اللقاء السنوي للشبيبة
"بالتعاون مع لجنة شبيبة "اذكرني في ملكوتك
مدرسة مار يوسف للآباء اللعازريّين
عينطورة- كسروان
13/11/2016
1. كلمة الافتتاح
تقديم: مايا الهبر رفيع – أنطونيو مخايل
2. مسيرتي ايمان ورجاء
الأب ميشال عبود الكرملي
3.اسئلة وخلاصة حلقات الحوار
4. ّعظة القداس الالهي
1. كلمة الافتتاح
تقديم: مايا الهبر رفيع – أنطونيو مخايل
مايا: صباح الخير، وأهلا وسهلا فيكن جميعًا اليوم بهاللقاء الروحي السنوي للشبيبة، بعنوان: مسيرتي: إيمان ورجاء.
في مدرسة القدّيس يوسف – عينطورة.
ليش نحنا كلنا موجودين اليوم؟ مش بالصدفة، كلّ واحد منا دعا الله اليوم لهون، يمكن تيخُد جواب على سؤال عم فتش عنّو، تيطلب من الله شي، تيكبّر إيمانو.
كلّ وقت منقضّي مع الله، هوي وقت مثمر، ما في وقت ضايع مع الله.
ما حدا كان مجبور يجي اليوم. جينا كلنا بإرادتنا لأنو الله هو الأهم، وهيدا الشي بفرّح الله. لأنو متل ما قال:
"حيث اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، أكون في وسطهم" (متى 20:18).
مندعيكن اليوم لـتتعرّفوا على جماعتنا الرسولية المسكونية، جماعة "اُذكرني في ملكوتك".
انطلقنا منذ10سنوات، منشهد للربّ يسوع القائم من الموت. فالقيامة هي ركيزة إيماننا: كما قال الربّ يسوع: "أنا القيامة والحياة، فمَن آمن بي وإن مات، يحيا" (يو 25:11). نحنا موجودين بــ 62 رعيّة حتى الآن. في الكنيسة الكاثوليكية الى الكنيسة الأرثوذكسية والروم الملكيين والأقباط الكاثوليك.
نعم، "اُذكرني في ملكوتك"، هي رسالة صلاة من أجل يللي انتقلوا عنا للسما. هي رسالة إيمان ورجاء أنعَم بها الله علينا، حوّلت حزن الموت إلى فرح الرّجاء بقيامة المسيح، ما عدنا نخاف من الموت، لأنا وعينا على مفهوم الموت المسيحي، يللي بيرتكز على حقيقة قيامة الربّ. كلّ الّذين يموتون من أحبّاء وأهل وأصدقاء، يعبرون مع المسيح إلى الحياة الجديدة في ملكوت السماوات. وكما قال الرسول بولس: "إن لم يقم المسيح، فباطلٌ ايماننا" ( 1تس 14:15). ليش موضوع الموت؟ كيف بيعنيني أنا كشابّ وصبيّة؟
كتير منكن يمكن اختبروا واقع الموت بعيلتن وأصحابن، كتير بعد ما صار عندهم هالتجربة.
بس الموت، ما حدن بيعرف كيف بيدّق بوابنا أو بواب عِيَلنا "يوم الربّ يأتي كالسارق في الليل، فكونوا أنتم مستعدين"(متى 43:24). فكونوا مستعدين" كما قيل في الإنجيل.... والتجربة أكيد دايمًا كتير صعبة، لازم نكون عم نتحضِّر بحياتنا ونعيش ايماننا حتى نواجه هالحزن برجا مسيحي على ضوء القيامة.
نحنا كجماعة رسولية منسعى تنعزّز الرجا في مسيرتنا ورعايانا. نجسد ايماننا بكل رموز القيامة. الأبيض بدلًا من الأسود في انتقال أحد الأحبة. وبذات الوقت، تعزيتنا هي عبارة: المسيح قام! لعلّو حدن راح يتعزى بها الكلمة، ويرجع يتذكر ركيزة إيمانه. ومنا نحنا الشباب، لها أثر كبير حوالينا وين ما تواجدنا.
منتمنّى لجميع الموجودين هون إنّو يركزّوا معنا، ينسوا التليفونات، وكل وسائل التواصل الإجتماعيّ، ويجرّبو يتفاعلو معنا ، ويفتحو قلوبن لألله. تنكون خارج العالم المادي، خارج اهتماماتنا الدنيوية.
ما برنامج لقائنا بيتضمّن فقرات منوّعة: يبدأ مع الفيلم الوثائقي الذي يختصر مسيرة 10 سنوات، إلى الموضوع الروحي مع الأب ميشال عبود الكرملي، الى حلقات الحوار والقدّاس الإلهي وبعد الغداء لعبة التحدّ مع العمل الرسولي ولقاء وشهادة حياة مع الفنان جورج خباز. نهار مبارك للجميع!
أنطونيو:
ومن أهم نشاطات جماعتنا الروحيّة:
1. القدّاس الإلهي من أجل كلّ يللي سبقونا للسما، تذكار شهريّ لأمواتنا بكلّ رعيّة، بمشاركة المؤمنين أبناء الرعية، تنضّل بشراكة مع أهلنا وأحبائنا يللي انتقلوا عنا، في اتحاد دايم في الذبيحة الإلهية، بتجمعنا محبة المسيح ربنا.
2. التنشئة الروحية ومحاضرات تفسير الإنجيل بمركزنا الروحي – زوق مكايل. وتُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي (الموقع الإلكترونيّ والفيس بوك، واليوتيوب). من أجل أن نتعمقّ جميعا في الكلمة الإلهيّة، أي في كلام الرّب، كما قال الربّ يسوع: "يا ربّ إلى من نذهب وكلام الحياة الأبدية عندك .."(يوحنّا 6: 86).
3. نشاطات واحتفالات سنويّة تلتقي بها كافة الجماعات وفق برنامج سنوي على مدار السنة ( يوزع في نهاية اللقاء)
من أجل تبادل الخبرات الروحيّة، وشد رباط الإخوة بين الجماعات وأفرادها. ومن أهمها: القداديس الاحتفاليّة، والرياضة السنوية، وأعمال الرحمة، والعشاء السنوي.
أما نحن، كشبيبة نشارك في هذه اللقاءات ونساهم بتنظيمها وخدمتها.
كما نجتمع كشبيبة مرّة في الشهر مع الأب ميشال عبود في مركزنا الروحي – زوق مكايل.
من أجل تنشئتنا الروحية، حتى يصير إنجيل الرّبّ يسوع نموذجًا لحياتنا ويملأها فرحًا وحبًّا وسلامًا.
ومواضيع السنة التي ستعالج هي مواضيع بتهمّنا كلنا لتقدمنا الروحي من ممارسة الأسرار الى معرفة الذات ومواجهة الخوف وغيرها...
كذلك، نسعى كشبيبة الى إيصال رسالة أذكرني في ملكوتك: "روحانيّةً واختبارًا ونشاطًا" الى شبيبة الرعايا، والالتقاء بهم لتبادل الخبرات الروحيّة ونكون بمسيرة وحدة، مسيرة إيمان وتعزية ورجا.
...........................
2. مسيرتي ايمان ورجاء
الأب ميشال عبود الكرملي
إنّ أحدًا منّا، نحن المؤمنين بالمسيح، لن يتجرّأ على أن يدوس الإنجيل بِقَدَميه، إنْ رآه مرميًا أرضًا حتّى وإن طُلِب منه ذلك. إنّ قيمة الإنجيل لا تكمن في كونه كتابًا مصنوعًا من ورق بل تكمن في مضمونه، كونه كلمة الله، لذا ينبغي علينا تبجيله وتكريمه وتقبيله. غير أنّنا ندوس الإنجيل دون قصدٍ منّا في حياتنا اليوميّة، عندما يُكلِّمنا الله بطرقٍ مختلفة ونحن لا نصغي إليه: إنّه يكلّمنا في القدّاس من خلال إنجيله، وفي المواضيع الروحيّة، وفي مواضيع التّنشئة الّتي تُلقى على مسامعنا، ومن خلال وسائل أخرى متعدّدة أيضًا، لكنّنا لا نأبه له، فنُتابِع مسيرتنا في هذه الحياة غير مُكترثين لكلمة الله. وهنا علينا اتّخاذ القرار في أن نكون مع الله أو ضدّه. إنّ الإنسان الّذي يُحِبّ، يُصغي للمحبوب، كما يفرح بالسّماع عنه، وبالتّالي إنْ كنّا نُحِبُّ الله حقيقةً، فعلينا أنْ نُصغي إليه ونسمع عنه، فتَتَمكّن كلمتُه من الرّسوخ في حياتنا وتحويلها، وعندها ننجح في نقلِها للآخرين. إنّ الطاعة للوالدين لا تقتصِر على سماع كلامهم، بل تتعدّاها لتَصِلَ إلى تطبيق نصائحِهم لنا في حياتنا. إنّ سماعنا لكلمة الله، يُعطينا الحياة، ولكنْ هناك أمور كثيرة تقف حاجزًا أمام سماعنا الكلمة وطاعتها، كالسّأَمِ والضجر والتعب، وهذه كلّها تَمنعُنا من سماع كلمة الله والتفاعل معها. إنّ كلمة الله، إنْ كانت مُبتَغانا، فَسَتجِد طريقة للدّخول إلى قلوبنا وعقولنا، كما يقول القدِّيس أوغسطينوس: إنّ الله الّذي خلَقَنا دون إرادتنا، لا يستطيع أن يُخلِّصنا دون إرادتنا، وكذلك الـمَثَل الصينيّ الّذي يقول بأنّك تستطيع أخذَ الحصان إلى النّهر ليشرب، لكنّك لا تستطيع إجباره على الشُرب. وبالتّالي، لا تستطيع الكنيسة إجبار المؤمنين على الاستفادة من المواضيع الروحيّة الّتي تَعرِضُها عليهم، والتفاعل مع كلمة الله، فذلك يجب أن يَصدرَ عن إرادة المؤمِن الشخصيّة.
عنوان لقائنا اليوم، هو:"مسيرتي: إيمان ورجاء". إنّ عبارة "مسيرتي"، تشير إلى أنّ هذه المسيرة هي المسيرة الشخصيّة لكلّ إنسان. إنّ كلّ مسيرة تتميّز بنقطة انطلاق ونقطة وصول، وخريطة الطريق أي الطريق الّذي يجب على الإنسان أن يسْلكَه. إنّ بيلاطس قد سأل يسوع حين مَثَل أمامه في أثناء المحاكمة: "مِن أينَ أنت؟". وعندما يُسأَل أحدكم هذا السؤال، يُقدِّم للآخر بطاقةَ هويّته الّتي تُعرِّف عنه، هذا على المستوى البشريّ الأرضيّ. ولكنْ إنْ أردنا الدّخول في العمق للإجابة على هذا السؤال الّذي يُطرح على كلّ منّا، لَوَجَدْنا أنّ الله هو خالقنا، أي أنّنا مِنْهُ أَتَيْنا وإليه نعود. إنّ الله لا يخلق شيئًا سّيئًا ورديئًا، بل إنّ كلّ ما يخلقه الله هو جيّد وصالح. إنّ نظرتنا إلى ذواتنا ومسيرتنا الشخصيّة مرتبطتان بمدى معرفتنا لله. إذًا، في الجواب على سؤال: "مِن أين أنت؟"، نَجِدُ ماهيّة مسيرتنا، فنقطة الانطلاق فيها هي نقطة الوصول أيضًا: إذ إنّنا ننطلق مِن الله، وإليه نصِل في نهاية هذه الحياة. إنّ نظرتنا إلى الحياة تعكِسُ نظرتنا إلى ذواتنا، فما إنْ تتغيَّر نظرتنا إلى ذواتنا، حتّى تتغيّر نظرتنا إلى العالم من حولِنا. إنّ كثيرًا من النّاس يتخاصمون جرّاء نَعْت أحدهم الآخر بكلمات جارحة ومؤذية. إخوتي، إنَّ نَعتَ الآخر لنا بكلمات جارحة لا يعني أنّنا حقًّا كما قيل عنّا. إنّ الآخرين بكلماتهم الـمُسيئة، لا يقومون بتحديد هويّتنا الحقيقيّة، إنّما يقومون بتحديد هويّتنا بالنسبة لهم، فقيمتنا لا تنبع من كلام الآخرين، بل تنبع من الله. هذه هي هويّتنا الحقيقيّة: فالله هو خالقنا، ونحن متَّصِلون به، أي أنّه هو من يُعطِينا قيمَتنا الحقيقيّة، فقيمَتُنا تنبع من داخلنا. فكما أنّ العملة الماديّة تحافظ على قيمتها مهما فعل بها الإنسان أَبَصَقَ عليها أم داسها بِرِجْلَيه، كذلك نحن، إذ إنّ قيمتَنا تبقى في داخلنا مهما قال الآخرون فينا، لأنّنا نستمّد قيمتَنا من الله. عندما سأل بيلاطس يسوع: "من أين أنت؟"، كان جواب يسوع له هوَ إنّ مملكته ليست من هذا العالم. إنّ مملكة يسوع هي ملكوت السّماوات: إنّ يسوع لم يُولَد في السّماء بين الغمام بل على الأرض، وُلِد في قرية بيت لحم، وهي أصغر مُدُن يهوَذا، إنّ يسوع أمضى حياته على الأرض مُتَنقِّلاً سائرًا على الأقدام ما بين صيدا والجليل وأورشليم أو في المراكب البحريّة لاجتياز بحر الجليل. "أن تكون مملكة يسوع ليست من هذا العالم" لا ينفي عيْشَه على هذه الأرض ضمن زمانٍ ومكانٍ محدَّديْن حين تَجسَّد.
إنّ مجيء يسوع التاريخيّ مؤكَّد، والإنجيل هو برهانٌ على ذلك. إنّ الإنجيل ليس نتيجة اتفاق مجموعة من النّاس على تدوين قصّة أسطوريّة تتكلّم عن فكرة تمَّ اختراعها اسمها يسوع، وذلك بهدف نقل بشرى سارّة إلى النّاس. إنّ الإنجيل هو الكتاب الّذي يؤكدّ حقيقة مجيء يسوع. فكما أنّ الفلاسفة والملوك الّذين عاشوا ما قبل المسيح كأرسطو وأفلاطون ونبوخَذنصّر، قد تأكّد وجودهم من خلال كتاباتهم ومؤلفاتهم وما كُتِب عنهم، فكذلك وجود كتابات عن المسيح تؤكّد مروره في الزّمان: إنّ بعض المؤرخيّن اليهود، على الرغم من عدم إيمانهم بيسوع، كتبوا عنه قائلين إنّ هناك شخص اسمه يسوع قد تعرّض للموت، وقد كان له أتباع قالوا إنّه قام من بين الأموات بعد ثلاثة أيّام على موته. إنّ هذه الكتابات تشكِّل دليلاً على وجود المسيح تاريخيًّا. إنّ المسيح لم يُملِ أعاجيبه وأقواله على التّلاميذ، وهو لم يدوِّن شيئًا عن أعماله، غير أنّ ما يؤكِّد صحّة الإنجيل هو موت الرّسل من أجل المسيح، إذ لا أحد يموت في سبيل إنسان أو فكرة غير حقيقيّة، فَهُم قد عرفوه، وانجذبوا إليه وأحبّوه، ومعه اكتشفوا معنى الحياة، فلم يعد الموت يُخِيفهم. إنّ مملكة يسوع ليست من هذا العالم، وهذا ما نكتشفه من خلال قراءتنا للإنجيل، الّذي يشكِّل خارطة تُوصِلنا إلى ملكوت الله. إنّ الله يُكلِّمنا من خلال الإنجيل، وما كلامه إلاّ تعبير عن مدى حبّه للإنسان الّذي ما إن يَقبَلْ بهذا الحبّ حتّى يُحقِّق فيه التغييرات الجذريّة.
إذًا، إنّ يسوع يدعونا للقيام بمسيرة معه: سأل يومًا أحد التّلاميذ يسوع عن كيفيّة الوصول إلى الآب، حيث كان يسوع ذاهبًا، على الرّغم من جَهْلِهِم للطريق، فَجاءَه جواب يسوع على سؤاله إنّه هو "الطريق والحقّ والحياة". إنّ إعلاننا أنّ يسوع هو الطريق، إنّما هو إعلان منّا عن إيماننا به وعن اتّباعه. إنّ الإيمان هو أن تُصدِّق الشخص الّذي يُكلِّمك، وأنْ تَلتَزِم به وأن تُحِبّه. عندما تَمُرّون بأزماتٍ إيمانيّة وتطرَحون على ذواتِكم أسئلة حول حقيقة ما تؤمنون به، تذكَّروا القدّيسين إذ لا يمكن أنْ يكون كلَّ ما عاشوه مع الله وَهْمًا، كما أنّه لا يمكن أنْ يكون جميع المؤمنين الملتزِمين بالمسيح اليوم على خطأ، إذ لا يمكن أن يُخطِئ الجميع في اتّباع الحقيقة، وأنْ تكون الحقيقة مُلكًا وحِكرًا على شخصٍ واحد. وعندما ننظر إلى كلّ هؤلاء، سنُدرِك أنّهم كانوا شهودًا لنا عن حقيقة وجود الله من خلال مسيرتهم الحياتيّة واتّباعهم له. إنّ صُوَر أجدادِنا المتَوَفِين قبل أن نُولَد، الموجودة في منازلنا، تؤكِّد لنا أنّهم كانوا أحياء، إضافةً إلى شهادات أهالينا عنهم ونَقلِهم لبعض الخُبرات الّتي عاشوها معهم. إنّ عدم رؤيتنا لأمْرٍ ما، لا ينفي حقيقة وجوده. هذه هي حالنا مع الله، فنحن نؤمن بالله على الرّغم من أنّنا غير قادرين على رؤيته بعيوننا البشريّة، وبالتّالي في الأمور الإيمانيّة، علينا الاستناد إلى خبرات الآخرين ومعرفتهم بها. وإليكم قصّة تُوضِح لكم ما أقول: صعد أحد المسافرين إلى الطائرة، وإذ بجارِه في أثناء حديثه معه عن الإيمان وما تُعلِّمنا إيّاه الكنيسة، قد سأله إن كان يعرف قُبطانَ الطائرة أو إن كان قد اختبر مهارته سابقًا في قيادة الطائرة، والجواب كان سلبيًّا بالتأكيد. عندها، أضاف المسافر المؤمِن قائلاً لجاره غير المؤمن: كيف تستطيع أن تضع حياتك بين يديّ قبطان أنت لا تعرفه؟ فكان الجواب أنّه اختار شركة طيران أهلاً للثقة في اختيار مُوَظفيها. عندها أضاف المؤمن قائلاً: كيف يمكنك الوثوق بِشَركة مؤلّفة من بشرٍ، وتُسلِّمها حياتك، وأنت لا تستطيع الوثوق بالكنيسة الّتي أسَّسها الله في شخص ابنه يسوع، والّذي قد فَداها بدمه وَأَوْكَلَها نقلَ الإيمان إلينا؟ إنّ الإيمان هو وَضْعُ ذواتِنا بين يَدَيْ الربّ وتصديقه، فإنّ الربّ صادقٌ في جميع وعوده، وهي موجودة بوَفْرَةٍ في الإنجيل. إن يوحنّا الرّسول يقول لنا في إحدى رسائِله إنّه يُبشِّرنا بِـمَن رأته عيونهم البشريّة ومَنْ لمسته أيديهم، وما سمعوه بآذانهم البشريّة، أي أنّه يبشّرنا بما قد اختبره مع الربّ.
لا تسمحوا بأن تُغمِضوا أعينكم عن هذه الأرض الفانية من دون أن تكونوا قَدْ قُمتُم بقراءة الكتاب المقدّس بأكمله، إذ لا يجب أن نقف أمام الربّ في اليوم الأخير غيرَ مُدرِكين لِـما وعَدَنا به في الإنجيل "كتاب الحياة". إنّ فقراء كثيرين في العالم أغنياء بالمال ولكنّهم يفتقرون للمحبّة والعطاء والتضحيّة. يُخبرون عن أرملةٍ عجوز جَهَدَت طوال حياتها في تربية ابنها، الذّي ما إن أصبح شابًّا حتّى اضطر للسفر من أجل تأمين لقمة العيش. وقد تمكّن هذا الشّاب من إيجاد وظيفة مكَّنَتْهُ من تجميع الثروات. ولكنّه لم ينسَ والدتَه العجوز، فَقَدْ كان يُرسِل الرسائل لوالدتِه باستمرار غير أنّها كانت تجهل القراءة والكتابة، لذا كان تلجأ إلى الجيران كي يَقرأوا لها الرسائل. ولكنّها عندما اطْمَأنَّ قلبها لحال ابنها في الخارج، ما عادت تطلب من الجيران قراءة كلّ تلك الرسائل الّتي يرسلها لها ابنها، لكنّها كانت تحتفظ بها وتُعلِّقها على الجدران، وكانت تؤمِّن معيشتها ممّا يتكرّم عليها الجيران به لأنّها كانت فقيرة جدًّا. وفي أحد الأيّام، سافر أحد الجيران إلى تلك البلاد البعيدة، وعند رؤيته لابن تلك الأرملة، أخبَره بحال والدته المذريّة، فاستغرب الابن هذا الحديث وقرّر العودة إلى الوطن. وعندما وصل إلى قريته وجد أنّ أمّه في حال فقرٍ مُدْقع فسألها ماذا فعلت بكلّ المال الّذي أرسله إليها، فاستغربت حديث ابنها هذا، قائلةً إنّه لم يُرسل لها المال يومًا. وعندما سألها عن الشِيكات الماليّة الّتي كان يُرسلها إليها،لم تفهم عندها ما كان يقوله، ولكنّها أشارت له إلى الجدار حين كانت تُعلِّق كلّ رسائله، فوَجَد الشيكات معلّقة على الجدار. فخلاصة هذه القصّة هي أنّ تلك الأرملة بَقيت فقيرة على الرّغم من امتلاكها للشِيكات الماليّة، وذلك بسبب عدم تَمكُّنِها من قراءتها، فلا تكونَّنَ حالتنا الروحيّة كحال تلك المرأة: فالإنجيل متواجدٌ بين أيدينا وفي منازلنا، وهو يحوي وُعُود الرّبّ ونِعَمِه لنا، وهو مترجم إلى كلّ اللغات، ولا عُذرَ لنا لعدم قراءته. لنستفِد إخوتي من وجود هذا الكتاب بين أيدينا، ولنَعتَبِرْه دعوةً من الربّ لنا لقراءة كتابه.
إخوتي، إنّ من يقرأ الإنجيل هو إنسان قد قَبِل ذاته، ومن يقبل ذاته لا يعود يهتمّ لنظرات النّاس، وبالتّالي فَهوَ إنسان يتمتّع بثقةٍ بالنفس كبيرة جدًّا، أي أنّه قد أصبح قادرًا على اتّخاد القرارات في حياته والالتزام بها. إنَّ من يقرأ في الإنجيل هو إنسانٌ يعرف معنى التّضحيّة، وهو إنسان يُحِبُّ الحياة، وهو إنسان مِعطاء إذ لا يتوانى عن إعطاء الآخرين ما يحتاجونه، فالعطاء لا يقتصر على الأمور الماديّة: إنّه إنسان لا يخاف أن يُعطي من ذاته، وبالتّالي أيضًا من مالِهِ. إنّ الإنسان الّذي يقرأ الإنجيل هو إنسانٌ مؤمنٌ بالربّ، وبالتّالي هو إنسان فَرِح، لا تفارق الابتسامةُ وجهَهُ. إنّ تلك الابتسامة لا تعني بتاتًا أنّ الشخص المؤمن هو إنسانٌ دونَ هموم دنيويّة، بل تعني أنّ إيمانه بالربّ يفوق كلّ اهتماماته الأرضيّة، فالابتسامة هي كلمات تَعْبُر إلى الآخر ولكنّها من دون حروف. إنّ الإنسان المؤمِن يُدرِك أنّ في هذه الحياة هي فرصة وحيدة له، لذلك لا يجعل حياته مرتكزة على إيمانه بشيءٍ معيّن، بل على إيمانه بشخص يسوع المسيح، ويجعل من كلام يسوع برنامجًا لحياته، ويسعى ليعيش حياته وِفْقَهُ. كثيرةٌ هي الرسائل الإنجيليّة والروحيّة الّتي تَصِلُنا عبر الهواتف لكن قلائلَ هم الأشخاص الّذين يقرؤونها ويتأمّلون بها ويَسعُون إلى تطبيقها في حياتهم اليوميّة. إخوتي، إنَّ انشغالاتنا الكثيرة تَمنَعُنا من إعطاء وقتٍ لكلمة الله، فإنْ لم نُكرِّس وقتًا لقراءة كلمة الله والتأمّل بها، فإنّها لن تكون قادرة على أن تفعل فينا وبالتّالي لن تَظهرَ للآخرين من خلالنا. فَمَنْ يريد الله في حياته، عليه أن يُكرِّس وقتًا لكلمته ولتفعيلِها في حياته.
إنّ مسيرتنا هي مسيرة إيمان بالربّ يسوع ولكنّها أيضًا مسيرة رجاءٍ به. إنّ الموت، إخوتي، يأتي كالسّارق، إذ قد يأتي على غفلةٍ منّا، أي في وقتٍ وساعةٍ لا نعرفهما. إنّ كلام يسوع في الإنجيل هو واضح جدًّا فهو لا يَعِد المؤمنين به بحياةٍ أرضيّة خاليّة من الموت والألم والهموم الدنيويّة. إنّ يسوع لم يَقُل إنّ من يؤمِن به لن يموت، بل قالْ إنَّ مَن يُؤمِنْ به يَنَلْ حياةً أبديّة، لذا لا يجب أن نَفْقِد إيماننا بالله عندما نَفقِد أحد الأعزّاء بالجسد، لأنّه لم يَعِدْنا بحياةٍ مليئة بالأفراح وخالية من الأحزان في هذه الأرض، وبالتّالي لا يجب أنْ نُعاتِب الله ونقطع علاقتنا به ونخاصمه إن لم يحقِّق لنا ما لم يَعِدْنا به، فَهُوَ لم يَعِدْنا بتحقيق كلّ ما نرغب به من أمور دنيويّة. إنّ الله قد وَعَدَنا بالسّماء، وهو لم يَعِدْنا بأنّنا لن تموت أبدًا بل وَعَدَنا بالحياة الأبديّة حين نغادر هذه الفانية إذ قال: "من آمن بي، وإن مات فسيحيا". إنَّ مسيرتنا في هذه الحياة إذًا، لا يجب أن ترتكز على التوقّف عند أمور دنيويّة فانية بل يجب أن تتخطّاها إلى وعود الربّ لنا في الحياة الأبديّة بَعدَ هذه الحياة الأرضيّة. إخوتي، هنا أوّد الإشارة إلى ضرورة أن نتشارك في النِّعم الروحيّة الّتي نحصل عليها، لأنّ مسؤوليّتنا تكمن في نقل البشارة إلى الآخرين إذ إنَّ الربّ قد جعلنا رُسُلاً له في هذه الحياة. إنّ نَقلَ كلمة البشارة إلى الآخرين يتطلّب منّا أوّلاً سماع كلمة الله، ومِنْ ثمَّ التشارك بها مع الآخرين، وهي في بعض الأحيان تصل إلى الآخرين بطريقة مشوّهة وغير صحيحة. إنَّ يسوع المسيح بِتَجَسُّدِهِ قد قال لنا الحقيقة كاملة، وهي الحياة الأبديّة.
اجتمع المفكرون والفلاسفة على الفكرة التّالية: أنّ الإنسان هو كائن مميّز عن بقيّة المخلوقات اللّاعاقلة، إذ تمكّن من القيام باختراعات كثيرة لا تُعَدّ ولا تُحصى كاللّغة والتِقَنيات الّتي مَكَّنَتْهُ من التواصل مع إخوته البشر في كافة بِقاع الأرض، وهذا ما لم تتمكّن بقيّة المخلوقات اللّاعاقلة من القيام به. ولذا، فَقَدْ تَوَصَّل هؤلاء إلى الاعتقاد بإمكانيّة وجود حياة أخرى بعد الموت، إذ بالنسبة لهم لا يمكن أن تنتهي حياة الإنسان بالموت كسائر المخلوقات، وأنْ يكون الإنسان محدودًا بالجسد، وأن يزول بزوال جسده. إنّ الفلاسفة لم يكونوا مؤمنين، وبالتّالي لم يكن لديهم رؤية روحيّة واضحة للأمور، لذا أطلق أفلاطون على الحياة الأبديّة لقب "عالم الـمُثُل"، ليُعبِّر عن الحياة الأبديّة الّتي تنتظر الإنسان. هذا ما قام يسوع بتأكيده فيما بَعِد حين تجسّد، إذ كلَّمنا عن الحياة الأبديّة وَوَعدنا بها، والكتاب المقدّس وتحديدًا العهد الجديد، كُتِب ليُخبرنا أنّنا خُلِقنا للسّماء وليس للأرض، وأنّ نهايتَنا لا تكون بأنْ نعود إلى الأرض، إلى التراب بل إلى السّماء أي من حيث أَتَيْنا.
إنّ الرّجاء يختلف كلّ الاختلاف عن الأمل، فالأمل يتعلّق بأمور أرضيّة دنيويّة ويرتبطٌ بإنسانٍ محدودٍ في الزّمان والمكان، وهذا ما يَجعَلُنا معرَّضِين في كلّ لحظة لخيبات أملٍ كثيرة. أمّا الرّجاء فهو مرتبط بالله، ومرتبط بالحياة ما بَعْدَ الموت. فالإنسان الّذي يؤمن بالرّبّ يسوع ويرجو الحياة الأبديّة، فإنّما رجاؤه هذا لن يخيب لأنّ الربّ أكّد عبر التّاريخ أنّه صادقٌ وأمينٌ في وُعُودِه. هذا هو الرّجاء: أنْ نَنْظُر إلى فوق، إلى السّماء، وننتظر الحصول على الحياة الأبديّة بَعْد الموت الجسديّ. إنّ عيش الإنسان لهذه الحياة بالملء إنّما هو دلالة على أنّه يُدرِك أنّ الحياة لا تنتهي بالموت، بل إنّه يَعبُر في هذه الحياة الّتي يعيشها مرّة واحدة ليَصِل في النّهاية إلى الملكوت أي إلى الحياة الأبديّة. وكلامُ مار بولس في إحدى رسائِلِه ما هو إلّا تأكيد على ما نقول إذ قال: إنّ آلام هذا الدّهر ما هي إلاّ لحظة في الدّهر الآتي، ولذا، فإنَّ كلّ ما كان سببًا لانزعاجنا وأَلَـمِنا في هذه الدّنيا، سيكون سببًا لفرحنا في الدّهر الآتي. إنّ الرّجاء هو ما تَكَلَّم عنه أيضًا يوحنّا الرّسول في سفر الرؤيا إذ قال إنّ الأرض والبحر سيزولان، وستكون هناك أرض جديدة وسماء جديدة، وسيكون الله إلهًا لسُكَّان هذه الأرض الجديدة، وهم سيكونون شعبه.
إذًا، السؤال الّذي يجب أن نطرحه على ذواتنا هو: كيف نعيش مسيرتَنا الروحيّة على هذه الأرض؟ إنّ مسيرتنا تكون مسيرة رجاءٍ إنْ كُنّا نبغي كلّ ما هو فوق، ونسعى للوصول إليه، أي الوصول إلى السّماء وَنَيْلِ الحياة الأبديّة. في كلّ مسيرة، نقطة انطلاق، ونقطة الانطلاق في مسيرتنا صوب ملكوت السّماوات تَبدأ من هذه الحياة الأرضيّة، أي من زمانٍ ومكانٍ محدَّدَيْن كما فَعلَ يسوع إذ بدأ مسيرته صوب الملكوت كإنسان حين اتّخذ جسدًا يحيا بين البشر. إنّ الله خلَقَنا من دون إرادتنا، ولم يترك لنا الحريّة في اختيار المحيط الّذي نرغب في الانضمام إليه من عائلة وإخوة ورفاق وقرية وبلد، ولكنّه أعطانا الحريّة في أنْ نحبّهم ونعيش الحياة بملئها، مع الّذين يُحيطون بنا. إنّ يوحنا الرّسول في هذا الإطار قال بما بمعناه إنّه على كلّ إنسان يحبُّ الله، أنْ يُعبِّر عن ذلك من خلال محبّته لإخوته البشر، إذ لا يستطيع الإنسان أن يُبغِض أخاه الإنسان الّذي يراه، ويُحِبّ الله الّذي لا يراه، لأنّه حينئذٍ يكون كاذبًا. إذًا، إنّ نقطة الانطلاق في مسيرة كلّ إنسان صوب الملكوت هي المحيط الّذي يعيش وينمو فيه.
إنّ مسيرتنا صوب الملكوت لا تكون مسيرة فرديّة إنّما مسيرة ضمن جماعة، وعلى كلّ إنسان في هذه المسيرة أنْ يسعى لأنّ يُحِبّ الآخرين وأنْ يَشعُرَ بأنّه محبوب من الآخرين. إنّ الربّ يقول لنا إنّه حتّى لو نَسِيَتْ الأمّ رضيعها فَهُوَ لن يَنساها، ليُعبِّر لنا عن مدى حبّه لنا نحن البشر. وإنّ أكبر إهانة يتعرّضُ لها الأهل، هي لوم الأبناء لهم على عدم شعورِهم بمحبّتهم. إنّ الأهل يتعاملون مع أبنائهم باندفاعٍ كليّ، ولكنْ في ظلّ صعوبات هذه الحياة، قَدْ لا يشعر الأبناء بمحبّة والديهم، وبالتّالي يتحوّل الأقرباء إلى أعداء. إنّ ذلك ليس مُستغربًا أبدًا، فَيَسُوع قد عاش الأمر نفسه، إذ قد سلَّمه يهوذا أحد الاثني عشر إلى بيلاطس أي إلى المحاكمة والموت، كما أنَّ يسوع تعرَّضَ للنُكران من قِبَل بطرس. إنّ ما يُسبِّب ألـمًا نفسيًّا للإنسان هو أنْ يتعرَّض للخيانة من قِبَل المقرّبين منه، من أحبّائه. إنَّ الأمور السّيئة والسلبيّة الّـتي نمرّ بها قد تكون وسيلة ليتدخّل الله في حياتنا من خلالها، فنُدرِك حينها أنّنا محبوبون من قِبَلِه، وعندها فقط سنتمكّن من أن نحبّ الآخرين. إنَّ الإنسان الّذي يُحِبّ، هو إنسان قادر على عطاء ذاته للآخرين، وهو بالتّالي يُشبِهُ الحفرة الّتي كُلَّما أفرغناها من الرّمال اتَّسَعَت وأصبحت قادرة على استقبال المزيد من كميّات المياه في داخلها. ففي كلّ مرّة، يُقدِّم الإنسان التّضحيات في سبيل الآخر، أي كلّما أعطى الإنسان من ذاته، كلّما ازداد اتِّساعًا لاستقبال نعمة الله، وتمكّن الله من إفاضة نِعَمِه على هذا الإنسان المعطاء.
إنّ الكنيسة تعلّمنا أنّنا نولد في المعموديّة أبناءً للملكوت، وأنَّ مسيرتنا الروحيّة مع يسوع تبدأ منذ ذلك الحين. غير أنَّ الأطفال لا يستطيعون تأمين الغذاء لنفوسهم ولا الاهتمام بنظافتهم، وهم يحتاجون لِـمَن يُساعدهم في ذلك. لذلك، فإنّ الكنيسة تهتمّ بغذائنا فَتُقدِّم لنا سرّ الافخارستيّا وتُغَذِّينا بالغذاء الروحيّ في القربانة الّتي نتناولها في كلّ قدّاس، كما أنّها تمنحنا سرّ التوبة للاعتراف بخطايانا والتحرّر منها فَنَتَجدّد بالرّوح القدس. إنّ يسوع أعطى تلاميذه سلطانًا ليغفروا الخطايا فَوَهبهم الرّوح القدس، وقال لهم :"خذوا الرّوح القدس، فَمَن غفرتم له خطاياه غُفِرَت له، وَمَن أمسكتم عليه خطاياه أُمسِكَتْ له". وفي القربان المقدّس، أعطانا الله مفتاحًا للسّماء إذ قال لنا: "مَنْ أكل جسدي، له الحياة الأبديّة". إذًا إنَّ غذاءنا الروحيّ في مسيرتنا صوب الملكوت هو الأسرار، وتحديدًا سرّ التوبة وسرّ الافخارستيا، إضافةً إلى الحبّ البشريّ الّذي نعيشه مع إخوتنا البشر. لنَسعَ إخوتي، كي لا نسمع مُستغربين، حين نقف في اليوم الأخير أمام الرّبّ للدينونة، ذلك الصوت القائل: "إليكم عنّي أيّها الملاعين، لأنّي لا أعرفكم". إنّ الإنجيل واضِحٌ حين يُكلِّمنا عن أولئك الّذين قاموا بالمعجزات باسم يسوع، وبَشَّروا به، ولكنّهم أصبحوا غرباء عن المسيح في اليوم الأخير لأنّ هدفهم لم يكن المسيح بل المجد الأرضيّ. إخوتي، لِنَسعَ كي لا نكون من عداد أولئك الّذين يقفون مُستَغرِبين من نُكران المسيح لهم في اليوم الأخير، إذ يقول لنا إنّ مكاننا للأسف ليس معه، لأنّنا حين كُنّا على هذه الأرض لم نُشارك في القداديس، والمواضيع الروحيّة محبّةً به، بل من أجل مصالحنا الشخصيّة أي من أجل القيام بلقاءات خاصّة وإظهار ذواتنا للآخرين من خلال ثيابنا الجديدة. وهنا أودّ أن أختم بمقالةٍ كتَبْتُها سنة 1999، بعنوان "هذا ما يَنقُصُني"، تُلخِّص كلّ ما قلناه اليوم:
"كنتُ يومًا من الأيّام، على منبر الوعظ، أَعِظ وأبشِّر بكلام الله. وإذا بالنّاس جميعًا مدهوشين من كلامي، وما يخرج من فمي من كلامٍ وحِكَم حتّى خُيِّلَ للبعض بأنّه كلام الملائكة يُقال بِلُغة البشر. وكنت أَرُّد بِوَعظي أناسًا كثيرين إلى الإيمان، وأتنبّأ بنبوءات مستقبليّة، تتمّ الواحدة تلوَ الأخرى، وكنت أجترح المعجزات الكثيرة وأتنبّأ بنبوءات كبيرة. وكان كلّ ما يصل إليّ أفرِّقُهُ لإطعام الفقراء والمساكين. وكنت أُزَكِّي نفسي بالقول: لو كنتُ في أيّام المسيح أو في عهد الرّسل لما كانت أي بقعة في الأرض، لا تعرف المسيح لأنّي كنت سأبشِّرها به.
وفي يومٍ من الأيّام، وَقَعَ اضطهادٌ شديد ضدّ المسيحيّة. وكنتُ أنا أوّل مَن قَدَّم جسده ليُحرَق غير آبهٍ بالاستشهاد لأنّي مُتَيَّقنٌ مِن أنّي أنا وارث الملكوت، أنا من قام بكلّ تلك الأفعال العظيمة. ولـمّا فَنِيَ جسدي، مَثَلْتُ بروحي أمام المسيح الديّان الجالس على عدله يدين النّاس بالعدل والمحبّة. وكنتُ كلّما اقتربت منه، أشعر بخجلٍ شديد يمنعني مِنَ التقرّب إليه. وإذا بي أرى يده تُشير لي إلى يساره أي إلى العذاب الأبديّ. فالتَفَتُّ ورائي حَسبي أنّ هناك أحدًا غيري يُشار إليه بذلك، فوَجدتُ نفسي وحيدًا أمامه، فقُلْتُ له: هذا أنا يا ربّ، أنا الّذي فعلت كذا وكذا وكذا، وعَدَّدتُ له كثيرًا من الأمور الّتي قُمتُ بها. فَخُيِّلَ إليَّ بأنّه يهزّ برأسه قائلاً: "مكانك ليس عندي". فَعُدتُ بتذكيره "هذا أنا"، فإذا بي أرى القدِّيس متّى حاملاً في يده إنجيلي الخاصّ الّذي كنتُ أنا أقرأه وأعلّم منه، قائلاً: ليس من يقول لي: "يا ربّ، يا ربّ، يدخل ملكوت السّماوات، بل مَن يعمل بمشيئة أبي الّذي في السّماوات. سوف يقول لي كثيرٌ من النّاس في ذلك الوقت: يا ربّ باسمك تنَبّأنا، باسمك طردنا الشياطين، وباسمك قمنا بالمعجزات. أقول لهم: إليكم عنّي أيّها الأثمة لا أعرفكم أبدًا." فقُلْتُ يا ربّ هذا الكلام قرأته وما فهِمْتُه، والآن لم أفهمه أيضًا. فإذا بي أرى القدِّيس بولس يحمل في يده رسالته الأولى إلى أهل قورنتس في الفصل الثالث عشر، وبدأ يقرأ: لو تكلّمتُ بلُغات النّاس والملائكة، ولم تكن لديّ المحبّة، فما أنا إلّا نحاسٌ يطنّ وصنجٌ يرنّ، ولو فرّقتُ كلّ مالي لإطعام الفقراء والمساكين وليس لديّ المحبّة، ولو أسلمتُ جسدي ليُحرَق وليس لديّ المحبّة، فما يفيدني ذلك نفعًا! ووَجدْتُ القدِّيس يوحنا الصليب قائلاً: عند المساء، أي عند غروب حياتك سوف تُحاسَب على الحبّ، فَتَعلَّم أن تُحِبّ الله بالطريقة الّتي يريد هو أنْ يكون محبوبًا بها. نَظَرْتُ إلى السّماء، فإذا بي أرى القدِّيسين والتواضع ينبعُ من قلوبهم والمحبّة تُشِّع من وجوههم. ومرّت حياتي أمامي في لحظة، فلم أجد فيها إلّا كبريائي وافتخاري وحبّي لذاتي، وإنّ كلّ ما فعلْتُه كان لمجدي الشّخصيّ. ندِمْتُ وماذا يَنْفَعُ النَدَم؟! سالت دموعي فإذا هي تمرّ على يديَّ وتُرَطِّبهما. فاستيقظْتُ مِن نومي واجدًا نفسي أحلُمُ وأنا نائمٌ في ساعة تأمّل. إنّها كانت فُرصَتي."
إنّ مسيرتنا هي مسيرة إيمان ورجاء. نعيش الإيمان من خلال محبّتنا للآخر. إنّ الله صادقٌ بِوُعُوده لنا بأنّه سيَهَبُنا الحياة. وإنّنا نعلم أنّ أمواتنا هم بين يديّ رحمة الرّبّ: فَهُمْ السّابقون ونحن اللّاحقون. وَكَونُ أمواتنا هم السّابقون فَهُمْ يطلبون إلينا أنْ نسعى لنعيش حياتنا الأرضيّة بملئها ونبدأ بالتّحضير للسّماء، أي من أجل حصولنا على الحياة الأبديّة. إنّ أمواتنا هم في سعادةٍ لا تُوصَف لأنّهم في حضرة الربّ، وَهُمْ يَدعوننا إلى عدم القلق في أمرهم، بل أكثر من ذلك، إنّهم يطلبون منّا الاهتمام بتحضير ذواتنا للقائهم في اليوم الأخير، لنكون وإيّاهم في حضرة الربّ. إنّ مسيرتنا هي مسيرة رجاءٍ بالربّ. فَنَحْنُ في هذه الأرض نُشبِه مسافرًا ترك بلاده، من أجل جمع الثروات، ولذا فَهُوَ لا يشتري كلّ شيء، بل فقط ما يحتاحه ويفيده إلى حين عودته إلى بلده. لذا، لِنَسعَ إلى جمع كلّ ما يفيدنا ويُهيِّئُنا للحياة الأبديّة، ولنطرح عنّا كلّ ما لا فائدة منه في الملكوت.
ملاحظة: دوِّنت المحاضرة من قِبَلِنا بتصرّف.
3. اسئلة وخلاصة حلقات حوار
1. القيامة أساس إيماننا، أتؤمِن بقيامة الربّ يسوع؟ ما هو الموت في المفهوم المسيحيّ؟
2. لِمَ نصلّي من أجل المنتقلينَ عنّا، ونقيم القدّاس الإلهيّ راحةً لنفوسهم؟
أ - إنّي أؤمن بقيامة الربّ يسوع فالإنجيل يؤكِّد لي ذلك، كما أؤمن بقيامة الأموات بدليل ظهور القدِّيسين على المؤمنين الّذين لا يزالون على قيد الحياة. عندما يفقد الإنسان شخصًا عزيزًا بالموت، يطمئنّ عند إيمانه بالحياة الثّانية. إنّ الإنسان معرَّض للموت، لذا نجد أنّ للقيامة من بين الأموات أهميّة كبرى عنده لأنّ الكلّ يسعى إلى الخلود. إنّ قيامة الربّ يسوع تذكِّرنا بعبور المسيح من هذه الحياة وعودته إلى أبيه: إنّ المسيح استطاع بجسده الممجَّد أن يطوف الأرض، وقد تأكَّد توما الرّسول مِن قيامته حين طلب أن يضع إصبعه في جنب المسيح. وإنْ أَردنا الانطلاق من الأرضيّات صوب الروحانيّات: نقول إنّ اليهود قد شهدوا حدوث أمرٍ غريب، فَحُرّاسُ قبر المسيح أكّدوا تلك القيامة لليهود حين قالوا لهم إنّ جسد الربّ قد اختفى من القبر. إنّ اليهود تأكَّدوا من قيامة المسيح، ولكن أرادوا إخفاءها من خلال رشوة الحرّاس. وقد شهد على قيامة المسيح جميع الرّسل إضافةً إلى النسوة اللّواتي ذهبن لتحنيط جسد المسيح، كما اختبر بولس الرّسول قيامة الربّ على طريق دمشق.
إنّ فكرة القيامة تُريح الإنسان غير المتعمِّق في إيمانه، إذ تزرع فيه الرّجاء بحياةٍ ثانية أفضل من هذه. فالقيامة تُعطي معنى للحياة الّتي نعيشها على هذه الأرض، إذ تجعلنا نفهم معناها. إنّ العائلة تنقل إلينا إرث الإيمان، غير أنّ الانسان يكتسب عمقًا في إيمانه من خلال اختباراته وبَحثِه عن شهود ليتأكَّد من صحّة ما يؤمِن به. إنّ إحدى القدِّيسات اكتشفت المسيح وأحبّته وتَبِعَته، ولم تحصل على إرث الإيمان من والدَيها.
ب - إنّ حياتنا على هذه الأرض هي تهيئة لحياتنا في السّماوات. فحياتنا هي كالقطار الّذي لا بدّ له أن يصل في النّهاية إلى هدفه الّذي هو وصول المؤمِنين إلى الحياة الأبديّة. إنّ الإنسان ذو طبيعة بشريّة أرضيّة، ضعيفة أمام الموت، لذا هو يحزن عند فقدان أحد الأحبّاء، وينسى كلّ أساس إيمانه المسيحيّ، إذ إنّه يرى في الموت خسارةً له لا رِبحًا.
على الإنسان أن يستعدّ للموت في كلّ لحظة من حياته. إنّ الموت يشير إلى أنّ المنتقل قد أنهى رسالته الّتي جاء من أجل تحقيقها في هذه الأرض. إنّ كلّ إنسان قد عاش اختبارًا مختلفًا عن الآخر في هذه الحياة.
إنّ القدِّيسة تريزيا تقول:"سعادتي حبُّك، أنا لا أموت أبدًا بل أدخل الحياة". إنّ القدِّيسين هم شهود لحبّ الله ولرحمته للبشر، ومن شهادات حياتهم نتعلّم أن نُعبِّر عن حبّنا للربّ من خلال قيامنا بأمور صغيرة بحبٍّ كبير. إنّ الموت ليس فقط موتًا جسديًّا، فالموت أنواع: فهو قد يكون موتًا عن عاداتٍ سيئة، أو أمور ماديّة. إنّ المؤمن يختبر الموت والقيامة في حياته، ولا يفكِّر في كيفيّة حدوثهما. حين سُئِل القدِّيس دومِينيك سافيو عن الأمور الّتي سيقوم بها إن أدرَك أنَّ موته قريب، أجاب أنّه يستمرّ باللّعب، أي أنّه يُكْمِل عمله، لأنّه مستعدّ على الدّوام لتلك السّاعة.
ج - إنّ صلاتنا لأمواتنا تُعبِّر عن شراكتنا واتِّحادنا بهم. إنّنا وأمواتنا نشكِّل جسد المسيح السريّ. على الإنسان أن
يجاهد في هذه الحياة كي يصِل إلى الملكوت. إنّ أمواتنا غابوا عنّا في الحضور، ليشرقوا في ديار الربّ السماويّ، كالشمس الّذي تشرق بنورها في الصّباح وتغيب عند المساء. التواصل مع الموتى المؤمنين يشكِّل فرصةً لنا كي نتذكَّر أقوالهم وافعالهم في حياتهم الأرضيّة ونتخِّذ منها العِبَر. إنّ جميع البشر متساوون أمام الموت. إنّ الصّلاة هي طريقة للتواصل مع أمواتنا. إنّ الصّلاة هي حضور الله. إنّ النّفوس المنتقلة من هذه الأرض، تفقد قدرتها على تخليص ذاتها، فإنّ الصّلاة لأمواتنا تشكِّل مساعدة لهم ودعمًا للنّفوس كي تتطهّر وتنتقل للتّنعم في ملكوت السماوات.
ملاحظة: دُوِّنت هذه الخلاصة مِن قِبَلِنا بتصرُّف.
.................................
4. عظة القداس الإلهي
https://youtu.be/3aUh0UWBnpc
إنّ السنة الطقسيّة في الكنيسة تشبه دوران الأرض حول الشمس: فكما أنّ الأرض تدور حول الشمس، ويَنتُج عن ذلك فصول وأشهر وأسابيع وأيّام،كذلك الكنيسة تدور حول عريسها، الشمس الإلهيّ، يسوع المسيح، ويَنتُج عن ذلك سنة طقسيّة. إنّ السَّنة الطقسيّة مؤلّفة من عدّة أزمنة: أوّلها زمن المجيء أي زمن الميلاد، يَلِيه زمن الدنح أي زمن الظهور، ومن ثمّ زمن الصّوم، فالقيامة، والعنصرة وأخيرًا الصليب. وكما أنّ الشمس الّتي أشرقت علينا اليوم، هي نفسُها الّتي أشرقت على جميع الخليقة منذ بدء تكوين العالم، بِنُورِها الـمُتجَدِّد يوميًّا، كذلك الأمر بالنسبة إلى كلمة الله الّتي ما زالت، تُقرَأ في كلّ سنة طقسيّة، مع تَجَدُّدِها يوميًّا لتَتَمكّن من الوصول إلى أعماق الإنسان. إنَّ كلمة الله، متى اتّحد الإنسان بها وتفاعل معها، تُغَيِّرُه وتنشر عطر الله من خلاله في هذا الكون. إنّ عدم تَغَيُّر الإنسان عند سماعه كلمة الله لا يُشير أبدًا إلى عدم فعاليّة كلمة الله، بدليل قدرتها على إحداث تغيير جذريّ في حياة الّذين يقبلونها، بل يُشير إلى وجود مشكلة عند الإنسان الّذي يرفضها. يُروى عن أحد الأشخاص أنّه وَضَعَ اسفنجة في وعاءِ ماءٍ من أجل أن تَتَبلَّل لكنّه لم ينجح في ذلك، فأعاد الكَرَّة مرّاتٍ عديدة، ولكنّ النتيجة كانت الفشل دائمًا، فما كان منه إلّا أن سأل أحد رفاقه عن سبب عدم تَبلُّل اسفنجته. استغرب الرفيق الأمر، وطلب منه التأكّد من أنّه قد نزع عن الاسفنجة الكيس العازل للمياه الّذي تُوضَع فيه عند الشراء. وعندما نَظَرَ إلى الإسفنجة، رآها مغلّفة بكيسٍ كان يمنع وصول المياه إليها. إنّ حالة هذا الإنسان مع الاسفنجة، هي حال المؤمن مع كلمة الله في الكثير من الأحيان: ففي حياة الإنسان، حواجزُ كثيرةٌ تمنع كلمة الله من الوصول إلى أعماقه وتمنعه من التفاعل معها. لذا، علينا في كلّ قدّاس أو وقفة روحيّة، أن نُعلِن عن رغبتنا في ولوج كلمة الله إلينا، وأن نطلب من الله إرسال روحه القدّوس إلينا لنتمكّن من قبول كلمة الله والتفاعل معها في حياتنا اليوميّة، فتتمكّن من أن تُغيِّرَنا، بطريقةٍ لا نَعرِفُها وفي وقتٍ لا نتوقّعه.
هذا ما حدث مع زكريا وأليصابات إذ استجاب الله لطلبتهما فرزقهما ولدًا، عندما قطعا الأمل من إمكانيّة الحصول عليه بالطُرق البشريّة نظرًا إلى أنّهما كانا قد طَعنا في السِّن. إنّ عقدة لسان زكريا، لا تدّل أبدًا على تمييز الله بين أبنائه: إنّ زكريا قد شكّ في قدرة الله على تحقيق طِلبَتِه ولم يصدّق كلام الملاك، ولهذا كان يجب أن يصمت ليتمكّن من التأمّل في سرّ الله؛ أمّا مريم فلم تَشُّك في كلام الله وبِـمَ بشرّها به، بل أرادت فقط أن تستوضح منه كيفيّة تحقُّق ذلك. إنّ البشر يهتمّون بكلّ ما يَظهَر للعلن، أمّا الله فيهتمّ لداخل الإنسان. إنّ ابتسامة أحد الأشخاص لك، لا تُعبِّر بالضرورة عن محبّته، إنّما قد تحوي في طيّاتها انتقامًا وشرًّا يتمّ تحضيره لك، والبيت الشعري هذا:"إن رأيت نيوبَ اللّيثِ بارزةً فلا تَطُنَّن أنّ اللّيثَ يبتسمُ"، هو خير تعبير عن تلك الحالة. إنّ الظاهر لا يعكس حقيقة داخل الإنسان، كما أنّ الخارج لا يُعبِّر بالضرورة عن الدّاخل. إنّ الله وحده يستطيع أن يفهم القلوب، هذه هي خلاصة المقارنة بين نتيجة بشارة الملاك لزكريا ونتيجة بشارته لمريم.
إنّ النّعمة تُشبِه الموت والألم، إذ إنّهما كما النّعمة، يقرعان أبوابنا في وقتٍ وزمانٍ لا نَعرفهما، وبطريقة لا نتوقّعها. لذا، علينا أن نكون مستعدّين لهما، والاستعداد يكون عبر ترداد كلمة "لتكن مشيئتك". إنّ مشيئة الله لا تتحقّق بعذاب الإنسان وتألُّمِه إنّما بقداسته، فالله هو إله أحياء لا إله أموات، وبالتّالي هو لا يريد موت الإنسان إنّما يريد وهب الحياة له. هذا ما يميّز جماعة "أذكرني في ملكوتك" عن سائر الجماعات الكنسيّة، ويشكِّل علامتها الفارقة: فهي تسعى إلى إعلان الرّجاء، وعَيْشِه، ونقله إلى الآخرين. إنّ أعضاء هذه الجماعة ليسوا بحجارة أو بملائكة، فَهُم يتأثرون، ويبكون كسائر البشر عندما يفقدون عزيزًا، أو تُصيبُهم الأوجاع، إلّا أنّهم يسعون إلى تَقَبُّل هذا الألم والفراق برجاء كبير، وهذا ما يؤدي إلى إعلان كلمة الله إلى الآخرين، من خلالهم.
إنّ عقدة لسان زكريا لم تكن عقابًا من الله، إنّما كانت فرصةً ليتأمّل في سرّ الله، فبدون الصمت لا نستطيع فَهْمَ سرّ الله. أمام سرّ الله، يقف الإنسان مدهوشًا ومُتَعَجِبًا، عاجزًا عن التعبير عن عظمة سرّ الله. إنّ الوقت وحده هو الكفيل بأن يساعد الإنسان على فَهْمِ سرّ الله. إنّ زكريا يعلّمنا أن نصمت، وإن لم يُفرَض علينا الصّمت من الخارج أي من خلال الطبيعة، أو بقوّة إلهيّة، فلنسعَ أن نصمت من الدّاخل، لنتمكّن من سماع كلمة الرّب في أعماقنا. إنّ آباء الكنيسة يُركِّزون على أهميّة الصمت، إذ إنّ الصمت لم يجعل صاحبه يندم يومًا عليه، بل إنّما الكلمات الجارجة الّتي قد يتفوّه بها الإنسان هي الّتي أدّت إلى خصومات ما بين البشر، وجعلتهم يندمون في أغلب الأحيان على التفوّه بها. أمّا كلمة الله فإنّها تحيي الإنسان، ولا تجعله يندم على حملها أبدًا.
إخوتي، لِنَصمُتْ وَلِيَكن صمتُنا هذا فعلَ إرادةٍ صادرٍ منّا، ولنطلب من الله أن يزرع كلمته في أحشائنا، وأن يساعدنا ويُعينَنا لنسير وِفْقَها في حياتنا اليوميّة. آمين.
ملاحظة: دوّنت العظة من قِبَلِنا بتَصرّف.
تجدون على هذا الرابط فيلما يختصر نشاطات هذا اللقاء السنوي للشبيبة 2016
https://www.youtube.com/watch?v=nPCdm2iw9Pk&t=25s
تتمة...