"العذراء مريم من خلال نصوص في العهد القديم"
محاضرة للأب ملحم الحوراني
ضمن برنامج التنشئة الروحية
7/2/2011
ضمن سلسلة المحاضرات الرّوحيّة التّأمّليّة، كان لنا لقاء بالأب ملحم الحوراني في مركزنا الروحي، شرح لنا فيه أيقونة العذراء ورموزها في العهد القديم.
وبعد أن رنّمنا:"افرحي يا والدة الإله العذراء مريم، يا ممتلئة نعمة..."، غصنا مع الأب ملحم على بحر الكتاب المقدّس وعلى جزره المريميّة الرّمزيّة حتى نفهمه بشكل أفضل.
بدأ الأب ملحم يشرح لنا المواضع والمقاطع والجمل في العهد القديم التي تتناول العذراء بشكل رمزي، مُرفقًا ذلك بعرضٍ للأيقونات التي تتوافق مع الآيات الكتابيّة المذكورة؛
من الأيقونة الاولى التي يحمل فيها نوح ذو اللحية البيضاء بيديه الفُلك، أي سّفينة الخلاص التي يدخلها الأبرار حتّى ينجوا من الغرق، لا الأشرار الذين يغمرهم الطّوفان،حسب ما ورد في (الإصحاح 6 آية 13 والاصحاح 7).
إذًا، أولاً: الفُلك يرمز إلى العذراء مريم. ونجد إشارةً إلى ذلك مثلاً في الجنّاز الماروني:" أنتِ الفُلك يا مريم...".
إلى أيقونة ثانية حيث نرى سّلماً تربطُ الارض بالسّماء، مع الملائكة النازلة والصاعدة عليها، وفي الأعلى العذراء الحاملة المسيح وهي باللّون الرّمادي neutre وذلك قبل التّجسّد بـ 1200 سنة. كلّ هذا ورد في حلم يعقوب (تكوين إصحاح 28 الآيات 10-19) عندما أسند يعقوب رأسه إلى حجر ليرتاح، ثم استيقظ وأقام عموداً فوق الحجر وصبّ عليه زيتاً ودعاه "بيت إيل"، إذ رأى في ذاك المكان بيتًا لله.
ثانياً: فالسّلم ترمز الى العذراء مريم التي أنزلت الإله من سمائه لكي نصعد الى السّماء من خلالها؛ ونجد هذه الايقونة في كنيسة "مار جرجس" في وسط بيروت.
إلى الأيقونة الثالثة حيث موسى يرعى الخراف وأمامه عليقى لا تحترق لكنّها ملتهبة وفي داخلها رمز حياديّ رماديّ للعذراء قبل التّجسّد، وملاك في الأعلى ينادي موسى، وقد ظهر موسى في تفصيلٍ ثانٍ وهو يخلع الحذاء كما ورد في سفر الخروج إصحاح 3.
ثالثاً: فالعليقّى ترمز الى العذراء مريم التي منها تجسّد الإله، حتى بات ممكنًا أن يُكلّم الله البشر.
أمّا الأيقونة الرابعة التي تُظهر هارون، أخا موسى، وبيديه عصًا كانت يابسة ثم أفرخت وأزهرت زهر اللوز كما طلب الله من موسى (سفر العدد اصحاح 17 آية 1-8)، أي العصا اليابسة غير المثمرة أعطت الحياة.
رابعاً: فالعصا ترمز في الأيقونة إلى العذراء مريم التي أعطت الحياة للمسيح وهي بتول غير متزوّجة.
بعدها أقام مقارنة بين صموئيل في العهد القديم (2صم 6:1-11) ولوقا في العهد الجديد (إصحاح 1آية 39):
عند الأوّل حُمل تابوت العهد، الذي يحوي الله، إلى الجبل فسبّب موتًا وحزنًا وخوفًا، أمّا عند الثّاني فقد صعدت مريم الجبل نحو أليصابات فأنتجت حياةً وفرحًا ورقصًا. كذلك تساءل داود عند الأوّل: "كيف يأتي تابوت الله إليّ؟"، وتساءلت أليصابات عند الثّاني: "كيف تأتي أمّ ربّي إليّ؟". كما بقي التّابوت عند داود ثلاثة أشهر، ومكثت مريم عند أليصابات ثلاثة أشهر أيضًا. فمريم إذاً هي تابوت العهد الجديد لأنّها تحمل الله.
ثمّ انتقل إلى أيقونة الشّفاعة حيث تقف العذراء عن يمين يسوع مُذَهَّبة الثّياب، كما في التّنصيب الملكي عندما تقف الملكة عن يمين الملك (مزمور 45)، ويوحنا المعمدان عن يساره.
ثمّ إلى صورة الصينيّة المقدّسة التي تُستعمل في القدّاس، واتي يضع عليها الكاهنُ الحَمَلَ في الوسط (أثناء الإعداد للقداس، ثمّ يضع عن يمين الحمَل جزئًا هرميًّا للعذراء، والأجزاء الهرميّة الباقية للقدّيسين ثم للاحياء والأموات (مقارنة مع المزمور 45).
أمّا أيقونة السّيرافيم، وهم ملائكة ذوات أجنحة ستّ، وقد رآهم إشعياء في رؤياه (إصحاح 6) حين رأى الله في الهيكل يقيم القدّاس والسيرافيم يحتفّون به ويرتلون قدوس قدوس قدوس... وإذا بملاك يطير حاملاً ملقطا وفيه جمر ليلامس شفتيه، كما في القداس الالهي، الملقط ترمز الى العذراء، والجمرة ترمز إلى الرّب يسوع.
وأيقونة العذراء المشهورة عند الرّوسيين، فيها العذراء تفتح يديها والمسيح يخرج من دائرة في بطنها؛ وتُسمّى أيقونة "عذراء الآية" التي سبق أن تنبّأ عنها إشعياء النبي سنة 736 حين قال: "ها الرب نفسه يعطيكم آيةً: ها إن العذراء تحبل وتلد ابنًا ويُدعى اسمُه عمانوئيل" ( إشعيا 14:7).
ثمّ انتقل إلى ما رآه حزقيّال (44 آية 1-10) حين أمسك بيده الله وأخذه الهيكل ليُريه بابًا مبنيًّا للهيكل لجهة الشرق، ولكن هذا الباب بُني ليكون مغلقًا، ويبقى مغلقًا لأن الرب وحده دخل وخرج منه، وهذا الباب يرمز إلى عذريّة مريم التي دخلها المسيح ووُلد منها من دون يمسّ عذريّتها.
كما حدّثنا عن رؤيا حزقيال وفيها سحابة تحمل الله (1: 55) وعند أطرافها أربعة أشباه حيوانات، وقد فسِّرت الكنيسة أيقونة العذراء المحاطة بالإنجيليين الأربعة بأنها هي تلك السحابة التي رآها حزقيال:
• فالإنسان يرمز إلى إنجيل متى : الذي تحدّث عن ابن الإنسان.
• والأسد يرمز إلى إنجيل مرقص : الذي يبدأ بعبارة "صوت صّارخ في البرية".
• والنّسر يرمز إلى يوحنّا: الذي يستهل إنجيله بالتحليق في سماء اللاهوت "في البدء كان الكلمة".
• والثّور يرمز إلى إنجيل لوقا : الذي كان طبيباً.
وختم الأب ملحم الحوراني برواية دانيال (اصحاح 3) حيث أقيم للملك تمثال رفض ثلاثة فتية هُم عزريا وحنانيا وميصائيل أن يسجدوا له، فأمر الملك برميهم في أتون النّار فانفكّت قيودهم ورتّلوا لله وهُم يرقصون داخل نار الأتّون، ولم تُؤذهم النار الملتهبة، ورأى النّاس ملاكاً يظلّلهم ويُندّي عليهم في الأتّون. وصار هذا الأتون رمزاً للعذراء مريم التي حملت اللاهوت (المسيح) ولم تحترق.
ملاحظة : كُتبت هذه المحاضرة من قبلنا بتصرف.
تتمة...الموت في المفهوم المسيحيّ
بقلم الخوري سيمون جبرايل
20/11/2010
المقدمة
لا يتشكّى المؤمن في الكتاب المقدس من الموت في حدّ ذاته، إذ يعتبره نهاية الحياة ومحدوديتها، بل يشتكي من الموت قبل الأوان ، من الموت بدون نسل وبدون مستقبل، ومن الدفن في أرض غريبة والانفصال عن الآباء والاجداد. لذلك يركّز الكتاب المقدس اكثر على الحياة.
سأتوقف اليوم فقط عند بعض التأكيدات حول مفهوم الموت عند المسيحيين: (1) خبرة الموت وشموليّته، (2) الموت نهاية لحالة الحجّ، (3) الموت هو نتيجة للخطيئة، (4) الانتصار على الموت، (5) القيامة.
1- خبرة الموت وشموليته
لكل انسان خبراته مع الموت. لا يحاول الكتاب المقدس ان يحوّل انظارنا عنه، بإغراقنا في احلام خادعة. بالموت الانطباع الاوّل هو انّ الانسان بالموت يصبح الانسان غير موجود، لانّ ما يجري بعد الموت يُخفى عن اعين الاحياء. ومع ذلك فالموت ليس فناءً كاملاً. فبينما يوضع الجسد في حفرة تحت الارض يظّل شيء ما من المتوفي بمثابة اثر له باقٍ في الجحيم، في مثوى الاموات (الشيول). ساد الاعتقاد بأنّ هذا الشيول هو حفرة فارغة او بئر عميق وبأنّه مكان الصمت والهلاك والظلمات والنسيان، يجتمع فيه كل الاموات ويشتركون في نفس المصير البائس. هناك يسلّمون الى التراب والدود فلا يعودوا قادرين ان يعرفوا الله او يحسّوا بمعجزاته ولا يستطيعوا ان يسبحوه. وانّه من بعد عبورهم ابواب الشيول لا يمكنهم العودة منه ابدًا.
لذلك يرى الانسان الحيّ في الموت قوة معادية، وعلى الفور يُعيره وجهًا ويصيّره شخصيّة. فهو الملاك المُهلك الذي يُدخل الناس الى الجحيم. وهوالمُنفّذ للغضب الالهي الذي يدخل الى المنازل لكي يحصد الاطفال. وغالبًا ما تتخذ هذه القوّة التي تزود الجحيم، الذي لا يشبع بالضحايا، ملامح سُفليّة نشتمّ رائحتها الخبيثة في كل مرض وكل خطر يُحدق بنا. ولهذا يرى المريض نفسه مسبقًا في عداد الموتى.
واذا كانت الحياة عطية من الله وبركة منه، فالموت هو القدر المشترك لجميع الناس لانّ عليهم جميعًا أن يموتوا. امام هذه الضرورة المحتومة، لا يسعنا إلاّ ان نشعر بانّ الحياة التي طالما اشتهيناها ليست سوى خير وزائل. فالحياة باطلة طالما انّ الموت هو القدر النهائي وهو واحد للجميع. تولّد حقيقة الموت الاليمة هذه احيانًا استسلامًا للامر الواقع. ومع ذلك تذهب فالحكمة الحقيقيّة الى ابعد من ذلك، اذ انها تقبل الموت كقضاء الهي لانّ الانسان المأخوذ من التراب إلى التراب يعود. وهكذا نفهم انّ الوجود البشري هو جوهرياً وجود للموت.
2- الموت نهاية لحالة الحجّ
يسمّي التقليد المسيحي الحياة بين الولادة والموت "حالة حجّ" ويريد بذلك القول بأن خلال هذا الزمن نحن في مسيرة، وبأن هذا الزمن هو زمن القرارات. عكس هذه القناعة يكمن في اعتبار ان كل شيء قد تقرّر مسبقاً. يعني هذا القول: "الموت هو نهاية حالة الحجّ" أنه مع الموت ينتهي الزمن الذي فيه يمكن اتخاذ القرارات، لان لحظة الموت تعطي الحياة قيمتها النهائيّة. ان حياتي التي اعيشها لها قيمة فريدة. لذلك عندما نتذكّر اننا مائتون، نتذكّر ايضًا انّ الفرص لا تتكرر حسب رغباتنا وانّ قراراتنا تصبح نهائيّة، وانّه ليس لنا سوى وقت محدود لتحقيق ذواتنا: " أُذكر خالقك في ايّام شبابك... قبل ان يعود التراب الى الارض حيث كان، ويعود النفس الى الله الذي وهبه" (جا 12 : 1، 7).
وقد يتساءل البعض ماذا نقول عن اختبارات عديدة تؤكد إعادة احياء أشخاص اعتبروا مائتين؟ في الواقع هناك تشابه بين هذه الروايات وبين مضامين الرجاء المسيحي في العالم الآخر: الموت كعبور إلى الحياة؛ انفصال الجسد والروح؛اللقاء مع كائن نوراني، الخ…
تميّز الكنيسة كما يميّز الطبّ بين موت القلب، وموت الدماغ وموت الخلايا. عندما يتكلّم اللاهوت عن الموت ، فهو يقصد نهاية الحياة الحاسمة، تلك النقطة التي لا يمكن بعدها العودة إلى الحياة الأرضية. أمام هذا التحديد، لا يمكن لروايات إعادة الإحياء إلاّ أن تتعلّق باختبارات تمّت على حدود الموت.
3- الموت نتيجة للخطيئة
ان السلطة التعليمية في الكنيسة تعلّم أن الموت دخل الى العالم بسبب خطيئة. فالموت هو امر مناقض لمقاصد الله الخالق وقد دخل العالم كعقاب للخطيئة (راجع تك 2، 17 و3، 19). يقول القديسس بولس الرسول: "فكما أن الخطيئة دخلت في العالم عن يد إنسان واحد، وبالخطيئة دخل الموت، وهكذا سرى الموت إلى جميع الناس لأنهم جميعاً خطئوا" (روم 5، 12).
يمكننا مع ذلك، بطرق متعدّدة، تصوّر وتفسير العلاقة بين الموت والخطيئة، بأخذنا بعين الاعتبار الاختلافات في فهم عقوبة الخطيئة.
فالتفسير التقليدي ينطلق من افتراض أن إنسان الفردوس الأرضي كان يمتلك، في طبيعته، عطية الخلود قبل السقطة في الخطيئة. لكنه فقد، فقط بسبب الخطيئة، هذه العطية واصبح قابلاً للموت، حاملاً معه في هذا المصير كل الجنس البشري.
في يومنا، نتساءل هل يمكننا تصوّر أن الإنسان لم يكن، في الأصل، خاضعاً لقوانين التحوّل والموت، التي بحسبها تسير العناصر المتبقية في الطبيعة؟ من الناحية النفسية، كيف يمكن تصوّر وتمنّي وجود بلا نهاية؟ ألا تكتسب اللحظات الأخيرة من الحياة قيمة قصوى فقط لأننا نعي نهائية وجودنا الأرضي؟ بكلمات أخرى، هل يشكّل الموت جزءاً من الإنسان، حتى بدون خطيئة؟ وكيف يمكن فهم بولس الرسول عندما اعلن الانتصار على الموت أمام واقع أن المؤمنين يموتون أيضاً؟
لا تكمن المشكلة في الموت بحدّ ذاته، بل في كيفية اختبارنا له. صحيح أن حياتنا محدودة وانه يجب علينا أن نموت يوماً ما، ولكن الاهم من ذلك هو في فعل عيشنا اختبار الموت كأمر موجّه ضد حيوية الحياة. انّه عدو الانسان الأخير الذي يجب الانتصار عليه, ولن يكون الانتصار على الموت بإلغائه بل في تحويله.
كان بإمكان إنسان الفردوس أن يمضي لملاقاة الموت بفرح، أن يعيشه كنهاية طبيعية، كفعل حبّ وإخلاص لله، كولادة طوبانية لحياة جديدة. أما الخطيئة، فهي فقدان الحبّ. وإذا لم يتوصّل الإنسان إلى أن يحبّ ويثق، فهو لن ينجح في المضي لملاقاة الموت على أنه اكتماله الخاص. أن يختبر الإنسان الموت بهذه الطريقة هو نتيجة الخطيئة. ليس العقاب إلا الإنغلاق على الذات، المتأتي من الخطيئة، لأن الخطيئة هي "شوكة الموت" (روم 15، 56).
4- الانتصار على الموت
ليس بمقدرة الانسان ان يخلّص نفسه من الموت إذ تلزمه لذلك نعمة الله الذي هو وحده الحيّ بحكم طبيعته. ولهذا عندما يشعر الانسان بسلطان الموت عليه، بأيّ شكل كان، فإنّه لا يستطيع إلاّ ان يصرخ نحو الله. فإذا كان بارًا فإنّه يتشجّع على امل ان الله لن يترك نفسه في الجحيم. وهو يعرف ان القدرة الالهيّة اقوى من الموت والجحيم. لقد نزل المسيح بكل سلطانه الى الجحيم وواجه الموت في عُقر داره وانتصر عليه في اللحظة التي كان يبدو فيها الموت انّه انتصر عليه.
غالباً ما كان الكلام عن الموت كحتمية تهدّد كل إنسان، بالاضافة الى ارتباطه بالخطيئة، ولم يكن هناك إبراز كافٍ للإيمان بالانتصار على الموت بواسطة الانتصار على الخطيئة الذي تحقق في يسوع المسيح. فيسوع ابن الله قد خضع ايضًا للموت، ولكنّه وعلى الرغم من خوفه منه قَبِلَه في فعل استسلام كلّي وحر لمشيئة ابيه. يفسَّر هذا الموت نفسه كتسليم للذات بين يدي الآب (لو 23، 46)، ك "مضي" إلى الآب (يو 14، 2. 12. 28؛ 16، 7). انّ طاعة المسيح قد حوّلت لعنة الموت الى حياة.
إذًا للموت المسيحي بفضل المسيح معنى ايجابيّ، انه يضمنا اليه في عمل الخلاص. وهذا ما نعنيه بقولنا انّ اتباع يسوع هو "موت مع المسيح" (روم 6، 1-11)، هو تكريس للحياة (يو 15، 13)، ونكران للذات (مر 8، 35؛ يو 12، 25). الموت مع المسيح يقود المؤمن الى قبول التحوّل والتغيير في حياته: "إن حبّة الحنطة التي تقع في الأرض إن لم تمت تبق وحدها. واذا ماتت، أخرجت ثمراً كثيراً" (يو 12، 24). يتحقق "الموت مع المسيح" سريًّا منذ الآن في المعمودية من اجل حياة جديدة ويُتمُّ الموت الطبيعي هذا الموت مع المسيح. ليس هذا مجرّد خطاب مجازي، كما لو أن المقصود به موتاً مختلفاً عن ذلك الذي يتحقّق في نهاية الحياة؛ هذا "الموت مع المسيح" يحجّم أيضاً الموت في نهاية الحياة، إلى درجة يمكن لبولس معها أن يقول بكل ثقة: "سواء حيينا أم متنا فإننا للربّ" (روم 14، 8).
لذلك تعتبر الكنيسة انّ الموت في نهاية الحياة هو تسليم كلّي بين يدي الله وكمال نهائي للحبّ المعاش خلال الحياة. فالحياة الاكثر عمقًا هي تلك التي تُعاش في الحب. والحب يعني اعطاء الذات. فإذا دخلنا في هذا المفهوم للموت اصبح بإمكاننا، كمؤمنين، ان نقبل الموت سواء في آخر الحياة، او خلال مجراها. فالموت يعني الوجود بحب للآخرين وإعطاء الذات كذلك لله، لأن حبّ الله وحبّ الآخرين هما شيء واحد.
وتشدر الإشارة انه لا يمكننا أن نسمّي كل موت أو نكران للذات تكريساً حقيقياً. فيمكن للموت كثيراً أن يكون توقّفاً عبثياً وخسارة الحياة. كما لا يمكننا أن نبرّر لا مبالاتنا أمام الموت غير الحرّ وغير الإرادي لكثير من الأشخاص الذين يموتون بسبب الجوع والحرب فيحرموا من عيش الحب. ان الانتصار على الموت يقود الى الايمان والرجاء في القيامة والحياة ما بعد الموت.
5-القيامة ( راجع التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيّة، المكتبة البولسيّة، جونيه، لبنان، 1997، الاعداد: 988 الى 1004)
تتمة...مفهوم الموت في الجنّاز المارونيّ
بقلم الخوري سيمون جبرايل
20/11/2010
المقدمة
ان الاحتفال برتبة الجنّاز الذي تعيشه الرعيّة والعائلة والذي يشارك فيه العديد من الكهنة والمؤمنين من الرعايا المجاورة هو دليل على التضامن والشركة بين ابناء الكنيسة وعلى ايمانهم بالقيامة والحياة الابدية. تشكّل الصلاة الجنائزيّة بعدًا اساسيًّا من حياة الكنيسة السائرة بفرح الايمان والرجاء والمحبة نحو ملكوت الله. ومن الطبيعي امام هذا الحدث- السر ان يلجأ الانسان الى كل ما يُدخله في عالم الله، يُصلّي، يبكي، يلبس الثياب السوداء، يصمت ويتوسّل رحمة الله... لن اتوقف اليوم عند هذه العادات وغيرها التي ترافق رتبة دفن الموتى ولا عند المراحل والاقسام التي يتألف منها الجناز الماروني لانَّ مداخلتي تنحصر فقط حول مفهوم الموت في صلوات هذه الرتبة.
1- في تسمية رتبة دفن الموتى
ان التسمية الاكثر تواترًا وشيوعًا في الليتورجيّة المارونيّة لرتبة دفن الموتى هي "المرافقة" وليس "الجناز". لماذا كتاب المرافقة وليس كتاب الجنّاز؟ لأنّ كلمة مرافقة تحمل بعداً لاهوتيًّا اسكاتولوجيًّا أعمق من كلمة جنّاز. فكلمة جنّاز جنٍيزًا المشتقّة من السريانيّة تعني غير المنظور والمدفون. أما كلمة مرافقة لِويًا فتعني السير معاً اي مرافقة الموتى في مسيرتهم الأخيرة من هذه الدنيا الى مثواهم الأخير. أن ترافق أحدًا ما، يعني أن تمشي معه، أن تكون في حالة إصغاء له، وعلى استعداد للاهتمام به، وتقديم المساعدة الضرورية واللازمة له. ويعني أيضا أن تتواصل معه وتحاوره، وتشجّعه ليثبت على ايمانه وليستمرّ في الطريق التي تقوده إلى خلاصه. وهذا ما تشير اليه صلوات والحان ليتورجيّة كتب المرافقة والصلوات المخصصة للموتى.
2- مفهوم الموت
تمتاز صلوات الليتورجيّة المارونيّة ببعدها الاسكاتولوجي النُّهيَوِيّ. وهي تعتبر الموت تحوّلاً وعبورًا من هذه الحياة الفانية الى الحياة الجديدة في الملكوت السماوي. ولكي نفهم المعنى اللاهوتي للموت علينا ان نفسره على ضوء كل تاريخ الخلاص. و كتب المرافقة تورد عدة رموز وافعال في سياق كلامها وحديثها عن سر الموت. ان شرح هذه الرموز والافعال يعبر عن مفهوم الموت عند الكنيسة المارونية.
2. أ- الموت هو عبور وانتقال
المعنى الاول للموت هو " العبور" (عبر) و"الانتقال" (عند) من هذا العالم وهذه الحياة الى حالة جديدة وعالم جديد. إن صورة الراقدين الحجاج الذين يعبرون من هذه الحياة الى الحياة الجديدة هي صورة تتكرر بتواتر في الألحان. يعتبر هذا العبور على انه سفر وهجرة. وفي السفر هناك طبيعياً الشعور بالفراق والبعد والحزن ولكن هناك أيضًا امل ورجاء بلقاء جديد. لذا لا يمكن لغياب جسد الميت ان ينفي حضوره. ولذلك ترافق الكنيسة الميت وهي تشجعه لان موته ليس الا عبورًا، يرافقه فيه المسيح ليعبر المكان المخيف المليء بالمخاطر ليصل به الى الملكوت السماوي.
وفي هذا العبور تصلي الكنيسة لكي يصل الميت الى ميناء الخلاص. فالحياة تشبه السفينة التي تبحر في العالم حيث الإنسان مهدد دومًا من الشر والخطيئة. ولكنه لا يخاف عبور البحر وتحدّي امواجه واضطراباته لان المسيح يسوع هو القبطان الذي يقود سفينته الى ميناء الراحة والسعادة الابديّة.
إن العبور والوصول الى ميناء الخلاص لا يتحقق إلا من خلال " جسر". لانّه من الطبيعي أن يكون هناك جسر يربط بين العالم المرئي والعالم الغير المرئي. إن مفهوم الجسر هو خلاصي لأنه يؤكد الطابع الاسكاتولوجي. الجسر يقود الإنسان من مثوى الأموات الى الضفة الأخرى. والجسر يمثل الصليب والمعمودية والافخارستيا. انّ لكلّ واحد من هؤلاء له دور اساسي في مساعدة الميت في عملية عبوره. فهم المرافقون في سفر الميت وانتقاله الى الملكوت السماوي.
" صليبك ربّي يكون جسرًا لامتك التي نقلتها مشيئتك وبه تنجو من الظلمة، وتلبس ثوب المجد، وتدخل الى ارضك مُشرقة الوجه، عندما تأتي مع ملائكتك. وتضيء امامك مصباحها.
لك المجد يا رب" .
" ألجسم والدّم والمعموديّة والصليب يكونون مرافقين لها. زيّنها يا رب بلباس النور في اليوم الذي تكون فيه الاحكام المبرمة" .
إن هذا العبور يقتضي طبيعيًّا انفصال بين الجسد والروح. وهذا يقود الى مفهومين مختلفين للموت. فمن جهة يفقد الإنسان بالموت الوحدة بين هذين العنصرين اي جسده وروحه. ومن جهة أخرى يؤدي الموت الى انفصال وافتراق بين الميت واقاربه واحبّائه وجماعته اي كنيسته. هذا الفصل والانفصال والافتراق ليس ابديًّا انما مؤقت لانه في النهاية ستتحد الروح بالجسد، والميت سيلتقي بكنيسته مرة أُخرى في يوم القيامة.
2. ب- الموت رقاد وانتظار
الموت كرقاد هو الصورة والمعنى الأكثر شيوعاً في الليتورجية المارونية. انه رقاد في ظلمة القبر والتراب وهو رقاد على رجاء القيامة. وهذا يدلّ على انّ الموت ليس فناءً ولا تلاشيًا انما انتظار للقيامة. اذن المَيْت لا يموت ابداً والدليل على ذلك هو انه في تواصل مع كنيسته من خلال الحوار المستمر بينهما طيلة فرض الجناز. ففي كل الألحان يتوجه الميت بالحديث الى كنيسته واخوته. وهذا يعني انه حتى في موته هو حي أبدًا. يرافق هذا الرقاد راحة حتى يوم مجيء الرب. في الرقاد يرتاح الإنسان من كل ما يختربه في حياته الأرضية وينتظر الخلق الجديد وايقاظه من رقاده وخلاصه من عبودية الموت والخطيئة والتحرر من سلطة الشيطان وقواته.
" ابعث يا ربنا بحنانك الموتى الذين رقدوا على رجائك، واكلوا جسدك وشربوا دمك، وهم ينتظرون يوم تجلّيك. نجّهم من العذاب ومن الظلمة البرّانيّة..."
ساد الاعتقاد قديمًا ان الانفس ترقد في الشيول أي مثوى الاموات. يشكل هذا الشيول خلفيّة اساسية من صلوات ليتورجيّة الموت في الكنيسة المارونيّة. في الشيول، اي مملكة الموت، يختبر الاموات الخوف واليأس ولذلك ينتظرون تدخّل الله الخلاصي الذي تحقق في يسوع المسيح. لقد نزل المسيح الى هذا الشيول وزرع الرجاء في الراقدين وخلّصهم من سلطانه. لنسمع هذه الصلاة :
" خلص يا رب من ولاية الموت روح عبدك الذي نقلته مشيئتك من هذا العالم، وأصعد نفس الساجد لك من سلطة الشيول، واسكنها في منازل النور والراحة برحمتك، واهّله للدخول الى نعيمك في يوم ظهورك..."
ليس الموت اذاً فناءً بل انه انتظار في التراب ليوم القيامة. انه كالحلم حيث يدخل الراقدون في الراحة الجسدية وفي النوم اللاواعي. واذا كان الحلم ينتهي باليقظة، فالموت ينتهي بالقيامة. وكما يغلّف الليل النائمين هكذا يحبس الموت الراقدين. إن الموت المرتبط بالليل له وجهان: الأول هادىء حيث تنتظر الروح مكافأتها وهي تعبر هذه الحالة بالامان والفرح. وهذا الموت لا يشكّل خطرًا على الانسان بالرغم انّه يفقده قواه الجسديّة، لانّ عزاءه ورجاءه يرتبطان بايمانه بالقيامة. امّا الوجه الثاني للموت فهو مخيف لانّه يبعد الانسان عن الله في انتظار الدينونة والحكم الرهيب والمصير الأبدي بعيداً عن وجه الله.
2. ج - الموت فراق مؤقت بين النفس والجسد
إن النفس في الموت تفارق الجسد ولا تعود اليه إلا في القيامة. لذلك فالموت ليس إبادة الروح والجسد ولكنه فراق مؤقت بينهما. فالجسد يدل على الانسان ككائن بيولوجي تحييه الروح. وهو أيضاً يدل على الإنسان كشخص علائقي. انه المادة الحية والعنصر الخارجي المرئي للانسان الذي يجعله في علاقة مباشرة مع العالم ومع الآخرين. اما الروح فهي " الصورة " اي صورة الله في الإنسان. انها اصل الحياة وبها يوجد الإنسان. ولكن الروح لا يمكنها ان توجد بحد ذاتها فهي بحاجة الى الجسد. انها ظهور الجسد في العالم. الروح والجسد يشكلان وحدة الإنسان بكليته. في الموت تعود الروح الى الله فيما الجسد يرتاح في القبر الى يوم القيامة.
نستنتج إذًا بان الجسد هيكل الروح ومسكنه الزمني، يفقد قدرته على الحياة عندما يوضع في القبر. ويتعرض الى عوامل الانحلال ويعود الى التراب في انتظار انبعاثه. اما الروح فانها تعود الى الله برفقة الملائكة اي انها بعد فراقها للجسد تستمر في الوجود ما وراء عالمنا الظاهر. لذلك تصلّي الكنيسة لله لكي يُرسل ملائكته الى ملاقاة انفس الابرار لتقودها الى مساكن النور والحياة. وتطلب منه ان يُخلّصها من المكان المليء بالخطر والخوف وينقُلها بامان الى مسكن الراحة حيث تنتظر يوم القيامة بالفرح والبهجة.
إذًا في هذا الرقاد يرتاح الجسد في ميناء الحياة بينما تذهب الروح لترتاح في منازل الأفراح. إن الفعل المستعمل للحالة الاولى اي حالة الجسد هو "ارتاح" وهو يدل على الثبات والأستقرار والتوقف عن الحركة أي الموت. بينما الفعل المستعمل في الحالة الثانية للروح فهو "ذهب" ويشير الى الانتقال والعبور، والحركة والفعل اي الى اللاموت والخلود. وهكذا فإنّ الروح بعد الموت تنتقل الى راحة في حركة دائمة بقصد تأليهها لأنها في علاقة أبدية مع الله. ولكن بالرغم من ان هذه الروح تتمتع في الموت باستقلالية مؤقتة بابتعادها عن الجسد، الا ان مصيرها النهائي يرتبط باتحادها مع هذا الجسد المتحوّل في الدينونة الأخيرة.
3- الصلاة من اجل الموتى
تذكر الكنيسة موتاها في صلاتها بطريقة شبه متواصلة لانها تنظر اليهم وكأنهم احياء يشاركون معها في الصلاة رغم غيابهم الجسدي. وفي ليتورجيّة الجنّاز هناك تقاليد عديدة للصلاة على الميت، تعود جذورها القرون الأُولى للمسيحيّة. فمثلاً تُقام الصلاة من اجل الميت في اليوم الثالث نسبة للحيّ القائم من بين الاموات في اليوم الثالث. وفي اليوم التاسع تذكارًا للاحياء والاموات. وفي اليوم الثلاثين لانه هكذا بكى الشعب موسى. ويُقام تذكار السنة للميت ويوزّع من ماله صدقة للفقراء وتذكارًا له. وقد يطلب اهل المتوفّي من الكاهن إقامة قدّاسات خاصة في الآحاد والاعياد لراحة نفس موتاهم.
مهما كانت هذه التقاليد متنوّعة ومتعددة فإن معنى الصلاة من اجل الموتى هو واحد. فالصلاة شأنها شأن الصليب، والمعموديّة، والافخارستيّة هي رفيق الميت في طريقه نحو الابديّة. وهي الجسر الذي يعبر من خلاله الميت المكان المليء بالمخاطر الى مكان الحياة والسعادة الابديّة.
تصلّي الكنيسة من اجل ان يغفر الرب خطايا الموتى وجهالاتهم التي اقترفوها بتعدّيهم وصاياه خلال حياتهم. ترتبط هذه الصلاة بالدينونة لان مصير الاموات اصبح بين يديّ الله الذي يجازي كلَّ انسان بحسب اعماله. ولا يستطيع الانسان ان يتهرّب من اعماله لانّها تشهد على حقيقة حياته.
الصلاة من اجل الموتى هي ربح ومساعدة للاحياء إذ تساعدهم على تخطّي احزانهم لفقدانهم من يحبون وتوعّي وتثبّت في قلوبهم الايمان بالقيامة والرجاء بلقاء المتوفي في ملكوت الله.
والصلاة تخفف خوف المتوفّي وتزيل يأسه فهي الحصن الذي به ينجو من مثوى الاموات هذا المكان المخيف ليرث الحياة في الملكوت. من هنا فإنّ الصلوات والقرابين تفيد هؤلاء الموتى إذا تحرّك نحوهم رحمة الله وحنانه ليقيمهم من عن يمينه ويريحهم في ملكوته يوم مجيئه الثاني.
نظرة الكنيسة الارثوذكسيّة الى السماء وجهنم والمطهر
بقلم الأب بولس وهبة
20/11/2010
من المهم جداً البدء بالقول ان الكنيستين، الارثوذكسية والكاثوليكية تؤمنان بفاعلية الصلاة من أجل الراقدين،انطلاقاً من أن الرب يسوع هو اله الأموات والاحياء، وأن الكل، في عرفه، أحياء لأنه بقيامته صار للكل حياة فيه، وكما نصلّي من أجل " الاحياء" نصلّي من أجل الراقدين .
لم تعرف الكنيسة الاولى فكرة المطهر كما هو معبّر عنها في ايمان الكنيسة الكاثوليكية، والتي صارت عقيدة رسمية أي ( ملزمة)في مجمع فلورنسا عام 1438،كما لم يتكلّم عنها أيّ من آباء الكنيسة الأولين، وبالتالي فإن الكنيسة الارثوذكسية تعتبر نفسها امينة لتعاليم الكنيسة الاولى ، ان بالنسبة للمطهر أو الى أي عقائد ظهرت لاحقاً واعلنت أو حددّت من طرف واحد، أي ليست في اجتماع مسكوني يضّم كل الكنائس، كما ان العهد الجديد في الكتاب المقدس، لم يستعمل العبارة، أي لم ترد فيه مطلقاً. المطهر عند الكنيسة الكاثوليكية هو حالة انتظار، يقبع فيها الذين هم في حالة مترجرة بين الصلاح والشر، للحصول على التطهير، والذي يتكثّف عبر انعامات من العذراء والقديسين والبابا.
أما بالنسبة الى الكنيسة الارثوذكسية، فالإنسان يُكمل المشوار مع الله ونحوه بعد الموت ، وهو ما كان قد ابتدأه في حياته، ودينونته تحصل لحظة موته لتحديد مساره،كما حصل مع اللص الشّكور على الصليب عندما اعترف بالرب يسوع وطلب الخلاص، فيما الذين هم في حالة بين الصلاح والشر، يستفيدون من صلوات الكنيسة والمؤمنين، للاقتراب من الرب يسوع لأن صلاة البار تُقتدر كثيراً في فعلها كما ورد في رسالة يعقوب، اذاً الراقد هو في مشوار مستمر وليس في جهنم الانتظار، وإن اختلف اللاهوتيون في تحديد ماهية هذا الانتظار. فيما يتّفقون على ان فكرة التطّهُر العائدة الى المطهر كما هي معرّفة في الكنيسة الكاثوليكية ليست واردة بهذا المعنى: الأمر شبيه بفعّالية الصلاة عند المؤمن الحيّ الذي بصلوات الكنيسة وشفاعة القديسين والمؤمنين يقترب أكثر نحو حضن الرب يسوع.
أما السماء، أي الجنّة ( وهو التعبير الأصح) فهي أن يكون الانسان مع الرب يسوع ( وهذا هو تعريف ملكوت السماوات – يسوع هو ملكوت السماوات) ومتفاعلاً معه. اما جهنم هي أن نكون في حضرته فيما نحن عاجزون عن التفاعل مع محبته، لعقمنا( من العقم)
الجهنم والسماء ليسا مكانان ماديّان ، والصور المستعملة في العهد الجديد، هي صوّر مجازية وليست صوراً فعلية وواقعية، يوم الدينونة هو يوم الاقرار بهذا، لأن دينونة الانسان تكون لحظة موته، فيما الصلاة هي من أجل استدرار رحمة الله لكي يقترب الهالك بالخطايا أو الملوّث بها منه، في حركة رحمة مبنية على الصلاة الدائمة من قبل المؤمنين.
دعوتنا اليوم يجب أن تكون من أجل ابراز كم هي الكنيستان متقاربتان في المفهوم، وكم هي هذه التحديدات فروقات يمكن تجاوزها للوصول الى الأرضية المشتركة التي هي موجودة بالأصل.
المرافقة الروحيّة للمرضى
بأبعادها اللاهوتية والانسانية والعملية
الأب جورج رعد
13/11/2010
- الكائن جزء لا يتجزأ
المرض يضرب ما يلي: وحدة الإنسان - حياته العلائقية - ميله للتخطيط للمستقبل وللتطوّر وللصيرورة
- لا تمجيد للألم:
o تشويه لصورة الله الأب (إذ لا يفرح الأب بعذاب ابنه)
o مشيئة الآب هي المحبة، ببذل الذات لمن نحب
o الألم عبثي/ الألم قد يعطي معنى جديد لحياتي عندما أحوّله من طاقة هدامة إلى طاقة بنّاءة
- الإنسان المؤمن
- مار بولس: إن المحبة تطرد الخوف خارجاً أي أن نتعامل مع المرض والألم انطلاقا من ثالوث المحبة
- الله لا يجرب : علاقة محبة لا خوف
- إن الإنسان تجربه شهوته الخاصة
- مصدر التجسّد هو حب
- المؤمن الذي علاقته بالله هي علاقة خوف يتألم
- حتى بالمرض أنا معكم
- الألم والمرض مزعجان وقاسيان
- القيامة ثابتة: أول ما سنراه هو يسوع المسيح الناصري: هو باكورة الراقدين والقائمين ومخلصنا من خلال طبيعته البشرية
- عندما نموت تكون القيامة كلية – مار بولس: سنعبر كما في نار، فالذين بنوا أعمالهم على الرب يسوع فستصمد أعمالهم، ومن لم يفعل ذلك تحترق أعمالهم، لكنهم كلهم سيخلصون.
- القداسة هي التمسك بالعيش مع الله
- الخلاص أتى من كلمة الله ولا من الأعاجيب
- الخلاص يعبر بالصليب كن لا يتوقف عند الصليب.
- الحب هو تضحية وستنتصر في النهاية ولن يكون للموت الكلمة الأخيرة
- الرقاد= فصح= فشاخ= عبر : نعبر بلا وجع ( مغبوط السبيل الذي تسير فيه. اليوم فقد أعدّ لك مكان الراحة) (لانحيب ولا بكاء ولا سواد:عادة يهودية.اللباس الأبيض هو لأبناء الرجاء )
- 40: رقم التطهير: صوم لمدة 40 يوم و40 سنة للعبور إلى أرض الميعاد)
- الموت صعب: نحن أبناء رجا، نعرف إلى أين نذهب عندما نموت
- الله لا دخل له بالموت (غلط القول: خلصو زيتاته/ربنا كاتبلو/ربنا بيجرب خايفينو/ ربنا ضربو)
- الله أسلمه ذاتي: علاقتي معه كأب وأنا إبن له: يتصرف انطلاقا من تفاعلي معه (أنا لي دور في الأمر/أقول نعم للخلاص لأني أعرف إلى أين أذهب)
- العبور له علاقة مع ما كان معاش على الأرض وأحمله معي ويكمّل معي عندما أعبر
- الإيمان والرجاء يزولان لكن تبقى المحبة بعد القيامة.
- الإنسان يقاس بكمية الحب في قلبه
- الحب يتخطى كل شيء
- خرجت من فيض حب الله وسأعود إلى قلب الله : مبتغى الله أن نعود للقائه: عبرت من الله إلى الحياة وعلي أن أعبر من الحياة إلى الله: أنا جئت لتكون لهم الحياة ولتكون لهم بوفرة
- الله يعطيني الوجود وأمي وأبي يعطياني الحياة البيولوجية
- مشروع الله لي: "كن" حتى تحبني بإرادتك
- الله كلي القدرة لا يقدر أن يقتل لأنه حب وخير: له كامل القدرة بالحب Dieu est tout puissant en amour
- الحياة تختبرنا وهنا نظهر مدى كون الله حيّ فينا
- المحدودية تقودنا إلى المرض والألم والموت وهي الطريق الوحيدة التي يمكن أن توصلنا إلى الفصح.
- المسيح تجسّد وحمل جسدنا ليعيش بشريتنا الكاملة وهذه المحدودية أوصلته إلى أن يكون باكورة الراقدين والقائمين.
- القداسة الحقيقية: السعي إلى عدم الوقوع في الخطأ مع إننا قادرون على أن نخطىء
- لا خطيئة كاملة: هذا يتطلب معرفة وإرادة وحرية كاملة
- علينا أن نتخطى الخطيئة بالحب، أن نجسد حضور المسيح في حياة الآخرين (منه وبه وإليه).
- لا خطيئة عند الإنسان غير المؤمن بل خطأ.
- نتيجة الخطيئة: قطع علاقة الحب مع الله / إنكار لكرامة الإنسان= تشييىء الآخر/ إنكار لمعنى حياة الإنسان/ رفض محبة الله
- المرض ليس نتيجة الخطيئة ولا علاقة بين الخطيئة والمرض.
ملاحظة : اخذت هذه المعلومات من مضمون المحاضرة وكتبت من قبلنا بتصرف.
الموت والقيامة في الأدب الرهباني
مع الأب ابراهيم سعد
13/10/2010
استهلّ الأب سعد كلامه بالاشارة إلى أنّه في كلامنا عن الموت اتّجاهان: واحد نحو موت يسوع المسيح وقيامته، وآخر نحو موت الإنسان وقيامته؛ ثمّ انتقل ليشرح مفهوم الرّهبنة، أو التّعريف بالرّاهب، مشدّداً على أنّه لا يعني من لم يتزوّج، لأنّ الرّهبنة حالة روحيّة، وليست وضعاً إنسانيّاً معيّناً. حتّى أعظم الرّهبان القدماء والذي ترأّس لاحقاً المجمع الكنسي قال: " إنّ الرّاهب المتزوّج أفضل منّي، لأنّه نال نعمة السّرّ السّابع" أي سرّ الزّواج. أمّا مفهوم تدنيس العلاقة الجنسيّة لدعوة الرّاهب ففلسفيّ بحت، وتقليديّ شعبيّ؛ ومن هنا لقب: " الخوري البتول"، وهذا لا يعني من لم يتزوّج بل من يعيش روحانيّة الرّاهب، ويسلك سلوكه.
وقد شاع منذ القرن الرّابع توجّه الرّهبان إلى الصّحراء لممارسة الدّعوة، أو إلى المناطق النّائية، فظنّ النّاس أنّهم يهربون من الدّنيا وملذّاتها؛ فأشهر الأديرة في مصر مثلاً موجودة في الصّحراء. إلاّ أنّ هؤلاء قد اتّخذوا من الصّحراء موطناً، هي التي تخلو من سببي الحياة الإنسانيّة الأهمّ: الماء، والطّعام، فترمز بالتّالي إلى اللاّعيش أو إلى الموت، حتّى يسلّموا حياتهم للمُعيل الأوحد، وسبب الحياة الأوّل والوحيد: الله. فيظهر للآخرين أنّ الرّاهب يعيش في الموت، إلاّ أنّ هذا الأخير اختار هذا القحط-الموت، حتّى يؤكّد على أنّ حياته بيد الآب وأنّه لا مُحيي غيره.
وهذا الاتّجاه إلى الصّحراء موجود في العهد القديم عند الحديث عن سير الشّعب في الصّحراء من مصر إلى فلسطين خلال ثلاث وثلاثين سنة، رمزاً إلى حياتهم المستمرّة في أرض الخلاء- الموت، برعاية الله، وإعالته؛ من إنزاله المنّ والسّلوى عليهم، حتى لا يعودوا إلى حياة العبوديّة في مصر التي تؤمّن لهم الطّعام من عند الإنسان. ولا ننسى ذكر تجربة الشّيطان للمسيح في الصّحراء، عندما اقترح عليه تحويل الحجر إلى خبز وغيرها من التّجارب التي يمكن لها ان تُبعده عن الموت، خاصّة أنّه: " جاع أخيراً "، أي أحسّ بالموت، إلاّ أنّ المسيح أجاب بردّ واحدٍ، كاف لان يؤكّد أنّه يرفض أيّ مصدر حياة آخر غير الله، حتّى ولو اضطرّ إلى مواجهة الموت:"ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكلّ كلمة تخرج من فم الله".
وعلى الصّليب رفض المسيح كلّ وسيلة تغيير لواقع الموت الذّاهب إليه: " خلّص نفسك وخلّصنا"، فتشبّث بالموت حتّى النّهاية، مبتدئاً مسيرة البريّة، مسيرة الضّعف البشري، من الجوع في الصّحراء، حتّى العطش على الصّليب: " أنا عطشان"، ورفض تخفيف ألمه بشرب الخلّ الممدود إليه، لأنّه لم يكن ليقبل بأيّ شكل حياة إلاّ من عند الرّب، الذي ما خيّب أمله، وأعطاه الحياة، وأقامه في اليوم الثّالث.
ونذورات الرّاهب: الطاّعة، الفقر، والعفّة، والطّاعة أصعبها، كلّها من أشكال الموت. وعندما يشرح الرّهبان مفهوم الطّاعة في الحياة الرّهبانيّة الحقيقيّة، يشيرون إلى طاعة كلمة الله الحقّ، كلمة الحياة، لا تلك الطّاعة العمياء الجاهلة. وليس مفهوم الطّاعة في الرّهبنة سوى تمرين وممارسة دائمة لطاعة الله، كلمة الحياة، والتّسليم لها تسليماً كاملاً.
أمّا الفقر فهو رمز لمن لم يؤمّن غده، أي من وثق أنّ الله هو من يعيله ويحييه ويؤمّن له أيّامه. ولكنّ ذلك لا يعني كره المال، أو استنكار وجوده في الخزانة، أو في الجيب وسيلة للعيش، إنّما يعني نبذه لما فيه من خطر محدق ممّن أوجده في قلبه، سبباً وغاية للحياة.
والعفّة هي الانقطاع عن كلّ ما يؤمّن لنا أقلّ شعور بأيّة لذّة: من لّذة الفرح، إلى الجنس، إلى الاستقرار، إلى المرح... وما التّبتّل سوى تجسيد فعليّ لهذا الانقطاع، وهو ما عاشته "البتول مريم" طوال حياتها، منقطعة لعبادة الله.
ثمّ انتقل الأب سعد إلى شرح مفهوم الصّحراء عند النبي "هوشع"، الذي كانت رسالته أن يتزوّج من زانية. وأشار الأب سعد إلى أنّ زنى الرّوح، يكون بترك عبادة الله، واتّباع آلهة أخرى، وهذا ما جرى مع شعب اسرائيل. فحاول الله من خلال تزويج النبي من زانية أن يبيّن للشعب أنّه، هو العريس، اتّخذهم عروساً زانية تعبد غيره ممّا تستفيد منه، ويؤمّّن لها زيتها وصوفها وكتّانها...كالإله "بعل"، إله الخصب، وكالمطر والشّمس، وغيرها من المظاهر التي عبدوها لأنّهم استفادوا منها إنسانيّاً، فيقول الله إنّه سيقطع عنهم أسباب العيش المعروفة، ويأخذهم إلى البرّية حيث الموت، ليعرفوا أنّ لا إله غيره يمكن له أن يحييهم، عندها يعودون غلى الزّوج الأوّل أي إليه هو الرّب، فيعيلهم بنعمته، وعندها تدعوه الأمّة "زوجي" لا "بعلي" لِما في الثّانية من عودة إلى الإله بعل.
ويحصل ذلك في الرّبيع، فصل الحياة(عودة أدونيس إلى الحياة في الرّبيع)، فصل القيامة والخلاص(قيامة المسيح في الرّبيع).
كذلك نجد في سفر الرّؤيا الإمبراطور يهدّد من لا يعبده- هو الذي يؤمّن لشعبه كلّ ما يحتاجون إليه- بقطع رأسه. وهذا ما أصاب المسيحيين آنها، لأنّهم أبوا أن يسجدوا لغير الرّب، فساقوهم إلى القتل. هذه مسيرة المضطهدين باسم الرّب التي كتبها يوحنّا وتذكّرها أثناء أخذ المسيحيين من بيوتهم، وسوقهم للقتل، طريقاً عسكريّاً مباشراً إلى الملكوت، إذا قبلوا الشّهادة.
ويشير الأب سعد إلى جماليّة نظرة الرّهبان إلى الموت، لا على أنّه مواجهة مع النّهاية، بل مواجهة مع الله. فأكثر الأديرة تعيش على الصّلاة والأشغال اليدويّة، ومنها أن يحفر، كلّ يوم، راهب قبره، ويعود يطمره، ليتذكّر الموت دوماً، أو بالأحرى ليتذكّر لقاءه بالرّب، ذلك اللقاء الذي يتمرّس الرّاهب كلّ سنوات عمره ليحياه عند موته. فما الحياة الرّهبانيّة الأصيلة التي تتّسم بالامّحاء التّام عند فعل الخير، من القدّيس باسيليوس الكبير الذي بنى في الصّحراء مستشفى، يعين فيه من أعياه التّعب والجوع والعطش والمرض خلال سفره، ويختفي بعدها؛ إلى رسّامي الأيقونات البيزنطيّة المختفين خلف الأيقونة بلا اسم، إلى كتّاب الكتب الرّوحيّة التي نسبوها إلى رهبنتهم ككلّ أو وقّعوها بإبهام تام:" راهب... "؛ ليست تلك كلّها سوى تمرين لكيفيّة العيش في الملكوت.
والراّهب لا يملك شيئاً ولا يورِث شيئاً، لأنّ الرّب عنده يساوي كلّ شيء. وهو خلال أعماله اليوميّة المختلفة، لا يتوقّف عن الصّلاة لئلاّ يمتلئ فراغ السّكوت بغير الله. أمّا فكرة كره الدّنيا والبعد عنها فليس من مفاهيم الرّهبنة لأنّ بعض الرّهبان يمارسون رسالتهم التّبشيريّة بين النّاس، ولأنّ كلّ الرّهبان يحملون هموم النّاس في صلواتهم. ولكلّ راهب في موقعه وجهاده الخاص، تجاربه وباب خلاصه، وتجربة الوحدة والغربة أصعبها لهول الفراغ فيها وواجب ملئه بالله باباً للخلاص منها.
وما الصّلاة والصّوم اللّذان أوصى بهما يسوع، سوى تلك الصّلاة التي صلاّها هو، بانقطاع كليّ لله، وهي تمرين لكلّ واحد منّا على تلك المواجهة وذلك الحوار مع الله يوم اللّقاء.
وإن لم تُتلَ الصّلاة بروح الفقر إلى رحمة الله، أو تُليت كفرض أو واجب يعطيه المصلّي إلى الله، فليست مماثلة لصلاة يسوع، وهي خاطئة المفهوم والممارسة، لأنّك في ذلك اليوم الكبير، ستكون صفر اليدين لا شيء معك تقدّمه إلى الله، بل تكون تائقاً إلى عطايا رحمته، ولن يمنحك أيّ واجب أو فرض تلك النّعمة. فكيف "تقدّم" واجباً، وأنت، في الصّلاة، تقف لتعترف أنّك "فارغ الوفاض" ولا تملك شيئاً، وأنّك "فقير" لرحمة الله؟ من هنا التّعارض الكبير بين "فرض" و" صلاة"!
أمّا الصّوم الذي صامه يسوع، والذي يعني: السّير في البريّة في مواجهة أشكال الموت، حتّى تأتيك الحياة من عند الله فقط، فهو الصّوم الذي يوصينا به ويدعونا إلى ممارسته بالرّوحانية نفسها.
فروحانيّة الرّهبنة المتجلّية في حياة كلّ إنسان، هي الأصل، لا تلك التّفاصيل الخاصّة بالأديرة، كما الأمّ في بيتها ومع عائلتها راهبة تطيع الله في تربيتها لهم، وتعفّ عن كلّ شيء من أجلهم.
ويختم الأب سعد كلامه بقوله: إن لا صورة في المسيحيّة عن الموت البحت، إنّما هو وقوف في الموت-البريّة، ونظر إلى الحياة-الله.
ملاحظة: دُوّنت المحاضرة من قبلنا بتصرّف
"إنجيل لعازر والغني" (لوقا 19:16-31)
للأب جوزيف سويد
2010/10/4
باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد. آمين.
إنّه لفرحٌ كبيرٌ أن نلتقي اليوم حول مائدة الكلمة، ونتذوّق ما أطيب الرّبّ...فالإفخارستيا لا تعني ذبيحة شُكران، وإنّما هي عبارة عن صلاة عميقة من القلب إلى القلب، يتلاقى فيها الإنسان مع الخالق. وتكون مُقسّمة إلى قِسمَين: القسم الأول هو كسر الكلمة، والثاني كسر الخبز. ونحن في إنجيل اليوم، في قسم كسر الكلمة. وأَجِدُ في هذا النص شيئاً مُرعباً، لأنّه يحتوي على أمور جذريّة، ثابتة ولا تتغيّر... فقد اعتَدْنا في حياتنا أنّ يكون كلّ شيءٍ مُتغيّراً، أي يمكن لنا أن نجد له مخارج أو فتاوى. وفي كثير من المشاكل القاسية...بالرُغم من قساوتها، يبقى فيها مجال للتغيير، وكأنّنا دائمًا نخلق الأمل بأنّ الغَد أفضل، ونعيش كأنّ البارحة قد ولّى، ونحن أبناء اليوم، ونتأمّل بأنّ الخير قادم، منتظرين سماع خبرٍ مفرحٍ.
ومَن هو الغني في إنجيل اليوم؟... فكلمة "الغنيّ" في المفهوم اللاهوتي تنطبق على كلّ شخص لديه مُلْك ومال وفير قد اغتنى به لذاته، وكأنّه السيّد المطلق، مُستغنيًا عن الله والآخر. فهناك أشخاص أغنياء بالحكمة والحضور واللّسان، إذ يجعلونك تشعر بالفرح والسّلام والأمان. وآخرون أغنياء بالمال، غارقون في حياتهم، بعيدون قد استغنوا عن الله، فهم يرفضون صليب المسيح، ويعتقدون أنّه بمالهم يستطيعون أن يشتروا العالم. أمّا الغنيّ الحقيقي هو من اغتنى بالله وبأخيه الإنسان، ومَن يستغني عن الله وعن أخيه الإنسان، فإنه يعيش يومه الحاضر بالرّفاه، ولكنّه سيأكل يومًا ما الصفعة التي توعّيه، وعندها الندم لن ينفع.
فإنجيل اليوم يُحدّثنا عن غنيّ يمتلك كلّ صفات الغنى، حيث كان يلبس الأرجوان، والثياب الفاخرة، ويُقيم الولائم كلّ يوم. وهذا الإنجيل يجعلنا نُفكّر، كيف كان يعيش الغني هذا الترف في حياته؟...فهذا الغنيّ الّذي كان يلبس الأرجوان كعلامة الجلالة والترف والغنى، أطلق عليه الإنجيل اسم "الغنيّ" وليس اسماً آخر. ولكن لوقا بسياسته وحكمته، وصف لنا هذا المشهد في إنجيله فقال إنّ هناك فقيراً اسمه لعازر - واسم "لعازر" يعني "ذراع الله"- كان مطروحاً عند باب الغنيّ، حيث كانت القُروح تُغطّي جسده، وكانت جروحه مفتوحة. ويمكن ربط هذا الوصف بوصف أشعيا النبيّ للرّبّ يسوع، فقد كان بكامله جرحاً مفتوحاً من رأسه إلى رجلَيه. أي أنّ جسد لعازر لم يكن مجروحاً من الخارج فقط، وإنّما قلبه ونفسه مجروحان أيضًا. فكلّ فقير بحاجة كبيرة لأخيه الإنسان، لأنّ لديه جوعاً ونقصاً كبيراً بحاجة لإكمالهما. فإنّه صعبٌ جدًّا شعور الإنسان الفقير، المذلول الخاطر...ولولا تعاسة المرحلة التي وصل إليها لعازر، لما اضطرّ أن يذلّ نفسه، ويمدّ يده إلى الآخر... وليَمُدَّ الإنسان يده للآخر، يكون قد جُرِح في كرامته ونفسه وروحه، فقد كان مطروحاً أمام باب بيت الغني، يتمنّى أن يسدَّ جوعه بفضلات أكله، وفيه جرحٌ كبيٌر لا يتوقف عند القروح والجوع والفقر، وإنّما جرح نفسيّ نتيجة نظرات المارِيْن والاستهزاء به وعدّة تراكمات أخرى. فقد كانت الكلاب المارّة تقترب منه، وتتحنُّ عليه، وتُطيّب جراحه، بينما البشر كانوا مُتلَهيّن بالوليمة. وإذا قارنّا نمط الحياة التي يعيشها الإنسان الفقير، الذي لا يملك جزءاً من المال الذي نملكه، ولا أحد يتحنّن عليه، ولا أصدقاء له، رأينا شدّة الوجع الذي يعيشه، ونحن قليلًا ما نتذكّر ذلك...وفي النص جملة رائعة: "تذكّر يا بُنَي"...أي إنّ الله يُذكّرنا دائمًا، ويريدنا أن نبقى يقظين، فنحن أحيانًا نفقد ذاكرتنا بين لحظة وأخرى. وإذا أخذنا مثالاً عن شاب وفتاة يُحبّان بعضهما البعض منذ سنوات، أيُعقل أن يزول هذا الحبّ الكبير وينتهي كلّ شيء في لحظات!..فكيف يزول مثلُ ذلك الحبّ؟..ولماذا يزول؟...وفي ترتيلة "واه حبيبي"،هناك مقطع يقول: "ألا تذكرون سخائي"، فبالرغم من كل ما فعله السيّد المسيح. كان غنيّاً بالله، وأتى وسكب في قلوب الناس حُبَّه وعطاءه، وخاصةً الفقراء منهم.
ويروي النص أنّ الفقير عندما مات، حملته الملائكة إلى حضن الآب، أمّا الغنيّ عندما مات، فقد دُفن. وبعدها "رفع الغنيّ عَينَيه وكان يُقاسي العذاب"، وتُفسّر هذه الجملة العذاب الذي كان يعيشه الفقير لعازر على الأرض، والعذاب الذي يعيشه الغني بعد مِمَمِاتِه. فقد كان ينظر الغنيّ دائمًا إلى الفقير المطروح أمام باب بيته من طرف عَينَيه، ولكنّه للمرّة الأولى رفعهما وفتحهُما بشكل جيّد لينظر إلى لعازر في أحضان الآب. أمّا الآن فقد فات الأوان إذ كان عليه أن يرفعهما من قبل، ولكنّه كان غير آبه ومنشغل بأمور هذه الدّنيا. وأراد الرّبّ منه أن يتذكّر ذلك الآن، ويُذكّره من خلال كلام إبراهيم القاسي، لأنّه عندما كان على الأرض، ولم يتذكّر ولم يرفع عينَيه ولم يمدّ يدَيه...فقد بدأ الغنيّ يتعذّب عذابًا جسديًّا ونفسيًّا...وكلمة "ارحمني" في النص تدلّ على توبة الغني، على طَلبْ الولادة والحياة من جديد، وطَلبْ فرصة جديدة ليعوّض ما فات...فمثلًا عندما يُقَصّر الإنسان في الحبّ، يصير هناك شرخٌ بينه وبين حبيبته، فيرفع عينَيه ويدرك أنّه كان قد نسيَها، ويطلب منها أن تعطيه فرصة جديدة. ففي بعض الأحيان يمكن أن نطلب فرصة أخرى، فنتوب فيها ونعوّض عمّا مضى، ولكن في بعض الأحيان يكون قد فات الآوان...وكذلك الغنيّ ، فإنّه لم يستفِد من وجود لعازر، فقد كان غارقاً في الحياة ومشاغلها، وأخذ يطلب الرّحمة من الله الآب ليُخلق من جديد....فعندما مدّ لعازر اصبعه، كان الغني ملهيّاً بالوليمة، ولم يمدّ طرف إصبعه ليطعمه من الفائض لديه...فمثلًا، هل يكتفي الحبيب بأن تعطيه حبيبته القليل! إنّه بحاجة إلى وقتها وحبّها، وحنانها بكلّ معاييره...وكذلك نحن، عندما كان ربّنا بحاجة إلى كل ذلك، لأنّه الحبيب والعاشق الأكبر، كنّا مشغولين بالأمور الدنيويّة، وفي تحقيق ذواتنا، وصنع أمجدانا، وجمع المال والثروات. وتحقيق الذّات لا يأتي إلّا بالحبّ المطلق، وكل ما جمعه الإنسان على الأرض فهو ليس ملكاً له، وإذ يقال في الإنجيل: يا جاهل اليوم تؤخذ منك نفسُك، فهذا الذي أعددته لمن يكون؟ لأولادك!... فأغنى أغنياء العالم أورثوا أولادهم الكثير من الأموال والثروات، وبقوا في حالة من التخلّف والجهل. فعلى الأهل أن يضعوا أولادهم على الدرب، في بناء ذواتهم وتحقيقها ، إذ لا يستطيع أحد أن يعيش على أمجاد أبيه. هذه هي مشكلة الغنيّ، حين يقول:"أنا أتعذّب كثيرًا في هذا اللّهيب"...وكلمة "اللهيب"، لا يُقصد بها لهيب نار جهنّم، وإنّما اللّهيب الداخلي. وكلّ واحدٍ منّا يمكن أن يكون قد اختبره أو لُدع بناره. فعندما يشعر الإنسان بنار الحبّ في داخله، فيصير بحاجة لأحد يُطفئ هذه النّار، وخاصةً إذا عاش هذا الحبّ وطُعِن من بعده. ولكي نُطفئ هذه النّار، علينا أن نعرف اللّهيب النفسي الذّي يختبره هذا الإنسان، وانفصاله عن الخيرات الأبديّة. أمّا الخيرات الزمنيّة (أي الوقت، الإصغاء، الحبّ والحنان) إن لم تَعِشْها وتهتمّ بها، أتى وقتٌ تَطلبها ولكنّك لن تَجِدها... وهنا يقول ابراهيم للغني: "تذكّر يا بنيّ"، أي إنّ الله دفق الكثير من المال والنِعم بين يدَي الغني، حيث كان يتنعّم بها ناسيًا الآخر.وقال منصور لبكي: "ماذا أفعلُ يا إلهي حتّى تَنسى ما فَعلتُ، إنّي فقيرٌ إليك، إنّي غنيٌّ بك، نشْوَتي نَعِيمي في راحتَيك لأنّي شريكٌ بكلّ ما لك "...فالنشوة في فكرنا هي نشوة جسديّة مع الحبيب، نشوة بأن نسمع كلمة "أحبُّك" من فم الحبيب، وعندما يقولها، يكون قد أفاض فينا شحنة كبيرة من الحنان...فنحن شركاء الله بكل ما أنعم علينا به، وهذا هو الغنى والبركة التي وهبنا الله إياها بوفرة، ولكنّنا احتفظنا بها لذواتنا وطمرناها، ولم نستفد منها. ويقول الإنجيل: "تَذَكّر يا ابني أن لعازر قد نال نصيبه..أَتَذكُر؟". فذراع لعازر الممدودة، هي ذراع الله. وكان ابراهيم يُذكرّ الغنيّ بشكل دائم بالنعيم الّذي كان يتنعّم به، وبالنّشوة البطنيّة التي كان يعيشها، والآن قد زالت. فمن الجميل أن يُذكّر الحبيب حبيبته بالذكريات الجميلة بعد فترة من الحبّ أو البُعد...وكذلك الكنيسة تُذكّرنا في بداية الصوم: "تذّكر أيُّها الإنسان أنّك تراب وإلى التّراب تعود"، أي تذكّر أنّك ابن الله، وإن لم تتذكّر الآن، فسوف يُذكّرنا الله لاحقًا ويقول لنا: "أتذكر"... وهذه هي حال لعازر الآن، فهو يتعزّى هنا لأنّه كان مجروحاً وبحاجة لتعزيّة.
وعندما تُشارك صديقك في تقبّل التعازي، فهذا عمل اسمه "بَارَاكِليْتُسْ"...كلمة "بَارَا" تعني "إلى جنب"، وكلمة "كِليْتُسْ" تعني "المدعو ليَقِفْ". أي عندما يكون الإنسان في حالة حزن، فهو بحاجة لمن يقف إلى جانبه ويسانده، أي بحاجة إلى الباراكليتُس الذي هو الرّوح القدس، وقد وهبه الله ليساند الإنسان. فمثلًا إذا كُنتَ في معركة، فأنت بحاجة للسلاح وهذا هو الباراكليتُس.
ويستمر ابراهيم بتذكير الغنيّ، بأنّ لعازر يَتعزَّى هنا وهو يَتعذَّب هناك، و"هناك" يُقصد بها الجفاء والغربة...فهناك فرق بين العذاب الأبديّ، وبين العذاب الذي تشعر بأنّ جهنّم قد سكنت فيك...فالسّماء ليست المكان الذي نصعد إليه بعد مَمَاتِنا، وإنّما هي أن نعيش ملكوت الله على الأرض...ويطلب الإنسان من الله دائمًا أن يُنجّيه من جهنّم، ولكنّه لا يدري أن حالة العذاب والتّمزّق التي يعيشها، هي جهنّم ساكن في أحشائه وقلبه. وعندما قال الغنيّ: "أترجّاك يا أبي ابراهيم أن تُرسل لعازر إلى بيت أبي". أي أنّه ، بعد أن عاش هذا الاختبار وأدرك معنى الألم والعذاب، أراد أن يُخبر ويُنذِر ويحمل البُشرى لإخوته الخمسة الساكنين في النعيم على الأرض، فالإنذار كان من مهمّة الأنبياء...والصمت علامة االتواطئ والخيانة والقبور، والصمت هو من الشيطان. وفي كلّ شخصٍ منّا شيطان...فقد فَتَرَتْ فينا المحبّة، ولم يعد هناك قيمة لله، ويقول الله لنا: "أحبّوا أعداءكم، صلّوا لمضطهديكم". فأخبر ابراهيم الغنيّ أنّ موسى والأنبياء عندهم (أي الباراكليتُس)، فليسمعوا لهم، وإن لم يقتنعوا من موسى والأنبياء، لن يقتنعوا بقيامة أحد الموتى. فالإنسان الذي صارت على عينَيه غشاوة ، مهما حصل أمامه فلن يُصدِّق.
وأريد أن أنهي برسالة للأغنياء: "أيّها الأغنياء، ابكوا ونوحوا على المصائب التي ستنزل عليكم، أموالُكم فَسُدتْ، ثيابكم الفاخرة أكلها العِث، ذهبكم وفضتكم يعلوها الصدَأ، وهو يَشهَد عليكم ويَأكُل أجسادكم كالنّار، تُخزّنون للأيام الأخيرة، والأجور المستحقّة للعمال الذين حصدوا حقولكم التي سلبتموها، صُراخ الحصّادين وصل إلى مسامع الرّبّ، عِشتم على الأرض في التنعّم والترف، وأشبعتُم قلوبكم كعجلٍ يوم الذبح، حكمتم على البريء وقتلتموه".
فالمغزى من إنجيل اليوم، أن يُنذرك ويوعِّي فيك بصيرتك، لأنّ مسيحييّ الشرق في خطر، وبعضهم يسلكون طريقاً غريباً، وقد أصبحوا أعداء لصليب المسيح. آمين.
ملاحظة: دُوّنت المحاضرة من قبلنا بتصرّف.
تتمة..."انجيل لوقا 24: 36-48"
مع الأب جوزف عبد الساتر
3/5/2010
استهلّ الأب عبد السّاتر المحاضرة بالأبانا والسّلام، راحة لنفس اختنا باتريسيا شدياق، في الذكرى الاولى لرحيلها
حيث تمّ تجهيز هذا المركز عن روحها. وأشاد برسالة جماعة "اذكرني في ملكوتك"، وبنشاطاتها في الرّعايا وفي المركز، مستنتِجاً من خلال ذلك أنّ أمواتنا أحياء حقّاً ويتواصلون معنا.
وانتقل إلى نص الفصل الأخير من لوقا 24 من الآية 36 إلى الآية 49، ويدور حول ظهور المسيح الأخير - بعد قيامته وقبل الصّعود- للتلاميذ في العليّة، فما عرفوه، فقال لهم، انظروا الى يدّي ورجليّ، أنا هو، وتناول معهم السّمك المشوي. وبين هذا النّص ونص ظهوره لتلميذي عمّاوس تشابه كبير من حيث الطّعام (الخبز المكسور والسّمك المشوي) وكلاهما رمز للإفخارستيا في العهد القديم. فالإفخارستيا والكتاب المقدّس متلاحمان في الكتاب المقدّس، إذ علينا أن نسمع كلمة الله ونعمل بها، ولأنّ المسيح عشيّة العشاء السّري وبعد "الكلام الجوهري"، تقدّم في اليوم التّالي "قرباناً" عنّا. إذ إنّ قراءة الكتاب المقدّس من دون تناول جسد المسيح يحرم المؤمن من معرفة المسيح معرفة عميقة حقّة فيفسّره على هواه، فعلينا إذا أن نقرأ الكتاب من خلال "تناول" جسد ودم الرّب، وبناء هذه العلاقة معه، ليوضّح لنا حقيقة يسوع المسيح، من دون اجتهادات خارجيّة. وأعطانا الأب مثل الخاطبين والمتزوّجين أي اكتشاف الآخر بالكلمة أوّلاً وبالجسد ثانياً. فبالإفخارستيا والكلمة معاً يتوصّل المؤمن إلى معرفة يسوع ولمس حضوره في الجماعة وفهم الأحداث التّاريخيّة التي جرت مع يسوع المسيح كالموت والقيامة، من خلال شغف دائم وتوق إلى الإتّحاد بيسوع المسيح.
وأوّل ما يقوله المسيح للجماعة في العليّة هو: "السّلام لكم"، وهي أولى عطايا القائم من الاموات، إذ عيش حقيقة القيامة، هو العيش بسلام، وإلاّ فجراحك ما زالت تنزف ولم تبرأ، ولكن تعاليك عن هذه الجراح هو ذلك السّلام وهو الذي يكمن فيه أجرك في السّماء، من خلال اعتباره صليبك وحمله بسلام.
المسيح هو القائم من الموت بعد عذاب كبير من قبل بطرس الذي أنكره، والجنود الذين ضربوه وعنّفوه، لكنّه بسلامه، غفر وأحبّ وملأ قلوب التّلاميذ سلاماً ما، يرذل العنف، لأنّ العنف ليس من شيم المسيح ولا من منطقه، ولأنّه لا يجلب إلاّ العنف.
"فأخذهم الفزع والخوف وظنّوا أنّهم يرون روحاً"، فبرغم السّلام الذي أتى به المسيح إليهم، والذي يمكن له أن يخلّع أبواب الجحيم النّحاسيّة، وان يفكّ قيود انقباض التّلاميذ الخائفين، ظلّوا يظنّونه شبحاً مخيفاً، باعتباره وهماً مزيّفاً، او لخوفهم من ألم الفقدان مجدّداً؛ إذ إنّ السّلام الذي يجلبه المسيح لا يمكن أن يعمل فينا ما لم نجازف ونؤمن، لأنّ الإيمان متى وقع تحت حكم العقل صار مجازفة، ومن هنا مقولة القدّيس "أوغسطينوس" الشّهيرة: "يقوم الإيمان على أن ترى ما لا يرى، وجزاؤه هو أنّك سوف ترى ما آمنت به". فالإيمان لا يقدّم أيّة ضمانة ملموسة أو حسيّة ويجعلنا نعيش قلقاً، وتكمن صعوبته في تصديق ما يخرج على قواعد العقل والمنطق: "آمن كي تفهم".
معرفة المسيح بعد القيامة هي معرفة "إيمانيّة"، تماماً كما عرفه "بولس" من دون أن يراه، وكما عرفته "مريم". فالقيامة إذاً حدث تاريخي يختبره المؤمن من خلال لقائه بيسوع القائم في حياته اليوميّة. فبقيامة المسيح صار لنا الخلاص، فسلام المسيح يمكن له أن يخيفنا وأن يجعلنا نخشى ترك خطيّتنا التي مصدر سعادتنا، لأنّنا منذ البدء، لم نجعل سعادتنا ورجانا في المسيح، الذي، أكثر من أيّة خطيئة، يمكن له أن يعزّينا، ويسعدنا. ويشير الاب إلى أنّ مفاعيل الفداء وسلامه لا ينتهي عند القيامة بل يمتدّ إلى كلّ النّاس حتى يعمّ السّلام كلّ المسكونة.
سلام المسيح سلام بنوّة صالحنا بالآب السّماوي وهيّأنا أن نكون له أبناء، وهو فعل جهاد مستمرّ ومسؤوليّة عظيمة، أخافت التّلاميذ وتخيف كلاًّ منّا، لأنّ قوّتنا وحدها لا تكفي لتحمّل هذه المسؤوليّة، ولكنّ نعمة الرّب تساعدنا، إلى التّحوّل بعد الموت من أجساد إنسانيّة إلى أجساد روحيّة، كما قام المسيح حقّاً بالجسد والرّوح، ولكن ليس كيسوع التّاريخي كما قام لعازر وغيره ممّن أقامهم المسيح بنعمة الرّب، بل كيسوع الإله القائم إلى الأبد بجسد ممجّد غير قابل للموت، كحالة آدم قبل الخطيئة.
وانتقل التّلاميذ من حالة الحزن إلى حالة الفرح، وهي حالة مقلقة أيضا، لا تعطي للإيمان ركيزة صامدة بل يختفي ويضمحلّ الإيمان في أوّل سقوط في الكآبة، بل هو صبر، ونضال، وحالة تتلمذ مستمرّة بعيداً من الشّك والخوف.
" هل عندكم شيء يؤكل؟ ": لم يكن المسيح بحاجة إلى طعام بعد القيامة، ولكنّه أراد أن يؤكّد ويبيّن للتّلاميذ قيامته بالجسد والرّوح معاً، واستخدم لأجل ذلك العناصر نفسها: "السّمك"، الرّمز الإفخارستي، ومن أجل الغاية نفسها، هنا ومع تلميذي عمّاوس، وفي البرّيّة: " الإيمان".
ونوّه الأب إلى أنّ قراءة الإنجيل النّسبيّة فيها تجديف على الرّوح القدس في جعل الخير شرّاً، والشرّ خيراً، لأنّ الكتاب المقدّس دستور حياة يجب أن يُقرأ في ضوء تعاليم الرّب وشرح الكنيسة والقدّيسين، وأيّ تفسير خارج عن هؤلاء هو عجز عن الفهم الحقيقي للكتاب المقدّس.
وختم الأب جوزف بتشديد على شفاعة المسيح، والشّهادة لاسمه حتى بلوغ بذل الذّات من أجله، والتّبشير بكلمته، في كلّ زمان ومكان وإطار، ابتداء من أورشليم الميلاد وانتهاء بأورشليم الموت والقيامة.
ملاحظة: دُونت هذه المحاضرة من قبلنا بتصرف
"الموت والقيامة في رؤيا يوحنا"
الأخت روز أبي عاد
13/3/2010
بعد أن عرّفت الأخت روز برهبنة "القدّيسة تريزا الطّفل يسوع" اللّبنانيّة، التي تحتفل هذه السّنة باليوبيل الماسي لتأسيسها، انتقلت إلى التّعريف بسفر الرّؤيا، أي رؤيا يوحنّا، ذي الطّابع المخيف، الصّعب الفهم، حيث يجد فيه من يقرأه الكثير من الوحوش ذوي القرون، والعيون، وغيرها، ويجد فيه كلام عن إبادة العالم ونهاية الدّنيا؛ إلاّ أن هذا السّفر على صعوبته، يمكن أن يُفهم وتؤخذ منه العِبر، إذا ما توصّلنا إلى فكّ رموزه، وإشاراته، لأنّه سفر الرّموز، والانتصار، يبدأ بانتصار المسيح على الموت وينتهي به.
وبدأت الأخت أبي عاد تشرح الفصل الأوّل من سفر الرّؤيا، الآية 5، "سلامي أعطيكم بيسوع المسيح، الشّاهد الأمين، بكر الأموات، رئيس ملوك الأرض....صاحب المجد والقدرة لدهر الدّهور...": وهو الشّاهد الأمين، أي الشّهيد، المائت والقائم من الموت، وهو الأمين لأنّه مرّ بهذه التّجربة، وهو أصدق من يخبر بها، ويشهد لها؛ كما أنّه بكر الأموات، أي أوّلهم، وهذا يعني أنّ مصير إخوة البكر، وهم المؤمنون، مشابه لمصيره، أي أنّهم، هم أيضاً يموتون ويقومون مثله، وهذه حقيقة مهمّة جدّاً. كما أنّ المسيح استحقّ كلّ المجد والقدرة على موته وقيامته.
ثمّ انتقلت إلى الآيات 9 حتّى 18، ونوّهت إلى أنّ موضوع هذه الرّؤيا ليس شيئاً أو حالة إنّما هو شخص، وهو "ابن الإنسان". وركّزت الأخت أبي عاد على صفات "ابن الإنسان" في هذه الآيات، فهو: " شبه ابن الإنسان، يرتدي ثوباً طويلاً حتّى قدميه، وعلى صدره حزام من ذهب، وشعره أبيض كالثّلج، وعيناه كشعلة ملتهبة، ورجلاه كنحاس مصقول محمّى في أتون، وصوته كصوت مياه غزيرة، و كان في يده اليمنى سبع كواكب، وفي فمه سيف طالع مسنون حدّين، ووجهه كالشمس في أبهى شروقها، فلمّا رأيته، وقعت عند قدميه كالميت، فلمسني بيده، وقال لي: لا تخف، أنا الأوّل والآخر، أنا الحيّ، كنت ميتاً وها أنا حيّ إلى أبد الدّهور، بيدي مفاتيح الموت ومثوى الأموات".
والعدد سبعة، هو عدد الكمال، وكلّ صفات ملابسه، مميّزة لا يمكن لغيره أن يرتديها، إلاّ إذا كان رئيس الكهنة، أو الملك...وشعره أبيض، أي أنّه شيخ، حكيم، موجود من قديم الأزمان، جهور الصّوت، يميّز الخير من الشّر والحقّ معه، وكلامه حقّ ونهائي، وهي صفات تطلق على الله عامّة، أي أنّ يوحنّا أراد أن يتكلّم عن ابن الإنسان القائم من الموت، وله صفات الله، أبيه. وكلّ هذه الأوصاف، تدلّ على أنّ يوحنّا كان في حضرة الألوهة، فوق احتماله وقدرته، فسقط عند قدميه، فطمأنه، يسوع: "لا تخف"، فأنا البداية والنّهاية، أنا الالف والياء- من جوهر الآب، أو الله-، بعيد منّي لا حياة، ولا حقيقة. وبالعودة إلى كون المسيح هو باكورة الأموات، وقد قام من الموت، فهذا يعني انّ أمواتنا قاموا مثله، وهم يحيون لا لمدّة محدودة، بل إلى دهر الدّهور. وهذا يعني أنّنا نحن الأحياء، في غربة عن الحياة الحقيقيّة التي سبقنا إليها أمواتنا الأحبّاء.
واستطردت الأخت أبي عاد لتوضّح أنّ الجحيم يعني مثوى أو مرقد الاموات، وبما أنّ من عاشوا في العهد القديم، لم تكن عندهم فكرة واضحة للموت، كانوا يعتقدون أن ّ الذين يموتون يذهبون إلى مكان مظلم، بارد، فيه انقطاع عن الحياة، ولا اتّصال لهم لا مع الله، ولا مع الأحياء، لذلك، يسوع عند موته، نزل إلى هذا الجحيم، وكسّر الأبواب وأقام آدم وحوّاء، وكلّ الموتى، فهو المالك، على الأرض وفي السّماء مقيم البشريّة كلّها منذ أبويها. ومن هنا تغيّرت نظرتنا إلى مثوى الأموات فلم يعد ذلك المكان المنقطع عن الحياة، بل صار جسر عبور بالمسيح إلى الله في السّماء.
وانتقلت الأخت أبي عاد إلى الفصل 5، إلى رؤيا " الحمل المذبوح"، التي تُختَصر بملك جالس على عرشه وفي يده كتاب مختوم بسبعة ختوم، وسمع يوحنّا صوت ملاك يسأل من يستحقّ أن يفتح هذا الكتاب ويفضّ لغزه، فلم يوجد بين من هم في السّماء ولا على الأرض ولا تحتها من يستحقّ ذلك، ما أبكى الكاتب، ولكنّ شيخاً في السّماء طمأنه إلى أنّ متحدِّراً من نسل يهوذا الأسد، ومن سلالة داوود، سيستحقّ أن يفتح هذا الكتاب العظيم، والمقصود به يسوع إذا ما عدنا إلى تاريخ السّلالات.
ثمّ رأى يوحنّا بين شيوخ السّماء، حملاً واقفاً كأنّه مذبوح، بسبعة قرون، ما يرمز إلى كامل القوّة، وسبع عيون، أي كامل المعرفة، هي أرواح الله السّبع الكامنة فيه، والتي أرسلها إلى العالم كلّه. وفي صورة الحمل المذبوح#الواقف تناقض كبير، إلاّ أنّها رمز لموت المسيح وذبحه على الصّليب، وبقائه واقفاً لأنّه انتصر وقام ووقف. يرمز الحمل إلى الأضحيات التي كانت تُقدّم لله في العهد القديم، فحلّ يسوع الحمل المذبوح الميت# القائم ، محلّ كلّ الحملان التي قُدِّمت سابقاً لله، واختُصر فيه سرّ فداء البشريّة كلّها. ثمّ تقدّم الحمل وفضّ الكتاب – تاريخ الخلاص- المليء بالرّموز وأعطاها معناها، وتحقّقت فيه أي في يسوع كلّ النّبوءات. وسجدت كلّ الكائنات له وأنشدت الأناشيد واعترفت بأنّه هو من يستحقّ فضّ الكتاب لأانّه افتدى كلّ الأمم، وخلّصها بذبحه وموته.
وشدّدت الأخت أبي عاد من جديد على أنّ محور إيماننا المسيحيّ كلّه بحسب ما رأينا في سفر الرّؤيا، هو موت يسوع وقيامته من بين الاموات.
ثمّ انتقلت إلى الفصل 20، وفيه آيات، حوّرها شهود يهوى، وفيها مشهد الملاك حامل السّلاسل العظيمة والذي قيّد الشّيطان أو إبليس أو التنّين أو الحيّة، وزجّ به في السّجن ألف عام. وهناك فئة من النّاس القائمين القيامة الأولى والذين يحكمون مع يسوع لأنّ أعناقهم ضربت واستشهدوا في سبيل يسوع، والقدّيسون الذين قدّستهم الكنيسة، والذين قدّستهم أعمالهم، من جملتهم، وفئة أخرى منهم ينتظرون يوم القيامة الثّانية أو يوم الدّينونة بحسب أعمالهم، في المطهر، وبعدها يقومون أو يموتون الموت الثّاني ويُلقون في بحيرة النّار.
وختمت الأخت أبي عاد اللّقاء بالإشارة إلى أنّ الملكوت يشبه حفلة عظيمة، لا يمكن أن ندخلها بثياب رثّة، أي أنّ أعمالنا هي ثيابنا التي تقرّر إن كنّا أهلاً للملكوت أم لا، عندها نخجل من نفسنا، ونكون عارفين مصيرنا.
دونت المحاضرة بتصرّف
تتمة..."صلاة يسوع"
مع الأب ملحم الحوراني
1/3/2010
يستهلّ الأب ملحم اللّقاء بالتذكير بما يقوم به المؤمنون، في مساء الأحد الأخير قبل بدء الصوم (والمسمّى "أحد الغفران")، حين يطلب كل مؤمن الغفران ممّن خطئ هو إليهم،
ويبادر في الوقت عينه إلى مسامحة من أخطأوا هم بحقّه، باعتبار عمل الغفران أسمى من طلبه، وباعتبار المصالحة والغفران شرطًا أساسيًا لنلج صومًا يَقبَلُه الرب المزمع أن يقوم من بين الأموات. بالتالي، من يتوصّل إلى مثل هذا العمل يكون قد محا العداوة من حياته قبل بدء صومه.
ولكنّنا نُفاجأ، في تلاوات الصّوم ومزاميره، حين نقع كثيرًا على كلمة: "أعدائي، العدوّ، عدوّي...". فكيف ذلك والمفترض أن يخلو زمن الصّوم وصلواته من العداوة؟ إلا أننا إذا أمعنّا القراءة، وجدنا أنّ العداوة تتماهى بالخطيئة، ولذلك نجد في التلاوات: "أعدائي كثُروا" و"خطيئتي كثيرة"، "تكاثرت آثامي" – "لم تحبسني في أيدي الأعداء" و"أنا المضبوط بالخطايا" – "عَتُقتُ في جميع أعدائي" و "نحن الخطأة المنحنين من كثرة السّيّئات" – "أنقذني من أيدي أعدائي" و"أعتِقني من روح البطالة والفضول وحُبّ الرئاسة والكلام البطّال"...
وهذا دليل على أنّ الخطيئة التي تُلازمنا هي ذلك العدوّ المقصود، أي هي عدوّ من نوع آخر. لم يعُد العدوّ، بعد الآن، عدوًّا خارجيًّا أو منظورًا أو ماديًا: "يا رب أنتَ تعرف عدمَ رُقاد أعدائي الذين لا يُرَون". ففي الصّوم يتماهى العدوّ بأشكال مختلفة من الخطايا، لا بدّ من التيقُّظ لها، وتركيز الذهن لمحاربتها واقتلاعها من قلبنا قبل أن تقضي علينا. علينا مثلاً أن نُقلع عن النّظر إلى هفوات الآخرين وأخطائهم وصحونهم، وأن نُركّز نظرنا إلى خطيئتنا ("وخطيئتي أمامي في كل حين")، وإلى صحننا، وإلى كتابنا المقدّس، وإلى أيقونة المسيح وقدّيسيه، حتى نتوصّل إلى النّظر إلى قلبنا، وهذه هي المعركة التي علينا أن نخوضها، فـ"نصلّي المسبحة" كما يجب، لأنّ الرّب طلب منّا أن نبقى مستيقظين، واعين: "أنا نائم وقلبي مستيقظ".
ومرجع الأب ملحم، في هذا الموضوع، إنجيل يوحنّا 16: 23-24، حيث يقول يسوع: "إنّ كلّ ما تطلبونه من الآب باسمي يعطيكم، إلى الآن لم تطلبوا شيئاً باسمي؛ اُطلبوا تأخذوا ليكون فرحُكم كاملاً"، أي إنّ صلاة المسبحة ليست سوى ذكر لاسم يسوع، خلال طلب ما نريد من الآب، فيَصِلُنا ونُمنحُه.
بعدها يرجع الأب ملحم إلى لوقا 18: 13-...، حتّى يعرّفنا من أين أتت صلاة المسبحة. وفي هذه الآية يضرب المسيحُ مثلَ الفرّيسي والعشّار اللّذين دخلا إلى الهيكل ليصلّيا، فأتت صلاة الأوّل بلا روح، وبكلّ تكبّر وتعالٍ، وأتت صلاة الثّاني متواضعة، خاشعة، لم يذكر منها إلاّ: "أللهمّ، ارحمني أنا الخاطئ"؛ ويختم المسيح المثل بالتّأكيد أنّ صلاة العشّار كانت مقبولة، على عكس صلاة الفرّيسيّ.
على هذا، نواة صلاة المسبحة هي الإنجيل المقدّس، انطلاقاً من الصّلاة الرّبيّة التي علّمها يسوع لتلاميذه: "وإن صلّيتم فقولوا: أبانا الذي في السّماوات..."، التي ما هي إلاّ تفصيل لصلاة العشّار المقتضبة، التي توجز صلاة الأبانا، لأنّها تدور حول جوهر طلب رحمة الله، وبالأكثر، لأنّ الرّب يسوع، نفسه، أكّد أنّها مقبولة.
ثمّ قرّرت الكنيسة إيجاد صلاة للمؤمنين، انطلاقاً من صلاة العشّار، مع تعديل بسيط، وتوضيح طفيف لكلمة: "اللهمّ" (التي قد تكون مشتركة مع ديانات أخرى)، بعد أن عرفْنا الله من خلال ابنه الذي تجسّد، وحلّ بيننا، فوسّعَتْها إلى: "يا ربّي يسوع المسيح، ارحمني أنا الخاطئ"، المتكرّرة على مدى حبّات المسبحة المتشابهة في ما بينها، وبين المسابح كلّها، التي صُنعت بأشكال وألوان مختلفة، لا لتتلاءم مع ملابسنا، ولا لتُعرض في أماكن معيّنة حبّاً بإظهار صلاتنا، بل لتوضع على طرف السّرير أو على المنضدة التي بجانبه، أي حيث يمن أن نصلّيها.
أمّا انطلاقة فكرة المسبحة فكانت على يد راهبٍ أراد أن يلتزم في صلاته للرّب بإخلاص، وينتظم فيها، ويخصّص لها وقتاً معيّناً. فتناول حبلاً وعقده عدّة عقدٍ صغيرة ليُصلّي بها قانون صلاته اليوميّ، فكان الشّيطان يأتي ويفكّها، إلى أن اهتدى الرّاهب إلى طريقة متينة لعقد الحبّات بحيث لا يقوى الشّيطان على فكّها، فأتت كلّ حبّة معقودة بتسعة صلبان مخفيّة، استحال على الشّيطان فكّها، فكانت بداية المسبحة.
وصار يعلّق الرّهبان المسبحة، عند ارتسامهم، بالزّنار على الخصر، وسُمّيت: "سيف الرّوح" (أفسس 6: 17)، أي "كلمة الله" التي يستعملونها في مواجهة سهام الشّرير، أي العدوّ المتجلّي في خطايانا -غير المرئيّة للنّاس- المعشّشة في قلوبنا.
ومن الأفضل أن تُتلى المسبحة، وقوفاً أو جلوساً، لا خلال الاستلقاء، حتّى لا يمنعنا الشّيطان من تأدية صلاتنا، فنستسلم للنّوم. وتُحمل المسبحة باليد اليُسرى وتُتلى على كل حبّةٍ الصّلاة نفسها ،"يا ربي يسوع المسيح، ارحمني أنا الخاطئ"، على عدد الحبّات أو العقد، لا بشكل ببغائيّ، لئلا يصير نُطقُنا باسم الرب "باطلاً" ومُخالفًا للوصيّة (خروج 20: 7)، بل بالتمعّن في كلّ كلمة من كلماتها، بمرافقة حركات جسديّة تُعبّر عن خشوعنا وطلباتنا: "مجِّدوا الله في أرواحكم وفي أجسادكم"، بهدف أن يكون يسوع سيّد حياتك. وحين نذكُر، واعين، اسمَ يسوع، يقودُنا هذا إلى أن نعرف خطيئتنا ثم نتوب بمؤازرة رحمته. وهذه من صلوات التّوبة المثاليّة. وشيئًا فشيئًا، نمُدُّ وقتَ الصلاة ليمتدّ إلى كل النهار ("هذذتُ بك في الأسحار لأنك صرتَ لي عونًا"). ونحن، في كلّ مرّة نذكر اسم يسوع، نلتمس حضوره معنا ونشُدُّ أنفسَنا إليه وإلى الاتّحاد به، فينزل عقلُنا إلى القلب، ونُدني نورَ المسيح مِن ترابنا ليغيّره. وأفضل مَن توسّع في موضوع حلول نور الرّب علينا، لا بعد موتنا فحسب، بل خلال حياتنا، بلحمنا ودمنا، حيث يمكننا رؤية نور الله غير المخلوق، هو القدّيس "غريغوريوس بالاماس".
وتُصلّى المسبحة من قِبَل المبتدئين، في الفترة الأولى، بصوت مسموع في آذاننا، لإشراك حواسّنا كلّها في الصّلاة، بشهيق وزفير، على كل دعاء. وسوف يشعر مَن يُصلّي هذه الصلاة بأنها تبدأ بجُهدٍ في مرحلةٍ أولى، ثم تتحوّل إلى تلقائيّة (صلاة القلب) مع الممارسة المتواترة اليوميّة.
وانتقل الأب ملحم إلى تناوُل آياتٍ من الكتاب المقدس تُظهر فاعلية وقوّة اسم الرب يسوع:
-فكيف يخلّصُني اللهُ؟> "أللهمّ باسمك خلّصني" (مزمور 54: 1)؛
-وبماذا أَقهرُ الأُممَ التي تحيط بي؟ > "باسم الرّب قهرتهم" (مزمور 118: 10)؛
-ولمَن يستجيب الله؟ > "وهو يدعو باسمي وأنا أُجيبه" (زكريا 13: 9)؛
-وبماذا تخضع لنا الشياطين؟> "يا رب حتى الشّياطين تخضع لنا باسمك " (لوقا 10: 17)؛
-ومَن الذي يَخلُصُ؟> "كل مَن يدعو باسم الرب يخلُص" (أعمال الرسل 2: 21)...
وختم الأب ملحم اللّقاء، بتمنّي أن تجري صلاة المسبحة (صلاة يسوع) في عروقنا، فنتمثّل بمار ميخائيل المرسوم في الأيقونة، والذي يرتفع طَرَفا عقدة شعره ولا يقعان، لأنّه دائم اليقظة والنّباهة، نباهة النّفس والجسد؛ وهذا ما تتمنّاه الكنيسة: أن تُحوّلنا من بشريين ترابيين إلى لهيبِ ملائكةٍ مصلّين في كل حين.
ملاحظة: دُونت هذه المحاضرة من قبلنا بتصرف
تتمة...تنشئة روحية حول " لاهوت الموت والقيامة"
الموضوع: "الموت والقيامة في في انجيل يوحنا " مع الخوري ميشال صقر .
13/2/2010
استهلّ الخوري صقر اللّقاء بتقسيم الحضور إلى فرق، عمل كلّ منها على قراءة فصول إنجيل يوحنا
(18-19-20-21)، التي تدور حول موت وقيامة يسوع، وحاولوا أن يتوصّل من خلال هذا العمل، إلى معرفة "من هو يسوع ؟"، " من هي أمّنا مريم العذراء؟"، " كيف نرى كنيسة المسيح أي بطرس، يوحنّا والرّسل؟" في هذه الفصول.
وبعد الصّلاة لمريم وطلب مساعدتها في الإجابة عن هذه الأسئلة الثّلاث، بالنّعمة والحكمة، شرح الخوري صقر سبب وجود أربعة أناجيل مختلفة الاسلوب أما المضمون فواحد، إذ اختلفت احوال كاتبيها والمرسل إليهم، وأهدافهم، وأوضاعهم، ومنطقهم عن الحدث نفسه، كما حادث السيارة الذي يخبر عنه 4 اشخاص مختلفين: خبير، طبيب، كاهن ونائب: فأتى إنجيل متّى ليخبر قصّة يسوع بطريقة مسيحية يهوديّة، مستشهداً بالعهد القديم، وأتى إنجيل مرقس قصيراً مقتضباً، لا تفاصيل دقيقة فيه عن تعليم يسوع، ولكنّه كاف ليخبر عن أهم أعمال المسيح، ببساطة واختصار. أمّا لوقا فقد كتب للجماعات المسيحية الوثنيّة والغنيّة فقد أتى إنجيله داعياً هؤلاء إلى مساعدة الفقراء، ومبشّراً الخطأة، ومن يجهلون شريعة موسى برحمة الله الواسعة، وهو الإنجيل الوحيد الذي ذكر ما حصل مع لصّ اليمين الذي نال الملكوت في اللّحظة الأخيرة: " يا ربّ اذكرني متى أتيت في ملكوتك ". أما يوحنّا فهو الإنجيل الرّوحاني الذي عرف أنّ الله محبّة.
ويتكوّن إنجيل يوحنّا من واحد وعشرين فصلاً، ويقسم إلى قسمين: "كتاب الآيات"(أول 12فصل) و" كتاب المجد" (9فصول) الذي يبدأ بغسل المسيح لأرجل التّلاميذ، وتمتدّ بعد ذلك خطبة يسوع من الفصل13 حتّى الفصل17، ليلة العشاء السّري، التي تنتهي بالصّلاة الكهنوتيّة ليسوع مع الآب على نيّة تلاميذه. أما موضوعنا الذي هو الموت والقيامة في انجيل يوحنا فهو في الفصول الأخيرة (18 حتى 21).
وتوقّف الخوري صقر عند ما هو خاص في انجيل يوحنّا، بالنسبة للموت والقيامة، حول المواضيع الثلاثة التالية: الكريستولوجيا، مريم العذراء والكنيسة.
1- يسوع المسيح: تتلخص الكريستولوجيا في سبعة أفكار هي:
أوّلاً: "يسوع هو الله"، من خلال الحوار الذي دار بينه وبين الحرّاس القادمين لاعتقاله: " أنا هو ".
ويذكّرنا ذلك بما أجاب الله موسى عندما سأله هذا الأخير عمّا يقوله للشّعب، إذا ما سألوه عمن طلب منه أن يقودهم. وفي إنجيل يوحنّا نفسه نعرف تتمّة هده العبارة أي، " أنا هو: النور- الحقّ- الحياة- القيامة..." .
ثانياً: "يسوع هو النّاصري"، أي الإنسان الآتي من أمٍّ وأبٍ، من النّاصرة، هو الذي مات حقّاً بإنسانيّة كاملة لا شكّ فيها، كما لا شكّ في ألوهيته الكاملة.
ثالثاً: "يسوع هو ملك"، إذ لا يظهر عند يوحنّا ضعف يسوع، ونزاعه على جبل الزّيتون؛ والملك هذا هو الذي أودى بيسوع إلى الموت، أي علّته التي تسبّبت بقتله، لأنّه من المستحيل أن يكون بين اليهود ملك غيرهم. وهو لا سياسيّ لأنّ سلطته تأتي من فوق، ويقول باحترام السّلطة. كما يظهر ملك يسوع في تحنيطه الملوكي عبر كميّة الطيب الكثبرة التي وُضعت لهذه الغاية.
رابعاً: " يسوع هو نبي"، ليس بمعنى المتكهّن بالمستقبل، بل بمعنى: قائل كلمة الله، كلمة الحق في حينها.
وقد أتى يسوع من أجل الحقّ: أنا هو الطّريق والحقّ والحياة"، حقيقة الله التي لا ألوان فيها ولا خوف. وتتجسّد صورة يسوع عند يوحنّا كملك منتصر لا يخاف الموت ولا يهاب قول الحقيقة، الذي يصلب بفخر لا بذلّ.
خامساً: "يسوع هو الكاهن" من خلال قميصه ذي النّسيج الواحد من فوق إلى اسفل غير مخيط، وهذا لباس عظيم الكهنة عند اليهود، ممّا يعني انّ يوحنّا يرى يسوع كعظيم للكهنة.
سادساً: "يسوع هو الذّبيحة"، من خلال قول يوحنّا المعمدان في بداية الانجبل عنه، "هذا هو حمل الله"، وبعد الصلب قيل فيه " لم يُكسر له عظم"، لأنّ حمل الفصح عند اليهود يذبح من دون أن تكسر عظامه. ولم يأت يوحنّا على ذكر تحوّل جسد ودم المسيح إلى خبز وخمر يوم الغسل لانّ الحمل-المسيح لم يكن قد ذُبح-صُلب بعد، ولكنّه ذُبح على الصّليب يوم الجمعة أثناء احتفال الكهنة في الهيكل بعيد الفصح.
سابعاً:" يسوع يقوم، يصعد إلى السّماء، ويبعث الرّوح في يوم واحد أي يجمع يوحنّا القيامة والصّعود والعنصرة في يوم واحد، عكس لوقا الذي أحبّ التّاريخ والدّقة، وفصل بين القيامة والصعود بأربعين يومًا، وبعشرة أخرى بينه وبين العنصرة، لأنّ يسوع، كما رأى يوحنّا تمّم الخلاص كلّه في وقت واحد.
2- مريم العذراء: أمّا مريم، فتظهر في إنجيل يوحنّا 19/25-27 كما يلي:
أوّلاً: رمز الأمومة، لورود لقب "أمّ" أربع مرّات في أربع آيات متتالية، دلالة على أنّها أمّ المؤمنين جميعاً، وأمّ أبناء الله أجمعهم، وأمّ الكنيسة.
ثانياً: هي امرأة العهد الجديد، أو حوّاء الجديدة، التي أعلن عنها يسوع في أولى عجائبه: " ما لي ولك يا امرأة "، وعلى الصّليب: " يا امرأة، هذا ابنك".
ثالثاً: هي رمز الإيمان والرّجاء، لوداعها ابنها وداعاً استثنائيّاً، إنها أكثر من أم تودّع ابنها، إنها رمز لكل الشعب المؤمن برسالة المسيح.
أمّا يوحنّا فلا يرمز فقط إلى تلاميذ يسوع، بل إلى الكنيسة والمسيحيين ككلّ، كما أن العذراء تمثّل كل اليهود المؤمنين، تحت الصّليب.
وأظهر الخوري صقر هويّة النّساء الموجودات تحت الصّليب، من أمّه إلى أختها سالوما والدة يعقوب ويوحنّا، إلى امرأة كالوبّا شقيق مار يوسف حسب مرقس 6/3 و 15/40، ومريم المجدليّة.
3- الكنيسة: أمّا الكنيسة فقد ولدت على الصّليب من خلال الماء والدّم الخارجين من جنب المسيح، وفي معموديّة المسيح قبلها. فالعماد والإفخارستيا هما رمزا : الكنيسة.
ويتحدّث الخوري صقر عن أهميّة دور "بطرس"، في سؤال المسيح له: "أتحبّني؟"؛ ففي محبّة الإنسان لله يمكن أن يكون مسؤولاً، وفي محبّة بطرس العظيمة ليسوع، مسؤوليّة، سلّمه إيّاها يسوع، وجعله راعي الرّعاة. وفي كثير من المواقف الإنجيليّة إظهار احترام التّلاميذ الكبير للمسؤول، وهو بطرس، من دون أن يتنازع الآخرون على المنصب.
وكان تحدث عن دور يوحنا الحبيب الذي يمثل كل تلميذ مؤمن وحبيب ليسوع.
وأحبّ الخوري صقر أن يشير في النهاية إلى آية صيد السّمك بعد القيامة، لما فيها من رمزيّة في صيد التّلاميذ للبشر، بعدما كان للصّيد الأوّل قبل القيامة، رمزيّة اختيار المسيح لتلاميذه، ودلالة كون حدث القيامة رسوليّ، فيه شهادة للمسيح من قبل الكنيسة في العالم.
ملاحظة: دُونت هذه المحاضرة من قبلنا بتصرف
تتمة...الموت والقيامة عند القدّيس باسيليوس الكبير
الأب ابراهيم سعد
9/2/2010
انطلق الأب سعد من كتابات " القدّيس باسيليوس الكبير " عامّة، ومن نص القداس الإلهي الذي كتبه بخاصّة، حتّى يتكلّم عن هذا القدّيس الذي اتّسم قدّاسه ب" الوضوح"، وحتّى يكشف عن فكر هذا القدّيس فنتعلّم منه.
واستهلّ الاب سعد حديثه بتحديد ما يميّز الإنسان عن المخلوقات الأخرى، مُشدِّداً على "الذّاكرة" التي "يذكر" الإنسان أحداثها أي ينطق بها وحده من بين كلّ المخلوقات، كما ذكر أنّه يتميّز ب"اجتماعيّته"، لانّه لم يُخلق ليعيش وحده. كما أشار إلى أنّ هذه الذّاكرة التي تذكر ما جرى مع الإنسان جرّاء اختلاطه بغيره، هي التي تخلق له "تاريخاً"، ينطلق مه الإنسان ليعيش حاضره، وليبني مستقبله؛ حتى انّك إذا أردت أن تتعرّف بشخصٍ انطلق هذا الأخير من ماضيه ليطلعك على نفسه حاضراً وما ينوي له مستقبلاً. وإن أنت سألت شخصاً عن حدث لم يشهده بنفسه، لأخبرك بحيثيّاته، كأنّه عاشه، لأنّه قبل بمخزون ذاكرة شعبه، وحفظه، وهذا ما يُسمّى " ليتورجيّا" أي " عمل الشّعب" الذي يُعرَّف ب: مجموعة الافراد المتّحدين في التّاريخ الواحد، فإن اختلف تاريخ أحدهم عن الآخر، انتمى كلّ منهما إلى شعب مختلف. وقد عنت كلمة "ليتورجيا" عند الرّومان، اجتماع الإمبراطور والحاشية والشّعب لاستذكار تاريخ الأمّة كلّه، ثمّ مناقشة خطوات المستقبل.
فالاتّفاق على الاجتماع كأمّة موحّدة التّاريخ، كليتورجيا، يحاكي اجتماع المؤمنين، ككنيسة. أي انّ تلك لا وجود لها إلاّ فينا؛ فنحن إذا لا نجتمع في الكنيسة بل ككنيسة، نحن الكنيسة، والامبراطور هو الآب، أبو يسوع، الذي قام بذلك أو ذلك، متميِّزين عن غيرنا من المؤمنين بألله آخر.
وقد فهم القدّيس باسيليوس الكبير أنّ الكتاب المقدّس هو قصّة اللّه، الذي ما قال عن نفسه يوماً إنّه اللّه الأوحد الأوّل الكبير، ولكنّه أخبرهم بأفعاله " أنّه الذي" فعل ذاك وذلك.
واللّيتورجيا تنجم عنها قرارات كأيّ اجتماع آخر قرارات بتحويل الخبز والخمر إلى جسد ودم المسيح،، ولا يحقّ للمشترك فيها وهو خاطئ أن يتحجّج بخطيئته لكي لا يتناول جسد المسيح، لانّ ذلك يعني عدم اقتناعه بأنّ القرار قد نُفِّذ فتحوّل الفاني إلى خالد مقدّس بل، كان حريّ به لو تاب واعترف بخطيئته، قبل المجيء للاعتراف باللّيتورجيا التي يشارك فيها، على أنّه واحد من هذا الشّعب.
فأنت – وبسبب خطيئتك – تدخل القدّاس وثنيّاً، فيعرض عليك الرّب قصّته في الإنجيل، وتثبت قبولك به أباً، وبأفراد الجماعة إخوةً، عند المناولة، بعدها تخرج " ابن اللّه". لذا فقليلة هي الصّلوات الفرديّة في القدّاس لانّ هذا الأخير هو اشتراك جماعي في الصّلاة. لذا فمن يأت إلى القدّاس ولا يشارك الجماعة في صلواتها ولا يتناول جسد ودم المسيح، أفضل له لو لم يأتِ، على حدّ قول القدّيس باسيليوس الكبير؛ تبعاً لما سبق شرحه. فأنت بتناولك للجسد والدّم اشتركت في قصّة المسيح، وذهبت مع المريمات إلى القبر ووجدته فارغاً، وستذهب لتبشّر بذلك. والقدّيس بولس في رسالته إلى أهل قورنتس يقول: مات وقبر وقام وظهر للتّلاميذ، وبظهوره لهم " ذُكرت" قيامته، وأُكِّدت. وأنت بعد خروجك من القدّاس تذكر بدورك هذه القيامة، لئلاّ تذوب وتموت.
وقد روى القدّيس باسيليوس في قدّاسه قصّة يسوع، منذ جبلة اللّه للإنسان في الفردوس ووعده له بالخلود- لانّ المحبّة لا تقتل بل تزرع الحياة- حتّى المعصية، ومجيء يسوع، وموته، وقيامته، لأنه من المستحيل أن يبتلع الموت الحياة التي هي يسوع المسيح نفسه، كما ذكر صعوده وجلوسه عن يمين اللّه. ثمّ تكلّم على تذكّر الشّعب لكلّ ما جرى مع المسيح، وعلى ذكره له من الموت إلى القيامة فالمجيء الثّاني الذي أصبح الإنسان جزءاً منه.
وقد تكلّم الأب سعد على مفهوم القدّيس باسيليوس الكبير للقيامة، التي هي عامّة بالنّسبة إليهم وليست خاصّة، أي أنّها للجميع، فلا جحيم بل ملكوت، ولا نار بل نور. أمّا من اعتاد أن يحيا في الظّلمة، وفي الشّر، فطبيعيّ ان يعميه النّور ويهدّده الملكوت والخير. وما الملكوت إلاّ الطريق التي مهّدها وعبّدها المسيح لكلّ مؤمن حتّى يسلكها ليصل إلى الآب. وكلّ من يلبّي النّداء ويشترك في كلّ أقسام القدّاس يصبح من شعب اللّه، ومن أبنائه.
والقدّيس باسيليوس الكبير هو الوحيد، بعد المسيح، الذي ميّز ملكوت اللّه، من الفردوس. فقد قال آخرون إنّ الإنسان بعد موته يعود إلى فردوس آدم، إلاّ أنّ باسيليوس قد فهم واكّد أنّ المائت يجلس في حضن الآب في الملكوت، حيث لا ألم ولا خوف ولا عذاب، بل ما لم تره عين ولم تسمع به أذن، ما أعدّه اللّه للّذين يحبّونه.
ملاحظة: دوّنت المحاضرة من قبلنا بتصرّف
تتمة..."الموت والشهادة في رسائل القدّيس اغناطيوس"
مع الأب ابراهيم سعد
9/1/2010
عاش القدّيس اغناطيوس الانطاكي في القرن الأوّل واستشهد في أواخره، وكان الأسقف الأوّل على كنيسة أنطاكيا بعد القدّيس بولس الرسول. وهو يدعو نفسه "العامل الإله" أو "المتوشّح بالله"، أي صفته: حامل. طُلِب إليه التّوجّه إلى روما، وهذا حدثٌ ذو أهميّة كبرى.
بعث برسائل إلى كنائس عدّة لكي يبقى على علاقةٍ بها بالتّوجيه والإرشاد، ويصحّح من خلال الرّسائل الأخطاء المرتكبة في الكنائس، كما فعل من قبله بطرس وبولس، وتركّز كلامه على وحدة الكنيسة، وعن أنموذج الأسقف المثالي ومركزه في الكنيسة؛ فالشّماس يكون قد بلغ اللاّهوى، والخوري يبلغ الاستنارة، والمطران يبلغ التّألّه. وكلمة الله دائماً، فوق الإنسان، تعليماً وتنفيذاً، وإغناطيوس، حامل الإله، علّم ونفّذ تعاليم الله، هو حامل الإله، وطلب من تلاميذه أن يمسحوه بنعمة الصّبر وطول الأناة، ولطالما تاق إلى بلوغ الكمال في المسيح، حتى وهو ذاهبٌ للموت من أجل اسمه. وقد أبَت المحبّة عليه أن يسكتَ على الخطيئة، وراح يحثّهم على الانسجام مع فكر الله في السّلوك، لأنّ المسيح، حياتنا الملازمة لنا، هو فكرُ الله، وكلّ الأساقفة (المعلّمين) في أقاصي الدّنيا هم في فكر المسيح.ولم يقل القدّيس هذا الكلام، وهو جالسٌ على مكتبه يعظ النّاس، بل قاله في كامل هدوء الذّاهب إلى الموت من دون أن يهزّه هذا الأخير، ودخل في "حالة الحياة".
ويقول في مكان آخر: "صلّوا ولا تملّوا من أجل النّاس لأنّ فيهم رجاء التّوبة، فيعودوا إلى الله"، وهو لم يقطع الامل من أيّ من النّاس؛ " علّموهم على الأقلّ بالمَثَل، فيكون لكم ذلك؛ إن غضبوا فكونوا وُدعاء، إن تجبّروا فكونوا متواضعين، إن جدّفوا صلّوا لهم، إن جدّفوا، فاثبتوا على الإيمان... آخوهم باللّطف، اقتدوا بالرّب، فمَن كان مثله ضحيّة ظلم؟ مَن عُرّي مثله؟ ... لا تتشبّهوا بالشّيطان بل بكلّ نقاوة، أقيموا في الجسد والرّوح مثل المسيح؛ قال هذا، وذهب إلى الاستشهاد.
أمّا الفرق بين المنتحر والشّهيد، أنّ الأوّل يقوده الكره للحياة إلى الموت، أمّا الثّاني فيقوده حبّ الحياة للموت. والشّهادة لا تُطلب بل تجرّه إليها الشهادة لكلمة الله، والإيمان به. والأوّل لا مضمون لموته، أمّا الثّاني فمضمون موتِه هو شهادتُه لكلمة الرّب. وقد ذهب القدّيس اغناطيوس إلى الموت كالمدعوّ إلى عشاءٍ، كان هو مُعدّه، على حدّ ما نستنتجه من رسالته إلى أهل روما، على أنّه مُدانٌ وفي خطر وسيموت، بينما هم آمنون وأحياء، وعلى أنّهم طريقه إلى الشّهادة التي ستُثمر في حياتهم، وستقوى الكنيسة عبرها، ولن تذهب سدى.
ويقول: "الإيمان هو مبدأ الحياة، والمحبّة غاية الحياة والإثنان معاً هما الله، وما عداهما وسائل تؤدّي إلى كمال الإنسان"؛ أي أنّ الله قد خلق الإنسان ليحبّ الإنسان الآخر.
وهو لا يعظ كأساتذة اللاّهوت لكي يمضي الوقت، بل تكلّم بدموعه، كراع للرّعيّة، وبالكلام الخارج من فمه وبالحبر على الورق، وبالدّم في الشّهادة.
وقبل أن يُطلعنا الأب سعد على طريقة استشهاد القدّيس اغناطيوس، مهّد بقول هذا الأخير: " لكلّ شيء نهاية، وأمامنا اثنان: الحياة والموت، وكلّ يذهب إلى مكان؛ وهناك نوعان من الانتقاد: انتقاد للّه، وانتقاد للعالم؛ ولكلّ منهما طابع خاصّ: لغير المؤمن طابع العالم، وللمؤمن القائم على المحبّة، طابع الله...إذاً بملء إرادتنا وبدافع نعمته، ان نموت معه، فحياته ليست فينا بل تصير فينا...
وشرح الأب سعد ما كتب القدّيس اغناطيوس إلى كنيسة روما وهو ذاهبٌ إلى الموت، إذ تحدّث عن أنّ لا سلطان إلاّ في المحبّة، وطلب من النّاس أن يترأّفوا به، ومن الله أن يسمح له برؤية وجوهه الكثيرة... راجياً إيّاهم الاّ يتعلّقوا بجسده فيضطر إلى العمل على الشّهادة من جديد، ويطلب إلى الله أن يتقبّل شهادته، التي يذهب من خلالها إلى الموت بملء إرادته...ويقول إنّه يُطحن تحت أنياب الأسود ليصبح خبزاً نقيّاً للمسيح، ويطلب إليهم أن يلاطفوا الأسود حتّى تقوم بعملها كما يجب...وأن يبتهلوا إلى المسيح بعد تواريه عنهم حتى يصبح، بفضل الأسود ضحيّة إلهه... وراح من شدّه توقه إلى المسيح، يطلب ألاّ ترأف به الأسود وألاّ تهابه كما هابَت القدّيسين قبله، بل أن تكون رشيقةٌ في سحقه حتّى يسرع إلى المسيح، إذ أنّ لا سحق عظام ولا تمزيق أعضاء يبعدني عن المسيح...ويطلب إليهم، هو عاشق الشّهادة ألاّ يروه من خلا ل هذا الجسد فيحزنوا، وأن يتركوه يتألّم ليبيّنوا عن حبّهم إيّاه لا عن كرههم له بإبعاده عن الألم...
وكلّ ما سبق، وإن دلّ فقد دلّ على أنّ حياة القدّيس اغناطيوس الانطاكي في رسالة آخر صفحاتها التي تحمل كلّ مغزاها، هي الشّهادة... فكلّ أمانة للمسيح فيها من الموت أحد أوجهه، وكلّ تحدٍّ يواجهنا في الحياة فيه موتٌ وإخلاصٌ للمسيح وخلاص به، أو فيه حياةٌ ماديّة وخيانةٌ للمسيح وموتٌ بعيد عنه.
وختم الأب سعد كلامه بأنّ لا فهم للإنجيل من دون عيش الأخرويّة أي التّفكير بالآخرة وبالحساب، لأنّ الحياة مليئة بالتّحدّيات التي تبعدك أو تقرّبك من المسيح، وخيار آخرتك المتجلّي في أبهى صور الحريّة أمام الخطيئة، بين يديك.
ملاحظة: دُونت لمحاضرة مِن قبلنا بتصرّف.
تتمة...تنشئة روحية حول "لاهوت الموت والقيامة"
الموضوع: "اليوم ستكون معي في الفردوس"
مع الأب ميشال عبود
2010/2/1
استهلّ الأب عبّود اللّقاء بالصّلاة إلى الرّوح القدس حتّى يملأ قلبنا بالنّور ويزيّننا بالتّواضع، والشّجاعة والحكمة. ثمّ قرأ نصّ الإنجيل حيث حوار اللّصين – لصّ اليمين وقد سمّي كذلك لأنّه نال الخلاص أي الملكوت، ولصّ الشّمال- مع يسوع على الصّليب.
وبعد تلاوة النّص، تساءل الأب عبّود عمّا إذا كان بإمكان المسيح أن يموت ميتة مختلفة عن هذه، أي على الصّليب، وكان جوابه إيجاباً لأنّ المسيح سبق أن تعرّض لمحاولتي اغتيال من قبل من أرادوا رجمه، وهؤلاء الذين أرادوا دفعه من أعلى الجبل إلى الوادي؛ إلاّ أنّه مات ميتة إعدام معروفة آنذاك مع لصّين على حدّ ذكر الأناجيل كلّها. كما ذكرت كلمات المسيح السّبع على الصّليب قبل موته، كما في صلاة الأبانا سبعة طلبات، ومواهب الرّوح القدس سبع، وأسرار الكنيسة سبعة، وأيام الأسبوع سبعة كذلك.
أمّا المجرمان اللّذان كانا على الجنبين، فقد شتمه أحدهما - وكان عن يساره – وطلب منه، إن رأى واقعه كان هو حقّاً ابن اللّه أن يخلّص نفسه ويخلّصهما، أمّا اللّص الثّاني- وكان عن يمينه - فقد عرف أنّه استحقّ الموت كجزاء أرضي تبعا لعدالة الأرض؛ أي من يفعل سوءاً يُجز سوءاً، ومن يفعل خيراً يجزَ خيراً. وهنا يظهر عندنا مفهوم الموت - العقاب لمن أساء، لكنّ الله بموت ابنه يسوع الخيّر، المحبّ قلب الموازين وغيّر هذا المفهوم القديم، حتّى انّه أجزى الخاطئ أي لصّ اليمين خيراً، بعدله الخاص في السّماء، المختلف جدّ الاختلاف عن عدل النّاس على الأرض؛ إذ إنّ النّاس يعتقدن أنّ محبّة اللّه لنا تكون بإطالة عمرنا الأرضي، وننسى الملكوت، مع العلم أنّ اللّه لم يعدْنا يوماً بحياة سهلة، بل وعدنا بالسّماء: " افرحوا، فأسماؤكم مكتوبة في السّماء ".
ثمّ ينتقل الأب ليطلعنا على ما شاركنا به يسوع في الإنسانيّة: من عذاب نفسي، إلى عذاب جسدي، إلى نكران الأصدقاء له، وافترائهم عليه، إلى شعوره بترك الرّب له، إلى موت...
كما يسترسل عبّود في الكلام عن آلام البشر، وعذابهم، وعملهم، وجهودهم التي يساوي فيها الرّب الجميع، حتى الخاطئين، فيعطيهم السّماء في اللّحظة الأخيرة، ولأنّه لم يعد الخيّرين بأكثر منها، يكافئهم والخطأة بالمكافأة نفسها. فرحمة الرّب عظيمة لعمّال السّاعة الأخيرة، وللتّائبين عن الإجرام في اللّحظة الأخيرة، ومن هذه الرّحمة نفسها، نستمدّ رجاءنا به.
أمّا عبارة: "اليوم تكون معي في الفردوس " فتجمع بين الزّمن: "اليوم "، والمعيّة مع اللّه:" معي"، والسّماء: "الملكوت". والزّمن يجمع الماضي والحاضر والمستقبل؛ الحاضر الإنساني بالزّمن، لا يُقبض عليه، أمّا حاضر الرّب فأبديّ لا ينتهي، لانّ الرّب حاضر ويعيش فيه، ذلك الماضي الذي يُذكّر الإنسان أبداً بماضيه، ويُحضّره للمستقبل. ولكي يعيش الإنسان لا بدّ له من العودة إلى ماضيه، لكن من دون التّوقّف عنده طويلاً؛ كما أنّنا علينا أن نتصالح مع ماضينا مهما كان صعباً ومؤذياً وأن نشكر الرّب عليه، حتَى نستطيع أن نعيش الحاضر بسلامٍ ونجاح. فهذا الماضي مهما ساء وهما حمل من شظايا جسديّة ونفسيّة ثابتة، لا بدّ من معالجتها حتّى يصطلح الحاضر.
أمّا الحاضر فهو ما يجب أن نعمل فيه ونعيشه ونقرع فيه باب السّماء، لأنّ الرّبّ أعطانا إيّاه، وجعل ماضينا تحت رحمنه. وقد جاءت كلمة " اليوم " في الإنجيل مراراً، طاوية صفحات الماضي، مُدوِّنة كلمات الحاضر: " اليوم وُلد لكم مخلّص " مع الرّعاة، " اليوم تمّ الخلاص في هذا البيت" مع زكّا. وتبقى معضلة: " اليوم تكون معي في الفردوس "،
و " قام في اليوم الثّالث "، فكيف يكون ذلك؟ وهناك اجتهادات كثيرة تتساءل فيما إذا كان المسيح قد عانى عذاب جهنّم مثل النّاس، هو البريء من كلّ خطيئة، هو " حمل اللّه "؟ هذا كلام مغلوط. ولكن الإنسانه محدود كونيّاً وفلسفيّاً، بالمكان والزّمان، ولا يمكن له أن يكون في مكانين اثنين في زمن واحد. إلاّ أن السّماء لا مكان فيها ولا زمان، وهي لا تُقاس بمقاييسنا البشرية الزّمانيّة، ولا تُدرك بمفاهيمنا الأرضيّة، وحريّ بنا أن نفهم من الإنجيل أنّ المسيح قد نزل إلى مثوى الاموات ورفع المائتين وصعد إلى السّماء.
أمّا عبارتا " معي" و" في الفردوس" فتختصران السّماء كلّها، لأنّ هذه الأخيرة ما هي إلاّ " معيّة اللّه". ومن يفضّل الخلود على الأرض في الخيرات من دون عذاب، على أن يموت ليعاين وجه اللّه، فهو لا يحبّ اللّه، لأنّ من يحبّ شخصًا، يسع إلى أن يراه، شرط ألاّ يكون هذا الأخير حاكماً عليه بالظّلم، وحاضراً ليذكّره بأخطائه، وشرطيّاً يحدّ من حريّته، والله، ما هو إلاّ محبّة وغفران ورحمة. والفردوس ما هو إلاّ كلّ ما يفرح.
ويختم الأب عبّود كلامه بلزوم أن نجيد الكلام مع الله حتّى نجيد الكلام عنه، وأن الله يذيقنا السّماء في ومضات حتّى نعرف ما ينتظرنا فوق.
ملاحظة: دُونت هذه المحاضرة من قبلنا بتصرف
تتمة..."الظهور الالهي"
مع الأب عبود عبود الكرملي.
4/1/2010
في البدء، تلا الأب عبّود صلاةً طلب فيها لنا أن ننمو بالنّعمة والحكمة والقامة كما نما يسوع وذلك من خلال التّعمّق في كلمة الحياة في الإنجيل وعيشها والعمل بها.
ثمّ قُرئت فِقَر من الإنجيل عن اعتماد يسوع، وتأمّل فيها الحاضرون، بعدها نوّه الأب عبّود بأهمّيّة "عيد الظّهور" أو " عيد الغطاس" في الروزنامة اللّيتورجيّة، وذكر بأنّ بعض الطقوس تعيّده مع عيد الميلاد في يوم واحد؛ وهذا أمر كان القدّيس "يوحنّا الذّهبي الفم" قد غيّره عندما فصل بين العيدين وعيّن لكلّ منهما تاريخاً خاصاً.
وانبرى الأب عبّود يطرح معظم الأسئلة التي تتناهى إلى أذهاننا حول هذا الحدث العظيم: ظهور الله وعماد ابنه. ومن هذه الأسئلة:
* لم اعتمد يسوع وهو إله؟
* لم اعتمد على يد يوحنّا وهو مثلنا إنسان يخطئ؟
* في أيّ سنّ اعتمد يسوع؟ ...
وأمّا الأهم فهو أنّ في هذا العيد ظهر يسوع علناً للنّاس، بعدما وُلد في الخفاء، على حدّ قول القدّيس "أوغسطينوس"؟، وقد قال القدّيس "يوحنّا الذّهبي الفم" موضّحاً الفكرة نفسها، ما كان أحد يعرف المسيح، وعرفه الجميع بعد المعموديّة. وعند اليونانيين، يعني هذا العيد ظهور الثّالوث الأقدس مجتمعاً وعلناً في المعموديّة، وذلك يتمثّل في صوت الآب الذي عبّر عن فرحه وانشراحه بابنه، ورفرفة الرّوح القدس بشكل الحمامة ، وحضور المسيح الابن في النّهر.
كما أنّ النّاحية الإنسانيّة في يسوع قد ظهرت في ميلاده، أمّا ألوهيته فقد ظهرت في عماده، وكلّ ذلك يشير إلى أنّ اسم العيد وأهمّيته يكمنان في " الظّهور"، ظهور طبيعتي المسيح الإلهية والإنسانية في آن، ولذا يتمّ تغطيس المعمّد بخاصّة في الطّقس الشّرقي. و هذا العيد امتداد للعهد القديم وارتباطه بالعهد الجديد، فقد قال "آشعيا" صاحب الإنجيل الخامس: "روح الرّب حلّ عليّ ولأجل ذلك مسحني وأرسلني لأبشّر المساكين ومنكسري القلوب".
ومن خلال قراءتنا لهذا الإنجيل نتذكّر معموديّتنا ومعموديّة أولادنا والأقارب، كون هذا اليوم وهذا العيد من أهمّ الأيّام في حياة المسيحي.
مّ عاد الأب إلى التّساؤل حول اعتماد المسيح البريء من كلّ خطيئة، على اعتبار مبدأ المعموديّة يقوم أولاً على مغفرة الذّنوب والبداية الجديدة. وبعد النقاش مع الحاضرين، عُرف أنّ معموديّة المسيح كانت دليل تواضع وتأنسُن له، بالإضافة إلى كونها ضروريّة، كون المسيح هو مرجعنا في حياتنا، فكما أنّه اعتمد، كذلك نحن نعتمد سائرين على نهجه وخطاه. كما جاء في النّقاش رأي يقول بانّ المسيح غير المحتاج للعماد، قد اعتمد ليحمل خطايا العالم كلّه. ونحن الذين اعتمدنا باسم المسيح قد لبسناه وصار حيّاً فينا. هذه النّعمة التي أُعطيناها، والتي لا تعمل فينا عملها إلاّ بالصّلاة وعيش الحياة المسيحيّة الحقّة التي تميّزنا ممن لم يعتمدوا.
ثمّ انتقل الأب عبّود عبود الى الكلام على شخصيّة يوحنّا المعمدان، الذي رفض بدايةً تعميد المسيح باعتبار أن يوحنا هو الذي عليه أن يعتمد على يد المسيح، والذي أولي هكذا مسؤوليّة وهو الإنسان العادي الخاطئ، والذي أُلهم في البرية بالمجيء إلى نهر الأردن ليعمّد النّاس لمغفرة الذنوب، وهو الذي تربّى مع المسيح وعاش معه.
وختم اللّقاء بصلاة شكر على نعمة المعموديّة، ونعمة المشاركة في هذا اللّقاء، مع ترنيمة "يا من تعمّدت في نهر الأردن"؟.
ملاحظة: دُونت هذه المحاضرة من قبلنا بتصرف.
.
تتمة..."القيامة في عظة الفِصح عند يوحنا الذهبي الفم"
الأب ابراهيم سعد
14/11/2009
يستهلّ الأب سعد موضوعه بالتّعريف بنفسه، فهو خادم رعيّة القدّيس نيقولاوس الأورثوذكسية بلّونه، متزوّج، وله ولدان: "وائل"، و"سحر". ثمّ ينتقل ليُعرّف بموضوع التّنشئة، وهو "عظة الفصح"، التي تلاها القدّيس "يوحنّا الذّهبي الفم" منذ القدم، ولا تزال تتردّد إلى اليوم في كلّ قدّاس فصح، في الطّقس الشّرقي. وأشار الأب سعد إلى أنّ القدّيس يوحنّا الذّهبي الفم، هو من الآباء الذين شاركوا في كتابة "القدّاس الإلهي"، وتوفّي في نهاية القرن الرّابع، وقد لُقّب بـ"الذّهبيّ الفم"، لِما كان يخرج من فمه من عظات موزونة، وكلام ثمين، وقد فسّر معظم الكتاب المقدّس بالوعظ، وكان تلاميذه يدوّنون ما كان يقول، وجُمعت عظاته وتفاسيره. ومن يقرأ هذه الأخيرة، يعرف أنّ ليست ذات طابع أكاديمي صرف، بل هي إرشاديّة، إيعازيّة.
وقد واجه الذّهبي الفم صعوبات جمّة، بسبب المؤامرات التي قامت ضدّه من قبل المطارنة ورجال الدّين حوله، بسبب الحسد والغيرة، من رجل لمع نجمه، وارتفع قدره بين النّاس، فقد كانت بعض عظاته خلال القدّاس تمتدّ إلى نحو السّاعة، والسّاعة والنّصف، ولكم صفّق المستمعون له بعد نهاية العظة تأثّراً بما قال وإعجاباً به. ولم يكن في وسع المُسيئين تشويه أعماله واقواله، فاتّهموه في شخصه وشوّهوا نمط عيشه، ومن التّهم التي اُلصقت به زوراً، تهمة استحمامه، وتناوله السّكاكر يوميّاً، وهذه ممنوعة في الحياة الرّهبانيّة، وهي دليل بطر دُنيوي.
وبالرّغم من ذلك كلّه فقد ازدادت عظاته انتشاراً، وحضوره تبلوراً، حتى سُمّي القرن الرّابع الذي عاش فيه، باسمه، لشدّة ما غيّر وقلب من المقاييس، وأثّر في النّاس.
ثمّ ذكر الأب سعد سبب اختياره هذه العظة موضوعاً لتنشئتنا الرّوحيّة، وهو كوننا قياميّين وفصحيين، وبسبب أهمّية توقيتها، وما فيها من مضمون غنيّ وبهيّ. ثمّ تلا الأب سعد علينا العظة .
“ من كان حسن العبادة ومحباً لله فليتمتع بحسن هذا الموسم البهيج . من كان عبداً شكوراً, فليدخل إلى فرح ربه مسروراً. من تعب صائماً, فليأخذ الآن أجره ديناراً. من عمل من الساعة الأولى, فلينل اليوم حقه بعدل. من قدم بعد الساعة الثالثة فليعيّد شاكراً. من وافى بعد الساعة السادسة, فلا شك إنه لا يخسر شيئاً. من تأخر إلى الساعة التاسعة, فليتقدم غير مرتاب. من وصل الساعة الحادية عشرة, فلا يخف الإبطاء فإن السيد كريم جوّاد, يقبل الأخير مثل الأول, و يريح العامل من الساعة الحادية عشرة مثل العامل من الساعة الأولى. يرحم الأخير, و يرضي الأول. يعطي ذاك, و يهب هذا. يقبل الأعمال, و يسر بالنية. يكرم الفعل, و يمدح النية. فادخلوا إذاً كلكم إلى فرح ربكم. أيها الأولون و الأخيرون، خذوا أجوركم. أيها الأغنياء و الفقراء, اطربوا معاً فرحين. أمسكتم أو توانيتم, أكرموا هذا النهار. صمتم أم لم تصوموا, افرحوا اليوم. المائدة مليئة فتمتعوا كلكم, العجل سمين وافٍ فلا يخرجنّ أحد جائعاً. تمتعوا كلكم بوليمة الإيمان. تمتعوا كلكم بوليمة الصلاح. لا ينوحنّ أحدٌ عن فقر. فإن المملكة العامة قد ظهرت. لا يندبنّ أحد على إثم. فإن الفصح قد بزغ من القبر. لا يخف أحد الموت, فإن موت المخلص قد حررنا. فإنه أخمد حين قبض الموت عليه, و سبى الجحيم بنزوله إليه, مرمره لما ذاق جسده. هذا ما سبق إشعيا و نادى به قائلاً: تمرمر لما التقاك أسفل. تمرمر لأنه بطُل. تمرمر لأنه هزىء به. تمرمر لأنه قد أميت. تمرمر لأنه قد أبيد, تمرمر لأنه قد ربط. تناول جسداً فصادف إلهاً, تناول أرضاً فألفاها سماء. تناول ما نظر, فسقط من حيث لم ينظر. أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتك يا جحيم؟ قام المسيح و أنت صرعت. قام المسيح و الجن تساقطت. قام المسيح و الملائكة جذلوا. قام المسيح و الحياة انبعثت. قام المسيح من الأموات فصار باكورة الراقدين. فله المجد و العزة إلى دهر الداهرين آمين.
وقسمها قسمين: الأوّل فيه توجّه إلى النّاس، عملوا منذ اليوم الاوّل أم عملوا في اليوم الأخير، صاموا أم لم يصوموا، كلّهم يستحقّون أن يحتفلوا ويفرحوا، يتنعّموا بخير الرّب على حدّ سواء، فالرّب عادل، يرحم المتلكّئين، ويرضي المثابرين، لأنّه جوّاد كريم، عدله إلهي لا بشري. وفي هذا القسم، تسبّب باستياء المثابرين والعاملين منذ اليوم الأوّل، المساوين مع المتأخّرين والمتلكّئين. أمّا القسم الثّاني ففيه تمجيد، وإظهار لحقيقة عرس القيامة وفرحها.
وأشار الأب سعد إلى اقتباس الذّهبي الفم لفكرة القسم الأوّل من العظة، من إنجيل القدّيس "متّى"، ومثل الفعلة والكرّام، الذي اختار عمّالاً بَدؤوا عملهم باكراً، وبعد ساعات اختار آخرين ليعملوا معهم، وآخرين أتوا بعد هؤلاء بساعات ليعملوا كذلك.
وفي آخر النّهار أعطى ربّ العمل الفئات الثّلاث من العمّال الرّاتب نفسه، فاحتجّ واحد من فعلة الصّباح على ذلك، واتّهموه بغير العدل. فأوضح لهم ربّ العمل جحودهم، وكونهم يتنكّرون لنعمة العمل التي أمّنت مساءَهم وأراحت نفوسهم باكراً، وكونهم ينظرون في لقمة الباقين ممّن دفعوا أوّل يومهم قلقاً، وحسرةً، على مسائهم المجهول. وقد رفض المسيح هذا الاعتراض رفضًا ولم يحتمله. وهذا المثل يجسّد صراع الكنيسة الأولى منذ القدم، لأنّ المسيح ساوى بين مؤمنيها الذين ساروا مع الرّب منذ البداية، وهم الشّعب المختار، وبين الوثنيين الذين آمنوا بعد مجيء المسيح، أي وصلوا في آخر النّهار.
وقد اختار يوحنّا الذّهبي الفم أن يتلو هذه العظة في أحد الفصح، لأنّه يعتبره اليوم الأخير في حياته، كما يعتبر القيامة نهاية العالم، ويوم القيامة هو "اليوم الثاّمن"، من خارج روزنامة الزّمن، أدخله الرّب بمحبّته حياتنا، رأفةً بنا. وبرحمته الواسعة، أظهر لنا الله كيف تكون قيامتنا عبر إقامة الرّب يسوع البريء من كلّ عيب وخطيئة، من الموت، باكراً جدّاً، أي ليس في اليوم الأخير كما كان مقرّراً في ذهن الرّب.وفي يوم القيامة، يوم الفصح، لا مجال للحزن، والتّأسّف، والنّدم، وعلى الجميع تناول الفصح، مهما عظمت خطيئتهم.
وانتقل الأب سعد إلى تفسير القسم الثّاني من العظة، متوقّفاً عند قتل المسيح للموت، ومحوِه لهذا الدّهليز الذي يبتلع النّاس، وتحويله إلى رجاء، وتمرمُر الجحيم عند ابتلاعه جسد المسيح الطّاهر،البريء من كلّ خطيئة، "ذو اللّحم المرّ"، على عكس أجساد النّاس المليئة بالخطايا والتي يلذّ للموت ابتلاعه.
بعد الفصح، كلّ شيء يتغيّر، فالقيامة عرس لا ينتهي، وتبقى أبواب الكنائس مفتوحة، ويرتدي الكاهن كامل زيّ القدّاس عند تلاوته لأبسط صلاة، احتفالاً بالعرس اللاّمتناهي، والفرح اللاّمحدود.
بعد القيامة، تنتهي كلّ التّساؤلات التي كانت تُطرح قبلها، وتفتح رحمة الرّب للكلّ، المجال إلى دخول فرحه.
ملاحظة: دُونت هذه المحاضرة من قبلنا بتصرف
تتمة..."الموت والقيامة عند الازائيين"
الخوري جوزف سلوم
14/11/2009
يستهلّ الخوري سلّوم موضوعه بالتذكير بأنّ الكتاب المقدّس يُقسم إلى قسمين: "العهد القديم"، و"العهد الجديد"، ويتألّف هذا الاخير من سبعة وعشرين كتاباً، بينها الأناجيل الأربعة، وتلحق بها "أعمال الرّسل" ورسائل "مار بولس"، وغيرها، انتهاء بـ"رؤيا يوحنّا".
ويشير الخوري سلّوم إلى أنّ كلّ تنشئة هي تتلمُذ، نتمثّل فيه بصورة العذراء عند أقدام المسيح، كذلك نحن نرتمي عند أقدامه لنتعلّم، ونتتلمذ.
وينتقل الخوري سلّوم إلى أناجيل الإزائيين، موضوع التّنشئة، وقد سُمّوا بالإزائيين، لتشابه الأحداث في أناجيل كلّ من :"متّى"، "مرقس" و"لوقا".ويقول الخوري، إنّ انطلاقتنا في موضوعنا، هي في موت المسيح، الذي تنبّأ به هذا الأخير، عندما جمع تلاميذه، وانفرد بهم، بعيداً عن النّاس الذين، عرف المسيح إنّهم لن يفهموا، وقال لهم: "سيُسلّم ابن الإنسان إلى الأحبار، فيحكمون عليه بالموت"، وهذه النّبوءة، تتكرّر عند كلّ من الإنجيليين الثّلاثة، في آيات وفصول مختلفة.
أمّا النّبوءة الأولى للقيامة، فكانت عبر دهن مريم المجدليّة أقدام المسيح بالطّيب، ما يدلّ على خلود المسيح. والثّانية، كانت في نبوءة "يونان"، الذي تكلّم عن حوت ابتلع يونان لمدّة ثلاثة ايّام، ثمّ قذفه إلى الشّاطئ في اليوم الثّالث، تنبّؤاً بالقبر الذي سيقفل على المسيح، لكنّه يعود ويقوم في اليوم الثّالث.
أمّا الآلام، في خميس الأسرار، فيتكلّم الإنجيليون فيها عن كلّ أحداث الآلام، من المؤامرة والخيانة، والفصح، وإنكار بطرس ليسوع، وصلاة يسوع في بستان الزّيتون، وتسليمه، ومحاكمته، وموته، وهذه مشتركة عند الإنجيليين، ويضيف لوقا، اللّصين، وتكون شمعة لصّ الشّمال مطفأة يوم الجمعة العظيمة، وتضاء شمعة لص اليمين عند ذكر: "اذكرني في ملكوتك"، "اليوم تكون معي في الفردوس".
أمّا في ما يخصّ قيامة المسيح، فتأتي في إنجيل متى 28، رشوة الرّؤساء للحرّاس لكي يشهدوا بالزّور، ويقولوا إنّ تلاميذ يسوع قد سرقوه، وإظهار المسيح لذاته أمام تلاميذه، وإرسالهم. ويضيف مرقس "الصّعود" في الفصل 16. لكنّنا نجد في إنجيل لوقا 24، زيارة النّساء للقبر، ويتفرّد هذا الإنجيلي بالتّرائيّات، وكيف يظهر يسوع لتلميذي عمّاوس، فيدعوانه للمكوث عندهم‘ إذ حلّ اللّيل، ويكسر الخبز أمامهم، فيعرفون أنّه المسيح. ونرى المشاهد الثّلاثة الأهمّ في حدث القيامة: "مريم المجدلية التي عرفت المسيح من صوته"، وهذا الصّوت بالذّات هو الذي يعرّفنا بيسوع، أي الإنجيل، " وتلميذي عمّاوس اللّذين عرفاه عند كسر الخبز والاختفاء"، لأنّنا نلتقيه في القربان، و "توما الذي ما صدّق أنّه المسيح، إلاّ عندما طلب إليه هذا الأخير أن يضع إصبعه في جنبه ليؤمن،
لكنّ توما لم يضع إصبعه، بل سجد وتلا أجمل فعل إيمان: "ربي وإلهي". وصار يسوع حاضراً في آلام النّاس وأوجاعهم.
نستخلص إذاً ثلاثة عناوين للقيامة: " الإنجيل، الإفخارستيا، آلام النّاس"، وإن نحن لم نعمل بحسب هذه العناوين في حياتنا، فمسيحيّتنا باطلة، لأنّ وجه يسوع موجود في هذه الثّلاثة.
والسّؤال المطروح: "لمَ سُلّم البريء للمحاكمة؟". هناك أربعة أسباب دفعت بالنّاس ليتآمروا على المسيح، ويقفوا ضدّه، وحتّى المتخاصمين اتّفقوا ضدّه. والأسباب هي:
• التّعدّي على الشّريعة: الشّفاء يوم السّبت، لأنّ الإنسان أعظم من الشّريعة.
• التّهديد بهدم الهيكل: و التحدّي ببنائه في ثلاثة أيّام، وقد قصد فيها المسيح قيامته وانتصاره في اليوم الثّالث، هو الهيكل الجديد.
• إقامة ألعازر صديقه من بين الأموات: بعد أربعة أيّام كان يسوع فيها غائباً، وفي الحالة الطّبيعيّة يبدأ الجسد بالتّحلّل، إلاّ أن ّ المسيح أقامه سليماً من الموت، ووقع جدال له مع الصّدّوقيين غير المؤمنين بالقيامة.
• مغفرة الخطايا: عند شفائه المخلّع، بعد غفرانه خطاياه، و تململ الفرّيسيين واعتراضهم على هذا السّلطان الذي لا يملكه إلاّ اللّه، و هنا يدعو لمسيح المخلّع للانطلاق والقيامة: "قم" واحمل سريرك، وامش.
يعلّمنا إذاً، "موت" يسوع، و"قيامته"، أنّ ليسوع طبيعتين: بشريّة، تخاف الموت:"أبعد عنّي هذه الكأس"، وتموت حقّاً، لكن لا تدركها الخطيئة ولا الفساد، "وإلهيّة" تنتصر على شوكة الموت، وتغلب الجحيم.
فالمسيح لم يلغ الموت، بل أعطاه بعداً جديداً مليئاً بالرّجاء.
المسيح انتصر على الموت، وخلّصنا من الخطيئة، وصالحنا مع اللّه.
المسيح بموته، هيّأ لنا مكاناً عن يمين اللّه.
المسيح بموته، حمل بشرى للسّاكنين في أعماق الظّلمات.
وقد أبرزنا بعد هذه اللّمحة الموجزة على الأناجيل الثّلاثة، أنّنا إن أردنا أن نتكلّم في الموت والقيامة، فما علينا إلاّ الكلام عن موت وقيامة المسيح.
وإنجيل "متّى"، على وجه الخصوص، يُمكن أن يُلقّب ب"إنجيل الملكوت"، لتنامي هذه الفكرة فيه، من بدايته حتّى نهايته. ويختار الخوري سلّوم الكلام على فكرة "الموت-الشّهادة" في إنجيل "متّى"، من:
* مقتل أطفال "بيت لحم" الأبرياء: لماذا موت الأبرياء من أجل يسوع؟ والإجابات عن هذا السّؤال كثيرة، لكن يبقى موت هؤلاء سرّاً، لأنّ الرّب لا يهتمّ للسّنّ عندما يأخذنا إليه، بل يهتم لكوننا بمعيّته. وموت الأطفال هذا هو مشاركة مسبقة بسرّ الفداء الذي كُشف بموت المسيح على الصّليب، تكفيراً عن خطايانا.
* الاضطهاد: "سيُسلم الأخ أخاه إلى الموت"، وهذه معضلة أخرى.
* قطع رأس "يوحنّا المعمدان": شهادة لأعظم ما في مسيحيّتنا "يسوع المسيح".
إذ من الافضل لنا، أن يوضع رأسنا على طبق، على ان نحمله شاهدين ضدّ الرّب.
* مثل الكرّامين القتلة: الذي حمل نبوءة بموت يسوع.
* عظة التّطويبات: متى 5 (1-12)
* الشّفاءات: تخليص من الموت.
وعرفنا من خلال هذه الشّفاءات أنّ الملكوت خال من الألم، والمرض، أي عرفنا ما في الملكوت.
* السّؤال عمّا إذا كان يسوع هو المسيح المنتظر: والإجابة بأنّ العمي يبصرون، والموتى يقومون، وهذه صورة عمّا في الملكوت.
* لا تخافوا ممّن يقتل الجسد: خافوا ممّن يقتل الرّوح، وفي هذه المقولة نبوءة، عن الخوف من الموت الثّاني، أي الجحيم، أي عدم التّواجد مع الرّب.
* تعاليم يسوع حول قيامة الأموات متى 22: جدال المسيح مع الصّدّوقيّين الذين لا يؤمنون بـ "قيامة الموتى"، ويسألونه عن المرأة التي تزوّج مرّات عدّة بعد موت كلّ من أزواجها، فلمن تكون المرأة في الملكوت؟ فيجيبهم يسوع بأنّه في الملكوت: "لا زواج ولا تزويج"، بل يكون النّاس "مثل ملائكة في السّماء". ونجد في إنجيل متى 24-25 كلاماً عن الملكوت: خراب الهيكل، قيامة أمّة على أمّة، اندلاع حروب، مجيء ابن الإنسان، كالبرق، ولا أحد يعرف لا الوقت ولا السّاعة، لأنّ الموت يبعثر المشاريع الإنسانيّة الموقوتة جميعها، ولكنّه ليس مفاجأة للمتحضّرين، المؤمنين، المستعدّين، الذين يحيون مع اللّه. ويشدّد متّى على :السّهر، التّوبة، حسن الانتظار، الأمانة للرّب.
ويشدّد متّى في إنجيله 25 على مثل العذارى الحكيمات، والعذارى الجاهلات، واستعداداتهنّ لملاقاة العريس. ويقول إنّ الموت عرس، أي دعوة إلى فرح، ويسوع هو العريس. كما يبيّن متى في إنجيله الدّينونة العظمى، وتمييز الخراف من الجداء. وتتبيّن شروط الدّخول إلى الملكوت في إطعام الجياع، وزيارة المرضى وغيرها من أعمال الرّحمة.
ويتطابق إنجيلا متى ومرقس في الكلام عن القيامات الثّلاث: من ألعازر، إلى ابنة يائيروس، إلى ابن أرملة يائير حيث يمتدّ يد يسوع القديرة، المملوءة مراحم، على موكب الحزن، فتحييه وتفرحه بالقيامة أي بالالتقاء بموكب يسوع. ويختلف لوقا بإنجيل الشّيخ الذي قال: "اليوم تطلق عبدك بسلام، لأنّ عينيّ أبصرتا خلاص إسرائيل". كذلك علينا أن نتمنّى ألاّ نغادر الدّنيا من دون أن نعرف معنى الخلاص، من دون أن نعرف "يسوع".
فالتقاء موكب حزننا، بموكب فرح يسوع، هو الدّعوة إلى القيامة، هو الدّعوة إلى الرّجاء.
أمّا مشهد "تجلّي" يسوع على الجبل في أبهر وأجمل صورة، هو صورة عن الملكوت، عن السّماء، حالة النّور، وغفو الميت في الأنوار.
أمّا مشهد الغني وألعازر لوقا 16(19-21)، فيدلّ إلى تساوي النّاس كلّهم في الموت، لكنّ الغني مجهول أمّا الفقير فاسمه ظاهر، وحملته الملائكة بعد الموت إلى حضن ابراهيم، لكنّ الغني دُفن وقُبر.
ومع هذين المشهدين، ختم الخوري سلّوم موضوعه، مُذكّراً بحتميّة الموت، وواجب الاستعداد له، والنّظر إلى وجهه الإيجابي بالرّجاء بيسوع المسيح المنتصر عليه.
ملاحظة: دُونت هذه المحاضرة من قبلنا بتصرف.
تتمة..."دور الضمير الشخصي في أخذ القرارات المسؤولة – القسم الثاني"
الأب ادكار الهيبي
ضمن برنامج التنشئة لمرافقة المرضى
7/2/2009
المقدمة : لطالما نسمع عن الضمير وعن أخلاقيات التعامل مع الآخر، وتكثر النظريات في هذا الموضوع. لكن أيّها
نتبنى؟ سنحاول في هذه المحاضرة أن نحدّد ما هو الضمير؟ ما هو دوره؟ هل هو موجود؟ هل يمكن تغييبه؟
كيف يعمل فينا هذا الضمير؟ وكيف يؤثر على القرارات التي نتخذها في حياتنا؟ وأخيراً سنتناول ما علاقة
الضمير بمرافقة المرضى؟
يتّسع عنوان محاضرتنا حتّى يتخطّى حالات المرضى المسنّين ليشمل كلّ إنسان...كلّ حياة...تلك الأمانة القيّمة، الثّمينة التي أودعنا إيّاها الرّب حتّى ندرك قيمتها، فنحافظ عليها...
و"الضّمير"، ذلك العنصر الأساسيّ في كيان كلّ إنسان، وأحد مقوّماته البشريّة، إنّما هو صوت الآخر، صوت المجتمع، صوت من سبقنا...هو ذلك المكان في أعمق أعماق ذاتنا الذي يرشدنا إلى الطريق السّليم، طريق حسن تمييز الخطأ من الصّواب الذي رسم سابقونا قواعده، ووضعوا مقاييسه- طريق الحقيقة. فهو موجود لا يمكن تغييبه، حتى ولو كان الإنسان ملحداً أو مجرماً.
الضمير إذا هو وعي يتناول ثلاثة أبعاد:
*الوعي الوجداني:" يعني أنا موجود ، وأعي أنني موجود؛ وهذا ما يميزني عن الحيوان الذي هو مبرمج على عكسي أنا لأنني حر. الله موجود على مستوى الوجدان الشخصي الذي يدفعنا دائما إلى الأمام وإلى إيجاد معنى لكل ما نعيشه وهو الذي يدلنا دائما على الحقيقة، على الأخوة، على الجمال، على الفرح، على الإنسانية، إلخ..
*الوعي النّفسي: هو تراكم الوعي الوجداني وهو يتكون مع اختبارات المرء على مر السّنين، منه ما يصبح وعيا ومنه ما يبقى على صعيد اللاوعي.
* الوعي الأخلاقي:" هو المكان الذي نتفاعل فيه مع نوعين من الأصوات: صوت الله في الوعي الوجداني واختباراتنا الشخصية. وهو مجموعة القيم والمبادئ والقواعد التي تنقل لي وأنا بدوري أفهمها وأختبرها وأنقلها لغيري وهذا ما ينمي وجداني. إذا هناك علاقة متبادلة بين المستويات الثلاثة للوعي، فكل مستوى يغذي المستوى الآخر ويتغذى منه.
إن كلّ إنسان هو مشروع انكشاف الرّب فيه ومن خلاله، وبما أنّ المسيح وحده الإنسان الكامل، نحن مدعوون لتحقيق الانسانيّة الكاملة فينا؛ وهذه الأخيرة تتبلور في اختيارنا الصّدق سراطا مستقيما في حياتنا، ننقله إلى الآخرين، ضمن قواعد وقيم محدّدة، هي نتيجة اختبارنا الوجداني الواعي.
وتبعا لذلك، يمكن لنا التّأثير في الآخرين ( أولادنا-إخوتنا-أصدقائنا )، لكنّ أحدا منّا لا يستطيع احتلال ضمير الآخر...ضميرنا يختصر وجعنا، حاجاتنا، فشلنا، نجاحنا، موتنا، ولا أحد منّا يمكنه عيش ذلك عن الآخر، إنّما الألم خاصّ بكلّ منّا، وهو سبيل حياة وموت وتوبة مع الذّات بلورة للنّفس حتّى تلاقي الرّب...
أمّا إخفاء الطّبيب وأهل المريض حقيقة خطورة المرض على صاحب المرض نفسه، خوفا من إزعاجه أو إرباكه، هو هرب وفرار من المسؤوليّة، وحماية لهم من ردّات الفعل التي ستزعجهم، وتلك هي أعلى ذرى الضعف والأنانية، ومن واجب ضمير المرافق أن يعي عمق مسؤوليّته تجاه المريض، فيطلعه على حقيقة وضعه...
نهاية، صوت الضّمير هو كلّ ما اختبره الآخرون بوجدانهم، ترجموه، وفهموه وحدّدوه بنظم وقواعد وتناقلوها فوصلتنا حتّى ننمّي وجداننا...وقد قال المسيح: "قيل لكم، أمّا أنا فأقول: ما جئت لأنقض بل لأكمل"...وهو الكامل إنسانيّا، وهو الذي سعى لا إلى نقض وجداننا الإنساني من خلال الشّريعة، بل إلى ملء الفراغ وسدّ النّقصان في العهد القديم، عبر اختباره الوجداني الخاص لله...
ملاحظة: دوّنت المحاضرة من قبلنا بتصرّف
تتمة..."الموت والقيامة في رسائل بولس"
الأب أيوب شهوان
12/1/2009
استهلّ الأب أيّوب شهوان محاضرته بنبذة حول تكهّنات الشّعوب لما بعد الموت، لشدّة خوفهم من المجهول، غير المُتَصَوَّر، وذاك الغامض السّرّي الذي ما استطاع أحد
منهم كشف كنهه، أو التّكهّن بما يخبّئه له.
فالشّعوب على اختلاف أديانها، وانتماءاتها، وعاداتها، ما قبلت يوماً بواقع الموت-النّهاية، الكلّيّة للرّوح والجسد معاً، وحاولت بشتّى الطّرق والوسائل، تخليد الأجساد مادّيّاً، أو إيجاد مخارج ميتافيزيقيّة، أو روحيّة، أو فلسفيّة، ترفض اضمحلال الرّوح مع تلاشي الجسد. فمنهم من حنّط الأجساد توقاً للبقاء، كالمصريين القدامى، ومنهم من شيّد أعلى الأضرحة تكريماً للميت.
لكنّ جوهر فهمنا للصور التي استخدمها القدّيس بولس في عظاته وكلامه عن هذا الموضوع، ينطلق من اطّلاعنا على كيفيّة تعامل اليهود مع هذا اللّغز. فقد بكى هؤلاء موتاهم، وكرّموهم، وعانوا مرارة الفراق، ككلّ الشّعوب الأخرى، وتوصّلوا أخيراً إلى القول بأنّ مصير الأجساد بعد الموت هو الجحيم -ونفرّق بين الجحيم أي مكان استقرار الموتى، "الشِّيُول"، الذي لا رجعة منه، و بين جهنّم حيث النّار والحريق والعذاب- .
وبين سنة 167 و163 ق. م.، وقعت الحرب بين اليهود وبين جيش أنطيوخوس إبّيفانوس، ذهب ضحيّتها الكثير من الشّهداء عند اليهود، فاحتار القوّاد ماذا يقولون للأمّهات اللواتي فقدن أولادهنّ، والزّوجات اللاواتي فقدن أزواجهنّ، والأطفال الذين فقدوا آباءهم: ماذا جرى لهؤلاء بعد موتهم؟ أين ذهبوا؟ فكانت تلك المرّة الاولى التي يتصوّر فيها اليهود مخرجاً من ورطة الموت وما بعده، فكان قولهم بـ"الاستشهاد" كمصطلح جديد، و"الحياة الأخرى" التي سُمع بها يومها للمرّة الأولى عندهم.
ولكنّ هذا التّفكير لم يتبلور إلاّ بعد اختلاطهم باليونانيّين الذين ميّزلوا بين الجسد والرّوح، الأوّل يبلى أما الثّانية فتتحرّر منه وتعيش، وجاء ذلك في سفر الحكمة الذي كتبوه. ثمّ جاء المسيح ليقول إنّ الجسد يمكن أن يهلك، أمّا الرّوح فلا.
ولكن، لِماذا الكلام على خلود النّفس؟
لأنّ سفر التّكوين يفيدنا، أنّ الرّب، عندما جبل الإنسان من التّراب على صورته ومثاله، بقي هذا الإنسان جبلة جامدة، إلى نفخ اللّه في أنفه من روحه، فصار كائنًا حيًّا. فكما أنّ الرّب خالد مدى الأزمان ولا يموت، كذلك روحه، ونَفَسُه الذي يدخل فيه، لا يموت. إنّ اللّه يُنزِل غضبه على كلّ مَن يمسّ الرّوح لأنّها ملكه وحده، كما فعل مع قايين الذي قتل أخاه هابيل.
وينتقل الأب شهوان إلى الإشارة إلى أنّ تعاليم مار بولس في ما يخصّ الموت والقيامة، ترتكز على مصدرين هما: تعاليم اليهود، من جهة، وتعاليم الرّب يسوع، من جهة أخرى، هو الذي كان عالماً كبيراً في أورشليم، متعمّقًا في التّعليم العقائديّ اليهوديّ، وما علّمه إيّاه يسوع بعد ارتداده على طريق دمشق، ثمّ عرض تعاليمه على الرّسل. هو يقول بوجود موت الجسد ضمن النموّ الطبيعيّ للإنسان، من الولادة وحتّى الشّيخوخة، فالموت.
وقد تبدّلت نظرة القدّيس بولس إلى الشّريعة بعد ارتداده؛ فقد كانت بنظره النّور والفخر والطّريق والدّرب السّليم نحو الحقّ، وكانت هي الآتية بالخلاص إذا ما طُبّقت.ولكن، وبعد ارتداده، آمن أنّ المسيح هو الطّريق والحقّ والحياة، وهو المخلّص الوحيد، لا الشّريعة لأنّه لا يمكن لإنسان تحقيقها وعيشها كلّها بحذافيرها، مع ما فيها من وصايا؛ فإنْ هو خالف إحداها، فكأنّه خالفها كلّها، وهذا مقيِّد، لا محرِّر.
فالشّريعة صارت بالتالي سبباً للموت، لأنّ الإنسان ضعيف، والشّريعة تخنقه، لكنّ الرّب يسوع أتى بشيءٍ جديد، ألا وهو التّقوّي بقوّة الإنجيل، وبالرّوح القدس. فشهداء المسيحيّة كانوا يمضون الليلة السابقة لاستشهادهم بتلاوة المزامير والترانيم، وذلك لأنّهم كانوا مملوئين قوّة، وحبًّا للمسيح، لا يخشون الموت لأنّهم كانوا متأكّدين من أنّهم سيشاهدون وجه أبيهم الذي في السماوات. ولكم زلزلت هذه المزامير والترانيم جدرانَ الزّنزانات والسجون، وخلّعت أبوابها، وكلّ ذلك لأنّها كانت تصدر عن مسيحيّ مؤمنٍ إيماناً ثابتاً بيسوع المسيح. فالإنسان المملوء إيمانًا ونعمة هو بذات الفعل مملوء نعمة وحقًّا وقوّة.
وجواباً عن سؤال، قال الأب شهوان: لِمَ الموت؟ لقد مات المسيح على الصّليب بعدما صار بشراً مثلنا، ليحمل خطايانا ويرفعها عنّا، وذلك لأنّ آدم وحوّاء ونسلُهما من بعدهما قطعوا العلاقة مع اللّه عندما بمخالفتهم أوامره، فكان العقاب المرّ والأليم. ولمّا قام المسيح يسوع من الموت، في اليوم الثّالث، وهو باكورة الرّاقدين، انتصر بذات الفعل على الموت، وحرّر آدم وبنيه من قيد الشّريعة التي لم تعطِ الحياة، بل الموت، لأنّه لا أحد يستطيع أن يعمل بكلّ أوامر هذه الشّريعة ونواهيها. ويربط القدّيس بولس حدث قيامة يسوع بالظهورات التي تلتها، والتي جعلت المريمات والرسل يصدّقون ويؤمنون. وبما أنّ "المسيح قام، فالموتى أيضاً يقومون"، لأنّه بموته أمات الخطيئة، وبقيامته ردّ الحياة لبني البشر.
ملاحظة: دُونت هذه المحاضرة من قبلنا بتصرّف.
معنى الجسد والألم
القسم الثاني
بقلم الأب ألبير عساف المريمي
27/9/2008
اعتاد المسيحيون على قراءة اسم عدو الخير منذ الصفحات الأولى للكتاب المقدس، خصوصاً في كتاب سفر أيوب وفي العهد الجديد حيث يظهر بمظهر العدو الذي يحارب ويعاكس عمل الله والروح...
ولكن هل هو شخص أم هو رمز لقوى الدمار والخراب والتفرقة والإفتراء والشرّ...؟
يرى معظم اللاهوتيون أنه ليس شخصاً بل هو هذه القدرة على عمل الشرّ التي تسكن في العالم وفي الإنسان. اما فكرة أنه ملاك ساقط يجرنا على عمل الشرّ فربما تعود بنا وتقودنا الى تيار المانوية.
كما ولا نستطيع أن نُسلم جدلاً بأنه روح متمرد قوي، يقوى على الإنسان... فنقع حينها في القدرية.
إن الإيمان المسيحي والكتاب المقدس أعلنا بوضوح أن الإنسان هو المسؤول عن الخير كما عن الشرّ الذي يفعله.
إذاً كما قلنا سابقاً وكما يرى معظم اللاهوتيون أن الشيطان هو هذه الجاذبية التي فينا والتي تقودنا لاستعمال سيء لحريتنا.
ولكن لماذا يوجد هذا الميل فينا؟ فلا جواب على هكذا سؤال، فنحن أمام سرّ... ما نعرفه أن الشيطان ليس شرحاً للخطيئة الأصلية!
ولماذا لا يتدخل الله؟ بما أنّه الخالق والكلّي الصلاح؟ ولماذا تحمّل مخاطرة خلق الإنسان في حين أنه يستطيع أن يستعمل حريته لعمل الشرّ وافتعال الآلام والبؤس؟
لماذا لا يتدخل الله كما يتدخل الأهل مع أولادهم؟ إذاً هو راضٍ عن عمل الإنسان الشرير ! ويعني أنه مشارك له؟!
الجواب على هذه التساؤلات يبقى عند الله ولكننا نستطيع أن نقدم بعض الخواطر في هذا الشأن :
أولاً : إذا ما قارنا الله مع الأب، فهو بالرغم من علمه باحتمال وقوع المظالم والشرّ، فهو لا يستطيع أن يحجب عن أولاده الحياة.
ثانياً : الله لا يسيّر حياتنا ومستقبلنا، إذ لا يعود لنا أي فضل لأي عملٍ ونجاحٍ، كما ولا تقع علينا المسؤولية بأي إخفاق.
ثالثاً : الله محبّة ولهذا يحب الإنسان ويحترم حريّته حتى النهاية.
إنّ الشرّ "وجودي" أي مرتبط بمجرد وجود الإنسان وهو شرط طبيعي لوجود الإنسانية، لهذا فالإنسان مرتبط بالشرّ بالموت وبالفناء. وهو، أي الإنسان سريع العطب، كائن صيرورة موجه بالحياة نحو التطوّر والتغيّر وهذا ما يعرضه لمخاطر آلام المجهول! لهذا فكلّ مرحلة نمو في حياته مرتبطة بنوع من الوجع والألم والموت والإنسلاخ منذ الولادة ثمّ الإنتقال الى مرحلة الرشد ثم الإنفصال عن البيت الوالدي والمسؤولية الزوجية والعائلية أو الكهنوتية والمكرسة...
Denis Vasse “une vie, sans souffrance, sans la vivante référence à la mort que toute souffrance implique, serait une vie de rêve, irréelle et sans poids ».
هذا يجعلنا نسأل : أن الله الكليّ المحبّة لماذا لم يفعل شيئاً ولم يرد أن يمرّ كل طريق الإنسان بهدوء ومن دون ألم؟
لقد حمل لنا الصليب بحق أن الله معنا، فلقد تبنّى بإبنه حالتنا وشارك طبيعتنا بمحدوديتها الأكثر ظلاماً وألماً... كما يقول Jean Laborrier "عندما أنظُر الله – الإنسان، المتألم في جبل الزيتون والمستمرّ على الصليب، أفهم أنّ الله لم يعد غير مبالٍ بآلامنا، بل قد اتخذها وأصبح بها شريكاً لنا. لهذا فهو من خلال آلامنا يبيّن لنا أنه هنا ليفهمنا ولكي يساعدنا، لهذا لا أعيش آلامي كثورة ضده بل أعيشها معه كرجاء. فأنا مدعو من خلالها أن أكون مشاركاً كلّ المتألمين وحاملاً معه كلّ الآلام".
أما بحسب Claudel " لم يأتِ الله ليلغي الألم، ولم يأتِ ليشرحه، بل أتى ليملأه من حضوره".
بالصليب يُدعى المؤمن الى الكفاح مثل المسيح ضدّ كلّ أشكال الألم والشرّ فيه ومن حوله.
بالصليب اشترى الله - الآب بابنه الإنسان للملكوت، فكان من خلال الآلام والقيامة عبارة حب الله القصوى للإنسان. فبالحبّ خلقه وبالحبّ عينه حمل ألمه وحرّره.
إذاً على المسيحي تقبل الألم دون ان يسعى اليه، ولكن هل يستطيع رفض هذا التقبل؟ وهل يجوز لنا أن نجادل الله عندما نواجه اختبار الألم رافضين متذمرين أو نقبله بطاعة واستسلام؟
نسمع عادةً القول : "نتألم مع المسيح أو من أجل آلام المسيح..."
فإن قصدنا أننا نتألم معه تكفيراً عن خطايانا فنحن نتبنى فكرة عقاب الخطيئة الشخصية بالألم، وهذا ما يطرح مشروعية التساؤل عن ألم الأبرار ويجعل من الله مصدراً للألم!
أما إن قصدنا أننا نساهم مع المسيح في مصلوبيته، ففي ذلك اعتبار أن موت المسيح وحده لم يكن كافياً للخلاص وبآلامنا نحن ندعم هذا الفعل الخلاصي، ما يعني أننا متساوون مع المسيح بألوهيته!
جواباً على كلّ هذا هي كلمة الله الحاسمة : 2 تيموتاوس 1/7-8، يظهر موضوع الألم موضوع انجيلي "كرازي" بحتّ : "فلا تستحي بالشهادة لربنا ولا تستحي بي أنا أسيرُه، بل شاركني بالآلام في سبيل البشارة، وأنت متكل على قدرة الله الذي خلّصنا ودعانا دعوة مقدسة".
وفي روما 8/18 : "فإذا كنا نحن أبناء الله فنحن ورثة : ورثة الله وشركاء المسيح في الميراث لأننا إذا شاركناه بآلامه فسنشاركه بالمجد أيضاً".
أي إننا عندما نبلغ قعر لجة الآلام نسأل يسوع- المتألم الوحيد لمجد الآب – أن يهبنا طاعة كطاعته، وصبراً كصبره، وطول أناة على مثاله لنغفر للذين تسببوا بآلامنا، وكذلك قوة من قوته لنستطيع تحمّل الشدّة والألم.
إذاً الألم ليس فقط قيمة خلاصية بل هو مدخل الى المجد "وأرى أن آلام هذا الزمان لا تعادل المجد الذي سيتجلى فينا (روما 8/18) إن يسوع بموته وقيامته ردّ طبيعتنا الى جمالها الأول، وبالرغم من أنّه لم يتغيّر شيء بالنسبة لنا، فنحن لا زلنا نتعب نمرض نتألم ونموت! هذا لأن الله لم يشأ أن يخلصنا رغماً عنا، بل حرّر طبيعتنا من ارتهان الهلاك وعبودية الخطيئة لكي لا يبقى على عاتقنا سوى أن نعبر خارج "حدودنا" سيراً على أقدامنا نحن، بإرادتنا نحن، وخيارنا الحرّ في قبول هذا الخلاص والولوج الى المجد الأبدي. آمين
• Souffrir évoque la force de quelqu’un qui est capable de “supporter” une chose désagréable ou pénible.
• Même origine étymologique = suffere le latin
= où sub indique la position infermine et ferre indique l’action de porter
• La capacité de souffrir entendue comme celle de supporter
De se trouver sous un poids sans se laisser écraser par lui.
Il y a donc le supportable et l’in -supportable.
La souffrance qui fait probleme est celle qui est impossible
« Venez à moi… » 28- 29/-"تعالوا إلي..." متى 11
Croire à Jésus rend possible l’impossible, comme la foi transporte les montagnes.
Mars 8/35 « qui veut sauver sa vie la perdre »
Ce n’est pas une invitation à perdre la vie.
Ce n’est pas une invitation à vouloir souffrir.
Mais à ne pas avoir peur de tout cela.
• Psychologiquement l’homme peut tout affronter quand il croit (ce n est pas fou ou fanatique ) c’est-à-dire c’est la simple dignité humaine qui préfère la mort à la servitude.
ملاحظة : أعطيت هذه المحاضرة من قبل الأب ألبير عساف ضمن برنامج التنشئة لمرافقة المرضى.