"دور الضمير الشخصي في أخذ القرارات المسؤولة"
الأب ادكار الهيبي
ضمن برنامج التنشئة لمرافقة المرضى
6/12/2008
المقدمة : ما يجمعنا اليوم هو الإنسان المتألم الذي هو على صورة الله ومثاله. ما هي مسؤوليتنا اتجاه المريض وبخاصة المشرف على الموت؟ هل يعي أهمية وجوده؟ هل هو محضّر للموت؟ للعبور ...؟ للقاء الرب؟ ما هو دورنا بالمرافقة الروحية؟ هل نحن المخلّصين؟ أم نحن في خدمة خلاصه بحضورنا ، بمعرفتنا.... كي ينمو كل يوم أكثر في مشروع ملكوت الله . كما قال يسوع المسيح " ملكوت الله في داخلكم ".
الله معكم ، إنّ ما يجمعنا اليوم ليست خبرتنا الشّخصيّة، ولا هي مصادفات الحياة، إنّما هي شراكتنا في الرّوح القدس الكائن فينا؛ ونحن بلقائنا هذا إنّما نحاكي مريم وأليصابات، عند زيارة الأولى للثّانية، وفرحهما الواحدة بالأخرى الذي تجلّى في تهلّل أليصابات وارتكاض الجنين في بطنها...أجل، هذا هو عمل الرّوح القدس فينا، وهذا ما نعبّر عنه اليوم من فرح، بلقاء بعضنا للبعض الآخر...وأنا حامل رسالة، أحاول أن أعبّر عنها، وأن أؤكّد لكم عمل الرّب والرّوح القدس فيكم، حتّى نختبره معا، فنمجّد الرّب...إنّ ما يجمعنا اليوم هو الإنسان عامّة، والإنسان المتألم بخاصّة، وأنا لم آتِ لألقي محاضرة، بل أنا هنا حتى نفكّر سويّا ، ونتشارك الخواطر.
أمّا بالنسبة إلى عنوان الجماعة : " اذكرني في ملكوتك "، فقد قالت زينة إنّ دافعها، هو إحساسها الصّادق بالمسؤوليّة تجاه المشرفين على الموت، حتّى تصل بهم إلى حضن يسوع المسيح...وقد تختلف الآراء باختلاف الخبرات الاجتماعيّة عامّة، والعائليّة بخاصّة، في موضوع الموت. أمّا تيريز فقد رأت أنّ في رسالتها توق إلى الدّخول إلى الأعماق هربا... وسأما من القشور.
" اذكرني في ملكوتك " : ملكوت الله في داخلكم.
وبما أنّ الاهمّ عند التعليق على موضوع معيّن هو الانتقال من طريقة تفكير سطحيّة، تعتمد على الأخذ بكلّ شيء، وقبول المعلومات كما هي، إلى طريقة تفكير أعمق نتحوّل فيها من متلقّين سلبيين، إلى محلّلين واعين، وأصحاب قرار يترجم على مختلف أصعدة حياتنا، فالتّنشئة الصحيحة هي تكوين حقيقي، داخليّ "formation “ ينشئ فينا بناء جديدا متينا...فمن لا يعرف كيف يعيش، لا يعرف كيف يموت ، ومن لا يموت عن أشياء كثيرة كل يوم لا يجيد العيش؛عدد لا يستهان به من البشر ، يعيشون من هروب إلى هروب لعدم تقبّلهم صلبان حياتهم، ولعدم تعايشهم مع النّقصان الذي يطبعهم كبشر، في صحّتهم، وسلامهم، وتفكيرهم...إذ إنّ الكمال هو لله وحده!
ماذا نطلب من المحاضر الذي يكاد يعرف كلّ شيء، وهو مستعدّ لمحاولة إقناعنا بما يؤمن به، ولو كان ذلك على حساب راحته...إلا أنّ مشكلتنا في الشّرق الأوسط هي مشكلة لاوعي مخيف! وهذا اللاوعي العام، واللاوعي الأخلاقيّ بخاصّة، هو ما يجب أن نغلّب عليه، عند المريض المشرف على الموت، الوعي الوجودي، -الذي شبهه "فرويد" بجبل الجليد العائم ICEBERG : القسم الظاهر فوق الماء من هذا الجبل يرمز إلى الوعي والقسم الأكبر منه بكثير والمغطى بالمياه: يرمز إلى اللاوعي. هذا ويتكون الوعي من الوعي الوجداني، والوعي النّفسي، والوعي الأخلاقي، حتّى ننهض بالمريض روحيّا، فتنكشف له أهمّيّة وجوده، وقيمته الشّخصيّة، حتّى يتمكّن بعدها من تمييز الخير من الشّر...ف" اذكرني في ملكوتك" تعني، "املك أنت على قلبي واجعلني ادخل في سر الوهيتك كي انمو كل يوم اكثر في مشروع ملكك" ، أجل، هذا هو الملكوت .
قال أحد آباء الكنيسة: "لقد صار ابن الله انساناً ليصبح الإنسان ابن الله". وفي الكنيسة الأرثوذكسية، يُقال أن مشروع الله هو "تأليه الإنسان"، وهكذا، فكلّ منّا بوعيه الوجداني ، والنفسي، وفي عمق ضميره، يكبر كل يوم حتى يصبح "على قياس الله". وقد قال بولس الرسول في هذا المضمار: دعوتي أن ابلُغ ملء قامة المسيح عندما أعتمد"؛ وهو يعني "ملء قامة المسيح"، ملء الوجدان الإلهي، وهو دعوة كل انسان.
: كلّ، يحيا حياته ، ولا أحد يحيا "عن غيره"، وهذا المبدأ سيف ذو حدين
الحد الأول إيجابي ومريح، يخفّف عنّا مسؤوليّة فشلنا في رسالة مرافقة المشرف على الموت ، لأننا لا نستطيع ان نخلص أحداً بالرغم من امكانياته الوجدانية والنفسية.اما الحد الثاني فسلبي، إذ إنّي على الرّغم من حدود مسؤوليّتي تجاهه، إلا أنّ رسالتي ان أحاول، بشتى الطرق، أن اكوّن لديه دعوة ولو صغيرة حتى ينمو بالألوهية في عمق ذاته. لقد اقتنعنا إذن ان مشروع خلاص الآخر ليس بيدنا، لكننا خدام لكل مشروع بتصرفاتنا ، بحضورنا، بنشرنا للمعرفة، كلّ بحسب اختصاصه. ألسنا نعاين اليوم انعدام المعرفة الوجدانية والعقلانية عند النّاس عامّة، وعند المرضى المشرفين على الموت بخاصّة؟ نحن غير محضرين للموت، وكأنه لا علاقة لنا بحياتنا..
عندما سألني ابني البالغ من العمر عشر سنوات: "هل سأموت ؟"، أجبته: "ليس الآن، بل عندما تكبر"، فبدأ يبكي،؛ لكنّ أخته ، وهي في التّاسعة، أجابته: "لا ، لن نموت!". علينا أن نغيّر ثقافة الهروب من فشل عدم سيطرتنا على الموت، ومعرفة أنّه انتقال وعبور... فالموت ليس نهاية، إنّما هو، في بيئتنا المسيحية ، بيئة الحياة الابدية، بداية! وعندما نصرّ أن نربّي أولادنا على الضّمير الحيّ الذي يأخذ قرارات مسؤولة، علينا ان نساعد كل انسان على حمل مسؤولية تألهه وخلاصه، أي كي يغتصب ملكوت الله، على ما يقول القديس متى.
لذا، فأول ملاحظة منهجية تقول بضرورة تحول وضعية علاقتنا بالمرضى، وبموت غيرنا ، وبعلاقة غيرنا مع الملكوت: "نحن لسنا المخلصين" ، ونحن في خدمة خلاص الآخر حتى الموت.
والآن انتم الذين تركتم التزاماتكم لخدمة خلاص الآخر، لا تتخلوا عن فضيلة اساسية، هي التواضع؛ فالمخلص هو يسوع المسيح، وليس نحن! وهذا يطبق على تربية اولادنا أيضا... فكل ام هي في خدمة تأله اولادها، وعلينا جميعا أن نتقبل الفشل، عندما نقوم بخدمة نجاح الآخر. ومع المرضى علينا ان نكون حاضرين بروح التواضع والتفاني.
فالمهمة الرسولية الأولى لكل مسيحي تجاه كل انسان عامّة، وتجاه المرضى، بشكل خاص، ان يساعد كل شخص على ان يحمل حياته على اكتافه كما فعل المسيح مع المخلّع، هكذا على كلّ منّا أن يحمل مشروع خلاصه وصليبه أوّلا..
أخيرا، فلنتخلّ عن منطق أنّ " الحياة الأبدية تبدأ بعد الموت "، ان هذه الحياة بحد ذاتها تأسيس لاستمرارها عبر الانتقال او الموت، وهناك خطر اذا لم أعش أنا امكانية انتقالي بالموت، يبقى الموت هروبا، فلنحضر للحياة الأبدية في كل لحظة، فقد قال يسوع: " ملكوت الله في داخلكم".
ملاحظة: دوّنت المحاضرة من قبلنا بتصرّف.
تتمة...معنى الجسد والالم
بقلم الأب ألبير عساف
17/5/2008
إن اخلاقيات المرافقة تفترض علينا التأمل بالإنسان وكرامته واحترامه وهذا ما يُدخلنا الى تحليل لماهيّة هذا الكائن ومكوّناته خصوصاً عندما نتكلم عن المريض فمن الطبيعي أن يأخذنا الحديث الى جسده المثخن بالألم وأعضائه الموجودة والمضروبة بالمرض. عندما نتكلم عن هذا الجسد نجد أمامنا تقليد مزدوج :
1 – الأول ويعكس التقليد اليوناني – اللاتيني وأعني تأثير فلسفة أفلاطون عليه حيث نجد وباختصار أن الجسد مفصول عن الإنسان.
2 – والثاني وهو التقليد اليهودي السامي الذي يعتبر كلمة الجسد أو حتى الجسد هو مرادف للإنسان.
هذا التقليد المزدوج يدفعنا الى تحديد مزدوج للجسد :
ا – عندنا الجسد الموضوعي objectif
2 – عندنا الجسد الشخصي subjectif
وبعبارة أخرى :
1 – عندي جسد(j’ai un corps l’ordre d’avoir)
2 – أنا جسد (je suis un corps l’ordre de l’être)
بعبارة أخرى :
صورة إزدواجية dualiste
صورة أو فكرة توحدية للجسد unitaire
سنحاول شرح كل ما سبق وطرحنا
1 – الجسد الموضوعي : يجد أساسه في أفلاطون وفلسفته، ويعتبر أن الجسد هو كناية عن حدود مفروضة على النفس أثناء عبورها على الأرض، ومن المفضل – بالنسبة له – أن تتحرر بقدر الإمكان منه لكي تلبي -أي النفس – دعوتها الأساسية وهي التأمل بالمثل والإتحاد بها.
لذلك فالموت هو ليس إلاّ التحرير الأكمل والأعظم للنفس. والحياة على الأرض يجب أن تساهم بتحرير النفس من الجسد المادي والزائل حتى جعله "لا شيء" بالتطهير التصوفي.
• اتباعه اعتبروا أن الجسد هو "تابوت النفس" والنفس سجينة في سجن الجسد.
• باختصار هذه الفلسفة تجعل الجسد مختلف عن الانسان، "جسداً غريباً".
• المعاصرون من أتباع أفلاطون ك René Descartes الذي اعتبر ان الجسد هو كناية عن آلة مكوّنة من قِطع تعمل بطريقة ميكانيكية مترابطة، هو خاضع للتحليل بكل قطعه وهو مختلف. وجملته الشهيرة "جسدي ليس بالحقيقة أنا" Mon corps n’est pas vraiment moi”"
هذه الفكرة المزدوجة للجسد فتحت أبواب الإختبارات العلمية عليه (من دون تعليق).
وجعلت مرادف الجسد " قطع وأعضاء وخلايا وأجهزة ودمّ... جعلته مادة خالصة.
2 – الجسد الشخصي : تقدمت به الحضارة العبرية أو بالأحرى الثقافات السامية والتي اعتبرت الجسد كثير الإتحاد بالإنسان.
لغوياً أي ايتمولوجيةEthymologie لا يوجد كلمة جسد corps بل توجد كلمة بشر أو لحم la chair، وهذا البشر اللحمي هو المكوّن من قبل الله في الأحشاء الأمومية وما يقال "كل بشر" حتى في لغتنا العامية يعني "كلّ إنسان" ويعكس هذه الثقافة السامية.
لهذا أتقدم منكم بمقارنة بين ثقافتين يونانية وسامية لندرك أكثر معنى الجسد وأقصد المعنى الحقيقي له.
أ – كلاهما مرتبط بالخير والشر ولكن بطريقة مختلفة
ب - بالنسبة لليونان الشر هو الجسد
بالنسبة لليونان الخير هو التحرر من الجسد
ج – بالنسبة للعبريين الجسد هو الوجود والشر هو الكذب
بالنسبة للعبريين الخير هو الحق
د – سبب المآسي هو الجسد عند اليونانيين
سبب المآسي هو الكذب عند العبريين
3 – الجسد إذاً يمكن أن يكون هدفاً للأبحاث البيولجية ويمكن أن يكون أداة تعكس التصرفات الشخصية المعبرة.
الألم سرّ مرتبط بالجسد؟ وأين هو الله من الألم؟ هل لأن الجسد ينحل ويتفكك؟
إلهنا رحوم قدير محبّ ولماذا التاريخ يُطبع بالحروب والكوارث والإضطهادات؟
الله موجود والشرّ موجود؟ هو الخالق لماذا سمح بوجوده؟
وإذا كان يريد الخير ولا يستطيع تحقيقه، إذاً هو غير قدير
وإذا كان يستطيع عمل الخير والحد من الشر ولا يريد إذاً هو لا يحبنا.
وإذا كان لا يستطيع ولا يريد...إذاً هو ليس الله
يتلازم وجود الألم والوجع مع وجود الوعي والضمير، وما العوامل الطبيعية مثلاً :
الهزة الأرضية phenomene naturel (لا خير ولا شرّ)، فهي مجرد حدث طبيعي لا صلة له بالخير أو بالشر. تصير شراً إذا ما أوقعت ضحايا بشرية لأن هناك آلام وحسرات
فالألم مرتبط بالوعي، وبقدر ما يكون الوعي والضمير حييّن بقدر ما يكون الألم أكبر.
أنواع عديدة للألم :
• بعض أنواع الآلام ايجابي وضروري للنمو ونقول أن هذه الآلام كانت بنّاءة – كما الباحث أو الرياضي أو المتصوف “Se donner de la peine”.
• بعضه إيجابي طبياً مثل Psychotherapie أو المدمن على كحول أوعلى مخدرات.
• ولكن بعضه يجرّح ويفكك – ويشرح المفكرون هذه الفكرة بحجة أن الإنسان كائن محدود.
والآخر لأن الإنسان يستعمل حريته بطريقة سيئة فيقدم مثلاً على "العنف" الذي يسبب أنواع آلام عديدة.
• بعض الآلم غير مطاق ولا يُحتمل من الماضي، الى الحاضر، الى المستقبل المشكوك به، حتى يُعتقد بأن الله غائب أو حتى غير موجود وهذا النوع من الألم يدفع الى الثورة.
• بعضه هو نتيجة الشرور في الإنسان المائل إلى ما هو شرّ ! وهل نستطيع تحديده؟
- هو غياب الخير
- أو هو عدم وغير موجود
- أو هو حقيقة واقعية ولو كانت سلبية
الشرّ الوجودي والآخر مرتبط بالإنسان وحريته
"اللي خِلِق عِلِق"
الألم ملاصق للوجود لأن الإنسان كائن متطور وهذا ما يحتم عليه الآلام un être en devenir بالرغم من تطور الطبّ لا يستطيع إلغاءه. ولكن هناك ألم مرتبط بهوية الإنسان الواعي والحرّ، وأعماله الحرّة واستعماله السيء لحريته (أمثال عديدة منها جرائم الحروب والنازية...)
ما هي أسباب الشرّ والألم :
1 – التطرف في الجهد، العمل المضني والمهلك، المخدرات... كما يزرع الإنسان يحصد.
2 – خربطة تقنية – مثل الطائرة التي سقطت
3 – الكوارث الإقتصادية
كل هذا لا يكفي...
مار بولس (روما 7/19) "لا أفهم ما أعمل فالشر الذي لا أريد إياه أصنع، والخير الذي أريد إياه لا أعمل"
كلها تبقى شروح غير مقنعة.
شروح بنظرة ميتولوجية :
1 – كان الإنسان يعيش بسلام وفرح مع الآلهة في عالم مثالي لا يوجد فيه لا ألم ولا وجع ولا موت لأسباب عديدة حصلت قطيعة بين الإنسان والآلهة فانكسرت العلاقة وانتهى الإنسجام مما حتّم خسارة الإنسان للخلود وظهر فيه الألم والوجع والموت وتغيرت حالة الإنسان رأساً على عقب وبقي عنده الحنين الى الحالة التي فقد ساعياً للهروب من صعوبات الحياة ليجد ما فقده يوماً.
2 – العالم هو عالم illusions- أوهام- ولهذا لا يستطيع أن يخلق ويعطي إلا الآلام... والحقيقة هي في عالم آخر ما ورائي. الرفض لهذا الواقع دائم من أجل تبديد الآمال المزيفة والسعادة الكاذبة والهرب من عالم مادي وهمي للوصول الى عالم روحاني بواسطة التقمص حيث الحقيقة والسعادة الحقة NIVANA
3 – أفلاطون يعتبر أن الجسد هو سبب لكلّ الآلام، وعظمة الإنسان وقيمته تكمنان في نفسه، لهذا ينصح برذل الجسد والعالم للوصول الى السعادة في عالم آخر ما روائي
ازدواجية : فصل راديكالي بين النفس والجسد dualism
4 – المانوية : نسبة الى مانس أو ماني manès يقول أنه يوجد في العالم قوتينّ متناقضيّن وأبديتين : من ناحية هناك قوّة الخير والروح والنّور ومن ناحية أخرى قوة الشرّ والمادة والظلمات هناك بينهما تضارب مطلق وقتال دائم. ومانس يعتبر القوتين "آلهة". وهو يعتبر على الناس التحرر من سلطة الشر والتقرب من الخير بممارسة الفضائل المعطاة بواسطة رسائل الآلهة من قبل : ابراهيم، بودا، يسوع ومانس لهذا توجد الإنسانية مقسومة الى شقين : "الكاملون" الذين يرفضون العالم بالطهارة والتصوف والآخرين، مثلاً (“Cathares“ “ purs“ 12 et 13ème siècle)
والشر مصدره هذه القوة
أغسطينوس يحارب هذه البدعة ويعتبر ان هناك إله واحد يحذر المسيحيين من تصديقها لئلا يقعوا في القدرية والتشاؤم بحيث يصبح الشرّ واقع حقيقي ونهائي لا مجال لحل لغزه.
آخرون يعتبرون الخير والشر شيء واحد كالتعب لأجل الراحة والجوع لأجل الشبع Héraclite
Le maximum du bien et le minimum du mal (Leibniz)
والله خلق الشرّ لأنه لا يستطيع خلق عالم بدونه فيصبح كاملاً أي اله آخر، ومن غير المنطقي أن يوجد كامِلَين أو إلَهَين، ولهذا هناك إله واحد وعالم واحد محدود وغير كامل أي مع وجود شر وألم.
هكذا يمكن تبرير الألم بالله (Théorie rejetée)
5 – “Supporte et abstiens-toi” (Le stoicien) تحمل – واحمِ نفسك
6 – اليهود يربطون الآلام بالقصاص الإلهي لعمل شريرولكن هذا التفسير يصطدم بأبرار تألموا مثل أيوب الذي كان غنياً باراً لا يخالف الله ويعمل خيراً لكن الله كافأه في الآخر لأنه يكافىء الأبرار وهذا هو جواب الله.
• ان ربط السعادة بالإيمان والشر بالخطيئة غير صحيح، والله يكون دوماً مع الإنسان حتى في ألمه.
• إذاً الألم والشرّ ليسا قصاصاً من الله
7 – آخرون يفكرون أن الآلام هي علامة من علامات حبّ الله للإنسان ولكن هذا التفسير يجعلنا نصطدم بما قاله يوماً أحد المرضى رداً على هذه المقولة : " قل له أن يتوقف عن حبه لي."
8 – حبّ الألم le dolorisme، هذا مرض نفسي، ربما متأثر ببعض سير القديسين الذين سلكوا طريق القداسة من خلال آلامهم... وهذا ما دفع أحد الملحدين إلى القول :
"إذ ما رأيت الله كيف يعامل أصدقاءه فهمت أنه ليس إله"
9 – الله لا يريد عذاب الإنسان ولا هدايا المه، الله يريد فقط خلاص الإنسان منذ الخلق وحتى اليوم.
الله يريد العدالة والحبّ والسعادة للإنسان.
"جئت لتكون لهم الحياة وتكون لهم أوفر" (يو 10/10 ل)
ملاحظة : أعطيت هذه المحاضرة من قبل الأب ألبير عساف ضمن برنامج التنشئة لمرافقة المرضى.
تتمة...علم الأخلاق أو علم الآداب
الأب ألبير عساف
19/4/2008
بعد تلاوة الأبانا والسّلام إثر صلاة خاصّة به، استهلّ حديثه بالتّذكير بخلفيّته العمليّة والعلميّة وظروف تدريسه في إحدى الجامعات اللبنانيّة.
أوّل ما علم الأب عسّاف برغبتنا كجماعة في التّكلّم في موضوع كيفيّة مرافقة المرضى المشرفين على الموت، غمرته سعادة كبرى لرؤية هذه النّعم في الكنيسة في لبنان، ومداخلات الرّب الكريمة هذه، في مجتمع بدأ يفقدها على مختلف الأصعدة.
لذا، بدأ حلقته الأولى بالتّكلّم على الأدبيّات أو الأخلاقيّات عامّة، حتى ينتقل فيما بعد إلى أخلاقيات وأدبيات المرافقة. ففي ظلّ مجتمع يؤلّه الجمال، والصّحّة، ويحتقر القبح، والضّعف، وتفكّك الإنسان، ويرذل الإنسان الذي لا قيمة له بنظره، إمّا لأنّه عجوز، أو مريض، أو من ذوي الاحتياجات الخاصّة، وهذا ما نراه في المستشفيات، والمآوي، ودور العلاج المختلفة.
إنّ أكثر ما يحزن، هو استهتار النّاس، واستخفافهم بالمرضى وبحالتهم النّفسيّة الدّقيقة: كأن تسمع طبيبا يعرّف بقسم الأشخاص النّباتيين في المستشفى حيث يعم ، وهم عادة يحيون على الماء والآلات، بأنّه قسم "إيكزوتيكا"، وهو اسم أحد أكبر المشاتل في لبنان. فإن أنا أعطيت نفسي الحقّ باحتقار أيّ إنسان في آخر حياته، سمحت لنفسي بقتله في أوّل حياته. فطرفا الحياة : بدايتها ونهايتها، يقسمان أيّ مجتمع أكثر من قسم.إذ إنّ مكان وجود المسيح، أي الحقّ، لا بدّ أن يشطر لأنّ الحقّ يشطر المجتمعات، والفئات، والجماعات أقساما مختلفة: معه، أو ضدّه، أو بين بين، وغيرها من الاحتمالات.
فالحياة المسيحيّة وحدة متكاملة، لا تنحصر في مجال الكنيسة فحسب، بل في العمل، والتّصرّف، والتّواصل. فأي مسيحيّة نعيش؟ وأين هي الكرامة الانسانية؟ وعن أي رب نتكلّم، ونحن نسخر من الإنسان وآلامه، هو المولود على صورة الربّ ومثاله؟
لذلك، اختار الأب أن تكون الانطلاقة من علم الآداب أو الأخلاقيّات.وهذا العلم هو أوّلا، نابع من تقاليد وقواعد تصرّف تنتمي في الأساس إلى مجموعات كبرى، كالمجتمعات، والقبائل، والفرق.وينظر هذا العلم، بشكل مباشر، إلى التّصرّف الإنساني اليوم، وإلى الخيارات الوجوديّة، وهو مرتبط ،عفويا، بالعادات الاجتماعيّة، والمبادئ العامّة، والقيم الأخلاقيّة والأدبية والدّينيّة والمرجع الأساس لهذا العلم هو: الخير والشر. إذ إنّه يشجّع، ويدفع على الأوّل، ويرفض ويبعد عن الثّاني؛ وهذا هو الدّور النّبوي في الخلاص: أي إن الأنبياء كانوا يسعون إلى دفع الناّس إلى الخير، وتحذيرهم وإبعادهم عن الشّر، حتّى ولو اضطرهم الأمر إلى مواجهة الأشرار بالحقيقة لتغييرهم؛ كما هي الحال في قصّة النبي والملك داود والراعيين والنّعاج، حيث سلب الرّاعي الذي يملك مئة نعجة، نعجة الرّاعي الفقير الوحيدة ليقيم وليمة كبرى. فانتفض الملك داود قائلا إنّ الأوّل يستحقّ القتل ؛ فقال له النّبيّ عندها إنّ هذا الرّاعي الطّمّاع القاسي، يمثّله نفسه. ويعالج علم الأخلاق ما يجب أن يعمل، لا ما عمل، كما يفترض "حريّة العمل" أو "حريّة التّصرّف"، إذ لا فضل في عمل نكره عليه، أو نجبر به، أوننفّذه بعمى وتكبيل. وهو علم يحرّك فينا المسؤوليّة، كلّ أبعادها ومعانيها؛ بفرديّتها، مع الشّخص نفسه، وبمعناها الجماعي مع العائلة، أو الجوقة، أو مجموعة الصّلاة، أو المجتمع، أو الوطن، أو البلد.
وهكذا نستطيع تحديد الآداب بثلاث نقاط :
1- هو علم العلوم كلّها،على حدّ قول المتخصّصين، وهو بحث وتساؤل، وهو علم تمييز الخير من الشّر. وبما أنّه علم، فهو يمنحنا أساليب المعرفة، ووسائل اكتشاف الخير حتّى نعتنقه، والشّر حتّى نتجنّبه؛ وهي وسائل تمكّننا من البحث، وتعطينا القدرة على التّمييز، في حالات الضّياع، اي عدم تمييز الصواب من الخطأ، والحقيقة من الضّلال.ولتجنّب ذلك،أي الانقسام، وهدم تلاقي أطراف المستوى الأخلاقي والأدبي, هناك عناصر تمنحنا الالتزام والواجب والفضيلة في كلّ شيء بما فيه علاقتنا بالله،وهي كالتّالي:
أ- تحليل الأفكار المجرّدة كالفضيلة وغيرها
ب- قيمة التّفكير الأدبي
ج- تحليل ظروف الحركة
د- ملاحظات حول القيم والأسس والقواعد
ه- التّبريرات الضّرورية
و- مسأليّة العمل المطروح
وهذا التّساؤل في المجرّدات لا يحصر في أشخاص من فئة أو طبقة معيّنة، بل هو مسؤوليّة كلّ كائن بشريّ.
2- هذا العلم تنظيم ونهج ومضمون. في نظر الكثير من العلماء، الأدبيات أو علم الأخلاق هو مجموعة مبادئ هرمية منظّمة ومبرمجة، أي مجموعة تشريعات وعقائد مرتبطة بالتّصرّف البشري.ويطبّق هذا التّنظيم على أصعدة مختلفة فلسفيّة ودينيّة واجتماعيّة.
3- هذا العلم هو عمل، أي خبرة واقعيّة جدّيّة معيوشة ملموسة. هو ترجمة الأفكار بالتّصرّفات والعمل، بل هو العمل على أن أكون أصيلا لا مزيّفا، صادقا لا مواربا؛ أي هو العمل على تحقيق السّلام الدّاخلي مسيحيّا والعمل للشّهادة بشكل أكثر مسيحيّة،إذ إن حضوري وكوني ووجودي ليس إلا في الله وبالله، العامل من خلالي.
وإذا ما جمعنا هذه النّقاط الثّلاث،حصلنا على تحديد الأخلاقيّات والآداب، وقد يقول البعض إن هذه النّقاط تتناقض في ما بينها إلا أنّها على العكس تتلاقى وتتكامل.
ملاحظة : كتبت المحاضرة من قبلنا بتصرف.