى لانطلاقة جماعة "أذكرني في ملكوتك"، في هذه الرعيّة.

في هذه المناسبة، أودّ أن أتأمَّل وإيّاكم في ثلاث أفكار: الأولى تتمحوّر حول المعموديّة وارتباطها بالسّماء أي بالحياة الثانية. في رتبة المعموديّة، يقول الكاهن: "يُعمَّد فلان حملاً في رعيّة المسيح باسم الآب والابن والرّوح القدس، للحياة الأبديّة". إنّ فاعل "يُعَمَّد" ليس مجهولاً بالنسبة للمؤمنين، إذ يُدرِكون أنّ الله هو الّذي يُعمِّد طالبَ العِماد. في المعموديّة، يُخْتَم المعمَّد حملاً في رعيّة المسيح أي أنّه يُصبح مِن خاصَّة المسيح، وبالتّالي تجعل المعموديّةُ الإنسانَ الـمُعَمَّد مِن وَرثة الملكوت السماويّ. إذًا، إنّ كلّ مُعمَّد يُختم للحياة الأبديّة، أي أنّه يُصبح مِن أهل السّماء منذ بداية علاقته بالمسيح، أي في المعموديّة. إنّ القول بأنّ الإنسان قد أصبح مِن أهل السّماء لا يعني أبدًا انتفاء الدينونة في اليوم الأخير، فالله سيُحاسب كلّ إنسان على أعماله انطلاقًا من إيمانه بالربّ يسوع، بل يعني أنّ ما يناله في المعموديّة هو استحقاقٌ عظيمٌ جدًّا خَصَّ الله أحبّاءه به. في الصّلاة الختاميّة للمعموديّة، يقول الكاهن: "لا تسمح يا ربّ عند تَعَرِّيه مِن ثوب هذا الجسد المنظور، أن يتعرّى منك، أنت المسيح، الثوب الخفيّ غير المنظور، بل كُن له يا ربّ ثوبًا جديدًا لا يبلى"، أي أنّه بمعنى آخر، يلبس المؤمِن المسيح في المعموديّة: ففي الموت، يتعرّى الإنسان مِن جسده الأرضيّ الفاني، لذا يطلب الكاهن مِن الله في أثناء المعموديّة ألّا يسمح لهذا الإنسان بأن يتخلّى عن المسيح حين انتقاله من هذه الدّنيا، بل أن يلتحف بالنّور لأنّه قد لَبِسَ المسيح في المعموديّة، وهذا الثوب لا يبلى أبدًا. إنّ كلّ أجساد البشر الأرضيّة تَبلى إذ إنّها تتعرّض للفساد والفناء في اليوم الرابع بعد موت الإنسان، ولكن مَن يلبس المسيح لا يموت، لأنّ المسيح سيمنحه الحياة الأبديّة، في يوم انتقاله مِن هذا العالم.

أمّا السؤال الآن، فهو: ما الفائدة مِن الصّلاة لأجل أمواتنا؟ ولِمَ الاجتماع شهريًّا مع جماعة "أذكرني في ملكوتك" في الذبيحة الإلهيّة للصّلاة من أجل الراقدين؟ إنّ الصّلاة لأمواتنا ما هي إلّا تعبير منّا عن شراكة الحبّ الّتي تجمعنا بهم: لذا على كلّ مؤمِن أن يُصلّي لأمواته في تعبيرٍ عن حبّه لهم. إنّ الصّلاة من أجل راحة أنفس موتانا، تُعبِّر عن مدى اتِّحادنا بهم في شركة القداسة: فأمواتنا هم قدِّيسون وهم الآن يُعاينون وجه الله القدُّوس، إذ قاموا بالأعمال الصّالحة حين كانوا على هذه الأرض، وتناولوا جسد الربّ وقرأوا في إنجيله. لذا على كلّ مؤمِن أن يذكُر أمواته تعبيرًا عن حبِّه لهم، وعن شركة اتِّحاده مع أمواته القدِّيسين. إنّنا نتضرّع من أجلهم أمام الله لكي يغمرَهم الربّ بفيض رحمته ويفيض بأنواره عليهم.

إنّ رسالة جماعة "أذكرني في ملكوتك"، هي رسالة رجاء: فالموت يطال المؤمنِين في كلّ يومٍ، وهذا ما يُعبِّر عنه الكتاب المقدَّس قائلاً إنّنا كحُملان في هذا العالم نُساق للذبح في كلّ حين. إنّ علامات الموت كثيرةٌ في حياتنا، وما أخبار الجرائد والشاشات الصغيرة إلّا خير دليل على ذلك: فهي تنقل إلينا أخبار الحروب والجرائم الوحشيّة الّـتي تطال البشريّة في كلّ يوم. إنّ جماعة "أذكرني في ملكوتك"، تسعى إلى عيش الرّجاء في قلب هذا العالم الّذي تُسيطِر عليه حضارة الموت. إنّ المؤمِن الّذي يعيش في معيّة الربّ، يسعى إلى عيش الرّجاء في حياته فيتكِّل على الله ويسعَ في تصرّفاته مع الآخرين أن يعكس علامات الحياة والرّجاء. على كلام المؤمِن ألّا يجعل النّاس يشعرون بأنّ نهاية العالم قد حلّت لِمَا في هذه الدّنيا من شرور، بل أن يدفعهم إلى عيش تعاليم الربّ في حياتهم، فيسعون إلى المحبة لا إلى الحقد والكراهية والدمار. على حديث المؤمِن في مجتمعه أن يعكس رسالة المسيح الخلاصيّة إلى كلّ إنسان: فيسعى المؤمن إلى مؤاساة الحزانى والتخفيف من ألم الحزن الّذي يُعانون منه، كما عليه الإصغاء إلى كلّ مَن يحتاج إلى آخرٍ يسمع له، ويسعى إلى مساعدة كلِّ بعيدٍ عن الربّ في العودة إلى أحضان الآب السماويّ. هذه هي رسالة جماعة "أذكرني في ملكوتك"، أن تساعد المؤمِن كي يكون على استعداد لِلُقيا وجه الله القدُّوس في الملكوت السماويّ: من خلال حثِّه على السّهر الروحيّ بالصّلاة والانتباه إلى سلوكه وأفكاره وكلامه مع الآخرين. فعلى كلّ مؤمِن أن يكون فيه من الأفكار ما في المسيح يسوع، على حدّ قول بولس الرّسول.

في الختام، أودّ أن أتوجّه بالتهنئة لهذه الجماعة في هذه الرعيّة، فأشكر الربّ على أبونا الياس، كاهن هذه الرعيّة، الّذي يرافق هذه الجماعة ويسهر على نموِّها الروحيّ،كما أودّ أن أُحيّي كلّ فردٍ في هذه الجماعة مِن هذه الرعيّة المباركة. أوّد أن أوجّه صلاتنا إلى الربّ ودعاءنا إليه من أجل السيّدة جانيت وإلى كلّ فريق عملها الّذي يعمل في الظِّل، الّذي يسعى إلى أن يعلو مجد الله، من خلال شركة الصّلاة من أجل أمواتنا، فنُعبّر لهم عن شراكتنا معهم ومحبّتنا لهم.

ويُسعدني اليوم أن أنقل إليكم بُشرى سارّة ستعيشها هذه الجماعة وهي: إنّ هذه الجماعة ستقوم بوضع الجحر الأساس لمقرِّها الجديد في سهيلة، قرب دير مار مخايل. إنّ الدّعوة مفتوحة للجميع للمشاركة في هذا الحفل، الّذي سيُقام في تمام السّاعة الرابعة مِن بعد ظُهر السبت الـمُقبِل في 7/7/2017. إنه لفرحٌ كبير بالنسبة لنا أن يكون بعضٌ من أبناء هذه الرعيّة قد ساهم في الأعمال الهندسيّة وغيرها من الأعمال للشروع في بناء هذا المقرّ الجديد للجماعة، ولا يسعنا إلّا أن نُصلّي لهم طالبين مِن الله أن يُكافئَهم على أعمالهم الحسنة هذه. كما نودّ أن نُصلّي على نيّة كلّ مَن ساهم ويساهم بطريقةٍ أو بأخرى كي تبقى رسالة الرّجاء والصّلاة من أجل الراقدين تنتشر، وتصِل إلى قلوب المؤمنِين.

أتمنّى للجميع قدّاسًا مقبولاً، كما أتمنّى لهذه الجماعة الديمومة في نشر هذه الرسالة، وتحقيق هدفها وهو أن تمسح باسم المسيح كلّ دمعةٍ مِن قلب كلّ إنسان حزين، وتزرع الرّجاء بالقيامة في قلبه.

ملاحظة: دُوِّنت العظة من قِبَلِنا بتصرّف.

تتمة...
24/9/2017 نذكرهم في صلواتنا وقداديسنا لأنّ ارتباطنا بأمواتنا مبنيّ على يسوع المسيح الخوري مارون خالد

عظة الخوري مارون خالد
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
في الذكرى الثامنة لانطلاقة جماعة "أذكرني في ملكوتك"
كنيسة القدّيسة مورا – بيادر رشعين

24/9/2017

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

في هذا اليوم، أي في الرابع والعشرين من أيلول، تحتفل الكنيسة بعيد القدِّيسة تقلا أولى الشهيدات. وبحسب الذَّاكرة المسيحيّة، يُحكى عن هذه القدِّيسة أنّها رُمِيَت للوحوش، لكنَّ الوحوش سجدت لها ولم تَمُسَّها بأيِّ أذى.كما يصادف اليوم أيضًا، عشيَّة القدِّيسة مورا، شفيعة رعيّتنا الحبيبة. وفي ظلّ هاتين المناسبتين، نجتمع اليوم معًا للصّلاة من أجل أبناء الرعيّة الّذين سبقونا إلى السّماء.

إنّ هذه العادة، الصّلاة من أجل أمواتنا، قد تمّ توارُثُها مِن الكهنة الأقدمِين، وقد فعَّلها الكهنة الجُدُد في رعيّتنا الحبيبة، وبخاصّة مع أبونا الزاعوق، رحمات الله عليه، كما نطلب من الله أن يُطيل عُمر أبونا عويس، الّذي يُتابع مسيرة الصّلاة هذه في رعيّتنا. إخوتي، في كلّ شهر، مع جماعة "أذكرني في ملكوتك"، نصلّي من أجل إخوتنا الراقدين إذ إنّهم ليسوا محذوفين بالنسبة لنا عن لائحة الأحياء، لأنّهم ما زالوا أحياء في السّماء غير أنّهم ما عادوا مِن المؤمِنين الـمُجاهِدين على هذه الأرض. إنّنا لا نزال نحن، المؤمِنين الحاضرين ههنا، مِن أبناء الكنيسة الـمُجاهدة على هذه الأرض، أمّا أمواتنا فلا، لأنَّ جهادهم على هذه الأرض قد انتهى، وقد تحوّل جهادهم الأرضيّ إلى جهادٍ أعمق، إذ أصبحوا شُفعاءنا في السّماء. إنّ القول إنّ أمواتنا قد أصبحوا شُفعاء لنا في السّماء، لا يعني أبدًا أنّه لا يجب بعدئذٍ أن نُصلّي لهم بل على العكس من ذلك تمامًا، إذ علينا أن نُصلّي لهم لأنّنا نشترك وإيّاهم بواسطة يسوع المسيح في سلسلة واحدة مترابطة متينة. إنّ صلواتِنا من أجل أمواتنا، المنتقلين إلى عالم الأحياء في السّماء تُستجاب، كما أنّ الله يستجيب لشفاعتهم، بسبب هذا الرباط الّذي يجمع بين أهل الأرض وأهل السّماء ألا وهو يسوع المسيح.

إنّ صلاتنا من أجل أمواتنا ليست فقط مجرَّد عادات وتقاليد وَرِثناها مِنَ الأقدمين: فنحن لا نذكر أمواتنا خجلاً من التعرُّض للملامة مِن قِبَل الآخرين، في حال لم نفعل ذلك؛ ولا نذكرهم كي نسمع مِن الآخرين كلمات التعزية كـ"رحمهم الله"، بل نذكرهم لأنّ ارتباطنا بهم لم ينتهِ بانتقالهم من هذه الفانية، فيسوع المسيح قد جعل هذا الرباط الّذي يجمعنا بأمواتنا متينًا. ولذا نستطيع أن نذكرهم في صلواتنا وقداديسنا لأنّ ارتباطنا بأمواتنا مبنيّ على يسوع المسيح، ونحن نطلب من الله الرّحمة والراحة لنفوسهم. إنّ كلمات التعزيّة الّـتي نسمعها مِن البشر هي مجرّد كلماتٍ ذات بُعد عاطفي وإنسانيّ، نابعٍ من محبّة الآخرين، وتعبِّر عن التقوى المسيحيّة. إنَّ هذا الارتباط الّذي يجمعنا بأمواتنا بواسطة يسوع المسيح، يحوِّل صلاتنا لهم إلى صِلةٍ بيننا وبينهم، وشفاعتُهم لنا تتحوّل إلى مسيرة استهطال نِعَمٍ إلهيّة علينا نحن الأحياء في هذه الأرض.

إنّنا بحاجة ماسّة إلى نِعَم السّماء، ولا أحد أفضل من أبناء هذه الأرض الّذين انتقلوا من بيننا إلى السّماء للتَشَفُّع لنا عند الله الآب إلّا يسوع المسيح. فيسوع المسيح هو الشَّفيع الأوّل ووسيطنا الوحيد عند الله الآب إذ إنّه اتّخذ طبيعتنا البشريّة وصار قريبًا منّا نحن البشر، ومنحنا بموته الخلاص، فأدخَل طبيعتنا الضعيفة والخاطئة إلى السّماء. إنّ حصولنا على الملكوت، نحن الخطأة يُشكِّل دينونة لنا، غير أنّه لا يجب أن ننظر إليها على هذا النّحو لأنّ يسوع المسيح قد وهبنا بحبِّه هذه النِّعمة، إذ إنّه أحبّنا للغاية، ومنحنا الحياة الأبديّة بموته على الصّليب. إنّ زمن الصّليب، هو زمن الشَّهادة والاستشهاد، فالربّ يسوع الّذي صُلب على خشبة الصّليب،كان الشَّهيد الأوّل، وقد شكَّل لنا قدوة نحتذي بها في حَملِ صُلباننا في هذه الحياة. لقد استُشهِدَت القدِّيسة مورا حبًّا بيسوع، وغيرها كثيرون: كالقدِّيس تيموتاوس والقدِّيسة تقلا، والقدِّيسين الشَّهيدين سركيس وباخوس اللّذين سنحتفل بعيدهما في الأيّام القليلة القادمة. إنَّ قافلة الشُّهداء في الكنيسة كبيرةٌ جدًّا، وخاصّة أنّه في القرون الأولى لنشوئها، عانت الكنيسة من الاضطهاد لمدّة ثلاثمائة وأربع عشرة سنةٍ متواصلة. إنّ وسائل التعذيب والقتل الّتي تعرّض لها المسيحيّون الأوائل متنوعة: كالحرق، والرمي بالزيت، والموت صلبًا أو بالرِّماح، أو بقطع الرأس. إنّ شهادة المؤمن للربّ لا تقتصر فقط على شهادة الدّم إنّما أيضًا على الشهادة اليوميّة في حياته في قلب مجتمعه، من خلال سلوكه وتصرُّفه مع الآخرين. إنَّ أبواب الجحيم لن تقوى على الكنيسة لأنَّها بُنِيَتْ على دمّ الشُّهداء وبخاصّة على دمّ الشهيد الأوّل فيها، يسوع المسيح، الّذي جمع بدمائه الزكيّة بين أهل الأرض وأهل السّماء.
في هذا الزّمن المبارك، زمن الصّليب، نحتفل أيضًا بعيد الشهيدة القدِّيسة مورا. إنّ الصّليب هو أبهى صورة للشهادة والاستشهاد. إنّ المؤمن مدعوّ للاستشهاد يوميًّا، فإنّه إن لم يُعلَّق على الصّليب ويموت، فإنّه حتمًا سيُعلَّق على صُلبان هذا الدّهر، فتكون حياته شهادةً للربّ. إنّ الربّ يسوع منحنا بحبّه الخلاص، إذ لا خلاص لنا إلّا بيسوع المسيح. ولكن هذا لا يعني أنّ غير المسيحيّين لا يَخْلُصون، فالربّ يسوع قد شمل بحبِّه جميع البشر. ولكن الفرق بين المؤمِنين بالربّ يسوع وسواهم، هو أنّ المؤمنين بالربّ يختبرون مُتعة ولذّة العيش مع الربّ منذ الآن، وهم يسيرون في هذه الحياة صوب لقاء الحبيب في الملكوت السماويّ؛ أمّا غير المؤمِنين فلا يختبرون ذلك، إذ إنّ حياتهم تُشكِّل مسيرة صوب المجهول لأنّهم لم ينالوا الأسرار المقدّسة، كالعماد والافخارستيّا، ولم يتعرّفوا إلى الربّ من خلال إنجيله المقدَّس. صحيحٌ أنّنا نُصلّي لأمواتنا القدِّيسين الشهداء ونطلب شفاعتهم، غير أنّه في ما بيننا، نحن المؤمنين الأحياء في هذه الأرض، شهداءُ أحياء يعكسون صورة يسوع في مجتمعهم. يشهد المؤمِن ليسوع المسيح في مجتمعه عندما يشهد وعائلته للحبّ، وعندما يدافع عن القضايا المحقّة ولو أدّى به ذلك إلى الاستشهاد الدّموي. على المؤمِن أن يكون علامةً فارقة في مجتمعه من خلال سلوكه، فيدفع الكثيرين من حوله إلى التساؤل حول مصدر هذا الفرح الحقيقيّ الّذي لا يزول على الرّغم من الضِّيقات. إنّ المؤمِن الّذي يعيش حياةً لا تدفع الآخرين إلى التساؤل حول مصدر الفرح الّذي يعيشه، هو كالـمِلح الّذي لا يُملِّح الّذي تكلَّم عنه الإنجيل، وهو أيضًا النّور الّذي وُضِع تحت المكيال إذ لا يعكس في حياته نور المسيح الموجود في داخله. على كلمة المسيح يسوع أن تكون مُحقَّقة في كلّ مؤمن فيكون الملح الّذي يُعطي طعمًا لمجتمعه، والنّور الّذي يُضيء هذا العالم الـمُظلِم الّذي يعيش فيه.
إنّ وجود المسيحيّين في هذا الشرق وفي هذا العالم، ضروريّ جدًّا لأنّه يُشكِّل انعكاسًا لصدى صوت المسيح على هذه الكرة الأرضيّة الّتي نعيش فيها. إنّ كلّ مسيحيّ هو مشروع شهادة واستشهاد في عالمنا، وبالتّالي مشروع قداسة، إذ على كلّ مؤمِن أن يكون شاهدًا للربّ يسوع في بريّة هذا العالم، تلك البريّة القاحلة بفعل ابتعاد أبناء هذه الأرض عن الحقيقة ألا وهي: يسوع المسيح. نُصلّي إلى الله من أجل كلّ شهدائنا، كما نطلب منه بشفاعة هذه القدِّيسة الشهيدة الّتي عانت من الجراحات أن تكون قدوةً لكلّ مرضانا فيحملوا جراحاتهم وآلامهم على مثالها مشاركين المسيح في آلامه. وفي أجواء الصّلاة هذه، نتَّحِد بالصّلاة مع جماعة "أذكرني في ملكوتك"، الّتـي انطلقت في رعيّتنا، رعيّة مار مارون، منذ تسع سنوات. إنطلقت هذه الجماعة في رعيّتنا لتُذكِّرنا أنّ صِلَتَنا بأمواتنا ليست مقطوعة أبدًا، ولذا علينا أن نصلّي لهم دائمًا، إذ إنّ مَن سبقونا على دروب السّماء هم أحبّاؤنا وأصدقاؤنا.
إنَّ الصّلاة من أجل أمواتنا ما هي إلّا توطيد لعلاقة الصداقة الّتي تجمعنا بهم بواسطة يسوع المسيح. وهل أفضل مِن الصَّديق كي يُصلّي لصديقه؟ إنّ أمواتنا قد أصبحوا في السّماء، أي أنّهم قدِّيسون وبالتّالي شُفعاء لنا عند الله. وعندما نُصلّي لهم نحن الأحياء على هذه الأرض، فإنّنا بهذا الفعل، نصرخ إلى الربّ يسوع الفادي والمخلِّص من أجلهم كي يُخلِّصهم من عذاباتهم ويفديهم. إخوتي، علينا أيضًا ألّا ننسى أن نُصلّي لكلّ النّفوس المنقطعة في قريتنا، ونحن نعلم أنّ هناك بعض الأشخاص الّذي توفُّوا ولم يعد لديهم أحد ليذكرهم في هذه الدّنيا في صلاته. لذا، فلنطلب من الكاهن أن يُصلّي لهم ذاكرين أسماءهم، ومقدِّمين الذبائح الإلهيّة من أجل راحة نفوسهم. وإضافةً إلى الذبائح الإلهيّة، يمكننا أن نُقدِّم أصوامًا لأجلهم، كما يمكننا أن نقوم بأفعال رحمة على نيّة أمواتنا وخصوصًا على نيّة الأنفس المنقطعة، كما يمكننا أيضًا أن نقدِّم لأجلهم مسابِحنا الّتي نُصلِّيها.إنّ هذه الصّلوات هي ذات فعاليّة كبرى عند أمواتنا، وهي أفضل من حبوب دواءٍ كثيرة كُنّا نُقدِّمها لهم للتَّخفيف من آلامهم حين كانوا على هذه الأرض، وأفضل من الطّعام الماديّ الأرضيّ الّذي كُنّا نُقدِّمه لهم حين كانوا لا يزالون بيننا. إنّ جوعهم اليوم لم يعد إلى الطّعام إنّما إلى الصّلاة إذ إنّهم يتشّوقون للُقيا الحبيب وجهًا لوجه.

أحبّائي، صلاتي اليوم، هي من أجل أن تبقى تلك الصِّلَة قائمة بين الكنيسة المجاهدة والكنيسة الممجدّة في السّماء، أي بين المؤمنين الأحياء الّذي لا يزالون يُجاهدون على هذه الأرض، وبين الّذين سبقونا إلى الملكوت السّماوي. لذا نحن اليوم، في هذا المكان المقدّس نصلّي لأجل أمواتنا، كي يرحمهم الربّ، كما نطلب شفاعتهم، وبالتّالي تستمِرّ مسيرة الصَّلاة بين أهل الأرض وأهل السّماء. إنّ صلاتنا من أجل أمواتنا من شأنها أن تجعل تلك المسيرة مستمِرَّة إذ علينا أن نعلِّم أبناءنا وأحفادنا الصّلاة لأجل الرّاقدين، فنجد مَن يُصلّي لنا حين انتقالنا من هذه الأرض، وتبقى تلك المسيرة مستمِرَّة إلى أن يأتي مجد الربّ بالمجيء الثاني، فيُظهر مجده إلى كلّ الّذين عرفوا أنّه الفادي والـمُخلِّص، ولم يعترفوا بسواه مُخلِصًا لهم. إنّ يسوع المسيح هو الباب الوحيد الّذي يستطيع المؤمِن من خلاله الدّخول إلى الملكوت. إنّ الربّ سيكون ممجَّدًا يوم ظهوره لا من خلال حياة المؤمِنين وحسب، إنّما من خلال اعترافاتنا، ومواقفنا والتزاماتنا اليوميّة الّتي تُشير إلى إيماننا به. آمين.
ملاحظة: دُوِّنت العظة مِنْ قِبَلِنا بتصرّف.

تتمة...
16/9/2017 تأمّل في إنجيل (يو 8: 21-30) الخوري فؤاد فهد
https://youtu.be/0OnQFCsGZ7Y

تأمّل في إنجيل (يو 8: 21-30)
عظة الخوري فؤاد فهد
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
الذكرى السابعة لجماعة "أذكرني في ملكوتك"
في كنيسة القدّيسة مورا - القبيات

16/9/2017

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

آبائي، إخوتي،

في الرسالة التي سمعناها اليوم من القدِّيس بطرس، يؤكِّد لنا الرّسول سماعه لصوت الله، على جبل التجلّي قائلاً في الربّ يسوع: "هذا هو ابني الحبيب الّذي به رَضِيت. فله اسمعوا" (مت 17:3). وفي الإنجيل الّذي تُلِيَ على مسامِعِنا في هذه الذبيحة الإلهيّة (يو 8: 21-30). يؤكِّد لنا يسوع أنّ أقواله هي أقوال الله إذ إنّه ينقل إلينا ما سَمِعه من الله الآب، وأنّ اعماله هي أعمال الله، إذ إنّ الله الآب هو الّذي طلب من الربّ يسوع القيام بها. كما نسمع في هذا الإنجيل، تحذير يسوع لليهود، بأنّهم إن لم يعترفوا به كابن لله، فإنّهم سيموتون حتمًا في خطاياهم. في الكتاب المقدَّس، يُعرِّف الله عن ذاته بعبارة "أنا هو"، وبخاصّة في كلامه مع الأنبياء، لا سيّما مع النبيّ موسى. وأضاف يسوع في كلامه في الإنجيل، مع اليهود، أنّه متى رُفِع ابن الإنسان من بينهم، فعندها سيؤمِن الجميع به أنّه حقًّا ابن الله. في زمن الصّليب، نتأمّل في ارتفاع يسوع المسيح على الصّليب بالمجد، لنُدرِك عظمة حبّ الله لنا، الذي وَصَلَ إلى أقصى درجاته حين أرسل الله ابنه الوحيد، الّذي يُحبّه، إلى العالم ليفتدي البشريّة جمعاء، فصار إنسانًا مثلنا ومات على الصّليب حاملاً خطايانا، فغسلت دماؤه نفوسَنا وطهّرتنا من كلّ آثامنا.
"ما مِن حبٍّ أعظم مِن أن يبذل الإنسان نفسه لأجل أحبائه" (يو 13:15). إنّ الربّ يسوع، قد أحبّنا للغاية، فبذل نفسه من أجل خلاصنا، على الصّليب. لا يستطيع الإنسان، الّذي لمس حبّ الله له واختبره في قلبه، إلّا أن يشهد للكلمة الإلهيّة. إنّ كلّ إنسان سيشهد للكلمة سوف يُعاني حتمًا مِنَ الضِّيقات، وقد تصل تلك الضِّيقات إلى قمَّتها بالاستشهاد. إنّ القدِّيسة مورا، شفيعة هذه الرعيّة، قد اختبرت هذا الحبّ الإلهيّ، فشهدت للكلمة، فاستشهدت دِفاعًا عن إيمانها بالله. إنّ قافلة الشهداء المؤمنين، لا تقتصر على هذه القدِّيسة، إنّما تضّم عددًا كبيرًا من القدِّيسين الّذين استشهدوا دِفاعًا عن إيمانهم. والشهادة الّـتي عاشتها القدِّيسة مورا، هي شهادة مطلوبةٌ من جميع المؤمنين بالمسيح، إذ على حياة المؤمنين أن تعكس صورة المسيح في عالمنا اليوم.

إنّ شهادة المؤمِن لله تقوم على اعترافه بمحبّة الله له: فالله قد أرسل ابنه الوحيد إلى هذا العالم لأجلنا، والابن الوحيد، يسوع المسيح قد بذل نفسه لأجلنا على الصّليب، لذا فمِنَ الحريّ أن نبادل الله تلك المحبّة ونُظهرها في عالمنا. إذًا، على كلّ مؤمن أن يُظهر محبّته لله في هذا العالم، أوّلاً في عائلته، فيصبر الرّجل على أمرأته، والمرأة على رَجلها، كما على الأهل أن يصبروا على أولادهم، فيتحمّلوا المشقّات من أجلهم، لأنّ مَن يصبر إلى النّهاية يصِل حتمًا إلى المجد الأبديّ. وبالتّالي، فإنّ المطلوب من كلّ مؤمِن أن يشهد للربّ يوميًّا في حياته، وهذا ما فعلته القدِّيسة مورا في حياتها الأرضيّة. على كلّ مؤمِن أن يشهد للمسيح في عمله أيضًا، فيَعيش الأمانة، وما أحوج عالمنا اليوم إلى الأمانة، فعَيْش الأمانة في العمل أصبح بحدِّ ذاته شهادةً لله في مجتمعنا.

في ختام هذا التّأمّل، نطلب من الربّ يسوع، الّذي يتجلّى يوميًّا لنا على المذبح، من خلال جسده ودمه اللّذين يُعطينا إيّاهما في كلّ ذبيحة إلهيّة، أن يُضيء قلوبنا بنور قيامته، فتنكشِف كلّ خطايانا أمامه، فيشفينا منها. إنّنا نسأل الله أن يشفيَنا من كلّ خطايانا المميتة، طالبين منه أن يجعلنا شهودًا للكلمة الإلهيّة في هذا العالم، فنتمكّن من الوصول إلى الملكوت، الّذي سبقتنا إليه القدِّيسة مورا وغيرها من الشهداء القدِّيسين، آمين.

ملاحظة: دُوِّنت العظة مِن قِبَلِنا بتصرُّف.

تتمة...
7/9/2017 نستذكر أمواتنا الّذين فقدناهم وبكيناهم الأب أنطوان خليل

عظة الأب أنطوان خليل
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
دير مار يوسف - المتين

7/9/2017

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

في ليلة عيد مولد سيّدتنا مريم العذراء، الّتي ترافقنا في حياتنا وبخاصّة في صعوباتنا، وتدّلنا على طريق الآب والابن، نصلّي مع جماعة "أذكرني في ملكوتك"، ونستذكر موتانا في هذا القدّاس الشهريّ لأجل راحة أنفسهم.
إخوتي، اليوم، نلتقي معًا لنصلّي لموتانا، الّذين يفرحون لمشاركتنا إيّاهم لقاءهم الأبديّ مع الله الآب في الذبيحة الإلهيّة، نتذكَّر أيّام وجود موتانا، على هذه الأرض: فنتذكّر أقوالهم وأفعالهم ومحبّتهم لنا، وتضحياتهم من أجلنا، هم الّذين رافقونا منذ صِغَرِنا إلى أيّام صِبانا، فكانوا قربنا على مثال مريم. لقد كانت تلك الأمّ السماويّة، قُدوةً لموتانا، فكرّموها في حياتهم على الأرض، فتعلّموا من تربيتها لابنها يسوع، الاهتمام بنا وتربيتنا.
إخوتي، نحن نصلّي لموتانا لسببين: أوّلهما حاجة موتانا للصّلاة الروحيّة وخاصّة في القدّاس الإلهيّ، الّذي يُشكِّل مكانًا لا فقط للقائنا بالربّ يسوع، إنّما بهم هم أيضًا. أمّا ثانيهما فهو كي نستذكرهم ونتعلّم من فضائلهم وصفاتهم الحسنة التّي تميّزوا بها في حياتهم الأرضيّة، فنجسِّدها في حياتنا اليوميّة، ونقبل منهم الإرث الإيمانيّ الّذي أرادوا مَنْحَنا إيّاه في حياتهم بمثالهم الصّالح أمامنا.

في هذا اللّقاء الشهريّ مع جماعة "أذكرني في ملكوتك"، نصلّي أيضًا من أجل مرضانا، الّذين يُعانون من صعوباتٍ في تحمِّل آلامهم، وقد أصبحت أيّامهم معدودة على هذه الأرض. نصلّي من أجلهم كي يمنحهم الربّ الصبر على آلامهم وأوجاعهم، فيصبروا على مثال يسوع المسيح، ويتمسّكوا بإيمانهم به على الرغم من كثرة الصعوبات الّتي يمرُّون بها، والآلام الّتي يُعانون منها، لأنّ مرضانا، في هذه الأوقات العصيبة، قد يتساءلون عن سبب ابتلائهم بالأمراض دون سواهم، واضطرارهم لتَحَمُّل كلّ تلك المعاناة. كما نصلّي في هذا القدّاس الشهريّ، من أجلنا، نحن الّذين نرافق مرضانا في هذه المرحلة الدقيقة، كي يمنحنا الربّ التعزيّة ونِعمة القبول باقتراب موعد انتقال مرضانا الّذين هم على فراش الموت، من هذه الفانية، فنعيش هذه الأزمة الصعبة بسلام ورجاءٍ عظيمَين، يُعبِّران عن إيمانٍ قوي بالربّ يسوع، فنقبل مصيرهم، أن يُغمِضوا أعينهم عن هذه الفانية ليفتحوها على نور الآب لمعاينة وجهه في الملكوت.

تتمة...
2/7/2017 الحقّ الحقّ أقول لكم:لم أجد مِثلَ هذا الإيمان..." متّى 8: 10 الأب جان مطران

عظة الأب جان مطران
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
في كنيسة القديسة بربارة- زحلة

2/7/2017

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

"الحقّ الحقّ أقول لكم:لم أجد مِثلَ هذا الإيمان، في أحدٍ مِن إسرائيل" (متّى 8: 10)

إخوتي الأحبّاء،
أيّها المؤمنون بالربّ،
في هذه الرعيّة، نحتفل في الأحد الأوَّل من كلِّ شهر بالذبيحة الإلهيّة مع جماعة "أذكرني في ملكوتك"، الرائدة في ذِكر الأموات المؤمنين. وسيكون لهذه الجماعة قريبًا مركزٌ جديدٌ في لبنان، في كسروان وتحديدًا في سهيلة، بفضل جديّة ونشاط المسؤولين في هذه الجماعة. وبيننا اليوم، سيِّدتان تُسجِّلان أسماء أموات الحاضرين معنا اليوم في هذه الذبيحة، لذا فليتوجّه كلّ مَن يرغَب أن يتمّ ذِكر أمواته في هذه الذبيحة الإلهيّة، إلى هاتين السيِّدتين ويُدوِّن أسماءهم.
في الأحد الرابع بعد العنصرة، تضع الكنيسة على مسامعنا إنجيل قائد المئة الّذي كان خادِمَهُ مريضًا. إنّ قائد المئة قد عَلِم أنّ يسوع متواجدٌ في كفرناحوم، وأنّه جاء مِن أجل الإنسان. على الرّغم مِن أنّه كان ضابطًا في الجيش الرومانيّ، فقد كان قائد المئة يتبع المسيح ويُصغي إلى أقواله، ويستنتج منها عُصارةً تُفيده في حياته الروحيّة والإيمانيّة.كان قائد المئة مُعجبًا بأقوال المسيح الّـتي كان يسمعها، ممّا أدّى إلى نشأة الإيمان داخل هذا القائد. ويمكننا اختصار هذا النّص الإنجيليّ بِكَلِمَتَين هما: "قمّة الإيمان"، وهذا الاستنتاج ليس بشريًّا، إنّما إلهيًّا إذ إنّ يسوع نفسه قال في إيمان هذا القائد إنّه لم يجد مِثلَ إيمانه في كافّة مُدن إسرائيل، الّـتي بشَّرها وزارها.

إنّ هذا النّص الإنجيليّ يدفعنا إلى طرح الأسئلة على ذواتنا حول مفهوم الإيمان ومصدره. إنّ الإيمان هو القبول بالمسيح وتعاليمه وحياته، أي القبول بالإنجيل. إنّ قبول الإنسان بالمسيح، يفرض عليه أن يسعى لِأَنْ يعيشه ويُظهره في حياته اليوميّة. لم يكن إيمان قائد المئة إيمانًا وهميًّا بل حقيقيًّا، إذ كان يتبع المسيح ويُصغي إلى أقواله ويحاول أن يُطبِّقها في حياته اليوميّة. أمّا مصدر الإيمان فهو يأتي مِنَ السّماع: إذ إنَّ المؤمِن الّذي لم يسمع بكلمة الله لا يستطيع أن يُؤمِن بها. إذًا، الإيمان يأتي من السّماع، وهذا ما يؤكِّده بولس الرّسول في إحدى رسائله إذ يقول: إنَّ المؤمِنين لا يستطيعون أن يقبلوا كلمة الله إن لم يسمعوا بها، ولن يستطيعوا سماعها إن لم يكن هناك مِن مبشِّرين بها، لذا على كلّ مؤمِنٍ قد سمع بكلمة الله وقَبِل بها أن ينقلها للآخرين مدفوعًا مِنَ الرّوح القدس. إنّ كلّ هذه العناصر الّتي ذكرناها تُساهم في تعميق الإيمان في نفوس المؤمِنين، وثبات كلمة الله في نفوسهم.

بين أيديكم، إخوتي، مطْوِّيتان: الأولى حضَّرها راعي الأبرشيّة وفيها بعض المقالات الّـتي تتمحور حول مفهوم الكنيسة للإيمان ومتطلبّات عيشه في العالم، كما نجد فيها أيضًا حديثًا للأب سيمون جبرايل عن الشهادة والاستشهاد. أمّا الـمَطويّة الثانية، فهي مَطوِّية خاصّة بـجماعة "أذكرني في ملكوتك"، وهي تُشكِّل شهادة حياة هذه الجماعة في عيشها الرّجاء ونجد فيها تجسيدًا للشهادة للمسيح، والاستشهاد في سبيل الإيمان. إنّ هاتين الـمَطوِّيتين في غاية الأهميّة، لذا أتمنّى على جميع الحاضرين أخذهما إلى منازلهم وقراءتهما. في العصور الأولى للمسيحيّة، كان الاضطهاد يُلاحق المؤمِنين بالمسيح، ولم يتردّد هؤلاء في تقديم حياتهم، في سبيل إيمانهم بالمسيح.

إنّ الكنيسة تدعونا اليوم، من خلال هذا الإنجيل، إلى تعميق إيماننا بالربّ يسوع، من خلال تقوية معرفتنا به، فنُدرِك حقيقة الإله الّذي نُؤمِن به. إنَّ غُلام قائد المئة، قد شُفِي عن بُعد: فالمسيح لم يأتِ إلى المنزل لشفائه، كما أنّ قائد المئة لم يُحضِر غُلامه المريض أمام المسيح. إنّ الغُلام قد شُفي نتيجة إيمان قائده، وكلام المسيح للقائد: فالمسيح طلب مِن قائد المئة العودة إلى منزله، لأنّ غُلامَه قد شُفِيَ بفضل إيمانه العظيم. وبالتّالي يستطيع كلّ مؤمِن الحصول على الشِّفاء أو النِّعم الّتي يريدها من الربّ، شرطَ أن يُؤمِن به.

ملاحظة: دُوِّنت العظة مِنْ قِبَلِنا بتصرّف.

تتمة...
12/6/2017 عدم الاهتمام بالأمور الأرضية الأب ريمون جرجورة

تأمّل في إنجيل (مت 6: 31-34)
عظة الأب ريمون جرجورة
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
كنيسة الميلاد الإلهيّ
الحضيرة - بيت الشِّعار

12/6/2017

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.

في زمن العنصرة، حلّ الرّوح القدس على الرسل في العليّة، وإنَّ تَجاوبِهم مع إلهاماته لهم، دفَعَهم إلى الشهادة للمسيح عبر التبشير به في كافة أقطار المسكونة. إنّ الرّسلَ هم قدِّيسون لأنّهم شهدوا للمسيح في العالم كلّه دون خوف. أمّا نحن اليوم، فإنّنا ننال الرّوح القدس في المعموديّة، وإنَّ قبولنا لهذا الرّوح يُقدِّسنا إذ نحصل في المعموديّة على مواهب الرّوح ونِعَم الله لنشهد لله على عظمة حبّه لنا وللبشر أجمعين في العالم بأسره.

إنّ الرسالة والإنجيل اللّذيْن تُليا اليوم على مسامعنا، يؤكِّدان على هذا الأمر. في الرسالة نقرأ أنّ الله لا يبرِّر الإنسان مِن أجل أعمال ٍمحدّدة يقوم بها هذا الأخير، إنّما يبرّر الله الإنسان ليُعبّر له عن مدى حبّه للبشر. فالتبرير إذًا هو مجانيّ، وما أعمالُ الإنسان إلّا جواب على هذا الحبّ الإلهيّ. إذًا، لا يتعلّق تبرير الله للإنسان بنوعيّة العمل أو بحجم العمل الّذي يقوم به هذا الأخير، إنّما يتعلّق بتعبير الإنسان عن حبّه لله مِن خلال هذه الأعمال الصّالحة الّتي يقوم بها، أي أنَّ الإنسان يقوم بأعمال صالحة لأنّه يحبّ الله، ولذا هو يسلك في طريق الصّلاح، طريق القداسة.

أمّا الإنجيل فيدعونا إلى عدم الاهتمام بالمأكل أو بالـمَشرب أو بسائر الأمور الأرضيّة الأخرى. ولكنّ هذا لا يعني أن نسير عراة على الطريق، كما أنّه لا يعني أبدًا أن نسمح هموم الدّنيا الفانية بتآكُلِنا مِنَ الدّاخل. يُخبرون عن رجلٍ اتصل بصديقه لدعوته إلى تمضية بعض الوقت معًا عَبْرَ "لُعبِ الطاولة"، غير أنّ صديقه كان يعتذر في كلّ مرّة بحجّة انشغاله في العمل. فاتصّل هذا الرّجل في اليوم التّالي بهذا الصديق، وسأله أن يأتي إليه سريعًا لأنّه مريض ويحتاج إلى مستشفى. فجاء هذا الصديق لنقل صديقه المريض إلى المستشفى، وكان الرّجل المريض يدلّ صديقه على الطريق المؤدية إلى المستشفى، غير أنّ هذا الطريق كان يؤدي إلى المدافن لا إلى المستشفى. حينما وصلا إلى المدافن، طلب الرّجل المريض مِن صديقه النُّزول من السيارة والتأمُّل بالراقدين، ثمّ قال له إنّ أحدًا مِن هؤلاء الراقدين لم يُنهِ عمَلَه قبل مغادرته لهذه الفانية.

تتمة...
25/5/2017 "لأنّ لي الحياة هي المسيح والموت هو ربح" (في 21:1) الأب نايف الزيناتي
https://youtu.be/u1s9a-GWIH8

عظة الخوري نايف الزيناتي
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
الذكرى التاسعة لانطلاقة جماعة "أذكرني في ملكوتك"
في كنيسة مار يوسف - المطيلب

25/5/2017

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

ها نحن نجتمع اليوم، في هذه الذبيحة الإلهيّة، لنتشارك الصّلاة مع جماعة "اُذكرني في ملكوتك"، الّتي تحتفل بذكرى انطلاقتها التاسعة في هذه الرعيّة.
في الرسالة الّتي تُلِيتَ على مسامِعنا، يُخبرنا بولس أنّه يُفضِّل الموت على الحياة. أمّا الـلّافِت في هذه الرسالة إلى أهل فيلبيّ فهو أنّ بولس قد وَضَع هدفًا لموته لا لحياته. ثمّ يشرح لنا بولس سَبَبَ اختياره التفضيليّ للموت، فيقول لنا إنّ الموتَ سيُحقِّق له رغبته في لقاء الربّ يسوع المسيح، أمّا إذا كان لا بُدّ له مِن الحياة، فهو سيُكرِّسها لخدمة الربّ مِن خلال التبشير به، كي تصِل كلمة الله إلى الآخرين.

إنّ جماعة "اُذكرني في ملكوتك" في هذه الرعيّة، دفَعت بالنّاس مِن جديد إلى التفكير في الموت مع المسيح، لا الموت الّذي يؤول إلى الفناء، كما دَفعتهم أيضًا إلى التفكير في الحياة مع المسيح، لأنّ الحياة والموت متلازمان. إذًا، ليكن كلامُنا منذ الآن، متمحوِرًا حول الحياة لا حول الموت، وليسعَ كلٌّ منّا إلى معرفة هدفِه مِن هذه الحياة، ليتمكّن مِن إعطاء حياته معنىً، فينظر إلى الحياة نظرةً إيجابيّة. فإن كان المؤمِن يخاف الموت، واكتشف من خلال إيمانه بأنّ الموت سيقوده إلى لقاء الربّ وجهًا لوجه، فإنّه عندها سينضمّ إلى بولس الرّسول ويقول معه: إنّ الموت هو رِبحٌ له.

إنّ الإنسان ينظر إلى الموت على أنّه خسارةٌ كبرى تُصيبُه، غير أنّ المؤمِن يكتشف مِن خلال إيمانه، أنّ الموت هو لقاء مع الربّ. وبالتّالي على المؤمِن أن يَطرح السؤالَ على ذاته، فيُدرك ما عليه القيام به في هذه الحياة، كي يتمكّن من أن يُحوِّل موتَه إلى حياة مع الربّ يسوع، فيكون موته رِبحًا له. إنّ الإنسان يعيش حياته خائفًا مِن الموت، لأنّه لا يعلم مصيره ما بعد الموت. إنّ هذا المصير سيبقى مجهولاً عند غير المؤمِنين، أمّا عند المؤمِنين فهو معلومٌ، لأنّ المؤمِن يُدرِك أنّ موتَه ما هو إلّا عبورٌ للقاء الربّ يسوع المسيح، ويحيا معه حياةً أبديّة.

فلنجدِّد إخوتي إيماننا بالربّ ولنُصلِّ إليه قائلين: يا ربّ، إنّ حياتنا هي نعمةٌ لنا، وهِبَةٌ منك. وإنّنا نضمّ صلاتنا إلى صلاة أيّوب الصدِّيق، فنقول لكَ: إنّك أنت يا ربّ أعطيتنا الحياة وهي مِلكُك، وإن أخذتها منّا، فنحن لسنا خائفين مِن الموت، لأنّ الموت سيكون ربحًا لنا، إذ في قلبنا ملءُ الثِّقة أنَّ نصيبَنا بعد الموت، سيكون حياةً أبديّةً لا تنتهي مع الربّ يسوع. ولنسأل الربّ إخوتي، أن يمنحَنا روحه القدُّوس، كي يزيد تمسُّكنا بالربّ يسوع، فلا نتركه أبدًا، لأنّه هو الحياة، وهو الحياة بعد الموت. له المجد إلى الأبد. آمين.
ملاحظة: دُوِّنت العظة مِنْ قِبَلِنا بتصرّف.

تتمة...
4/5/2017 ايماننا يرتكز على كلمة الله الأب يوحنا داوود

عظة الخوري يوحنا داوود
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
كنيسة سيّدة العناية- البوشريّة

4/5/2017

"المسيح قام من بين الأموات، ووطئ الموت بالموت ووهب الحياة للّذين في القبور"

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.

إنّ الإنسان هو الكائن الوحيد الّذي خاطبه الله بالكلمة، فالله لم يخاطب لا الحيوانات ولا الطبيعة بالكلمة، إنّما فقط خاطب الإنسان بها. وإذا حذَفْنا الكلمة، لا يعود الإنسان إنسانًا، لأنّ الإنسانَ مجبولٌ بكلّ كيانه، ليكون مشدودًا صوب الكلمة. يجهد الأهل على تربية أولادهم بواسطة الكلمة، ولكن إذا اضطروا إلى اللّجوء إلى أساليب العُنف، يُسرِعون في الشرح لأبنائهم أنّ تلك الوسائل لا تُستَعمل مع الإنسان، لأنّ الإنسان يتربّى بالكلمة وينشأ عليها وينمو بها.

إنّ إيماننا يرتكز على كلمة الله، يسوع المسيح، تلك الكلمة الّتي لم تَشأ أن تبقى بعيدة عن الإنسان، بل تجسّدت وسكنَت بين البشر حين وَجَدت أنّ الإنسان بدأ يبتعد شيئًا فشَيئًا عن الهدف الّذي خُلِق لأجله، فيُوحنّا الرسول يبتدئ رسالته الأولى بالقول: "ذاك الّذي سمعناه، ذاك الّذي رأيناه بِعَينيَنا، ذاك الّذي تأمَّلناه، ولمسته يَدانا...نبشّركم به أنتم أيضًا" (1 يو1/1و 3). إذًا، إنّ كلمة الله قد اقتربت من الإنسان وسكنَتْ فيه، كي يبقى الإنسان إنسانًا.

وفي حياتنا البشريّة، الكلمة نوعان: الأولى تُميت، أمّا الثانية فتُحيي، لأنّها "الكلمة"، يسوع المسيح. وهذا ما سمعناه في الإنجيل الّذي تُلي على مسامِعنا اليوم، إذ يقول إنّ كلَّ مَن يرى ويُؤمِن بابن الله الكلمة، فَلَهُ الحياة الأبديّة. إذًا، إنّ كلمة الله تُحيِي الإنسان، وهذا ما يقوله المسيح يسوع ربُّنا إنَّ مشيئة الله الآب الّذي أرسَلَه هي حياة الإنسان. لقد كان يسوع المسيح في حالة من الطاعة التامّة لمشيئة الله الآب وإرادته وتدبيره. وعلى المؤمن أن يُقرِّر، فيختار إمّا الخضوع لله الآب بكامل إرادته وحريّته، يُطيع كلمته ويعمل بها فيَنال الحياة الأبديّة، وإمّا الخضوع لكلمة "الكذَّاب وأبو الكذّابين"، فيحصد الموت. إنّ كلمة الله تَمنَح الحياة لكلّ مَن يؤمن بها، فالمسيح يقول: "مَن آمَن بي، وإن مات فسيحيا" (يو 25:11).

في هذا الزّمن الفِصحيّ المبارك، وفي الخميس الأوَّل مِن الشهر، نحتفل بالذبيحة الإلهيّة، وَنذكُر فيها مع "جماعة أذكرني في ملكوتك"، كلّ الّذين رَقدوا في المسيح. وفي هذا الزّمن الفِصحيّ، وَدَّعْنا أحد أعضاء جماعة "أذكرني في ملكوتك" الشباب، ميكال. إنّه شابٌ قد أحبّ المسيح، وقرّر أن يحيا حياته طائعًا لكلمته، وقد أدرَك ميكال أنّ المرض الّذي فَتَك فيه لم يكن للموت، إنّما لمجد الله. لقد اختبر هذا الشّاب الأبوّة من خلال أبوَّته لطِفلين مُطيعين لكلمة أبيهما، مّما أدّى إلى اكتشَافه مِن خلال تلك الأبوّة، أُبوّة الله له. لقد عرفَ ميكال أنّ لا شيء سوى كلمة الله، يسوع المسيح، قادرة على مَنحِه الحياة الأبديّة، لذلك عَشِق كلمة الله، وعاش حياته في اتّحادٍ مع تلك الكلمة المتجسِّدة في الافخارستّيا. تناول قَبل رحيله القربان المقدَّس، فرحلَ عن هذه الفانية مُطمئِّن البال وبسلام داخليّ لا يُوصَف.
إخوتي، إنّنا نصلّي في الخميس الأوَّل مِن كلّ شهر مع جماعة "أذكرني في ملكوتك"، من أجل إخوتنا الراقدين، وصلاتنا هذه ليست عن عَبَثٍ، إنّما تنبع مِن إيماننا بالمسيح القائم، إذ لا موت في الربّ، وبالتّالي لا أموات في الربّ، لأنَّ إِلَـهَنا هو إله أحياء لا إله أموات. إنّنا نتشارَك في هذه الذبيحة الإلهيّة لِنُعبِّر عن نُكرانِنا للموت، إذ إنّنا لا نعترِف به حتّى في قانون الإيمان، إذ نقول فيه: "تألَّم وقُبِر وقام"، مِن دونَ أن نذكر كلمة "ماتَ"، لأنّ الإنسان المؤمن لا يموت، بل يتَّحِد بالربّ ويلتَصِق به. فكم أتمنّى أن يتمكّن كلّ مؤمن مِن الصُّراخ لله كما صرخَ لصّ اليمين "أذكرني يا سيّد في ملكوتك". إنّ لِصّ اليمين تمكّنَ مِن استغلالِ الفُرصة الأخيرة الّتي أُعطِيَت له، إذ طلب مِن المسيح أن يَذكُره في ملكوته، حين كان مُعلَّقًا إلى جواره على الصّليب. إنّنا نرتِّل في الذبيحة الإلهيّة، حين يحين موعد التقرُّب من القربان المقدَّس للمناولة: "أذكرني في ملكوتك". إنّ صلاتنا من أجل الراقدين، تشكِّل فرصةً، ونحن في حالة انتظار كي يحين دورنا للقاء الربّ والاتّحاد به، كي يُجدِّد كلّ منّا إيمانه بالربّ القائم، الّذي سيُقيمنا معه، إذ إنّ المسيح قد غلب الموت بقيامته، ليغلب كلّ موتٍ فينا، فيُقيمنا معه ويَمنحُنا الحياة الأبديّة. إنّ الإنسان لا ينال الحياة الأبديّة والانتصار على الموت، إلّا متى تبنّى كلمة الله في حياته، واتّحد بها مِن خلال الإنجيل والوَعظ والإرشاد، والاشتراك في الأسرار المقدَّسة وبخاصّة في سرّ الافخارستّيا. إنَّ الافخارستّيا تَمنَحُنا الاتّحاد الكامل بكلمة الله حين نتناول القربان المقدَّس، فالمناولة تجعل منّا أبناءً حقيقيين لله الآب، ولذا نحن نرتِّل في هذا الزّمن الفِصحيّ "أنتم الّذين في المسيح اعتمدتم، المسيح لبستم". فطوبى للإنسان الّذي يعيش في هذا الاتّحاد لابسًا المسيح.

نذكر اليوم، في هذه الذبيحة الإلهيّة، جميع الراقدين وبشكلٍ خاصّ، ميكال، الّذي رَقَد بالربّ، فنقول له: "طوبى لك لأنّك لبِسْتَ المسيح ولم تخلَعه، فَما إن عَبَرْتَ الموت، حتّى كنتَ قائمًا في المسيح". إنّ هذا الكلام يُعبِّر عن إيماننا، فإنْ تخليّنا عن هذا الإيمان أو رفضناه، أصبحنا أشقى النّاس، كما يقول الرّسول بولس. لذا على هذا الرّجاء، في هذا القدّاس المبارك، نحمل في صلواتنا كلّ الراقدين ونرفعهم أمام الله الآب، فَهُم شفعاء لنا في المسيح يسوع، أوّل القائمين مِن بين الأموات، والّذي سيُقيمنا معه، لمجد الله الآب والابن والرّوح القدس. آمين.
ملاحظة: دُوِّنت العظة مِن قِبَلِنا بتصرُّف.

تتمة...
23/2/2017 كنْتُ جائعًا فأطعمتموني الأب مخايل عوض

عظة الأب ميخائيل عَوض
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
كنيسة مار الياس- عين الصفصاف

23/2/2017

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

إخوتي الأحبّة،
المجد لله، دائمًا لله.
في هذا الأسبوع، أسبوع الموتى المؤمنين، يتلو الرّهبان ثلاثيّة للموتى المؤمنين، إضافةً إلى صلاة النّياحة. وقد شاءت العناية الإلهيّة أن يكون هذا الخميس من أسبوع الموتى، الخميس الأخير من الشَّهر، الّذي نحتفل به كالعادة مع جماعة "أذكرني في ملكوتك"، بالذبيحة الإلهيّة من أجل أمواتنا المؤمنين.

في هذا الإنجيل الّذي تُلِيَ على مسامعنا، يتكلّم يسوع عن أعمال الرّحمة الّتي على المؤمن القيام بها تجاه إخوته البشر. في الأحد الماضي، تُليَ على مسامعنا، النّصّ الإنجيليّ التّالي:"كنْتُ جائعًا فأطعمتموني،كنْتُ عطشانًا فسقيتموني، كنْتُ غريبًا فآويتموني، وعريانًا فكسوتموني، ومريضًا فعدتموني، وسجينًا فجئتم إليَّ." (متّى 25/ 31-46). حين حُشِدَت جميع الأمم أمامه في اليوم الأخير، سألهم الربّ عن أعمال الرّحمة الّـتي صنعوها في الأرض مع إخوته البشر. فكافأ الربّ كلّ مَن أحسَنَ الصَّنيع قائلاً: "تعالوا إليّ يا مباركي أبي، رِثوا الملكوت المعدّ لكم من قَبلِ إنشاء العالم"، وأَبعَدَ عنه كلّ الّذين لم يُحسنوا الرَّحمة إلى إخوته الصِّغار، قائلاً لهم: "اذهبوا عنّي أيّها الملاعين، إلى النّار الأبديّة المعدَّة لإبليس ولملائكته". وحين اعترض الّذين تلكَّؤوا عن صُنع الرّحمة على تلك العقوبة كونهم لم يروه في العالم، أجابهم الربّ قائلاً إنّ كلّ ما فعلوه لإخوته الصِّغار، فله قد فعلوه؛ وما لم يفعلوه لهم، فله لم يفعلوه. إنّ جُهنَّم هي العيش مع الشيطان، أمّا السّماء فهي العيش مع الله. يقسم يسوع البشريّة إلى قسمين: أوّلاً الخراف ويضعها إلى يمنيه، والجداء ويضعها عن يساره.

إنّ الإنجيل الّذي تُلِيَ على مسامِعنا اليوم، يُشكِّل تكملةً لإنجيل يوم الأحد: فالربّ يطلب منّا الانتباه إلى كيفيّة قيامنا بالصَّدقة تجاه الآخرين. على صدقَتِنا أن تتمّ في الخفاء لا في العلن، لأنّه عند هُتافِنا بالبوق للإعلان عن أعمال الصَّدقة الّـتي نقوم بها، سنحصل على مكافأتنا من النّاس، وبالتّالي فلن نحصل على أَجرِنا من الله، ولكن إن قُمنا بذلك في الخفاء، فَمُكافأتنا ستكون مِن عند الربّ. إنّ الربّ يسوع يوجّه كلامه إلينا شخصيًّا وبطريقة مباشرة، إذ يستعمل ضمير المخاطب:"أنتَ"، قائلاً: "إذا صنعْتَ صدَقَةً فلا تعلم يسارك ما فعلت يمينك". إنّ الربّ يسوع لم يَسْعَ يومًا في أعماله مع البشر إلى نَيْلِ المجد الأرضيّ بل إلى تحقيق مجد الله.كذلك، نحن المؤمنين بالمسيح، علينا الاقتداء به، والسَّعي في أعمال الصَّدقة الَّتي نقوم بها، لا إلى المجد الأرضيّ الزائل، إنّما إلى مجد الله، وخير الإنسان الآخر. إنّ السَّعي إلى مجد الله هو أمرٌ في غاية الصَّعوبة والدّليل على ذلك هو تصرّفات بعض المتبرِّعين للكنيسة، إذ يطلب البعض منهم حفر أسمائهم على ما يُقدِّمونه مِن تجهيزاتٍ ومَعدَّات للكنيسة. عندما يقوم الإنسان بأيّ عطاءٍ أو تبرُّع للكنيسة، عليه أن يتذكّر فَيضَ نِعَم الربّ عليه، فلا يتباهى بما يقدِّمه للكنيسة، لأنّ ما لديه هو مِن خير الله عليه؛ وبالتّالي، عِوَض أن يحفر اسمه على ما يقدِّمه ليُخبِر الجميع بما قام به، فليحفر طِلبةً أو تضرّعًا لله، على سبيل المثال: "أذكُر يا ربّ جميع محبّيك". إنّ قيام الإنسان بعملِ صدَقَةٍ أو رحمةٍ مع الآخرين في العلن، يهدف إلى إظهار الإنسان ذاتَه وبَحثَه عن المجد الأرضيّ والحصول على المديح والتصفيق من الآخرين، وبالتّالي لا يكون الإنسان قد كَنَزَ له كنوزًا في السّماء إنّما في الأرض فقط، وهي لن تنفعه في الملكوت السماويّ. إنّ عمل الصَّدَقة يُشكِّل إحدى الوسائل الّتي يلجأ إليها المؤمن ليعبّر عن حبّه لله من خلال الآخرين.

في هذا الإنجيل، يدعونا الربّ يسوع أيضًا لكي تكون صلاتنا في الخفاء، إذ علينا الدّخول إلى مخادِعنا للصّلاة إلى الله الآب، بحسب قوله لنا. إنّ الدّخول إلى الـمَخادِع يُشير إلى داخل الإنسان: إلى أفكاره، إلى أعماقه، إلى قلبه. إنّ الربّ لم يقصِد بالدّخول إلى المخادِع، عدم اجتماع المؤمنين للصّلاة معًا في داخل الكنيسة، إنّما قصَد بكلامه هذا دخول الإنسان إلى أعماق كيانه في أثناء الصّلاة، فالربّ الّذي يسكن في أعماق الإنسان، أي في الخِفيَة، هو سيجازيه على صلاته علانيةً. إنّ الصّلاة لا تكون بكثرة الكلام، لذا يدعونا الربّ إلى عدم الإكثار من الكلام في أثناء الصّلاة، كما يفعل الوثنيّون، فدعوة الربّ لنا هي إلى كثرة الصّلاة لا إلى كثرة الكلام. إنّ بعض المؤمِنين عند سماعِهم كلام الربّ هذا، يتوقّفون عن تلاوة الورديّة إذ يعتبرونها أنّها كثرةُ كلامٍ، وهذا أمرٌ خاطئٌ تمامًا. إنّ جذور كلمة صلاة هي صِلَة، وبالتّالي فإنّ الصّلاة هي الصِلة التّي تجمع الإنسان بربّه: فالله قد تنازل عن عرشه السماويّ، وانحنى على البشر ليتمكّن مِن التواصل معهم مِن خلال كلمتِه الإلهيّة. إنّ الصّلاة هي أوّلاً اتِّصال الله بنا، ومن ثمّ اتِّصالُنا به:

تتمة...
17/2/2017 التسلَّح بإيماننا لاجتياز كلِّ ألمٍ وحزنٍ الأب فرنسيس جرماني

كلمة شُكرٍ من الأب فرنسيس جرماني
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
الذكرى الرابعة لانطلاقة جماعة "أذكرني في ملكوتك"
في كنيسة مار مارون، الانطونية - الحدث

17/2/2017

الله معكم،
قدَّاسٌ مقبولٌ ومباركٌ للجميع،
بدايةً، نشكرُ الله الّذي يجمعُنا نحن البشر، ويدعونا للتَّناول مِن ذبيحة الحبّ، إذ تجعلنا نسْتَشِفُّ منها قوّةً، وتجعلنا أصحاب قضيَّة هي: أن نكون علامةَ تَعزيةٍ للآخرين في مجتمعنا.
إخوتي، إسمحو لي أن أشكر باسمي وباسم جميع الحاضرين، المونسنيور رافايل طرابلسي الّذي يُشرِّف رعيّتنا للمرّة الأولى بزيارته المبارِكة تعبيرًا عن مدى محبّته لرّعيتنا. إنّ المونسنيور رافايل هو النائب العام لأبرشيّة الكلدان في بيروت، قاضٍ في المحكمة الروحيّة، ومقرّه الأساسيّ هو في مطرانيّة الكِلدان في الحازمية، أي في منطقةٍ مجاورةٍ لنا، لذا يمكن لكلِّ من يرغب من بيننا الاسترشاد أو طلب النّصيحة ألّا يتردّد في ذلك، فالمونسنيور عبّر عن استعداده لتقديم المعونة لكلّ مؤمنٍ.كما نشكره على تقديمه لنا هذه القراءة المعمَّقة لكلمة الله، الّتي أدخلتنا في أجواء الرّجاء والقيامة مع الربّ يسوع، وقَوَّت إيماننا، نحن أبناء الرّجاء، فازدَدْنا تمَسُّكًا بشعار القيامة والانبعاث مع المسيح، على الرّغم من كلّ الصُّعوبات الّتي تواجهنا في هذه الحياة. من هنا، فإنّ كلمة الله الّتي نتأمّل بها، ونسمعها من الآباء الّذين يشكِّلون "صوت الله في قلب هذا العالم"، تولِّد في قلوبنا وفكرِنا وحياتنا تعزيةً كُبرى.
ونشكر أيضًا مع المونسنيور رفايل طرابلسي، كلّ الآباء الحاضرين: الأب شربل بو عبّود الأنطونيّ، والأب جوزف رفوّل الّذي أظهر رغبةً لمعاونة الأب طوني عيد في الاستماع إلى اعترافات المؤمنين،كما أنّه لا يسعنا إلّا أن نشكر سيِّدةً وأُمًّا روحيّةً مُناضِلة، هي السيِّدة جانيت الهبر، الّتي حملت الهَمّ الرّسولي، حين حَمَلَتْ في صلاتها، كلّ شخصٍ قد انتقل من هذه الحياة إلى الحياة الأخرى، ودفعتنا بالتّالي إلى الاحتذاء بها، فحمَلناهم بِدَورِنا في صلواتنا وقداديسنا اليوميّة. استطاعت هذه السيِّدة، بإرادة الله وقوَّته، وبمساندة بعض المؤمنين مِن حولِها، أن تُؤسِّس جماعةً، فوُلِدَت من قلب الوَجَع، والأَلم والموت، جماعة "أذكرني في ملكوتك". تمكّنت هذه الجماعة مِن الشَّهادة أمام القلوب الموجوعة والحزينة بأنّ المسيح لا يزال موجودًا، والتذكير بقول المسيح للمؤمنين إنّ مَن آمن به، فلن يموت أبدًا. لقد اتَّخذ قدِّيسون كُثُرٌ كلامَ يسوعَ شعارًا لهم، فاعتبروا أنّ هذه الحياة فانية وزائلة، وأنّ الموت هو مجرَّد انتقال وعبور من هذه الحياة إلى الحياة الأخرى، ففسَّروا الموت قائلين إنّه كما ينتقل الإنسان من مكانٍ إلى آخر في هذا العالم،كذلك ينتقل الإنسان من هذا العالم الماديّ الزائل إلى عالم الحياة، ويَعبُر مِن الظلمة إلى النور الأبديّ.
نريد إذًا، أن نشكر السيِّدة جانيت الهبر على تحمُّلها لهذه المسؤوليّة، كما نودّ أن نشكر معها كلّ المؤمنين الّذين يُقدِّمون لها الدّعم والمساندة في نشر هذه الرسالة. كما نشكر كلّ جماعات "أذكرني في ملكوتك"، ابتداءً من الجماعة الموجودة في رعيّتنا، ومن ثمّ الجماعات الموجودة في المدن المجاورة لنا، كما نشكر كافة الجماعات الموجودة على الأراضي اللبنانيّة وفي بلاد الانتشار أيضًا. إنّ هذه الجماعات تمجِّد الربّ بحضورها، وتشهد أنّ المسيح قام، حقًّا قام من بين الأموات، وأنّها شاهدةٌ على ذلك، من خلال أعضائها.
إخوتي، لا بدّ لنا أن نشكر في الختام، الجوقة الّتي خدمت هذا القدّاس، بكلّ عطاءٍ منها، استجابةً لطلبنا في أن تشاركنا في هذا الاحتفال، كما فَعلَت أيضًا في قدّاس مار مارون. كما نشكر أبناء هذه الرعيّة، الحاضرين والغائبين، طالبين من الله أن نلتقي بهم لا في الأحزان وحسب، بل في الأفراح أيضًا. وإن التقينا في الأحزان، نتسلَّح بإيماننا المسيحيّ لاجتياز كلِّ ألمٍ وحزنٍ بفرح القيامة. والآن، سنشاهد فيلمًا وثائقيًّا قصيرًا يُلخِّص رسالة "أذكرني في ملكوتك".

ملاحظة: دُوِّنت الكلمة مِن قِبَلِنا بتصرُّف.

تتمة...
17/2/2017 زمن الصوم الكبير هو ربيع النفوس المونسنيور راقايل طرابلسي
https://youtu.be/_7KcFenlRl0

عظة المونسنيور رافايل طرابلسي الساميّ الاحترام
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
الذكرى الرابعة لانطلاقة جماعة "أذكرني في ملكوتك"
كنيسة مار مارون- الحدث

17/2/2017

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

قُدس الأب فرنسيس جرماني المحترم، خادم الرعيّة،
قدس الأب الرئيس شربل بو عبود المحترم، والصَّديق العزيز،
قدس الأب طوني عيد، قدس الخوري جوزف رفول المحترم،
حضرة السيِّدة جانيت الهبر ومعاونيها في هذه الرسالة الشريفة،
أيّها الإخوة والأخوات المباركون،

زمنُ الصّوم الأربعينيّ الكبير، الّذي يدعوه الآباء القدِّيسون المتوشِّحون بالله ربيعَ النّفوس، إنّما هو رَوضةٌ غنّاء نجني منها ثمار الفضائل، ونموت فيها عن ملَّذات الحياة وإنسانِنا العتيق الترابيّ، لنحيا حياةً جديدةً، نافِضين عنّا سُبات الخطيئة والتّهاون.

ومِن منافِع الشَّوط الصّياميّ المبارك، أيّها الإخوة، أنّه يُنعِش في أفئِدتنا ذِكرَ الموت، ليوقظَ فينا التأهُّب الدائمَ لاستقبال خَتنِ النُّفوس، وعروسِ البرايا، يأتي في ميعادٍ لا نخالُه البَتة، ليُجريَ الـحُـكمَ العادل الّذي تستوجِبُه أعمالُنا. وقد أشار إلينا آباؤنا الأبرار بضرورة استِذكار المنايا، وتجنيدِ القِوى لملاقاة الدّينونة الرهيبة بضمائر نقيّةٍ، وقد وَضَعوا في سبيل ذلك الأسفارَ النفيسة كمِثِل كتاب "الاستعداد للموت" للقدِّيس ألفونس دي ليغوري، وميامرِ التعزية الّـتي خلَّفها لنا في غير مكانٍ لؤلؤةُ بلاد الشَّام، قدِّيسُنا الـمُلهَمُ، يوحنّا الدِّمَشقيّ.
ولـمّا كان الصَّوم الأربعينيُّ الكبيرُ تهيئةً لحدثِ استذكارِ وتأوينِ موتِ المخلِّص وقيامتِه الثُّلاثيّةِ الأيّام، فقد حصَل الموتُ الممقوتُ قديمًا، على ما يَرى الدِّمشقيّ، مُحاطًا بالتَّسابيح، ومُعلنًا سعيدًا، إذ إنَّ نهاية حياةِ عبادِ اللهِ الأرضيّة والحَسَنةِ الإرضاءِ لديهِ، تَضمَنُ لهم قَبولَهم في فردوسِ النَّعيم، حيث يتلألأون كنجومِ الثُريّا في رِياض الخُلد وفردوسِ الغِبطة العادمةِ الذبولِ والفناءِ.

وأمّا القدِّيسُ يوحنّا الذهبيّ الفمّ، فيُذكِّرنا في عظةٍ صياميةٍ تَحدَّثَ فيها عن يومِ الدينونةِ الـمُخيف، أنّه وَجُبَ علينا أن نتذكَّر حسنًا أنَّ الّذينَ فعلوا الصّالحات يُطوَّبون - دون سواهم - ليُقوموا إلى الحياة الأبديّة، ويرِثوا الـمُلكَ الـمُعدَّ لهم منذ إنشاء العالم. ويُضيف قائلاً: "لا نُضيعنَّ وقتَ الإصلاح، ولنُثبِتّ نفوسَنا بالأعمال الصّالحة والإحسان... ولنُزيِّن أنفسَنا بالعفاف، ولنتمسَّك بالجوهرة الفائقة الثمن، ألا وهي وديعةُ الإيمان، ولنُرضِ الديّانَ القائل بلسان النبيّ حزقيال: "إنّي لا أُسَرُّ بموت الخاطئ بل إرجِعوا واحيَوا" (حزقيال 18: 32). إنَّ الله - يقول الذهبيّ الفمّ- حين هدَّد أهل نينوى، رحِمَهم، وحين سكتَ عن أهل سادوم، أهلَكَهم.... إنّه يُريد إلغاءَ الجحيم وإقفالَ دياجير الظلمة، موزِّعًا على هامات أحبّائه أكِلّة المجد والظفر، قائلاً لهم: "تَعالوا يا مُباركي أبي، رِثوا الـمُلكَ الـمُعدَّ لكم منذ إنشاءِ العالم". (متّى 25: 34).

تتمة...
14/2/2017 لنتسلّح إخوتي، بالرّجاء الّذي لا يخيب الأب عبود عبود الكرملي
https://youtu.be/52Ysi8q79HI

عظة الأب عبود عبّود الكرملي
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
دار المسيح الملك- زوق مصبح

14/2/2017

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

خوتي وأخواتي،

في كلّ شهر، نجتمع مع جماعة "أذكرني في ملكوتك"، لنستذكر أمواتنا، ونصلّي لأجل راحة نفوسهم، فالموت لا يستطيع أن يقطع علاقتنا بأحبّائنا المنتقلين، إذ إنّ علاقتنا بهم تبقى مستمرّة من خلال الصّلاة والذبيحة الإلهيّة.
في أسبوع الكهنة الأبرار، أي في الأسبوع الماضي، صلّينا مع الكنيسة جمعاء من أجل الكهنة الّذين انتقلوا من بيننا، وقد هيّئوا لنا الطريق في حياتهم الأرضيّة، فنقلوا إلينا إرث الإيمان، وقدّموا التضحيّات في سبيل ذلك.كما صّلينا أيضًا من أجل الكهنة الّذين لا يزالون أحياء في هذه الفانية، كي تكون مسيرتهم مقدَّسة، وينقلوا إلينا الإيمان الصّحيح، ويقدِّموا لنا أسرار الكنيسة كالمعموديّة والتوبة والافخارستيّا، فنتمكّن من متابعة مسيرتنا الروحيّة صوب الربّ.
وفي هذا الأسبوع، أسبوع الأبرار والصِّديقين، نذكر كلّ موتانا الّذين عاشوا وِفقَ تعاليم المسيح فكانوا "نور العالم" و"ملح الأرض" في حياتهم الأرضيّة. إنَّ موتانا غابوا عنّا في الحضور فحسب، أي أنّه لم يعد بإمكاننا رؤيتهم إلّا من خلال عيون الإيمان. إنّنا نصلّي باستمرار لأمواتنا، الّذين يُصلّون بِدَورهم لنا، فشراكة الصّلاة تجمعنا بِمَن غادروا هذه الأرض. إنّ عبارة "الأبرار والصِّديقين" لا تقتصر فقط على الموتى المؤمنين، بل هي تنطبق على كلّ الّذين يعيشون تعاليم يسوع المسيح في حياتهم، وبعضهم مَن لا يزال على قيد الحياة، لذا فإنّ صلاتنا لبعضنا البعض، نحن الأحياء، مُهمّة، لأنّها تُساعدنا على الاستمرار في الشَّهادة ليسوع في حياتنا اليوميّة كما تقود في بعض الأحيان إلى الاستشهاد الدمويّ.

أمّا في الأسبوع المقبل، أسبوع الموتى المؤمنين، فسنصلّي لجميع موتانا: سنصلِّي للّذين كانوا في حياتهم الأرضيّة في مَعيّة الله، ونحن نذكرهم باستمرار في قدّاساتنا وصلواتنا، كما سنصلّي لجميع الموتى الّذين كانوا بعيدين عنه، كي يتمكّنوا من اكتشاف رحمة الله لهم في الحياة الأبديّة. إنّ صلاتنا اليوم تنبع من هذا الإيمان بالربّ يسوع الّذي يمنحنا الرّجاء بقيامة الأموات، لذا صلاتنا تُعطينا دفعًا وعزمًا للسير قُدُمًا في هذه الحياة وكلّنا رجاء أنّنا سنلتقي عند انتقالنا من هذه الحياة، بأحبّائنا الموتى الأبرار والصِّديقين، وسنسبِّح معهم الله ونمجِّده.
في إنجيل اليوم الّذي تُلِيَ على مسامعنا، يقول يسوع في المؤمنين به إنّهم ملح الأرض. إنّ الملح هو مِن المواد الأساسيّة المستعملة في تحضير الطّعام، وهو متوافرٌ بسهولة في السّوق، لذا نجد أنّ ثمنه متواضعٌ جدًّا. يُوضع المِلح في الطّعام بكميّة قليلة فيُعطيه نكهةً وجودةً، إذ بِدُونه لا يكون للطّعام مذاقٌ طيّبٌ. إنّ المؤمن الّذي يسير وِفقَ تعاليم المسيح ويعيش وِفقَ أسرار الكنيسة يُشبِه الملح في الطّعام، إذ يكون في نظر أبناء هذا العالم متواضع الثّمن ولا قيمة له، أمّا في عيني الله فهو أغلى المخلوقات وأثمنها. إنّ المؤمن الّذي يعيش وِفق تعاليم الإنجيل ويتزوّد باستمرار بأسرار الكنيسة يُدرك أنّ حياته في هذه الأرض ستمنحه السّعادة على هذه الأرض وكذلك في السّماء،كما يُدرِك أنّ الطريق الّتي يسير فيها ستُوصله إلى الحياة الثانية، أي إلى الملكوت. على الإنسان المؤمن أن يكون كالملح في هذا العالم: فكما أنّ الملح يذوب في الطّعام ليُعطيه مذاقًا طيّبًا، كذلك على المؤمنين أن يذوبوا في هذا العالم فيدفعوه إلى تغيير مساره. إنّ المؤمنين بالمسيح، على الرّغم من قلَّتِهم العدديّة، يستطيعون بشهادتهم الصّالحة للمسيح، زرع الرغبة في قلوب الآخرين للتعرّف إلى المسيح ومحبّته. إنّ كلّ مؤمنٍ مدّعو للشّهادة للمسيح في قلب مجتمعه: في منزله، في مدرسته، في جامعته، في مكان عمله، وفي محيطه، وذلك من خلال أعماله وتصرّفاته، أقواله وحتّى في صمته. ليس الصّمت إخوتي، دليل ضعفٍ وانهزامٍ على الدّوام، بل قد يكون الصّمت دليل قوّةٍ وتعبيرٍ عن محبّتنا للمسيح: فمريم العذراء أمّنا، اتَّسمت حياتها بالصّمت، إذ كانت تتأمّل كلّ الأحداث في قلبها بصمت، وتوجَّعت بصمت أيضًا عندما وقفت عند أقدام صليب ابنها. إنّ حياة المؤمنين تفتقد إلى الصّمت، ذلك الصّمت الروحيّ، الّذي يدفعهم إلى إسكات كلّ ضجيج العالم ليتفرّغوا لسماع صوت الربّ في داخلهم، فيُدركوا مشيئته عليهم ويُحقِقوها. إنّ الصّمت ضروريّ في حياة المؤمنين، وبخاصّة عند مجيئهم للسّجود للربّ الحاضر في القربان الأقدس، وعند إصغائهم لكلمته من خلال القراءات المقدَّسة أو في أثناء سماعهم لعظات الكهنة. إنّ مثل هذا الصّمت المقدَّس، يمنحنا القوّة والدّفع كي نشهد بطريقة أفضل للمسيح في قلب عالمنا اليوم.

تتمة...
10/2/2017 كلّ مؤمن يصبح منذ عماده تلميذًا للمسيح الخوري ايلي مظلوم

أهمّ ما جاء في عظة الخوري ايلي مظلوم
في القداس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
كاتدرائية مار عبدا - بكفيا

10/2/2017

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

إخوتي الأحبّاء، في هذا المساء المبارك، نصلّي مع جماعة "اُذكرني في ملكوتك"، من أجل جميع الموتى المؤمنين وبخاصّة أحبّائنا الّذين قُمنا بتدوين أسماءهم في سِجلّ هذه الجماعة، ونخصّ بالذكر في هذا الأسبوع، أسبوع الكهنة، جميع الكهنة، الّذي انتقلوا من بيننا إلى بيت الآب، أولئك الّذين منحونا الأسرار الكنسية كالعماد والزواج، وباركوا أطفالنا وزاروا مرضانا. إنّنا نصلّي من أجلهم سائلين الرّب أن يغفر لهم خطاياهم، ويكافئهم على خدمتهم الكهنوتيّة، كما نسأل الله أن يُرسِل لنا دعواتٍ كهنوتيّةً مقدَّسةً من أجل خدمة شعبه.

إنّ القراءات الّتي اختارتها الكنيسة لهذا الأسبوع مِن رسائل وأناجيل، تُشدِّد على ضرورة أن يكون كلّ مؤمِن خادمًا لله لأنّه يصبح منذ يوم عماده تلميذًا للمسيح، مشتركًا في كهنوت المسيح العام. ففي هذا الأسبوع، نسمع كلمات بولس الرسول الّتي وجّهها إلى تلميذه طيموتاوس مُشجِّعًا إيّاه على الجهاد في التزامه الروحيّ، وعلى الجهاد في الصّلاة، وعلى السّعي كي يكون مثالاً صالحًا لا من خلال صلاته فَحَسب، إنّما كذلك مِن خلال تصرّفاته، وقِيَمِه الّتي يلتزم بها، ومن خلال محبّته، وحضوره في مجتمعه. وفي الأناجيل المختارة لهذا الأسبوع، نسمع يسوع يدعو كلّ مؤمِن يَطمَح كي يكون الأوّل في جماعته، إلى أن يكون خادمًا لها، وذلك عبر التحلّي بالتواضع والعمل على إدخال السّعادة إلى قلوب المحيطين به، والسعي إلى خلاصهم.

لذلك نصلّي من أجل بعضنا البعض كي يباركنا الربّ، ويمنحنا نعمة التقرّب منه أكثر فأكثر، وذلك من خلال قراءة الكتاب المقدّس، والاطّلاع على تعاليم الكنيسة والعمل بموجبها، ومن خلال قراءة سِيَر القدّيسين ومحاولة الاقتداء بهم.

أعطِنا يا ربّ نعمة أن تكون محبتّنا لك وتناولِنا لجسدكَ ودمكَ في كلّ قدّاس، زوادةً لنا نحملها إلى الآخرين، فَنَنقُلَك إلى كلّ إنسان موجوع وحزين نلتقي به. أعطنا ربّي، أن نحملك إلى كلّ من يُعاني من شدّة في هذه الحياة، فَنُخبرَه أنّك أنت الإله مخلِّص جميع البشر من أثقالهم، ومُعطيهم الحياة الأبديّة.

ملاحظة: دُوِّنت العظة مِن قِبَلِنا بتصرّف.

تتمة...
8/2/2017 شراكة الصّلاة مع أمواتنا الأب جوزف عبد الساتر

عظة الأب جوزف عبد الساتر
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
الذكرى التاسعة لانطلاقة جماعة "أذكرني في ملكوتك"
دير مار الياس- انطلياس

8/2/2017

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

"فجاء صوتٌ من السَّماء يقول: "قد مجَّدتُ وسأُمجِّد" (يو 12: 28)

في ذكرى مرور تسع سنوات على ولادة جماعة "أذكرني في ملكوتك" في هذه الرعيّة، نسمع اليوم من خلال هذه الجماعة صوتَ الله الآب من السّماء، يدعونا إلى عيش شراكة الصّلاة مع أمواتنا الّذين سبقونا إلى بيته، ليُعِدُّوا لنا مكانًا في السّماء. إنّ الله سيذكُرنا بالطبع في ملكوته إذ إنّنا ذَكرنا أمواتنا في صلاتنا، وصلّينا لأجل راحة نفوسهم.
في الرسالة الّـتي تُليت على مسامعنا، يقول القدِّيس بولس لتلميذه تيموتاوس: "لقد تَبِعْتَ تعليمي، وَسِيرَتي، وَقَصْدي، وَإيماني، وأَناتي، وَمَحَبّتي، وثباتي، واضطهاداتي، وآلامي، كالّتي أصابَتْني في أَنْطاكِيَة وإِيقُونْيَةَ ولِسْتَرة، وأيَّ اضطهاداتٍ احتَمَلْتُ!"(2 طيم 3: 10- 11)، ويُضيف قائلاً: "فجميع الَّذين يريدون أن يَحيَوا بالتَقوى في المسيحِ يسوع يُضطَهَدون"(2 طيم 3: 12). إذًا، إنّ كلّ مَن يقرّر اتِّباع الربّ والسَّير في طريق التقوى، سينال نصيبه مِنَ الاضطهادات، التّي من شأنها أن تقوِّي إيمان المؤمن لا أن تجعله يغار من الأشرار الّذين، حسب قول بولس، "يتمادون في الشَّر مُضَلِّلينَ الآخرين، وهم أنفسهم مُضَلَّلون" (2 طيم3: 13). إنّ الربّ قد تجسَّد في أرض البشر وغلب الشَّر بالحبّ.
إنّ هذا النّص الإنجيليّ الّذي تُليَ على مسامعنا، يأتي بعد حادثة إقامة لعازر مِنَ الموت، وبعد دخول المسيح يسوع مَلِكًا إلى أورشليم. لم يتمكّن الشَّعب اليهوديّ من معرفة المسيح على الرّغم من مسيرة الله مع شعبه عبر التّاريخ وتحضيره لمجيء الربّ. في تصرّف اليهود واليونانيّن في هذا النّص، نجد تطبيقًا عمليًّا للآية الكتابيّة القائلة: "جاء إلى بيته، وما قَبِلَه أهل بيته. أمّا الّذين قبلوه، وهم الّذين يؤمنون باسمه، فقد مكّنهم أن يصيروا أبناء الله" (يو1: 11). إنّ الحبّ وحده يستطيع أن يكسر كلّ الحواجز، بدليل أنّه خرق قلوب الوثنيّين، فجاؤوا باحثين عن المبشِّر بالحبّ، ألا وهو يسوع المسيح.
لقد صلّى الربّ يسوع إلى الله أبيه قائلاً: "يا ربّ مجِّد ابنك"، فاستجاب الآب له حين سُمِع صوتٌ من السّماء يقول: "مجَّدتُ وسأُمجِّد". مع ختام هذا الإصحاح، يُنهي الإنجيليّ يوحنّا كلامه عن مسيرة يسوع التبشيريّة في هذه الأرض، ليبدأ في الإصحاح التّالي الكلامَ عن آلام المسيح. إذًا، على كلّ مؤمِن أن يتحضَّر للصّلب والاضطهادات، إن كان يريد أن يعيش عمق المحبّة مع المسيح. إنّ اعتقاد بعض الحاضرين أنّ هذا الصّوت الّذي سُمِع من السّماء هو صوتُ رعدٍ، هو دليلٌ على انتظارهم للمسيح، ملِكًا قويًّا، يبطش بالآخرين مُحقِّقًا طموحات الشَّعب الدُّنيويّة. أمّا الّذين اعتبروا أنّ الصّوت الّذي سُمِع من السّماء هو صوتُ ملاكٍ، فَهذا يشير إلى أنّهم بدأوا يَتلمَّسون حقيقة الربّ. بعد سماعه هذا الصّوت، قال يسوع لجميع الحاضرين إنّ هذا الصّوت لم يكن من أجله بل من أجلهم.
"إنَّ حبّة الحِنطة الّتي تقع في الأرض، إن لم تَمُت تبقى وحيدة. وإذا ماتت أخرجَتْ ثمرًا كثيرًا" (يو 12: 24)، أي أنّ على الإنسان أن يموت عن ذاته إنْ أراد أن تُثمر حياته حياةً للآخرين. ولا نقصد بالموت هنا، الموت الجسديّ، إنّما نقصد به قيام الإنسان بالتضحيات وبأعمال الحبّ تجاه الآخر، إذ لا يمكن لحياةٍ جديدة أن تنمو، دون أن تضمحلّ حياةُ آخر. إنّ الربّ يدعونا إلى الخدمة، حين يقول: "مَن أراد أن يخدمني، فليتبعني، وحيث أكون أنا، هناك يكون خادمي، ومَن خدمني أَكرَمَه أبي" ( يو 12: 26).

اليوم، هو الخميس الثاني من الشَّهر، وفيه نجتمع في هذه الكنيسة المباركة، كما في كلّ شهر، مع جماعة "أُذكرني في ملكوتك"، لنصلّي معًا من أجل إخوتنا الرَّاقدين. إنّ اسم هذه الجماعة "أذكرني في ملكوتك"، يدفعنا إلى طرح السؤال على ذواتنا: هل نتمتَّع بالجرأة الكافية لنطلب من الربّ أن يذكُرنا في ملكوته، وخاصّة إن لم نكن قد تذكَّرناه في حياتنا الأرضيّة"؟ وهنا نتذكَّر قول الربّ لنا: "إنَّ مَن يُنكِرني أمام النّاس، أُنكره أمام أبي الّذي في السّماوات". إذًا، على المؤمن أن يذكر الربّ في حياته الأرضيّة، فيقوم بأعمال التضحيّة والحبّ تجاه الآخرين. إنّ أعمال الحبّ، هي كالنُّور، تُضيء ظلمات الآخرين.
اليوم، يُصادف عشيّة عيد القدِّيس مارون. تضع لنا الكنيسة هذه الأعياد، لتدفعنا لا إلى التعلُّق بالقدِّيسين بل إلى التفكير بالملكوت أي بالحياة الأبديّة، حيث الربّ يسوع، من خلال تأمُّلنا في سِيرَة حياتهم. في احتفالنا بعيد القدِّيس مارون، نكتشف أنّ الحبّ الّذي علَّمنا إيّاه الربّ يسوع، ليس مستحيل العيش، بدليل وجود مؤمنين قد أصبحوا قدِّيسِين بفضل عيْشِهم لهذا الحبّ. لم يَسْعَ القدِّيس مارون يومًا إلى تحقيق غاياتٍ شخصيّة دنيويّة كتأسيس طائفة، بل كان اهتمامه مُنْصَبًّا على التعبير لله عن حبّه له من خلال تصرّفاته وأعماله مع إخوته البشر، فأشعَّ نوره في هذا الشَّرق، فكان شاهدًا للربّ في حياته. لقد كان القدِّيس مارون مواليًا للعقيدة الكاثوليكيّة على الدّوام. لقد اعتمد بعض المسيحيّين في هذا الشَّرق، نهج القدِّيس مارون، فأصبحوا منارةً في هذا الشَّرق تُشِعُّ إيمانًا وانفتاحًا على الآخرين.
مع اقترابنا مِن زمن الصّوم المبارك، وفي عشيّة عيد القدِّيس مارون، نطرح السؤال على ذواتنا: كيف نستطيع أن نلمس هذا الحبّ الإلهيّ ونختبره في حياتنا؟ في اليوم الأوّل من الصّوم، يردِّد الكاهن على مسامعنا الآية الكتابيّة قائلاً: "أُذكر يا إنسان أنّك تراب، وإلى التُّراب تعود". صحيحٌ أنّ الإنسان هو جبلة بشريّة ضعيفة، إذ إنّه من التُّراب، ولكن عليه ألّا ينسى أنّه "مِن الله خرج يوم معموديّته، وإلى الله يعود"، وبالتّالي هو مدعوّ للألوهة. صحيحٌ أنّ الإنسان هو خاطئٌ وضعيف، ولكنّ الله جعل منه إناءً يسكب فيه غفرانه، يوم يعود إليه تائبًا. صحيحٌ أنَّ الإنسان معرَّضٌ للمرض بسبب طبيعته البشريّة، لكن عليه ألّا ينسى أنّ الله قادرٌ على شفائه من كلّ داء وعلّة. قد يكون الإنسانُ أسيرَ البُغض والحقد والحسد، ولكن على الإنسان أن يتذكّر أنّ الله قد جَبَلَهُ من المحبّة. قد يكون الإنسانُ أنانيًّا في بعض الأحيان، غير أنّ على الإنسان أن يتذكّر أنَّ الله يدعوه إلى بذل الذات والتضحية في سبيل الآخرين. قد يستسلم الإنسان لأهوائه وملذّاته الدنيويّة، ولكن عليه أن يتذكّر أن الربّ يدعوه إلى التَّرفع عن كلّ الأرضيّات والتسامي صوب السماويّات. إنّ الحبّ وحده يستطيع أن يرفع مِنَ الأدنى إلى الأعلى. وهنا نتذكّر كلام الربّ، الّذي بذل نفسه حبًّا بنا قائلاً لنا إنّه متى ارتفع على الصَّليب، سيجذب إليه الكثيرين.
في هذا النّص الإنجيليّ، يُصلّي الربّ يسوع إلى الله الآب قائلاً: "يا أبتِ، نَجِّني من تلك السّاعة. وما أتَيتُ إلّا لتلك السّاعة"(يو 12: 27). إنّ هذه الآية قد خضعت لتفسيراتٍ متعدِّدة: فمِنهم مَن فسَّرها قائلاً إنّ الربّ يسوع، شعر بالخوف أمام الموت، شأنَه شأن جميع البشر، لذا سأل أباه أن يُنجِّيه من تلك السّاعة. أمّا أنا فتفسيري لهذة الآية مختلفٌ تمامًا: إذ أعتقد أنّ الربّ يسوع قد قال هذا الكلام، لأنّه أدرَك أنّ بعض البشر لن يقبلوا بالخلاص، وبالتّالي لن يتمكّنوا من اختبار حبّ الله، وهذا ما سبَّب له آلامًا جمّة، إذ إنَّ أكثر ما يؤلم الحبيب هو عدم اكتراث المحبوب لهذا الحبّ.

في هذا المساء الّذي نحتفل فيه بذكرى السَّنوات التِّسع لنشأة جماعة "أذكرني في ملكوتك"، أودّ أن أهنِّئ تلك الجماعة على العمل الّـذي تقوم به في حثّ المؤمنين على عيش الشراكة مع أمواتهم من خلال الصّلاة، وبخاصّة في تقديم القداديس من أجل راحة أنفسهم. لذا تحتفل هذه الجماعة مع المؤمنِين في الرعايا، وتدفعهم إلى تقديم تلك القدّاسات على نيّة أمواتهم المؤمِنين. إنّ القدّاس يشكِّل نعمةً خاصّة لنفوس أمواتِنا في الكنيسة المتألمة، إذ يتحقّق خلاص عددٍ كبيرٍ من هذه النّفوس أثناء القدّاس الإلهيّ.

في هذا المساء، أرفع الصّلاة في هذه الذبيحة الإلهيّة مع الآباء الحاضرين وكلّ المؤمنِين وبخاصّة مع جماعة "أذكرني في ملكوتك"، من أجل جميع الموتى، وبخاصّة أمواتنا الأعزّاء على قلوبنا، وبنوع خاصّ أودّ أن أذكر أهالينا. كما أريد أن أذكر أيضًا كلّ الأنفس المنقطعة، الّـتي لا تجد مَن يذكرها في هذه الأرض. كما نطلب من الربّ، من خلال هذه الشراكة الّتي تجمعنا بأمواتنا، أن يُسكنهم في ملكوته ويريحهم مِن عذاباتهم. نصلّي اليوم لأمواتنا، عسانا نجد حين تأتي ساعة انتقالنا من هذا العالم، مَن يساعدنا من خلال صلاته وتقديم الذبائح الإلهيّة لأجلنا، لنتمكّن من الدّخول إلى الملكوت.
المسيح قام، حقًّا قام!

ملاحظة: دُوِّنت العِظة مِن قِبَلِنا بتصرُّف.

تتمة...