البحث في الموقع

كلمة الحياة

العظات

4/12/2014 الإنتقال من الموت الى الحياة الأب الياس مارون غاريوس
https://youtu.be/zV0WOLRcEEA

عظة بعنوان "الإنتقال من الموت الى الحياة"
للأب الياس مارون غاريّوس
في القدّاس الشهري لأجل الراقدين على رجاء القيامة
رعية مار جرجس – الدّيشونية

4/12/2014

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين

إنّ الأكثر روعةً في حياتنا، هو أن نعرفَ أصلنا، كما إنّ الأكثر قداسةً في حياتنا، هو أن نعرفَ كيف نكون أمينين على الأصل، واللّحظة الأكثر طهارةً في حياتنا، هي عندما أستطيع أن أكون بكلّيّتي أميناً تجاه من خلقني بهذا الأصل الجميل. الأمانة هي أغلى ما في هذه الدّنيا، لأنّ الرّبّ يسوع المسيح، قد وَعَدَنا بأمانته وأعطانا إيّاها. الله تجسّد من أجلنا حتّى يَهَبَنا الحياة الأبديّة. الأمانة، الّتي حافظ عليها يسوع المسيح بِواسطة جسده البشريّ وروحِهِ الإلهيّة، سلّمَها لكلّ واحدٍ منّا حتى يستطيع أن يكون مُجاهِداً على هذه الأرض لأنّنا، اليوم، في الكنيسة المجاهدة، نحن مُجاهِدونَ على الأرض حتّى نصل إلى اليوم الّذي سنجد فيه أجمل ما في حياتنا، إلى الكنيسة المنتصرة حيث نكون مُتّحدين بالله الآب والابن والرّوح القدس. من هنا، لا نستطيع أن نُفكّر في مدى غلاوة الحياة أو مدى حقارتها لأنّني أنا، بحدّ ذاتي، حياة ومن غير الممكن أن أُفكّر في حياتي لأنّني، أنا، أغلى ما في هذه الدّنيا، بالنّسبة إلى الله وبالنّسبة إلى نفسي، إذا جعلني الله أغلى ما في هذه الدّنيا فلا حاجة أن أُفكّر في شيء، فَهل أُفكّر في أنّني ذو شأنٍ عالٍ أو في أنّي رائعٌ أو ذكيٌّ.. أنتَ لا شيء لأنّك تُساوي الدّنيا كلّها بالنّسبة إلى الله، وأنتَ لا تُساوي شيئاً إذا خُنتَ الأمانة. فهناك حلّان فقط وهما أن تكون كلّ شيء أو تكون لا شيء. لذلك، هذا الصّوت الّذي يُناديك، كلّ يوم، صوت الربّ يسوع، الصوت الذي "يُزعجنا" كلّ يوم، في أيّ شيءٍ نفعله هو" المحبّة والتّواضع"، فالمحبة "تزعج"، لماذا؟ لأن المحبة لا تعرف السّؤال بل تعرف، فقط، أن تُجيب وبما أنّني، أنا الإنسان لا أملك الجواب، المحبّة ستناديني حتّى أنهض وأُصبح مملوءاً بها، وإلاّ، ستبقى المحبّة تزعجني حتى يوم ما قبل الممات، فأنتبه وأقول: نعم يا ربّ، هأنذا تركتك وكنتُ طوال كلّ تلك السنين منهمكاً ببناء أهرائي لأملأها قمحاً ومالاً وذهباً، وآخر يقول لله: أنا غاضبٌ منك، لقد صلّيْتُ كثيراً لكنّك لم تستجب صلاتي لذلك لم أعد أرغب في الصّلاة. إذاً، هذان التّياران موجودان، اليوم، في الكنيسة ولكن هناك التّيّار الأصيل والرّائع، أمام الرّبّ يسوع المسيح، يقول دائماً: "أشكرك، يا ربّ، على كلّ ما وهبتني من نِعَم، صليباً كانت أو فرحاً، قوّةً ومجداً أو ضعفاً وهواناً لأنّي أنا ابنك وأنتَ ولدتني". فلذلك أنتم روعة يسوع، بكم تنتصر السّماء على الأرض، فتحوّلون أرضكم إلى سماء، لأنّ الرّبّ قال لنا إنّ هذه الأرض، اليوم، يملكها إبليس، لماذا؟

تتمة...
14/11/2014 "اذكرني في ملكوتك"، تحمل معنىً عميقاً الأب عبدو مسلّم

عظة للأب عبدو مسلّم المريمي
في القدّاس الإلهي من أجل الراقدين على رجاء القيامة
الذكرى الاولى لانطلاقة جماعتنا
رعية مار عبدا – بكفيا

14/11/2014

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين

"اذكرني في ملكوتك"، هي عبارةٌ تحملها هذه الجماعة الّتي تُصلّي فعلاً من أجل الّذين سبقونا إلى ملكوت الله.
"أذكرني في ملكوتك" تحمل معنىً عميقاً، وهو أنّ الكنيسة تجتمع بأبهى جمالها حول عريسها السّماويّ، كنيسة الأرض، كنيسة السّماء، وكنيسة (المطهر). الاختبار المُميّز الّذي يعيشه الإنسان حول العريس هو قدر كلّ إنسان أن يعيشه في العمق، في الجوهر. ما هي الشّهادة الّتي يُعطينا إيّاها، اليوم، الّذين سبقونا إلى ملكوت الله؟ كم من مرّة نحن نُبشّر بكلمة الله، وكم من مرّة نُحاول إقناع أشخاصٍ بأن يجتمعوا حول ذبيحة المحبّة، حول يسوع المسيح، ونفشل في ذلك. مَن يسبقنا إلى ملكوت الله عندما يُصبح في حِضن الحبّ الإلهيّ، يجذب البشريّة كلّها إلى ذبيحة المحبّة، إلى ذبيحة القدّاس لأنّه في الملكوت يتمّ اللّقاء الشّخصيّ مع الرّبّ يسوع المسيح وهو عمق المحبة.

ما هي السّعادة الّتي يعيشها مَن سبقنا إلى ملكوت الله؟ إذا كنّا نستطيع أن نعيش قليلاً هذا الاختبار، اختبار الموت، وهو اختبار السّعادة والفرح الكامل، لأنّ الإنسان أصبح يُعطي ذاته، بشكلٍ كاملٍ، إلى المحبّة. نحن نعيش هذا الاختبار عندما نُصلّي من أجل أمواتنا، عندما نعيش رجاء القيامة، رجاء الفرح لأنّه يستحيل على الإنسان أن يعيش هذه اللّحظة إلّا إذا أَحَبَّ وأعطى من ذاته. هذا هو الموت الحقيقيّ، هو فعل العطاء الّذي ينبع من القلب، عطاء الّذات كالأمّ الّتي تُقدّم ذاتها لأولادها فتشعر بفرحٍ لا يوصف على الرّغم من أنّ عطاء الأمومة يحمل، في كلّ يوم وكلّ لحظة، الكثير من التّضحية والألم إلّا أنّ فرحها يكون عظيماً إلى حدّ أنّ الإنسان يتمنّى أن يقف أمام هذه اللّحظة من دون أن يدعها تمرّ سُدىً.
سوف أُعطي اختباراً آخر: إذا تبادل الإنسان الحُبّ مع إنسان آخر، لا يريد أن تتوّقف هذه اللّحظة أو تنتهي، لأنّ الإنسان في هذه اللّحظة يعيش ملء المحبّة. عندما يقرع ربّنا باب قلب الإنسان طالباً منه أن يُعطي ذاته، بشكلٍ كاملٍ إلى الله، فهل من الممكن أن يتردّد الإنسان في هذه اللّحظة، أو ألاّ يقول لربّنا "بين يديْكَ أستودع روحي، أنا أُعطيك ذاتي بشكلٍ كاملٍ لأنّ الحبّ يقرع بابي"؟ عندئذٍ، ربّنا، العريس السّماويّ، يفتح قلبه لهذا الإنسان ويستقبله في ملكوت الله. هذه هي الشّهادة الّتي يُعطينا إيّاها، اليوم، أمواتنا.

تتمة...
13/11/2014 كلِمتي اليوم لن تكون عظةً الأب عمانوئيل الراعي
https://youtu.be/7ezugfV2-8c

عظة تأملية في الموت
للخوري عمانوئيل الراعي
في القدّاس الإلهي من أجل الراقدين على رجاء القيامة
رعية مار ضوميط – ساحل علما
الذكرى الاولى لانطلاقة جماعتنا

13/11/2014

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين

منذ سنة مضتْ، بدأنا مسيرةَ جماعة "اُذكرني في ملكوتك" بقدّاس شهري نذكرُ فيه أمواتنا ونعيشُ فيه التواصل مع الذين غادرونا.
كَلِمتي اليوم لن تكون عظةً، أو تأمّلاً بل مزيجاً من مناجاة ووعظٍ وتعليمٍ وفحص ضميرٍ لكلٍّ منا. أتساءلُ وأسألُ: إذا غادر أحدُنا هذه الحياة، يكون قد انتهى؟ أينتهي كلُّ شيء بالموت؟ بالتأكيد كلّا. الموتُ ليس نهاية الحياة إنما هو تكملةٌ للحياة، لأن الإنسان يولدُ، يعيشُ ويموت. وكما الولادةُ هي جزءٌ من الحياة والعيشُ أيضاً، كذلك فالموتُ جزءٌ منها. الحياة لا تنتهي بالموت بل بالأحرى تبدأ به، وبهذا نفهمُ ما قالته القدّيسة تريزيا الطفل يسوع : "أنا لا أموتُ بل أدخلُ الحياة". عندما غادرَنا الشخصُ الذي كان يعيشُ معنا لم نكّن نفكّر بالموت واليوم، بغيابه لا نفكّر بالحياة....... لماذا لا نفكّر بالحياة الأبدية عندما يكون الشخص معنا على الأرض؟ لماذا لا يرهبنا الموت؟ ونُكمل القولَ مع القدّيسة تريزيا الطفل يسوع : "بماذا ينفعني الموت؟ ماذا تعطيني الحياة ؟سعادتي هي حبّك".

نعم أودّ يا أيها الغائب أن أحبَّك أكثر، والآن أؤكد لك أني أحبّك أكثر لأنك عبرتَ الى حضن الآب، أب الجميع. أحبّك لأنني بغيابِك فهمتُ أنّ الموتَ هو محطةٌ من محطات الحياة وأن الحياة هي الآب السماوي. علمتُ أنه ما من هدف للحياة والموت سوى معاينةِ وجه الآب القدّوس، فالموتُ الذي كنت أعتبره نهايةً أصبح لي بداية. فبدون الموت لا نستطيعُ أن ندخلَ حياة الله الأبدية. وهكذا اصبحَ الموتُ محطةً من محطات الحياة البشرية ولم يعُد المحطة الأخيرة. فالمحطة الأخيرة أصبحتْ "حضن الآب"، أصبحت العيش مع الثالوث صحبة الأبرار والقدّيسين، الذين أمسى هدفُهم الوحيد تمجيد الآب وإعلاء شأن كنيسته. نعم، يجب ان نفرح مع كلَّ من يغيب عنّا، لأنه سبقَنا الى حضن الآب، وأن نثق بأنه هناك في سعادة تامة وأبدية ونردّد في كلّ حين:

أودّ ان أرى وجه الآب كما تراه أنت الآن،
أن أتحّد بالثالوث كما أنت متحّد به الأن،
أن أمتّع نظري برؤية جمال العذراء مريم أمي التي كانت خير رفيقة لك على هذه الأرض،
أن أحضر مع يسوع وبشفاعة مريـم عند الآب لأننا أتينا من حبِّ الآب ونعود دائما الى حبّه الأبدي... نعم نحن خرجنا من عند الآب واليه سنعود.

دعونا أحبائي، نتذكر دائماً أن الحياة هي المسيح وبه كلُّ شيء. "حياتي هي المسيح، والموتُ ربحٌ لي"، ( فل 21:1) كما قال بولس الرسول. نعم يا يسوع، أنت البداية وأنت النهاية. صحيحٌ أننا لم نختَر ساعة ولادتنا، ولن نختارَ أبداً ساعة موتنا، لكن بالتأكيد يجب ان نختارك أنت يا الله. فالأهمّ من كل الساعات والأوقات أن نعرف ان نختار الله في حياتنا.

تتمة...
11/11/2014 أحد تجديد البيعة ألأب بنوا ريشا

تأمّل في أحد تجديد البيعة
للأب بنوا ريشا الكرملي
في القدّاس الإلهي من أجل الراقدين على رجاء القيامة
دير سيّدة الكرمل – الحازمية

11/11/2014

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

هذا هو أحد "تجديد الكنيسة". أخذت اللّيتورجيّا هذه العبارة عن كلام يسوع في ليلة آلامه، عندما أعطاهم، خلال العشاء السّريّ، الخبز والخمر. فقال عن الخبز: "هذا جسدي"، وعن الخمر "هذا هو دمي، دم العهد الجديد لِغفران الخطايا". من خلال هذا الكلام، أنهى يسوع فاعليّة العهد القديم، وبدأ العهد الجديد بِدمه. كلمة "العهد" إذاً تُلخّص عمل الله كلّه منذ أيّام إبراهيم حتّى مجيء المسيح. وعندما وصل موسى إلى جبل سيناء وأعطاه الله الشّريعة أي الوصايا، قدّم الذّبائح وأخذ دمها قاسِماً إيّاه إلى قسميْن: الأوّل رمى به إلى المذبح، أمّا الثّاني فَرش به الجماعة. وهكذا صار هناك عهدٌ بين الله وشعبه أي اتّفاق وتوافق. لقد تعاهدوا على أنّ الله هو إله إسرائيل، وشعب إسرائيل هو شعب الله. الله يقول لِشعب إسرائيل: "أنتَ شعبي"، وشعب إسرائيل يقول لله: "أنتَ إلهي".

الكلام الّذي أقوله مأخوذ من الكتاب المقدّس، إمّا عن كلام الأنبياء وإمّا من سفر الخروج. فيكون بذلك العهد القديم كلّه، والزّمن كلّه مرتبطين بالعهد الّذي تأسّسَ بالدّم أيّ المذبح، الّذي يرمز إلى الله، حيث نُقدّم الذّبائح، إضافةً إلى الدّم الّذي رُشَّ على الشّعب، قد جمعهما دم واحد. الله وشعبه جمعهما دم الذّبائح الماديّة، فوجد رابط دمويّ بينهما أيّ أصبحا عائلةً واحدةً. هكذا عاش الشّعب كلّه، من أيّام موسى وحتّى مجيء المسيح وما بعده، وما زال اليهود مُتمسّكين بهذا العهد، فَهُم يعتبرون أنّهم أقرب النّاس إلى الله بِفضل الرّابط الدّمويّ بينهما. لذلك يرفضون أن يختلطوا مع شعوب ذات أصل غير يهوديّ، لأنّهم يُريدون المحافظة على العهد الدّمويّ بينهم وبين الله.

هذه القَرابة إذاً قويّة جدًّا، لذلك شبّهَ الله نفسه بِهوشع، الزّوج المخدوع الّذي خدعته زوجته، وعبدَت آلهةً أخرى. لذلك غضب كما يغضب الرّجل الّذي يعلم بِخيانة زوجته مع رجل آخر.
عندما قال يسوع هذه الكلمة لم يُفهم تلاميذه ما يعنيه، وما الّذي سيحصل، ولكنّهم فهموا معنى كلمة "العهد" بعد حلول العنصرة: "هذا هو دم العهد الجديد"، مضيفًا إلى كلمة موسى الأولى كلمة "الجديد".
فنحن "أبناء العهد الجديد"، والكتاب المقدّس يُسمّى بالعهديْن القديم والجديد، والرّابط بينهما هو شخص يسوع المسيح. ويتكلّم العهد القديم عن مجيء المسيح المنتظر أمّا العهد الجديد فيتكلّم عن مجيئه وتثبيته للعهد الجديد بِدمه. ¬

هذا التّجديد الّذي نتكلّم عليه إذًا هو، عيد تجديد الكنيسة، التّجديد الّذي صنعه يسوع بِموته وسفك دمه. ويُخبرنا عن فعاليّة هذا التّجديد ونتيجته صاحبُ الرّسالة من خلال بضع آيات من إرميا وحزقيال: "هذا هو العهد الّذي أعِدُ به إسرائيل. أجعل شريعتي في أذهانهم، أكتبها على قلوبهم، وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لي شعباً". وقد قال العبارة " وأكون له إلهًا" في البريّة مع شعب إسرائيل. وكُتِبَت الشّريعة على الحجر ونقشها الله في المرّة الأولى فَكسرها موسى، أمّا في المرّة الثّانية، فأمر الله موسى بأن يكتبها بنفسه فَفعل. عندئذٍ قَبِلَ بها الشّعب. إلّا أنّه في المرّة الثّانية لم يكتبها على الحجر. والمقصود بالحجر هو القلوب القاسية لذلك يقول لهم يسوع: "لأنّكم قُساة القلوب". سيكتبها على قلوبهم والقلب يُمثّل الإنسان بِكامله، الذي أصبح قابِلاً لِشريعة الله، يعيشها ويُحبّها ويُنفذّها بِفرح من دون تذمّر. هذا النّصّ مُستلّ من الأنبياء ولكن ما هي الشّريعة الّتي أعطانا إيّاها يسوع؟ سأله شاب عن أكبر شريعة في النّاموس، فقال له يسوع: "احبّب الرّبّ إلهك من كلّ قلبك" و "احبّب قريبك كنفسك"، فَهنأه لأنّه حفظ العهد القديم بكامله وعرف مضمونه. تلك الشّريعة الّتي كانت مكتوبة على الحجر، ولم يكن الشّعب يستطيع أن يعيشها، سيكتبها الآن في قلوبهم لا بالحرف أو بالقلم بل بالرّوح، الرّوح القدس الّذي نناله في المعموديّة، يكتب فينا هذه الشّريعة فتتكيّف حياتنا معها.
نعرف أنّ الله يطلب منّا أن نُحبّه، لذلك جاء يسوع لِيعيش هذه المحبّة إلى النّهاية فقد ضحّى من أجل الّذين يُحبّهم. وقد أعطانا أن نُشاركه بما فعله، هو لا يعيش الشّريعة لِوحده إنّما يُشاركنا فيها في المعموديّة، وفي الإفخارستيّا عندما نتناوله وعندما نشرب الدّم نكون، فعلاً، اتّحدنا بالمسيح فنقوم بما يقوم به.

يزداد هذا التّجديد في داخلنا في كلّ مرّة نشارك في القدّاس. كلّ ما فينا يتغيّر حتّى يُصبح شيئاً من المسيح. ولكن إذا تأمّلنا ذاتنا وجدنا أنّنا أبعد ما يُمكن عمّا أقوله لأنّنا ضعفاء ومجبولون بالخطيئة، وقد جاء يسوع لِيفعل كما قال الله لأشعياء، ذات مرّة، بأن يذهب لِيُشاهد الخزّاف وهو يصنع أدوات من الفخّار فَفعل. كان الخزّاف عندما يُنهي عملاً لم يُعجبه، يكسره، ويصنع غيره من جديد. وهكذا يكسر الله ما لا يُعجبه ويصنعه من جديد. لقد كسر بِيسوع الطّبيعة البشريّة حتّى يقوم يسوع ويُجدّدها ويُعطينا طبيعةً جديدةً.

لذلك، في كلّ مرّة، نُفكّر في إيماننا علينا أن نتذكّر العهد الجديد. وكأنّ الشّيء الجديد في حياتنا يتجلّى أكثر فأكثر يوماً بعد يوم. عندها سنُحبّ بِطريقة أفضل، وسنُقلّد يسوع أكثر فَنصبر أكثر على صعوبات حياتنا، ونصبح أقلّ تذمّراً وكذباً وخطايا. بذلك نرى أنفسنا نقترب أكثر من المسيح الّذي يجذبنا بجماله وكلامه، هو يُعطينا أن نتّحد به من خلال القربان المقدّس ويُذكّرنا بأنّه زرع في قلبنا شريعته وتعاليمه.
هذا التّجديد الّذي أعطانا إيّاه يسوع، نكتشفه كلّ يوم أكثر ونُحبّه أكثر... نطلب من الرّبّ، اليوم، أن نكون أمناء، فَنَنمو يوماً بعد يوم من خلال الجديد الّذي أعطانا إيّاه، وخصوصاً لإخوتنا الّذين سبقونا إلى ديار الله، وأن يستعجل الرّبّ في إدخالهم المجد لكي، بِدورهم، يُصلّوا من أجلنا وننال شفاعة صلاتهم.
نطلب من الرّبّ أن يُوحّد كنيسته، ويُعطيها الجرأة لِتُعلن محبّة المسيح وتنتصر على الصّعوبات عند كلّ الشّعوب وخصوصاً إخوتنا في الكنائس الموجودة في البلاد المجاورة، وأن يُعطيكم الصّبر على كلّ المصائب الّتي تمرّون بها... آمين.

ملاحظة: دُوّنت العظة من قبلنا بتصرّف.

تتمة...
2/11/2014 إنجيل لعازر والغني (لو 19:16-31) الخوري جوزف سلوم
https://youtu.be/-nU-JeAwTXk

عظة في إنجيل لعازر والغني (لو 19:16-31)
للخوري جوزف سلوم
في تذكار الموتى
رعية مار فوقا – غادير

2/11/2014

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين

تختار لنا الكنيسة في هذا الأحد المبارك "تذكار الموتى" إنجيل "الغني وإلعازر" . يقدّم لنا هذا المثل مجموعة حقائق تدور حول حقيقة الموت والحياة الثانية. دعوني أقرأ وإياكم هذا النصّ على نور الإيمان، قراءة تنظر فيها مجدّداً الى معضلة الموت؛ العدو الأول للإنسان. ما نستخلّصه من هذه الحقائق هو التالي: الحقيقة الأولى: الموت للجميع. مات الغني ودُفن، وأيضاً الفقير لعازر مات على باب الغني... إذاً يموت الغني والفقير، الكبير والصغير، المثقف وغير المثقف، الرجل والمرأة، السياسي وغير السياسي. هذه الحقيقة تطال جميع الشعوب في كلّ البلدان، فالموت حصادٌ لكّل البشر
.
الحقيقة الثانية :نتعلم منها أن المسيح هو الوحيد الذي أعطانا لغزَ الموت، وأعطانا الحلّ بقيامته. فالموت لغزٌ كبير بمنطق البشر غير المسيحيين. إنما، بمنطق المسيحيين غدا سرّاً مقدّساً. إذاً المسيح قام وأوْجد له الحلّ. هذه هي الحقيقة الكبيرة التي يصعب شرحها والتعمقّ فيها إنما هي الحقيقة التي تساعدنا على تقبّل الواقع الذي لا نفهمه دائماً إنما نقبل به على ضوء إيماننا.
أما البعد الأكبر في هذا الإنجيل فهو مصير الأموات. ألعازر لم يصعد الى السماء لأنه فقير والغني لم ينزل الى جهنّم لأنه غني. في هذا الإنجيل شرطان للصعود الى السماء، الشرط أو المفتاح الأول هو الإيمان "حضن إبراهيم"، ألعازر صعد الى حضن إبراهيم لأنه كان رجل إيمان. إذن، فما هو مصيري بعد هذه الحياة؟ إذا كان عندي إيمان وإلتزام ونمو بمعرفة المسيح واختبار حقيقة حبِّي مع الربّ، عندها يكون مصيري السماء. والغنّي لم يصعد الى السماء، لأنه كان على بابه فقير بحاجة اليه ولم يمدّ له يد العون؛ لم يبْنِ جسر محبة مع أخيه الإنسان، الحبُّ هو الذي يعطي كلّ المعنى للأشياء، وأقول إذا غاب الحبُّ، غاب الله، لهذا يجب أن يكون فعل الحبِّ موجوداً دائماً، وإذا لم تكن فيّ المحبة فهذا يعني أن الله غير موجود فيّ. إذاً، المفتاح الثاني للصعود الى السماء هو محبة الناس بدون تمييز على الرغم من الإساءة من الأخرين بالرغم من كل الجراح في كل الظروف. يجب أن أعمل بمزيد من المحبة لكي يكون مصيري مع الأبرار والقدّيسين.

هناك نقطتان أوّد التوقف عندهما في هذا الإنجيل، إذا قال الغني لإبراهيم، أسألك يا أبتي ان ترسل ألعازر الى بيت أبي فإن لي خمسة إخوة ليشهد لهم كي لا يأتوا الى مكان العذاب هذا. المقصود بالخمسة إخوة كلّ البشرية، فمسؤوليتنا إذاً هي أن نذهبَ اليهم، أن نخبرَهم حقيقة الإيمان وحقيقة المحبة، أن نبشّرهم بالإنجيل ونحمّل إليهم السلام. علينا ألاّ نتقوقعَ داخل بيوتنا ونفكّر فقط بأنفسنا، علينا ان نبشّر الآخرين ونخبرهم عن هذه الحقيقة الأساسية، حقيقة الحياة الثانية بعد الموت. فقال له إبراهيم: "عندهم موسى والأنبياء فليسمعوا لهم" فقال: "لا يا أبتي إبراهيم ولكن إذا مضى إليهم واحد من الأموات يتوبون". ما رأيكم، هلّ يتغير الأشخاص ويتوبون إذا قام واحدٌ من الأموات؟ ليس المطلوب من الأموات أن يقوموا من القبور، لأنّ في كثير من إحتفالاتنا، صرنا نشبه الأموات القائمين من القبور. يكفي أن تعيشوا عيد "هالوين"، هذه البدعة الشيطانية حتى تكونوا كالقائمين من القبور. لقد وجّه قداسة البابا رسالة واضحة بهذا الشأن الى شبابنا وصبايانا متمنياً عليهم ألاّ ينسوا جذورنا وأصولنا.
هذه الصرعة أتتْ إلينا من أميركا حيث كانوا يؤمنون بالأرواح، فيَلبسون في هذا العيد أوجه شيطانية. علينا ان نتبّنى حضارتنا المسيحية وأن نعمّد الأعياد الوثنية وطالما فعلنا ذلك. فعيد الشمس في 25 كانون الأول أصبح عيد الميلاد وأعياد كثيرة أخرى عمّدناها لتُصبح أعياداً مسيحية، واليوم نبتعد عن أعيادنا ونعيش الأعياد الوثنية. أدعوكم ان تفكروا مجدداً لنعمل جميعا" كي نكون شهوداً نبشّر بهذه الحقيقة في اقطار العالم الخمس ونضع حولنا مناخاً مسيحياً جديداً. أوّد هنا أيضاً ان ألفُت انتباهكم الى الظاهرة الخطيرة جداً، التي تكلّمتْ عنها وسائل الإعلام مؤخراً وهي المخدرات الرقمية، مشكلة جديدة تطال عائلاتنا لأسباب تافهة وسخيفة، فالشباب يريدون أن يسمعوا موسيقى، أن يختبروا وأن يجرّبوا هذه الصرعة. على الأهل أن يكونوا قريبين من أولادهم، أن يأخذوا الوقت في الحوار معهم لكي يستطيعوا تخطّي مثل هذه الأوقات.
في الختام وبالعودة الى أهلنا وأحبائنا الذين غابوا عنا، أريدكم ان تفكّروا بهم بأفعال ثلاثة : الفعل الأول، نتذكّرهم. يقول لنا الإنجيل، أنّ تلميذَيْ عماوس كانا على الطريق يتذكران يسوع بأقواله وأعماله، يجب ان نتذكّر دائماً أمواتنا: ماذا كانوا يفعلون؟ أين كانوا يجلسون؟ لا تعطّلوا ذاكرتكم، فقصّتنا معهم لا تنتهي عند باب القبر.
الفعل الثاني، أن نعترف بحقيقة حضور الربّ وقيامته، ونثق أنهم بسلام مع الرب ونحبّهم ونشتاق إليهم.
اماالفعل الثالث فهو أن ننتظر اللقاء بهم، ننتظر مجيء يسوع الثاني ونحن نعمل على حياتنا لكي نموت بحالة القداسة، ننتظر كما ترقّب القدّيسين والأبرار. إذاً نتذكرهم، نعترف بحقيقة الحياة الثانية وننتظر اللقاء بهم. نعمل لنكون حاضرين للصعود الى السماء من خلال المفتاحيّن اللذين تكلّمنا عنهما: الإيمان والمحبة. لنأخذ دقيقة صمت نتذكر فيها أحبائنا، نعترف بحقيقة قيامتهم وننتظر اللقاء بهم. آمين.

ملاحظة: دوِّنتْ العظةُ من قبلنا بتصرّف

تتمة...
Helping to find the lost sheep of Christ with Father Philipp Reczka

The sermon of Father Philipp Reczka during the Divine Liturgy for the deceased "Remember me in your Kingdom", on Wednesday, November 19th, 2014, at Our Lady of the Announciation, West Roxburry Massachussets

Each of you knows of people who are lost from the Church. They might be family or friends. They might be people that we used to see in Church and no longer see them. Almost all of them probably have problems. People do not leave the Church because everything is wonderful. Usually they have some kind of a problem that is occupying their mind. Maybe they have money problems. Maybe someone in the family is ill. Maybe they have addictions. Maybe they have marriage problems. Most people have problems, and most people who have fallen away from Church have problems as well. Especially lack of knowledge of the faith, or a weak spiritual life will help people to fall away from the Church, for they do not have the spiritual strength to deal with their troubles

To return to Church people need to have hearts that are open to God. If a heart is closed, even the personal appearance of the Pope will not affect the person. So first, we must pray that people’s hearts will be open to God. This is the work of the Holy Spirit as explained by St. Basil the Great in his book on Baptism. We cannot underestimate how important our prayers are for people’s hearts to be softened. People have to be ready to hear the message of God and only a receptive heart can hear it

تتمة...
30/10/2014 عيش دعوتنا المسيحيّة الأب حنا اسكندر
https://youtu.be/2WUJ3eMJOX4

عظة تأمّلية في عيْش دعوَتنا المسيحية
للأب حنا اسكندر
في القدّاس الإلهي من أجل الراقدين على رجاء القيامة
رعية مار يوسف – المطيلب

30/10/2014

.باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين

أستهلُّ اللقاء بكلمةٍ عن جماعتكم "اُذكرني في ملكوتك" وشعاركم: "المسيحُ قام، حقا قام". ايمانُنا كلّه يرتكزُ على قيامة يسوع، ولو لم يقمْ يسوع لكانت حياتُنا بدون معنى.

مات يسوع وقام، نحن أيضاً إذا عشْنا معه بإيمانٍ نموت ونقومُ معه...
إليكم، قصة صغيرة عن أمير ذهبَ الى الصيد حيث التقى بفتاة ترعى الغنم. كانت الفتاة تغني وترتّل وهي صاحبة صوتٍ جميل، تكلّم معها فاُعجب بها وطلبَ منها الزواج، لكنها رفضت فتعجب وهو الأمير وهي الراعية وسألها لماذا؟ قالت أنا مسيحية وأنت لستَ بمسيحي. فأجابها : أنتم المسيحيون فقراء النفوس تؤمنون بشخص مصلوب، وإنّ إنجيلكم يقول أن المسيح صُلب ومات. فقالت له أنتَ على حقّ لكنّه يقول أيضا" انه قام!. إذاً إيمانُنا ليس بيسوع المصلوب على خشبة، يسوع صُلب ساعات قليلة لكنّه قام وما زال حيّاً. ألعازر أحياه يسوع لكنّه عاد ومات. ونحن إذا شهدْنا اعجوبةً بشفاعة أحد القدّيسين فهي كالدواء المسكّن، عندما ينتهي مفعولُه يعود الوجع كما كان . إذاً الحل ليس أن يشفيَ الله جسمنا المريض إنما أن نمشيَ طوال حياتنا دربَ الربّ. يقول مار شربل، يجب أن تعملوا لمستقبلكم ومستقبلكم يبدأ في أول يوم في العالم الثاني وليس كما يعتبر أنه ينتهي في آخر يوم في هذا العالم .
ان أولى إهتماماتنا في هذا العالم أن نربّيَ أولادنا ونؤمِّن لهم حياة كريمة، فنعلِّمهم ونبني لهم البيوت لكّن كل هذا باقٍ، والأهم هو أن نعمل لمستقبلنا ومستقبلهم في العالم الثاني، فنحن أولاد الله .

نقول دائما هنيئاً للعذراء، أغدقَ الله عليها منذ ولادتها نعماً كثيرة ومميّزة. خلقها طاهرة، لم تعرف الخطيئة وبشرهّا الملاك، لكّن أكبر نعمة خصّها الله بها انه دخلَ أحشائها فصارت والدة الإله، وهل هناك نعمة أكبر من هذه؟ أتعلمون أن النعمة ذاتها التي أخذتها العذراء من الفين سنة، نأخذها نحن اليوم، وكيف نأخذها؟! أتعلمون ان القربان هو يسوع؟ أتصوّر أننا لا نعرف.
قرأت مرة كتاباً يتساءل فيه المؤلف لماذا يصبح الإنسان ملحداً لا يؤمن بالله؟ يقوم بدراسة ويصِل الى نتيجة أن الّذين يفكرون وينكرون الله بالمنطق هم قلة والأكثرية تعيش وكأن الله غير موجود، لو كان الإنسان أكيداً من أن الله موجودٌ فلا يعود يُخطئ، فتصرّفات الأشخاص عادة ما تدلّ في هذه الأيام على أننا نعيشُ حياة وكأن الله غير موجود. يا إخوتي، الايمان مثل الحبّ. لكي نحافظ على حرارته يجب أن نظلَّ قريبين من الله. مرةً سألتْ القدّيسة تريزيا الطفل يسوع اختَها سيلين، بأي تواتر تفكرين بالله ؟ اجابتها: لا تمرّ ثلاث دقائق دون أن أفكر بالله، ثم قالت لها: كم انت قادرة على التركيز، فأجابتها أنا مغرومة والمغروم لا يقوم بمجهود لكي يفكر بحبيبه وأنا مغرومة بيسوع أحبه وأفكر فيه طوال الوقت.
إخوتي نحن أولاد القيامة، عابرو سبيل في هذه الدنيا. زوادتنا هي القربان أي يسوع بذاته. في آخر قدّاس احتفل به مار شربل يوم أحدٍ كانت حاضرة إمرأة ومعها إبنة أخيها وهي طفلة، لم يكن يتجاوز عمرها آنذاك العشر سنوات، بعد الكلام الجوهري شاهدتْ الإبنة القربانة كطفلٍ جميل. وعندما كسر الحبيس القربانة أجهشت الطفلة بالبكاء، فسألتها خالتها: لماذا تبكين؟ فقالت لها ألم تشاهدي الحبيس يقتطع من الطفل قطعاً والدم يسيل منه؟ إذاً القربان هو يسوع نتغذى به. ومَن منّا يتجرأ ان يُخطىء في الكنيسة في بيت الله- بيت القربان. إذاً، فلا يحقّ لنا بعد تناول القربان ان نُخطىء. ثم علينا بتلاوة الصلاة التي يجب ألاّ تقتصر على تلاوة الأبانا والسلام قبل النوم او مجرّد سماع تراتيل. فالصلاة هي عشق الإنسان بربّه، هي علاقة دائمة مع الله.
تقولون مثلاً، إنّ عصرنا شريرٌ، لا شكّ أن لدينا وسائل شرّ لكّن لدينا أيضاً وسائل خير توصل لنا صوت الله ( صوت المحبة، نورسات)، وتساعدُنا على أن نعيشَ صلاة ثانية، على أن يكون نهارنا كلّه مجبولاً بالصلاة. أما النقطة الثالثة: وهي الإنجيل، فمقياس حبّنا ليسوع هو مقياس عيشنا للإنجيل. كذلك الإعتراف هو مهّم جداً. أحد القدّيسين يقول، أنّ خطيئة هذا العصر بأنّ الإنسان لم يعُد يعرف أنّه يُخطئ، لم يعُد يمتلك قدرة التمييز ليُدرك إذا كان مخطئاً أم لا. هنا نتساءل، هل نحن أقدس من مار شربل والحرديني؟ مار شربل كان يعترف أقلّه مرة في الأسبوع والحرديني كلّ يوم. فضمير القدّيس يكون بالغ الحساسية على الخطيئة مثلاً، إذا أضاع من وقته أو لم يصلّي كما يجب، أو إذا راودته أفكار عاطلة، أو إذا كان قادراً على عمل الخير ولم يقُم به.
في الختام، القدّاس، الصلاة، الإعتراف، الإنجيل والصوم، هم القِيَمّ الأساسية لدعوتنا المسيحية.

ملاحظة: دوِّنتْ العظةُ من قبلنا بتصرّف

تتمة...
29/10/2014 عظة تأمليّة في الموت الأب سيرافيم الطرزي
https://youtu.be/P9K-urgsQBc

عظة تأمليّة في الموت
للشمّاس سيرافيم (طرزي)
في القدّاس الإلهي من أجل الراقدين على رجاء القيامة
الذكرى السادسة لانطلاقة جماعتنا
في رعية القدّيس نيقولاوس - بلونة

29/10/2014

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين

اليومَ، يوافقُ الذكرى السادسة لانطلاقةِ جماعة "اذكرني في ملكوتك" في كنيسة القدّيس نيقولاوس في بلونة. وقد قررت هذه الجماعة، منذ سنواتٍ عديدةٍ، أن تحاولَ من خلال الصلاةِ أن تحصلَ على التعزيةِ والرجاء، لأنها فهمتْ أنْ لا رجاءَ ولا تعزيةَ خارج الصلاة. لأنّ الصلاةَ هي حديثُ المخلوقِ للخالق، هي أيضًا حديثُ الخالقِ للمخلوق.

أن نحاولَ أن نفهمَ الموتَ لأمرٌ مستحيل، فلا الذين أتوا قبلنا فهمُوه، ولا الذين سيأتون بعدنا سيفهمونه. هذا هو التسليمُ الأول. أمّا التسليمُ الثاني، هو أننا لن نتصالحَ مع الموتِ ولن نتهاونَ معه. هو عدوٌّ، وسيبقى عدوًّا "وهو آخرُ عدوٍّ يُبطَل" كما يقول الكتابُ ( 1كور 26:15)، لأنه يَسرقُ مِنَّا مَن نُحّب.

لكنَّ المفارقةَ أنَّ من فقدَ حبيبًا، ابنًا كان أو بنتًا أو زوجًا أو أبًا أو أمًّا، هو أكثرُ من يشعرُ بالموتَ لأنه لامسَه عن قربٍ، فيكرهُه لكونه سرقَ منه مَن يحّب. ويعشقُه لأنه بواسطتِه سيعودُ ويلتقي بمَن يحّب. غريبةٌ هذه المفارقةُ، أن يجتمعَ الحّبُ مع الكراهيةِ في قلبٍ واحد.

والغريب أيضًا، أنَّ كلَّ حديثٍ عن الموت يفترض مِنَّا حديثًا في الحّب، فالكلمتان مترادفتان ومتناقضتان في آن. مترادفتان لأنّ كلَّ حبٍّ هو موتٌ وبذلُ ذاتٍ
من أجل الحبيب؛ ومتناقضتان لأنَّ كلَّ موتٍ يزول بالحّب. فكلُّ مائتٍ مُحِبٍّ ومحبوبٍ حيٌّ، وكلُّ حيٍّ لم يختبرِ الحّب، لم يُحِبَّ ولم يترك فرصةً لأن يُحَبَّ، هو مائتٌ رغم كونه حيًّا.

نصلّي من أجل الراقدين، لأننا نؤمنُ بأنَّ الصلاةَ قادرةٌ على أن تريحَنا وتريحَ مَن انتقلَ، لأنَّ إلهَنا واحدٌ. الذي يجبُ أن نتعلَّمَه، رغم قساوة هذا الموقفِ هو التكلمُ بلغة الله. فحين يموت إنسانٌ نقول: "هذا الإنسان رحلَ عن هذه الحياة"؛ أما الله فيقول غير ذلك، يقول: "هذا الإنسان أتى إلى الحياة"
بالتالي، المطلوبُ منّا أولاً أن نغيّرَ لغتنَا لتتناسبَ ولغةَ الله، لأننا نؤمن بأنَّ الحياة الحقيقية ليست على هذه الأرض، إنما هي مع الله في الحياة الأخرى.
أمام الموت نحن نكتشفُ ضعفَنا وعجزَنا، لكننا لا نستسلمُ لأننا نثقُ برحمةِ الله؛ تمامًا كما يقولُ المزمور: "الإنسانُ كالعشب أيامُه وكزهر الحقل كذلك يُزهر، لأنه إذا هبّت في ريحٌ لا يثبتُ ولا يُعرَفُ موضعُه من بعد. أمّا رحمة الرب فهي منذ الأزل والى الأبد على الذين يتقونه." ( مز 15:103 – 17).
لن يحبَّنا أحدٌ كما يحبُنا الله، لن يعتنيَ بنا أحدٌ كما يعتني بنا الله. فحين نرتل في الجناز:"فليكن ذِكرُه مؤبَّداً"، الى مَن نتوجّه بهذا الكلام؟ أغلبنا يظنّ أننا بهذا نخاطب ذواتنا، لكنّ الحقيقة أنه مَهما سمتْ ذاكرتنُا ومَهما قَوِيَ حبُّنا سننسى. فحين نقول هذا، نحن نقصد بالدرجة الأولى أن نقول: "فليكن ذكره مؤبدًا في ذاكرة الله" لأنّ ذاكرةَ الله لا تنسى، لا تنسى لأنها تُحب. آمين.
ملاحظة: دوِّنتْ العظةُ من قبلنا بتصرّف

تتمة...
3/10/2014 الموت عبورٌ الى مكان آخر الأب أنطوان خليل
https://youtu.be/Yus2fD-J3VE

عظة للأب أنطوان خليل
في القدّاس الشهري لأجل الراقدين على رجاء القيامة
دير مار يوسف - المتين
في الذكرى الاولى لانطلاقة جماعتنا

3/10/2014

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين

في زمن الصَّليب وقبيْلَ أحدِ الورديّة نلتقي في هذه الأُمسِية التَّشرينيّة لنرفعَ ذبيحةَ الفادي على الصَّليب، مُستذكِرين موتانا المؤمنين جميعاً الذين يشاركوننا
صلاتَنا. طالبين من أجل مرضانا الصبرَ على الألم على مثال يسوع وقتَ الآمه وعذاباتِه في سرّ الفداء، وعلى مثال أمِّنا العذراء مريم الثكلى تحت الصَّليب على جبل الجلجلة.
زمنُ الصَّليب الذي جعلتْه الكنيسةُ زمناً للدلالة عن موقفٍ إيمانيٍّ من خلال إعلان مجيء ربّنا وعلاماته، وللتعبير عن موقفٍ روحيّ من خلال السهرِ والثباتِ في انتظاره ولتجسّيد موقفٍ عمليّ من خلال العمل الصالح الذي يؤهّلُنا لمجيئه، والمُلك معه.

فالصَّليب له رمزيّة خاصّة في سرِّ فداءِ الرّب يسوع من أجل خاصّتِه، فبذلَ ذاتَه على الصَّليب من أجل خلاص الإنسان.
أطاعَ يسوع المسيح إرادةَ الله الآب، فأخلى ذاتَه ليخلِّصَنا من خطايانا ويزرعَ فينا نورَ الرجاء. فتنازل من عليائِه متواضعاً، متّخذاً طبيعتنا البشريّة الضعيفة ليرتقيَ بها الى درجة الألوهة والقداسة.
استهلّ يسوع رسالتَه التبشيريّة بإزالةِ الحواجز المصطنعة بين الناس، وقلبَ المقاييسَ التقليديّة، فكانتْ الكلمة، كلمةُ الله، "الله محبة"، محبةُ الانسان لأخيه الانسان والمحبةُ حتى للأعداء. المغفرةُ والمسامحةُ نعبّر عنهما بتبادل المصافحةِ في رتبة السلام في الذبيحة الالهيّة والمصالحة بين الاخصام ليقبلَ قربانَنا الذي نقدِّمُ فيه ذواتَنا امامه، ليُصبحَ الكبيُر بيننا خادماً للآخرين، كما قدّسَ الانسانَ فجعله جسرَ عبورٍ الزاميّ. بمحبتِنا له نتعرّف إلى الله الآب ونحبُّه، بلقاء الفقيرِ والمريضِ والحزين. كذلك اكدّ يسوع بنوَّتَه لله الآب باجتراح المعجزات: شفاء المرضى والعميان والمعْوقّين وإقامة الموتى من سباتهم العميق بقيامته من بين الاموات.

بعد مرورِ سنةٍ على تأسيس جماعة "أذكرني في ملكوتك" في دير مار يوسف المتين، أود أن أقيِّمَ أمامكم مسيرةَ جماعتنا خلال هذه السنة المنصرمة.

بدايةُ هذه الجماعةِ في دير مار يوسف المتين كان للسيِّدة العزيزة ماريان الحاج الفضل فيها، إذ اقتنعتْ، فاتّصلتْ بالجماعة الأم من خلال جماعة مار تقلا- المروج، فتمّ اللقاء المطوّل حيث شرحتْ خلاله السيدة جانيت الهبر دعوةَ ورسالةَ واهدافَ هذه الجماعة المصلِّية. والتي أَختَصِرُها باعتراف الانسان بطبيعته الخاطئة وبالايمان العميق، بالمصالحة بين الله والانسان من خلال أخيه الانسان "أذكرني يا ربّ". والايمان الراسخ بقيامة الرّب يسوع من بين الاموات حيث أقام معه جميع الذين أغمضوا عيونهم عن هذه الفانيّة للقاءٍ مباشرٍ بالله الآب في الملكوت السماوي " اُذكرني يا ربّ في ملكوتك".

أمّا فيما يخصّ جماعتنا، فقد ركّزنا على الايمان بقيامة موتانا فأصبح للموت معنىً مختلفٌ، اكثر عمقاً من السابق وكأنه اصبحَ لحظةَ عبور من الى مكان آخر بالقرب من الله الآب، وأصبحْنا نشعر بأنّ أمواتنا يواكبوننا في مسيرة حياتنا ويستمرّون بمحبتنا ورعايتنا والسهر علينا ونحن بدورنا نتواصلُ معهم عبر الصلوات والتأمّلات ومن خلال مشاركتِنا في سرّ الفداء في الذبيحة الالهيّة.
إنّ انضواءَنا الى جماعة "اذكرني في ملكوتك" المنتشرة في لبنان وخارجه، وما زالت تنتشرُ وتتوسّع بفيْضٍ من النِّعم الالهيّة، قد دفعَنا الى التفكير إنّ جماعات "اُذكرني في ملكوتك" المجاهدة في العالم بأسره اصبحت تصلّي من أجل جميع الموتى المؤمنين المنتصرين على الموت بقيامة يسوع المسيح من بين الاموات ومن بينهم ايضاً موتانا، الذين نذكر أسماءَهم على مذبح الرّب في بداية كل شهر. وكأننا بِذكرنا المرضى والموتى بصلاتنا الجماعيّة نضفي عليهم اسماء ووجوه وتاريخ وحياة وأهل وأقارب واصدقاء، وكأنهم انتموا الى عائلتنا المصليّة من دون معرفتنا المسبقة بهم.
كما تجدُر الاشارة الى أنّ اللقاءات والتواصل والتعارف بين أعضاء هذه الجماعة يجعلُنا نتشارك جسد ودّم يسوع سويّة، كما يجعلنا نشعر بأننا مع أناس نتشارك وإياهم الرؤية ذاتها، والايمان نفسه، والتطلعات والاهداف الروحيّة نفسها،بالنسبة لقيامة الرّب من بين الاموات، إذ بقيامته خلّصنا من خطايانا وأقام معه الّذين في القبور. هذا الى جانب شعورنا بأننا نلتقي بأناسٍ نعرفهم منذ زمن بعيد ونطمئنّ لمجالستِهم والتواصلِ المستمّر معهم، وكأننا بصلاتنا لراحة نفوسِ موتاهم نستزيد معرفة بالاحياء.
صلاتُنا الخاشعة الى الرّب يسوع القائم من القبر لكي يبَّلسمَ جراحاتِنا كلها ويشفيَ المرضى ويعزّيَ الحزانى ويُدفقَ من روحه روحَ الايمان فينا والصبرَ والسلوانَ في احزاننا والصبرَ والثباتَ في الملمّات والصِّعاب وساعة التجربة.
الى سنين عديدة لجماعة "اُذكرني في ملكوتك" في دير مار يوسف المتين، بإسم ربِّنا القائم من القبرِ- المعزّي والمشدّد والمقوّي، باسم الآب والابن والروح القدس آمين. المسيحُ قام، حقاً قام.
ملاحظة: دوِّنتْ العظةُ من قبلنا بتصرّف.

تتمة...
26/9/2014 تَذكار قطعِ رأس يوحنّا المعمدان الخوري يوسف الخوري

عظةٌ تأمّلية في إنجيل تَذكار قطع رأس يوحنّا المعمدان، (مر 14:6)
للخوري يوسف الخوري
في القدّاس الإلهي من أجل الراقدين على رجاء القيامة
رعية سيّدة الخلاص – مرجبا

26/9/2014

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين

في تذكارِ قطعِ رأس يوحنا المعمدان النّبيّ العظيم - الذي قال عنهُ الربّ يسوع إنّهُ من أعظَمِ مواليد نساءِ العالم - نرى كيف أنه ببساطةٍ وبهدف إشباعِ شهوةٍ، قُطِعَ رأسُه. ونسألُ: كيف قطَعوا رأسَ يوحنا ويسوع موجودٌ؟ ألم يستطعْ يسوع أن يحميَه؟ ألم يستطعْ يسوع أن يُبعِدَ عنْه هذا الشَّر؟ ونحن في كلِّ مرّةٍ تحدثُ لنا المصائب نتساءل: لماذا؟ أين يكونُ الربّ يسوع وقتَها؟
مع يوحنا المعمدان نرى أنَّ الشّرَّ هو الذي يُهاجمُ الإنسانَ. ونحن كلّما ماتَ أحدُّنا بحادثِ سيرٍ أو لأيِّ سببٍ كان، نقولُ "الملائكةُ تحملُه إلى السّماءِ" كموتِ وقيامةِ الرّب يسوع، إذ قيلَ في آخرِ الإنجيلِ "أتى التّلاميذ فذهبوا ورفَعوا جُثمانَه" (مر 29:6). بفعل القيامةِ أصبحَ لدينا هذا المفهوم أو العقل الواعي للحياةِ الأبدية. واليوم، مع جماعة "اذكرني في ملكوتِكَ" في الأسبوعِ الأخير من كلِّ شهرٍ، نردّدُ دائماً "اذكرني يا ربّ متى أتيتَ في ملكوتك"، ونتذكّرُ لصَّ اليمين وقولَ الربِّ "اليوم تكون معي في الفردوسِ".

إذا تأمّلنا في مصير كلِّ مِن هذا اللِّصَّ ويوحنا المعمدان، نلاحظ الفرقَ الشاسعَ بينهما. فالّلص استحقّ الصَّلبَ بسبب جريمةٍ هو اعترف بها، أمَّا يوحنا المعمدان فبسببِ قولِ الحقِ قطَعوا رأسَه. في أوقات كثيرةٍ، عندما نقولُ الحقَّ نتلقّى أسهُماً كثيرةً وقطعَ رؤوسٍ. لكن ما معنى قطع رؤوسٍ؟ يعني الشّتائمَ؛ فقطعُ رأسِك لا يعني ضَربَهُ بالسَّيفِ بعد الآن، بل الألسن الّتي تتكلّمُ بالعرضِ والطّولِ وشمالاً ويميناً كأنها سيفٌ، ولكن أصحابَها لا يعرفون أنَّهم مثل هيرودس وهيرودية وابنتها. بالشّهواتِ ينالونَ من البارَ وبالشّهواتِ يريدون التغلُّب على الحقِ.

الحقُّ في كلّ مرّة سيكون المنتصرَ ولو تأخَّر نصرُهُ. ومَن يعرفُ أنّه ظالمٌ بتصرّفه ويُمعنُ بذلك مكابراً تكون خطّيئَتُه عظيمةٌ كبيرةٌ، وسينالُ حتفَهُ مثل هيرودس. بعد قتلِ يوحنا بكى هيرودس ووبَّخَهُ ضميرُه لأنّهُ ما كان عليهِ أن يقتلَهُ، إذ كان يحبُّ يوحنا ويخافُ منه ويهابُه ويحترمه كثيراً لأنّ يوحنا كان يقولُ الحقَّ. ونحنُ اليوم عندما نقولُ كلمة الحقَّ يجب ألَّا نخاف من شيءٍ، وذلك إذا كانت فعلاً كلمةَ حقٍّ مطلقة سماوية. كثرٌ هم من يظنُّون أنَّ الحقَّ معهم لأنَّهم يرَون ذلك صحيحاً، ولكن عندما ننظرُ إلى الأمور من منظار يسوع قد يُصبح هذا الحقُّ باطلاً. علينا أن نسمعَ ما يقولُه لنا يسوع، ونُدركَ الحقَّ الذي يُعلِّمُنا إيَّاه. ورفضُ هذا الحقّ هو أنانيةٌ وكبرياءٌ نقعُ فيهما دائماً.

الانجيلُ يُخبرنا قصَّة يوحنا المعمدان بطريقة تتضمّن الكثيرَ من الّلاهوتِ. فهيرودس اعتقدَ بعد موت يوحنا المعمدان، أنّ يسوع الذي كان يُعلِّم في تلك الفترة ويقول كلمة الحقِّ ذاتها، هو يوحنا المعمدان القائم من الموت، فقالَ: "أنا قتلتُه ولكن هو قام من بينِ الأموات". والبعضُ الآخر اعتقد أنّ يسوع هو إيليا - الذي دُعي بكاروزِ الحقِّ - أتى يتكلّمُ بكلمة الله.
ونحن يوم الجمعة من الأسبوع، نذكر في قدّاسِنا الشّهداء. شهداء كلمةِ اللهِ وهم كثرٌ، البعضُ منهم أصبح في الأخدار السّماوية والبعضُ الآخرُ ما زالَ على الأرض يتعذَّب ويتألَّم، شهداءً أحياءً لقولِ كلمةِ اللهِ أمامَ شعبٍ عاقٍّ لا يستوعِب وليس لديه الإيمان المنفتح والواعي. شعبٌ لا يعرف أن يقول فعلاً: "اذكرني يا ربّ في ملكوتك"، بل على العكس يكون مثل لصِّ الشمال يتهكَّم على المسيح وأتباع المسيح، ويفعل ما يريده ساخراً لعدمِ الايمان. فعندما يكون لدينا الإيمان نُدركُ فعلاً معنى "اذكرني يا ربّ في ملكوتِكَ".
هذه العبارة تُذكِّرُنا بهاتيْن النُّقطتَينِ؛ لصُّ اليمينِ، والغنيُّ والعازار. وهي مشاهدٌ كتابيَّةٌ تعلِّمُنا وتُكتَبُ في عقولِنا وقلوبِنا ليتمَّجدَ اسمُ الرّب في أعمالِنا وأقوالِنا وسلوكِنا.
نحنُ في أيّامٍ يُقالُ أنَّها نهايةُ العالمِ، بحسب المحلّلين ومبتكري البِدَع والذين يستَندونَ إلى رؤيا يوحنا. إذا كانت هذه النهاية بالفعل، فكيف نتحضّرُ ونستعدُّ؟ أنرتكِبُ المشاكل من لا شيء؟ أندوسُ العالم ونسيرُ؟ لا، فعلينا ألاّ نَكتُم الضّميرَ ونقْتُلُهُ ونقتلُ الإيمان، بل أن نكون أبناءَ إيمانٍ وتلاميذ ليسوع وأبناء الآب ونصلِّي "الأبانا" فيسوع يريدُ قلبَنا: "أعطِني قلبَك يا بنيَّ..."
هذا هو الملكوتُ الّذي نحنُ مدعوُّونَ إليهِ. وجماعة "اذكرني في ملكوتكَ" من خلال الصّلوات من أجل أمواتِنا، تُذكّرُنا دائماً أنّنا نحن الأموات؛ نحنُ الأموات الأحياء الّذين يُفترَض بنا أن نُحضِّر أنفسَنا للعبور.
هل نقْبَل فعلاً بروحِ الإيمانِ وشجاعتهِ رحيلَ أحد أحبَّائنا مهما كانَ المصابُ أليماً؟ هل نحن واقعيّون قياميُّون؟ وهل لنا الحقّ بأنْ نسأل اللهَ لماذا؟ يسوع على الصّليبِ قال لَهُ: "لماذا تركْتَني؟" وفي بستانِ الزّيتونِ قال لَهُ: "أبعِدْ عنّي هذه الكأس" ونحن أيضاً هكذا نسألُ ونطلبُ ولكن في النهاية نقولُ: "لتكن مشيئتُك". فمشيئةُ الرّب تكونُ دائماً ونكونُ دائماً في طاعةٍ لها. ونعرفُ كيف نكون صوتَ يوحنا المعمدان الصّارخُ في بريّةِ هذا العالم، الصارخ بالحقِّ الإلهي والحقِّ المطلقِ، الذي هو اللهُ، هو يسوع.
ليُبارِكنا الرَّبُّ في هذا المساء المبارك، ولنكون فعلاً أبناءَ القيامةِ أبناءَ الملكوتِ ونقول للرّبِّ: "اذكرني يا ربّ في ملكوتِكَ" آمين.

ملاحظة: دوِّنتْ العظةُ من قبلنا بتصرّف

تتمة...
24/9/2014 الجملة التي قالَها لصُّ اليمين على الصليب الأب أنطوان الزاعوق

عظةُ الأب أنطوان الزاعوق
في القدَّاس الاحتفالي السنوي - كنيسة القدِّيسة مورا – المدافن
بمناسبة عيد القدِّيسة مورا
الذكرى السادسة لانطلاقة جماعتنا
في رعية مار مارون – بيادر رشعين

24/9/2014

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.

أحبائي، في مثلِ هذا اليوم منذ ستِّ سنواتٍ، انطلقْنا في رعيتِنا من كنيسة القدّيسة مورا- المدافن، باسم جماعة "اذكرني في ملكوتك"، العبارة التي قالَها لصُّ اليمين على الصليب ليسوعَ المسيح،
بعدما أحسَّ بأنّه هو يُصلَبُ عن حقٍّ، أمّا يسوع المسيح، فبأيِّ جريمةٍ يُصلبُ؟ ثمّ قال للصِّ الثاني، نحن الاثنين ننالُ العقابَ لأجل معاصِينا وأخطائنا، أمّا هذا الانسان فما هي جريمته ليُصْلبَ، والتفتَ إلى يسوع قائلاً: "اذكرني يا ربّ متى أتيْتَ في ملكوتك".
إنّ هذه العبارة يجبُ أن تكونَ لسانَ حالِنا في حياتِنا، لأنّنا مدعوُّون الى الفرحِ السماوي مع يسوعَ المسيح، لذا يجبُ أن نفكِّرَ دائماً ونقولَ ليسوع المسيح: "اذكرني في ملكوتك".
إنّ مَن يتوقُ الى الالتقاءِ مع يسوع المسيح في الملكوت الذي أعَدَّه لنا، عليه أن يكون مستعِدّاً. فإنّ ما سمعناه في انجيل العذارى العشر اللواتي ذهبْنَ الى العرس، خمسٌ مستعدّات، وخمسٌ لم يكنّ مستعدَّات، فالمستعدّات دخلْنَ، وهذا يعني أنه عند انتقالِنا الى الحياةِ الأخرى مع يسوع، يجب أن نكون مستعدّين كي لا نصِلَ متأخرين ونقرعَ الباب، فيقولَ لنا : الحقَّ أقولُ: إنني لا أعرفكنَّ.
إن هذا الاستعدّاد مهمٌّ جداً في حياتِنا لكي نستطيعَ أن نصِلَ الى اللحظة التي قال فيها اللّص: "اذكرني يا ربّ متى أتيْتَ في ملكوتك"، وعندها نكون قد عرفنا المسيح على حقيقتِه وسِرْنا معه وندِمْنا على كلِّ ما فعلناه في حياتنا.
إنّ انطلاقتَنا في هذه الجماعةِ لم تكن صدفةً، انطلقْنا منذ ستِّ سنواتٍ ولم نزَلْ مستمرّين، ومن لم يستطعْ حتى اليوم معرفة سرِّ هذه الجماعة، نقول له: لقاؤنا شهري نقيمُ قدَّاساً على نيةِ موتى الكنيسة في العالم، ونذكُرُ أمواتَنا خلال هذا الشهر، اولئِك الذين غادَرونا، ودائماً نحتفلُ بهذا القدَّاس لكي يبقى هناك تواصلٌ وعلاقةٌ بيننا وبينهم.

تتمة...
25/2/2014 الموت والقيامة الأب مروان خوري

"الموت والقيامة"
الأب مروان خوري

25/2/2014

نرتبطُ - نحن كمؤمنين - بشخصِ الرَّبِّ يسوع، وهو الصَّخرةُ التي نؤسِّسُ ونبني عليها كلَّ قراراتِنا ومشاريعَ حياتِنا. وما المشاكلُ التي تعترضنا إلَّا موجٌ يضربُ الأساسَ والبنيانَ، إلا أنَّهُ يتكسَّرُ على هذهِ الصَّخرة ولا يهدمُ شيئاً.
ولا شيءَ يثني المؤمن عن أن يُصلِّيَ برجاءٍ ويخاطبَ الرَّبَّ باستمرارٍ. ويقولُ الرَّسولُ بولس: "إنَّنا ¬نعلمُ بمن آمنَّا وبمن وضَعْنا رجاءَنا عليه"، فيسوعُ هو إيمانُنا، ولكن ماذا يخبرُنا يسوعُ عن سرِّ الموت؟ ماذا يخبرُنا عن هذا اللُّغزِ الذي يجعلُنا نهتفُ أمَامه: "بعيد من هون"؟
نحنُ نحاولُ باستمرارٍ أن نُبعِدَ عنَّا لحظةَ الموتِ، إلَّا أنَّ حَتميَّتَهُ لا يمكنُ إلغاؤها. ويمكنُ لنا أن ننظرَ إلى الموتِ كما ننظرُ إلى الجنينِ في أحشاءِ أمِّه، يسبحُ في حجرةِ المياهِ مدَّةَ تسعةِ أشهرٍ في أمانٍ وطمأنينةٍ، وعندما يحينُ موعدُ الولادةِ، يحاولُ الطِّفلُ البقاءَ في الرَّحمِ في حينِ تعملُ والدتَهُ على إخراجِهِ إلى الحياة، فيشعرُ وكأنَّها تقتلُه بإخراجِهِ إلى مكانٍ خطرٍ، وفي لحظة خروجهِ ورؤيتهِ للأنوارِ وسماعِهِ للضَّجيجِ يصرخُ، وبحسبِ الأطبَّاءِ فإنَّ هذه الصَّرخة هي التي تؤدِّي بجهازِهِ التَّنفسيِّ إلى البدءِ بالعمل. وإن سُئِلَ الإنسانُ بعدَ حينٍ من ولادتِهِ إن كانَ يرغبُ بالعودةِ إلى الرَّحم، سيكون جوابه: "أبداً". وهكذا نحنُ في هذه الحياة، فالأرضُ هي الرَّحمُ نمكثُ عليها لفترةٍ يُحدِّدُها الله. والموتُ هو لحظةُ الولادةِ، نحاولُ فيها التَّمسُّكُ بهذهِ الحياةِ، ونشعرُ بهولِ الفاجعةِ، ونتساءلُ: إلى أين ذَهبَ المتوفَّى؟ ونأسفُ على رحيل ِمن نحبُّ، في الوقتِ الذي يجبُ أن نسمعَهم هم يأسفونَ لبقائِنا. ولو سألْنا الرَّاقدين إن كانوا يرغبون بالعودةِ لرفضوا، حتى من هم في المطهرِ يعانون العذابَ. فالرَّبُّ إذاً يعملُ على إخراجِنا من هذه الحياة، ونحن نتمسَّكُ بها معتقدينَ لضعفِ إيمانِنا أنَّنا أتَيْنا إليها لنبقى فيها.

علَّنا يا أخوتي نتَّعظُ من الميتِ المـــُسجَّى أمامَنا في الكنيسةِ - فالميتُ هو الواعظُ الأكبرُ في الحياة- مدركينَ أنَّ دورَهُ قد حانَ اليوم ولكنَّنا لا ندري متى يحينُ دورُنا. واللهُ قد أتى بنا إلى هذهِ الحياة، ومَنَحنا حريَّةَ التَّصرُّفِ المطلقةِ في كلِّ شيءٍ، إلَّا أنَّهُ احتفظَ بأمرٍ واحدٍ فقط وهو لحظةُ خروجِنا منها. ويطلبُ مِنَّا الرَّبُّ أن نَستعِدَّ لهذه اللَّحظة، وألَّا نسمح لها بمباغَتَتِنا. وهذه اللَّحظةُ مُهمَّةٌ جدّاً، وقد أسماها قِدِّيسٌ معاصرٌ بــ"امتحانِ نهايةِ العام"، إذ علينا أن نستعدَّ لها كما يستعدُّ التِّلميذُ لامتحانِهِ، لأنَّ المستَعِدَّ لا يخافُ بل يدركُ أنَّه سينتقلُ إلى مرحلةٍ أعلى ويحصلُ على شهادةٍ أهمَّ. وقيمةُ الحياةِ وغايتها تكمنُ في استعدادِنا للحظةِ الولادةِ الحقيقيَّةِ، لأنَّ الحياةَ لو كانت هنا على الأرضِ لأكملنا مسيرتَنا عليها، ولما وُجِدَ الموتُ، ولكن طالما فيها موتٌ فهي ليستِ الحياة الحقيقيَّة.

الخطأُ الكبيرُ الذي يحدثُ في أيَّامِنا هذهِ، هو تربيةُ الأولادِ وكأنَّهم باقون هنا على الأرضِ. فالأهلُ يهتمُّونَ بمأكلِ وملبسِ وتعليمِ وميراثِ أولادِهِم، ويعتقدون أَّنهم بهذا يمنحونَهم كلَّ شيءٍ من بعدِهِم، ولكن ما قيمةُ الحياةِ إن منحنا أولادَنا كلَّ الدُّنيا ووصلْنا بهم إلى خسارةِ الإيمانِ؟ يقول يسوع: "ماذا يفيدُ الإنسان لو ربحَ العالمَ كلَّه وخسرَ نفسَه؟". ونحن، بماذا نأتي فداءً عن أنفسِنا؟ علينا ألَّا نتَّكِلَ على هذهِ الحياة، بل أن نضعَ إيمانَنا وثقتَنا بيسوعَ وحده، فمعَهُ لا تتحطَّمُ الآمالُ ولا يتوقَّفُ الفرحُ، ويصبحُ بهِ الموتُ مجرَّدَ انتقالٍ، كالشَّمس التي تغربُ في بلدٍ لتُشرقَ في آخر، لا تختفي ولا تضمحلُّ بحسبِ القدِّيس أوغسطينوس.
وإنجيلُ اليوم يخبرُنا بأنَّ كلَّ ما نفعلهُ على الأرضِ يُغفَر لنا، إلَّا خطيئةٌ واحدةٌ عظمى، وهي أن يغلقَ الإنسانُ قلبَهُ عن الله، ويصبحَ كشخصٍ خرج من منزلِهِ واتَّخذ قراراً بألَّا يعودَ إليه أبداً، فيُضحِي اللهُ كأبٍ رفضَ ابنَهُ الاعترافَ بِهِ، دونَ أن يستطيعَ أن يفعلَ لهُ شيئاً، وقد أسماها الرَّبُّ بــــــ "الخطيئةِ ضدَّ الرُّوحِ القدس".
وجهنَّمُ ليست للخطأة، لأنَّنا جميعاً خطأةٌ ورحمةُ الله تنتشلُنا، أمَّا جهنَّم فهي لمنِ اتَّخذَ قراراً لا رجوعَ عنهُ برفضِ الله أي بارتكابِ الخطيئةِ التي ضد الرُّوح القدس، ويتحدَّثُ عنها إنجيلُ يومِ الأحدِ الذي يخبرُنا عن غنيٍّ عاشَ يتنعُّمُ بخيراتِ الدُّنيا، وفقيرٍ اسمه لعازر ملقى على بابِ الغنيِّ، إلَّا أنَّ الغنيَّ لم يتنبه إلى حاجةِ الفقيرِ يوماً، وهذا هو القلبُ المغلقُ الذي لم يحبَّ من الدُّنيا إلَّا ذاته، ولم يهتمَّ إلَّا بنزواتِه وشهواتِه.
وفي إنجيلٍ آخر يقولُ يسوع: " تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ. لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيبًا فَآوَيْتُمُونِي. عُرْيَانًا فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضًا فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوسًا فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ"، ويقول لمن أغلقوا قلوبهم: "اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ، لأَنِّي جُعْتُ فَلَمْ تُطْعِمُونِي. عَطِشْتُ فَلَمْ تَسْقُونِي. كُنْتُ غَرِيبًا فَلَمْ تَأْوُونِي. عُرْيَانًا فَلَمْ تَكْسُونِي. مَرِيضًا وَمَحْبُوسًا فَلَمْ تَزُورُونِي". فالمحبَّةُ هي الفعلُ الوحيدُ الذي يُدخِلُنا إلى ملكوتِ السَّماوات، إذ نتركُ كلَّ شيءٍ هنا على هذه الأرض، ونأخذُ معنا كميَّةً من الحبِّ نقفُ بها أمامَ الرَّبِّ الخالق، الذي لن يسألَنا عن اسمِنا أو علمِنا أو شهاداتِنا، بل عن محبَّتِنا للآخرِ وللحياةِ. وعندما مكَّنَت عذراءُ مديغورييه الرؤاةَ السِّتة من رؤية المطهرِ، شاهدوا أنفساً مكرَّسةً هناكَ، وبكوا وسألوا العذراءَ عن سببِ وجودهِم في المطهر فأجابتهُم بأنَّ نقصَ الحبِّ لديهم هو السَّبب.

والحبُّ هو الذي يمنحُنا هويَّةً، فيتعرَّف اللهُ علينا. ففي إنجيلِ الغنيِّ ولعازر، لا يُذكَر اسمُ الغنيِّ ولا تُعرَف هويَّته: "كان غنيٌّ"، بعكسِ اسمِ الفقير: "وكان مسكينٌ اسمهُ لعازر"، وكأنَّ الرَّبَّ يقولُ لنا أنَّنا مهما كبُرنا في هذه الحياة، إن لم تكنْ في قلوبِنا محبَّةُ حتى أسماؤنا تُلغى ولا تَعُد تُعرف، وأبناءُ السَّماءِ لن يتعرَّفوا علينا بعدها.
وعندما يرى الغنيُّ لعازرَ يتنعَّمُ في حضنِ ابراهيم، يرجوه أن يُرسِلَ لعازرَ ليَبُلَّ إصبعهُ بماءٍ ويرطِّبَ حلقَهُ الملتهب. وهناكَ عادةٌ في كنائِسِنا، وهي رشُّ الماءِ المقدَّس على جثمانِ الميتِ، لأنَّها تخفِّفُ جدَّاً من لهيبِ عذاباتِ الخطيئةِ، لذا اعتادَ الكهنةُ في القِدَم، وفي بعضِ المناطقِ القليلةِ في أيَّامِنا هذه، أن يزوروا المدافِنَ ويرشُّوا عليها الماء المــُصلَّى ليرطِّبوا الحلقَ الملتَهِبَ حريقاً، ويُضيئوا الشُّموع المباركة، لأنَّها بعد أن تُبارَكَ من قبلِ الكاهن يُصبِحُ نورُها مطهِّراً للخطيئة. وللأسفِ فقد بَطُلَت هذه العاداتُ في أيَّامنا هذه لأنَّنا اعتقدنا أنَّها خرافاتٌ وتقاليدٌ باليةٌ، حتى أنَّنا بِتنا ننزعُ الصَّليبَ عن المحملِ عندَ وضعِهِ في القبرِ، ناسينَ أنَّ هذا الصَّليبَ هو زوَّادةُ الميتِ. هذه الأمورُ جميعُها تُعتَبرُ "زُوادةً" للموتى تمنحُها لهم الكنيسةُ بالسُّلطةِ التي أعطاها إيَّاها الرَّبُّ لتخفِّفَ من عواقِبِ خطاياهُم.

كما يقولُ ابراهيمُ للغنيِّ: "تَذكَّرْ... بيننا وبينكم هوَّةٌ عظيمةٌ قد أثبتت حتَّى أنَّ الذين يريدونَ العبورَ من هَهُنا إليكم لا يقدرون َولا الذين من هناكَ يجتازونَ إلينا"، فبعدَ الموتِ لا تَعُد لدينا إلَّا الذكرى، وما كتبناهُ على الأرضِ نُكمِلُ بهِ في السَّماء. إن كَتبْنا الهلاكَ نُكمِلُ بالهلاكِ، وإن كَتَبنا الخلاصَ نُكمِلُ بالخلاصِ. وبهذا ندركُ أهميَّةَ القرارِ الذي علينا أن نتَّخذَهُ في هذه الحياة، وأهميَّةَ هذه الدُّنيا التي نُقرِّرُ فيها مصيرَنا الأبديِّ. وقد قالت عذراءُ مديغورييه في ظهوراتها أيضاً أنَّ جهنَّم ليست أمراً نصلُ إليهِ، والسَّماءُ كذلك، بل السَّماءُ تبدأُ من هنا وتكتَمِلُ فوق، وجهنَّم تبدأُ من هنا عندما نُغلِقُ قلوبَنا عن اللهِ والنَّاس فنثبُتُ فيها بعدَ الموت. وحتى لحظة الموت نستطيعُ أن نُغيِّرَ قرارَنا. والهوَّةُ التي يتحدَّثُ عنها ابراهيمُ في المثلِ تُحدِثُها خطايانا، وقلوبُنا المغلقةُ الرَّافضةُ للحبِّ، وباستطاعَتِنا أن نردمَ هذه الهوَّة ونجعلَ من صليبِ يسوعَ جسراً نعبرها بواسطته، ولكن من يرفضُ التَّوبةَ والحبَّ لن يتمكَّنَ من العبورِ.
ويُقالُ أنَّ عذابَ جهنَّم ليسَ عذاب النَّار الماديَّة التي نعرِفُها، بل هو عذابُ الإحساسِ بالخسارةِ التي لا يُمكنُنا تعويضها إلى أبدِ الآبدين. وفي التَّعليم الدِّينيِّ قديماً، كانوا يُصوِّرون جهنَّم على أنَّها مكانٌ مظلمٌ، فيهِ ساعةٌ نُزِعَت عقاربُها وكُتِبَ عليها "إلى الأبد"، أي لا وقتَ محدَّدَ للبقاءِ فيها بل إلى الأبد.
وفي النِّهايةِ يقولُ الغنيُّ لابراهيم: أسألُكَ إذًا يا أبتِ أن تُرسِلَه إلى بيتِ أبي، لأنَّ لي خمسة أخوةٍ حتى يشهدَ لهم لكي لا يأتوا هم أيضًا إلى موضع العذاب هذا. قال له إبراهيم: عندهم موسى والأنبياء ليسمعوا منهم. فقال: لا يا أبي إبراهيم بل إذا مضى إليهم واحدٌ من الأمواتِ يتوبون. فقال له: إن كانوا لا يسمعونَ من موسى والأنبياءِ ولا إن قامَ واحدٌ من الأموات يُصدِّقون". وهناك فكرةٌ تُراوِدنا باستمرارٍ، إذ نتمنَّى أن يكشفَ اللهُ لنا عمَّا ينتظرُنا، فيؤمن النَّاسُ جميعاً، ولكنَّه يجيبُ: "عندهم موسى والأنبياء"، أي الكهنةُ والتَّعليمُ الكنسيُّ، وإن لم نستمع لهم فحتى وإن ظهرَ لنا أحدُ الأمواتِ لن نتوب. فمن يغلقُ قلبه عن الله، حتى وإن رأى أعجوبةً قد ينبهرُ ولكنَّهُ سيعودُ لوضعهِ بعدها. فالمشكلةُ ليست إذاً في أنَّ اللهَ يخفي عنَّا أو لا يريدُ أن يُبيِّن لنا فلا نؤمن، المشكلةُ في القلبِ الذي لا يريدُ أن ينفتحَ على الله، وهذا هو سببُ الهلاك. وسرُّ الخلاصِ هو قلبٌ يقبلُ الرَّبَّ، وعندها مهما كثرت خطايانا فإنَّ الله قديرٌ أن يغفِرَها.

ونختمُ مع قصَّةٍ للأب يوزو، الذي كان يُخبرنا بأنَّ الكثير من النَّاس يأتونَ إلى مديغورييه ليرَوا حقيقةَ الظُّهورات وسببَ ظهورِ العذراء هناك، ويرجعون كما يأتون، دون أن تلمسَ العذراءُ قلوبَهم البتَّةَ، وبعضهم يأتونَ ولا يرونَ الظُّهورات ولكنَّهم يؤمنون. يقولُ الأبُ يوزو بأنَّ النَّاسَ أشبه بزجاجةٍ فارغة، إن أُحكم إغلاقها ورُميَت في البحر وبقيَت 10 سنواتٍ، لن تدخُلها قطرةٌ من المياه، كما لو أنَّ البحرَ خالٍ من الماءِ. والخلاصُ يبدأ عندما نفتحُ قلوبَنا ونقولُ: "يا ربُّ نرغبُ في أن نتعرَّفَ عليكَ، نرغبُ في أن نبنيَ شراكةً معكَ، أن نتوبَ ونضعَ مصيرَنا بين يدَيْكَ"، ومن هنا تبدأُ السَّماء ويبدأُ سرُّ الحياةِ، عندما نتوجَّهُ إلى كرسيِّ الاعترافِ ونقرِّرُ أن نتوبَ عن خطايانا، أي عندما نُقرِّرُ أن نُعيدَ إلى قلوبِنا كميَّةً من الحبِّ. لذلكَ فإنَّ القرارَ يتوقَّفُ علينا، وليسَ على الله، إذ قالَ يسوعُ: "أنا لا أدينُكم، أعمالُكم ستدينُكم". نحنُ نعتقدُ أنَّ اللهَ سيعاقبُنا، إلا أنَّ اللهَ مُحبٌّ لا يعاقِبُ، بل أعمالُنا وقراراتُنا التي نتَّخذها على الأرض هي من تُعاقبُنا. القرارُ يتوقَّفُ علينا بالتَّوبة عن خطايانا، بالعودة عن سيِّئاتنا، وبعودةِ الحبِّ والرَّحمة إلى قلوبنا.
نُصلِّي في هذه الذَّبيحة على نيَّةِ من سبقونا، لأنَّهم بحاجةٍ ماسَّةٍ إلى صلواتِنا. وإن كانوا في المطهرِ نتيجةً لنقصِ الحبِّ، فذكرُهُم في الذَّبيحةِ الإلهيَّةِ يعودُ عليهم بالمنفعةِ الروحيَّةِ، إذ إنَّ أكبرَ عمليَّة حبٍّ على الإطلاق هيَ موتُ اللهِ على الصَّليب، ويجسِّدُها الكاهنُ في كلِّ مرةٍ يُقيمُ فيها الذَّبيحة الإلهيَّة. لذا لِنَقُلْ لله عندما ندخلُ إلى الذَّبيحة: "بحقِّ الحبِّ الذي أحبَّنا إيَّاهُ ابنكَ حتى الموت، نرجوكَ خُذْ من محبَّةِ يسوعَ عن هذا المذبحِ وعَوِّض ما نقصَ من حبٍّ في قلوبِ موتانا".
والقدِّيسُ الكاهنُ جان ماري فيانيه كان يُقيمُ الذَّبيحة الإلهيَّة في إحدى المرَّات – وكانَ يرى رؤىً – فرأى صديقاً له متوفَّى يتعذَّبُ بنارِ المطهر، وكان يحبُّهُ جدَّاً، لذا فأثناء قراءَتِه للكلامِ الجوهريِّ أمسكَ القربانَ وقالَ ليسوع: "قد أمسكتُكَ، ولن أفلتَكَ حتى تُفلتَ نفسَ صديقي من المطهرِ، وعندَ المناولةِ سأعطيكَ للنَّاس بفعلِ الحبِّ، وأرجوكَ أنتَ بدوركَ أن تأخذَ نفسَ صديقي وتعطيها لأبيكَ السَّماوي فعلَ محبَّةٍ أيضاً"، وعندما أنهى المناولة وعادَ إلى المذبحِ رأى الملائكة يمسكونَ نفسَ صديقِهِ ويرفعونها إلى السَّماء. لا يمكنُنا أن نتصوَّرَ كم يُريحُ الحبُّ الموجودُ في القدَّاس الإلهيِّ أنفسَ موتانا، فهم بحاجةٍ إلى رحمتِنا، ويجبُ أن نبقى في شراكةٍ معهم، فنزورهم في مدافِنِهم، ونعبِّرَ عن محبَّتِنا لهم، ونرشَّها بالمياه المباركةِ ونضيءَ الشَّمع المبارك، ونذكرهم في صلاتِنا باستمرارٍ، كما نذكرُ أنفس من لا يذكرهم أهلهم الذين نسمِّيهم بالنُّفوس "المــُنقطعة"، وإن ساعدناهُم نِلنَا رحمةً كبيرةً من الرَّبِّ، وسيشفعونَ بنا ليلاً ونهاراً، وعندما نغادرُ الحياةَ سيرافقونا إلى عندِ يسوع، ويطلبونَ لنا الرَّحمة لأنَّنا رحمناهُم عندما كُنَّا على قيدِ الحياة.
هذه حقيقةُ إيمانِنا، لنُصَلِّ على نيَّةِ موتانا في هذه الذَّبيحة، ونذكر المقدَّم "الياس الخوري" الذي توفي فداءً لقريةٍ كاملةٍ ليعطيَهُ الله الرَّاحة، ويمنحَ التَّعزية لأهله. كما نصلِّي لكلِّ الموتى الأبرياء الذين يموتون بلا سببٍ، علَّ اللهَ يفتقدُهم ويمنحُ بدمِهم السَّلامَ والراحةَ لبلادِنا، آمين.

ملاحظة: دوّنت العظة من قبلنا بتصرّف.

تتمة...
Why the Saints Can Pray for Us with Father Philip Raczka

First, we must get one thing straight. It is God who works miracles. The Church teaches us that a miracle may happen through the prayers or intercession of a Saint, but God actually works the miracle. So, we should not say I received a miracle from St. Nicholas but, rather, I received a miracle through the intercession of Saint Nicholas.
At the Last Supper, in St. John’s Gospel, Jesus told us to love another. In many other places in the Bible it is clear that we are told to love each other. When we love each other we are concerned about each other. The problem of our friend or relative becomes our problem, in that we want them to have a good life. We do not want them to be sick or have financial difficulties etc. We want them to have a solution to whatever difficulties that they have in life.
Saint Paul tells us many times in the Epistles, to pray for each other. Praying for other people is an act of love. We commit them, and their difficulties, to the love of God, asking God to help them. It shows our concern for other people and that we want them to have a happy life.
If on earth, in a sinful situation, in a very imperfect life, we are called to love each other and pray for each other; how much more should the Saints in heaven be able to love us and pray for us? In heaven they are not tempted to sin and they enjoy closer communion with God. It seems illogical to me to say that the Saints, who are more spiritually advanced than we are, do not love us and are not concerned about us. To say so, would imply that their love has decreased in heaven instead of increased.
Some people think that the Saints would not know what is happening on earth because, to know would make them sad, and there is no sadness in heaven. Here we need to be careful, for sometimes love involves sadness at seeing the misfortune of others. God Himself is saddened by the evil on earth. The joy of heaven does not cancel out the ability to be concerned for others. Love is always at work.

تتمة...
1/12/2013 بشارة العذراء مريم الخوري جوزف شلوم

عظة للأب جوزف سلوم
في القداس الإلهي الذي احتفلت به الجماعة
بمشاركة عائلة أنت أخي - بلونة

1/12/2013

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.

يا أحبَّتي،كلُّ ميلادٍ بحاجةٍ إلى جواب، وفي إنجيلِ اليوم، تُعطي العذراء مريم جواباً لنداء الربّ بالكلمة: "أنا أَمَةُ الرَّب"، وبالعمل: "قامَتَ مسرعةً"، أي لبَّت النّداء بسرعةٍ. والرعاة أيضاً، قد لبَّوا النّداء وقاموا مسرعين عندما نقلَت إليهم الملائكة بشارة ميلاد الرب يسوع. وهنا علينا أن نتنبَّه إلى هَرَمِنا، وتباطُئِنا في تلبية النِّداء إن كانت قولاً أو فعلاً. كما أن بَعضُ النداءات صامتةٌ والأخرى متكلِّمة، ولكن لا يجدُ كلُّ نداءٍ جواب.
العذراء مريم إذاً هي تابوت العهد الجديد، حملت الله في أحشائها وانطلَقت من الناصرة إلى عين كارم، واستغرقَ الطَّريق أياماً ثلاثةً، استراحت خلالها في العديد من المحطَّاتِ والبيوت، وحملت إلى كلِّ وجهٍ التقتهُ "البركة"، لذا قد نادتها أليصابات عند لقائهما بكلامٍ ووصفٍ ليس من عندها: "مباركةٌ أنتِ بين النِّساء"، ومن المهمّ جدّاً أن نحملَ نحن أيضاً البركة، كما حملَتها العذراء مريم إلى كلِّ بيتٍ وشخصٍ، وصولاً إلى زكريَّا وأليصابات ويوحنا. والسؤال الذي يطرحُ نفسه هنا: هل أنا مستعدٌّ أن أحملَ البركة في العالم اليوم، بالرَّغم من القلق والخوف والجراح والهواجس والفقر؟ هل أستطيع؟ فأسمع نداءً كنداءِ أليصابات، الذي حملَ للعذراء مريم مُباركتَيْن، الأولى: "مباركةٌ أنتِ في النساء" كعلامةٍ لاختيارها من بين كلِّ نساءِ الأرض، والثَّانية: "مباركةٌ ثمرة بطنك"، أي الرَّبّ يسوع المسيح.
وعندَ هذا اللقاء، نجدُ أيضاً ارتكاض الجنين في بطن أليصابات، تعبيراً عن فرحِ يوحنا بهذا اللقاء، ولكن إلامَ يرمز هذا الفرح؟ من المعروف أنَّ أي جنين في الشَّهر السادس يتحرك، وتشعرُ والدته بهذه الحركة، ولكن، ما الاختلاف في ارتكاضِ هذا الجنين؟ ولمَ حدث في بداية زيارة مريم؟ يعودُ بنا هذا الحدث إلى العهد القديم، وتحديداً إلى عهد الملك داود، إذ كان يوجد ما يعرف بـ "تابوت العهد" والذي كانت تُوضَع عليه الوصايا العشر رمزاً لحضورِ الله بين الشَّعب،
وعندما قرَّرَ داود أن يأخذَ تابوت العهد إلى هيكل أورشليم، كان يسيرُ أمامه بالمزمارِ والآلاتِ الموسيقيَّة ومظاهر الفرح والبهجة، احتفاءً بالله الموجودِ وسط الشَّعب. وفي هذا المقطعِ الإنجيليِّ، يمثِّلُ يوحنَّا داود الذي طُرِبَ وفرحَ ورقصَ، ومريم هي تابوتُ العهد، الحاملةُ للشَّريعة والأنبياء وربُّهم، الحاملةُ ليسوعَ المسيح. وإن قرأنا أيضاً في قصَّة تابوت العهد، لوجدنا أنَّه في طريقه إلى أورشليم، بقيَ في بيت عوبيد مدَّة ثلاثة أشهرٍ، ومريم مكثت في بيت أليصابات وزكريا أشهراً ثلاثةً أيضاً تخدم. أي مريم حملَت الله إلى هذا البيت بامتياز، فالعذراء في هذه الزيارة أرادت أن تُعبِّرَ عن روح الخدمة، بخدمتها في هذا البيت مدة ثلاثة أشهرٍ مجاناً دون تذمُّرٍ، وبفرحٍ، وأعلنَت أنَّ يسوع الذي في أحشائها ربٌّ، ولذا صرخت أليصابات حين رأتها: "من أين لي أن تأتي إلي أمُّ ربي؟"، معلنةً العقيدة المريميَّة الأولى، وأنَّ من في أحشائها هو الرَّبّ.
وبالإضافة إلى لقاء العهدَين، وتسليم العهد القديم للعهد الجديد، جعلت مريم من حضور الله أقرب إلينا من خلالها، حملته إلينا فلم يعد بعيداً. ومن المهم جدّاً أن نكونَ نحن أيضاً كمريم، فيشعر الآخرون عند حضورنا أنَّ الله قريب.
وكما فرحت مريم بما صنعَ الله معها، فأنشدَت بفرحٍ: "تُعظِّمُ نفسي الرَّب"، كذا علينا نحن أيضاً أن نرتِّلَ للرَّبِّ متى شعرنا بصنيعِهِ إلينا، ونفرحُ منرنِّمين بحضورِ الله القريب.
ومن هذا المنطلق، أودُّ أن أشكرَ ربّنا على نعمة وعطيَّة هذا اللقاء، وأرجو أن أَحملَ إليكم اليوم في هذه الزيارة، وفي كل زيارةٍ أقوم بها، حضورَ الله، آمين.

ملاحظة: دُوِّنَت من قِبلنا بتصرُّفٍ.

تتمة...
29/5/2013 لتكن أنظارنا متجهةً نحو السماء الأب ميشال عبود الكرملي

عظة للأب ميشال عبود الكرملي
في القدّاس الشهري لأجل الراقدين على رجاء القيامة
كنيسة مار يوسف - المطيلب

29/5/2013

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.

بدايةً، أتوجَّهُ بالشُّكر إلى الأب جان وإلى جماعة "اذكرني في ملكوتك" الذين قاموا بدَعوتي للاحتفال بالقدَّاس الإلهي في المطيلب اليوم، ونحن نحتفل بعيدِ الصعود. وعيد الصعود هو عيدُ الانتظارِ حتى العنصرة، إذ طلبَ الرَّبُّ يسوع من تلاميذِه أن يمكثوا مُنتظَرين تَلَقِّي الرُّوح الموعود، فانتظَرُوا أيَّاما تسعة حتَّى كانت العنصرة في اليوم العاشر، أي كانَ الاكتمال. لذلك نحنُ نُصلِّي أحياناً الصَّلاة التّساعيّة، نسبةً إلى حالة الانتظار التي عاشها التَّلاميذ لتسعةِ أيَّامٍ حتى الاكتمال. والصَّلاة التّساعيَة تُقامُ على نيَّةٍ مُعيَّنةٍ، ليُدرِكَ المـــُصلِّي أنَّهُ يعيشُ في حالةِ انتظارٍ، وهذا ما نحياهُ في الأعياد الكبرى، كعيد الميلاد وعيد السَّيِّدة وغيرها من الأعياد التي نُقيم فيها التّساعيّات. وعندها نفهمُ أنَّنا دوماً في حالةِ انتظارٍ لنعيشَ مع الآبِ السَّماويِّ الذي هو الحياة الأبدية.

وإذا قلنا إنَّ المسيح قد صعدَ إلى السَّماء، ولكن كيف؟ كلَّما تطوَّرَ الإنسان كلَّما اكتشفَ أنَّ الأرض أشبهُ بحبَّة رملٍ صغيرةٍ تائهةٍ بين مجرَّاتٍ كبيرةٍ، وأنَّ الكون عظيمٌ جدّاً، ولكن إلى أين صعدَ الرَّبُّ؟ وهنا علينا أن نُدرِكَ أنَّ السَّماءَ ليست بمكانٍ، بل هي حالةٌ. وكلمةُ "سماء" مشتقَّةٌ من الفعل "يسمو"، أي "يعلو" وبالتَّالي فإنَّ اللهَ أكبرُ من الأرضيَّاتِ التي حولنا. أي عندما يقولُ لنا الكتابُ المقدَّسُ إنَّ يسوعَ "رفعَ عينَيْه نحو السَّماء"، أو "صَعِد إلى السَّماء"، فهذا يعني أنَّهُ قد خرجَ من الحالةِ الأرضيَّةِ. وهنا نُدركُ أنَّ يسوعَ قد صعِدَ إلى السَّماءِ وسكنَ قلوبَنا التي تحوَّلَت إلى سماء، لأن السَّماءَ هي حيثُ يسكنُ الله وخاصَّةً في قلبِ الإنسان، وعلينا أن نحيا هذا الأمرَ في عيدِ الصُّعود دوماً.

وبالرَّغم من أنَّنا جميعاً سنموتُ يوماً من الأيَّام وسنتحوَّلُ إلى ترابٍ، إلَّا أنَّ الله لم يخلقْنا لنكونَ تراباً في القبور بل خَلَقَنا أولاداً للسَّماء، لأنَّنا أولادُهُ ولذا قال يسوع: "حيثُ أكونُ أنا تكونون أنتم".
وعيدُ الصُّعود يجعلُنا نُدركُ أنَّنا نحيا للسَّماءِ لا للأرضِ، ويسوعُ عندما نزَلَ إلى الأرض أمضى حوالي ال 33 عاماً كما يُخبرنا الكتاب المقدَّس، وقد بدأَ برسالتِهِ عندما أصبحَ عمره 30 سنةً تقريباً، لكنَّهُ لم يذكرْ لنا سنواتِ الرِّسالة الثَّلاث حرفيَّاً، ولكن – إنجيل يوحنَّا على سبيلِ المثال – يُخبرنا أنَّ الرَّبَّ يسوع قد صعدَ إلى عيدِ الفصح مراتٍ ثلاث، وقُبِضَ عليه وصُلِبَ في العيدِ الثَّالث. وفي مشوار ال 33 سنة، لم يضمحلَّ يسوع، بل صعِدَ بجسدِهِ الممَجَّد أي أخذَ إنسانيَّتَنا، وبالتَّالي بِتْنا نعرفُ أنَّنا سنكونُ معه فوق. ونحن مدعوُّون لنَسمو، وهذا السُّمو هو لئلَّا نتعلَّقَ بأمورٍ صغيرةٍ، لأنَّنا إن تمسَّكنا بها لن نتمكَّنَ من السُّموِّ والوصول إلى ربِّنا، ويسوعُ قال لنا: "لا تعبدوا ربَّين"، وهذا لا يعني ألَّا نستخدمَ المالَ مثلاً، بل أن تبقى قلوبُنا متَّجهةً إلى فوق وألَّا نعبدَ الأمورَ الأرضيَّةَ.
ونحنُ في جماعة "اذكرني في ملكوتك" نُركِّزُ على أمرٍ أكثرَ من غيرِهِ: "اذكرني متى أتيتَ في ملكوتِك"، وفي الصَّلاة الرَّبيَّة نقولُ: "ليأتِ ملكوتُكَ"، أي حيثُ أنتَ الملك، وعندما يكون الله الملك تكونُ الكلمة له. ونحن في كثيرٍ من الأحيان نعيشُ الفصام، إذ يُعلِّمُنا العالمُ البغضَ والحسدَ في حينِ يدعونا اللهُ إلى السُّموِّ والتَّرفُّع والمحبَّة، ونحنُ علينا أن نسمعَ إلى اللهِ مع مريم التي تقولُ لنا في نهايةِ الشَّهر المريمي: "اسمعوا ما يقولُهُ لكم". وفي كلِّ مرَّةٍ يتوجَّبُ علينا فيها أن نتَّخِذَ قراراً مُحيِّراً لنا، علينا أن نتوقَّفَ ونسألَ أنفُسَنا عن إرادةِ اللهِ وتوجيهِه لنا، وعندها نفهَمُ أنَّ كلَّ خيرٍ هو كلمةُ الله، ونشعرُ بأنَّنا مُترفِّعون.
وعلينا أن نخلقَ قضيَّةَ السَّماءِ في حياتِنا، وقضيَّةُ السَّماء هي كلُّ ما فيهِ خير. فالولدُ يكبرُ على ما يتربَّى عليه، ويبقى في لا وَعيه، إلا أنَّ المشكلة هي أنَّ المجتمع يغرسُ فينا بذوراً وإغراءاتٍ غيرَ مُستحبَّةٍ، ولكي نتخلَّصَ منها علينا أن نتعلَّم أن نختليَ بذواتِنا يوميَّاً، أن نختليَ مع الله السَّاكن في قلوبنا ونتأمَّلَ في كلمتِهِ ونصلِّي، فنشعر أنَّنا ننتمي إلى فوق. وهذه الأمور هي التي نُربِّي عليها أولادَنا ونبني على أساسِها عائلاتِنا ليكونوا للسَّماء. وفي هذا الصَّدد، أودُّ أن أذكر لكم مثلاً عن سيِّدةٍ توفي ولدُها وهو في عامِهِ الجامعيِّ الثَّالث، وكان كلُّ ما يُعزِّيها هو الرَّجاء بأنَّها قد ربَّتِ ابنها للسَّماء (أنطوني). ونحنُ أيضاً علينا أن نُصلِّي، ونسألَ أنفسَنا، هل نرغبُ بأن نكونَ في السِّماء في حين يكونُ أبناؤنا في جهنَّم؟ علينا أن نردَّ أبناءَنا كما ردَّت القدِّيسة مونيكا ابنها القدِّيس أوغسطينوس بصلاتِها، وهكذا عندما نُصلِّي نكسبُ صلاتَنا ونكسبُ أنَّنا نُصلِّي لغيرِنا. ونحنُ نطلُبُ من الأهل باستمرارٍ أن يُعلِّموا أولادَهم الصَّلاة، لأنَّهم في النِّهاية سيكسبون لأنَّ الأبناء يُصلُّون أولاً لآبائِهم، وعندها نحيا السَّماء حقاً، ونحيا عيدَ الصُّعود يومياً لأنَّنا نترفَّع بقلوبِنا لنكونَ مع الرَّبِّ، وهذا ما أطلبُه من الرَّبِّ اليوم، هو الذي صعدَ بنفسِه وجسدِه وبات جسدُه ممجدَّاً.

علينا -كما يطلُبُ مِنَّا مار بولس- أن نُبقِي عيونَنا وأفكارَنا متَّجهةً إلى حيث يجلسُ المسيح عن يمينِ الآب، وأن نُدركَ أنَّنا أبناء السماء، موقِنين أنَّنا عندما نُصلِّي يومياً "السَّلام عليك يا مريم... الآن وفي ساعة موتِنا" نحن نطلُب من العذراء مريم أن تكونَ حاضرةً مَعَنا في ساعةِ موتِنا كما كانت حاضرةً ساعةَ موتِ ابنها يسوع.
وعلينا أن ندرك أنَّ الصَّلاة تسمو بحياتِنا، وتُغيِّرنا داخليَّاً وخارجيَّاً، وبالتالي لن نندمَ على أيَّة لحظةٍ أضعناها مع الله، لأنَّ من يُضيِّع وقتَه مع الله هو الرَّابح لأنَّ الله هو الحياة، لهُ المجد إلى الأبد، آمين.

ملاحظة: دوّنت العظة من قبلنا بتصرّف.

تتمة...
Why We Can Pray for the Dead with Father Philipp Reczka

Those who think that we cannot pray for the dead believe that a person’s spiritual progress stops with death. Since there can be no change in the soul then it is not possible to pray for the dead.
We believe the exact opposite. We believe that there is change in the spiritual life of a person after physical death.
First, they are judged by God. We pray that God will be merciful and forgiving to the person and overlook their sins and see rather the good that they did in life. Remember that we must also answer for the gifts that God gave us and we either developed or ignored. We also have to answer for the good that we could have done and did not do. It is not just a question of obeying the 10 Commandments. How God judges is up to Him but we ask Him for forgiveness and mercy.
Second, Sin is a spiritual illness with consequences for the soul. Just like after an operation we have to recover and maybe even have therapy to get back to normal. When I had my gall bladder out it took me 6 months regain my full energy. So too after sins are forgiven they must be removed from the soul and the effects of the sins also. So the soul undergoes a period of purification and spiritual recuperation to overcome the effects of sins. So we pray that this process will proceed rapidly so that the person may have the full joy of heaven.

تتمة...
20/2/2013 نص الخبز والسمكتين، يو6/1-15" " الأب ميشال عبود الكرملي

عظة للأب ميشال عبود الكرملي
دير سيّدة الكرمل - الحازمية

20/2/2013

ياسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين

إنّ النّصوص الإنجيليّة المختلفة، لهي مرايا لحياتنا، فعندما نقرأ اي نص من الانجيل، نقارنه بما نعيش ونرى هلى نعيش مثلما يريد يسوع. في نصّ " الخبز والسّمكتين " نرى العدد 7 للخبز والسّمك مجموعين، هو عدد الكمال، أمّا اثنتا عشرة القفّة، فهو عدد تلاميذ يسوع من جهة، وعدد أشهر السّنة من جهة أخرى، فهو عدد الاكتمال. وهذا يعني ان عطايا الله، لا متناهية تكفينا مدى الحياة. وقد ذكر هذا النّص في الأناجيل الأربعة(متى-مرقس-لوقا-يوحنا) ، ويرى آباء الكنيسة في هذا النّص "صورة الإفخارستيا ".

ورد في بداية النّص: " وصعد يسوع إلى الجبل ، وجلس هناك مع تلاميذه"؛ فباعتبار الإنجيل بكلّ نصوصه مرآة لحياتنا كما سبقت الإشارة، فهذا يعني أن حياتنا، بأدق تفاصيلها، إنّما هي " مسيرة نحو الجبل "، مما يعني أن عالمنا الأرضي لا يعدو أن يكون واديا يظلله ليل هذه الحياة بمرارتها وتجاربها القاسية؛ وأن هدفنا الوحيد الأوحد لا يعدو أن يكون بصيص نور الأمل المودي بنا إلى قمّة الجبل؛ تعترضنا الصّعوبات المختلفة وتشقينا شتى المشقات؛ إلا أنه على نظرنا، وقلبنا، وفكرنا، أن يشدّوا إلى نور الأنوار، إلى القمّة المشعّة، إلى الملكوت؛ ويرافقنا في مسيرتنا أهلنا،والأصدقاء،وشريك الحياة؛ منهم من " يموت" فنبكيه لأنّه تركنا وسط المسيرة، إلا أنه يكون قد سبقنا إلى النور،إلى القمّة المضيئة، إلى الملكوت،وهذا هو رجاؤنا بيسوع المسيح.
وعندما نصل إلى القمّة، يخرج كلّما نعرفه من حدود الزّمان والمكان، ويخرج الإنسان من حدود هذين الأخيرين، فيسكب النّور شعاعه وظلّه علينا ،كالشّمس التي تشرق على الكلّ دون استثناء.
وهكذا، فإنّنا جميعا تلاميذ يسوع، نسير معه نحو الجبل، حيث نور الأنوار ومبدع الكلّ ، الله، ربّنا وإلهنا.
أما بالنّسبة إلى طلب التّلاميذ من يسوع المسيح صرف الجماهير الغفيرة لأنّها تعبة من جهة، وستتعبهم وتعيق مسيرتهم من جهة أخرى؛ وأكثر فهم جائعون ومنهكون؛ فكان ردّ المسيح: " أعطوهم انتم "، وكأنّي بالمسيح يلقي على عاتق التّلاميذ مسؤوليّة اهتمام الإنسان بأخيه الأنسان، وهي بالأصل من علامات الله! فالله ما خلق الإنسان وتركه يتخبّط في أمواج هذه الحياة!بل ساعده وسانده واستجاب لطلباته...فقد أراد المسيح بطلبه شبه المستحيل هذا، أن يعلّم تلاميذه كيف " يحقّقون صورة الله، ويعملون على مثاله "، بعدم تركهم تابعيهم هائمين على وجوههم، جائعين ومضنوكين.
كما أنّ المسيح بقوله لتلاميذه: " أعطوني مما عندكم "، إنّما هو يطلب كل ما عندنا ولو كان قليلاً، ليصيّره كثيراً، شرط أن يعطى بمحبّة. عندها قدّمت إليه خمسة أرغفة من الشّعير وسمكتين وهي طعام الفقراء بامتياز، فباركها يسوع، ورفعها ،وشكر ، وأطعم ما يزيد على خمسة آلاف رجل ما عدا النساء والاولاد،حتى شبعوا وفاض عنهم الكثير...

وبذلك أراد الرّب تنبيهنا إلى إخوتنا حتّى نساعدهم في الضّيق مما أعطينا على الأقلّ حتى لا يبقى في الدّنيا جائع أو محتاج...كما أنّه أرادنا أن ندرك أهمّيّة شكر الرّب على نعمه وعطاياه دائما وأبدا...
في هذه الدنيا خيرات كثيرة، تكفي كل سكان الارض دون استثناء، وأنما طمع الانسان وبخله واحتكار الخيرات عن أخيه، هو ما يجعل بعض الناس في عوز وجوع.
نحن بحاجة للأمانة في هذه الدنيا، بحاجة الى فكر الرب وعنايته... نحن يدان الرب، فلنعمل معه ومن اجله.

ملاحظة: دوّنت العظة من قبلنا بتصرّف.

تتمة...
أريدُ أن أخاطبَكَ يا موت الأب ابراهيم سعد

عظة للأب ابراهيم سعد
في الوداع الأخير لابن أخيه ميشال سعد

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين

اسمحوا لي أن أتكلَّمَ كما يحلو لي.
أريدُ أن أخاطبَكَ يا موتُ..
يا موتُ شئتَ اليومَ أن تضرِبَنا في الصَّميمِ، في القلبِ، ونجحتَ في إيلامِنا، نجحت. أشهدُ لكَ أنّكَ قادر على هذا. يا أيّها الوحشُ الذي لا يشبعُ، همُّكَ أن تأكلَ فقط ولا تشبع. همُّكَ يا موت أن تزرعَ فينا يأساً وإحباطاً، أن تزرعَ فينا حتّى الكفرَ. يا من تفرحُ عندما نحزن.
أنا أعرفُ أنَّها حربٌ قد أعلنتَها علينا. وهدفُ هذه الحرب أن تنتزعَ منّا فرحَ القيامةِ، هدفُ حربك أن تنتزعَ منّا الإيمان.
أنا أعرفُ أنَّكَ قهَّارٌ، قتَّالٌ، ولكنَّكَ بالرغم من كلّ جهدِكَ وسعيكَ ودهائِكَ وخبثِكَ، قد سهى عن بالِكَ أنّنا نحنُ أبناءُ الإيمانِ، أبناءُ الرّجاءِ، أبناءُ المحبّةِ.
غفلَ عنكَ يا موتُ ونسيتَ أنّنا جئنا من جنبِ المطعونِ بالحربةِ على الصَّليبِ، أنّنا جئنا من هناكَ من خلفِ الحجرِ المرفوعِ عنِ القبرِ مهما كان عظيماً، هيهات يا موتُ منّا الهزيمة !
لقدِ استطعتَ اليومَ أيّها الموتُ أن تأخذَ من بيننا وردةً، وأن تبتلعَ من ضياءاتِنا ضياءً.
نعرفُ ذلكَ وندفعُ الثَّمنَ وجعاً.
ظننتَ أنّكَ ابتلعتَهُ ؟ ظننتَ أنّكَ ربحتَ؟
انظرِ الآنَ يا موتُ، انظر إلى ميشال. أينَ أصبحَ الآن؟ أمازالَ في جوفِكَ؟ لا واللهِ، لا والله!
لقد تحرّرَ ميشالُ اليومُ من ضغطِكَ يا واهمُ، لقد تحرَّرَ من سطوتِكَ اليومَ أيّها الموتُ، من سلطانِكَ، وراحَ ميشالُ يتبخترُ كالعريسِ في جنّةِ العرسِ الدائمِ، في عرسٍ لا تستطيعُ أنتَ أن تتصوّرَ روعتَهُ ولن تستطيعَ، بل لا يُسمحُ لكَ أن تستطيع.
لذلكَ بالرَّغمِ من تحفُّظِ البعضِ، شئناهُ اليومَ أن يكونَ عرساً رغماً عنكَ يا موتُ. شئناهُ اليومَ أن يكونَ يوماً فصحياً رغماً عنكَ يا موت. شئناهُ اليومَ إعلانَ قيامةٍ، ليسَت قيامةُ الربِ بل قيامةُ ميشال، رغماً عنكَ !

نحنُ لا نبكي يا موتُ لأنّكَ ربحتَ، نحنُ نبكي فقط لأنّنا نحبُّ والذي يحبُّ يعمِّدُ والدموعُ معموديةٌ جديدةٌ. نحنُ نعمّدُ ميشال بدموعِنا ولا نحبسُه في عيوننا، وهذا ما يقهركُ يا موتُ. نحنُ لا نحبسُ ميشال في العيون، نحن نقبلُ، نقبلُ ولو على حسابِ شوقِنا لهُ أن يتحرّرَ من الترابيّة ويتحوّل إلى الملكوتيّةِ.
نحنُ أتينا برموزِ الفرحِ والبياضِ والورودِ بالرغمِ من ألمِ الحزن، أتينا لنعلنَ اليومَ أنَّ المسيحَ قام...حقّاً قام، لا بل أنَّ ميشال قامَ...حقّاً قام! وهذا ليس شعاراً، هذا هو إيماننا، فهمنا أم لم نفهم، هذا هو إيماننا. وإذا ما رفعنا النّعشَ عالياً فنحنُ لا نرفعه عالياً عن الأرض، نحنُ نعليهِ الى السَّماء لتمدَّ يدكَ أنتَ يا اللهُ وتلتقطَ ميشال وتتقبَّلَهُ، لنقولَ لك: التي لكَ ممّا لكَ نقدّمُهُ لكَ عن كلِّ شيءٍ ومن أجلِ كلِّ شيءٍ. نقدِّمُ اليومَ ميشال قرباناً لقدَّاسٍ أنتَ كاهنُهُ يا اللهُ، أنتَ متقبِّلهُ يا ربُّ ومقرِّبهُ، رغماً عنكَ يا موت!
قد لا يتقبّلُ البعضُ منّا هذا الكلامَ ولكنّي يا ميشال الآنَ سوفَ أتكلّمُ معكَ بالرَّغمِ من أنّني ما زلتُ في التُّرابيةِ وأنت أصبحتَ في حالةِ اللّا تراب:
تنعّم يا عمّي في ما أنتَ تحياهُ من بعدِ هذا اليوم، تنعَّم في الرّضا، في رضا مَن وحدَهُ عندَه الرضا.
اذهب وجهِّز لنا مكاناً لأنّ الشوقَ بدأَ يكبرُ يا ميشال منذُ الآن، وإذا تأخّرنا عن اللّقاءِ بكَ، نطلبُ إليكَ أن تتضرّعَ الى صاحبِ العرسِ فوقَ أن يُنعمَ علينا بنعمة الصَّبر، ونعمةِ اليقظةِ لننتبهَ لضعفاتِنا :

تتمة...