البحث في الموقع

كلمة الحياة

العظات

18/1/2017 هل ينفع الحزن الدائم؟ الأباتي سمعان أبو عبدو
https://youtu.be/5F3ZgMhts9g

عظة الأباتي سمعان أبو عبدو
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
كنيسة الصعود - الضبية
الذكرى الخامسة لانطلاقة جماعة" اذكرني في ملكوتك"
رعية مار جرجس/ الصعود - الضبيِّة

18/1/2017

إخوتي الأحبّاء،
جماعة "اُذكرني في ملكوتك"،
ها نحن نجتمع اليوم لنحتفل بذكرى السّنوات الخمس لانطلاقة جماعة "اُذكرني في ملكوتك" في هذه الرعيّة، رافعين الذبيحة الإلهيّة إلى الله من أجل راحة نفوس موتانا المؤمنين، وبخاصّة من أجل الأنفس المطهريّة، والأنفس المتروكة. انطلقت هذه الجماعة في رعيّتنا في 18/1/2012، بنعمةٍ إلهيّة، فكان اللّقاء بين الإخوة المؤمنين، ومع الربّ الحاضر معنا في كلّ زمان ومكان وبخاصّة في سرّ الافخارستيّا. إنّ الجماعة تحتفل معنا في الثلاثاء الثالث من كلّ شهر بالذبيحة الإلهيّة من أجل الإخوة الراقدين على رجاء القيامة.

إنّ جماعة "اُذكرني في ملكوتك" تشبه حبّة القمح الّتي تموت في الأرض لتُعطِي ثمارًا كثيرة: فهذه الجماعة انطلقت في لبنان منذ إحدى عشرة سنة، وها هي اليوم، منتشرة في رعايا عديدة في لبنان والمهجر، وقريبًا جدًّا ستنطلق في استراليا. إنّ ميزة هذه الجماعة تكمن في سَعي المؤمنين المنتمين إليها لعيش الرّجاء المسيحيّ في قلب هذا العالم، وبخاصّة عند انتقال الأحبّاء إلى البيت الوالديّ أي إلى الملكوت، ولا تكمن ميزتها في عدد المنتمين إليها، فالإيمان غير مرتبطٍ بعدد المنتسبين للجماعة.

إنّ هذه الجماعة تدفعنا إلى طرح السؤال على ذواتنا حول منفعة الاستمرار في عيش الألم والحزن إثر فقدان الأحبّة وانتقالهم إلى السمّاء. إنّ الكآبة والحسرة إثر موت عزيز، هو أمر طبيعيّ وَحَقٌّ لكلّ إنسان، ولكنْ ليس على المؤمن بالمسيح، الاستمرار في عيش هذا الألم والحزن، لأنّ إيمانه بالربّ يرتكز على رجائه بقيامة الموتى على مثال يسوع المسيح القائم من الموت. إنّ دور المؤمن يكمن في مساعدة المشرفين على الموت على الانتقال بسلامٍ إلى البيت الوالديّ في السّماء، متذكِّرًا أنّ دوره آتٍ للانتقال من هذه الفانية إلى البيت الوالديّ السماويّ، آجلاً أم عاجلاً.
إنّ الله يدعونا إلى السير على طريق الرّجاء بالقيامة، في عيشنا لسرّ الموت، وبالتّالي لا يجب أن نذرف الدّموع لفراق أحبّاء كمَن لا رجاء لهم. إنّ هذه الدّموع يجب أن تُذرَف والفرح الدّاخليّ يملأ قلب المؤمن لعِلمِه أنّ أمواته قد سبقوه لملاقاة الله وجهًا لوجه. على المؤمن أن يُحوِّل اشتياقه لأحبّائه الّذين غادوا هذه الفانية، إلى تقدمة الصّلاة لأجلهم، لأنّه بعد العبور من هذه الفانية، لا يعود شيء ينفع الموتى إلاّ الصّلاة وبخاصّة الذبيحة الإلهيّة. كما يمكن للمؤمِن أن يقدّم أعمال رحمة مِن أجل أمواته، وأعمال الرّحمة لا تقتصر على الأمور الماديّة وحسب، بل تتعدّاها لتشمل الأمور المعنويّة كالابتسامة والنظرة واللّمسة الّتـي يقدِّمها المؤمِن للآخر، أو حتّى الزيارة. إنّ عالمنا اليوم، قد تحوَّل إلى عالمٍ ماديّ، وبالتّالي فإنّه غير قادر على فَهمِ معنى الرّحمة الّتي يعيشها الإنسان تجاه أخيه الإنسان، ولذا يتوجّب على المسيحيّ أن يكون رسولاً "للرّحمة"، الّـتي هي يسوع المسيح. إنّ جماعة "اُذكرني في ملكوتك"- هذه الجماعة الرسوليّة المسكونيّة - تسعى إلى أن تكون رسولة للرّحمة في قلب عالمنا اليوم.

إنّ الكنيسة جمعاء، في كلّ سنة، تجتمع لتصلّي من أجل وِحدة المسيحييّن، في الأسبوع الممتدّ ما بين الثامن عشر والخامس والعشرين من شهر كانون الثاني، ويبدأ هذا الأسبوع بتذكار قيام كرسيّ مار بطرس في روما، وينتهي بتذكار ارتداد مار بولس إلى الإيمان بيسوع المسيح. إنّ بطرس وبولس يشكِّلان عامودَي الكنيسة الجامعة، كما يمثِّلان الجماعة الرسوليّة مجتمعةً. إنّ الانقسام بين المسيحييّن وعدم وجود شراكة فيما بينهم، دفع الكنيسة جمعاء، منذ حوالي مئة سنة، إلى إعلان الحاجة إلى مِثلِ هذا الاسبوع، وإلى ضرورة الصّلاة من أجل الوحدة. إنّ الوحدة لا يمكن أن تتمّ إلّا عبر تواضع المسيحيّين وانفتاحهم على نِعَم الله، والصّلاة وحدها هي الكفيلة بإيصال المسيحيّين إلى هذا الهدف.

قبل مغادرته هذا العالم إلى الآب، صلّى يسوع إلى أبيه قائلاً: "ليكونوا واحدًا كما أنا والآب واحد"، وبالتّالي فإنّه صلّى لأجل كنيسته الّتي كان يشعر أنّها ستصل إلى هذه المرحلة من الانقسام والشرذمة. إنّ الوحدة الّتي تصبو إليها الكنيسة تجد صورةً مصغّرة عنها في المجتمع عبر العائلة البيتيّة، فالوحدة تتجسّد بين الأب والأمّ أوّلاً، ثمّ بين الأهل والأولاد، وبين الأولاد فيما بينهم، وأخيرًا بين العائلة الصغيرة والعائلة الكبرى. إخوتي، إنّنا نحن الحاضرين هنا اليوم، نشكِّل عائلةً واحدةً، إذ نتحدّ بالصّلاة إلى الله من خلال الإفخارستّيا، لنشكر الربّ على كلّ ما أعطانا إيّاه مِن نِعَم، تساعدنا على النّمو بالإيمان. إنّ هدف جماعة "اُذكرني في ملكوتك"، هو مساعدة المؤمنين على النّمو في الإيمان والصّلاة وذلك من خلال التنشئة الّتي تقيمها في مركزها الأساسيّ في زوق مكايل، وتقوم بنشرها على كافة وسائل التواصل الاجتماعي.

إنّ عدد الرّعايا الّتي انتشرت فيها رسالة "اُذكرني في ملكوتك"، في ازدياد متواصل: فهي أصبحت متواجدة في عدّة بلدان في أفريقيا، وأميركا الشماليّة والجنوبيّة، وكذلك في أوروبا، وفي الشرق الأوسط أيضًا، وقريبًا جدًّا في استراليا. إنّ هذا العدد الكبير، لا شكّ هو مصدر فرحٍ تعيشه الجماعة، غير أنّ فرحها الأكبر يكمن في أن تكون أسماء أعضائها مكتوبة في السّماء في اليوم الأخير، على مثال قول يسوع لتلاميذه لدى عودتهم من الأماكن الّـتي بشّروا فيها، بعدم الفرح فقط لأنّ الشياطين تُطيعهم، بل بالحريّ الفرح لأنّ أسماءهم مكتوبةٌ في السّماء. هذا ما تقوم به جماعة "اُذكرني في ملكوتك"، إذ تصلّي من أجل الموتى، مُسَجِّلةً أسماءهم في سِجِّل الجماعة، راجيةً من الله أن تكون أسماؤهم قد كُتبت فعلاً في الملكوت.

تتمة...
9/1/2017 إنّه حملُ الله الّذي سيرفع خطيئة العالم الأب ريمون جرجورة

عظة الخوري ريمون جرجورة
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
كنيسة الميلاد الإلهيّ، الحضيرة - بيت الشِّعار

9/1/2017

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.

إنّ الإنجيل الّذي تُلِيَ على مسامعنا اليوم، تكلَّم عن يوحنا المعمدان الّذي كرّس حياته كلّها، مِن قَبلِ أن يُولَد، لكي يدلّ النّاس على يسوع المسيح، ويشهد له. إنّ العلامة الّتي أعطاها الملاك لمريم يومَ بَشَّرها بالحبل الإلهيّ، كانت أنَّ نسيبتها أليصابات هي حُبلى وَهِيَ في شهرها السادس. عند سماعها لهذا الكلام، قامت مريم مسرعةً إلى بيت زكريّا لتخدُمَ نسيبتَها الطّاعنة في السِّن إلى أن يحين موعد ولادتها بِيُوحنا. إنّ لوقا الإنجيليّ يصوِّر لنا جمال هذا اللّقاء بين الجَنِينَيْنِ والمرأتين الحوامل، قائلاً إنّ يوحنا قد ارتكض من شدّة الفرح في بطنِ أمّه حين سَمِعَ صوت مريم، ويُخبرنا الإنجيليّ أيضًا أنّ أليصابات قد اعترفت بمريم أمًّا للربّ حين قالت: "مِن أينَ لي أن تأتيَ إليَّ أمّ ربّي؟".

إنّ يوحنا قد عاش في كنفِ عائلة تقيّة مؤمِنة، تنتظر مجيء المسيح المخلِّص، كسائر اليهود. إذًا، فَقَد اختبر يوحنا انتظار الشعب اليهوديّ لمجيء المخلِّص في عائلته، لكنّ الله أوكل إليه مَهمّة أخرى وهي تحضير الشعب لاستقبال المخلِّص. وفي هذا الإنجيل، قرأنا عن الله الّذي أعطى علامةً ليوحنا، بها يَعرِف المسيح المخلِّص، قائلاً له إنّ ذاك الّذي سيرى الروحَ القدس يحلّ عليه، هو الّذي سيعمِّد الشعب بالماء والرّوح لأنّه المسيح المنتظر. إنّ يوحنا قد أشار أيضًا إلى يسوع حين كان مع تلمِيذَيه، قائلاً فيه، إنّه حملُ الله الّذي سيرفع خطيئة العالم، وعند سماع هذين التلميذَيْن شهادة معلِّمهما في يسوع، تركاه وتبعا المسيح.

وقَبلَ أن يُقطَعَ رأسه، أرسل يوحنا اثنين من تلاميذه إلى يسوع ليسألاه إن كان هو حقًّا المسيح، أم أنّ الشعب بانتظار مسيحٍ آخر. إنّ هذا التصرّف مِن قِبَل يوحنا، يدفعنا إلى طرح السؤال التّالي على ذواتنا: أيُعقَل أن يُشكِّك يوحنا بهويّة يسوع، على الرغم مِن أنّه عَرَفه حين جاءه جنينًا في بطن مريم، فارتكض يوحنا في بطن أليصابات أمّه مِن الفرح ابتهاجًا بهذه الزيارة؟ إنّ الإنجيليّ أراد مِن خلال عرضِه لهذا الأمر أن يقول لنا إنّ الإيمان ليس سهلاً، وإنّ حالة الارتياب في الإيمان الّتي مرّ بها يوحنا، هي حالة يمّر بها جميع المؤمنين بالمسيح في أوقات الشّدة والـمِحَن، فالإيمان يتعرّض للتزعزع، في أوقات الشدّة والمصاعب لا في أوقات الرّاحة والبحبوحة. إنّ يوحنا لم يشكِّك بهويّة يسوع، غير أنّه كان يمرّ بشدّة كبيرة، وبالتّالي كان يحقّ له أن يطرح أسئلة على نفسه حول المسيح المنتظر، لذا أرسل بعض تلاميذه إلى يسوع، للحصول على الجواب اليقين منه. إنّ المسيح لم يُعطِ جوابًا كلاميًّا لتلاميذ يوحنا، إنّما جوابُه لهم كان مِن خلال الأعمال الّتي قام بها على مرأى مِن عيونهم، إذ شفى المرضى، وأعاد النّظر إلى العميان، وأقام الموتى، ثمّ طلب يسوع من تلاميذ يوحنّا أن يرجعوا إلى معلِّمهم ويُخبروه بما رأوا. وعندما عاد تلاميذ يوحنا إليه، اطمأنّ إذ أدرك أنّ مَن آمن به هو المسيح المنتظر، وبالتّالي أصبح على استعداد للموت، إذ أتمّ مَهمّته. إنّ تصرّف يوحنا هذا يشبه تصرُّفَ سمعان الشيخ في الهيكل، الّذي ما إنْ حَمَل المسيح بين ذراعَيه، حتّى طلب من الله: "الآن، أطلق عبدك بسلام، لأنّ عينيَّ قد رأتا خلاصَك".

تتمة...
7/11/2016 "يا أبتِ، مجّد ابنك ليُمجِدّك الابن" المطران يوسف طوبجي

عظة المطران يوسف طوبجي السامي الاحترام
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
كنيسة مار شربل- العزيزية، حلب

7/11/2016

باسم الاب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

إخوتي الأحبّاء،

ها نحن قد بدأنا سنةً طقسيّةً جديدةً، في كنيستِنا المارونيّة، نحتفل فيها بأحداثِ حياةِ يسوع المسيح الخلاصيّة، أي في سرّ يسوع المسيح، الّذي يوصِلنا إلى الله الآب، سائرين وفق إلهامات الرّوح القدس.

إنّ السنة الطقسيّة تبدأ دائمًا بِعِيد تجديد وتقديس البيعة، أي بافتتاح يسوع المسيح بابَ السّماء لنا بجسده ودمه المقدَّسَيْن، إذ إنّه قدّم ذاته ذبيحةً عنّا، هو الكاهن والذبيحة في آنٍ. وقد سمعنا في الرسالة التي تُلِيَت على مسامعنا اليوم، أنّه في العهد القديم، كان الكاهن يقدّم لله ذبيحةَ الخطيئة تكفيرًا عن خطايا الشعب، سائلاً الربّ تطهيرَ الشعب من خطاياهم وتقدّيسهم. يجب سفكَ روحٍ من أجل تخليص روحٍ، لذا كانت تُسفك دماءُ الحيوانات مقابل تطهير وتقديس نفوس البشريّة الخاطئة. غير أنّ تلك الذبائح لم تتمكّن مِن منحِ الإنسان القداسة لذا كان يجدِّد تقديمَها في كلّ مرّةٍ يُخطئ، علّه يحصل على الغفران. إنّ كلّ تلك الذبائح الحيوانيّة ما هي إلاّ صورة منقوصة عن ذبيحة يسوع المسيح، الّذي قدّم ذاته ذبيحةً، فسُفِكَ دمُه على الصّليب، وبالتّالي أصبح الصّليب هو المذبح الّذي قُدِّم عليه المسيح يسوع ذبيحة. إنّ يسوع المسيح قرّر أن يُقدِّم نفسَه ذبيحةً، أي أن يتمّ سفكُ دمائه، كي يحصل كلّ إنسانٍ يؤمِن به على الخلاص، أي على التطهير من الخطايا والتقديس، بواسطة هذه الدماء الذكيّة. فكما كانت تُرَشّ دمُ التيوس والثيران على المذبح وعلى المؤمنين، كذلك تُرَشّ دماءُ يسوع الخلاصيّة على كلّ مَن يؤمن به بالمعموديّة، فينال الخلاص. لا أحدَ مِن البشر يستحقّ ما قام به يسوع لأجله، غير أنّ يسوع أراد مِن خلال عمله الخلاصيّ أن يُقدِّم فرصةً خلاصيّةً لكلّ البشر فيتطّهرون مِن خطاياهم، ويتقدَّسون بفعل عملِ يسوع الخلاصيّ من أجلهم.
وفي الإنجيل الّذي تُلي على مسامعنا اليوم، مِن صلاة يسوع الكهنوتية (يوحنا 17)، نسمع يسوع رافعًا يديه إلى أبيه السّماويّ قائلاً: "يا أبتِ، قد حانَت السّاعة". إنّ يوحنّا الإنجيليّ يستخدم هذه العبارة بتواترٍ: ففي عرس قانا الجليل بدايةً، قال يسوع لأمّه: "لم تأتِ ساعتي بعد"، وقد قصد بذلك أنّ ساعةَ انتقاله إلى الله، تلك السّاعة الّتـي فيها يُمجِّد الربُّ يسوع الله الآب، ويَفدي فيها الإنسان من خطاياه، لم يحِن وقتُها بعد. ونهايةً، في صلاة يسوع المسيح الكهنوتيّة، (تلك الصّلاة الّتي تلاها قُبَيل تقديم ذاته ذبيحةَ فداءٍ عن خطايا البشر)، استخدم المسيح تلك العبارة ليُعبِّر عن استعداده لِتلك السّاعة الّتي كانت قد حانت. وفي عبارة "يا أبتِ، مجّد ابنك ليُمجِدّك الابن"، نجد أنّ الله قد أعطى يسوع سلطانًا كي يهَب الحياة الأبديّة، إلى جميع الّذين وهبَهم الله له، أي إلى كلّ الّذين قَبِلوا عمل يسوع الخلاصيّ لأجلهم، وبخاصّة المسيحيّين. لقد وَهبَنا يسوع المسيح الحياة الأبديّة وهي معرفة الله، الإله الحقّ. إنّ المعرفة في الكتاب المقدّس لا تقتصر على رؤية الشخص والتعرّف إليه جسّديًا، بل تُشير إلى الاتّحاد به. وبالتّالي، فإنّ عبارة "أن يعرفوك"، الواردة في صلاة يسوع، إنّما يُقصد بها أَن نُصبِح في داخل الله، وأن يُصبِح الله في داخلنا، أي أن نتّحدَ كليًّا بالله، فنحيا حياةً أبديّة. لا يمكننا الكلام عن حياةٍ أبديّةٍ، من دون الكلام عن هذا الاتّحاد مع الله، لأنّ الحياة الأبديّة هي العيش معه على الدّوام.
إنّنا نعيش في جماعة "أذكرني في ملكوتك" هذا الإيمان وهذا الرّجاء، بأنّ حياة الإنسان لا تنتهي على هذه الأرض، وأنّ أمواتنا الّذين سبقونا وعبروا من هذه الفانية، هم الآن مع الرّب يشاهدون وجهه القدّوس. إنّنا نصلّي من أجل أمواتنا كي يتمكّنوا من الوصول إلى هذا الاتّحاد الكامل مع الربّ. إنّ هذا الرّجاء المسيحيّ، هو الّذي نعيشه في جماعة "أذكرني في ملكوتك". وهذا الرّجاء يُشكِّل مصدر فرحٍ لنا نحن المؤمنين، إذ لا يمكننا إلاّ أن نفرح ونهلّل عندما نُدرِك أنّ الحياة الأبديّة تنتظرنا، وأنّ أمواتَنا قد سبقونا إلى ملاقاة الرّب. نصلّي اليوم في هذه الذبيحة الإلهيّة من أجل أمواتنا المؤمنين، ولأجل جميع الموتى، لكي ينتقلوا إلى هذه المشاهدة الحقيقيّة، إلى هذه المعرفة الحقيقيّة أي إلى الحياة الأبديّة. إنّ الذبيحة الإلهيّة الّتي نقدّمها اليوم من أجل أمواتنا، إنّما هي ذبيحة يسوع المسيح: ففي كلّ ذبيحةٍ يكرّر يسوع المسيح تقديمَ ذاته من أجلنا ويُفيض علينا دمَه من أجل تطهيرِنا وتقديسِنا فننال الخلاص. وفي كلّ قدّاسٍ نذكر فيه أمواتنا، إنّما نقوم بعمليّة إشراكِهم معنا من خلال هذه الذبيحة في الخبز والخمر، ونساعدهم على الاتّحاد الكامل بالرّب: هذا هو رجاؤنا وصلاتنا في جماعة "أذكرني في ملكوتك". نسأل الله في هذه الذبيحة أن يمنحنا نعمة العيش بقربه، والاتّحاد الكامل به في القدّاس. وإنّ يسوع قد وَهبَنا ذاته أيضًا في الإنجيل، نحن الّذين وَهبَهم الله له، فلنسعَ للتعرّف إلى كلمة الله والتعمّق بها. لنسعَ إخوتي، من أجل الوصول إلى القداسة، إلى الاغتناء من كلمة الله المتجسّد، يسوع المسيح، فنتقدّس في معرفته، ونمجّد الله الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

ملاحظة: دُوِّنت العظة من قبلنا بتصرّف.

تتمة...
5/11/2016 أحد تقديس البيعة الأب عمانوئيل الراعي
https://youtu.be/QLB_2E6RSrg

عظة الأب عمانوئيل الراعي
في القدّاس الإلهيّ "أحد تقديس البيعة"
وفي الذكرى الثالثة لانطلاقة جماعة "اُذكرني في ملكوتك"
كنيسة مار ضوميط - ساحل علما

5/11/2016

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.

تحتفل الكنيسة المارونيّة، اليوم ببدء سنة طقسيّة جديدة، تتمحوّر حول الربّ يسوع المسيح، الـمَلِك الّذي يدعونا إلى الدخول في سرّ مُلكِه الأبديّ.
كما تحتفل الكنيسة بأحدِ تقديسِ البيعة وتجديدِها، الّذي يشكّل دعوةً إلى كلّ مؤمنٍ للسعيِ من أجل تقديس ذاته ولتجديد حالته الروحيّة باستمرار. إنّ تقديس البيعة لا يعني بتاتًا تقديس الصُّوَر أو المياه، إنّما يعني تقديس أبناء الله. ومن أجل تقديس البشريّة وخلاصها، قدّم يسوع نفسه ذبيحة لله فداءً عن البشر، وقد سَفَك دمَه الخلاصيّ كي يؤمِن كلّ إنسانٍ بالله، فينال منه الفرح الأبديّ والمجد الدائم. وهدف مشروع الله الخلاصيّ للإنسان، هو مساعدة هذا الأخير على الدّخول في سرّ قداسة الله، والحصول على نعمة القداسة. والدّخول في سرّ القداسة يتمّ حين يُعلن المؤمِن ما أعلنه بطرس حين سأل يسوع تلاميذه عن هويّته في نظرهم، وحينها أعلن بطرس بكلّ ثقة إنّ يسوع المسيح هو ابن الله الحيّ، ولكن لا يظنّن أحدٌ أنّ هذا الإعلان كافٍ لنيل الخلاص والدّخول في سرّ فرح الله الأبديّ. إخوتي، إنّ الخلاص قد تمّ بموت المسيح وقيامته، وقد حصل عليه الجميع. إنّ الشياطين تعترف بأنّ يسوع هو قدّوس الله وتخافه، وترتعب منه. وبالتّالي، فإنّه لا يكفي أن يعترف المؤمِن بأنّ المسيح هو قدّوس الله، بل عليه أن يعيش هذه النّعمة، أي أن يعترف من خلال حياته وتصرّفاته، بأنّ يسوع هو المسيح ابن الآب السماويّ الّذي اختير من قِبَلِه، ليمنح جميع البشر الخلاص، بموته وقيامته. إذًا، إنّ الحصول على نعمة القداسة والدّخول في سرّ فرح الله، لا يَتُمّان عبر إعلان المؤمن أنّ المسيح هو ابن الله فحسب، إنّما أيضًا عبر الاتّحاد بالكلمة الإلهيّة.
منذ أيّام قليلة، احتفلت الكنيسة بِعِيد جميع القدِّيسين. إخوتي، إنّ هذا العيد لا يقتصر على القدِّيسين الّذين رُفعوا على المذابح كالقدّيس شربل، والقدّيس ضوميط، والقدّيس أنطونيوس، بل يشمل كلّ إنسان قد عَبَرَ من هذه الفانية، من أجداد وآباء وأمّهات، وقد عاش حياته الأرضيّة ساعيًا للحفاظ على قداسته الّتي نالها بالمعموديّة. وبالتّالي، فإنّ هذا العيد، يشكِّل حافزًا لكلّ مؤمنٍ حيّ، كي يسعى بدوره للمحافظة على نعمة القداسة الّتي حصل عليها في المعموديّة.

ونحتفل اليوم، كذلك بالقدّاس الشهريّ لجماعة "أذكرني في ملكوتك". إنّها لكارثةٌ كبرى إخوتي، إن لم نكن نحن المؤمنين قد تمكّنا إلى اليوم من فهم هذا السّر الكبير، إذ لا يجب أن نبكي أمواتنا، كمَن يبكي على أمر خَسِره من دون أمل في استرجاعه، بل علينا أن نَبكيهم كمَن لهم رجاء بأنّ أمواتهم هم أحياء مع الرّبّ في ملكوته، وأنّنا سنلتقي بهم مجدّدًا يومًا ما. فحين نذكر أمواتنا في القدّاس، نصلّي من أجلهم، ونتشارك وإيّاهم الصّلاة، وهذا يعني أنّ أمواتنا قد أصبحوا في شركة دائمة مع القدِّيسين في ملكوت أبديّ مع الرّبّ.

إنّ عبارة "أذكرني في ملكوتك"، لا تُقال فقط من أجل الأموات، بل من أجل كلّ إنسان ميّت في هذه الحياة وهو لا يزال حيًّا، إذ إنّ أحياءَ كُثُرًا هم أموات، وأمواتًا كُثُرًا هم أحياء في ملكوت الله. هذا هو السّر الّذي على المؤمِن أن يفهمه، فيسعى جاهدًا كي لا يعيش كالأموات في هذه الحياة، ليتمكّن مِن أن يكون حيًّا برفقة أمواته في الملكوت مع الرّبّ.

في بداية هذه السنة الطقسيّة، نضرع إلى الرّبّ شاكرينه على حبّه الكبير لنا والّذي يفوق الوصف. وما ردّك أيّها الرّبّ على كلام بطرس، إلاّ تعبير لبطرس، ومن خلاله لكلّ البشر عن مدى حبّك لهم، واختيارك لهم لكي يشاركوك في عملك الخلاصيّ. فكلّ الشكر لك، أيّها الرّبّ الإله، لأنّك دعوتنا لنكون أحياء في دمِك وكلمتك، أحياء في الشهادة للحبّ والرّحمة اللّذين تدعونا لنُجسّدهما في حياتنا، كما نقدّم لك الشكر على استقبالك لنا أحياء وقدِّيسين في ملكوتك. آمين.

ملاحظة: دُوِّنت العظة من قِبَلِنا بتصرّف.

تتمة...
4/11/2016 وأعطاهم قوّةُ وسلطانًا الأب أنطونيوس البيطار
https://youtu.be/oGp95amF8zA

عظة الأب أنطونيوس البيطار
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
الذكرى الخامسة لانطلاقة جماعة "أذكرني في ملكوتك"
رعية القدّيس ديمتريوس– الزوق

4/11/2016

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

في الإنجيل الّذي تُلِيَ على مسامعنا اليوم، سمعنا الآيةَ التّالية: "أعطاهم سلطانًا". إنّ هذه الآية تدفعنا إلى أن نطرح على ذواتنا سؤالاً وهو: ما هو هذا السلطان؟ ولماذا يُعطى للإنسان؟
إنّنا نعلم، إخوتي، أنّ الّذي يُعطى، يُطالَب. فإذا أُعطي أحدٌ سلطانًا أو سُلطةً، فإنّه سيُسأل عنها يومًا، ويتوجّب عليه عندئذٍ إعطاء جوابٍ حول السّلطان الّذي تمّ مَنحُه إيّاه، وكيفيّة استخدامه له، في سبيل خدمة أولئك الّذين أؤتمن عليهم. إنّ أصعب مسؤوليّة تكمن في أن يكون الإنسان مسؤولاً عن الآخر، وقصّة قايين وهابيل في الكتاب المقدّس هي خير دليل على ذلك، إذ نرى أنّ الرّبّ سأل قايين عن أخيه قائلاً له: "أين أخوك"، ومن سؤال الرّبّ هذا لقايين، يمكننا أن نستنتج أنّ الإنسان مسؤولٌ عن أخيه الإنسان. إذًا، إنّ السّلطان الـمُعطى للإنسان هو سلطانٌ من أجل الآخر وليس أبدًا سلطانًا على الآخر.

إنّ السلطان الأوّل الّذي أعطاه الله للإنسان هو سلطانٌ على الّذات، ولذا فإنّ كلّ إنسانٍ هو مسؤولٌ عن ذاته، عن مواهبه، وعن شخصيّته، وبالتّالي فإنّه مسؤولٌ عن كلّ نعمةٍ تُعطى له. فعندما أعطى يسوع المسيح تلاميذه سلطانًا، أرسلهم إلى الأمم طالبًا منهم أن يشفوا المرضى، وأن يزرعوا الصلح بين النّاس، وأن يبشِّروا بكلمة الله، ولم يُرسلهم من أجل زرع الفتنة والشقاق، كما طلب منهم أن يدخلوا إلى كلّ مدينةٍ ومنزلٍ يستقبلهم، وأن ينفضوا عن أرجلهم غبار أي مدينةٍ أو منزلٍ لم يقبلهم. إنّ المقصود بنفض الغبار عن أرجلنا، هو أن نبقى منزّهين عن هذا العالم، أي غير منغمسين ومنشغلين في أمور هذه الدّنيا. إنّ الرّبّ بِطَلبِه منّا نفض الغبار عن أرجلنا، لا يطلب منّا أن ندينَ الآخرين، إنّما يطلب منّا أن نحفظ ذاتنا من هذا العالم الّذي يهدف إلى إيقاعِنا في الخطيئة، وبالتّالي إبعادِنا عن الربّ.

إنّ القدِّيس بولس يخبرنا في رسالته أنّ الربّ مزمعٌ أن يأتي، وعلينا انتظاره مهما طال غيابه، لأنّه لا بدّ له من أن يأتي من جديد. فالرّبّ يأتي قبل الأوان بالنسبة إلى البعض، فنفقدهم باكرًا، وقد يتأخّر مجيئه بالنسبة إلى البعض الآخر، وما ذلك إلاّ رحمةً منه وتعبيرًا لهم عن طول أناته، فيصبح هؤلاء نعمةً للآخرين ليتعلّموا من خبراتهم، ويتقدّسوا من خلال وجودهم، وكلامي هذا هو عن الحياة والموت.

تتمة...
9/10/2016 "لقد قام فينا وبيننا نبيٌّ عظيم، وافتقد الله شعبه" لو 16:7 الأب جان المطران

عظة الأب جان مطران
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
كنيسة القدّيسة بربارة – زحلة

9/10/2016

"لقد قام فينا وبيننا نبيٌّ عظيم، وافتقد الله شعبه" لو 16:7

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين

إخوتي الأحبّة،
أيّها المؤمنون بالرّبّ،

هذا الأحد في كنيستِنا الملكيّة الروميّة، هو الأحد السادس بعد رفعِ الصّليب الكريم المقدّس، وفيه خصّصَت أمّنا الكنيسة قراءةَ هذا الانجيل المقدّس الطاهر، الّذي تُلِيَ على مسامِعنا، وهو إحياءُ ابن أرملة نائين، إنّه ابنٌ وحيدٌ لأمّه. في هذا اليوم المبارك والمقدّس، تطابقَ هذا الانجيل، الّذي يتكلّم عن الأموات وعن الرّبّ يسوع، الّذي هو إله الأحياء والأموات، مع احتفال جماعة "أذكرني في ملكوتك" بقدّاسها الإلهي الشهريّ في رعيّتنا. "إنّ السيّد المسيح هو إلهُ الأحياء والأموات"، بهذه الكلمات نستطيع اختصار هذا الانجيل. ويقول أحد الآباء القدِّيسين: "إن مُتنا فللربّ نموت، وإن حَيِينا فللربّ نحيا" (رو 8:14). إنّ الآية الّتي اخترتها عنوانًا لعظتي والّتي قرأتها على مسامعكم، "فقد قام فينا نبيٌّ عظيم، وافتقد الله شعبه"، يُقصَد بها أنّ الله أرسل ابنه الوحيد ليخلِّص كلّ إنسانٍ آتٍ إلى العالم. إخوتي، إنّ ابن هذه الأرملة، كان أمل أمّه الوحيد في هذه الحياة. وها هو الآن ميّت أمام أمّه، تلك الّتي كانت ترى من خلاله الحياة، فقد فقدت كلّ أملها ورجائها في هذه الحياة بموته. إنّ يسوع كان متجّهًا إلى كفرناحوم، مع تلاميذه، للتبشير، والنّاس كانت تتبعه. وكان على يسوع أن يمرّ بقرية نائين القريبة من كفرناحوم. وعند مروره، رأى تلك المرأة الأرملة، تبكي وحيدها الّذي كان أملها في الحياة، فتحنّن عليها طالبًا منها عدم البكاء، ولذا اقترب من النّعش قائلاً للشّاب: "قُمْ"، فاستجاب له الميّت وقام، وبدأ بالكلام. لا أحد يستطيع أن يقيم الموتى غير الله. إنّ هذا الانجيل هو استباقٌ لموت الرّبّ يسوع المسيح وقيامته في اليوم الثالث. إنّ الربّ يسوع المسيح، يستطيع بقوّته الإلهيّة أن يقوم، فيقيم معه كلّ إنسان آتٍ إلى هذا العالم.

في قاموسنا المسيحيّ، لا وجود لكلمة "موت"، إنّما استبدلت بكلمة "رقاد". ففي اللّغة الفرنسيّة cimetière تعني مكان الأموات. أمّا في اللّغة اليونانيّة، فكلمة "سيميتيريون"، تعني الرّقاد لا الموت، وهنا يجدر الإشارة إلى أنّ في اللّغة اليونانيّة، لا معنى لكلمة موت. ونحن المسيحيّين، لا نؤمن بالموت، إنّما برقاد الإنسان على رجاء القيامة مع الربّ يسوع القائم والمنتصر على الموت. إنّ لعازر قد مات وكذلك ابن أرملة نائين، والرّب يسوع أقامهما من الموت، إنّ هذين عندما ماتا، لم يريا شيئًا سوى ظلمة حالكة، وذلك لأنّ الفردوس لم يُفتح إلّا عند قيامة الرّبّ يسوع الّذي انتصر على الموت، وكما تقول الترنيمة: "ووطئ الموت بالموت ووهب الحياة للّذين في القبور"، فكلّ الّذين ماتوا قبل المسيح، كانوا في حالة انتظار لمجيئه. وعندما أتى يسوع وفتح الفردوس، أدخل معه كلّ النّاس ولم يُبقِ أحدًا في الخارج. من هنا، إخوتي الأحبّاء، نحن مدّعوون اليوم، إلى أن نكون أحياء للسيّد المسيح وأن نعيش إيماننا بعمق، لكي نحيا مع السيّد المسيح القائم والمنتصر على الموت، فنستطيع أن نقوم من خلال إيماننا به.

تتمة...
6/10/2016 ليست مجرّد جماعة تصّلي للراقدين الأب أنطوان خليل
https://youtu.be/6IpaaPaQzI4

عظة الأب أنطوان خليل
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
الذكرى الثالثة لانطلاقة جماعتنا
دير مار يوسف- المتين

6/10/2016

إخوتي وأخواتي،

نحن لم نلتقِ اليوم، لنحتفلَ بذكرى السنوات الثلاث على تأسيس جماعة "أذكرني في ملكوتك" في رعيّة دير مار يوسف فحسب، إنّما أيضًا لنحتفلَ بمرور عشر سنوات على تأسيس هذه الجماعة في لبنان، والّتي انتشرت خارج لبنان بطريقة سريعة ومضطرمة. إنّ هذا الانتشار الواسع للجماعة يستند إلى روحانيّة متميّزة وخاصّة، إضافةً إلى أشخاص آمنوا برسالتها وقد قدّموا في سبيلها التضحيات وسهروا على انتشارها. فشكرًا لجماعة "أذكرني في ملكوتك"، كما نبارك للجماعة بمولودها الجديد ألا وهو كتيّب الصلوات من أجل الراقدين. إنّ هذا الكتيّب هو كتيّب روحيّ ليتورجيّ، لاهوتيّ ورعائيّ، يصلح لخدمة جماعة "أذكرني في ملكوتك" كما يصلح للأخويات، في مرافقة أحبّائنا في لحظاتهم الأخيرة: في ساعات النِّزاع وعند إغماض عيونهم عن هذه الدنيا. إنّ هذا الكتيّب يساعدنا في اختيار من الصّلوات ما يتناسب وانتقال إخوتنا الأحبّاء إلى بيت الآب، إذ قد نقف عاجزين عن معرفة اختيار ما يتلاءم من الصلوات مع هذه الحالات. إنّه كتيّب ذو أهميّة بالغة، وضروريٌّ تواجده مع الكهنة، ومع كلّ إنسان يرافق المنازعين المشرفين على الموت، ومع كلّ إنسان يصلّي للراقدين أكانت جماعة "أذكرني في ملكوتك"، أم أي منظّمة كنسيّة أخرى.

إخوتي، نحن اليوم، نحتفل بمرور ثلاث سنوات على تأسيس جماعة "أذكرني في ملكوتك"، في دير مار يوسف المتين. وفي هذه المناسبة أوّد أن أشكر كلّ السيّدات اللّواتي ساهمنَ في تأسيس هذه الجماعة في رعيّتنا. بارك الله جهودكم جميعًا معلمّاتٍ وأهالي ومؤمنين ملتزمين في الرّعية.

بعد مرور ثلاث سنوات على تأسيس الجماعة، يجد الإنسان ضرورة لتقييم العمل الّذي قام به في هذه الفترة من خلال هذه الجماعة، فيعرف مدى التّطور الّذي أحرزه في حياته الشخصيّة على مستوى إيمانه بالرّبّ، ويرى ما الجديد الّذي قدّمته له هذه الجماعة وتأثيرها على نموّ علاقته بالرّبّ يسوع.

"أذكرني في ملكوتك"، هي صرخة توبة تلفّظ بها لصّ اليمين على الصّليب، سائلاً الرّبّ يسوع المصلوب أن يحقِّق له هذه الأمنية. إذًا، في كلّ تعبير عن توبة لله، نعبّر عن شوق قلبنا أن يذكرنا الرّبّ في ملكوته، طالبين الغفران عن كلّ ما ارتكبناه من خطايا وإهمال في حياتنا. كما نسأل الرّب في كلّ مرّةٍ نتوب إليه، أن يعلّمنا المسامحة فنتسامح مع الله أوّلاً، ومن ثمّ مع الآخرين، وأخيرًا مع الذّات، فنتمكّن من العيش في سلامٍ داخليّ مبنيّ على رجائنا بالحياة الأبديّة. فالإنسان الّذي لا يؤمن بقيامة الرّبّ، ولا يترجّى الحياة الأبديّة، لا يجد ضرورةً للتوبة، ولا أن يسأل الرّب أن يذكره في ملكوته، ولا تتسللّ إلى فكره مسألة العقاب والثواب في الحياة الثانية، إذ إنّ الرّب سيحاسبنا في تلك الحياة على الأعمال الصّالحة وغير الصّالحة الّتي قمنا بها على هذه الأرض. وهذا ما يجد له تفسيرًا في المقولة السائدة في مجتمعنا أنّ كلّ إنسان عندما يغادر هذ الفانية لن يأخذ معه إلاّ أعماله الصّالحة. إذًا، إنّ توبتنا وتفكيرنا بالحياة الثانية والسّعي لها هما يُعبِّران عن إيماننا بالرّبّ يسوع وقيامته من بين الأموات. قبل قيامة الرّبّ يسوع من بين الأموات، عاش سرّ الفداء، إذ حمل صليبه وسار في طريق الجلجلة، وبالتّالي فقد تحمّل الآلام، وعاش صعوبات كثيرة. إنّ ما عاشه يسوع يخلق في داخلنا الرّجاء حين نمّر بصعوبات، ونحن لا محالة، سوف نمرّ بصعوباتٍ والآمٍ كثيرة وسنحمل صلباننا ونموت، قبل أن نصل إلى القيامة. لذا على الإنسان أن يصبر حين تعترضه الصعوبات، وأن يتمسّك بإيمانه بالرّبّ يسوع وبرجائه بالحياة الثانية. فإن تَمَسَّكنا بإيماننا، فإنّه سيقوّينا ويطرد عنّا اليأس، والتساؤل حول جدوى إيماننا بالله.
إخوتي، استنادًا لتقييمنا لمسيرة السنوات الثلاث لهذه الجماعة في دير مار يوسف المتين، نجد أنّ لها أهميّة كبرى في رعيّتنا، إذ إنّ الرعيّة قد تشرّبت روحانيّتها. وإنّ مَن يُقيّم مسيرة هذه الجماعة في لبنان، ويرى مدى انتشارها وتوسّعها في داخل الوطن وخارجه، يُدرِك أنّه لولا الرّوح القدس وعمله في المنتمين إلى هذه الجماعة وتجاوبهم مع إلهاماته، لما تمكّنت من قطع كلّ تلك المسافات البعيدة: فهذه الجماعة متواجدة في لبنان من شماله إلى جنوبه، ساحلاً وجبلاً وبقاعًا، كما أنّها متواجدة في بلدان عديدة في بلاد الانتشار. كلّ ذلك يدّل على روحانيّة الجماعة المتّجسّدة في أعضائها، والّتي تدّل على عمل الله فيها.
إنّ جماعة "أذكرني في ملكوتك"، ليست مجرّد جماعة تصّلي للراقدين من بيننا إذ إنّها تؤمن بأنّهم سيقومون كما قام الرّبّ يسوع والذي هو باكورة الراقدين؛ بل تتخطّى ذلك لتساعد المؤمنين في مجاهدتهم في هذه الحياة ليتمكّنوا من الحصول على الحياة الثانية حين انتقالهم من هذه الفانية.

تتمة...
2/10/2016 علامات مجيء الملكوت الأب جورج نخول

عظة الأب جورج نخول
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
كنيسة مار الياس – زوق الخراب، الضبيه

2/10/2016

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الاله الواحد، آمين.

يسعدنا اليوم، في الأحد الأوّل من هذا الشهر المبارك، أن نحتفل مع جماعة "اُذكرني في ملكوتك" في رعيّتنا، بالذبيحة الإلهيّة لنصلّي من أجل إخوتنا الراقدين جميعًا، من آباء وأمّهات، إخوة وأخوات.
لا بدّ لنا أوّلاً من التكلّم عن النّص الإنجيليّ الّذي قرأناه اليوم، والّذي كتبه متّى الرّسول. إنّ هذا النّص يتناول موضوع علامات مجيء الملكوت، وهو موضوع يشغل بال الكثيرين في أيّامنا، إذ إنّهم يهتمّون للأقاويل والأحاديث الّتي تتعلّق بمجيء الملكوت ونهاية العالم. إنّ الربّ يسوع المسيح قد اختصر بشخصه كلّ الحقيقة، إذ قال عن نفسه: "أنا الطريق والحقّ والحياة، مَن يتبْعني لا يمشِ في الظلام". ولكنّنا نتساءل، بعد هذا الكلام الصّادر عن الربّ يسوع، عن الحقيقة الّتي ما زال الإنسان يبحث عنها، وعن الّذي ينتظره. إنّ المسيح قد قال لنا كلّ شيء بشخصه. في كتاب التعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة، نقرأ بأنّ الربّ يسوع المسيح، ابن الله، قد كشف لنا عن الله الآب، بشخصه مرّة واحدة ووحيدة ونهائية. أمّا السؤال الّذي يُطرح الآن، فهو: لماذا تمكّن الابن فقط من أن يكشف لنا عن حقيقة الله الآب؟ والجواب بسيط، لأنّه مع الله الآب منذ البدء، وهو ابنه الأزليّ. إنّ النّص الإنجيليّ يضيف على كلام الربّ يسوع قائلاً: إنّه سيأتي بعد المسيح أشخاصٌ يدّعون أنّهم "المسيح المنتظر"، وبأنّهم يملكون الحقيقة، ويقومون بأعمال عظيمة خارقة، غير أنّ الإنجيل يصِفهم بالـمُسحاء الدجّالين، ويدعونا إلى عدم تصديقهم. إنّه، بقدر ما نسأل ذواتنا عن نهاية العالم، بقدر ما نعي أنّ الربّ يسوع هو البداية والنّهاية: إنّ الرّب هو بداية كلّ شيءٍ ونهاية كلّ شيءٍ في هذه الحياة.

أحبائي، إنّ المرجعيّة الحقيقيّة هي الربّ يسوع، ويقول لنا نصّ الإنجيل إنّ ذلك اليوم وتلك السّاعة، لا أحد يعرفهما ولا حتّى الابن، إلّا الآب وحده، فعبثًا يحاول البعض توقّع ذلك، لأنّ الحقيقة سوف تسطع وستظهر لجميع النّاس، ولا يعود هناك من أمرٍ مخفيّ، فإنّ أعمال الربّ يسوع، الّذي هو الحقيقة الحقّة، لم تكن مخفيّة بل علنيّة، ظاهرة للجميع. أحبائي، كثيرةٌ هي الروايات والأخبار الكاذبة الّتي تدخل بيوتنا، ففي كلّ يوم، نستفيق على أخبار كاذبة تضلّل المؤمنين وتجعلنا نشعر بتهديدها لمصيرنا، وبالتالي تحاول هدم كنيسة الله، الحاضر فيها.

أحبائي، إنّ غاية يسوع المسيح هي عدم تشتيت شعب الله وعدم ضياعه، فغاية يسوع هي خلاص الشعب. يُخبرون عن إنسان كان يمشي في الصحرّاء حيث حرارة الشمس قويّة وحارقة. فما لبث أن عَطِشَ وبدأ يبحث متلهّفًا للماء، عساه يَروي ظمأه. وما إن لاحت له واحة الماء في الأفق، حتى أسرع راكضًا باتجاهها، غير أنّه لم يلبث أن اكتشف حين وصل إليها أنّها سراب، فهوى على الرّمال الحارقة، يائسًا، ومخيّب الأمل. إنّ هذا السّراب في الصّحراء يمثِّل المسحاء الدّجالين، الّذين يتكلّم عنهم إنجيل اليوم، هم الّذين يُوهِمونَك بأنّهم حاملو الخلاص والبشرى السّعيدة لك. إنّهم مخطئون، إذ ليسوا هم من تنتظرهم نفوسنا، فنحن شعبٌ لا يؤمنُ ولا يسمع إلّا كلمة الله الموجودة في الإنجيل.
إنّ الكاهن على المذبح، عليه أن يعظ بكلمة الله، الّتي منها يستمدّ قوته. إنّ الرّبّ يسوع، في الإنجيل حذّرنا من المسحاء الدجّالين، لذا علينا الحذر من الانقياد إلى أقوالهم. إنّ الربّ يسوع قد حذّرنا من أقوال أولئك، لأنّه عالِـمٌ بالصعوبات الّتي تواجه المؤمن، وهو قد اختبر تلك الصعوبات بنفسه، إذ تعذَّب وتألّم، شُتِمَ وقيل عنه الافتراءات والأكاذيب. لذا فهو قد أعطانا نعمة خاصّة بالمؤمنين، يحصلون عليها في لحظة عمادهم، إذ يُمسحون بالميرون،

تتمة...
1/10/2016 ديانتنا هي ديانة رجاء الأب شربل القزي

عظة الخوري شربل القزي
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
كنيسة سيّدة لبنان - لندن
الذكرى السابعة لانطلاقة جماعتنا

1/10/ 2016

في الأحد الثالث من زمن الصّليب هذه السنة، يصادف اجتماع مناسبتيْنِ جميلتيْنِ هما: عيد القدِّيسة تريزا الطفل يسوع، وقدّاس جماعة "اُذكرني في ملكوتك" الشهريّ. وفي هذه المناسبة، نتقدّم بالمعايدة لكلّ مَن يحملن اسم القدّيسة تريزا ونطلب شفاعتها في يوم عيدها.

إنّ القدِّيسة تريزا تُوُفيّت شابّة، في الثالثة والعشرين من عمرها. عائلتها تتألّف من خمس بنات، دخلن جميعهنّ إلى الدّير طالبات اتّباع يسوع من خلال الحياة الرّهبانيّة. هذه الشابة، الّتي تُوُفيّت في الثالثة والعشرين من العمر، أصبحت قدِّيسة، وقد أعلنتها الكنيسة "معلّمة في الكنيسة". إنّ هذه القدِّيسة تشكِّل أمثولة لنا، ومن حياتها نتعلّم أنّ القداسة ليست صعبة المنال، بل إنّها سهلة التحقيق شرط أن يتخّذ الانسان قرارًا بذلك، ويصمّم على تحقيق هذا الأمر على الرغم من الصعوبات الّتي تواجهه.

قد نحزن لموت تلك القدِّيسة الشابة في عزِّ صباها؛ أمّا هي، فكانت تتشوّق للموت لأنّه سيمكِّنها من الالتقاء بحبيبها. فعندما يكون الإنسان على موعدٍ مع حبيبه، لا يحزن إن وصلَ قبل الوقت. انطلاقًا من هذه الفكرة، أودّ أن نفكِّر سويّةً في الاجابة على السؤال التّالي: لِـمَ نخاف الموت؟ إنّ القدِّيسة تريزا ماتت، وكانت لا تزال شابّة لكنّها كانت سعيدة جدًّا لأنّها ذاهبة إلى من تحبّه، وقد عبّرت عن فرحها هذا بقولها بأنّها ستقوم برمي الورود من السّماء على الأرض. لقد طلب الكثيرون شفاعتها، فاستجاب الرّبّ لهم بشفاعتها بمَنحِه إيّاهم النِعَم الّتي طلبوها.

إنّنا اليوم، نقدِّم الذبيحة الإلهيّة من أجل أمواتنا. وأنا لا أعتقد أنّ أحدًا منكم كان ليؤكدّ أنّه سيجد فعلاً مَن يصلّي له، حين ينتقل من هذه الأرض الفانية إلى الحياة الثانية، حين يحين ذلك اليوم وتلك السّاعة الّتي يطلب فيها الرّبّ منّا الوديعة. ولكنّ السؤال الّذي يُطرح علينا من خلال حياة القدِّيسة تريزا هو: هل سنفرح إن غادرنا هذه الأرض باكرًا لنلتقي بالحبيب؟ لا أعتقد ذلك. في هذا الصّدد، أودّ أن أخبركم قصّة كاهنٍ مُسِنٍّ كان يُصلّي إلى الرّبّ قائلاً له: يا ربّ، إنّي أتبعك في هذه الدنيا الفانية، وفي تلك الدنيا أيضًا سأكون معك، فأرجوك اتركني في هذه الفانية وقتًا أطول، لأنّي سعيدٌ فيها. ونحن أيضًا، سعداء في هذه الدنيا كما هي حال هذا الكاهن، ولكنّنا مثله أيضًا نخاف الانتقال إلى الحياة الثانية، وذلك لأنّ الإنسان بطبيعته، يخاف من المجهول، كما أنّه لا يثق بكلام الله الصّادق والأمين. إنّ الرّبّ يقول لنا إنّ الحياة الثانية هي أفضل من هذه الّتي نعيشها؛ فإن كنّا نصدّق الله، لِـمَ الخوف من الموت؟ إنّ مار بولس الرّسول، وقف عاجزًا عن التعبير في وصف ما ينتظرنا بعد الموت، فقال: "ما لم ترَهُ عينٌ، ما لم تسمع به أذنٌ، أعدّه الله لمختاريه". فإن كنّا نصدّق كلام الله، فعلينا أن نُدرك أنّ ديانتنا المسيحيّة هي الديانة الوحيدة الّتي تكلمّت عن انتصار الحياة على الموت، إذ غلب المسيح الموت، وانتصر عليه. أنا كمؤمن بالمسيح، أستطيع الانتصار على الموت وعيش القيامة، كما قام يسوع بعد الموت، حين انتصر عليه. لذلك، فإنّ هذه التقاليد الوثنيّة، الّتي دخلت إلى ديانتنا، تلك العادات المتمثِّلة بارتداء الثياب السوداء، وبالبكاء والنّواح، لا تنبع من ديانتنا، فديانتنا هي ديانة رجاء إذ تعطي الإنسان المؤمن رجاءً بأنّ حياة أفضل من هذه، تنتظره.

إذًا، إنّنا نذكر اليوم في ذبيحتنا الإلهيّة جميع موتانا، ونصلّي لهم من أجل سعادتهم الأبديّة بعد الموت، عبر الالتقاء بالمسيح، ونَعِدُهم بالصّلاة من أجلهم باستمرار، فهم أحبّاؤنا ونحن لن ننساهم أبدًا. إن اسم جماعتكم "اُذكرني في ملكوتك"، لَهُوَ محبّب على قلبي كثيرًا، إذ إنّ كلّ واحدٍ منّا يتمنّى أن يصرخ إلى الرّبّ يسوع قائلاً: "اُذكرني في ملكوتك"، متأمِّلاً أن يسمع منه الجواب نفسه الّذي قاله للّص اليمين بأنّنا سنكون معه في الفردوس، يومًا ما، حين انتقالنا. آمين.

ملاحظة: دُوِّنت العظة من قبلنا بتصرّف.

تتمة...
27/9/2016 تهدف إلى أن يُدرك المؤمنون من جديد بأنّ الحياة لا تنتهي عند الموت الخوري جوزف عويس

عظة الخوري جوزيف عويس
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
كنيسة القدّيسة مورا – بيادر رشعين

24/9/2016

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

أبتِ الجليل،
إخوتي الأحبّاء،

بدايةً، أرحّب بجماعة "اُذكرني في ملكوتك"، الّتي قدِمت إلينا من منطقتَي جونية وبيروت، لتشاركنا في القدّاس الّذي نحييه كلّ سنة، في مثل هذا اليوم، احتفالاً بانضمام رعيّتنا للجماعة، مقدّمين الذبيحة الإلهيّة من أجل كلّ الموتى المدفونين بجوار كنيسة القدّيسة مورا، ومن أجل موتانا جميعًا نحن الحاضرين اليوم.

تربطنا بهذه الجماعة علاقة موّدة وصداقة: فرعيّتنا كانت الخامسة في الانضمام إلى جماعة "اُذكرني في ملكوتك"، وكان ذلك سنة 2008. إنّ هذه الجماعة تسعى إلى إقامة الصّلوات وتقديم القرابين من أجل راحة نفوس الموتى الراقدين، وبذلك تهدف إلى أن يُدرك المؤمنون من جديد بأنّ الحياة لا تنتهي عند الموت، وأن تُظهر لهم نور القيامة الحقيقيّة، الّذي هو يسوع المسيح. وفي الكنيسة المارونيّة، نرتّل، في أسبوع الموتى وأحد المرفع، بما معناه أن ليس في الأكوان قبرٌ مفتوح، يفوح منه عطر الريحان إلاّ القبر الحيّ، أي قبر يسوع المسيح، الّذي قد أصبح البشر على شبه صورته ومجده. إنّ المسيح كفيلٌ بأن يمنح الملكوت، لكلّ شخص ينتقل من هذه الدّنيا، ويرقد على رجاء إيمانه بالرّبّ يسوع، ونعبّر عن ذلك أيضًا في صلوات الجنّاز فنعترف بإيماننا بيسوع المسيح القائم من الموت والمنتصر عليه، وبقوّة الصّليب الرّب الّتي تشكِّل لنا جسر العبور نحو الحياة الأبديّة.

إنّنا نحتفل بهذا التذكار للموتى، بمناسبة عيد القدِّيسة الشهيدة مورا، الّتي بذلت حياتها حبًّا بالمسيح يسوع. وفي سنة 2008، تزامن عيد القديسة مورا الشهيدة مع انضمام رعيتنا لهذه الجماعة، فأضفت هذه القدِّيسة بُعدًا لاهوتيًّا لها، وهي أنّ الشهادة للمسيح تشكِّل جسر عبور نحو القيامة. ومن هذه القدِّيسة نتعلّم ألّا نخاف من تسليم ذواتنا للرّب، وأن نسعى لنكون شهودًا حقيقيّن له في هذا العالم. إنّ كلّ إنسانٍ في العالم، سوف يشاهد وجه الرّبّ، بعد الموت، فيُدرِك حينها كل إنسانٍ أنّ يسوع هو مخلّصه من الموت، وأنّه لولاه، لما حصل على الملكوت.

تتمة...
13/9/2016 عيد ارتفاع الصليب المقدس الأب عبود عبود

عظة الأب عبود عبود الكرمليّ
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
دار المسيح الملك- زوق مصبح

13/9/2016

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.

في هذا المساء المبارك، نجتمع في مناسبتين سارّتين، الأولى هي الذبيحة الإلهيّة الّتي نحتفل بها مع جماعة "اُذكرني في ملكوتك"، كالعادة في هذه الكنيسة، كنيسة يسوع الملك، في الثلاثاء الثاني من كلّ شهر في تمام السّاعة السادسة مساءً، وفيها نصّلي ونذكر بشكلٍ خاصّ أمواتنا جميعًا. إنّني أتمّنى أن يكون يسوع الملك، مالكًا على قلوبكم جميعًا كما هو مالك على العالم بأسره. وأمّا المناسبة الثانية الّتي تجمعنا اليوم فهي أنّ اليوم يُصادف ليلة عيد ارتفاع الصليب المقدّس. إنّ الكنيسة قد احتفلت الأسبوع الماضي بعيد مولد العذراء مريم، واليوم تحتفل بعيد الصليب، وها هي الأعياد تتوالى في هذا الشهر، فأتمّنى لكم جميعًا أن تبقى الأفراح عامرة في بيوتكم.

في هذه المناسبة، ليلة ارتفاع صليب يسوع، نطرح على ذواتنا سؤالاً كبيرًا جدًّا وهو: لماذا صُلِبَ يسوع على الصليب؟ ولماذا مات يسوع المسيح؟ إنّ مثل تلك الأسئلة الأساسيّة لا نستطيع الإجابة عنها في وقت قصير لا يتجاوز الدقائق الخمس، فالإجابة عليها ليس بالأمر السهل أبدًا، غير أنّه لا يمكننا أن نتناسى أنّ هذه الأسئلة هي في صلب إيماننا المسيحيّ، وفي صلب حياتنا كمؤمنين بالمسيح.
في هذا الإنجيل الّذي قرأناه اليوم، نرى أنّ المسيح هو ذو قيامة جديدة: فلو لم يقم المسيح، لما كانت هناك حياة جديدة، ولما كان لنا الفرح، ولما دامت المسيحية، إذ إنّ القيامة هي في صلب إيمان الكنيسة. إنّ يسوع رُفِعَ على الصليب، وبه خُلِّصنا من الموت والجحيم. لقد كان الصليب في الماضي، حماقة وإذلالاً للإنسان، أمّا بعد موت المسيح فقد أصبح بالنسبة لنا نحن المسيحيّين مصدر فرح بقيامة الرّبّ، ومصدر انتصار الموت على الحياة، إنّه يمثِّل اللّقاء بين الحبيبين: الله والإنسان.

إنّ عيش الصّليب وتطبيقنا لمفهومه المسيحيّ في حياتنا اليوميّة، يكون من خلال تصرّفاتنا وأفكارنا اليوميّة الّتي يجب أن تتعالى وتنفصل عن الأرضيّات كلّما ازددنا اتحادًا بالرّبّ يسوع. إنّ تصرّفاتنا الأرضيّة، وأفكارنا الأرضيّة، ونظراتنا الأرضيّة إلى الأمور قد تُوصلنا إلى الجحيم في أوقات كثيرة، لكن نشكر الله على أنّ رحمته لنا هي أكبر من خطايانا نحن البشر، وهذا ما يشكِّل مصدر تعزيةٍ لنا. إنّ مثابرتنا على قراءة الكتاب المقدّس، وعيشه في حياتنا اليوميّة هو الّذي سيمكّننا من التعالي عن الأرضيّات، لأنّ يسوع المسيح سينمو في داخلنا، ولا يلبث أن ينعكس نوره فينا إلى الآخرين، فعندها يدركون أن المسيح يقيم فينا. هكذا عاش قديسونا وقديساتنا الّذين نحتفل بأعيادهم في الكنيسة، فهم قد عكسوا في حياتهم وجهًا من أوجه المسيح، فرأى فيهم الآخرون إمّا صورةً ليسوع المعذّب، وإمّا صورةً ليسوع المنتصر على الموت، وإمّا صورة للمسيح سيّد السّلام. وقد أتجرأ وأقول، إنّ بعض قدّيسينا قد عكسوا صورة ليسوع المسيح الّذي عاش في بعض مراحل حياته اضطرابات وفترات من عدم السّلام، إذ إنّ حياة كلّ إنسان معرّضة لتقلبات عدّة جرّاء الظروف الّتي يعيشها. إن الإنسان قد يعيش لحظات من الفرح أو الحزن من دون أن يعرف أسباب ذلك. إنّ كلّ حزنٍ نعيشه، سببه يكمن فينا لا في الآخرين، لأنّه إن كنّا أقوياء في المسيح، فإنّ الآخرين لن يتمكّنوا من انتزاع هذا السّلام منّا مهما فعلوا. إن كان المسيح معي، فأنا بالتأكيد سأكون في حالة من الفرح والسّلام الداخليّ دائمًا، أمّا إن لم يكن كذلك، فأنا سأنظر إلى كلّ الأمور الدنيويّة بطريقة ماديّة، شهوانيّة، سلطويّة، بشريّة، مع لوم الآخرين على سبب حزني. إنّ المسيح يسوع، ابن الله، جاء أرضنا ليؤله الإنسان. إنّ المسيح صُلب في هذا العالم، وكذلك الإنسان سوف يُصلب في هذه الدّنيا، وإن بطرقٍ مختلفة عمّا كان الأمر مع المسيح، إذ "ما من تلميذٍ أفضل من معلّمه": فإنّ كنّا نحن تلاميذ المسيح، وأولاد أمّنا مريم العذراء، فنحن سوف نتقبّل صليبنا بفرحٍ لأنّنا مُدركون أنّ بعد الصّليب، يكمن الفرح الدائم والحياة الأبديّة.

إنّنا جميعنا، قد فقدنا في هذه الفانية، أشخاصًا أعزّاء علينا، أكانوا أجدادًا، أم أباء وأمّهات أم إخوة وأخوات، ولكن ما يُعزّينا هو رجاؤنا الكبير بأنّنا سنلتقي يومًا ما بهم في الحياة الأبديّة "حيث لا وجع، ولا ألم، ولا تنهّد"، كما نقول في رتبة الدّفن في الكنائس الّتي تتّبع الطقس البيزنطيّ. إنّ المسيح يسوع، جاء إلى أرضنا، وانحنى على الانسان الخاطئ والمتألم، وأخذ كلّ أوجاعه وعاهاته كما فعل الآب مع الابن الضّال، ووهبنا بدلاً عنها دفقًا من حبّه وحنانه ورحمته للبشر.

في هذا المساء المبارك، وفي هذا العيد، عيد الصليب، فلننظر إخوتي إلى الصّليب حيث عُلِّق يسوع، هو الّذي نظر إلى خطايانا وأوجاعنا، والّذي نظر إلى أوهامنا وتفكيرنا، فأخذها كلّها على عاتقه، معطيًا إيّانا السّلام بدلاً منها. ولكن السؤال الّذي يُطرح علينا هو: أين نحن من الصّليب؟ وأين نحن من يسوع المسيح؟ فإن كنّا نريد الحصول والمحافظة على السّلام والفرح والأخوّة في حياتنا، فعلينا أن نكون دائمًا بقربه. إخوتي، أتمّنى لكم في هذا المساء المبارك، أن تجاهدوا في حياتكم اليوميّة فتكون تصرّفاتكم وأفكاركم كلّها علامةً على أنّكم أبناء الرّجاء والقيامة، أبناء المحبّة، إخوّة يسوع المسيح، وأبناء لأمّنا العذراء مريم. آمين.
ملاحظة: دُوِّنت العظة بتصرّف.

تتمة...
1/9/2016 نحن المسيحيّين "شهود الرّجاء" الأب يوحنا داوود

أبرز ما جاءَ في عظة الخوري يوحنا داوود
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
كنيسة سيّدة العناية - البوشريّة

1/9/2016

اسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

ليس وليدُ الصدفةِ أن يتزامنَ الخميس الأوّل من هذا الشهر، الّذي نحتفلُ به مع جماعة "أذكرني في ملكوتك"، بالصّلاةِ من أجل الراقدين، مع بدايةِ السنةِ الطقسيّةِ في كنيستنا الملكيّة. فالكنيسةُ تريدُ تذكيرَ المؤمنين، من خلال هذا الانجيل الّذي اختارته في هذه المناسبة، بأنّه حيث يتواجدُ الرّبّ، تُفتَح أبوابُ الرّجاء، كما تذكّرنا بوعدِه لنا بالقيامة حتّى مِن مثوى الأموات، وتحثُّنا من جديد إلى تثبيتِ رجائنا بمَن هو "القيامة". إذًا، مع أمِّنا الكنيسة، نبدأ هذه السنة الطقسيّة الجديدة ذاكرين الموتى، ممتلئين من الرّجاء الّذي هو يسوع المسيح.

إنّ الإنسان الّذي فقد عزيزًا، يصبح حزينًا إذ لا يعود للحياةِ معنى بالنسبة له. والكنيسة، اليوم، تدفعنا إلى رؤية الحياة من خلال يسوع المسيح، وتذّكرنا أنّ الرّبّ قد مسحَنا بروحِه القدّوس، لذا يجب على منكسِري القلوبِ أن يتحلّوا بالرجاء بقيامةِ الموتى، كما قام المسيح من الموت منتصِرًا. إنّنا، نحن المسيحيّين "شهود الرّجاء"، فمع المسيح القائم من الموت، لم يعد للموتِ من وجودٍ بالنسبة لنا. إنّ حياتَنا نحن المسيحيّين تبدأ من جرنِ المعموديّة، وتنتهي حين نلتقي بالرّبّ وجهًا لوجه في الملكوت، حيث لا حزنٌ ولا بكاءٌ، ولا موت. فالموت لم يعد سببًا لحزنِنا إنّما صارَ سبيلاً إلى الحياة. نحن نصبحُ شهودًا للرّجاء عندما نتمكّن من مرافقةِ أحدِ المحزونين، ونسعى إلى مساعدتِه على عيشِ الحياة برجاءِ القيامة بيسوع المسيح. إنّ جماعةِ "أذكرني في ملكوتك"، هي جماعةٌ ممسوحةٌ من الرّوح القدس، ومعها نتابع قدّاسَنا اليوم مُعلنينَ إيماننا بالرّبّ يسوع المسيح.

ملاحظة: كُتب من قِبلِنا بتصرّف.

تتمة...
26/8/2016 إنّ هذا الإنجيل يدفعنا إلى عيش المحبّة وإخلاء الّذات الخوري يوسف الخوري

عظة للخوري يوسف الخوري
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
رعيّة سيّدة الخلاص- مرجبا

26/8/2016

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

المسيح قام ... حقًا قام! ونحن شهودٌ على ذلك.

إنّ انجيل اليوم، يُطلِعنا على دور المسيحيّ في مجتمعه، وما هو المطلوب منه. إنّ يسوع في هذا الانجيل يُخبر تلاميذه بأن كثيرين قد أبغضوه، وشتموه، ولعنوه، وبصقوا عليه لأنّه يقول الحقّ، وعنه تكلّم الكتاب حين قال إنّه أُبغِضَ دون سبب. إنّ مَن يتكلّم بالحقّ، فسوف يتّم إسكاته وتجاهله، لأنّ قول الحقّ يزعج كثيرين إذ تتضرّر مصالح كثيرة. ولكنّ على الرّغم من ذلك، عليك أن تتكلّم بالحقّ دائمًا، وتسعى كي تعيش المسيح في حياتك.

سمعتُ قصّة تقول إنّه في القديم، عندما كانوا يذهبون في رحلات حجٍ إلى القدس، كان كلّ شخص يأخذ معه كفنَه، وهو عبارةٌ عن شرشف أبيض أو منشفة بيضاء، يضعها على قبر المسيح عند وصوله فيتبارك، ثمّ يعود فيسترجعه ويحتفظ به إلى يوم انتقاله من هذه الدنيا، فيُوضع بناءً على طلبه، في هذا الكفن الّذي أصبح مقدَّسًا، تعبيرًا عن رغبته في أن تكون روحُه حيّةً في الملكوت.

إنّ جماعة "أُذكرني في ملكوتك"، تشهد للملكوت، مع المؤمنين جميعًا، وهذه الشهادة ليست فقط من أجل ملكوت السّماوات، فإن كانت جماعة "أذكرني في ملكوتك" تصلّي فقط من أجل ملكوت السّماء، فهي أشقى النّاس والخاسرة الكبرى. لقد حصلنا نحن المؤمنين على ملكوت الله، في المعموديّة أوّلاً، ثمّ بجسد يسوع المسيح الّذي نتناوله في كلّ ذبيحة نشترك فيها، وفي حياتنا اليوميّة الّتي نشهد فيها للمحبّة. إنّ الانسان ضعيفٌ لذا لا تخلو حياته اليوميّة من بعض الواقف المتشّنجة وبعض التّصرفات الخاطئة غير أنّ الانسان يستطيع أن يجد الحلّ لكلّ هذه السقطات عبر الاعتراف بها أمام الكاهن وتجديد مواعيد معموديّته. إنّ جماعة "اُذكرني في ملكوتك" تعمل على هذه الأرض من أجل ملكوت السّماء، كي يكون متجسدًا وظاهرًا في هذا العالم. إنّ أعضاء جماعات "اُذكرني في ملكوتك"، المنتشرة في رعايا عديدة في لبنان وبلاد الانتشار، يُدركون معنى "ملكوت الله"، ويفهمون معنى الآية الانجيليّة: "اُذكرني في ملكوتك". إنّ لصَّ اليمين المصلوب قرب يسوع، قد طلبَ من الرّبّ أن يذكرَه حين يأتي في ملكوته، فكان له ما أراد. إنّ غالبيّة المسيحيّين اعتقدوا أنّ ملكوت السّماء يشير إلى السّماء فقط، وتجاهلوا أنّ الرّبّ يسوع قال في مكانٍ آخر إنّ ملكوت الله في داخلكم. إنّ عيش ملكوت الله على الأرض، هو أمرٌ مكلفٌ جدًّا للمؤمن. إنّ الكتاب يقول إنّ الكثيرين قد أبغضوا يسوع بلا سبب، ويقول الكتاب إنّ من يبغض يسوع، يبغض الله الآب.

إنّ يسوع يقوم بإعادة تعليم الكتاب أي التّوراة، وبذلك يريد يسوع لفت انتباه اليهود، إلى أنّ ما يعلّمه لا يناقض الشّريعة إنّما يكمّلها، وهو يسعى لكي يُوضح صورة الله الحقيقيّة لليهود. نحن نقول في الكثير من الأحيان، إنّ الله موجود، لكن من هو الله؟ إنّ الكنيسة تعطينا جوابًا واضحًا مُستقى من الأناجيل وأقوال التّلاميذ، بأنّ الله هو محبّة، وعلينا أن نعيش، نحن المسيحيّين، بموجب تعاليم الانجيل وتعاليم الكنيسة. إنّ المسيح يسوع قد وعدنا عند صعوده إلى السّماء بأنّه سيُرسِل لنا من عند الآب، روح الحقّ الّذي سيعلّمنا. إذًا علينا أن نسمح للرّوح القدس بأن يعلّمنا كلّ ما قاله يسوع، وأن نقبل بأن نكون تلاميذ لهذا الرّوح الّذي نلناه في المعموديّة. إنّ العلامة الحسيّة لوجود الرّوح القدس، هي تحويل الخبز والخمر إلى جسد المسيح ودمه. إنّ هذا الجسد والدّم، هما علامة حسيّة لحضور الرّبّ يسوع في العالم كما أنّهما علامة لحضور الرّوح القدس، وعلامة لحضور الله الآب؛ إنّ هذا الحضور الثالوثي لله في الذبيحة الإلهيّة، من شأنه أن يخبرنا عن هذه العلاقة المتينة الموجودة بين الأقانيم الثلاثة. إنّ هذه العلاقة تشكِّل دعوةً لنا، لكي نكون شركاء مع الله الآب والابن والرّوح القدس، إن أصغينا للرّوح القدس، فإن لم نصغِ له، فنحن لن نتمّكن من عيش ملكوت السّماء على الأرض. إنّ هذه الشراكة بين الأقانيم الثلاثة هي دعوةٌ من الله لنا لكي نعيش مع الآخرين شراكة على مثال الشراكة الإلهيّة، مبنيّة على المحبة، تلك المحبّة الّتي علّمنا إيّاها يسوع على الصّليب. إنّ يسوع قد حقّق ملء المحبة على الصّليب، بإخلائه لذاته، فقد تخلّى عن كلّ شيء، ورضِيَ أن يموت معلّقًا على الصّليب، كي يظهر للإنسان محبّة الله. إنّ الرّبّ يسوع مات على الصّليب كي يخلِّص الانسان، وطوعًا لكلمة الله الآب، إذًا مات يسوع من أجل البشر، ومن أجل الله، لقد مات من أجل الاثنين معًا. إنّنا، في حياتنا اليوميّة، كثيرًا ما نواجه أمورًا تتطلبّ إخلاء للذّات، في علاقاتنا مع أفراد العائلة ومع المحيطين بنا. وعلينا أن نتشبّه بيسوع ونتصرّف بحكمة، فنكون على استعداد من أجل إخلاء ذواتنا، حين يتطلّب الأمر ذلك، وعلينا أن نجابهه الشّر بالخير وبعيش المحبة الّتي تتطلّب إخلاءً للذّات. غير أنّ البعض قد يتسلّح باللامبالاة تجاه خصومات الآخرين، فلا يخلي ذاته لأجلهم ولا يتخلّى عن بعض الأمور الّتي قد تعيق تقدّمه الرّوحي، وعوض أن يكون ساعيًا للسّلام بين النّاس، يكون مثالاً سيئًا لا يعكس الملكوت، والسؤال الّذي يُطرح عندها: أين الملكوت وكيف يتحقّق، عندما يختار الانسان الشّر، عوض المحبّة وإخلاء الذّات من أجل الآخر؟

إنّ هذا الإنجيل يدفعنا إلى عيش المحبّة وإخلاء الّذات، وخيرُ تعليم عن المحبة نستقيه من مريم العذراء ويسوع المسيح، فهما قد عرفا كيف يعيشان المحبة وإخلاء الذّات من أجل الآخر. إنّ هذا الإنجيل أيضًا يدفعنا إلى التصالح مع ذواتنا ومع الله قبل أن نتصالح مع الآخرين. في بعض المواقف الغاضبة والمتشّنجة قد تقوم باتخاذ مواقف تجاه الآخر قد لا تلقى لديه تجاوبًا إيجابيًا. في هذه الحالة، حاول أن تجد جوابًا على سؤالٍ يجب أن تطرحه على نفسك: هل أنت قد تخليّت وتنازلت حقًّا عن ذاتك، والآخر لم يقبل بتنازلك هذا؟ إنّ يسوع يعطيك الجواب الشافي على ذلك إذ يطلب منك أن تصارحه أوّلاً على انفراد، فإن لم يقبل تنازلك هذا، أَحضر معك شخصين يشهدان عليك وعلى رغبتك في مصالحة الآخر، وإن لم يقبل في هذه الحالة، فإن يسوع يدعوك لأن تتركه وشأنه وتعامله كوثنيّ. إذًا، إنّ يسوع يدعوك لتتصرّف مع الآخر انطلاقًا من المحبة وسعيًا للسّلام مع الآخر، فإن قبل الآخر محبّتك ورغبتك في توطيد السّلام معه، تكون قد ربحت أخًا، وإن لم يفعل فهو سيكون الخاسر الأكبر لأخٍ له في المسيح يسوع.

تتمة...
30/6/2016 اذهبوا وتلمذوا كلّ الأمم الأب مخايل عوض
https://youtu.be/TyIkZvXG6SU

عظة الأب مخايل العوض
في القدّاس الإلهيّ من أجل الإخوّة الرّاقدين على رجاء القيامة
كنيسة مار الياس الحيّ - عين الصفصاف

30/6/2016

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

المجد الله
إنّ احتفال المعموديّة المباركة هذا، يَطالُ وبشكلٍ مباشر رسالةَ جماعة "أُذكرني في ملكوتك"، لأنّ العماد هو موتٌ مع المسيح، وقيامةٌ معه. فنحن نؤمِن بأنّ أمواتنا يموتون عن هذه الأرض، كي يولدوا في السّماء. لذلك إخوتي الأحبّاء، فالمعموديّة هي باب الأسرار: فمن لا يعتمد لا ينتمي إلى الكنيسة، ولا يستطيع أن يدخل إلى أسرار المسيح، ولا يدخل السّماء، كما قال الرّبّ يسوع، له المجد.

وفي هذا الإنجيل المبارك، يقول يسوع لتلاميذه، ولنا أيضًا اليوم: "اذهبوا وتلمذوا كلّ الأمم". إنّ عبارة "كلّ الأمم" تدّل على عدم وجود أمّة مغايرة عن الأخرى، أي أنّ التبشير يجب أن يشمل كلّ المجموعات البشريّة على حدٍّ سواء. فالمطلوب منّا هو تبشير كلّ الأمم من دون استثناء، أي تبشير المسكونة بأسرها، تبشيرها بالمسيح الّذي مات وقام من أجلي، ومن أجل كلّ إنسان. ومار بولس عند زيارته لأثينا، قال لأهلها إنّه يبشّرهم بهذا الإله المجهول بالنسبة لهم، والّذي وضعوا له نُصبًا مُرفقًا بعبارة "الإله المجهول": إنّه الرّبّ يسوع المسيح الّذي مات، وقام لأجل البشريّة جمعاء.
يُكمِل الربّ يسوع في الإنجيل، فيطلب من تلاميذه أنّ يعلّموا الأمم بأسرها بكلّ ما أوصاهم به، أي أنّه يطلب منهم أن يسعوا كي تحفظ البشريّة بأسرها كلمة الله. لذلك إخوتي، إنّ مسؤوليّة البشارة الملقاة على عاتقنا كبيرة جدًّا. إنّ أحد الآباء قد قام بدراسة فقارن بين الّذين يرتدّون إلى المسيحيّة وهم من ديانات أخرى، وبين أولئك المسيحيّين الّذين يجحدون بالإيمان مُعلنين انتماءَهم لديانات أخرى، فتوصّل إلى النتيجة التّالية، وهي نسبة ثلاثة بالمئة من مسيحيّي العالم يعلنون انتماءهم إلى ديانات أخرى كالبوذيّة والإسلام، ويخرجون عن الإيمان المسيحيّ، غير أنّ نسبة كبيرة جدًّا من النّاس الّذين ينتمون إلى ديانات مختلفة ومتعدّدة يرتدّون إلى المسيحيّة، وهنا يمكننا القول إنّ الكنيسة، اليوم، تنمو وتزدهر. إنّ الفرق العدديّ بين الحالتين كبير جدًّا، وذلك يعود إلى أنّ كثيرين قد بدأوا يرون الحقيقة، ويتعرّفون بيسوع ويحبّونه وقد سمحوا له بأن يلمس قلوبهم. لكنّ السؤال الّذي يُطرح علينا هو: أما زلنا، نحن المسيحيّين، نسمح ليسوع بأن يلمس قلوبنا ويغيّرنا، أم أنّ مسيحيّتنا أصبحت مجرّد عادة؟

تتمة...
28/6/2016 كم تحزنني وتؤلمني هذه الوقفة الخورأسقف بطرس جبور
https://youtu.be/omMlSq1qkXs

عظة الخوراسقف بطرس جبّور
في القدّاس الإلهي لجماعة "اُذكرني في ملكوتك"
من أجل راحة نفس الخوري أنطوان الزاعوق
كنيسة السيّدة - دير نبوح، الضنيّة

28/6/2016

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

إخوتي الكهنة الأجلّاء، أهالي دير نبوح مسيحيين ومسلمين،
حضرة سيّدات جماعة "أذكرني في ملكوتك"،
أيّها الأخوات والإخوة الأحبّاء،

كم تحزنني وتؤلمني هذه الوقفة، وكم يصعب عليّ الكلام عمَّن كان لكم ولي، بمثابة الابن أو الأخ، كما كان لي بمثابة الحبيب، "الخوري أنطوان الزاعوق"، الّذي بوفاته حزنت الأبرشيّة بكاملها، والمنطقة آلمها الـمُصاب فلبست أثواب الحداد. فأيّة عينٍ لم تدمع، وأيّ قلبٍ لم ينفطر حزنًا ولوعةً على من كان في هذه المنطقة نجمًا فأفل نجمه بغتةً، وغاب طيفه، واستُعِيضَ عنهما بكتابات ولافتات غطّت الطرقات والبيوت، فأبكت الصّغار والكبار، وعُبِّرَ عنها بِـحَملِ الجُثمان على الأكُفّ وقرعِ الأجراس حزنًا، وبتعليق الأكاليل والسير طويلاً خلف الجثمان.

لا بدّ من ذكر ما قامت به رعيّة دير نبوح الـمُحِبَّة مسيحيّين ومسلمين. ولا غرابة بما فعلوه وقاموا به يوم مأتمه، لأنّه أحبّهم جميعًا طيلةَ سنّيه الاثنتين والخمسين، وطيلة سنواتٍ كهنوتيّة لم تتجاوز الأربع والعشرين، فبادلوه المحبّة لأنّه أراد أن يبقى بينهم في خدمته، الّتي اختارها لنفسه، وسهر على تصميمها وتنفيذها، قدّرنا الله على مكافأة رعيّة دير نبوح بالأفراح والمسّرات.

إنّ ما تقوم به جماعة "أذكرني في ملكوتك"، الّتي انتسب إليها الخوري أنطوان، عضوًا محبًّا وناشطًا، برهانٌ آخر عمّا كان الخوري أنطوان يكنّه لأعضائها من محبّة واحترام، وعمّا كانوا يبادلونه به من محبّة وتقدير لنشاطه وغيْرته في خدمته وعلى الآخرين وفي كلّ المجالات. فشكرًا من القلب لهذه الجماعة وأعضائها ولحضورهم من بيروت إلى الشمال واشتراكهم في هذه الصلاة الأخويّة، قدَّرنا الله على مكافأتهم بالمحبّة والصّلاة.
وأنت، أيّها الأخ الحبيب، الخوري أنطوان، ماذا أقول عنك؟ لقد كنت الإنسان الإنسان لجميع النّاس، الإنسان الـمُحِبّ والإنسان المضحّي في سبيل الأبرشيّة والمنطقة. هكذا عرفتك الرعايا الّتي كنت فيها خادمًا أمينًا صادقًا، وخاصّةً في هذه الرّعيّة المباركة. لقد كنت الكاهن الفاضل والغيور، المتزيّن بالفضائل الروحيّة والكهنوتيّة، كنت منزّهًا عن كلّ ما هو عيب، ومتساميًا عن الـمّادة، إذ كنت تعطي من جيبك ولا تأخذ ما يحقّ لك. لم تُحدِث خصامًا أو خلافًا في مكان، بل على العكس من ذلك، أوجَدْتَ محبّة وسلامًا. وكنت البسمة الدائمة بين رفاقك الكهنة ولا يزال صوتك يرنّ في آذانهم. غريبة هي الحياة هنا على الأرض، لكنّها طريقٌ، طالت أم قَصُرت، تُوصلنا إلى السّماء. فعلى جماعة "أذكرني في ملكوتك" أن تكمل وعد السيّد المسيح "اليوم تكون معي في الفردوس"، وهذا حقٌّ لك عند الله. ويبقى علينا جميعًا كهنة وعلمانيين، أن نكون القدوة والمثل لجميع النّاس، وأن نكون لهم النّور المضيء وسط ظلمات هذه الحياة، والملح الـمُصلح لما أفسدته الأيّام.
رَحِمَك الله أيّها الكاهن الكاهن، أيّها الكاهن- الإنسان الصالح، أيّها الكاهن الغيور والمضحّي، وأسكنك فسيح جنانه، وألهمنا الله بعدك العزاء والصبر، مقدّمين الشكر إلى أهالي أبرشيّتنا ومنطقتنا مسيحيّين ومسلمين، خاصّين بشكرنا جماعة "أذكرني في ملكوتك"، ومكمّلين وعد السيّد المسيح لنا "اليوم تكون معي في الفردوس". الراحة لنفسك ولنفوس موتاكم جميعًا. ويا آله الكرام، ويا إخوته، ويا أصحابه، ألهمكم الله العزاء والصّبر الجميل، ورزق الطائفة والأبرشيّة على مثاله، كهنة قدّيسين وأفاضل، يعملون لخير وخلاص النّفوس.
شكرًا لكم من القلب، يا أبناء الأبرشيّة، ويا أبناء هذه الرّعيّة الحبيبة، ويا جماعة "اُذكرنا يا ربّ متى أتيت في ملكوتك". رحِمَهُ الله، ورَحِمَ موتاكم جميعًا، وقدّرنا على مكافأة الجميع بالأفراح والمسّرات، دائمًا وأبدًا. آمين.
ملاحظة: دُوِّنت العظة بتصرّف.

تتمة...
14/6/2016 أهميّة الروح القدس في حياتنا الأب عبود عبود الكرملي
https://youtu.be/YqamNcoKfX8

عظة للأب عبود عبود الكرمليّ
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
كنيسة دار المسيح الملك - زوق مصبح
14/6/2016

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.

في الاسبوع الخامس من زمن العنصرة، من زمن حلول الرّوح القدس، نحتفل في هذا المساء المبارك بهذه الذبيحة الإلهيّة الّتي نسمع فيها كلمة الرّبّ ونكسر الخبز والخمر. في زمن العنصرة هذا، الّذي يمتّد إلى عدّة أسابيع، تركِّز الكنيسة على أهميّة الرّوح القدس، المعزّي والمرشد والمقويّ في حياتنا، الّذي وعدنا يسوع بأن يرسله إلينا يوم صعوده إلى السّماء. ونحن قد نلنا في المعموديّة الثالوث الأقدس، الآب، والابن والرّوح القدس. وفي هذا النّصّ من إنجيل القدّيس مرقص، الّذي سمعناه اليوم، يخبرنا الرّبّ يسوع أنّه سيتّم تسليمنا إلى الولاة والملوك للمحاكمة، ولكنّه يطلب منّا ألاّ نهتّم أو نفكِّر بما علينا قوله، إذ إنّ الرّبّ سيرسل إلينا الرّوح القدُس الّذي سيعطينا ويُلهِمنا بما علينا قوله. ويؤكد لنا الرّبّ أنّنا سننتصر على هؤلاء الولاة والملوك، إذ سيدركون كم أنّنا نحبّه، وأننّا متّحدون مع الكنيسة، ومستّعدون للشهادة ليسوع المسيح المخلِّص كوننا رسله.

لقد احتفلت الكنيسة، أمس، بعيد القدّيس انطونيوس البادواني، هذا القدّيس الّذي لم يعش على هذه الأرض سوى ستّ وثلاثين سنة، وتميّز بحبّه للوعظ بكلمة الله، وهذا ما جعل منه مبشِّرًا ومرسلاً ليسوع المسيح. فاللّافت عند هذا القدّيس هو حماسه لإعلان كلمة الله والتبشير بها، وذلك من خلال الوعظ بها، ومن خلال الكتابات الرّوحيّة الّتي تركها لنا.

جميعنا قد حَصلنا على الرّوح القدس في المعموديّة، غير أنّ كلّ واحدٍ منّا يتفاعل معه في حياته بشكلٍ مختلفٍ عن الآخر. فكما أنّ المطر يسقي الأرض كلّها، ويروي كلّ المزروعات والأعشاب، ولكنّ كلّ نبتة تأخذ منه حاجتها، كذلك هي حال الانسان الّذي كلّما تفاعل مع الرّوح القدس الّذي ناله في المعموديّة، نما وكَبُر بشكلٍ أفضل، وأتى بثمارٍ أفضل. ويشبه أيضًا تفاعل الانسان مع الرّوح القدس، الشجرة الّتي كلّما كانت جذورها مترسّخة في الأرض وتأخذ منها ما تحتاجه من الغذاء، كلّما نمت وأعطت ثمارًا طيّبة، ولكن إذا كانت جذورها مريضة غير قادرة على الحصول على حاجتها من الغذاء من الأرض، كلّما كان نموّها بطيئًا وكانت غير قادرة على إعطاء الثّمار. هذا هو حالنا: فكلّما انفتحنا على الرّوح القدس، كلّما ازددنا نموًّا في النّعمة، وشجاعةً للتبشير بالله.

في حياتنا، غالبًا ما نعطي أهميّة كبرى للأقنوم الثاني يسوع المسيح، ابن الله، الّذي تألّم من أجلنا، متجاهلين في الكثير من الأحيان، دور الله الآب الخالق في حياتنا، وكذلك دور الرّوح القدس الـمُقدِّس والمعزّي، على الرغم من أنّنا نعلم أنّ الثلاثة متساوون في الجوهر، ولكن لكلّ منهم دوره الفعّال في حياة الانسان والكنيسة. إذًا، فلنُصلِّ إخوتي يوميًّا للرّوح القدس، ولنسلِّمه حياتنا، فيقدِّسنا وننمو في معرفته، وندرك أهميّته في حياتنا، وفي حياة الكنيسة جمعاء. حين حلّ الرّوح القدس على التّلاميذ في العليّة، انطلقوا إلى العالم كلّه ليبشِّروا بالله، وكان ذلك نتيجة تفاعلهم معه، إذ إنّه منحهم القوّة والعزيمة كي ينطلقوا للبشارة: "اذهبوا في الأرض كلّها، وأعلنوا البشارة للخلق أجمعين". إنّنا، نحن المؤمنين بيسوع المسيح، قد حصلنا على الرّوح القدس، ونحن بالتّالي مرسَلين له في هذا العالم، لذا يتّوجب علينا أن نعيشه في حياتنا ونبشِّر به الخلق أجمعين، مبتدئين بذواتنا ومنطلقين إلى الآخرين، وقد يمنح الله البعض منّا نعمة التبشير به في بلاد الاغتراب.

"وسيسلم الأخ أخاه إلى الموت، والأب ابنه، وسيتمرّد الأولاد على والديهم ويقتلونه": إنّ نهاية هذا النّص الانجيليّ قد تبدو مخيفةً بعض الشيء، لا بل نستطيع أن نقول إنّها تضعنا أمام موقف من الشّك أيضًا. عند قراءتي لهذه الآية، تذّكرت أنّني سمعت منذ فترةٍ قصيرةٍ، في نشرة الأخبار المسائية، خبرًا مفاده أنّ ابنًا قد قتل أمّه لأنّها كانت تعذِّبه. إنّ مثل هذا الخبر يجعلنا نشعر أنّ كلمة الله صادقة، وأنّ كلّ ما قاله يسوع لم يكن فقط لمعاصريه، بل ما زال ينطبق على عالمنا حتّى اليوم. إنّ كلمة الله تبقى مستّمرة على الرّغم من تَغيُّر النّاس، فهي ما زالت فاعلة في مجتمعنا اليوم، إذ إنّها غير مرتبطة بالنّاس ولا تزول عند زوال المبشِّرين بها، على الرّغم من مرور السنين.

تتمة...
13/6/2016 "افرحوا مع الفرحين، وابكوا مع الباكين". الأب ريمون جرجورة

عظة الأب ريمون جرجورة
في انطلاقة جماعة "أذكرني في ملكوتك"
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
في كنيسة الميلاد الإلهيّ- الحضيرة ، بيت الشِّعار.

13/6/2016

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

في رسالة مار بولس إلى أهل روما، تُلِيت على مسامعنا اليوم الآية: "افرحوا مع الفرحين، وابكوا مع الباكين". إنّ الفرح لا يشير إلى الرّقص والغناء، والبكاء لا يشير إلى البقاء حزانى طول الحياة، بل المقصود بتلك الآية، أن نشارك الآخرين مشاعرهم وأحاسيسهم ومواقفهم أيضًا. وبالطبع، لا نستطيع أن نذهب من أجل تعزية أحد المحزونين، ونرقص الدبكة، كما أنّه لا يجب أن نذهب إلى عرسٍ باكين ونائحين.
إنّ بولس الرسول يقول لنا إنّنا كجماعة مسيحيّة قد أعلنت إيمانها بيسوع المسيح القائم من الموت، علينا أن نكون جماعة واحدة بقلبٍ واحد، حاضرة لمواساة بعضها البعض في الأحزان والتشارك في الأفراح. على المسيحيّين أن يتّحدوا مع بعضهم البعض ويتماسكوا أيضًا. وأنا حين أنقل الايمان لابنتي من خلال التعليم المسيحيّ، تسألني هل حقًا هذا ما يُطبّق فعلاً؟ علينا أن نسأل ذواتنا أنحن فعلاً نطبِّق القِيم والمبادئ المسيحيّة في حياتنا؟ إنّنا، نحن المسيحيّين، مدعوّون كي نكون علامة لحضور الله في هذا العالم.
في كتاب أعمال الرّسل، نقرأ أنّ النّاس كانوا يعرفون المسيحيّين من خلال محبتِهم لبعضهم البعض، هذه هي المشاركة الحقيقيّة الّتي نحن مدعوّون لها. إنّ محبّتنا لبعض البعض عليها أن تدفعنا كي نقف جنبًا إلى جنب. إنّ الوقوف جنبًا إلى جنب مع الآخر، لا يعني أبدًا أن نناصره ظالماً كان أم مظلومًا، بل علينا أن نشير إلى أن الآخر قد ارتكب خطأً إن فعل، فنحن لا نستطيع إنكار الحقيقة وإخفاءها أو تغييرها. لكن يجب أن نقف مع الآخر من أجل الاستمرار في السير معًا للوصول إلى الحقيقة الّتي هي يسوع المسيح، الّذي تجسّد، وعاش حياتنا، وكان نبيًا مقتدرًا بالقول والفعل، صُلِبَ وقام من بين الأموات، ومَنَحنا حياةً أبديةً .

في الانجيل الّتي تُليَ اليوم على مسامعنا، نجد فعل محبة كبير من قِبَل الله إذ يعطي الانسان قيمةً كبيرةً جدًّا. في هذا النّصّ الانجيليّ، نقرأ عن اليهود الّذين أرادوا إحراج يسوع من خلال أسئلتهم فيما يختّص بنهار السبت، وبالتّحديد في ما يختّص بشفاء الرّجل ذي اليد اليابسة. فكان جوابُ يسوع بسؤالهم عن إن كان يجوز تخليص خروفٍ وحيد لصاحبه إن وقع في البئر نهار السبت، فأحرجهم بسؤاله هذا عوض أن يُحرجوه. فإن كان يجب تخليص الخروف الّذي وقع في البئر نهار السبت، فكم بالأحرى حال الرّجل المريض يوم السبت!! فإن الإنسان الّذي تملك فيه الخطيئة، ألا يجب مساعدته كي يتخطّى تلك الأزمة؟ إن كان الإنسان محزونًا، ألا يجب أن نواسيه كي يخرج من حزنه، ولو وقع ذلك، نهار السبت؟!! ألا يجب مساعدة الإنسان الّذي يعاني من أزمة، ألا يجب أن نأتي لنجدته ومساعدته؟!!
إذًا، إنّ يسوع يعطي قيمة كبيرة للإنسان كي يجعلنا نُدرك أنّ الله الّذي تجسّد بين البشر وأخذ طبيعتنا البشريّة، يريد أن يرفعنا فنصِل إليه، ونصبح قدّيسين. هذه هي دعوتنا الحقيقيّة والأساسيّة في الحياة.
في ذبيحتنا الإلهيّة هذا المساء المبارك، نرفع صلاتنا من أجل إخوتنا المرضى، كي يمنحهم الرّبّ نعمة الشِّفاء، كما نصلّي من أجل جماعتنا المسيحيّة كي تكون متّحدة مع بعضها البعض بالمحبة وعمل الخير. نصلّي لك يا ربّ، من أجل الّذين سبقونا لملاقاتك، من أهل وأقارب وأحبّاء، وقد قمنا وإيّاهم بمسيرةٍ على هذه الأرض، أمّا الآن، فقد أصبحوا في قلبك، كي يشرق نور وجهك عليهم جميعًا. ويا ربّ، أعطنا، بعد أن نُكمِل مسيرتنا على هذه الأرض، أن نلتقي يومًا ما ، جميعنا بك، حتّى نسبِّحك ونمجِّدك أيّها الآب والابن والرّوح القدس،إلى الأبد. آمين.
ملاحظة: دُوِّنت العظة بتصرّف.

تتمة...
2/6/2016 القلب الـمُحبّ والرحوم، الّذي ينحني على أوجاع الآخرين الخوري جوزف سلوم

عظة للخوري جوزف سّلوم
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
الذكرى العاشرة لانطلاقة جماعة "أذكرني في ملكوتك"
في رعيّة مار فوقا - غادير

2/6/2016

يقول ميخائيل نعيمة: "هذا الجيل عقله في بطنه، وقلبه في جيبه" أي أنّه لا يفكّر إلاّ في الطّعام وفي المال فقط. غير أنّ قيمة الانسان ليست في ما يملك من مال ومقتنيات، ومع ذلك فبعض الصداقات في يومنا هذا، أصبحت ترتكز على المال. نعاني في عالمنا اليوم، من إقطاعيّة المال الّتي نراها في أماكن عديدة وبخاصّة في الانتخابات. إنّ تلك الاقطاعيّة هي إقطاعيّة حديثة وعبوديّة حديثة.
أنا أشبّه هذا العالم بالإنسان الآلي، الّذي لا يملك لا قلبًا ولا رحمةً، لأنّه لا يحبّ، لأنّه يفضّل أن يعيش وحيدًا، وأن يرسم حدودًا تفصله عن أخيه الانسان. إنّ الانسان أصبح بلا رَحِم إذ لا يستطيع الانجاب بمعنى أن تكون علاقاته مثمرة، إذ إنّه وضع حدودًا لأخيه الانسان.

إنّ يسوع أعطى تشبيهًا لهذا العالم قائلاً: "بماذا أشبّه أبناء هذا الجيل؟ هم مِثلُ أولادٍ جالسين في الساحات يتصايحون: زمّرنا لكم فما رقصتم، وندبنا لكم فما بكيتم."(متى 11/ 16- 17). إنّ الخطورة تكمن في ضياع معنى الأمور الّتي يعيشها الإنسان، أي عندما يعيش حياته وهو فاقدٌ لمعناها، يعدّ أيّامه ويعيش لأنّه ما زال في الحياة. أليس هذا استباقًا للموت؟ أليست هذه، حالة موت؟ إنّ عالم اليوم هو في حالة موت: يتحرّك وينام، يأكل ويشرب، يعيش في حالةٍ من الرتابة إذ قد أصبحت كلّ الأمور فارغة من معناها. إنّ الحياة بلا معنى، وبلا لون، يصعب أن تُعاش.

وفي هذا العيد، عيد قلب يسوع، نطلب من الرّبّ قائلين: "اجعل قلبنا مثل قلبك". والسؤال الّذي يُطرح هو: كيف هو قلب الله؟ وبالتّالي، كيف يحب أن يكون قلبنا؟ علينا أن نمتلك قلبًا شبيهًا بقلب يسوع، فنكون مسيحييّن حقيقيّن. وهناك عدّة أنواع من الطرق ليكون قلبي شبيهًا بقلب يسوع.

إنّ القلب الشبيه بقلب يسوع، هو القلب الّذي يحفظ كلمة الله، كما كانت مريم أمّه تفعل، فهي "كانت تحفظ كلّ تلك الأمور وتتأمّلها في قلبها". إذًا النّوع الأوّل من القلوب، هو القلب المتأمِّل، الّذي يحفظ كلمة الله، أي القلب الّذي يعرف كلمة الله، ويتأمّل بها ويصلّيها، يعيشها ويطبّقها في حياته، ويُخبر عنها الآخرين. هذا هو قلب مريم، هذا هو قلب الرّب! وعلى قلوبنا أن تكون مثل قلب مريم ويسوع، قلوبًا تحفظ كلمة الله وتعمل بها، لكن المشكلة تكمن في قلوبنا الّتي أُصيبت بمرض "الألزهيمر"، أي صارت تنسى كثيرًا وصارت غير قادرة على الحفظ.

أمّا النّوع الثاني من القلوب فهو القلب الـمُحبّ والرحوم، الّذي ينحني على أوجاع الآخرين إذ إنّ دموع الآخرين تؤثر فيه، فيتفاعل مع أوجاع النّاس، كما فعلت الأم تريزا دو كالكوتا. فعندما رأت تلك القدّيسة أوجاع النّاس، تركت كلّ شيء، وحاولت جاهدةً التخفيف من آلامهم، وقد بذلت كلّ جهدٍ ممكن لتُنقذ حياتهم، واستّمرت حتى النّهاية في هذا العمل من دون تعبٍ. هذا هو القلب الّذي يجب أن نتحلّى به كمسيحييّن، قلب محبّ رحوم، يذهب للنّهاية مع الإنسان المتألم، من دون أن يستسلم.

تتمة...
2/6/2016 وعلينا أن نسلِّم هذا الرّجاء لأولادنا ولمـَن يحيطون بنا الأب أنطوان خليل

عظة للأب أنطوان خليل
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
كنيسة دير مار يوسف-المتين

2/6/2016

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

إنّ الرّبّ يُكلِّمنا اليوم، من خلال هذا الانجيل للقدّيس يوحنا، فيُخبرنا أنّنا سنعيش خبرات من الألم والحزن، إذ سنتألم لفقدان أحبّاء وأعزاء، قدّموا من أجلنا التضحيات تعبيرًا عن حبِّهم لنا. ويضيف أنّنا سنتعزّى به، هو الرّبّ، الّذي قام من بين الأموات كي يخلِّصنا، وأقام معه جميع الراقدين. إنّنا نترّجى أيضًا، نحن أبناء الإيمان، ولادة الّذين غادروا هذه الأرض الفانية، في أحضان الله الآب. إنّ الرّبّ يدعونا في هذا الانجيل لنطلب منه ما نشاء، فنحن حتّى الآن، لم نطلب منه شيئًا، ويقول لنا إنّه حاضرٌ لتلبية طلباتنا الّتي نرفعها إليه من خلال الصّلوات والنوايا.

إخوتي، إنّ الرّبّ يقول لنا إنّه كلّما اجتمع اثنان أو ثلاثة يكون هو حاضرًا بينهم. وهذا ما تختبره جماعة "أُذكرني في ملكوتك" الّتي تجتمع شهريًّا للصّلاة من أجل شفاء المرضى، وكي يتحمّلوا صعوباتهم وآلامهم، كما تصّلي أيضًا من أجل أولئك الّذين لا رجاء في شفائهم الجسّدي. إنّنا على رجاءٍ كبيرٍ أنّ مرضانا يعتصمون بالصّبر، ويحتملون أوجاعهم متأمّلين بصليب يسوع المسيح الخلاصيّ، ومتعلّقين بإيمانهم به. إنّنا واثقون أنّهم إن أغمضوا أعينهم عن هذه الدّنيا، فسيفتحونها على مشاهدة وجه الرّبّ. وهذا ما يفسِّر لنا حال بعض المرضى الّذين لا تفارق الابتسامة وجوههم، على الرّغم من أنّهم على فراش الألم، وعلى الرّغم من عِلْمهم أنّهم راحلون عن هذه الفانية، يعتصمون بإيمانهم بيسوع المسيح، ويترّجون رؤية وجهه عند انتقالهم.

ونحن أيضًا في هذه الجماعة نصلّي من أجل موتانا الّذين نذكرهم ونستحضرهم، ونشكرهم على تضحياتهم، على تعبهم من أجلنا، وعلى محبّتهم لنا، حين كانوا على هذه الأرض. إخوتي، نحن أبناء وورثة هؤلاء الأشخاص الّذين ربوّنا وأحبّونا، واهتّموا بنا. إنّ هؤلاء الأفراد الّذين التقينا بهم في حياتنا، قدّموا لنا دفعات إيجابيّة في هذه الحياة، دفعاتٍ مليئة بالحبّ والخدمة والتّضحيّة. إنّ هؤلاء النّاس، وإن سبقونا إلى دنيا البقاء، يبقَون بالنسبة إلينا مدرسةً، نستقي من خبراتهم العِبَر والدروس، ونتخذّهم قدوةً لنا في تعاملنا مع الآخرين عبر إعطاء الآخرين دفعات إيجابيّة في هذه الحياة، مليئة بالتضحيات والمحبة والخدمة، كما سبق وفعلوا هم معنا.
إخوتي، إنّه لمهمٌّ جدًّا أن ترتكز لقاءتنا على الإيجابيّة. إنّ الانسان القاسي، لا يثق بالنّاس، وعندما تلتقون بإنسان كثير الحَذَر في علاقاته مع الآخرين، إنّما هذا يكون دليلاً على أنّه تعرّض إلى السلبيّة من قِبَل أشخاص قد التقى بهم في حياته، ويعتبر أنّ تلك اللقاءات قد أعطته دروسًا صعبة في الحياة، ولذا هو أصبح، على حَذَر مع النّاس أجمعين. إنّ الحياة، من خلال صعوباتها، قد غيّرت هذا الإنسان الطفل، الّذي هو كتلة من المحبّة وهو أيضًا إشعاع ربّنا في خليقته، وجعلته ما هو عليه الآن، فما عادت تظهر على وجهه محبّة ربّنا وتضحياته من أجلنا: إنّ ربّنا قد مات كي يُخلِّصنا من خطيئتنا. لذلك علينا أن ننتبه ونفكّر جيّدًا قبل لقاء أحدهم ورؤيته، وقبل اتخاذ مواقف تجاهه. علينا أن نسعى كي نكون إيجابيّين مع الآخرين، محبّين لهم، ومضحيّن في سبيلهم، كي لا نغيّر فيهم الطفل الموجود في داخل كلّ إنسان فنبعدهم عن الرّبّ بتصرّفاتنا.

تتمة...
10/5/2016 وصيّة المحبة الأب عبود عبود الكرملي
https://www.youtube.com/watch?v=Vs3kz1rdjyg

عظة الأب عبود عبود الكرمليّ
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
في دير يسوع الملك- زوق مصبح

10/5/2016

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.

في هذا اليوم المبارك، نجتمع كي نجدِّد حياتنا مع يسوع المسيح من خلال الصلاة، والايمان، والذبيحة الإلهيّة أي في الاشتراك في جسد المسيح ودمه، ولكي نتذّكر أيضًا أمواتنا الّذين سبقونا. صحيح أنّنا نتذّكرهم في كل آن، لكن اجتماعنا هو فرصة كي نتذّكرهم بطريقة جماعية، مع بعضنا البعض.

إنّ هذا الأسبوع هو الأسبوع الأخير من زمن القيامة، زمن الفصح. إنّ زمن القيامة هو زمن انتصار يسوع المسيح على الموت، والخطيئة، وانتصاره على الانسان. بحسب انجيل الأحد المنصرم، يعطينا يسوع وصيّةً جديدةً، وهي أن نحبّ بعضنا البعض كما هو أحبّنا، أي أن نحبّ بعضنا على طريقة يسوع، وليس على طريقتنا. ونحن إذا أردنا أن نحبّ يسوع كما هو أحبّنا، فعلينا أن نُضحيّ بأمور كثيرة كما قرأنا في رسالة اليوم، التّي تتناول عالمين: عالم ما قبل مجيء يسوع المسيح، وعالم ما بعد مجيئه. إن العالم قبل يسوع المسيح كان عالم الشهوات، والسّلطة بل أكثر من ذلك، كان عالم استغلال الإنسان لأخيه، وجعله عبدًا له. أمّا بعد يسوع المسيح، فقد أصبح الانسان ابن الله، وقد أصبح البشر جميعًا إخوة تجمعهم المحبّة. يدعونا يسوع من خلال هذه الوصيّة إلى أن نحبّ بعضنا البعض بالمحبة الّتي أحبّنا بها يسوع على الصليب. فما من إنسان في التّاريخ استطاع أن يضحيّ كما ضحّى يسوع المسيح في حياته. من الممكن أن نجد بعض الأشخاص الّذين يضّحون ببعض الأمور البسيطة كصحتّهم، أو مالهم، أو وقتهم، لكنّهم لم يُضحّوا بحياتهم. أمّا يسوع المسيح فقد ضحّى من أجلنا بكلّ شيء، حتّى بحياته، الّتي هي أغلى ما يملكه الإنسان. "ما من حبٍّ أعظم من أن يبذل الإنسان حياته في سبيل أحبائه"، هذا هو الحبّ العظيم، هذا هو حبّ يسوع المسيح. إنّ يسوع المسيح في هذا الأسبوع يدعونا إلى أن نحبّ بعضنا بعضًا في العائلة، في المجتمع، في الكنيسة، وفي العالم. إنّ يسوع قد دعانا إلى أكثر من ذلك، دعانا إلى أن نحبّ أعداءنا أيضًا، وليس فقط أحباءنا. إذًا على حبّ الإنسان أن يكون متجسدًا مع الآخرين، وليس أن يكون حبًّا أنانيًّا. إنّ هذا الحبّ المتّجسدّ مع الآخرين يسببّ أوجاعًا، وآلامًا، لكنّه مدعاة للفرح أيضًا. لا نريد أن نتذّكر الحزن والألم، فيسوع أعطانا الفرح والسّلام: لقد أخذ كلّ آلامنا، وصعوباتنا، ومشاكلنا، وأعطانا بدلاً منها الفرح، والسّلام، والمحبّة الّـتي تظهر من خلال أعمالنا. إنّ محبتنا ليسوع ستظهر للآخرين من خلال أعمالنا، فهي ستُظهر أنّ يسوع قد غيّر حياتي وأنّه يملك عليها. إنّ محبتي للآخر لا يجب أن تكون بالكلام، إنّما كذلك بالأفعال الّـتي تُترجَم بمساعدة الآخرين في الأمور الّتي يحتاجون فيها لمساعدة. إنّ يسوع في الانجيل يدعونا إلى أكثر من ذلك، فهو يقول لنا: "من يخدمني فليتبعني"، وإتّباع يسوع يجب أن يكون إلى الصّليب، فالمسيح يقول لنا في مكان آخر: "اِحمل صليبك كلّ يوم، واتبعني". وفي بعض الأناجيل ترد "عبارة اِحمل صليبك، واتبعني" بينما في إنجيل آخر ترد: "احمل صليبك كلّ يوم، واتبعني". إنّ عبارة كلّ يوم تعني كلّ لحظة، إذًا علينا أن نحمل صليبنا كلّ يوم ونتبع المسيح. إنّ المسيحيّة هي صليب. في الأيّام الغابرة، كان المسيحيّ يعلّق صليبًا كبيرًا في رقبته دليلاً على أنّ هذا هو صليبه الّذي يحمله، أمّا اليوم فقد أصبح المسيحيّ يضع صليبًا صغيرًا تماشيًا مع الموضة. إنّ صليب المسيح الّذي نحمله هو صليب آلامنا وأوجاعنا، وآلام الآخرين الّتي نشترك فيها مع الكنيسة، فنحن لسنا موجودين وحدنا، بل نعيش مع الآخرين.
والعذراء مريم، الّتي نكرّمها في هذا الشهر المبارك، عرفت كيف تخدم ابنها وتتبعه حتّى أقدام الصّليب. تخيّلوا معي كم تعذّبت هذه الأمّ حين كانت تحت أقدام الصّليب، تنظر إلى ابنها يتألمّ، يتعذّب، ويموت. لقد خدمت مريم يسوع، وتبِعَتهُ حتّى أقدام الصّليب، فعلى هذه الأمّ الّتي أطاعت كلمة الله من دون أن تفكِّر، وتحلّل كثيرًا، أن يكون لها دور مهمّ في حياتنا. فعلينا في بعض الأمور الإيمانيّة أن نضع تفكيرَنا وتحليلَنا لكلمة الله جانبًا، ونسير خلف يسوع واثقين به. في بعض الأحيان، علينا أن نستسلم لإيماننا بالرّبّ متحلّين بتواضعٍ ومحبّة كبيريْن، فنستطيع أن نخدم الآخرين من دون مقابل، فيصل يسوع إليهم عبر خدمتنا لهم. إنّ التفكير مليًّا بالأمور الإيمانية، وتحليلها، والتفكير بما يمليه علينا المنطق يكبِّلنا، ويجعلنا غير قادرين على القيام بأي أمرٍ، وذلك لأنّنا نفكّر بما سيقوله الآخرون. بل علينا أن نقوم بالأمور الّتي يطلبها منّا يسوع، وإن كانت تعاكس المنطق العامّ، فنكون عند ذلك قد ذهبنا إلى العالم كلّه، وأعلنّا البشارة له.
في الصّعود، صعد يسوع المسيح إلى السّماء ليحضِّر لنا منازلَ في الملكوت، إذ إنّ في بيت أبيه منازلَ كثيرة. لقد وعد يسوع الرسل الحزانى بأنّه سيرسل إليهم الرّوح القدس المعزّي الّذي سيعطيهم الاندفاع، لينطلقوا من جديد في الكنيسة، فيعيشوا يسوع ويبشِّروا به، وكان ذلك يوم العنصرة. وهكذا انطلقت الكنيسة، من اثني عشر رسولاً إلى العالم كلّه. انتشرت المسيحيّة، وما زالت تنتشر على الرّغم من ضعفها، وذلك لأنّ الرّسل قد تخلّوا عن حبّهم لذاتهم، وعن حبّ الأمور الطبيعيّة الملموسة من أجل حبٍّ أعظم. هذه هي حال القدّيسين، فالقدّيس أصبح قدّيسًا لأنّه تخلّى عن كلّ شيء، فحصل على كلّ شيء، لقد تخلّى عن كلّ الأمور الّتي تُغري الانسان في حواسه، في نظره، وحصل على كلّ شيءٍ ألا وهو المسيح.

في جماعتنا "اُذكرني في ملكوتك"، هذه الجماعة الّتي كبرت، وانتشرت في العالم أجمع من خلال الصلاة وذكر الموتى في صلواتنا والتأمّل، لأنّ التأمّل الشخصيّ مهمّ جدًّا في حياة المسيحيّ. نؤمن أنّ علاقتنا مع أمواتنا تستمّر ولا تنتهي، فنحن لم ننسَهم، لا بل على العكس، فهم ما زالوا موجودين في حياتنا أمام أعيننا، بإيماننا. وسنلتقي بهم يومًا ما، نحن نصلّي لهم لكي يصلّوا لنا هم بدورهم، فنكون متّحدين. فبالصلاة تتحدّ الكنيسة الأرضيّة، والكنيسة السّماويّة. ونصّلي كي نكون حاضرين عندما ينادينا الرّبّ لملاقاته، والفرحة تغمرنا إذ سنلتقي بالرّبّ وبأمواتنا. نصلّي كي نكون فعلاً ممجدّين للّه، ومسبّحين له في ذلك اليوم، وهذا ما أتمناه للجميع. آمين.

ملاحظة: دُوِّنت العظة مِن قِبَلِنا بِتَصرّف.

تتمة...