البحث في الموقع

لقاءات و نشاطات


شبيبتنـا

26/4/2018 لقاء مع شبيبة رعيّة مار الياس- أنطلياس إنَّ دخول الإنسان إلى السّماء مرتبطٌ بقرار الإنسان
تأمّل للأب ميشال عبّود الكرملي
في لقاء شبيبة "أذكرني في ملكوتك"
مع شبيبة رعيّة مار الياس – أنطلياس
بمشاركة المرشد الأب بشارة إيليا الأنطوني

26/4/2018

إنَّ السّماء هي حقيقةٌ موجودةٌ على الرّغم من رَفضِ الإنسان لها في بعض الأحيان. فكما أنّ الإنسان لا يستطيع إنكار وجود الشَّمس، حين يرفض الاستفادة مِن نورها، مُغلقًا أمامها كلّ نوافذ منزله وأبوابه، وكما أنّه لا يستطيع إنكارَ وجودِ مياهِ الينابيع، حين يرفض الارتواء منها، كذلك لا يستطيع أن يُنكِر حقيقة وجود السّماء، وإنْ رفض الاعتراف بها.

إنَّ فرنسوا ميتران، رئيس فرنسا الأسبق، كان رجُلاً كاثوليكيًّا. قبل أشهرٍ مِن وفاته، زاره الطَّبيب وعاينه، فأخبره أنَّ أيّامه على هذه الأرض أصبحت معدودة، إذ لم يعد مِن دواء أو عِلمٍ أو سلطةٍ أرضيّة قادرة على شفائِه، لذا يتوجّب عليه الاستعداد لما بعد الموت. عند سماعه هذا الخبر، قام الرئيس الفرنسيّ بزيارة أهمّ وأشهر فلاسفة فرنسا في ذلك الحين، جان فِيتُون، وسأله أنْ يُخبره عن ما بعد الموت، فما كان مِن الفيلسوف إلّا أن أعطاه الإنجيل الموجود على مَكتَبِه قائلاً له: إنّ الربّ يسوع وحده قادرٌ على إخبارك بحقيقة ما بعد الموت. وبعد قراءته للإنجيل، عاود الرئيس زيارته للفيلسوف قائلاً له إنّه اكتشف أنّ سبب بقائه في هذه الأرض وعدم انتقاله بعد إلى جهنمّ، هو أنَّ "الله محبّة". إنَّ المحبّة تفرِض على الإنسان أن يحترم حريّة الآخر. هذا ما يقوم به الربّ تحديدًا: إذ عبّر عن محبّته العظيمة للإنسان بالموت على الصّليب، دون أن يُجبرَ الإنسان على مبادلته تلك المحبّة. إنّ الربّ يحترم قرار الإنسان مهما كان: أَقَبِل هذا الأخير بمحبّة الله أم لم يَقبَل بها. فكما أنّ الإنسان يحزن عند رؤيته شخصًا لا يحبّه، ويفرح عند رؤيته لآخرَ يُحبّه؛ كذلك الله، فإنّه يحزن عندما يُقرِّر أبناؤه البشر الابتعاد عنه لأنّه يُحبِّهم، ويفرح عندما يُقرِّر هؤلاء البقاء معه. إنّ اقتراب الإنسان مِن الله، يؤمِّن له سعادةً أبديّة، بينما ابتعاده عن الربّ سيؤدِّي إلى هلاكه أي إلى موته الأبديّ.

يُخبرنا الكتاب المقدَّس عن السّماء ويرسم لنا الطريق المؤدِّية إليها، أي أنّه إن كان الإنسان يريد السّماء، يتوجَّب عليه قراءة الكتاب المقدَّس ومعاشرته. في إنجيله، يَعِدنا الربّ بالسّماء ولكنّه لا يَعِدنا بالحياة السَّعيدة والخالية من المشاكل في هذه الأرض، وبالتّالي لا يحقّ لنا لوم الربّ على المشاكل الّتي تعترِضنا في حياتنا: في فقدانِنا لعزيزٍ مِن خلال سرّ الموت، أو في تعرُّضنا أو أحد المقرَّبين منّا لأوجاعٍ نتيجةَ أمراضٍ مستعصِية. لا يمكننا الطلب منه تحقيق رغباتنا، مِن خلال إضاءة الشُّموع، وتلاوة بعض الصّلوات.

عندما يخضع التّلاميذ للامتحانات، فإنّهم يتوقّعون النّجاح كمكافأةٍ لهم على أتعابهم وجهودهم الّتي بذلوها. هذا ما كان ينتظره التّلاميذ مِن يسوع، يوم عادوا مِن رسالتهم وأخبروه أنَّ الشياطين تُطيعهم، وأنّهم قد تمكّنوا مِنَ القيام بالمعجزات باسمه، غير أنّ الربّ قال لهم حين سماعه منهم هذا الكلام، لا تفرحوا بكلّ تلك الانجازات الّتي حقّقتموها، بل افرحوا لأنّ أسماءكم مكتوبةٌ في السَّماء. لا يُشبه نجاح التّلاميذ في الامتحانات المدرسيّة، دخولَ الإنسان إلى السّماء: فالتّلميذ لا يستطيع الارتقاء مِن مرحلةٍ دراسيّة إلى أُخرى مِن دون تأكيد نجاحه في المرحلة السابقة، أمّا في ما يخصّ دخوله إلى السّماء، فإنّه يستطيع ذلك حتّى وإن أخفق في حياته الماضيّة إذ يكفيه أن يتخِّذ قراره في اتِّباع المسيح لينال السّماء، أي السَّعادة الّتـي لا تزول. إذًا، إنَّ دخول الإنسان إلى السّماء مرتبطٌ بقرار الإنسان لا بإخفاقاته ونجاحاته في هذه الحياة: فعلى الإنسان أن يختار ما بين السَّير مع الربّ في هذه الحياة وبالتّالي في الحياة الثانية أيضًا، وإمّا أن يسير بعيدًا عن الربّ في هذه الحياة وفي الأُخرى أيضًا. إنّ السَّير مع الربّ، لا يعني أبدًا أن حياتنا على الأرض ستكون خاليةً من المشقَّات، وأنّنا سنُصبح قدِّيسين على الفَور. إنّ الرّسل والتّلاميذ الّذين اختارهم الربّ يسوع أصبحوا قدِّيسين وهم موجودون في السّماء، ولكن حين كانوا لا يزالون على قيد الحياة، عاشوا الكثير مِنَ الإخفقات وخاصّة حين كان يسوع معهم. فمثلاً، في مناقشتهم لمسألة مَن هو الأكبر في ملكوت السّماوات، تشاجر التّلاميذ مع بعضهم البعض، ولم يتجرّأوا على الاعتراف بذلك أمام الربّ حين سألهم عن سبب شِجارهم في الطريق، ولكنّ الربّ حاول توضيح الأمور لهم مِن دون معاقبتهم على اختلافهم مع بعضهم البعض في الرأي. وكذلك الأمر مع القدِّيسَيْن بولس وبربانا، فقد اختلفا في وُجهات النَّظر في ما يختَصّ بخدمة الرِّسالة، فانفصلا في مسيرتهما التبشيريّة، ولكنّهما أصبحا في ختام حياتهما الأرضيّة من عِداد القدِّيسين.
إذًا، على الإنسان أن يختار ما بين العيش مع الربّ في هذه الحياة، فينال الملكوت بعد الموت، أو العيش بعيدًا عنه في هذه الحياة، فينال النّار الأبديّة بعد الموت. إنّ نصّ الابن الضّال يُوضح تمامًا هذا الأمر: فالابن الأصغر قرّر ترك المنزل والعيش بعيدًا عن أبيه، وعندما اختبر الجوع، فكّر بالعودة إلى بيت أبيه. إنّ هذا الابن لم يفكّر بالعودة محبّةً بأبيه، بل فكّر بالعودة انطلاقًا من ذاته: "كم أجيرٍ لأبي يَفضُل عنه الخُبز وأنا أهلِك هنا جُوعًا! أقوم وأمضي إلى أبي فأقول له: با أبتِ إنّي خطِئتُ إلى السّماء وإليكَ. ولستُ أهلاً بعد ذلك لأنْ أُدعى لك ابنًا، فاجعلني كأحدِ أُجرائك" (لو 15: 17- 19). عندما عاد الابن إلى بيت أبيه، لم يهتمّ أبوه لحالة القذارة الّتي كان فيها، بل أسرع إليه وقبّله على عُنُقِه. لقد عبّر الأب عن فرحِه بعودة ابنه من دون أن يخشى الاتِّساخ جرّاء معانقته له. إخوتي، إنّ الآباء الأرضيّين لا يُعاقبون أبناءهم على اتِّساخ ملابسهم عند عودتهم إلى المنزل، فكم بالحريّ أبونا السّماويّ، فالكتاب يقول: "فإذا كنتم أنتم الأشرار تعرفون أن تُعطوا العطايا الصَّالحة لأبنائكم، فما أَولى أباكم السّماويّ الّذي في السّماوات بأن يُعطي ما هو صالحٌ للَّذين يسألونه!" (متّى 7: 11). إنّ الفرصة مؤاتيةٌ لنا في كلّ حين، كي ندخل إلى السّماء، لأنّ الربّ يسوع قد أعطانا خريطة الطريق الكفيلة بإيصالنا إلى هدفنا ألا وهو السّماء. لذا فلنُحسِن الاختيار، ولنختر العيش مع الربّ، ولنثق به، ونؤمِن بكلّ ما قاله لنا: "مَن آمن بي وإن مات فسيحيا" ( يو 11: 25)، "مَن أكلَ جسدي وَشَرِب دمي، فله الحياة الأبديّة، وأنا أقيمه في اليوم الأخير" (يو 6: 54)، لأنّه الوحيد القادر على أن يمنحَنا السّعادة الأبديّة أي السّماء. إنْ آمنّا بالربّ وبكلامه، تَكُفُّ السّماء عن أن تكون "جائزة يانصيب" لا يحصل عليها إلا قلائل، وتُصبح في متناول جميع الّذين يقرِّرون السَّير في خطى المسيح، لأنّ السّماء مرتبطة بعلاقة المؤمِن بالمسيح. آمين.

ملاحظة: دُوِّن التأمّل مِن قِبَلِنا بتصرُّف. تتمة...
18/2/2018 تأمّل في أحد شفاء الأبرص إنّ صلاةَ الأبرص إلى الربّ كانت صلاةَ توَسُّلٍ
https://youtu.be/xQ91Z0zsi24

تأمّل في "أحد شفاء الأبرص"
للأب ميشال عبّود الكرمليّ

18/2/2018

في أحدِ شفاء الأبرص، يُخبرنا النّص الإنجيليّ أنَّ يسوع قد ذهب إلى مكانٍ قفرٍ ليُصلّي. نحن بحاجةٍ إلى الصّلاة، فإنْ لم تستطِع الصّلاةُ تغيير حياتنا، فهذا يعني أنّه علينا أن نغيِّر صلاتنا. إنّ الصّلاة الّتي لا تنبع من القلب، والّتي لا تشكِّل حديثًا بين المؤمِن وربّه، لا تُسمّى في الحقيقة صلاةً، لأنّ الصّلاة هي حوار الإنسان مع الإله الحقيقيّ الّذي يسكن في أعماقه.

إنّ صلاةَ الأبرص إلى الربّ كانت صلاةَ توَسُّلٍ، إذ طلب الأبرص مِنَ الربّ قائلاً: "إنْ شِئتَ فأنتَ قادرٌ أن تُطهِّرني". إنَّ لمسة الربّ لهذا الأبرص كانت كافية لشفائه. نعم إخوتي، إنّ الربّ يملك تلك القدرة على شفاء النّفوس من أمراضها النفسيّة، وشفاء الأرواح من أمراضها الروحيّة، والأجساد من أمراضها الجسديّة. إنّ الربّ بشفائه لنا من أمراضنا يعطينا نعمةَ الإدراك للألم فنعيشه بطريقة توصِلُنا إلى الحياة الأبديّة.

كان الأبرص مطرودًا من الجماعة بسبب مرضه، ولكن الربّ أعاده إليها بلمسةٍ شافية. إنّ الجماعة ترمز إلى الكنيسة الّتي على كلّ مؤمِن العودة إليها لينال فيها سرّ الشفاء ألا وهو التوبة. إنّ سرّ التوبة يجعلنا نكتشف ذواتنا، ونكتشف الإله الحقيقيّ الحيّ السّاكن في قلوبنا. إنّ اكتشافنا لله، يدعونا إلى النّظر إلى الصّليب لنستمدّ منه القوّة في أوقات الألم والشدائد الّتي تعترضنا، فنطلب من الربّ: "أذكرنا يا ربّ في ملكوتك"، وننال منه الجواب المنشود:"اليوم تكونون معي في الفردوس". إنّ الفردوس هو علامةٌ على حضور الله الدائم في حياتنا، وهذا الحضور لله هو الّذي يقودنا إلى اللقاء الأبديّ به في السّماء. له المجد إلى الأبد. آمين.

ملاحظة: دُوِّنَ التأمّل مِن قِبَلِنا بِتَصرُّف. تتمة...
19/11/2017 اللقاء الستوي للشبيبة "عيش السما على الأرض"
https://youtu.be/hT_YWdTI2OM

اللقاء السنويّ لشبيبة "أذكرني في ملكوتك"
دير مار ضوميط للآباء الكرمَليين- القبيات

19/11/2017

1. ماذا يقول العالم؟ وماذا نقول نحن؟
للأب ميشال عبود الكرمليّ
2.عظة الأب قبريانوس قبريانوس الكرمليّ
في القداس الإلهي من اجل الراقدين على رجاء القيامة
3. نبذة عن حياة قدّيسين
العمل الرسولي في القبيات

1. ماذا يقول العالم؟ وماذا نقول نحن؟
الأب ميشال عبود الكرملي

في ثقافة الأرض، يُقاس الإنسان استنادًا إلى مقتنياته، فالبعض يُعرّف عن الآخرين أنّهم أصحاب نفوذٍ وممتلكات، فيُقال مثلاً: إنّهم أولئك الّذين يملكون السيّارات الفخمة، والقصور الضخمة. أمّا في ثقافة السّماء، أي استنادًا إلى أقوال الربّ يسوع وتعاليمه، فالإنسان يُقاس بمدى تَعلُّقه بالربّ وبفقره الروحيّ إليه. ففي الإنجيل، يقول يسوع: "طوبى للفقراء، فإنَّ لهم ملكوت السّماوات".
تدعو ثقافة الأرض النّاس إلى أن يكونوا ذئابًا في هذه الأرض، لأنّه "إن لم يكن الإنسان ذئبًا أَكَلته الذئاب". أمّا ثقافة السّماء، فتدعونا انطلاقًا من كلام يسوع إلى أن نكون كالحِملان في وسط هذا العالم المليء بالذئاب.

في ثقافة الأرض، يدفع العالم أبناء الأرض إلى اعتبار صديق العدوّ عدّوًا لهم. وبالتّالي، فإنْ تكلَّم صديقك مع عدّوٍ لك، تحوَّل هذا الصّديق في نظرك إلى عدوٍّ. أمّا في ثقافة السّماء، فيقول يسوع للمؤمنين به: "أحبّوا أعداءكم، باركوا لاعِنيكم".

إنّ ثقافة هذه الأرض تحثّ النّاس على تجميع الأموال والكنوز في هذه الأرض، كما تسعى إلى نشر الخلافات بين البشر على خلفيّة الملكيّات العقاريّة. منذ فترةٍ، التقَيتُ بأحد المتخاصمين مع أفراد عائلته على قطعة أرض، فطلبت منه أوّلاً أن يقيس طول أبيه، ومن ثمّ طول الأرض المتنازع عليها، فإذا بها غير كافية حتّى لإنشاء قبرٍ. في الإنجيل، يقول لنا يسوع من خلال مَثَل الغني الجاهل: "يا جاهل، في هذه اللّيلة تؤخذ نفسُكَ منك. فهذا الّذي أعْدَدْته، لِمَن يكون؟"
إنّ ثقافة الأرض تزرع في النّفوس ذهنيّة: "مَن طلب العُلى، سَهِر اللّيالي". إنّ ثقافة السّماء تلتقي مع هذه الذهنيّة، ولكنّ يسوع يحثّ المؤمنين أيضًا إلى أكثر من ذلك إذ يقول لهم: "اسهروا وصلُّوا لئلّا تقعوا في التجربة".
في ثقافة الأرض، لكلِّ إنسان ثمنٌ، أي أنّ الإنسان يُشترى بالمال. أمّا في ثقافة السّماء، فإنّ جميع البشر قد اشْتُروا بدمٍ ثمينٍ، هو دم يسوع المسيح، الّذي فدانا بموته على الصّليب.
في ثقافة الأرض، يبحث النّاس عن المناصب والكراسي الّتي تُخوّلهم الحكم ورئاسة الشُّعوب. أمّا الربّ فيقول لنا في إنجيله: "في بيت أبي منازل كثيرة".

في ثقافة الأرض، يسعى الإنسان إلى إشباع نفسه من ملذّات الدُّنيا وشهواتها، مُنطلقًا من أنّه سيموت غدًا. أمّا ثقافة السّماء، فتستند على كلام الربّ الّذي يُشجّع المؤمنين به على الدّخول من "الباب الضَّيق".
في ثقافة الأرض، يردّد النّاس، وبخاصّة الشباب منهم، الأغنية القائلة: "بطَّلِتْ صُوم وصَلِّي، أنا بَدِّي إِعبَدْ سَماكِ". أمّا في ثقافة السّماء، فيُوصِينا الربّ قائلاً: "للربّ وحده تسجد، وإيّاه وحده تعبُد".
في ثقافة الأرض، إن أَخطأ إليكَ أخوكَ فلا تُسامحه، بل امحه من "قاموسَك". أمّا في ثقافة السّماء، فالربّ يدعونا إلى الغفران قائلاً لنا: "إن أخطأ إليكَ أخوك، فاغفر له لا سبعين مرّة بل سبع مرّات سبعين مَرَّة".
في ثقافة الأرض، عندما يُعطي الإنسان، يطلب من الّذين أحسن إليهم أن يضعوا على تقديماته، لوائح نحاسيّة ليَعرف الجميع اسمه، فيشكروه على عطائاته. أمّا في ثقافة السّماء، فإنّ الربّ يدعونا إلى الفرح عندما نُعطي لأنّ "أسماؤنا مكتوبةٌ في السّماء".
في ثقافة الأرض:"الشَّاطر بِشَطارته"، أي أنّه يحقّ للإنسان كي يصل إلى أهدافه، أن يفعل كلّ ما يستطيع حتّى وإن كان ذلك على حساب الآخرين. أمّا الربّ في ثقافة السّماء، فيُخبرنا أنّه هو "الطريق والحقّ والحياة"، فإن أردنا الوصول إلى السّماء، فإنّنا لن نصل إلّا من خلاله.
في ثقافة الأرض، يلجأ النّاس إلى المراوغة والكذِب، ولذا فهم يقولون: "إنّ اليد الّتي لا تستطيع أن تَكُفَّها عنك، قَبِّلها وادْعُ لها بالكسر". أمّا في ثقافة السّماء، فيدعونا المسيح إلى أن يكون كلامنا "نعم، نعم، أو لا، لا".

في ثقافة الأرض، إنّ ممتلكات الإنسان هي الّتي تُعطيه قيمته. أمّا في ثقافة السّماء، فيقول لنا المسيح إنّنا أثمن من عصافير السّماء، ولذا فإنَّ إيماننا بالربّ يسوع يمنحُنا الشِّفاء.
إنّ لائحة ما تعرضه علينا ثقافة الأرض تطول، وكذلك لائحة ما تعرضه علينا ثقافة السّماء. إنّ ثقافة الأرض تطلب منّا الكثير، وأمّا ثقافة السّماء فتطلب منّا أكثر، والقرار يعود إلى كلّ مؤمن بأن يختار الثقافة الّتي يشاؤها. فإن كنْتَ أيّها الإنسان، تسعى لعيش السّماء على الأرض، وللوصول إلى الملكوت، عليك أن تتبع ثقافة السّماء وما يطلبه الربّ منك. وأنتَ ما هو خيارك: أن تُصغي إلى ثقافة الأرض، أم إلى ثقافة السّماء؟

ملاحظة: دُوِّن هذا التأمّل بتصرّف.
.........................................

2. عظة الأب قبريانوس قبريانوس الكرمليّ
https://youtu.be/p5hLmdLf07Y

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.
الله معكم،
إنّنا نجتمع اليوم، مع جماعة "أذكرني في ملكوتك"، لنتعلّم منها عدم الشكّ بكلام الربّ، ما فَشِل زكريّا في تعليمِنا إيّاه في أحد بشارته.
قال لنا يسوع إنّه هو الطريق والحقّ والحياة، فإنْ آمَنّا بهذا الكلام، أدرَكْنا أنّ لا وجود للموت في حياتنا المسيحيّة. إنّنا، نحن المؤمنين بالمسيح، لسنا أبناء الموت بل أبناء الحياة، أبناء الله وإخوة يسوع المسيح، وبالتّالي لا يجب أن نسمح لليأس والإحباط أن يسيطرا علينا، بل علينا أن نسيطر عليهما من خلال التمسّك بالفضائل الإلهيّة وهي: الرّجاء والإيمان والمحبّة. إن أردنا أن نكون أبناء الرّجاء والإيمان والحياة، علينا عدم التوقُّف عند أقدام الصّليب لنبكي المسيح لأنّ إيماننا يتعدّى الصّليب والموت عليه، إلى القيامة. فالتوقُّف عند مرحلة الصّليب والموت، يجعل من إيماننا بالله باطلاً، فإيماننا بالله يرتكز على القيامة، سبب فرحِنا وعزائنا ورجائنا. إنّ القدِّيسة تريزيا تؤكِّد على كلامنا هذا إذ تقول:"أنا لا أموت أبدًا بل أدخل الحياة".

إنّ مجتمعنا المسيحيّ يُعاني من أزمةٍ كبيرة في مسألة تعبيره عن حزنه أمام الموت، وهي: خوف المؤمنين الحزانى من التعرُّض للانتقاد مِن قِبَل مجتمعهم، في حال عدم ارتدائهم ثياب الحداد لمدّة معيّنة من الزّمن. إخوتي، إنّنا أبناء النّور، فلماذا نرتدي الملابس السوداء في الحُزن؟ إنّ الملابس السوداء تدلّ على أنّنا أبناء الظّلمة لا أبناء النّور. فإن كُنّا حقًّا أبناء النّور، علينا ارتداء الملابس البيضاء لا السوداء في فترة الحِداد. إنّ كُنّا أبناء النّور، فهذا يعني أنّه علينا الإصغاء إلى الربّ الّذي قال عن نفسه إنّه هو نور العالم، والسير وِفق تعاليمه، لا الإصغاء إلى كلام النّاس وانتقاداتهم لنا.

في القديم، سادَت عادات كثيرة تتعلّق بعيش المؤمن لفترة الحِداد، منها ما زال مع الزّمن، ومنها ما لا يزال مُطبَّقًا في أيّامنا هذه. في الأيّام الخوالي، كان يمتنع المحزون عن مشاهدة التِّلفاز خوفًا من انتقاد الآخرين له، غير أنّ الأطفال في تلك البيوت المحزونة، كانوا يرغبون بمتابعة بعض البرامج التِّلفزيونيّة، لهذا السبب كانوا يُزنِّرون نوافد منازلهم بالشَّارات السّوداء كي لا يتمكّن أحد من الجيران من معرفة ذلك وانتقاد أهاليهم. أمّا اليوم، فما إن تصل العائلة المحزونة إلى المنزل، حتّى تُشعِل التِّلفاز. والسؤال الّذي يُطرح أمام زوال هذه العادة: أَلَم يَحِن الوقت كي تزول كلّ تلك العادات القديمة الّتي لا تُعبّر عن حقيقة إيماننا ورجائنا بالربّ القائم من بين الأموات؟ في القديم، كانت تمتنع العائلة المحزونة عن تناول اللّحوم وعن تناول المشروبات الروحيّة، أمّا اليوم فتُقام ولائم رحمة لأجل راحة نفس الفقيد، تضمّ كلّ ما لذّ وطاب من المأكولات والمشروبات. إخوتي، مع زوال بعض العادات القديمة كالّتي ذكرناها، أيجوز لنا اليوم، نحن أبناء النّور أن نبقى متعلِّقين بعادة ارتداء الملابس السوداء في فترة الحِداد؟ أقول لكم، إنّه كان على هذه العادة أن تزول قبل سواها من العادات المتعلِّقة بتعبيرنا عن الحُزن.
إنّ أعظم ما في حياتنا المسيحيّة هو القدّاس الإلهيّ، ولكن للأسف، إنّ العدد الكبير من المؤمنين الّذي يتواجد يوم الدّفن في الكنيسة، لا يحضر إليها للمشاركة في القداديس يوم الأحد، إنّما فقط لأداء واجب التعزيّة عند وفاة أحدهم. إخوتي، إنّي لا أقول إنّ تلك الواجبات غير مهمّة، بل ما أودّ قوله هو إنّ ما يحتاجه الفقيد منّا بعد انتقاله من هذه الأرض، هو ذِكره في القدّاسات الإلهيّة، إضافةً إلى أعمال الرّحمة الّتي نقوم بها من أجل راحة نفسه، فارتداء الملابس السوداء، حدادًا على رحيله من بيننا، والامتناع عن المأكولات، لا تفيده بشيء، في الحياة الأخرى. لقد لفتت انتباهي عظة أحد الأساقفة في يوم وداع أحد المنتقلين من هذه الأرض إلى الملكوت، فقال: إنّه حقّ لنا نحن الحزانى في هذه الأرض أن نبكي على أعزائنا الّذين فقدناهم بالموت، ولكن على بكائنا أن يُعبّر عن رجائنا بالربّ لا أن يعبّر عن يأسنا من الحياة وانتهائها. إنّه من غير الضروريّ أن تُفارق البسمة وجه المحزون، تعبيرًا عن حزنه، لا بل على تلك البسمة أن تبقى لتشهد على أنّ صاحبها هو من أبناء الرّجاء والنّور لا من أبناء الموت والظّلام. عند وفاة والدي الحبيب، جاء النّاس لتقديم واجب العزاء، ولكنّ مفاجأتهم كانت كبيرة حين رأوا أهل الفقيد يُعزّون الآخرين بتصرّفاتهم الّتي تُعبّر عن رجائهم بقيامة الموتى. في كلّ مرّةٍ كانت تشعر برغبتها في البكاء على رحيل والدي، كانت تلجأ أختي إلى صلاة المسبحة على راحة نفس والدِنا كي يزول حزنها، وقد نجحت في تخطّي الحزن بواسطة المسبحة. وبالتّالي يمكنكم أن تستفيدوا من تلك الخبرة، لتجعلوا من مسبحتكم سلاحًا لكم في وقت الحزن والألم.

في فترة العيد، تمتنع العائلات المحزونة عن وَضْعِ المغارة لأنّها تُشكِّل إحدى مباهج العيد بالنسبة لهم، وبالتّالي يمتنعون عنها لأنّهم لا يشعرون بالعيد بسبب فقدان أحد الأعزّاء. إخوتي، هذه العادة لا تُعبّر عن إيماننا المسيحيّ، لذا عليها أن تزول. على المحزون من بيننا، أن يضَع مغارة في منزله، دون أن يتحاشى وَضْعَ المولود فيها، إذ عليه أن يُصلّي أمام المغارة لفقيده الغالي طالبًا من الربّ أن يُفيض عليه مراحمه، وأن يمنحه في هذا العيد نعمة مشاهدة وجهه القدُّوس.
إخوتي، لا يجب أن نقبل بعد اليوم، أن نكون شعبًا ميّتًا يتمسّك بالعادات القديمة، ويلتزم بالقدّاس كونه أحدى الواجبات الدّينيّة، بل علينا أن نشهد للآخرين عن إيماننا من خلال تصرّفاتنا وبخاصّة في أوقات الحُزن والشدائد. يُخبرون عن كاهن حاول بكلّ الوسائل أن يدفع أبناء رعيّته للحضور إلى الكنيسة والمشاركة في الاحتفالات الدِّينيّة، ولكن محاولاته كلّها باءت بالفشل. لذا، قرّر في يوم من الأيّام أن يدفن تلك الرعيّة الميّتة، فدقَّ جرس الكنيسة حُزنًا مُعلنًا موتها. فحضر أبناء الرعيّة ليعرفوا مَن هو الفقيد، فَدعاهم الكاهن للمشاركة في الدّفن دون أن يُعلِن عن اسم الفقيد، فحضر جميع أهالي تلك المنطقة، رغبة منهم بمعرفة هويّة الفقيد. بعد العظة، طلب كاهن الرعيّة من جميع أبناء الرعيّة أن يتقدَّم كلٌّ بمفرده، ويُلقي نظرة الوداع على الفقيد قبل أن يُوارى الثرى. وكم كانت مفاجأة أبناء الرعيّة كبيرة حين رأى كلٌّ منهم صورته في النَّعش، إذ إنّ الكاهن كان قد وضع مرآةً داخل التابوت. عندها أدرك أبناء الرعيّة أنّهم السبب في موت رعيّتهم، إذ إنّهم لا يلتزمون بها.
على المؤمنين بالمسيح، أن يكونوا علامةً عن العطاء والبذل والتضحية في سبيل الآخرين في مجتمعاتهم، وأن يُعبِّروا عن فرحهم ورجائهم، نتيجة إيمانهم بالربّ يسوع. لذا، فإنّ كلّ مؤمن حزين ليس بمسيحيّ، لأنّ الربّ يسوع يدعو المؤمنين به إلى الفرح لا إلى الحزن والبكاء. إخوتي، في كلّ مرّةٍ تواجهنا الصّعوبات، علينا أن نحمل صليبنا بفرحٍ، فنتعلَّم من صعوباتنا، ويتعلّم منّا الآخرون كيفيّة مواجهة الصّعوبات في الحياة فيُدركون معنى الإيمان بالمسيح يسوع.

إخوتي، تذكّروا دائمًا أنّكم أبناء الرّجاء والقيامة، أبناء النّور والإيمان، وهذه كلّها تُعبّر عن هويّتكم الحقيقيّة. إنّ المؤمن بالمسيح، يحمل في داخله المسيح، الّذي هو الّنور والفرح والقيامة. آمين.
ملاحظة: دُوِّنت العظة من قِبلنا بتصرّف.
................................................

3. نبذة عن حياة قدّيسين
العمل الرسولي في القبيات

تناول الموضوع نبذة عن حياة قدِّيسين عاشوا حياة القداسة كلّ واحدٍ على طريقته المختلفة عن الاخر.
الهدف من الموضوع: التّوصل لِفَهم أنّ طريق القداسة يختلف من شخصٍ إلى آخر، وكلّ شخص مدعوّ ليشُقَّ طريقه إلى القداسة حسب مشروع الله لحياته.
1. القدِّيسة تريزيا الأفيليّة:
تميّزت هذه القدِّيسة بالصِّفات التّالية:
- شخصيّتها المتعدِّدة الوجوه والغنيّة الملامح، تجعل منها مثالاً في النّساء نادرًا.
- راهبة هَمُّها الكمال.
- رئيسة قويّة الشخصيّة على تواضعٍ ووداعة.
- مُصلِحة مِقدام، لا تَهون أمام الصُّعوبات.
- مشغوفة بالربّ تَكِل إلى عنايته كلّ همومها بثقةٍ عمياء.
- مُؤلِّفة تكتبُ للضرورة وتلبيةً لواجب الطّاعة فتعكس ذاتَها في ما تكتب بأسلوبٍ ساحر.
- مؤسِّسة تزرَع أديار الكرمل رياضَ قداسةٍ في أرض إسبانيا.
- مُعلِّمة صوفيّة غاصَتْ في أعماق الرّوح من خلال ذاتِها، وأَلقَتْ تعاليم تلّقتها مِن الربّ عبر اتِّصالها به بالتأمُّلِ والحبّ؛ إنسانٌ يحبُّ القريب ويرى في الصّلاة خير وسيلةٍ للتعبيرِ عن هذا الحبِّ وتَنْمِيَّتِه.
- بالصّلاة يُعطي القريب أكثر ممّا يُعطي ذاته.

اللّعبة: - بناء كنيسة من خلال طرح أسئلة روحيّة على الشبيبة. وكلّ إجابةٍ صحيحة، تُخوّل المتباري الحصول على قطعة من الكنيسة تحوي صفة من صفات القدِّيسة ومن ثمّ يتمّ بناء الكنيسة.
الفكرة الروحيّة: إنّ القدِّيسة تريزيا الأفيليّة تميّزت برغبتها للكمال وبعنادها لتحقيق أهدافها ومشروع الله في حياتها، كما دُعِيَت مُعلّمة في الكنيسة الجامعة. وهذه هي دعوتنا في هذه الحياة: أن نتشجَّع لتلبية نداء الربّ ولفَهمِ رسالتنا والتمسُّك بها.

2. الأمّ تريزيا دي كالكوتا:
- تميّزت بخدمة أفقر الفقراء.
- "أنا قلم رصاصٍ في يدِ الربّ الّذي يكتُب رسالة محبّة للعالم" (الأمّ تريزيا دي كالكوتا).
اللّعبة: - توزيع أوراق وأقلام على الشبيبة وطرح السؤال التّالي:
ما هي رسالة المحبّة الّتي يجب القيام بها اليوم؟ وكيف يمكننا تنفيذها؟
- بعد الاستماع للأجوبة، شرح عن رسالة المحبّة الّتي عاشتها الأمّ تريزيا في خدمة الفقير وتوزيع حصص غذائية على الشبيبة، الّذين عليهم بدورهم أن يُوزِّعوها على أحد الفقراء كعلامة حبٍّ ومشاركة، تحضيرًا للأعياد.
3. القدِّيستَين جيانا بيريتا مولّلا وكلارا الأسيزيّة:
- "سرُّ السَّعادةِ هو أن نعيشَ كلَّ لحظةٍ بمِلئِها، وأَن نشكُر الله على ما يَهِبُنا إيّاه كلَّ يومٍ مِن فيضِ محبَّتِه" (القدِّيسة جيانا بيريتا مولّلا).
- "كي نُصلّي، لا نحتاج لِأَن نُغلِق أَعيُنَنا وأَن نختبئ عن العالم، وإنّما أن ننظر إلى العالم بِعَينَي الله، وننظر إلى المسيح مِرآتِنا، فهو يُحرِّرنا ويُحوِّل كيانَنا". (القدِّيسة كلارا الأسيزيّة).
اللّعبة: على كلّ شخصٍ أن ينظر في مرآةٍ كبيرة وأن يطرَح على نفسِه سؤالاً: لو أردْتُ أن أُقدِّمَ شيئًا من جسدي للربّ، فماذا أُقدِّم؟
الفكرة الروحيّة: القدِّيسة كلارا تميَّزت بجمالها الخارجيّ (قوامها الممشوق وشعرها الجميل الّذي قصَّته عند اعتناقها الرّهبنة)، أرادت أن تتخلّى عن كلّ ما يُعلِّقها بهذه الحياة لكي تكون مع الربّ. تتمة...
3/10/2017 أنتَ مُرسَل علينا إذًا، أن نحمل كلمة الله إلى الآخرين مِن دون خوف
https://youtu.be/3T5wuvY4bfI

"أنتَ مُرسَل"
تأمّل للأب ميشال عبّود الكرمليّ

3/10/2017

إنّ الربَّ يسوع يدعونا جميعنا كي نكون رُسلاً له.

أن تكون مسيحيًّا، يعني أنّك نبيٌّ، أنّك كاهنٌ، أنّك مُرسَل. كانت مهمّة النبيّ تقوم على نقل كلمة الله إلى الشَّعب، ما يضعه أمام خيارَيـْن أساسِيّين: إمّا السَّير بحسب كلمة الله فيحيا، وإمّا السَّير بكلمة الضَّلال فيكون الموت مصيره. علينا إذًا، أن نحمل كلمة الله إلى الآخرين مِن دون خوف، لأنّها كلمة الحقّ. أن نكون كهنة، هو أن نُكرِّس ذواتنا لخدمة الآخرين كلّ حسب استطاعته، وعندها سنُدرِك معنى أن نكون قرابين تُقدَّم على مذبح الحياة، على مذبح الربّ. حين بشَّرها الملاك بالحَبَل الإلهيّ، لم تطلب مريم العذراء من الملاك أن يُرسِل ملائكة لخدمتها، بل انطلقت إلى خدمة أليصابات مِن دون أن تنتظر أن يطلب منها الملاك ذلك، أو نسيبتها أليصابات. إنّ الإنسان الممتلئ من الله، ينطلق إلى خدمة أخيه الإنسان. في المعموديّة على نهر الأردن، سمع يسوع صوت الآب قائلاً فيه: "أنت ابني الحبيب الّذي عنه رضيت"، وحلّ الرّوح القدس عليه، فانطلق إلى البريّة للصّلاة. ولـمّا عاد من البريّة، انطلق يُبشِّر كافة فئات المجتمع بكلمة الله: الأطفال، والمفكِّرين مثل نيقوديموس، والخطأة مثل مريم المجدليّة والزانية. في البريّة، حيث كان يسوع يعلِّم بكلمة الله خمسة ألاف رَجُل عدا النِّساء والأطفال، لم يصرفهم مِن دون طعام، بل قام بأعجوبة تكثير الأرغفة الخمسة والسَّمكتين، لتكون كافية لإطعام هذا العدد الكبير من النّاس. إنّ يسوع لم يتهرّب من شفاء المرضى الّذين أتوه طالبين لمس هُدبَ ردائه لينالوا الشِّفاء، متحجِّجًا أنّه يهتمّ فقط للتبشير بكلمة الله، بل منحَهم الشِفاء الروحيّ والجسديّ. كان حضورُ يسوع مُحبّبًا وبخاصّة عند الأطفال الّذين لم يخافوا من الاقتراب منه، بل ارتموا في حضنِه. وانتهت حياة يسوع بأن يكون مُعَلَّقًا على الصّليب، شهيدًا للحقّ. سامح جميع الّذين أذنبوا إليه قبل أن يُسلِم الرّوح، فمات مُطمَئنَّ البال، مرتاحًا. لقد قام من بين الأموات وأعطى معنىً للحياة.

لا يستطيع المؤمِن أن يكون مُرسَلاً ليسوع إن لم يكن قد تعرَّف إليه، فالإنسان لا يستطيع أن يُخبِر الآخرين عن شخصٍ لا يعرفه، وبالتّالي نكتشف هنا أهميّة الصّلاة. نحن نعلم أن الكنيسة هي جسدٌ واحد، وبالتالي لا تستطيع اليد أن تعمل بِمَعزلٍ عن الرأس، وكذلك نحن، إذ لا يمكننا نحن الأعضاء أن نعمل بمعزل عن الرأس الّذي هو يسوع المسيح. إنَّ المؤمِن لا يستطيع أن ينقل المسيح وكلمته للآخرين إن لم يقرأ عنه في الكتاب المقدَّس، أو يسمع صوته في داخله يُكلِّمه. وحين يفعل، فإنّه سيتمكّن من أن يكون "رائحة المسيح"، في كلّ مكانٍ يبشِّر ويتواجد فيه.

ملاحظة: دُوِّن التّامّل مِن قِبَلِنا بِتَصرّف. تتمة...
30/5/2017 الروح القدس حياتنا المسيحيّة مبنيّة على عمل الرّوح القدس فينا
https://youtu.be/oVpHr7mj4Z0

تأمّل في "الرّوح القدس"
للأب ميشال عبّود الكرمليّ
في لقاء شبيبة "أذكرني في ملكوتك"

30/5/2017

نحن نؤمن بالرّوح القدس، الأقنوم الثالث مِنَ الثالوث الأقدس، وحياتنا المسيحيّة مبنيّة على عمل الرّوح القدس فينا. ويقول القدِّيس بولس الرّسول إنّه لا أحد يستطيع أن يقول إنَّ يسوع المسيح هو ربٌّ إلاّ بإلهامٍ مِنَ الرّوح القدس.

إنّ عَيْشَنا لمسيحيّتنا مبنيّ على الإيمان بأنَّ يسوع هو إلهٌ حقٌّ وإنسانٌ حقّ: يسوع هو الإله الّذي تَجَسَّدَ وصار إنسانًا كي يؤلِّه الإنسان؛ والعلاقة التّي تربِطُنا بالربّ مبنيّة على الصّلاة. وفي هذا الصَّدد، يقول لنا القدِّيس بولس الرّسول إنّنا لا نُجيد الصّلاة، غير أنّ الرّوح القدس هو الّذي يُصلّي فينا بأنَّاةٍ لا تُوصَف. قال يسوع لتلاميذه ألّا يهتّموا في وقت الاضطهاد، لِـمَا سيقولونه في المحاكم، لأنّ روح الربّ أباهم، هو الّذي سيتكلّم فيهم، ويُعطيهم ما يتكلّمون به.

في بدء الخليقة، كان الرّوح القدس يُرفرِف على وجه المياه، وذلك يدفعنا إلى عدم الخوف مِن طلبِ الرّوح القدس في أيّ عملٍ نودّ القيام به. علينا ألّا نخاف مِنَ السير وَفق هَدْيِ الرّوح القدس في كلّ ما نرغب القيام به. كما علينا ألّا نخاف مِن طلب حكمة الرُّوح القدس، في أيّ عملٍ نودّ أن نتعلَّمه. حين نطلب الرّوح القدس قبل القيام بأيّ عملٍ، سنُدرِك أنّه هو الّذي يعمل فينا، وأنّنا نسير وَفقَ إلهاماته. لولا عَمَلُ الرّوح القدس في الكنيسة، لما كنّا نستطيع الكلام عن رسالة في الكنيسة أو عن إعلانٍ لكلمة الله، أو عن أيّ عملِ خير يُقام به باسم الربّ. إنّ الرّوح القدس يعمل فينا، ويدفعنا لتمييز المواهب ويدفعنا إلى تمييزِ عملِ الله فينا ومشيئته في حياتنا.

لذلك، علينا أن نطلب الرّوح القدس، في كلّ يومٍ في حياتنا، قائلين له: "تعال يا روح الربّ، اِهدِ قلوبنا. تعال يا روح الربّ، واعمل فينا. تعال يا روح الربّ، واسكُنْ في قلوبنا".

ملاحظة: دُوِّن التّامّل مِن قِبَلِنا بِتَصرّف. تتمة...
16/4/2017 تأمّل في "أحد القيامة" يتكلّل زمن الصّوم بأحد القيامة
https://youtu.be/ksCdSDZkWUc

تأمّل في "أحد القيامة"
للأب ميشال عبّود الكرمليّ

16/4/2017

يتكلّل زمن الصّوم بأحد القيامة. إنّ الكون بأسرِه قد رفضَ موت المسيح وحَزِن لموته، لذا لم يستَطِع القبر أن يحتوي المسيح يسوع. إنّ إلهنا قد مات كسائر البشر، لأنّه إنسانٌ كاملٌ، غير أنّ إلهنا هو إلهٌ كاملٌ أيضًا، لذا هو الحيّ، القائم من بين الأموات، فهو قد غلب الموتَ بقيامته. إنّ المسيح يسوع قد هجر القبر وتركه، لأنّه مَسْكِنَهُ هو في قلوب المؤمِنين به، فهو حاضرٌ معهم أبدًا. قد يطرح البعض على ذواتهم في بعض الأحيان، سؤالًا غريبًا وهو: "أَحَقًّا يسوع المسيح هو حيّ؟" وإن كان كذلك، فلماذا يعيش بعيدًا عن البشر، بطريقة غير مرئية للعين البشريّة؟ نعم إخوتي، إنّ يسوع حيّ، وهو حاضرٌ فينا ويسكن معنا على الدّوام. إنّ اختبار المؤمِن لحدث القيامة يدفعه إلى ترداد كلمات بولس الرّسول: "لست أنا الحيّ، بل إنّ المسيح هو الّذي يحيا فيّ"، كما أنّ هذا الاختبار يُحوِّل تَنَّفُس المؤمِن وكلماته وأعماله إلى صلاة واعترافٍ بالمسيح الحيّ، القائم من بين الأموات. إخوتي، لا يجب أن يغيب عن تفكيرنا كلام الملاك عند القبر للنِّساء الّلواتي جِئنَ ليُحنِّطنَ جسد يسوع قائِلاً لـهُنَّ: "لماذا تبحثنَ عن الحيّ بين الأموات؟ إنّه ليس ههنا، لقد قام." نعم، إخوتي، إن ّالمسيح قد قام، ولم يعد القبر مسكِنَه، فلماذا نسمح للموت وللكآبة بالسيطرة علينا عند فقدان أحد الأعزّاء؟ لماذا نرفض الحصول على التعزيّة والرّجاء بانتقال أمواتنا إلى الحياة الثانية؟ نعم، إنّ المسيح قد قام، وهو حاضرٌ معنا دائمًا. لقد ظهر المسيح لتلاميذه بعد القيامة، ولم يتمكّن هؤلاء من معرفته، لأنّ صورته الأخيرة مُعلَّقًا على الصّليب، هي الصّورة الّتي ارتسمت في أذهانهم. وهذا ما يحصل معنا عند فقدان أحد الأعزّاء، إذ ترتسم في أذهاننا صورتهم على أنّهم حُفنةٌ من التراب. لماذا نرفض الحصول على التعزيّة جرّاء انتقال أحد الأحبّة؟ لا إخوتي، إنّ أمواتنا ليسوا مجرّد حُفنة من التّراب، فالله لم يخلقنا للعودة إلى التّراب، بل للعودة إلى السّماء، فهناك مسكننا الحقيقيّ، لأنّنا أبناء الرّجاء، أبناء القيامة، أبناء الحياة، لأنّنا أبناء الله.

عيد القيامة، هو العيد الّذي يُذكِّرنا بأنّ المسيح قام، وبأنّنا شهود على تلك القيامة. إنّ الشهادة لتلك القيامة، تكون من خلال الاختبار الحياتيّ، إذ على كلّ مؤمِن أن ينقل للآخرين اختباره للحياة الثانية، فيتمكّن معهم من عيش مجد القيامة في حياتنا اليوميّة، لأنّ المسيح القائم هو حاضرٌ معنا في كلّ آنٍ وأوان، له المجد إلى الأبد، آمين.

ملاحظة: دُوِّنَ التأمّل مِن قِبَلِنا بِتَصرُّف. تتمة...
9/4/2017 تأمّل في "دخول الربّ يسوع إلى أورشليم" لقد دخل المسيح يسوع أورشليم، ملكًا متواضعًا
https://youtu.be/7jRo2_n4aKI

تأمّل في "دخول الربّ يسوع إلى أورشليم"
للأب ميشال عبّود الكرمليّ

9/4/2017

في الأحد الأخير من الزمن الأربعينيّ، نتأمّل دخول يسوع المسيح إلى أورشليم، ويُسمّى هذا الأحد "أحد الشعانين". لقد دخل يسوع، هذا الملك العظيم، أورشليمَ، متواضعًا راكِبًا على جحشٍ ابن آتان، وقد استقبلَه أهل تلك المدينة بسُعُفِ النّخلِ والزيتون. إنّ هذا النّص الإنجيليّ يُشكِّل دعوةً لنا لِنستقبِل المسيح يسوع في قلوبنا، وفي كلّ مريضٍ ومُهمَّشٍ، وفي القربانة المقدَّسة الّتي نتناولها في كلّ ذبيحة مقدَّسة، وبسلامٍ داخليّ ناتجٍ عن انتصارنا على الخطيئة.

لقد دخل المسيح يسوع أورشليم، ملكًا متواضعًا؛ ملكًا إكليله الشوك، وعرشه الصّليب، وصولجانه المسامير. إنّ يسوع المسيح هو ملكٌ لا يُشبِه أيَّ ملكٍ أرضيّ، إذ يملك على القلوب لا على أمور ترابيّة زائلة، لذا فهو يستحقّ أن نصرخَ له مع أهل أورشليم عند دخوله إليها: "هوشعنا في الأعالي". في الصّلاة الربيّة الّتي نصلّيها يوميًّا، نصلّي إلى الربّ، قائلين له: "ليأتِ ملكوتك"، ولِذا، عندما نعترف بالمسيح ملكًا علينا، فإنّنا نعترف بسيادة كلمته علينا، دون سواها من الكلمات.

إنّ الإنجيليّ الّذي يَروي لنا دخول المسيح إلى أورشليم، يُخبرنا أيضًا أنّ بعض اليونانيين الّذين أتوا أورشليم لتمضية العيد هناك، قد جاؤوا إلى فيلبّس طالبين منه رؤية يسوع، قائلين:"نريد أن نرى يسوع". إنّ هذا الشوق لرؤية يسوع، الموجود في داخل كلّ منّا، هو الّذي يجعلنا أنقياء القلوب، فيتحقّق فينا قول الكتاب:"طوبى لأنقياء القلوب، لأنّهم يُعاينون الله". نحن المؤمنين بالمسيح، نعيش في وسطِ ظلمة هذا العالم، سائرين على الأرض، وفي قلبنا توقٌ للبحث عن الله، ونحن نُدركِ تمامًا أنّه في الحياة الثانية، هناك قيامة، وأنّنا هناك سنُعاين الله وجهًا لوجه في السّماء، وهناك على حدّ قول بولس الرّسول سنتمكّن من معرفة الربّ لأنّنا معروفون مِن قِبَلِه، وسنصرخ حينها :"هوشعنا". في الحياة الثانية، سنكون معه، وسنُسبِّحه، ونمجِّده مع الملائكة والقدِّيسين. إخوتي، إنّ السّماء تبدأ على هذه الأرض، حين نتذوق طعم الربّ، ونختبر العيش معه، حين نسير وفق تعاليمه، وإرادته. في مسيرتنا مع الربّ على هذه الأرض، سنختبر مجد القيامة، إذ لن نصل إليها إلاّ بعد أن نسير مع الربّ درب الجلجلة، ونعيش معه آلام الصّليب، فنتجلّى في النّهاية مع الربّ الحيّ، والقائم من الموت، الحاضر معنا دائمًا أبدًا. آمين.

ملاحظة: دُوِّنَ التأمّل مِن قِبَلِنا بِتَصرُّف. تتمة...
2/4/2017 أحد شفاء الأعمى يا يسوع يا ابن داود، ارحمني
https://youtu.be/Ir7mJYOgCJo

تأمّل في أحد شفاء الأعمى
للأب ميشال عبّود الكرمليّ

2/4/2017

في الأحد الخامس من زمن الصّوم، نتأمّل في نصّ شفاء الأعمى.كان يسوع متّجهًا إلى أريحا، تلك القرية المنخفضة عن سطح البحر. وكان يجلس على حافة طريق تلك القريّة، شحاذٌ أعمى مرذولٌ من النّاس بسبب مرضه وفَقرِه، وقد سمع بمرور الربّ يسوع في تلك الطريق حيث كان يجلس. إنّ هذا الأعمى غير القادر على الرؤية، هو قادرٌ على السّماع. إذًا، على الرّغم من نقاط ضعف الإنسان، هناك نقاط قوّة في داخله عليه الاستفادة منها للاقتراب من يسوع.
حين عَلِم الأعمى بوصول يسوع إلى القرية، بدأ بالصّراخ قائلاً:"يا يسوع يا ابن داود، ارحمني"، لقد طلب الرّحمة من الربّ، كما طلب الولادة الجديدة من خلال سعيه خلف الشِّفاء. لقد صرخ هذا الأعمى إلى يسوع، لأنّه رأى فيه الأمل الـمُنتَظَر، لقد رأى فيه الشافي الوحيد من المرض.

إنّ الأعمى تابع الصّراخ على الرّغم من محاولة الكثيرين إسكاته. إخوتي، كُثُرٌ هم الأشخاص في هذا العالم الّذين يحاولون إسكات المؤمنين ومنعهم من الصّراخ إلى الله، واللّجوء إليه في الصّلاة، والإيمان به، وهنا على المؤمِن أن يتّخذ قراره إمّا بالتوقّف عن الصّراخ إلى الله، وإمّا بمتابعة الصّراخ كما فَعَلَ أعمى أريحا.

لقد طلب يسوع من الجموع دعوة الأعمى إليه، فذهب هؤلاء إلى الأعمى وقالوا له:"ثِق تشجّع، إنّه يدعوك". على المؤمِن أن يحمل كلام التشجيع هذا إلى كلّ شخصٍ مريض ومهمَّش يلتقي به، فيُذكِّره بأنّ الربّ يدعوه، ويودّ اللّقاء به. في نصّ شفاء الأعمى، يخبرنا الإنجيليّ أنّ الاعمى عندما سَمِع بدعوة الربّ له، خلع رداءَه البالي الّذي كان يشكِّل كلّ ما يَمْلِك، إذ يضع فيه طعامه، وما يتصدّق به عليه المارّون في هذه الطريق من نقود. لقد تخلّى الأعمى عن كلّ مصدر عيشه، وَوَثب صوب يسوع، على الرّغم من أنّه لا يرى الطريق الّتي يسير فيها. إنّ الأعمى كان يعرف الهدف الّذي يريد الوصول إليه، على الرّغم من أنّه لم يكن يرى إنْ كانت الطريق الّتي يسير فيها ستُوصِله فِعْلاً إلى الربّ. وعندما وصل الأعمى إلى يسوع، كان سؤال يسوع له: "ما تريدني أن أصنعَ لك؟". لم يسأل الربّ الأعمى عن رغبته عن جهلٍ منه بها، بل لأنّه أراد من الأعمى أن يُعلِن عن رغبته قبل أن يَمنَحَه إيّاها الربّ. إنّ الله يعلم برغباتنا كُلِّها، ولكنّه يريد منّا أن نُعلِن عنها، إذ لا يريد الربّ اقتحام حياتنا دون إرادةٍ منّا. إنّ الربّ يقرع على باب حياتنا، وينتظر منّا أن نفتح له الباب، فهو لا يدخل بالقوّة إليها، إنّه يحترم حرّيتنا، لذا على كلّ منّا أن يقف أمام الربّ، ويُعلِن له صراحةً عن هدفِه من هذه الحياة. إنّ الإنسان الّذي يُعلِن أمام الله عن هدَفه في هذه الحياة، ويعمل لأجله، فإن ّالربّ لا بدّ له من أن يُعطيهِ سُؤلَ قلبِه، لأنّ الربّ قال لنا في الكتاب:"اسألوا تُعطَوا، اقرعوا يُفتَح لكم"، والربّ أمينٌ وصادقٌ في أقواله.
كان جواب الأعمى على سؤال يسوع له:"رابوني، أن أُبصِر"، وقد استجاب الربّ لرغبته هذه، فَفَتَح الأعمى عينيه، وكان الربّ هو أوّل شخصٍ يراه الأعمى في حياته الأرضيّة. إخوتي، إنّنا مدّعوون كي نسير في وسَطِ ظلمة هذا العالم، صوب الربّ "نور هذا العالم"، لنتمكّن من رؤيته في نهاية مسيرتنا على هذه الأرض، وجهًا لوجه في السّماء. آمين.

ملاحظة: دُوّنَ التأمّل مِن قِبَلِنا بتصرُّف. تتمة...
26/3/2017 تأمّل في أحد شفاء المخلّع قمْ، احمل فراشَك واذهبْ إلى بيتك
https://youtu.be/yVMmGh8peTw

تأمّل في أحد شفاء المخلّع
للأب ميشال عبّود الكرمليّ

26/3/2017

في الأحد الخامس من زمن الصّوم، نتأمّل في نصّ شفاء المخلّع. وفي هذا الشّفاء، نُدرِك أهميّة الكنيسة ودورِها، وبخاصة الكنيسة البيتيّة. كان يسوع في البيت، يُعلِن كلمة الله، وقد احتشدَتِ الجموعُ في هذا المنزل، لِسماع تلك الكلمة. على الكنيسة أن تبقى أمينة لرسالة يسوع وكلمته، فتَحملُها بكلّ أمانةٍ للآخرين، كما على المؤمِن أن يسمع كلمة الله ويتفاعل معها.

إنّ المخلَّع لم يتمكّن من الوصول إلى يسوع بسبب ازدحام النّاس في ذلك المنزل. كُثُرٌ هم الأشخاص الّذين يحاولون الوصول إلى يسوع مِن دون أن يتمكّنوا مِن ذلك، وهم يُعانون من أمراضٍ جسديّة ونفسيّة وروحيّة. إنّ الرّجال الأربعة الّذين حملوا المخلَّع، نقَبُوا السقفَ ليتمكّنوا من إنزال المخلَّع ووَضْعِه أمام يسوع. هذا هو دور المؤمِنين، إذ عليهم أن يحملوا بعضهم البعض، ويتعاونوا مع بعضهم البعض، ليتخطّوا معًا كلّ العقبات الّتي تَحُول دونَ وصولهم إلى الله. إنّ الإنجيل يُخبرنا أنّ المسيح قد شفى المخلّع حين رأى إيمان هؤلاء الرّجال. إنّ الربّ يستطيع أن يرى ما لا يستطيع البشر رؤيته، فالله يسبرُ أعماقَ الإنسان. إنّ الربّ لا ينظرُ إلى الخارج، إنّما إلى داخل الإنسان، فيرى إيمانَ كلّ شخصٍ ويُقدِّره. عندما رأى يسوع إيمانَ هؤلاء الرّجال، وَجَّهَ الكلامَ إلى المخلّع، أي إلى الشخص المريض، ومَنَحَه الشِّفاءَ الرّوحيّ، قائلاً له: "مغفورةٌ لك خطاياك". لم يمْنَحْ يسوع المخلَّع الشِّفاء الجسديّ أوّلاً، لأنّ الجسدَ سيزولُ بعد الموت، ويتحوّل إلى تراب، ولكنّه مَنَحَه الشِّفاءَ الروحيّ، لأنّ رُوحَ الإنسان هي الخالدة والباقية، لذا قال له: "مغفورةٌ لك خطاياك".

إنّ ردّةَ فعل الفريسيّين على هذا الشِّفاء كانت: "مَن هذا حتّى يغفر الخطايا؟"، فأعطاهم يسوع الجوابَ إذ منَح هذا المريض الشِّفاءَ الجسديّ أيضًا، فكان ذلك علامةً لهم على أنّ يسوع قادرٌ على شِفاءِ الإنسان جسديًّا وروحيًّا، فيتمكّنوا مِن رؤية هذا الشِّفاء الروحيّ بأَعيُنِهم الجسديّة، لذلك قال يسوع للمخلّع: "قمْ، احمل فراشَك واذهبْ إلى بيتك".

إنّ الله يشفينا من الدّاخل ومِن الخارج، ويدعونا لننطلق إلى كلّ مكانٍ نعيش فيه، لنشهدَ للآخرين عن حبِّ الله لنا، لأنَّ الإنسانَ الممتلئ مِنَ الله، يَفيضُ مِنَ الله. نطلبُ من الربّ أن يُعطينا نعمةَ فَهمِ لمسَتِه الروحيّة، كما نطلب منه أن يشفينا من خطايانا من خلال سرّ التوبة، بواسطة السلطة الّتي يمنحها للكاهن، فيسوع هو الوحيد الّذي يستطيع أن يشفيَنا، ويُجدّدَ معموديتنا، ويمنحَنا نعمة العيش معه، والولادة الجديدة مع الربّ، له المجد إلى الأبد. آمين.

ملاحظة: دُوِّنَ التأمّل مِن قِبَلِنا بِتَصرُّف. تتمة...
19/3/2017 تأمّل في مَثل الابن الضّال أعطى يسوع هذا المثَل لِيُظهر حنانَ الآب
https://youtu.be/lRrKeQyngSA

تأمّل في مَثل الابن الضّال
للأب ميشال عبّود الكرمليّ

19/3/2017

في الأحد الرابع من زمن الصّوم، نتأمّل في مَثل الابنِ الضّال. أعطى يسوع هذا المثَل لا لِيُظهِر أفعال الابن وارتداده، إنّما لِيُظهر حنانَ الآب، وعَطشَه للنّفوس الضائعة، وليشجِّعنا على العودة إلى الله على الرّغم من خطايانا.

لقد قرّر الابن الضّال أن يرثَ أباه قَبْلَ وفاته، لذا جمَعَ بسرعةٍ كلَّ ما يملُك، وسافر إلى بلادٍ بعيدةٍ. هذه هي الخطيئة: أن يقوم الإنسان بعملٍ ما بسرعة بعيدًا عن نظر الله، فتكونَ نتيجةُ عملِه هذا، العيشَ في غربةٍ عن الله، وعن ذاتِه وعن المجتمع. لقد بدّد هذا الابن في عيشةِ إسرافٍ كلَّ ما جمعَهُ مِن بيت أبيه، في هذه البلاد البعيدة. إنّ الحياة هي نعمةٌ وعطيّة مِنَ الله لنا، لذا لا يجب التفريط بها، كما فَعَلَ الابنُ الضّال. وعندما أنفق كلَّ ما يملُك، أُرسِل الابن لرعاية الخنازير، أي أنّ حريّته قد سُلبَت منه. وفي حياة هذا الابن الضّال، نرى تطبيقًا حياتيًّا لقول الربّ يسوع في الإنجيل، إنّ مَن يرتكب الخطيئة يُصبِح عبدًا لها. لقد جاع هذا الابن واشتهى أن يأكل من الخرنوب الّذي كانت الخنازير تأكله، ولكنّ أحدًا لم يُعطِه مِنه. إنّ الله هو الوحيد الّذي يهتمّ بنا، ويُعطينا كلَّ ما نحتاج إليه، فَهوَ القائل في الكتاب إنّه وإن نَسِيَت المرأة رضيعها، فهو لا يستطيع أن ينسى أبناءه البشر.

حين قرّر الابن العودة إلى بيت أبيه، لم يكن أبوه وَحُبُّه له محورَ تفكيرِه، بل كان بطنُه هو الدافع لِـِحثِّه على العودة، إذ فكّرَ في الحصول على الخبز المتوفِّر في بيت أبيه، والّذي يحصل عليه العبيد في بيت أبيه دون أيّ جُهدٍ. لقد فكّرَ الابن في العودة إلى بيت أبيه، ليستغلّ حنان َوالده، ويحصل مِن مائدته على الخبز الّذي كان يبحث عنه. عندَ رؤيته مِن بَعيدٍ لابنه العائد إلى البيت، أسرع الأبُ لملاقاتِه، وقد قبَّلَه طويلاً على عنُقِه. في هذا المثَل، أراد يسوع أن يَحثَّ المؤمنين للعودة إلى الله الآب الّذي ينتظر بشوقٍ عودتَنا إليه، نحن أبناءَه، ليُفيض علينا حنانه. في هذا المثَل، لم يهتمّ الأبُ لقذارة ابنه الآتي إليه مِن رعاية الخنازير، ولم يطلب منه الاستحمام قَبْلَ معانقتِه، بل أقبلَ إليه مسرعًا وقَبَّلَهُ طويلاً، وبالتّالي فإنّ الأبَ لم يَخَف من الاتِّساخ. إنّ خطايانا لا تُنَجِّس الله، بل إنّ الله يُحوِّلها إلى وسيلةٍ لقداستِنا، لذا على المؤمِن ألّا يخاف من العودة إلى الله والاقتراب مِنهُ بخطاياه وبضعفه. في هذا المثَل، عانق الأبُ ابنَه العائد مِنَ الغربة، وَمَنَحهُ الحياة، وقَبَّلَه طويلاً، وأَلبَسَهُ حُلَّةً جديدة.

إنّ هذا الـمَثَل يدعو كلَّ منَ اتَّسخ ثوبُ عمادِه، إلى الاقتراب مِن جديدٍ إلى الله، لأنّ في لمسَتِهِ تجديدًا لحياة المؤمِن مِن خلال سرّ التوبة. وعندما يعيش المؤمِنُ توبتَه الحقيقيّة يُدرِك الآية القائلة: "ابني هذا كان ميتًا، فعاش". فالتّوبة هي ولادة المؤمِن مِن رَحِمِ الله الّذي يلِدُنا للحياة في كلّ لحظة من لحظات حياتِنا، له المجدُ إلى الأبد. آمين.

ملاحظة: دُوِّنَ التأمّل من قِبَلِنا بِتَصرُّف. تتمة...