البحث في الموقع

لقاءات و نشاطات


شبيبتنـا

12/3/2017 شفاء النازفة في قلب كلّ إنسان، قوّة إيمان، وطاقة حبٍّ
https://youtu.be/kTk2f3xcJag

تأمّل في"أحد شفاء النازفة"
للأب ميشال عبّود الكرمليّ

12/3/2017

في الأحد الثالث من زمن الصّوم، نتأمّل في نصّ شفاء النّازِفة. لقد دعا قائدُ المئة يسوعَ إلى منزِله ليشفيَ ابنته المريضة وهي في الثانية عشرة مِن عمرها، فانطلق يسوع في طريقه إلى بيت يائيروس مُلَبِيًّا الدّعوة، وكانت الجموع تزحمه. وقد كان بين الجموع امرأةٌ، خافَتْ من عيون البشر، لأنّ المرض قد فَتَك بِجَسَدِها وأنهكَ نفسيّتها. وقد وجدت المرأة في يسوع المسيح الّذي يتقدَّم هذه المسيرة، ربّ الحياة. لقد أيقنت هذه المرأة تمامًا أنّ لا حياة دون يسوع، وأنّه هو مُعطي الشفاء وواهب القوّة، لذا لم تَخَفْ على الرّغم من الجموع الكثيرة من الاقتراب منه ولَمْسِ هُدبَ ردائه. لقد استخدمَ الإنجيليّ فِعل "لَمسَ" للدلالة على رغبة المرأة في الحصول على تلك القوّة الشافية من يسوع.

إنّ الشِّفاء لم يتمّ نتيجة لمسة سحريّة، إنّما تَمّ نتيجة اقتراب المرأة من يسوع ولَمسِها هُدبَ رِدائه. لقد كانت الجموع الغفيرة تزحم يسوع، وكُثُرٌ هم الّذين لَـمَسوه، لكنّ لَمسَة هؤلاء لم تكن تعبيرًا عن إيمانهم به، أو رغبةً بانتزاع القوّة الشافيّة منه إذ إنّ يسوع هو ربّ الحياة والموت. إنّ هذه المرأة هي الوحيدة بين كلّ تلك الجموع الّتي تمكّنت من الحصول على الشِّفاء لأنّها آمنت به إلهًا. نعم، إنّ يسوع هو الإله، لذا عرف بتلك القوّة الشافيّة الّـتي خرجت منه، فأوقف المسيرة وسأل الحاضرين:"مَن لَـمَسَني؟". عندها، أدْرَكت المرأة أنّ أمرَها لم يَخْفَ على يسوع، فما كان مِنها إلّا أن اعترَفَتْ بما حصل معها أمام الجموع، فقال لها يسوع:"إيمانُكِ خلَّصَكِ".

في قلب كلّ إنسان، قوّة إيمان، وطاقة حبٍّ، فالإنسان لا يستطيع أن يعيش دونَ مُـعطي الحياة والإيمان يسوع المسيح، ولا معنى للحبّ في قلب الإنسان دون الحبّ الإلهيّ الحقيقيّ يسوع المسيح. إنّ الإعجوبة تحدث عندما يتمّ التبادل بين ضُعف الإنسان وقوّة الله، أي عندما يستجيب الإنسان لحبّ الله اللّامتناهيّ، يتمّ التغيير الخارجيّ والداخليّ في قلب المؤمِن.
أعطِنا يا ربّ أن نفهم حبّك في حياتنا، كما نطلب منك أن تُعطينا النّعمة، فنسمح لك بأن تَلمُسَ قلوبنا وتُغيِّرها، فنتمكّن من أن نلمسَ قلبَك، وننال الحياة منكَ أنتَ يا مُعطي الحياة. آمين.

ملاحظة: دُوِّنَ التأمّل مِن قِبَلِنا بِتَصرُّف. تتمة...
21/2/2017 الحياة بعد الموت هذا هو إيماننا ورجاؤنا بالله، وهو رجاءٌ لا يخيب أبدًا
https://youtu.be/7Y83YWRqd6c

"الحياة بعد الموت"
تأمّل للأب ميشال عبّود الكرمليّ

21/2/2017

إنّ أسئلة وجوديّة عديدة تختلج فكر الإنسان، مِثْل: لماذا الموت؟ وماذا بعد الموت؟ وكيف يستطيع الإنسان أن يتحضّر لتلك السّاعة؟ ويحاول الإنسان جاهدًا أن يجد أجوبةً لها.
إنّ حياة الإنسان الأرضيّة تنتهي بالموت الجسديّ، إذ إنّ الإنسان هو كائن محدودٌ في الزّمن. إنّ المسيح جاء أرضَنا وأخبرنا بأنّ حياة الإنسان لا تنتهي على هذه الأرض بالموت، فأخبرنا أنّ هناك حياةً ثانيةً بعد الموت، إذ إنّ الله خلق الإنسان ليعيش معه في الملكوت بعد انتقاله من هذه الأرض الفانية، ولم يخلقه كي يصبح في النّهاية ترابًا في القبور. لقد سقط الإنسان، منذ بدء الخليقة، في أفخاخ الشيطان، فارتكب الخطيئة، وابتعد عن الله؛ غير أنّ الله، عبر تاريخ البشريّة، لم يوفِّر وسيلةً إلّا واستخدمها، كي يكشف عن ذاته من جديد للإنسان، فاختار الله من بين الشعب رُسلاً وأنبياء وأوكلّهم مهمّة إرشاده إلى طريق الله، ولكنّ الإنسان لم يتمكّن من فهم تلك العلاقة الّـتي تربطه بالله، فاستمّر في السير بعيدًا عن الله. لقد تجسّد يسوع المسيح، ابن الله، فاتخّذ بشريّتنا، وشابهنا في كلّ شيء ما عدا الخطيئة، وهو قد مات كسائر البشر، غير أنّ المفارقة الكبيرة كانت أنّ المسيح قد غلب الموت بقيامته، وبالتّالي قد أعطى للحياة الثانية معناها الحقيقيّ. بعد قيامة المسيح من الموت، حلّ الرّوح القدس على التلاميذ والرّسل والإنجيلييّن فتذكَّروا كلام المسيح وفهموه لأنّ الرّوح القدس قد أعطاهم نعمة الفهم، فأدركوا أنّ المسيح قد كلّمهم عن السّماء، وأنّ حصولنا على الملكوت والحياة الثانية، مرتبطة بإيماننا به، هو الّذي قال إنّ كلّ مَن يؤمِن به، وإن مات جسديًّا، فسيحيا. إذًا، المسيح هو الجواب: فهو الّذي سيمنحنا السّماء إن سِرنا وِفْقَ تعاليمه، وتناوَلْنا جسده ودَمه الـمُقَدَّسَين، فهو القائل إنّ مَن أكل جسده وشرب دَمَه له الحياة الأبديّة. إنّ الله دعانا لكي نكون له، ونعيش معه في الملكوت، فرحمته هي أكبر من خطايانا، ولذا لا يجب أن نؤمن به خوفًا من جهنّم، تلك النّار الأبديّة، إنّما حبًّا به. إنّ السّماء قد أعدّها لكي تكون لأبنائه، لذا قال الله في الإنجيل للذّين عن يمينه: "تعالوا إليّ، يا مباركي أبي، رِثوا الملكوت، الـمُعَدّ لكم مِن قَبلِ إنشاء العالم"، كما قال للّذين عن شماله:"اذهبوا عنّي أيّها الملاعين، إلى النّار الأبديّة الـمُعَدَّة لإبليس وجنودِه". إذًا، إنّ السّماء ستكون من نصيب الّذين يتبعون المسيح، والنّار الأبديّة ستكون من نصيب جنود إبليس. إنّ خطايانا هي مجرّد غبار، وهي غير قادرة على مَنْعِنا من الوصول إلى السّماء، ومن اللّقاء بيسوع. إنّ الأب لا يحرم ولده من الميراث، إن عاد إلى المنزل متَّسخًا نتيجة شجاره مع أخيه، بل إنّه يستقبله كما استقبل الأب ابنه الضّال في مَثَل الابن الضّال. إنّنا نؤمن بأنّ رحمة الله عظيمة، وبأنّه لن يحرم أبناءه من الميراث نتيجة خطاياهم، لذا على كلّ منّا أن يكون متأكِّدًا أنّ نصيبه بعد الموت هو السّماء، وذلك لأنّ الحصول على السّماء لا يتعلّق بالإنسان بأعماله وبِقوّته، بل برحمة الله الّتي هي أكبر من خطايانا. هذا هو إيماننا ورجاؤنا بالله، وهو رجاءٌ لا يخيب أبدًا لأنّ الله صادقٌ في كلّ ما وَعَدَنا به.

ملاحظة: دُوِّن التأمّل مِن قِبَلِنا بِتَصرّف. تتمة...
21/2/2017 الصّوم مسيرة تجدّد وصلاة الصّوم مسيرة تجدّد وصلاة
https://youtu.be/jZVuiNXgL4A

الصّوم
تأمّل للأب ميشال عبّود الكرمليّ

21/2/2017

ها قد أقبل الصّوم هذه السنّة، وركيزةُ أسئلةِ المؤمِنين عنه تتمحوَر حول وجوب الصّوم أو عدمه، وعن ماهيّة الأطعمة المسموحة فيه، وعن قبول الله للصّوم في حال تناول المؤمِن فطوره قبل حلول الظهيرة، أو في حال تناوله طعامًا يحتوي على اللّحوم. لقد أصبح تفكير المؤمِن في الصّوم يتمحوَر حول الصّوم بحدِّ ذاته من دون أن يهتمّ لهدفه الأساسيّ. إنّ القدِّيس يوحنا الذهبيّ الفمّ يقول لنا إنّ الله لن يسألنا إن أصبحنا أقلّ وَزنًا في فترة الصوّم، أو إن تبدّل جسدنا أو طرأ عليه أي تعديل مِن حيث القياس، إنّما سيسألنا عن الأشياء الّتي تغيّرت وتحَسّنَت في حياتنا الأخلاقيّة والروحيّة، فالصّوم لا نفعَ له إنْ امتَنَع المؤمِن عن تناول اللّحوم واستمرَّ في نَهشِ قريبه وصديقه بلسانه أي بالكلمات الجارحة والقاتلة. إنّ ممارسة المؤمِن لكافة الأصوام لا تنفعه، ما لم يتمكّن هذا الأخير من الانقطاع والامتناع عن الخطيئة.

إنّ المسيح لم يطلب منّا، مرّةً واحدةً في إنجيله أن نصوم، ولكنّه أعطى الصّوم والصّلاة القيمة نفسها. فعندما أتوه بالممسوس، قال يسوع إنّ شفاء هذا الإنسان من الأرواح الشريرة لا يتمّ إلاّ بالصّوم والصّلاة. وبالتّالي، فإنّ يسوع يدعونا إلى الصّوم والصّلاة، لأنّ الصوّم من دون صلاة لا فائدة منه، وهو صومٌ ناقصٌ. إنّ الرّوح مندفعٌ أمّا الجسد فَضغيفٌ، يقول الربّ يسوع، وفي هذا الكلام دعوة إلى الصّوم من أجل تقوية أجسادنا فتتمكّن أرواحنا من السّمو نحو الله ومن الاتّحاد به. إذًا، إنّ هدف الصّوم هو الامتناع عن بعض الأمور في سبيل اللّقاء بالربّ، والعيش معه والاتّحاد به.

إنّ الامتناع عن المآكل يهدف إلى اقتراب المؤمِن من الله: فإنْ وَجَد المؤمِن في امتناعه عن الطّعام، تحقيقًا للهدف المنشود من الصّوم، فليُمارِس الأصوام وإلاّ فليمتنع عن الصّوم. ليس المقصود بكلامنا هذا عدم تشجيع المؤمنين على الصّوم، بل على العكس من ذلك إذ على كلّ مؤمِن قادر على الصّوم، أن يصوم وأن يستمرّ في ذلك، ويلتزِم به، غير أنّ ما نقصده بكلامنا هو عدم مساواة المؤمِن بين قيمة الطّعام وقيمة علاقته بالله. إنّ المؤمِن خلال الصّوم، مدّعوٌ إلى الابتعاد عن الخطايا وعن كلّ ما مِن شأنِه أن يُبعِدَه عن الربّ، وهو مدّعو للسّعي إلى الاتحاد بالله، عبر إشباع نفسه من كلمته ومن محبّة الآخرين، فَيَروي شوقه للقاء الربّ.


إنّ زمن الصّوم هو زمن الارتداد والتّوبة إلى الله. إنَّ نفوسَنا تنمو كلّما اقتربنا من الله، وما مسيرة الصّوم إلاّ مسيرة يقوم بها المؤمِن مع الربّ، فيسير معه درب الجلجلة، ويعيش معه ومع الصّليب، ليتمكّن في النّهاية من الوصول إلى عيش مجد القيامة. إنّ مسيرة الصّوم، ويُطلق عليها أيضًا "الصّوم الاربعينيّ"، لأنّها تتألّف من أربعين يومًا. إنّ زمن الصّوم هو زمن الانتظار: فكما أنّ الجنين يعيش في حشا أمّه مدّة أربعين أسبوعًا قبل أن يُولَد للحياة، كذلك المؤمِن فإنّه يُولد مع المسيح في نهاية الصّوم، ولادةً متجدّدة. إنّ زمن الصّوم هو زمن العودة إلى الربّ. إنّ الربّ موجودٌ في قلبِكَ فلا تنسَ أن تعود إليه، لتعيش حياتك معه، وفي ملكوته، له المجد إلى الأبد. آمين.

ملاحظة: ألقي هذا التأمّل في لقاء الشبيبة بتاريخ 21/2/2017 ودوّن مِن قِبَلِنا بِتَصرّف. تتمة...
17/1/2017 "مَن هو الأهمّ؟ مار شربل أم يسوع؟" إنّ هدف المؤمِن هو أن يُشابه المسيح
https://youtu.be/GrfiKt3RZyo

تأمّل للأب ميشال عبّود الكرمليّ
"مَن هو الأهمّ؟ مار شربل أم يسوع؟"

17/1/2017

إنّ كلّ مِن الكنيستَيْن الكاثوليكيّة والأرثوذكسيّة، تؤمِن بشفاعة القدّيسين، لذا هي تكرّمهم وتكرِّم ذخائرهم، وتَقرأ كتاباتهم، وتحاول الاقتداء بهم عملاً بِقَول بولس الرسول: "اقتدوا بي، كما أنا أقتدي بالمسيح"، غير أنّها تُولي العظمة والمجد للمسيح لا للقدِّيسين.

في الآونة الأخيرة، برزت ظاهرة إعطاء العظمة والمجد للقدِّيسين، في قلب عالمنا المسيحيّ الكنسيّ، إذ أصبح القدِّيسون محورَ أحاديث المؤمنين وصلواتهم لا يسوع المسيح. كما لُوحِظ أيضًا إدمان البعض على زيارة الأماكن المقدَّسة أكثر من إدمانهم على زيارة القربان المقدَّس والسجود له وقراءة الانجيل. إنّ محبّة المؤمن للقدِّيس يجب أن تدفعه إلى الاقتداء به في اتّباعه للمسيح. إنّ أكبر إهانة تتوجّه للقدِّيسين، مِن قِبَل المؤمنين، هي إعطاؤهم العظمة والمجد عِوَض إعطائها للمسيح. إنّ ميزة الأب شربل الّتي جعلته قدِّيسًا في الكنيسة، هي انكبابه على الصّلاة داخل محبسته، وقراءة الانجيل والتأمُّل فيه، والسجود للقربان الأقدس. غير أنّ المؤمنين اليوم، قد تجاهلوا المسيح، الّذي هو محور حياة القدِّيس شربل، وأعطوا المجد والعظمة للقدِّيس دون المسيح.

إنّ المسيح قد قال في الإنجيل إنّ من يؤمن به يعمل الأعمال الّتي قام بها هُوَ، بل أعظم منها. إنّ مار شربل وسائر القدِّيسين قد قاموا بالمعجزات، غير أنّ المؤمِن الحقيقيّ لا يبني إيمانه على تلك الأعاجيب. إنّ المسيح قد أعطى المؤمنين الطوبى حين قال لتوما:"طوبى لمـَن آمن، ولم يَرَ". على المؤمِن أن يُحوِّلَ محبّته للقدّيسين إلى محبّة للمسيح، فيسعى إلى الاقتداء بهم، مُنكَبًّا على قراءة الانجيل، والصلاة معهم إلى الله، والتقرّب من سرّ المناولة المقدّسة كي يتمكّن المؤمِن من النّمو في القداسة. إخوتي، لا نَسمَحَنّ للشيطان بخِداعنا حين يأتينا بثيابِ ملاكِ نورٍ فيُرينا السيئات على أنّها أمورٌ صالحة: إنّه يريد قتلنا بسُّمِه القاتل الّذي لا يقدِّمه لنا مباشرةً، إنّما بطريقةٍ غير مباشرةٍ، أي في أطعمةٍ لذيذة. إنّ الشيطان يُحاول أوّلاً إبعاد المؤمِن عن المسيح، ودفعه إلى التعلّق بالقدِّيسين، ومِنْ ثَمَّ يكتشف المؤمِن أنّ القدِّيسين ليسوا الأساس فيبتعد عنهم، وبذلك يكون المؤمِن قد وقع ضحيّة حبائل الشيطان. إنّ مقوّمات التّجربة هي إِبعاد المؤمِن أوّلاً عن المسيح ومِن ثمّ إِبعاده عن القدِّيسين، أي أنّ هدف الشيطان هو إبعاد المؤمِن عن إيمانه بالربّ.

على كلّ مؤمِن أن يُدرِك الطريق الّـتي يريد سلوكها، وأن يُحدِّد هدفه، فمَن لا يفعل ذلك، سيَجد أن كلّ الطرقات تفي بالغرَض، وسيُضيِّع الطريق الأساس. أمّا مَن أَدرَك أنّ هدفه هو الوصول إلى المسيح، فإنّه سيجد في الكنيسة طريقه، كما سيجد في القدِّيسين مثالاً له للاقتداء بالمسيح، إذ إنّ حياتهم هي شهادةٌ على إيمانهم الـمُعاش في وسطِ العالم. وبالتّالي على كلّ مؤمِن أن يقتديَ بالقدِّيسين لأنّهم اقتدوا بالمسيح، فيطبّق المؤمِن كلام بولس الرسول: "اقتدوا بي كما أنا اقتدي بالمسيح". إنّ هدف المؤمِن هو أن يُشابه المسيح، ولذا يجد ضرورة لقراءة الانجيل، والتعرّف إلى المسيح وما قام به مِن معجزاتٍ، وما نطق به مِن أقوال فيسعى إلى عيشها، ليكون انعكاسًا لصورة المسيح في مجتمعه.

ملاحظة: دُوِّن التّأمّل من قبلنا بتصرّف تتمة...
13/11/2016 اللقاء السنوي للشبيبة مدرسة مار يوسف للآباء اللعازريّينن عينطورة- كسروان
https://youtu.be/Z9Do4dgVvtI

اللقاء السنوي للشبيبة
"بالتعاون مع لجنة شبيبة "اذكرني في ملكوتك
مدرسة مار يوسف للآباء اللعازريّين
عينطورة- كسروان

13/11/2016

1. كلمة الافتتاح
تقديم: مايا الهبر رفيع – أنطونيو مخايل
2. مسيرتي ايمان ورجاء
الأب ميشال عبود الكرملي
3.اسئلة وخلاصة حلقات الحوار
4. ّعظة القداس الالهي


1. كلمة الافتتاح
تقديم: مايا الهبر رفيع – أنطونيو مخايل

مايا: صباح الخير، وأهلا وسهلا فيكن جميعًا اليوم بهاللقاء الروحي السنوي للشبيبة، بعنوان: مسيرتي: إيمان ورجاء.
في مدرسة القدّيس يوسف – عينطورة.
ليش نحنا كلنا موجودين اليوم؟ مش بالصدفة، كلّ واحد منا دعا الله اليوم لهون، يمكن تيخُد جواب على سؤال عم فتش عنّو، تيطلب من الله شي، تيكبّر إيمانو.
كلّ وقت منقضّي مع الله، هوي وقت مثمر، ما في وقت ضايع مع الله.
ما حدا كان مجبور يجي اليوم. جينا كلنا بإرادتنا لأنو الله هو الأهم، وهيدا الشي بفرّح الله. لأنو متل ما قال:
"حيث اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، أكون في وسطهم" (متى 20:18).
مندعيكن اليوم لـتتعرّفوا على جماعتنا الرسولية المسكونية، جماعة "اُذكرني في ملكوتك".
انطلقنا منذ10سنوات، منشهد للربّ يسوع القائم من الموت. فالقيامة هي ركيزة إيماننا: كما قال الربّ يسوع: "أنا القيامة والحياة، فمَن آمن بي وإن مات، يحيا" (يو 25:11). نحنا موجودين بــ 62 رعيّة حتى الآن. في الكنيسة الكاثوليكية الى الكنيسة الأرثوذكسية والروم الملكيين والأقباط الكاثوليك.
نعم، "اُذكرني في ملكوتك"، هي رسالة صلاة من أجل يللي انتقلوا عنا للسما. هي رسالة إيمان ورجاء أنعَم بها الله علينا، حوّلت حزن الموت إلى فرح الرّجاء بقيامة المسيح، ما عدنا نخاف من الموت، لأنا وعينا على مفهوم الموت المسيحي، يللي بيرتكز على حقيقة قيامة الربّ. كلّ الّذين يموتون من أحبّاء وأهل وأصدقاء، يعبرون مع المسيح إلى الحياة الجديدة في ملكوت السماوات. وكما قال الرسول بولس: "إن لم يقم المسيح، فباطلٌ ايماننا" ( 1تس 14:15). ليش موضوع الموت؟ كيف بيعنيني أنا كشابّ وصبيّة؟
كتير منكن يمكن اختبروا واقع الموت بعيلتن وأصحابن، كتير بعد ما صار عندهم هالتجربة.
بس الموت، ما حدن بيعرف كيف بيدّق بوابنا أو بواب عِيَلنا "يوم الربّ يأتي كالسارق في الليل، فكونوا أنتم مستعدين"(متى 43:24). فكونوا مستعدين" كما قيل في الإنجيل.... والتجربة أكيد دايمًا كتير صعبة، لازم نكون عم نتحضِّر بحياتنا ونعيش ايماننا حتى نواجه هالحزن برجا مسيحي على ضوء القيامة.
نحنا كجماعة رسولية منسعى تنعزّز الرجا في مسيرتنا ورعايانا. نجسد ايماننا بكل رموز القيامة. الأبيض بدلًا من الأسود في انتقال أحد الأحبة. وبذات الوقت، تعزيتنا هي عبارة: المسيح قام! لعلّو حدن راح يتعزى بها الكلمة، ويرجع يتذكر ركيزة إيمانه. ومنا نحنا الشباب، لها أثر كبير حوالينا وين ما تواجدنا.
منتمنّى لجميع الموجودين هون إنّو يركزّوا معنا، ينسوا التليفونات، وكل وسائل التواصل الإجتماعيّ، ويجرّبو يتفاعلو معنا ، ويفتحو قلوبن لألله. تنكون خارج العالم المادي، خارج اهتماماتنا الدنيوية.
ما برنامج لقائنا بيتضمّن فقرات منوّعة: يبدأ مع الفيلم الوثائقي الذي يختصر مسيرة 10 سنوات، إلى الموضوع الروحي مع الأب ميشال عبود الكرملي، الى حلقات الحوار والقدّاس الإلهي وبعد الغداء لعبة التحدّ مع العمل الرسولي ولقاء وشهادة حياة مع الفنان جورج خباز. نهار مبارك للجميع!

أنطونيو:
ومن أهم نشاطات جماعتنا الروحيّة:
1. القدّاس الإلهي من أجل كلّ يللي سبقونا للسما، تذكار شهريّ لأمواتنا بكلّ رعيّة، بمشاركة المؤمنين أبناء الرعية، تنضّل بشراكة مع أهلنا وأحبائنا يللي انتقلوا عنا، في اتحاد دايم في الذبيحة الإلهية، بتجمعنا محبة المسيح ربنا.
2. التنشئة الروحية ومحاضرات تفسير الإنجيل بمركزنا الروحي – زوق مكايل. وتُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي (الموقع الإلكترونيّ والفيس بوك، واليوتيوب). من أجل أن نتعمقّ جميعا في الكلمة الإلهيّة، أي في كلام الرّب، كما قال الربّ يسوع: "يا ربّ إلى من نذهب وكلام الحياة الأبدية عندك .."(يوحنّا 6: 86).

3. نشاطات واحتفالات سنويّة تلتقي بها كافة الجماعات وفق برنامج سنوي على مدار السنة ( يوزع في نهاية اللقاء)
من أجل تبادل الخبرات الروحيّة، وشد رباط الإخوة بين الجماعات وأفرادها. ومن أهمها: القداديس الاحتفاليّة، والرياضة السنوية، وأعمال الرحمة، والعشاء السنوي.
أما نحن، كشبيبة نشارك في هذه اللقاءات ونساهم بتنظيمها وخدمتها.
كما نجتمع كشبيبة مرّة في الشهر مع الأب ميشال عبود في مركزنا الروحي – زوق مكايل.
من أجل تنشئتنا الروحية، حتى يصير إنجيل الرّبّ يسوع نموذجًا لحياتنا ويملأها فرحًا وحبًّا وسلامًا.
ومواضيع السنة التي ستعالج هي مواضيع بتهمّنا كلنا لتقدمنا الروحي من ممارسة الأسرار الى معرفة الذات ومواجهة الخوف وغيرها...
كذلك، نسعى كشبيبة الى إيصال رسالة أذكرني في ملكوتك: "روحانيّةً واختبارًا ونشاطًا" الى شبيبة الرعايا، والالتقاء بهم لتبادل الخبرات الروحيّة ونكون بمسيرة وحدة، مسيرة إيمان وتعزية ورجا.
...........................
2. مسيرتي ايمان ورجاء
الأب ميشال عبود الكرملي

إنّ أحدًا منّا، نحن المؤمنين بالمسيح، لن يتجرّأ على أن يدوس الإنجيل بِقَدَميه، إنْ رآه مرميًا أرضًا حتّى وإن طُلِب منه ذلك. إنّ قيمة الإنجيل لا تكمن في كونه كتابًا مصنوعًا من ورق بل تكمن في مضمونه، كونه كلمة الله، لذا ينبغي علينا تبجيله وتكريمه وتقبيله. غير أنّنا ندوس الإنجيل دون قصدٍ منّا في حياتنا اليوميّة، عندما يُكلِّمنا الله بطرقٍ مختلفة ونحن لا نصغي إليه: إنّه يكلّمنا في القدّاس من خلال إنجيله، وفي المواضيع الروحيّة، وفي مواضيع التّنشئة الّتي تُلقى على مسامعنا، ومن خلال وسائل أخرى متعدّدة أيضًا، لكنّنا لا نأبه له، فنُتابِع مسيرتنا في هذه الحياة غير مُكترثين لكلمة الله. وهنا علينا اتّخاذ القرار في أن نكون مع الله أو ضدّه. إنّ الإنسان الّذي يُحِبّ، يُصغي للمحبوب، كما يفرح بالسّماع عنه، وبالتّالي إنْ كنّا نُحِبُّ الله حقيقةً، فعلينا أنْ نُصغي إليه ونسمع عنه، فتَتَمكّن كلمتُه من الرّسوخ في حياتنا وتحويلها، وعندها ننجح في نقلِها للآخرين. إنّ الطاعة للوالدين لا تقتصِر على سماع كلامهم، بل تتعدّاها لتَصِلَ إلى تطبيق نصائحِهم لنا في حياتنا. إنّ سماعنا لكلمة الله، يُعطينا الحياة، ولكنْ هناك أمور كثيرة تقف حاجزًا أمام سماعنا الكلمة وطاعتها، كالسّأَمِ والضجر والتعب، وهذه كلّها تَمنعُنا من سماع كلمة الله والتفاعل معها. إنّ كلمة الله، إنْ كانت مُبتَغانا، فَسَتجِد طريقة للدّخول إلى قلوبنا وعقولنا، كما يقول القدِّيس أوغسطينوس: إنّ الله الّذي خلَقَنا دون إرادتنا، لا يستطيع أن يُخلِّصنا دون إرادتنا، وكذلك الـمَثَل الصينيّ الّذي يقول بأنّك تستطيع أخذَ الحصان إلى النّهر ليشرب، لكنّك لا تستطيع إجباره على الشُرب. وبالتّالي، لا تستطيع الكنيسة إجبار المؤمنين على الاستفادة من المواضيع الروحيّة الّتي تَعرِضُها عليهم، والتفاعل مع كلمة الله، فذلك يجب أن يَصدرَ عن إرادة المؤمِن الشخصيّة.
عنوان لقائنا اليوم، هو:"مسيرتي: إيمان ورجاء". إنّ عبارة "مسيرتي"، تشير إلى أنّ هذه المسيرة هي المسيرة الشخصيّة لكلّ إنسان. إنّ كلّ مسيرة تتميّز بنقطة انطلاق ونقطة وصول، وخريطة الطريق أي الطريق الّذي يجب على الإنسان أن يسْلكَه. إنّ بيلاطس قد سأل يسوع حين مَثَل أمامه في أثناء المحاكمة: "مِن أينَ أنت؟". وعندما يُسأَل أحدكم هذا السؤال، يُقدِّم للآخر بطاقةَ هويّته الّتي تُعرِّف عنه، هذا على المستوى البشريّ الأرضيّ. ولكنْ إنْ أردنا الدّخول في العمق للإجابة على هذا السؤال الّذي يُطرح على كلّ منّا، لَوَجَدْنا أنّ الله هو خالقنا، أي أنّنا مِنْهُ أَتَيْنا وإليه نعود. إنّ الله لا يخلق شيئًا سّيئًا ورديئًا، بل إنّ كلّ ما يخلقه الله هو جيّد وصالح. إنّ نظرتنا إلى ذواتنا ومسيرتنا الشخصيّة مرتبطتان بمدى معرفتنا لله. إذًا، في الجواب على سؤال: "مِن أين أنت؟"، نَجِدُ ماهيّة مسيرتنا، فنقطة الانطلاق فيها هي نقطة الوصول أيضًا: إذ إنّنا ننطلق مِن الله، وإليه نصِل في نهاية هذه الحياة. إنّ نظرتنا إلى الحياة تعكِسُ نظرتنا إلى ذواتنا، فما إنْ تتغيَّر نظرتنا إلى ذواتنا، حتّى تتغيّر نظرتنا إلى العالم من حولِنا. إنّ كثيرًا من النّاس يتخاصمون جرّاء نَعْت أحدهم الآخر بكلمات جارحة ومؤذية. إخوتي، إنَّ نَعتَ الآخر لنا بكلمات جارحة لا يعني أنّنا حقًّا كما قيل عنّا. إنّ الآخرين بكلماتهم الـمُسيئة، لا يقومون بتحديد هويّتنا الحقيقيّة، إنّما يقومون بتحديد هويّتنا بالنسبة لهم، فقيمتنا لا تنبع من كلام الآخرين، بل تنبع من الله. هذه هي هويّتنا الحقيقيّة: فالله هو خالقنا، ونحن متَّصِلون به، أي أنّه هو من يُعطِينا قيمَتنا الحقيقيّة، فقيمَتُنا تنبع من داخلنا. فكما أنّ العملة الماديّة تحافظ على قيمتها مهما فعل بها الإنسان أَبَصَقَ عليها أم داسها بِرِجْلَيه، كذلك نحن، إذ إنّ قيمتَنا تبقى في داخلنا مهما قال الآخرون فينا، لأنّنا نستمّد قيمتَنا من الله. عندما سأل بيلاطس يسوع: "من أين أنت؟"، كان جواب يسوع له هوَ إنّ مملكته ليست من هذا العالم. إنّ مملكة يسوع هي ملكوت السّماوات: إنّ يسوع لم يُولَد في السّماء بين الغمام بل على الأرض، وُلِد في قرية بيت لحم، وهي أصغر مُدُن يهوَذا، إنّ يسوع أمضى حياته على الأرض مُتَنقِّلاً سائرًا على الأقدام ما بين صيدا والجليل وأورشليم أو في المراكب البحريّة لاجتياز بحر الجليل. "أن تكون مملكة يسوع ليست من هذا العالم" لا ينفي عيْشَه على هذه الأرض ضمن زمانٍ ومكانٍ محدَّديْن حين تَجسَّد.
إنّ مجيء يسوع التاريخيّ مؤكَّد، والإنجيل هو برهانٌ على ذلك. إنّ الإنجيل ليس نتيجة اتفاق مجموعة من النّاس على تدوين قصّة أسطوريّة تتكلّم عن فكرة تمَّ اختراعها اسمها يسوع، وذلك بهدف نقل بشرى سارّة إلى النّاس. إنّ الإنجيل هو الكتاب الّذي يؤكدّ حقيقة مجيء يسوع. فكما أنّ الفلاسفة والملوك الّذين عاشوا ما قبل المسيح كأرسطو وأفلاطون ونبوخَذنصّر، قد تأكّد وجودهم من خلال كتاباتهم ومؤلفاتهم وما كُتِب عنهم، فكذلك وجود كتابات عن المسيح تؤكّد مروره في الزّمان: إنّ بعض المؤرخيّن اليهود، على الرغم من عدم إيمانهم بيسوع، كتبوا عنه قائلين إنّ هناك شخص اسمه يسوع قد تعرّض للموت، وقد كان له أتباع قالوا إنّه قام من بين الأموات بعد ثلاثة أيّام على موته. إنّ هذه الكتابات تشكِّل دليلاً على وجود المسيح تاريخيًّا. إنّ المسيح لم يُملِ أعاجيبه وأقواله على التّلاميذ، وهو لم يدوِّن شيئًا عن أعماله، غير أنّ ما يؤكِّد صحّة الإنجيل هو موت الرّسل من أجل المسيح، إذ لا أحد يموت في سبيل إنسان أو فكرة غير حقيقيّة، فَهُم قد عرفوه، وانجذبوا إليه وأحبّوه، ومعه اكتشفوا معنى الحياة، فلم يعد الموت يُخِيفهم. إنّ مملكة يسوع ليست من هذا العالم، وهذا ما نكتشفه من خلال قراءتنا للإنجيل، الّذي يشكِّل خارطة تُوصِلنا إلى ملكوت الله. إنّ الله يُكلِّمنا من خلال الإنجيل، وما كلامه إلاّ تعبير عن مدى حبّه للإنسان الّذي ما إن يَقبَلْ بهذا الحبّ حتّى يُحقِّق فيه التغييرات الجذريّة.

إذًا، إنّ يسوع يدعونا للقيام بمسيرة معه: سأل يومًا أحد التّلاميذ يسوع عن كيفيّة الوصول إلى الآب، حيث كان يسوع ذاهبًا، على الرّغم من جَهْلِهِم للطريق، فَجاءَه جواب يسوع على سؤاله إنّه هو "الطريق والحقّ والحياة". إنّ إعلاننا أنّ يسوع هو الطريق، إنّما هو إعلان منّا عن إيماننا به وعن اتّباعه. إنّ الإيمان هو أن تُصدِّق الشخص الّذي يُكلِّمك، وأنْ تَلتَزِم به وأن تُحِبّه. عندما تَمُرّون بأزماتٍ إيمانيّة وتطرَحون على ذواتِكم أسئلة حول حقيقة ما تؤمنون به، تذكَّروا القدّيسين إذ لا يمكن أنْ يكون كلَّ ما عاشوه مع الله وَهْمًا، كما أنّه لا يمكن أنْ يكون جميع المؤمنين الملتزِمين بالمسيح اليوم على خطأ، إذ لا يمكن أن يُخطِئ الجميع في اتّباع الحقيقة، وأنْ تكون الحقيقة مُلكًا وحِكرًا على شخصٍ واحد. وعندما ننظر إلى كلّ هؤلاء، سنُدرِك أنّهم كانوا شهودًا لنا عن حقيقة وجود الله من خلال مسيرتهم الحياتيّة واتّباعهم له. إنّ صُوَر أجدادِنا المتَوَفِين قبل أن نُولَد، الموجودة في منازلنا، تؤكِّد لنا أنّهم كانوا أحياء، إضافةً إلى شهادات أهالينا عنهم ونَقلِهم لبعض الخُبرات الّتي عاشوها معهم. إنّ عدم رؤيتنا لأمْرٍ ما، لا ينفي حقيقة وجوده. هذه هي حالنا مع الله، فنحن نؤمن بالله على الرّغم من أنّنا غير قادرين على رؤيته بعيوننا البشريّة، وبالتّالي في الأمور الإيمانيّة، علينا الاستناد إلى خبرات الآخرين ومعرفتهم بها. وإليكم قصّة تُوضِح لكم ما أقول: صعد أحد المسافرين إلى الطائرة، وإذ بجارِه في أثناء حديثه معه عن الإيمان وما تُعلِّمنا إيّاه الكنيسة، قد سأله إن كان يعرف قُبطانَ الطائرة أو إن كان قد اختبر مهارته سابقًا في قيادة الطائرة، والجواب كان سلبيًّا بالتأكيد. عندها، أضاف المسافر المؤمِن قائلاً لجاره غير المؤمن: كيف تستطيع أن تضع حياتك بين يديّ قبطان أنت لا تعرفه؟ فكان الجواب أنّه اختار شركة طيران أهلاً للثقة في اختيار مُوَظفيها. عندها أضاف المؤمن قائلاً: كيف يمكنك الوثوق بِشَركة مؤلّفة من بشرٍ، وتُسلِّمها حياتك، وأنت لا تستطيع الوثوق بالكنيسة الّتي أسَّسها الله في شخص ابنه يسوع، والّذي قد فَداها بدمه وَأَوْكَلَها نقلَ الإيمان إلينا؟ إنّ الإيمان هو وَضْعُ ذواتِنا بين يَدَيْ الربّ وتصديقه، فإنّ الربّ صادقٌ في جميع وعوده، وهي موجودة بوَفْرَةٍ في الإنجيل. إن يوحنّا الرّسول يقول لنا في إحدى رسائِله إنّه يُبشِّرنا بِـمَن رأته عيونهم البشريّة ومَنْ لمسته أيديهم، وما سمعوه بآذانهم البشريّة، أي أنّه يبشّرنا بما قد اختبره مع الربّ.

لا تسمحوا بأن تُغمِضوا أعينكم عن هذه الأرض الفانية من دون أن تكونوا قَدْ قُمتُم بقراءة الكتاب المقدّس بأكمله، إذ لا يجب أن نقف أمام الربّ في اليوم الأخير غيرَ مُدرِكين لِـما وعَدَنا به في الإنجيل "كتاب الحياة". إنّ فقراء كثيرين في العالم أغنياء بالمال ولكنّهم يفتقرون للمحبّة والعطاء والتضحيّة. يُخبرون عن أرملةٍ عجوز جَهَدَت طوال حياتها في تربية ابنها، الذّي ما إن أصبح شابًّا حتّى اضطر للسفر من أجل تأمين لقمة العيش. وقد تمكّن هذا الشّاب من إيجاد وظيفة مكَّنَتْهُ من تجميع الثروات. ولكنّه لم ينسَ والدتَه العجوز، فَقَدْ كان يُرسِل الرسائل لوالدتِه باستمرار غير أنّها كانت تجهل القراءة والكتابة، لذا كان تلجأ إلى الجيران كي يَقرأوا لها الرسائل. ولكنّها عندما اطْمَأنَّ قلبها لحال ابنها في الخارج، ما عادت تطلب من الجيران قراءة كلّ تلك الرسائل الّتي يرسلها لها ابنها، لكنّها كانت تحتفظ بها وتُعلِّقها على الجدران، وكانت تؤمِّن معيشتها ممّا يتكرّم عليها الجيران به لأنّها كانت فقيرة جدًّا. وفي أحد الأيّام، سافر أحد الجيران إلى تلك البلاد البعيدة، وعند رؤيته لابن تلك الأرملة، أخبَره بحال والدته المذريّة، فاستغرب الابن هذا الحديث وقرّر العودة إلى الوطن. وعندما وصل إلى قريته وجد أنّ أمّه في حال فقرٍ مُدْقع فسألها ماذا فعلت بكلّ المال الّذي أرسله إليها، فاستغربت حديث ابنها هذا، قائلةً إنّه لم يُرسل لها المال يومًا. وعندما سألها عن الشِيكات الماليّة الّتي كان يُرسلها إليها،لم تفهم عندها ما كان يقوله، ولكنّها أشارت له إلى الجدار حين كانت تُعلِّق كلّ رسائله، فوَجَد الشيكات معلّقة على الجدار. فخلاصة هذه القصّة هي أنّ تلك الأرملة بَقيت فقيرة على الرّغم من امتلاكها للشِيكات الماليّة، وذلك بسبب عدم تَمكُّنِها من قراءتها، فلا تكونَّنَ حالتنا الروحيّة كحال تلك المرأة: فالإنجيل متواجدٌ بين أيدينا وفي منازلنا، وهو يحوي وُعُود الرّبّ ونِعَمِه لنا، وهو مترجم إلى كلّ اللغات، ولا عُذرَ لنا لعدم قراءته. لنستفِد إخوتي من وجود هذا الكتاب بين أيدينا، ولنَعتَبِرْه دعوةً من الربّ لنا لقراءة كتابه.

إخوتي، إنّ من يقرأ الإنجيل هو إنسان قد قَبِل ذاته، ومن يقبل ذاته لا يعود يهتمّ لنظرات النّاس، وبالتّالي فَهوَ إنسان يتمتّع بثقةٍ بالنفس كبيرة جدًّا، أي أنّه قد أصبح قادرًا على اتّخاد القرارات في حياته والالتزام بها. إنَّ من يقرأ في الإنجيل هو إنسانٌ يعرف معنى التّضحيّة، وهو إنسان يُحِبُّ الحياة، وهو إنسان مِعطاء إذ لا يتوانى عن إعطاء الآخرين ما يحتاجونه، فالعطاء لا يقتصر على الأمور الماديّة: إنّه إنسان لا يخاف أن يُعطي من ذاته، وبالتّالي أيضًا من مالِهِ. إنّ الإنسان الّذي يقرأ الإنجيل هو إنسانٌ مؤمنٌ بالربّ، وبالتّالي هو إنسان فَرِح، لا تفارق الابتسامةُ وجهَهُ. إنّ تلك الابتسامة لا تعني بتاتًا أنّ الشخص المؤمن هو إنسانٌ دونَ هموم دنيويّة، بل تعني أنّ إيمانه بالربّ يفوق كلّ اهتماماته الأرضيّة، فالابتسامة هي كلمات تَعْبُر إلى الآخر ولكنّها من دون حروف. إنّ الإنسان المؤمِن يُدرِك أنّ في هذه الحياة هي فرصة وحيدة له، لذلك لا يجعل حياته مرتكزة على إيمانه بشيءٍ معيّن، بل على إيمانه بشخص يسوع المسيح، ويجعل من كلام يسوع برنامجًا لحياته، ويسعى ليعيش حياته وِفْقَهُ. كثيرةٌ هي الرسائل الإنجيليّة والروحيّة الّتي تَصِلُنا عبر الهواتف لكن قلائلَ هم الأشخاص الّذين يقرؤونها ويتأمّلون بها ويَسعُون إلى تطبيقها في حياتهم اليوميّة. إخوتي، إنَّ انشغالاتنا الكثيرة تَمنَعُنا من إعطاء وقتٍ لكلمة الله، فإنْ لم نُكرِّس وقتًا لقراءة كلمة الله والتأمّل بها، فإنّها لن تكون قادرة على أن تفعل فينا وبالتّالي لن تَظهرَ للآخرين من خلالنا. فَمَنْ يريد الله في حياته، عليه أن يُكرِّس وقتًا لكلمته ولتفعيلِها في حياته.

إنّ مسيرتنا هي مسيرة إيمان بالربّ يسوع ولكنّها أيضًا مسيرة رجاءٍ به. إنّ الموت، إخوتي، يأتي كالسّارق، إذ قد يأتي على غفلةٍ منّا، أي في وقتٍ وساعةٍ لا نعرفهما. إنّ كلام يسوع في الإنجيل هو واضح جدًّا فهو لا يَعِد المؤمنين به بحياةٍ أرضيّة خاليّة من الموت والألم والهموم الدنيويّة. إنّ يسوع لم يَقُل إنّ من يؤمِن به لن يموت، بل قالْ إنَّ مَن يُؤمِنْ به يَنَلْ حياةً أبديّة، لذا لا يجب أن نَفْقِد إيماننا بالله عندما نَفقِد أحد الأعزّاء بالجسد، لأنّه لم يَعِدْنا بحياةٍ مليئة بالأفراح وخالية من الأحزان في هذه الأرض، وبالتّالي لا يجب أنْ نُعاتِب الله ونقطع علاقتنا به ونخاصمه إن لم يحقِّق لنا ما لم يَعِدْنا به، فَهُوَ لم يَعِدْنا بتحقيق كلّ ما نرغب به من أمور دنيويّة. إنّ الله قد وَعَدَنا بالسّماء، وهو لم يَعِدْنا بأنّنا لن تموت أبدًا بل وَعَدَنا بالحياة الأبديّة حين نغادر هذه الفانية إذ قال: "من آمن بي، وإن مات فسيحيا". إنَّ مسيرتنا في هذه الحياة إذًا، لا يجب أن ترتكز على التوقّف عند أمور دنيويّة فانية بل يجب أن تتخطّاها إلى وعود الربّ لنا في الحياة الأبديّة بَعدَ هذه الحياة الأرضيّة. إخوتي، هنا أوّد الإشارة إلى ضرورة أن نتشارك في النِّعم الروحيّة الّتي نحصل عليها، لأنّ مسؤوليّتنا تكمن في نقل البشارة إلى الآخرين إذ إنَّ الربّ قد جعلنا رُسُلاً له في هذه الحياة. إنّ نَقلَ كلمة البشارة إلى الآخرين يتطلّب منّا أوّلاً سماع كلمة الله، ومِنْ ثمَّ التشارك بها مع الآخرين، وهي في بعض الأحيان تصل إلى الآخرين بطريقة مشوّهة وغير صحيحة. إنَّ يسوع المسيح بِتَجَسُّدِهِ قد قال لنا الحقيقة كاملة، وهي الحياة الأبديّة.
اجتمع المفكرون والفلاسفة على الفكرة التّالية: أنّ الإنسان هو كائن مميّز عن بقيّة المخلوقات اللّاعاقلة، إذ تمكّن من القيام باختراعات كثيرة لا تُعَدّ ولا تُحصى كاللّغة والتِقَنيات الّتي مَكَّنَتْهُ من التواصل مع إخوته البشر في كافة بِقاع الأرض، وهذا ما لم تتمكّن بقيّة المخلوقات اللّاعاقلة من القيام به. ولذا، فَقَدْ تَوَصَّل هؤلاء إلى الاعتقاد بإمكانيّة وجود حياة أخرى بعد الموت، إذ بالنسبة لهم لا يمكن أن تنتهي حياة الإنسان بالموت كسائر المخلوقات، وأنْ يكون الإنسان محدودًا بالجسد، وأن يزول بزوال جسده. إنّ الفلاسفة لم يكونوا مؤمنين، وبالتّالي لم يكن لديهم رؤية روحيّة واضحة للأمور، لذا أطلق أفلاطون على الحياة الأبديّة لقب "عالم الـمُثُل"، ليُعبِّر عن الحياة الأبديّة الّتي تنتظر الإنسان. هذا ما قام يسوع بتأكيده فيما بَعِد حين تجسّد، إذ كلَّمنا عن الحياة الأبديّة وَوَعدنا بها، والكتاب المقدّس وتحديدًا العهد الجديد، كُتِب ليُخبرنا أنّنا خُلِقنا للسّماء وليس للأرض، وأنّ نهايتَنا لا تكون بأنْ نعود إلى الأرض، إلى التراب بل إلى السّماء أي من حيث أَتَيْنا.

إنّ الرّجاء يختلف كلّ الاختلاف عن الأمل، فالأمل يتعلّق بأمور أرضيّة دنيويّة ويرتبطٌ بإنسانٍ محدودٍ في الزّمان والمكان، وهذا ما يَجعَلُنا معرَّضِين في كلّ لحظة لخيبات أملٍ كثيرة. أمّا الرّجاء فهو مرتبط بالله، ومرتبط بالحياة ما بَعْدَ الموت. فالإنسان الّذي يؤمن بالرّبّ يسوع ويرجو الحياة الأبديّة، فإنّما رجاؤه هذا لن يخيب لأنّ الربّ أكّد عبر التّاريخ أنّه صادقٌ وأمينٌ في وُعُودِه. هذا هو الرّجاء: أنْ نَنْظُر إلى فوق، إلى السّماء، وننتظر الحصول على الحياة الأبديّة بَعْد الموت الجسديّ. إنّ عيش الإنسان لهذه الحياة بالملء إنّما هو دلالة على أنّه يُدرِك أنّ الحياة لا تنتهي بالموت، بل إنّه يَعبُر في هذه الحياة الّتي يعيشها مرّة واحدة ليَصِل في النّهاية إلى الملكوت أي إلى الحياة الأبديّة. وكلامُ مار بولس في إحدى رسائِلِه ما هو إلّا تأكيد على ما نقول إذ قال: إنّ آلام هذا الدّهر ما هي إلاّ لحظة في الدّهر الآتي، ولذا، فإنَّ كلّ ما كان سببًا لانزعاجنا وأَلَـمِنا في هذه الدّنيا، سيكون سببًا لفرحنا في الدّهر الآتي. إنّ الرّجاء هو ما تَكَلَّم عنه أيضًا يوحنّا الرّسول في سفر الرؤيا إذ قال إنّ الأرض والبحر سيزولان، وستكون هناك أرض جديدة وسماء جديدة، وسيكون الله إلهًا لسُكَّان هذه الأرض الجديدة، وهم سيكونون شعبه.

إذًا، السؤال الّذي يجب أن نطرحه على ذواتنا هو: كيف نعيش مسيرتَنا الروحيّة على هذه الأرض؟ إنّ مسيرتنا تكون مسيرة رجاءٍ إنْ كُنّا نبغي كلّ ما هو فوق، ونسعى للوصول إليه، أي الوصول إلى السّماء وَنَيْلِ الحياة الأبديّة. في كلّ مسيرة، نقطة انطلاق، ونقطة الانطلاق في مسيرتنا صوب ملكوت السّماوات تَبدأ من هذه الحياة الأرضيّة، أي من زمانٍ ومكانٍ محدَّدَيْن كما فَعلَ يسوع إذ بدأ مسيرته صوب الملكوت كإنسان حين اتّخذ جسدًا يحيا بين البشر. إنّ الله خلَقَنا من دون إرادتنا، ولم يترك لنا الحريّة في اختيار المحيط الّذي نرغب في الانضمام إليه من عائلة وإخوة ورفاق وقرية وبلد، ولكنّه أعطانا الحريّة في أنْ نحبّهم ونعيش الحياة بملئها، مع الّذين يُحيطون بنا. إنّ يوحنا الرّسول في هذا الإطار قال بما بمعناه إنّه على كلّ إنسان يحبُّ الله، أنْ يُعبِّر عن ذلك من خلال محبّته لإخوته البشر، إذ لا يستطيع الإنسان أن يُبغِض أخاه الإنسان الّذي يراه، ويُحِبّ الله الّذي لا يراه، لأنّه حينئذٍ يكون كاذبًا. إذًا، إنّ نقطة الانطلاق في مسيرة كلّ إنسان صوب الملكوت هي المحيط الّذي يعيش وينمو فيه.

إنّ مسيرتنا صوب الملكوت لا تكون مسيرة فرديّة إنّما مسيرة ضمن جماعة، وعلى كلّ إنسان في هذه المسيرة أنْ يسعى لأنّ يُحِبّ الآخرين وأنْ يَشعُرَ بأنّه محبوب من الآخرين. إنّ الربّ يقول لنا إنّه حتّى لو نَسِيَتْ الأمّ رضيعها فَهُوَ لن يَنساها، ليُعبِّر لنا عن مدى حبّه لنا نحن البشر. وإنّ أكبر إهانة يتعرّضُ لها الأهل، هي لوم الأبناء لهم على عدم شعورِهم بمحبّتهم. إنّ الأهل يتعاملون مع أبنائهم باندفاعٍ كليّ، ولكنْ في ظلّ صعوبات هذه الحياة، قَدْ لا يشعر الأبناء بمحبّة والديهم، وبالتّالي يتحوّل الأقرباء إلى أعداء. إنّ ذلك ليس مُستغربًا أبدًا، فَيَسُوع قد عاش الأمر نفسه، إذ قد سلَّمه يهوذا أحد الاثني عشر إلى بيلاطس أي إلى المحاكمة والموت، كما أنَّ يسوع تعرَّضَ للنُكران من قِبَل بطرس. إنّ ما يُسبِّب ألـمًا نفسيًّا للإنسان هو أنْ يتعرَّض للخيانة من قِبَل المقرّبين منه، من أحبّائه. إنَّ الأمور السّيئة والسلبيّة الّـتي نمرّ بها قد تكون وسيلة ليتدخّل الله في حياتنا من خلالها، فنُدرِك حينها أنّنا محبوبون من قِبَلِه، وعندها فقط سنتمكّن من أن نحبّ الآخرين. إنَّ الإنسان الّذي يُحِبّ، هو إنسان قادر على عطاء ذاته للآخرين، وهو بالتّالي يُشبِهُ الحفرة الّتي كُلَّما أفرغناها من الرّمال اتَّسَعَت وأصبحت قادرة على استقبال المزيد من كميّات المياه في داخلها. ففي كلّ مرّة، يُقدِّم الإنسان التّضحيات في سبيل الآخر، أي كلّما أعطى الإنسان من ذاته، كلّما ازداد اتِّساعًا لاستقبال نعمة الله، وتمكّن الله من إفاضة نِعَمِه على هذا الإنسان المعطاء.
إنّ الكنيسة تعلّمنا أنّنا نولد في المعموديّة أبناءً للملكوت، وأنَّ مسيرتنا الروحيّة مع يسوع تبدأ منذ ذلك الحين. غير أنَّ الأطفال لا يستطيعون تأمين الغذاء لنفوسهم ولا الاهتمام بنظافتهم، وهم يحتاجون لِـمَن يُساعدهم في ذلك. لذلك، فإنّ الكنيسة تهتمّ بغذائنا فَتُقدِّم لنا سرّ الافخارستيّا وتُغَذِّينا بالغذاء الروحيّ في القربانة الّتي نتناولها في كلّ قدّاس، كما أنّها تمنحنا سرّ التوبة للاعتراف بخطايانا والتحرّر منها فَنَتَجدّد بالرّوح القدس. إنّ يسوع أعطى تلاميذه سلطانًا ليغفروا الخطايا فَوَهبهم الرّوح القدس، وقال لهم :"خذوا الرّوح القدس، فَمَن غفرتم له خطاياه غُفِرَت له، وَمَن أمسكتم عليه خطاياه أُمسِكَتْ له". وفي القربان المقدّس، أعطانا الله مفتاحًا للسّماء إذ قال لنا: "مَنْ أكل جسدي، له الحياة الأبديّة". إذًا إنَّ غذاءنا الروحيّ في مسيرتنا صوب الملكوت هو الأسرار، وتحديدًا سرّ التوبة وسرّ الافخارستيا، إضافةً إلى الحبّ البشريّ الّذي نعيشه مع إخوتنا البشر. لنَسعَ إخوتي، كي لا نسمع مُستغربين، حين نقف في اليوم الأخير أمام الرّبّ للدينونة، ذلك الصوت القائل: "إليكم عنّي أيّها الملاعين، لأنّي لا أعرفكم". إنّ الإنجيل واضِحٌ حين يُكلِّمنا عن أولئك الّذين قاموا بالمعجزات باسم يسوع، وبَشَّروا به، ولكنّهم أصبحوا غرباء عن المسيح في اليوم الأخير لأنّ هدفهم لم يكن المسيح بل المجد الأرضيّ. إخوتي، لِنَسعَ كي لا نكون من عداد أولئك الّذين يقفون مُستَغرِبين من نُكران المسيح لهم في اليوم الأخير، إذ يقول لنا إنّ مكاننا للأسف ليس معه، لأنّنا حين كُنّا على هذه الأرض لم نُشارك في القداديس، والمواضيع الروحيّة محبّةً به، بل من أجل مصالحنا الشخصيّة أي من أجل القيام بلقاءات خاصّة وإظهار ذواتنا للآخرين من خلال ثيابنا الجديدة. وهنا أودّ أن أختم بمقالةٍ كتَبْتُها سنة 1999، بعنوان "هذا ما يَنقُصُني"، تُلخِّص كلّ ما قلناه اليوم:

"كنتُ يومًا من الأيّام، على منبر الوعظ، أَعِظ وأبشِّر بكلام الله. وإذا بالنّاس جميعًا مدهوشين من كلامي، وما يخرج من فمي من كلامٍ وحِكَم حتّى خُيِّلَ للبعض بأنّه كلام الملائكة يُقال بِلُغة البشر. وكنت أَرُّد بِوَعظي أناسًا كثيرين إلى الإيمان، وأتنبّأ بنبوءات مستقبليّة، تتمّ الواحدة تلوَ الأخرى، وكنت أجترح المعجزات الكثيرة وأتنبّأ بنبوءات كبيرة. وكان كلّ ما يصل إليّ أفرِّقُهُ لإطعام الفقراء والمساكين. وكنت أُزَكِّي نفسي بالقول: لو كنتُ في أيّام المسيح أو في عهد الرّسل لما كانت أي بقعة في الأرض، لا تعرف المسيح لأنّي كنت سأبشِّرها به.
وفي يومٍ من الأيّام، وَقَعَ اضطهادٌ شديد ضدّ المسيحيّة. وكنتُ أنا أوّل مَن قَدَّم جسده ليُحرَق غير آبهٍ بالاستشهاد لأنّي مُتَيَّقنٌ مِن أنّي أنا وارث الملكوت، أنا من قام بكلّ تلك الأفعال العظيمة. ولـمّا فَنِيَ جسدي، مَثَلْتُ بروحي أمام المسيح الديّان الجالس على عدله يدين النّاس بالعدل والمحبّة. وكنتُ كلّما اقتربت منه، أشعر بخجلٍ شديد يمنعني مِنَ التقرّب إليه. وإذا بي أرى يده تُشير لي إلى يساره أي إلى العذاب الأبديّ. فالتَفَتُّ ورائي حَسبي أنّ هناك أحدًا غيري يُشار إليه بذلك، فوَجدتُ نفسي وحيدًا أمامه، فقُلْتُ له: هذا أنا يا ربّ، أنا الّذي فعلت كذا وكذا وكذا، وعَدَّدتُ له كثيرًا من الأمور الّتي قُمتُ بها. فَخُيِّلَ إليَّ بأنّه يهزّ برأسه قائلاً: "مكانك ليس عندي". فَعُدتُ بتذكيره "هذا أنا"، فإذا بي أرى القدِّيس متّى حاملاً في يده إنجيلي الخاصّ الّذي كنتُ أنا أقرأه وأعلّم منه، قائلاً: ليس من يقول لي: "يا ربّ، يا ربّ، يدخل ملكوت السّماوات، بل مَن يعمل بمشيئة أبي الّذي في السّماوات. سوف يقول لي كثيرٌ من النّاس في ذلك الوقت: يا ربّ باسمك تنَبّأنا، باسمك طردنا الشياطين، وباسمك قمنا بالمعجزات. أقول لهم: إليكم عنّي أيّها الأثمة لا أعرفكم أبدًا." فقُلْتُ يا ربّ هذا الكلام قرأته وما فهِمْتُه، والآن لم أفهمه أيضًا. فإذا بي أرى القدِّيس بولس يحمل في يده رسالته الأولى إلى أهل قورنتس في الفصل الثالث عشر، وبدأ يقرأ: لو تكلّمتُ بلُغات النّاس والملائكة، ولم تكن لديّ المحبّة، فما أنا إلّا نحاسٌ يطنّ وصنجٌ يرنّ، ولو فرّقتُ كلّ مالي لإطعام الفقراء والمساكين وليس لديّ المحبّة، ولو أسلمتُ جسدي ليُحرَق وليس لديّ المحبّة، فما يفيدني ذلك نفعًا! ووَجدْتُ القدِّيس يوحنا الصليب قائلاً: عند المساء، أي عند غروب حياتك سوف تُحاسَب على الحبّ، فَتَعلَّم أن تُحِبّ الله بالطريقة الّتي يريد هو أنْ يكون محبوبًا بها. نَظَرْتُ إلى السّماء، فإذا بي أرى القدِّيسين والتواضع ينبعُ من قلوبهم والمحبّة تُشِّع من وجوههم. ومرّت حياتي أمامي في لحظة، فلم أجد فيها إلّا كبريائي وافتخاري وحبّي لذاتي، وإنّ كلّ ما فعلْتُه كان لمجدي الشّخصيّ. ندِمْتُ وماذا يَنْفَعُ النَدَم؟! سالت دموعي فإذا هي تمرّ على يديَّ وتُرَطِّبهما. فاستيقظْتُ مِن نومي واجدًا نفسي أحلُمُ وأنا نائمٌ في ساعة تأمّل. إنّها كانت فُرصَتي."

إنّ مسيرتنا هي مسيرة إيمان ورجاء. نعيش الإيمان من خلال محبّتنا للآخر. إنّ الله صادقٌ بِوُعُوده لنا بأنّه سيَهَبُنا الحياة. وإنّنا نعلم أنّ أمواتنا هم بين يديّ رحمة الرّبّ: فَهُمْ السّابقون ونحن اللّاحقون. وَكَونُ أمواتنا هم السّابقون فَهُمْ يطلبون إلينا أنْ نسعى لنعيش حياتنا الأرضيّة بملئها ونبدأ بالتّحضير للسّماء، أي من أجل حصولنا على الحياة الأبديّة. إنّ أمواتنا هم في سعادةٍ لا تُوصَف لأنّهم في حضرة الربّ، وَهُمْ يَدعوننا إلى عدم القلق في أمرهم، بل أكثر من ذلك، إنّهم يطلبون منّا الاهتمام بتحضير ذواتنا للقائهم في اليوم الأخير، لنكون وإيّاهم في حضرة الربّ. إنّ مسيرتنا هي مسيرة رجاءٍ بالربّ. فَنَحْنُ في هذه الأرض نُشبِه مسافرًا ترك بلاده، من أجل جمع الثروات، ولذا فَهُوَ لا يشتري كلّ شيء، بل فقط ما يحتاحه ويفيده إلى حين عودته إلى بلده. لذا، لِنَسعَ إلى جمع كلّ ما يفيدنا ويُهيِّئُنا للحياة الأبديّة، ولنطرح عنّا كلّ ما لا فائدة منه في الملكوت.
ملاحظة: دوِّنت المحاضرة من قِبَلِنا بتصرّف.

3. اسئلة وخلاصة حلقات حوار

1. القيامة أساس إيماننا، أتؤمِن بقيامة الربّ يسوع؟ ما هو الموت في المفهوم المسيحيّ؟
2. لِمَ نصلّي من أجل المنتقلينَ عنّا، ونقيم القدّاس الإلهيّ راحةً لنفوسهم؟

أ - إنّي أؤمن بقيامة الربّ يسوع فالإنجيل يؤكِّد لي ذلك، كما أؤمن بقيامة الأموات بدليل ظهور القدِّيسين على المؤمنين الّذين لا يزالون على قيد الحياة. عندما يفقد الإنسان شخصًا عزيزًا بالموت، يطمئنّ عند إيمانه بالحياة الثّانية. إنّ الإنسان معرَّض للموت، لذا نجد أنّ للقيامة من بين الأموات أهميّة كبرى عنده لأنّ الكلّ يسعى إلى الخلود. إنّ قيامة الربّ يسوع تذكِّرنا بعبور المسيح من هذه الحياة وعودته إلى أبيه: إنّ المسيح استطاع بجسده الممجَّد أن يطوف الأرض، وقد تأكَّد توما الرّسول مِن قيامته حين طلب أن يضع إصبعه في جنب المسيح. وإنْ أَردنا الانطلاق من الأرضيّات صوب الروحانيّات: نقول إنّ اليهود قد شهدوا حدوث أمرٍ غريب، فَحُرّاسُ قبر المسيح أكّدوا تلك القيامة لليهود حين قالوا لهم إنّ جسد الربّ قد اختفى من القبر. إنّ اليهود تأكَّدوا من قيامة المسيح، ولكن أرادوا إخفاءها من خلال رشوة الحرّاس. وقد شهد على قيامة المسيح جميع الرّسل إضافةً إلى النسوة اللّواتي ذهبن لتحنيط جسد المسيح، كما اختبر بولس الرّسول قيامة الربّ على طريق دمشق.
إنّ فكرة القيامة تُريح الإنسان غير المتعمِّق في إيمانه، إذ تزرع فيه الرّجاء بحياةٍ ثانية أفضل من هذه. فالقيامة تُعطي معنى للحياة الّتي نعيشها على هذه الأرض، إذ تجعلنا نفهم معناها. إنّ العائلة تنقل إلينا إرث الإيمان، غير أنّ الانسان يكتسب عمقًا في إيمانه من خلال اختباراته وبَحثِه عن شهود ليتأكَّد من صحّة ما يؤمِن به. إنّ إحدى القدِّيسات اكتشفت المسيح وأحبّته وتَبِعَته، ولم تحصل على إرث الإيمان من والدَيها.
ب - إنّ حياتنا على هذه الأرض هي تهيئة لحياتنا في السّماوات. فحياتنا هي كالقطار الّذي لا بدّ له أن يصل في النّهاية إلى هدفه الّذي هو وصول المؤمِنين إلى الحياة الأبديّة. إنّ الإنسان ذو طبيعة بشريّة أرضيّة، ضعيفة أمام الموت، لذا هو يحزن عند فقدان أحد الأحبّاء، وينسى كلّ أساس إيمانه المسيحيّ، إذ إنّه يرى في الموت خسارةً له لا رِبحًا.
على الإنسان أن يستعدّ للموت في كلّ لحظة من حياته. إنّ الموت يشير إلى أنّ المنتقل قد أنهى رسالته الّتي جاء من أجل تحقيقها في هذه الأرض. إنّ كلّ إنسان قد عاش اختبارًا مختلفًا عن الآخر في هذه الحياة.
إنّ القدِّيسة تريزيا تقول:"سعادتي حبُّك، أنا لا أموت أبدًا بل أدخل الحياة". إنّ القدِّيسين هم شهود لحبّ الله ولرحمته للبشر، ومن شهادات حياتهم نتعلّم أن نُعبِّر عن حبّنا للربّ من خلال قيامنا بأمور صغيرة بحبٍّ كبير. إنّ الموت ليس فقط موتًا جسديًّا، فالموت أنواع: فهو قد يكون موتًا عن عاداتٍ سيئة، أو أمور ماديّة. إنّ المؤمن يختبر الموت والقيامة في حياته، ولا يفكِّر في كيفيّة حدوثهما. حين سُئِل القدِّيس دومِينيك سافيو عن الأمور الّتي سيقوم بها إن أدرَك أنَّ موته قريب، أجاب أنّه يستمرّ باللّعب، أي أنّه يُكْمِل عمله، لأنّه مستعدّ على الدّوام لتلك السّاعة.

ج - إنّ صلاتنا لأمواتنا تُعبِّر عن شراكتنا واتِّحادنا بهم. إنّنا وأمواتنا نشكِّل جسد المسيح السريّ. على الإنسان أن
يجاهد في هذه الحياة كي يصِل إلى الملكوت. إنّ أمواتنا غابوا عنّا في الحضور، ليشرقوا في ديار الربّ السماويّ، كالشمس الّذي تشرق بنورها في الصّباح وتغيب عند المساء. التواصل مع الموتى المؤمنين يشكِّل فرصةً لنا كي نتذكَّر أقوالهم وافعالهم في حياتهم الأرضيّة ونتخِّذ منها العِبَر. إنّ جميع البشر متساوون أمام الموت. إنّ الصّلاة هي طريقة للتواصل مع أمواتنا. إنّ الصّلاة هي حضور الله. إنّ النّفوس المنتقلة من هذه الأرض، تفقد قدرتها على تخليص ذاتها، فإنّ الصّلاة لأمواتنا تشكِّل مساعدة لهم ودعمًا للنّفوس كي تتطهّر وتنتقل للتّنعم في ملكوت السماوات.
ملاحظة: دُوِّنت هذه الخلاصة مِن قِبَلِنا بتصرُّف.

.................................
4. عظة القداس الإلهي
https://youtu.be/3aUh0UWBnpc

إنّ السنة الطقسيّة في الكنيسة تشبه دوران الأرض حول الشمس: فكما أنّ الأرض تدور حول الشمس، ويَنتُج عن ذلك فصول وأشهر وأسابيع وأيّام،كذلك الكنيسة تدور حول عريسها، الشمس الإلهيّ، يسوع المسيح، ويَنتُج عن ذلك سنة طقسيّة. إنّ السَّنة الطقسيّة مؤلّفة من عدّة أزمنة: أوّلها زمن المجيء أي زمن الميلاد، يَلِيه زمن الدنح أي زمن الظهور، ومن ثمّ زمن الصّوم، فالقيامة، والعنصرة وأخيرًا الصليب. وكما أنّ الشمس الّتي أشرقت علينا اليوم، هي نفسُها الّتي أشرقت على جميع الخليقة منذ بدء تكوين العالم، بِنُورِها الـمُتجَدِّد يوميًّا، كذلك الأمر بالنسبة إلى كلمة الله الّتي ما زالت، تُقرَأ في كلّ سنة طقسيّة، مع تَجَدُّدِها يوميًّا لتَتَمكّن من الوصول إلى أعماق الإنسان. إنَّ كلمة الله، متى اتّحد الإنسان بها وتفاعل معها، تُغَيِّرُه وتنشر عطر الله من خلاله في هذا الكون. إنّ عدم تَغَيُّر الإنسان عند سماعه كلمة الله لا يُشير أبدًا إلى عدم فعاليّة كلمة الله، بدليل قدرتها على إحداث تغيير جذريّ في حياة الّذين يقبلونها، بل يُشير إلى وجود مشكلة عند الإنسان الّذي يرفضها. يُروى عن أحد الأشخاص أنّه وَضَعَ اسفنجة في وعاءِ ماءٍ من أجل أن تَتَبلَّل لكنّه لم ينجح في ذلك، فأعاد الكَرَّة مرّاتٍ عديدة، ولكنّ النتيجة كانت الفشل دائمًا، فما كان منه إلّا أن سأل أحد رفاقه عن سبب عدم تَبلُّل اسفنجته. استغرب الرفيق الأمر، وطلب منه التأكّد من أنّه قد نزع عن الاسفنجة الكيس العازل للمياه الّذي تُوضَع فيه عند الشراء. وعندما نَظَرَ إلى الإسفنجة، رآها مغلّفة بكيسٍ كان يمنع وصول المياه إليها. إنّ حالة هذا الإنسان مع الاسفنجة، هي حال المؤمن مع كلمة الله في الكثير من الأحيان: ففي حياة الإنسان، حواجزُ كثيرةٌ تمنع كلمة الله من الوصول إلى أعماقه وتمنعه من التفاعل معها. لذا، علينا في كلّ قدّاس أو وقفة روحيّة، أن نُعلِن عن رغبتنا في ولوج كلمة الله إلينا، وأن نطلب من الله إرسال روحه القدّوس إلينا لنتمكّن من قبول كلمة الله والتفاعل معها في حياتنا اليوميّة، فتتمكّن من أن تُغيِّرَنا، بطريقةٍ لا نَعرِفُها وفي وقتٍ لا نتوقّعه.

هذا ما حدث مع زكريا وأليصابات إذ استجاب الله لطلبتهما فرزقهما ولدًا، عندما قطعا الأمل من إمكانيّة الحصول عليه بالطُرق البشريّة نظرًا إلى أنّهما كانا قد طَعنا في السِّن. إنّ عقدة لسان زكريا، لا تدّل أبدًا على تمييز الله بين أبنائه: إنّ زكريا قد شكّ في قدرة الله على تحقيق طِلبَتِه ولم يصدّق كلام الملاك، ولهذا كان يجب أن يصمت ليتمكّن من التأمّل في سرّ الله؛ أمّا مريم فلم تَشُّك في كلام الله وبِـمَ بشرّها به، بل أرادت فقط أن تستوضح منه كيفيّة تحقُّق ذلك. إنّ البشر يهتمّون بكلّ ما يَظهَر للعلن، أمّا الله فيهتمّ لداخل الإنسان. إنّ ابتسامة أحد الأشخاص لك، لا تُعبِّر بالضرورة عن محبّته، إنّما قد تحوي في طيّاتها انتقامًا وشرًّا يتمّ تحضيره لك، والبيت الشعري هذا:"إن رأيت نيوبَ اللّيثِ بارزةً فلا تَطُنَّن أنّ اللّيثَ يبتسمُ"، هو خير تعبير عن تلك الحالة. إنّ الظاهر لا يعكس حقيقة داخل الإنسان، كما أنّ الخارج لا يُعبِّر بالضرورة عن الدّاخل. إنّ الله وحده يستطيع أن يفهم القلوب، هذه هي خلاصة المقارنة بين نتيجة بشارة الملاك لزكريا ونتيجة بشارته لمريم.

إنّ النّعمة تُشبِه الموت والألم، إذ إنّهما كما النّعمة، يقرعان أبوابنا في وقتٍ وزمانٍ لا نَعرفهما، وبطريقة لا نتوقّعها. لذا، علينا أن نكون مستعدّين لهما، والاستعداد يكون عبر ترداد كلمة "لتكن مشيئتك". إنّ مشيئة الله لا تتحقّق بعذاب الإنسان وتألُّمِه إنّما بقداسته، فالله هو إله أحياء لا إله أموات، وبالتّالي هو لا يريد موت الإنسان إنّما يريد وهب الحياة له. هذا ما يميّز جماعة "أذكرني في ملكوتك" عن سائر الجماعات الكنسيّة، ويشكِّل علامتها الفارقة: فهي تسعى إلى إعلان الرّجاء، وعَيْشِه، ونقله إلى الآخرين. إنّ أعضاء هذه الجماعة ليسوا بحجارة أو بملائكة، فَهُم يتأثرون، ويبكون كسائر البشر عندما يفقدون عزيزًا، أو تُصيبُهم الأوجاع، إلّا أنّهم يسعون إلى تَقَبُّل هذا الألم والفراق برجاء كبير، وهذا ما يؤدي إلى إعلان كلمة الله إلى الآخرين، من خلالهم.
إنّ عقدة لسان زكريا لم تكن عقابًا من الله، إنّما كانت فرصةً ليتأمّل في سرّ الله، فبدون الصمت لا نستطيع فَهْمَ سرّ الله. أمام سرّ الله، يقف الإنسان مدهوشًا ومُتَعَجِبًا، عاجزًا عن التعبير عن عظمة سرّ الله. إنّ الوقت وحده هو الكفيل بأن يساعد الإنسان على فَهْمِ سرّ الله. إنّ زكريا يعلّمنا أن نصمت، وإن لم يُفرَض علينا الصّمت من الخارج أي من خلال الطبيعة، أو بقوّة إلهيّة، فلنسعَ أن نصمت من الدّاخل، لنتمكّن من سماع كلمة الرّب في أعماقنا. إنّ آباء الكنيسة يُركِّزون على أهميّة الصمت، إذ إنّ الصمت لم يجعل صاحبه يندم يومًا عليه، بل إنّما الكلمات الجارجة الّتي قد يتفوّه بها الإنسان هي الّتي أدّت إلى خصومات ما بين البشر، وجعلتهم يندمون في أغلب الأحيان على التفوّه بها. أمّا كلمة الله فإنّها تحيي الإنسان، ولا تجعله يندم على حملها أبدًا.
إخوتي، لِنَصمُتْ وَلِيَكن صمتُنا هذا فعلَ إرادةٍ صادرٍ منّا، ولنطلب من الله أن يزرع كلمته في أحشائنا، وأن يساعدنا ويُعينَنا لنسير وِفْقَها في حياتنا اليوميّة. آمين.
ملاحظة: دوّنت العظة من قِبَلِنا بتَصرّف.

تجدون على هذا الرابط فيلما يختصر نشاطات هذا اللقاء السنوي للشبيبة 2016
https://www.youtube.com/watch?v=nPCdm2iw9Pk&t=25s تتمة...
18/10/2016 سلاحٌ وحيدٌ يخلّص رعايانا لنطلبْ من الرّبّ ألاّ يصيبُ العمى عيونَنا
https://youtu.be/cXeJG62wnNA

"سلاحٌ وحيدٌ يخلّص رعايانا"
تأمّل للأب ميشال عبوّد الكرملي

18/10/2016

الله معكم،
إنّ خلاصَ رعايانا لا يكون إلاّ عبر سلاحٍ وحيدٍ قويّ. لقد تمّ غزو رعايانا بروحِ الحقدِ والضغينةِ بطريقةٍ لا مثيل لها في السنواتِ المنصرِمة، فقد عمّ روحُ الحقدِ بين الإخوة، والأقاربِ والأصدقاء، وبين أعضاءِ لجانِ الوقف، وحتّى في داخلِ الرعيّة، إضافة إلى تغلغلِ روحِ الإلغاءِ في العقول. وفي هذا الشأن، فإنّ كلامَ المسيح واضحٌ جدًّا إذ يقول لنا إنّ كلّ مملكةٍ، وكلّ أمّةٍ، وكلّ بيتٍ، يَنقسمُ على ذاته يُخرب. فنتيجة هذا الوضعِ السائد، أصبحَت رعايانا بحاجةٍ ماسّةٍ إلى سلاحٍ فعّالٍ وقويٍّ هو الصّلاة. فجميع المؤمنين بحاجةٍ ماسّةٍ للعودةِ إلى الصّلاة، وإلى الوقفةِ مع الذات، وإلى معاودةِ قراءةِ الإنجيل لكي تتمكّن كلمةُ الله من اختراقِ قلوبِنا من جديد. وكلامُ المسيح يأتي ليحثّنا على ذلك إذ يقول إنّ مَن سمِع كلامَه وحَفِظه وعمِل به، فَلَهُ الحياة الأبديّة. إنّ العواصفَ تواجهُنا من كلّ صوبٍ، وهي تسعى ليس إلى إبعادِنا عن كلمةِ الله فحَسب، بل إلى أن تطمرَنا وتُميتَنا. وهذا ما تكلّم عنه بطرس في إحدى رسائلِه، إذ طلبَ من المؤمنين الرّسوخَ في الإيمانِ وقت الشدائدِ والصّعوباتِ لأنّ إبليس أي الشيطان عدّونا، قادمٌ باتجاهِنا كأسدٍ زائرٍ طالبًا أن يلتهمَ فريستَه، ونحن لن نستطيعَ مقاومتَه إلّا عبر الرّسوخِ في إيمانِنا بالرّبّ يسوع.

إنّ كلَّ انسانٍ مدعوٌّ إلى البدءِ في العملِ على تحسين ذاتِه دون تلكؤ وانتظارٍ للآخرين. فإنّ كلَّ واحدٍ منّا هو حجرٌ حيٌّ في الكنيسة، وهو ذو قيمةٍ مهمّةٍ وفريدةٍ داخل الكنيسة. إنّ الكنيسةَ تنمو وتقوى عندما يبدأ كلٌّ منّا بالعملِ على تحسينِ ذاته. فلا يجبُ أن نخافَ على الكنيسة، لأنّها كنيسة الرّب، وهو سيهتّمُ بها، ولكن علينا أن نخافَ على ذواتِنا إذ إنّ نصيحةَ يسوع لنا هي نصيحتُه لبناتِ أورشليم اللّواتي كنّ يبكينَه حين رأينَه صاعدًا إلى أورشليم ليُصلب، فقال لهنّ: لا تبكِينَ عليّ بلِ ابكِينَ على ذواتِكنّ. وهذا ما يقوله لنا اليوم، نحن الّذين نتبَعه، إذ على كلِّ واحدٍ منّا أن ينتبهَ إلى ذاتِه وإلى مسيرتِه وسط عواصفِ هذه الحياة، فيسيرَ دربَ الصّليب فيها، ويتمكّن من معانقةِ الصّليب، فيشهدَ لإيمانِه بالرّبّ يسوع القائمِ من الموت مُنتصرًا عليه. لنطلبْ من الرّبّ ألاّ يصيبُ العمى عيونَنا فنتمكّن من رؤيةِ حضورِه في حياتِنا، لأنّه إن أدركنا أنّ الرّبّ معنا، فمَن علينا؟

ملاحظة: دوِّنَ التأمّل من قِبلِنا بتصرّف. تتمة...
19/4/2016 وُضِعَ يسوع في القبر وانتهى كلّ شيء ولكن الجميع لم يدركوا أنّ هناك يوم أحد
https://youtu.be/WlTAQvnaIus

"وُضِعَ يسوع في القبر وانتهى كلّ شيء"
تأمّل في عيد القيامة المجيدة
للأب ميشال عبّود الكرملي

19/4/2016

في يوم الجمعة، انتهى كلّ شيء: مات القائد والمعلّم، التّلاميذ هربوا، الفريسيّون انتصروا، بيلاطس صَلَبَ، قائد المئة شاهد، النّساء وَلوَلْنَ. وُضِعَ يسوع في القبر وانتهى كلّ شيء: تلميذا عمّاوس عادا إلى قريتهما، بطرس وبقيّة التّلاميذ عادوا إلى الصيّد، وتابعوا حياتهم وكأنّ شيئًا لم يكن.

ولكن الجميع لم يدركوا أنّ هناك يوم أحد، يوم قيامة وانتصار، ولمّ شمل التّلاميذ. ظهر المسيح، ولم يتحدَّ لا بيلاطس ولا قيافا ولا قائد المئة. ظهر المسيح للأشخاص الّذين اختبروا الآمه، وعرفوه قبل الآمه. ظهر للأشخاص الّذين سمعوا دقّات قلبه، وقد وصلوا معه إلى أقدام الصّليب مثل يوحنّا ومريم المجدليّة. وظهر المسيح طبعًا لأمّه مريم وإن لم يذكر الانجيل ذلك. ظهر يسوع على تلاميذه الّذين لم يعرفوه، لأنّ آخر مشهد رأوه فيه كان إمّا في بستان الزيتون وإمّا مقبوضًا عليه وإمّا معلّقًا مُهانًا على الصّليب. وهكذا الأمر بالنسبة لنا، فعندما نفقد أحبّاء لنا فالصورة الأخيرة الّتي تبقى مطبوعة في ذاكرتنا عنهم هي صورتهم في هذه الأرض، غير أنّنا علينا دائمًا أن نتذكّر أنّ أحباءنا هم الآن في السّماء مع الرّبّ، ويشاهدون مجد القيامة.

إنّ كلّ انسان يمرّ بفترة من الصعوبات والمشاكل والآلام في حياته ولكن علينا أن نتذكّر دائمًا أنّ بعد يوم الجمعة هناك يوم أحد، وهو يوم الرّبّ الحاضر في حياتنا دائمًا أبدًا. آمين.

ملاحظة: اُلقي هذا التأمّل في لقاء الشبيبة – المركز الروحي، زوق مكايل. ودوّن من قبلنا بتصرّف. تتمة...
16/2/2016 الصوم فالصّوم إذاً هو الامتناع عن كلّ ما يُبعدنا عن الله،
https://youtu.be/6HUZX_e-VLI

تأمّل في الصوم
للأب ميشال عبّود الكرملي

16/2/2016

إنّ الصّوم، في الحياة المسيحيّة، لا يُقاس بكميّة الطعام التّي نمتنع عنها وإنّما يُقاس بنوعيّة الصلاة التّي نتلوها. في كافة صفحات الإنجيل، لم يطلب منّا يسوع، مرّة واحدة، الصّوم، إنّما طلب منّا الصّوم الذّي يترافق مع الصلاة: "إنّ هذا النّوع لا يخرج إلاّ بالصّوم والصّلاة" (مر9: 29). فالإنسان يتعرَّض لكافة أنواع التّجارب التّي تبعده عن الله، والتّي يستخدمها الشِّرير. ولكي يتمكنّ الإنسان من مواجهة هذه التَّجارب، عليه أن يتحلّى بالقوّة، وهذه القوّة قادرة أن ترفع كيانه كلِّه نحو السّماء، وترفع قلبه كلّه نحو السّماء، في وقت المحنة كما في وقت الفرح.
في ليلة آلام يسوع، أراد التّلاميذ السّهر معه، إنّما ضعف الجسد منعهم من ذلك. فكانت كلمة يسوع لهم: "اسهروا وصلّوا لئلا تقعوا في التّجربة، الرّوح مندفع أمّا الجسد فضعيف" (متى 41:26). إنّ زمن الصّوم، وكلّ أوقاته تأتي من أجل أن يكون هناك توازناً بين الجسد والرّوح، بين أرواحنا ونفوسنا وأفكارنا، وعندئذٍ نستطيع عَيش الأبانا:" كما في السّماء كذلك على الأرض". فالصّوم إذاً هو الامتناع عن كلّ ما يُبعدنا عن الله، والتّقرّب من كلّ ما يُقرِّبنا من الله. فهل هناك أفضل من كلمة الله لنمتلئ منها للتّقرّب منه؟ وهل هناك أفضل من جسده لنتغذّى منه؟ هل هناك أفضل من أن نعيش في حضوره؟ فزمن الصّوم هذا هو زمن تجدّد، زمن عودة إلى الذّات، زمن عودة إلى ضعفنا كي يتقوّى بالله، زمن عودة إلى خطيئتنا لننال منها نِعم الرّبّ. حينها فقط سنرى كيف أننّا، سنة تلو الأُخرى، سننمو بالرّبّ، ونسير صوبه. ومَن يغتنِ بالرّبّ ويَعِشْ بحضوره، يجعلْ جسده غذاءً له، وتضمحِّل قيمة باقي الأمور، وعندما يقرّر الإنسان الامتناع عنها، فلن يشعر بثقلٍ، وذلك لأنّه ممتلئ من الرّبّ، وقد أصبح قويّاً بالرّبّ. آمين.

ملاحظة: اُلقيَ هذا التأمّل في التّنشئة الروحيّة للشبيبة في مركزنا الروحي – زوق مكايل تتمة...
15/11/2015 اللقاء السنويّ الأول للشبيبة مدرسة سيّدة جبل الكرمل - الفنار
https://youtu.be/VGQvsw-ypH0

اللقاء الرّوحي السنويّ الأول للشبيبة
في مدرسة سيّدة جبل الكرمل (Carmélite) – الفنار
مع الأب ميشال عبود الكرملي
بالتعاون مع لجنة شبيبة "اذكرني في ملكوتك"

15/11/2015

1. كلمة افتتاحيّة للجماعة
2. الموضوع الروحي : "نحن أبناء الرجاء" للأب ميشال عبود الكرملي
3. خلاصة حلقات الحوار
4. شهادات حياة

1. كلمة الجماعة
أيها الشباب المؤمن، نلتقي معًا اليوم تحت عنوان: نحن أبناء الرجاء.
ندعوكم اليوم الى التعرّف بجماعتنا الرسولية المسكونية التي انطلقت بنعمة الله منذ تسع سنواتٍ حاملة بشرى الحياة "المسيح قام!"، وانتشرت بعمل الروح وبركة الكنيسة في ستين رعيةً الى الآن في لبنان وبلاد الانتشار. وأهدافنا الروحية هي:
أولاً : نحن نصلّي من أجل إخوتنا الراقدين (اي موتانا)، لأننا أبناء القيامة، فنحن نؤمن حقًا أن المسيح قام وانتصر على الموت، أليس هو القائل في الانجيل: " أنا القيامة والحياة، فمن آمن بي وإن مات يحيا" (يو 25:11).
إذًا، نحن لا نموت، نحن نعبر الى الحياة الجديدة في ملكوت السماوات، نحن جميعنا أحياء بالربّ يسوع على "الأرض" وفي "السماء"، لذلك نذكر إخوتنا الراقدين، ونصلّي من أجل راحة نفوسهم في القدّاس الإلهي، بمشاركة الإخوة المؤمنين، في تذكار شهري، كلٌ في رعيته، لنحيا وإياهم في رباطٍ أبدي بمحبة المسيح ربّنا.
ثانيًا: نتعمّق في الكتاب المقدّس أي في كلام الربّ، ليصبح إنجيل الربّ يسوع نموذجًا لحياتنا ويملأها فرحًا وحبًا وسلامًا. فهو من قال: "أنا هو الطريق والحق والحياة... " (يو6:14).
كما تعطى محاضرات لتفسير الانجيل في مركزنا الروحي - زوق مكايل، وتُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي. (الموقع الالكتروني والفيسبوك واليوتيوب).
ثالثًا: نقوم بأعمال محبة لمساعدة الإخوة المحتاجين، ونعمل في مسيرتنا الإيمانية على نشر كلمة الحياة من خلال رسالتنا الشهرية " إلى إخوتي الخمسة". (وهنا، نذكر إنجيل لعازر والغني (لوق 16:19-31)

نعم، "اذكرني في ملكوتك"، هي رسالة صلاة وايمان ومحبة أفاضتها نعمة الرب علينا، فحوّلت حزنَ الموت الى فرحِ الرجاء بقيامة المسيح ربَنا، ولم نعد نخشى الموت لأننا أدركنا أن سرّ الموت هو تعزية بالحياة الأبدية، هو العبور الى النور، الى الربّ يسوع – صانع الحياة. وكلّ الذين يموتون من أحبَاء وأهل وأصدقاء، ينتقلون عنّا حقًا الى ملكوت السماوات. فهنيئاً لهم مَسكِن النور! أيّها الشباب المؤمن، تعالوا نحمل بشرى الحياة ونتابع مسيرة الرجاء معًا، فنتشدّد مهلّلين كلّ حين فرح القيامة: "المسيح قام!" على أملٍ أن يُصبح لقاؤنا هذا سنويًا بمعونة الله وجهودكم وايمانكم.

المسيح قام، حقًا قام!
جماعة "اذكرني في ملكوتك
السيّدة جانيت الهبر
..........................

2."نحن أبناء الرجاء"
الأب ميشال عبود الكرملي

كُلّ الوقت الذي نُقضيه مع الربّ هو وقتٌ مُثمرٌ، فلا أحدٌ منّا كان مُرغمًا على المشاركة معنا اليوم، وإنمّا جئنا بإرادتنا وهذا ما يُقدّره الله فينا. فالله يعمل ويُعطي ثماره. يقول أحدُّ الأشخاص وهو يتحدّث عن السماء أنّ الناس نوعان: النوع الأول يقف أمام الله ويقول له: لتكن مشيئتُك، والنوع الثاني يقف أمام الله ويقول الله لهم لتكن مشيئتكم، إذًا، فالناس الموجودون في جهنّم، هُم الذين أرادُوا ذلك. وهنا السؤال: ماذا يريد منّا الله عندما نقول لِتكن مشيئتُك!؟ الله يريد منَّا الحياة، الفرح، النموّ، ويريد أن نكون محبوبين وأن نُحِبّ، فهذا هو الله.
يقول بولس: "مَشيئة الله أن تكونوا قدّيسين". والقدّيس لا يكون هذا الشخص المتقوقع على نفسه، يجلد ذاته ويتألّم، وإنمّا القدّيس هو الشخص الذي يتطلّع ويرى يسوع الناصريّ، مُعطي الحياة. فعندما يتطلّع لشخص يجذبه، يدخل إلى حياته يملأُها بالفرح، وعندما يتعرّف به يصبح قائداً، فيحبّ الحياة وينجح فيها رغم كلّ الصعوبات التي تعترضه... وهناك مُفكرٌ يقول: الله يُتَمتِم في أوقاتٍ عابرةٍ، يتكلّم في ضمائرنا، ويتكلّم بقوةٍ أكبر في وقت آلامنا، وتُصبح هذه الكلمات عبارة عن مكبّر صوتٍ لتوعّيَ العالم... ومن هنا نشأة جماعة "اذكرني في ملكوتك"، تكلّمت في أوقات الألم كي توعّيَ الضمائر، فالأموات ليسوا بقشَّة كبريتٍ تحترق، ليسوا بكائنٍ حيّ يختفي من الوجود، بل ما زالوا أحياء...فأمواتنا لم نعد نراهم، لأنّ الموت يفصل عنّا الإنسان، ولكنّ الإنسان لم يَبطَل وجوده، فالإنسان الأبديّ يُعطي دائماً للأبد، والإنسان غير الأبديّ ليس عنده قيمة للأبد.
في سِفر التكوين، أوّل ما خلق الله الإنسان، جَبَله من التراب ونفخ فيه من روحه فصارت روح الله موجودة فيه، ولم يعد الموت قادراً على فصلها، بل تبقى روح الإنسان أبديّة فيه لأنّ روح الله أبديّة، فعلى كلّ إنسانٍ موجودٍ في هذه الحياة أن يعرف ذلك، وإلاّ فلن يعرف سبب الوجود.
حياتنا بعد الموت قبل أن يُخبِرها الإنجيل، أخبرَ عنها رجال العلم والفلسفة، لأنّهم تَطَلّعُوا إلى التطور الإنسانّي، فمَن صنعه؟ الإنسانُ هو الذي صنع الحضارة التي تطوّرت إلى مراحل كبيرة، بينما الحيوان فلم يتطوّر، لذلك وجد العلماء الإختلاف في المستوى بين الكائنات. عندها أدركوا أنّ الحياة الأرضيّة للإنسان مُختلفة عن غيره من الكائنات، وأنّ حياة الإنسان بعد الموت لا تنتهي كحياة الكائنات الأخرى، إنمّا تبدأ مع الله، وتُسمّى الحياة الأبديّة لأنّها لا تنتهي أبداً.
عندما لا نُعطي أهميّة للإنجيل، عندما لا نُصدّقه، نكون دُسناه... يُكلِّمنا الإنجيل في كثير من أوقات الموت والألم، ولكننا ندوسه عندما لا نُعطيه أهميّة ولا نُصدّقه. فالإنجيل كُتِب ليكون الحياة، فإمّا أن نقبله ونُصدقه أو أن نرفُضه... فهو يكلّمنا عن شخص يسوع المسيح الذي هو ابن الله، هذا الشخص الذي يدخل إلى الحياة فيُغيّرها. ويقول يوحنا : " كُتِبَت لكم كلّ هذه الأمور حتى تُؤمنوا بأنَّ يسوع المسيح هو ابن الله، وإذا آمنتم، كانت لكم الحياة".(يو31:20). ولكن ماذا قُصِدَ بجملة "إذا آمنتم"، وكما قال يعقوب الرسول: "فليس كلّ مَن قال يسوع ابن الله يكون قد آمن، فالشياطين تُؤمن وترتعب" (يع 19:2)، فكلمة تؤمن تعني "أن تَعرف"، والأهمّ أن تسخّر هذه المعرفة للإستفادة منها وعيشها في حياتك. فعلى الإنسان أن يضع يده بيد الله. يقول يسوع: "مَن آمن بي وإن مَاتَ فَيسيحيَا"،(يو25:11). قبل أن نصل إلى الحياة الثانية يجب أن نصل إليها هنا في هذه الحياة، فمَن يرفض الله هنا يرفضه هناك. فقد قال يسوع في إنجيل متّى: "إليكُم عنّي أيها الملاعين إلى النار الأبديّة المعَدَّة لإبليس ولجنوده" (متى 41:25)، أي أنّ الملكوت مُعَّدٌ لكم منذ القِدَم، والمسيح أعطى نعمة وهدية للإنسان اسمها السماء، والسماء هي أن نكون معه، وعندما يأتي الموت وينفصل الجسد عن النفس، يتحوّل الجَسَد إلى تراب، وإنمّا النفس تبقى.
وقد ورَدَ في الإنجيل، عندما ترك الرسُل كلّ شيء وتبعوا المسيح، فقال بطرس ليسوع بعد أن كلّم الشابَ الغنيَّ، فكم مِن الصعب للغنيّ أن يَترُك كلّ شيءٍ ويتبع المسيح، فالغنيُّ كان فَرحًا لأنَّه يَملك الكثير من الأموال وأصبح الآن حزيناً، ولكنّ المسيح لم يتكلّم عن الغنى الماديّ وإنمّا قال: "طُوبى لفقراءِ الروح فإنَّ لهُم ملكوت السماوات". وأدرك المسيح صعوبة دخول الغنيّ ملكوت السماوات، فليس من الضروريّ أن يدخُل كلّ فقيرٍ إلى الملكوت وأيضاً ليسَ مِنَ الضروريّ لكلّ غنيٍّ ألّا يدخل، وهُنا يقصُد الله بالغنيّ الشخص المستغني عن ملكوت الله، أي سعادته تأتي من الأرض، فالذي يترك كلّ شيء ويتبع المسيح سوف يحصل على مئات أضعاف ما كان يملك ويرث الحياة الأبديّة مع الاضطهاد، ويقصد بالاضطهاد: أنّ الذي يضطهدني هو الشخص الذي لا يمشي في الطريق التي أنا أريدُها، فبولس الرسول كان إنسانًا مضطهِداً فأصبح مضطَهَداً ، وكان يُحارب الرسل فأصبح رسولاً كبيراً.
فالألم سوف يدقُّ باب كُلّ منّا يومًا ما، وفي زمنٍ ما، مِن أشخاص غير متوقعين، ويُلقى الصّليب على عاتقنا. سيَحصل لنا ما حصل لسمعان القيرواني، حيثُ أنّه كان عائداً مِن الحقل إلى بيته ليرتاح، ورأى موكب يسوع وكان بيد يسوع الصّليب، وسُخِّرَ ليحمُل الصّليب خلف يسوع كما يقول الإنجيل. وحَمَلَ سمعان القيرواني الصّليب مع المخلّص فحمله الربّ يسوع المسيح إلى السماء.
اليوم، نُعاني نحن المؤمنون من مرض العصر الذي هو "التَذَمُّر"، والنّاس غير راضية عن شيء، وعندما نقول لتكن مشيئتُك، يقول لنا الربّ: مشيئتي أن تنموا وتنضجوا روحياً. فمشيئة الربّ تكمن في القوة التي وضعها فينا، في الفرح الذي وضعه فينا، وإذا لم نَعِش الفرحَ هُنا فسوف نَعيشُه في الحياة الثانية في السماء. ويقول المسيح كخلاصة: "قُلتُ لكم كُلَّ هذه الأشياء ليكونَ بكُم فَرَحِي، ويكونَ فرحُكُم تاماً عظيماً...أتيتُ لتكون لهم الحياة، وتكون الحياة وافرة" (يو10:10).
نعيش عصرنا اليوم بالعلم والتطوّر، فالعِلمُ يَعيشُ مع أشخاص خُلقوا ومَاتوا، يزيد أياماً على عُمرهم، ولكنّه لا يزيدُ على عُمرنا حياةً. لكنَّ الإيمانَ يضيفُ حياةً إلى عُمرنا، فكيف إذا اندمجا معاً.
قال التلاميذُ ليسوع وهو في طريقه إلى أورشليم إنّه سوف يُصلب ويُعذب، فهو الذي يُنحنى أمامه سُيذل، هو الذي يعطي الحياة سيُجلد، هو الذي يمشي على البحر ويحيي الموتى سيُقتل. فقال له بطرس: "حاشى لك يا ربّ، أنتَ الزعيمُ الذي تركنا كلّ شيء وتبعناك، سوف يحصل هذا لك..." فأجابه يسوع: "اذهب خلفي يا شيطان" (متى 16:23)، لأنَّ أفكارهُ ليست أفكار الله، بل أفكار البشر، لأنه يَرفُض الموت والقيامة، أي يرفض الحياة، فبطرس قال للربّ إنّه سيذهب معه إلى الموت، ولكن هناك ثلاثة أشخاص وصلوا فقط عند أقدام الصليب، وهم يوحنا الحبيب ومريم العذراء ومريم المجدلية. لأنّ مريم أقدَسُ النساءِ فهي حَمَلَت يسوع في أحشائها وقدّمته للعالم، ومع ذلك، لم يعتقد سمعان الشيخ أنَّها ستعيش حياة سعيدة، مرتاحة، بلا آلام أو أوجاع، لأنّها أمُّ الله، بل قال لها: "سينفُذُ سيفٌ في قلبكِ"(لو 35:2)، أمّا مريم المجدليّة فوصلت إلى الصّليب لأنّها كانت خاطئة كبيرة، فقد شفاها يسوع من خطاياها، فغَسَلَت رجلَيْ يسوع ومسحتهما بشعرها، وسمعان الفرّيسي انتقدها، وانتقد يسوع بقوله "لو كان هذا رجلٌ نبيٌ لَعَرِف مَن هي، إنّها خاطئة". فأجابه يسوع: "غُفِرَ لها الكثير لأنّها أحبَّت كثيراً"(لو 47:7)، وأيضًا يوحنا الحبيب وصل إلى أقدامِ الصليبِ لأنّه اختبر حُبَّ الربِّ إلى العمقِ، ويُقال إنّه مالَ الى صدره وسَمِعَ دقات قلبه.
فالذي يختبر حبّ الله للعمق يستطيع أن يصل إليه، لذلك علينا ألّا ننتظر لنصبح مُحسنين لنُحِبَّ الله، ولا َلِنَفعَلَ الخيَر ليُحبَّنَا الله، ولا لنُصلّي كثيراً ليرضى الله علينا، فالله يحبنا بغضِّ النظرِ عن أعمالنا، وهو راضي علينا بدون أيّ شيء، الله خلقنا ولم يتركنا. عليّ فقط أن أعرف مقدار حبّ الله لي، فالله يدعوني دائماً للملكوت ولأكون معه في الأرض وفي السماء، فهو مات من أجل الخاطئين وأوّلهم أنا، فالله يحبّنا رغم كلّ شيء، وبولس هو الوحيد الذي اكتشف حبّ الله العظيم وضحّى من أجل الربّ، ومن هُنا نكتشف رجاء المسيح، أنّ الربّ أمينٌ لوعده، فهو وعدنا بالسماء، وأعطانا الحياة والفرح لنكون معه، فالرجاء أن نُصدِّقَ كلمة الله.
فجماعة "اذكرني في ملكوتك" تبشّر بوجود الله فينا، بوجوده بيننا، وسَنُكمِل حياتنا معه. وذِكرُ الموت لا يعني عيشَ الحزنِ والابتعاد عن عيش الحياة، فنحن نعيش الحياة مرّة واحدة لِذا يجب أن نعيشها ونستفيد من كلّ الوزنات التي وهبنا إيّاها الربّ. هذه الجماعة عبارة عن عود كبريت يُشعِلُ الجمر، بعضٌ منهم يكون قليل الاشتعال فإمّا نطفئها، ونُنهي النارَ التي فيها، أو ننفخها فتعطي حياة. فالرّب نَفَخَ فينا الروحَ القُدس الذي يعطي الحياة، لأنَّنا أولاد الحياة، وإذا أردنا عيشَ الرجاء فعلينا أن نُؤمن بالمخلّص فهو الحياة وهو صانع الحياة وله المجد. آمين.
ملاحظة: "نحن أبناء الرجاء" موضوع روحي للأب ميشال عبود اُلقي في اللقاء السنويّ الأوّل لشبيبة "اُذكرني في ملكوتك"

في مدرسة سيّدة جبل الكرمل- الفنار، ودُوّن من قبلنا بتصرّف.
.........................

3. خلاصة حلقات الحوار
أكثر ما أثّر في الشبيبة في الموضوع الروحيّ، هو: ضرورة التحلّي بالرّجاء وبالتّالي عدم الخوف من الموت بل: الاستعداد له عبر التفكير في النِّعَم الّتي سننالها في الحياة الثانية بعد الموت، الاتِّكال على الربّ في مواجهة صعوبات هذه الحياة ومشقّاتها، السَّعي لتطبيق تعاليم الربّ في حياتنا اليوميّة، الثِّقة بأنّ الشَّخص المتوفي هو غائبٌ فقط في الحضور وهو لا يزال موجودًا لكنّنا نعجز عن رؤيته بالعين البشريّة. إنّ إيماننا بالربّ يسوع يمنحنا القيامة بعد الموت، إن تمكّنا من عيش تعاليم المسيح، وبخاصّة المحبّة تجاه الآخرين على هذه الأرض. إنّ إيماننا بالربّ يسوع يقتضي معاشرتنا للكتاب المقدَّس أي التأمّل بأحد نصوصه يوميّا، واتِّخاذ العِبَر الروحيّة منه لحياتنا اليوميّة.

أمّا أهمّ ما أثّر في الشبيبة في شهادات الحياة، فهو: عدم الاتِّكال على الذّات بل على الله، اتِّخاذ القرار بتغيير المسار الخاطئ والسَّعي للعيش بمعيّة الربّ من خلال الصّلاة والشُّعور بقربه منّا، فتتدفَّق نِعَمُه علينا في وقتٍ لا نُدرِكه، أهمّية صلاة المسبحة، بناء علاقة متينة مع الربّ؛ عدم ترك الربّ لنا على رغم من وَضْعِنا جدارًا فاصلاً بيننا وبينه.

نستطيع مساعدة الأشخاص الحزانى لِتَقَبُّل فقدانهم لأعزّائهم، في واقع الموت من خلال: مرافقتهم بالصّلاة كالتراتيل والمسبحة، فيتمكّن المؤمِن من الشُّعور بحضور الله في حياته؛ التعبير عن محبّتنا ومساندتِنا لهم في هذه المرحلة، تذكيرهم بأنّ المسيح قام من بين الأموات من خلال ترداد جملة "المسيح قام، حقًّا قام" على مسامعهم. أمام هذه المحنة، يظهر دور الشبيبة في مساعدة الأكبر منهم سنًّا لتقبُّل ألم الفراق، فالموت هو لحظة عبور المؤمِن من هذه الفانية إلى جوار المسيح للعيش معه.

ملاحظة: دُوِّنت هذه الخلاصة مِن قِبَلِنا بتصرُّف.
................................
4. شهادات حياة
- السيّدة ألين لحود

"كلّما اقتَرَب الإنسان من الربّ عاش النعمة..."
كنتُ أشكر الربّ في كلّ حين على أنّني تربّيتُ في عائلة مؤمنة، وكان لوالدتي إصرارٌ دائم على الصلاة، الاعتراف، الذهاب للكنيسة، وكلّ الطقوس الدينيّة. وأيضًا، كنت أعتقد أنّه يكفي أن أصلّي لوحدي في غرفتي، فالربّ يسمع الصلاة أينما كنت، واكتشفتُ من خلال تجارب حياتي أنّه كلّما اقتَرَب الإنسان من الربّ عاش النعمة، وكلمّا ساعد نفسه، الربّ سَاعَدَه أكثر.
اعتبرتُ أنّني أستطيع أن أعتمد على نفسي في كثير من مراحل حياتي. فالله وهبني العقل والمواهب لأستفيد منها وأتابع حياتي، وحاولتُ أن أختبرَ نفسي في مرحلتَيْن مختلفتَيْن واجهتُ فيهما الصعوبات نفسها. في مرحلة معيّنة اعتقدتُ أنّني من الممكن أن أجدَ الحلّ للمشاكل التي تعترض طريقي، فلاحظتُ أنّ هذه المشاكل تدوم لوقت طويل وأنّه أصبح من الصعب تجاوزها. وفي يوم من الأيام، بينما كنت أتحدّث مع أحدّ الكهنة عن مشكلة كبيرة، غير قادرة أن أجد لها حلًّا، وبعد أن وصلتُ إلى مرحلة من اليأس وفقدتُ الأمل من إيجاد حلول لها، ذكّرني الكاهن بأنني في مرحلة من مراحل حياتي كرّستُ نفسي للربّ من خلال أعمالي وصلواتي، فلماذا ابتعدتُ عنه ؟
فقدتُ والدتي بعد أن عشتُ معها كلّ المراحل الدينية، وكانت صدمة كبيرة لي؛ فقد كنتُ أصلّي دائمًا أن يُنجيني الله تجربة فقدان أمّي التي هي نقطة الضعف في حياتي، وأنّني حاضرة لأخوض كلّ التجارب الأخرى. وهكذا بعد وفاة والدتي لفترة زمنية، تفاجأتُ من صمودي، من القوّة التي وهبني إيّاها الربّ لأقف على رجلَيّ وأتابع حياتي، ولكنّني بدلاً من الإستفادة من هذه القوّة، ابتعدت عن طريق الربّ، ورفضت الذهاب إلى الكنيسة، وعشتُ جمودًا في صلاتي، وتُهتُ في فراغ كبير، فراغ لم يعد أحد يملأه...لا الأصحاب، ولا الأقارب، ومع ذلك لم يبتعد الربّ عنّي بل بقيَتْ نعمتُه موجودة من خلال متابعتي لعملي، ومن هنا كانت تفيض نعمتُه وقوّته على حياتي، ولكنّني لم أكن مُدركة لهذا الموضوع، وظننتُ أنّني القويّة، أنا التي أهبُ نفسي هذه القوة من خلال تأقلمي مع الوضع. ابتعدت لسنوات عدّة عن الله، حتى وقعتُ في مشكلة شخصيّة كنتُ قد مررتُ بها سابقًا في الأيام التي كنت فيها أكثر روحانيّة وإيمان، وتفاجأتُ من نفسي أنّني أكبر سِنّاً الآن، وليس بإمكاني معالجة هذا الموضوع وأخذ قرارات صارمة، وأصبحتُ أتساءل لماذا عندما كانت أصغر سنّاً، كنت أكثر صرامة وقوّة في قراراتي؟. حتّى التقيتُ مجدّدًا بالكاهن ذاته الذي كنت على علاقة وطيدة معه منذ الصِغر، فهو الّذي كان يُرافقني ويُتابعني روحيًّا في حياتي، ووجد في عينَيّ فراغًا كبيرًا، وسألني عن سبب غيابي كلّ هذه السنين عن الكنيسة وعن سبب انطفاء الحرارة التي في داخلي. فأجبته أنّني لم أكن على استعداد لإعلامه كي لا أقوم بما يطلبه منّي. كنتُ غارقة في فراغ اليأس والوجع، وأنظر دائماً إلى السماء وأقول للربّ: "لماذا أنَا، مَاذا تُريد مِنِّي بعد، فقد تُوفيت أُمّي، وتوفيت خَالتي بعدها بعشرة أشهر، وأصبحتُ وحيدة".
لم أكن مدركةً بأنّني أنا التي تركتُ الربّ وليس هو من ابتعد عنّي، وكان الكاهن يُذكِرّني بألين السابقة، ألين التي كانت تَشِعُّ بالفرح وتنبض بالحياة. وبعد فترة أدركتُ واقعي، وقررت النهوض من جديد والعودة إلى ممارسة حياتي الروحيّة، وتساءلتُ هنا حول كيفيّة العودة إلى الكنيسة...إلى سرّ الاعتراف؟ ولماذا لم أعُد قادرة على حلّ مشاكلي؟. فدعاني الكاهن بأن أقوم بالخطوة الأولى، والنعمة تأتي من الربّ تدريجيًا. وبعد مدّة بدأتُ بالذهاب إلى جماعات صلاة مع إحدى صديقاتي التي كانت جِسر عبورٍ لي في هذه المرحلة، وبدأت أشعر بأنّني أريد الذهاب من تلقاء نفسي للمشاركة في السجود للقربان المقدّس وتلاوة المسبحة.... وبدأت تتفكك يومًا بعد يوم المشكلة التي كنت أعاني منها منذ سنة. ذهبت بعد شهر إلى الكاهن وحدّثته عن وضعي وكيف بدأت المشكلة تزول، وأنّني أصبحتُ أصلّي من كلّ قلبي، وأردّد مسبحة الرحمة في عملي (التصوير)، وأقرأ الإنجيل...وبدأت نعمة الربّ تحلّ عليّ، أصلّي من كلّ قلبي وكأنّني على موعد مع الحبيب، واكتشفت أنّه رغم العقل والمواهب والنعم التي أفاضها الربّ عليّ، فوجوده في حياتي وعلاقتي به هما الأهم.. ولم أعُد أريد أن أتعامل مع الربّ على أنّه القوة التي تخيفني، فكان كلّ هدفي أن يعود هذا الرابط القويّ معه، وأن أتقرّب منه أكثر. بعدها أدركتُ أنّ الإنسان هو الذي يبتعد عن الربّ بسبب ضعفه.
كنتُ أشكر الربّ دومًا على الأوجاع التي عانيتها، وأؤكد أنّ كلّ الآلام التي يتحمّلها الإنسان هي بمثابة الوزنات، وكلّ شخص يعطيه الرّب وزنات خاصّة به وهو يعرف أنّه قادر على تحمّلها من خلال الاقتراب منه والإيمان به.
ملاحظة: دُوّنت من قبلنا بتصرّف

- السيّدة مايا الهبر
ما جرى في حياتنا هو بفعل يد الله...

السنذ عشر سنوات كان اختبار واقع الموت، الموت المفاجىء لوالدي، باسيليوس، الذي لم يكن يُعاني مِن أيّ مُشكلة صحيّة. كان عمري 19سنة، وكنتُ أظنّ أنّ الموت فكرة بعيدة عنّي، وأعتقد دائمًا أنّ الموت يكون لشخصٍ مريضٍ، كبيرٍ في السنِّ، ولم أكن أدرك أنّه يُفاجِئنا أحياناً.
في ذلك اليوم خرج أبي لرياضته ولم يَعُد، وبالطبع كانت صدمة كبيرة للعائلة، وواجهنا واقع الموت. ولكنّ الله، في هذه الفترة الصعبة، رافقنا في حياتنا ولم يتركنا أبداً، إذ كانت دعوة لي لفهم حقيقة سرّ الموت... فتغيّرت حياتي وحياة عائلتي.
بعد موت أبي، بدأنا نصلّي مع إخوتي وأمّي صلاة السبحة يوميًا علّ محبتُنا له تدوم. وبعد فترة قصيرة، بدأنا نشعر بتدخّل عناية الله في حياتنا، وحضور أبي خاصة من خلال مواقف صغيرة حصلَتْ معنا، أكدّتْ لنا حضورَه، وحقيقة القيامة، ووجود حياة ثانية ما بعد الموت... مما أفاض في قلوبنا الفرح والتعزية والسلام. وهنا أدركنا أنّ الإنسان الذي يموت يبقى حيّاً ونلتمس حضوره إذا واظبنا على الصلاة. وموته لا يعني نسيانه أو عدم ذكر اسمه.
وفي قدّاس الأربعين الذي كان في زمن القيامة، يُرَدَدُّ دائماً في القدّاس البيزنطي: "المسيحُ قَامَ مِن بين الأموات، ووطىء الموتَ بالموت، ووهبَ الحياةَ للذين في القبور". عندها فهِمتُ العبارة بمعنى جديد، فهمْتُ معنى القيامة، ودخل السلام إلى قلبي، وخلعتُ اللباس الأسود وارتديتُ الأبيض بدلاً مِنه لأنّه رمز القيامة، وبعد أن عشتُ والعائلة علامات تعزية وفرح القيامة من خلال تدخل عناية الله وتدبيره في حياتنا، دُعينا للصلاة من أجل الموتى وابتدأتْ مسيرةُ "اذكرني في ملكوتك".
وبعد هذه التجربة، فهمتُ المعنى الحقيقي للحياة، والحياة الحقيقية هي ما بعد الموت. فالحياة الأرضيّة جزءٌ صغيرٌ من حياتِنا، والجزء الأهم يأتي لاحقاً. وأصبحتُ أعتمد على الله في حياتي بشكل أكبر، أعيش حضوره وأذكره في يومي مراراً.
في البدء، لم نكن نفهم ما يحصل لنا، ولا الغاية في وقتها، وهنا أدركنا أن الله يقودنا في طريقنا ويعرف ما هو الخيرُ لنا. وما جرى في حياتنا هو بفعل يد الله... وكلّ المشاكل والصعوبات التي كنّا نواجهها في حياتنا أصبحنا نعتبرها صغيرة، فالمهمّ أن نعيش بمحبة ورجاء لنصل إلى الحياة الحقيقية...
وإذا اعتبرنا أن هذه هي الحياة الحقيقيّة التي نُخلق فيها، نعيشها، نواجه المشاكل والصعوبات، ونموت من بعدها، فلا نكون قد اختبرنا المعنى الحقيقيّ للحياة بعد، فهذه حياة بسيطة وتمهيد للحياة الثانية التي هي حياة الملكوت.
وإذا ابتعدنا نحن كشبيبة عن التفكير بموضوع الموت، فلا يعني أنّه بعيد عنّا حقّاً، فإنّه سوف يدقُّ أبوابنا من دون أن نعلم، ويجب أن نكون دائماً حاضرين لنتقبله ونفهمه، ولنساعد من حولنا بإيماننا المسيحي. فالقيامة هي ركيزة المسيحيّة، ويقول بولس: "إن لم يَكُن المسيح قد قام فباطل إيمانكم".
وأخيراً علينا أن نكون، نحن الشبيبة، العلامة الفارقة من خلال لبس الأبيض في الحزن، وقول جملة "المسيح قام "...فكلّ هذا من المؤكَّد أنّه سيؤثر في أحدِّ الموجودين ويمسّه ويُغيّر له حياته. وأيضًا أن نعيش الحياة الحاضرة بمحبة ورجاء ولكن من دون نسيان النظر إلى الأعلى والتفكير بالحياة الثانية.
ملاحظة: شهادة حياة لمايا باسيليوس الهبر في نشأة الجماعة، أثر اختبار واقع الموت بانتقال والدها الى الحياة الأبدية. تتمة...
20/5/2015 ماذا أفعل لأرث الحياة الأبدية؟ مر 17:10 في قلب كلّ إنسانٍ عطشٌ الى الحياة الأبدية
https://youtu.be/F_HOVNsVcj0

ماذا أفعل لأرث الحياة الأبدية؟
تأمّل للأب ميشال عبود الكرملي

20/5/2015

في قلب كلّ إنسانٍ عطشٌ الى اللامتناهي، في قلب كلّ إنسانٍ عطشٌ الى الحياة الأبدية، لذلك نرى في الإنجيل أن عدة أشخاص أتوا الى الربّ يسوع، ومنهم الشاب الغنيّ، وكان السؤال: ""ماذا أفعل لأرث الحياة الأبدية؟" (مر 17:10).
الربّ يسوع كان واضحًا في الإجابة التي أعطانا إيّاها لنا: "من أكل جسدي له الحياة الأبدية"(مر 17:10)،
عندما صلّى وقال: " أيها الآب... وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته" (يو 3:17). الله حاضرٌ فينا، ساكنٌ فينا. إذا أغمضنا عيوننا لن نرى الشمس، ولكن الشمس ترانا دائمًا، فلننتبه لحضور الله فينا، في حياتنا. لذلك كانت القدّيسة أليزابيت للثالوث- الكرملية، تقول: "وجدتُ سمائي على الأرض، لأن السماء هي الله، الله موجود في قلبي وأريد أن أبوح بهذا السرّ لأحبائي". وكما قال للسامريّة: "تأتي ساعة، وقد أتتْ الآن، تكون العبادة الحقيقية لله بالروح والحقّ". الله حاضر معنا لا تعوزنا إلا ومضات صغيرة حتى نقول له: نحبك أيّها الربّ
يسوع، نؤمن بك.كما أنّ القشة تشعل الغابة، كذلك كلمة صغيرة تشعل حرارة الايمان فينا. القدّيسة تريزا دافيللا تقول: " لاتقوم الصلاة على كثرة الكلام بل على وفرة الحبّ". آمين
ملاحظة: ألقِي هذا التأمّل في اجتماع الشبيبة ودُوّن من قِبلنا بتصرّف تتمة...