البحث في الموقع

كلمة الحياة

تفسير كتاب مقدّس

"يا ربّ، إلى من نذهب وكلام الحياة الأبدية عندك ؟"
(يو 6: 68)
يُعطى تفسيرٌ لنصوص من الكتاب المقدَّس في مركزنا الرُّوحيِّ في زوق مكايل، يوم الثلاثاء من كلِّ أسبوع السَّاعة العاشرة والنِّصف صباحاً، مع الأب ابراهيم سعد.

يمكنكم زيارة قناة YouTube الخاصة بجماعتنا حيث تجدون محاضرات شرح لقراءاتٍ من الكتاب المقدَّس على الرابط التالي:

Link: www.youtube.com/channel/UCNkSg8_ItqffwphbUekKqyA
26/1/2016 رسالة القدّيس بولس الرسول إلى أهل رومية - الإصحاح الخامس، القسم الثاني غاية الخلق هي التّجسّد
https://www.youtube.com/watch?v=2GWRLy3Zmps&t=83s

تفسير الكتاب المقدّس
رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية
الإصحاح الخامس - القسم الثاني
الأب إبراهيم سعد

26/1/2016

" ... من أجل ذلك كأنّما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت الى جميع النّاس إذ أخطأ الجميع، فإنّه حتّى النّاموس كانت الخطيّة في العالم على أنّ الخطيّة لا تحسب إن لم يكن ناموس، لكن قد ملك الموت من آدم الى موسى وذلك على الّذين لم يخطئوا على شبه تعدّي آدم الّذي هو مثال الآتي، ولكن ليس كالخطيّة هكذا أيضًا الهبة لأنّه إن كان بخطية الواحد مات الكثيرون فبالأولى كثيرًا نعمة الله والعطية بالنّعمة الّتي بالإنسان الواحد يسوع المسيح قد ازدادت للكثيرين، وليس كما بواحد قد أخطا هكذا العطيّة لأنّ الحكم من واحد للدينونة وأمّا الهبة فمن جرى خطايا كثيرة للتبرير، لأنّه إن كان بخطيّة الواحد قد ملك الموت بالواحد فبالأولى كثيرًا الّذين ينالون فيض النّعمة وعطيّة البرّ سيملكون في الحياة بالواحد يسوع المسيح، فإذا كما بخطية واحدة صار الحكم إلى جميع النّاس للدّينونة هكذا ببرّ واحد صارت الهبة الى جميع الناس لتبرير الحياة، لأنّه كما بمعصية الإنسان الواحد جعل الكثيرون خطأة هكذا أيضًا بإطاعة الواحد سيجعل الكثيرون أبرارًا، وأمّا النّاموس فدخل لكي تكثر الخطية و لكن حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جدًّا، حتّى كما ملكت الخطية في الموت هكذا تملك النّعمة بالبرّ للحياة الابديّة بيسوع المسيح ربنا".
نكمل اليوم شرح القسم الثّاني من الإصحاح الخامس لرسالة القدّيس بولس إلى أهل رومية من الفصل الثّاني عشر. إنّه ولا شكٍّ مقطع صعب، ولكنّ الأساس فيه هو المقارنة بين طرف (أي آدم) وهو الإنسان الأوّل، وطرفٍ آخر (أي يسوع) وهو الإنسان، لأنّه عندما خلق الله آدم، خلقه على صورته ومثاله، أي على صورة الإنسان الّذي سوف يظهر
في أحد الأيّام، وهو الربّ يسوع المسيح. إذًا خلق الله آدم على صورة المسيح، كما يقول القدّيس مكسيموس المعترف: "غاية الخلق هي التّجسّد"، أي هدف خلق الله للإنسان هي إيصاله إلى التّجسّد، وهو ليس حالةً طارئة بسبب خطيئة الإنسان. لو لم يخطئ آدم لما كان المسيح تجسّد، لأنّ كمال الخلق هو أن يصبح الإنسان كاملًا، ونحن لا نملك صورة لإنسان كاملٍ سوى يسوع المسيح، لذلك غاية الخلق هي التّجسّد.

شَوَّهَ آدم صورة خلق الله، عندها دخل طارئ على الحياة وهو الموت، فخطيئته أدّت به إلى الموت، وهو نتيجة عمل الإنسان، وهو رحمة للكثير من الآباء القدّيسين. موت آدم هو إيقاف استمراريّة حياته في الخطيئة.
ما هي خطيئة آدم؟ تربط علاقة محبّةٍ ووحدةٍ بين الله وآدم، وعندما تدخّل العنصر الثالث أي إبليس في هذه العلاقة، غيّر مسار تفكير آدم، فتبنّى هذا الأخير نظريّة إبليس، وأصبح خاطئًا بحقّ الحبّ. كان من المفترض أن يتوجّه آدم إلى الله ويسأله حول هذه النّظريّة، لأنّ الثّقة الموجودة لا تسمح بالشّكّ في حبّ الله له كما دخل إبليس بين الله وآدم كذلك وفي حياتنا اليوم، كلّ عنصر ثالث هو إبليس أو ما يسمّى "بالشّرك" أي تعدّد الآلهة.
تعني المعرفة في الكتاب المقدّس "العلاقة"، إذاً ما من معرفة ذهنيّة فقط. الله حذّرهم من اللّجوء إلى الخير والشّرّ، وحرف الواو بالعبريّة يعني "مع"، فلا يمكنكم إقامة علاقةٍ مع الخير والشّرّ في الوقت نفسه، لأنّ هذا يؤدّي بكم إلى الهلاك. لقد نبّهنا الله من العلاقة بين الخير والشّرّ. أمّا آدم فقد قام بعلاقةٍ مع الخير الّذي هو الله، ومع الشّرّ أي مع إبليس. فأصل المشكلة والخطيئة الأساسيّة هي عدم يقين آدم بمحبّة الله له لذلك تدهور كلّ من أتى بعد آدم، والدّليل أنّه:" هكذا أحبّ الله العالم، حتّى أنّه أرسل ابنه الوحيد"، ومات من أجل هذا العالم.

عندما تظنّ أنّ من يحبّك لا يقدّر حبّكَ له، فسوف تخونه وتغدر به، هكذا هي الحال في العلاقة البشريّة، فكيف بالأحرى العلاقة مع الله؟ فمن يحسّ بالنّقص في الحبّ، يمتلكه الخوف. كلّ خوف فيك هو عدوانيّة لأنّ المحبّة تطرد الخوف خارجًا، والخوف يطرد الحبّ خارجًا، ويتحوّل إلى كراهية. تحرّروا من الله الخالق والدّيّان، فإلهنا هو إله الحبّ، هو أب وعريسٌ للعروس الّتي هي كنيسته.

دخلت الخطيئة إلى العالم بإنسانٍ واحدٍ، أخطأ ولم يصب الهدف، ومن خلال الخطيئة حصلنا على الموت، ومن خلاله دخلنا في الخطيئة، لأنّ كلّ خاطئ هو خائفٌ من الموت، على حدِّ قول بولس الرّسول في رسالته إلى العبرانيّين في الإصحاح الثّاني، ومخافةً من الموت ندخل في العبوديّة. لا أحد يتحمّل خطيئة الآخرين، لكنّنا نتحمّل نتيجة خطيئتهم، فلا نُعاقب عليها. الموت هو الحقيقة المجهولة، وكلّ ما تجهله تخافه. فيسوع هو الوحيد الّذي لم يُقِم علاقةً مع الشّرّ بتاتًا، بل هو على علاقة مع الخير، وعندما حاول الشّيطان أن يجرّبه ثلاث مرّاتٍ: في الخبز الّذي ينتج الجوع أي الموت، والسّلطة التّي متى انعدمت تلغيك من الوجود فتصبح إنسانًا ميتًا، وثالثًا الرّمي بنفسه وذلِكَ رمز للموت

أيضًا، فالتّجارب الثّلاث كانت تعني "الموت". عندما طلب الشّيطان من يسوع السّجود له، عنى بذلك الخضوع لإله آخر، رفض عندها يسوع أيّة علاقة أخرى خارج الله. وأجوبة المسيح كلّها كانت من سفر الاشتراع أي من العهد القديم.
أظهر يسوع أنّه لا يخاف الموت، لذلك لم يخطئ كإنسان، ولم ينحرف إلى فخّ إبليس حتّى في مجابهته الموت بل كان يدافع عن إخلاصه للآب السّماويّ. لقد شاركنا يسوع باللّحم والدّم والعظام، أي بإنسانيّتنا، مستثنيًا الخطيئة لذلك فارتباطنا بهذا الإنسان الوحيد هو الّذي يؤدّي بنا إلى الحياة والنّعمة والعطيّة، ويحرّرنا من كلّ فِخاخ الموت والخوف منه، لأنّه بيسوع المسيح، وخصوصًا على الصّليب انكشف لنا حبّ الله بشكلٍ مطلقٍ ونهائيّ كما ظهر حبّ الله ليسوع المصلوب. فكلّما كبر حبّكم ازداد عطاؤكم، وعندما يصل حبّكم إلى الكمال تبلغون عندها العطاء الكامل، أي بذل الّذات لمن تحبّونه.
لم يتذمّر الربّ يسوع على الصّليب ولم يتفوّه إلّا بكلمة واحدة: "اغفر لهم يا أبتاه لأنّهم لا يدرون ماذا يفعلون"، فأصبحتم عندها من سلالته، بالإيمان به، لذلك يوضّح لنا بولس الرّسول في رسالته إلى أهل رومية السّلالتين وهما: سلالة آدم القديم وسلالة آدم الوحيد والجديد.
"إنّ الله بعدما كلّم الآباء قديمًا في الأنبياء وبطرقٍ شتّى، كلّمنا في آخر الأزمنة بابنه الّذي جعله وارثًا لكلّ شيء". الله تبنّانا بيسوع المسيح وأصبحنا بذلك ورثة له. إذًا أدّى عمل يسوع إلى تغيير شكل الله من امتلاكه لولدٍ وحيد إلى امتلاكه البشريّة كلّها. فإرث الله هو الملكوت.

ملاحظة: دوّنَت المحاضرة من قبلنا بتصرّف. تتمة...
19/1/2016 رسالة القدّيس بولس الرسول إلى أهل رومية - الإصحاح الخامس، القسم الأول الإيمان هو الربّ يسوع المسيح
https://youtu.be/rdPswowTtLs

تفسير الكتاب المقدّس
رسالة بولس الرسول إلى أهل روميه
الإصحاح الخامس - القسم الأوّل
الأب إبراهيم سعد

19/1/2016

"فإذ قد تبرّرنا بالإيمان، لنا سلام مع الله بربّنا يسوع المسيح الّذي به أيضًا قد صار لنا الدّخول بالإيمان إلى هذه النّعمة الّتي نحن فيها مقيمون ونفتخر على رجاء مجد الله، وليس ذلك فقط بل نفتخر أيضًا في الضّيقات عالمين أنّ الضّيق ينشئ صبرًا والصبر تزكية و التّزكية رجاء، والرجاء لا يخزي لأنّ محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالرّوح القدس المعطى لنا، لأنّ المسيح إذ كنّا بعد ضعفاء مات في الوقت المعيّن لأجل الفجّار، فإنّه بالجهد يموت أحد لأجل بارّ ربّما، لأجل الصّالح يجسر أحد أيضًا أن يموت، ولكن الله بيّن محبته لنا لأنّه ونحن بعد خطأة مات المسيح لأجلنا فبالأولى كثيرًا ونحن متبرّرون الآن بدمه نخلص به من الغضب، لأنّه إنّ كنّا ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت ابنه فبالأولى كثيرًا ونحن مصالحون نخلص بحياته، وليس ذلك فقط بل نفتخر أيضًا بالله بربّنا يسوع المسيح الّذي نلنا به الآن المصالحة من أجل ذلك فكما أنّ بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت الى جميع النّاس إذ أخطأ الجميع، فإنّه حتّى النّاموس كانت الخطيّة في العالم على أنّ الخطيّة لا تحسب إن لم يكن ناموس، لكن قد ملك الموت من آدم الى موسى وذلك على الّذين لم يخطئوا على شبه تعدّي آدم الّذي هو مثال الآتي، ولكن ليس كالخطيّة هكذا أيضًا الهبة لأنّه إن كان بخطية الواحد مات الكثيرون فبالأولى كثيرًا نعمة الله والعطية بالنّعمة الّتي بالإنسان الواحد يسوع المسيح قد ازدادت للكثيرين، وليس كما بواحد قد أخطا هكذا العطيّة لأنّ الحكم من واحد للدينونة وأمّا الهبة فمن جرى خطايا كثيرة للتبرير، لأنّه إن كان بخطيّة الواحد قد ملك الموت بالواحد فبالأولى كثيرًا الّذين ينالون فيض النّعمة وعطيّة البرّ سيملكون في الحياة بالواحد يسوع المسيح، فإذا كما بخطية واحدة صار الحكم إلى جميع النّاس للدّينونة هكذا ببرّ واحد صارت الهبة الى جميع الناس لتبرير الحياة، لأنّه كما بمعصية الإنسان الواحد جعل الكثيرون خطأة هكذا أيضًا بإطاعة الواحد سيجعل الكثيرون أبرارًا، وأمّا النّاموس فدخل لكي تكثر الخطية و لكن حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جدًّا، حتّى كما ملكت الخطية في الموت هكذا تملك النّعمة بالبرّ للحياة الابديّة بيسوع المسيح ربنا."

قال بولس الرّسول في المقدّمة " الإيمان يُبرّر"، وعندما نقول الإيمان يبرّر لا نقصد أنَّ إيمانك، بمعنى رأيك أو قبولك أو مرجعيّة خلاصك، يُخلّصَك أي أنّك لا تخلص فقط بإيمانك، فلم يقل بولس: إذا آمنتم خُلِّصتم، بل الإيمان يبرّرك.
والإيمان يعني الربّ يسوع المسيح، أي الإنجيل، وهذا هو المعنى الحقيقيّ لكلمة الإيمان، أي أنّ فحوى المضمون الّذي قبلتموه، هو الّذي يبرّركم، وليس لأنّكم قبلتم هذا الإيمان تتبرّرون، فالربّ يسوع هو المرجعيّة. فإذا تساءلتم ما الّذي يبرّر: الإيمان أو الأعمال؟ ما من إيمان خارج الأعمال.
أتعتقدون أنّ الإيمان هو تصديقكم لموت وقيامة يسوع المسيح، وبُنُوَّته لله حتّى الشّياطين تصدّق هذا، الإيمان إذًا لا يكون فقط بالتّصديق بما حصل، بل هو الدّخول بما حصل، ذلك يعني أن تصبح واحدًا من الأشخاص الذين نزل ابن الله إلى الأرض لأجلهم، إذًا تصبح أنت معنيّاً بالموضوع، وواحدًا منه.
الإيمان هو أن تدخل في هذا الموضوع، وتقبله على أساس أنّ الربّ يسوع المسيح هو المخلّص، على أن تتبّنى العلاقة التي عرضها عليك يسوع، أن تكون ابنًا لله؛ إذا فالإيمان هو التّعبير أنّ الله تبنّاك وأنت فرحت بهذا التبنّي. إذًا أنتَ تسلك كابن.
فما هو الإيمان الّذي يعني أن تسلك كابن الله؟ ذلك يعني أنّك أصبحت وريثًا، كما أنّ يسوع هو وريثٌ للملكوت. ألا يجعل هذا لكم سلامًا مع الله؟ طبعًا، لكنّ هذا يكون فقط بالرّبّ، فهو الباب، ولا يمكنكم أن تكونوا في علاقة مع الله بدون يسوع المسيح، لأنّ يسوع هو الّذي دخل إلى عالمكم وانتشلكم منه، وأعطاكم تذكرة لتذهبوا إلى عالمه. هذا هو الإيمان، هذا هو التّبرير. أن تحافظوا أو لا تحافظوا على هذه التّذكرة هذا من شأنكم، فهي تزرع فيكم الفرح والسّلام، لكنّها لا تضعكم مباشرةً في عالم الربّ يسوع إذا لم تسلكوا كأولاد الله. إذًا بيسوع أيضًا صار لنا الدّخول بالإيمان إلى هذه النّعمة الّتي نعيشها حاليًّا وهذا يجعل لنا فخرًا على رجاء مجد الله.

هل تُلغي علاقتكم بالربّ يسوع وإيمانكم وسلامكم والطّمأنينة الّتي حصلت جرّاء هذه العلاقة، الضّيقات الموجودة في العالم؟ طبعاً لا! لذلك عندما تواجهون الضّيقات، ابحثوا عن الافتخار فيها، أي عندما تكونون في ضيقٍ عليكم أن تبحثوا على الحفاظ على ما أنتم عليه بالإيمان، لأنّ أكبر تحدٍّ لنا في الشّدّة هو الحفاظ على إيماننا، لذلك في قصص الرّهبان، لا يتدخّل الشّيطان في الرّهبان غير الجدّيين لكيلا يضيّع وقته بل يجرّب الجدّيين والملتزمين، فتصبح حربه أكبر. من هنا يطرح المؤمن السّؤال التّالي: لماذا أتعذّب أكثر من سواي؟ هذا بسبب علاقتكم باللّه، فحتّى في الضّيق لا تملكون سوى الله، لذلك تعاتبونه. ومن هنا تكتشفون ما يخبّئ لكم الضّيق من الافتخار بما لديكم. إنّ الضّيق ينشئ صبرًا، ولا يوجد صبرٌ وأنتم في حالة من الفرح، بل هناك صبرٌ في الحزن والضّيق.

والصّبر يعني من هم تحت الضّيق أو الشّدّة. وهذا الضّيق ينشئ صبرًا. ومن خطورة الضّيق أنّه يوهم الإنسان ويضعه في صراعٍ مع الوقت، فلا يعود للوقت معنىً، أمّا عند المؤمن فللوقت معنى لأنّه معبر حقيقيّ لتبقوا على ما أنتم عليه، ولو بوجود الضّيق. والصّبر ينشئ التّذكية، والتّذكية تنشئ الرّجاء وهو انتظار ما وعدنا الله به، لأنّ الوعد هو الأساس الّذي يعطيكم القوّة حتّى لا يغلبكم الوقت، بل تربحونه لحين موعد الوقت المحدّد. لذلك عليكم أن تتحلّوا بالصّبر والقوّة على التّحمّل، أمّا إذا كنتم أنتم في الرّجاء أي في الانتظار للوعد الّذي وعدْتُم به، فليس لرجائكم الأساس بل للوعد. الأمل هو الّذي تعِدون أنفسَكم به وتنتظرونه، أمّا الرّجاء فهو وعدٌ صادقٌ من الآخر وسيحصل لا محالة.

مفترض بعد الآن أن نقول إنّ الرّجاء لا يُخزي، لأنّ محبّة الله انسكبت في قلوبكم بالرّوح القدس المعطى لكم، وبسبب وعْيِكُم على محبّة الله لكم، هذا الّذي يعطيكم القوّة والصّبر. المؤمن إذًا هو الّذي أيقن أن الله يحبّه. حاولوا كلّ يوم في صلاتكم الشّخصيّة أن تردّدوا: "الله يحبّني"، حتّى تتذكّروا دائمًا ماذا يعني وجودكم في هذه الحياة، لأنّ الجميع يتساءل عن سبب خلق الله له، ألهذا العذاب؟
خلقكم الله لأنّه لا يعرف أن يحبّ ذاته، بل يبحث عن أحدٍ ليحبّه. هو يظهر محبّته من خلالكم. وهذا يعني أنّه لولا وجود الإنسان على الأرض لما كشف الله لكم أنّه إله محبّة، فحتّى في الثّالوث لم يظهر الله نفسه أنّه إله محبّة. هذا هو السّرّ المكتوم الّذي لم يظهره لكم سوى يسوع النّاصريّ الذّي كشفه لنا على الخشبة. وما هي الخشبة؟ هي الضّيقات الّتي واجهته وصبر عليها، لأنّه وُعِد من أبيه أنّه مهما حصل فسوف يتحقّق الوعد في النّهاية، لذلك انتظر وقَبِلَ، وقد أنشأ هذا الضّيق الصّبر عند يسوع الإنسان. أنتم تكشفون إذًا محبّة الله الّتي لا يمكن أن تشاع إلّا بإيجابيّة على النّاس. فالأشخاص الإيجابيّون يشعرون أنّهم محبوبون وفرحون مع الآخر، أمّا السّلبيّون فلا يشعرون بهذا. فالحبّ يصنع منكم خلائق جدداً، وعدمه لا يصنع منكم شيئًا، فحبّ الله قد انسكب في قلوبكم التي لا تخفيه. إذ لا يمكن إخفاء الحبّ، وبالأخصّ إذا اَحبّوكم لا فقط إذا أحببتم. أنت كئيبٌ، ليس لأنّك بدأت برؤية مشكلتك مع نفسك أو مع قريبك، بل لأنّ انتباهك لحبّ الله لك بدأ يخفّ.

إنّ المناولة هي لنباهة نفوسكم ويقظتها حتّى تظلوا متنبّهين لحبّ الله. فكلّ من آمن بحبّ المسيح بواسطة النّاس ومن خلالهم، شعر أنّه محبوبُ من هؤلاء. فالمحبّة تستر جنبًا من الخطايا، والّذي نحبّه لا ينتبه إلّا لمحبّتنا له، ولا يرى خطايانا، ونحن كذلك متى أحببناه، فلا نرى خطاياه، لأنّ المحبة تستر خطايا الكلّ. ومحبّة الله الّتي انسكبت في قلوبنا بالرّوح القدس، أخفت خطايانا، ما يعني أنّ الله لا ينظر إلى خطايانا. وهل هناك أجمل من أن نمثل أمام من يرانا كاملين؟ كم يزرع ذلك من الفرح في قلوبنا؟ فالله ينظر إلينا نظرة كمالٍ، وهذه عبارة عن الحبّ وجنونه. فبعد اكتشافنا لهذا الحبّ أيجوز لنا أن نلهو بالأمور الدّنيويّة. إذا كان يصعب علينا أن نضحّي بأنفسنا لأجل شخص صالح، فكم بالأحرى لشخص طالح؟ شخصٌ واحد فعل هذا وهو يسوع المسيح. ويجب أن تنتبهوا إلى أنّ المسيح مات لأجلنا وليس عنّا، وهذا لا يفعله سوى من يحبّنا.
تستر محبّة الله خطايانا، وعلينا بدورنا ألا ننظر إلى هذه الخطايا في محبّة الله لنا. لقد صالحنا يسوع مع الله بموته، وكسر كلّ حاجز بيننا وبين الله، وبين بعضنا البعض. يقول يوحنّا: كيف يمكننا أن نحبّ الله ونحن لا نراه، ولا نستطيع أن نحبّ أخانا الّذي نراه؟ فإنّنا بذلك متوهّمون وعلينا الافتخار بثلاثة أمور: برجاء مجد الله، بالضّيقات لأنّها تجعلنا نصل إلى الرّجاء، وبالله بربّنا يسوع المسيح الّذي نلنا به المصالحة. وكما أنّه بإنسانٍ واحدٍ وهو آدم دخلت الخطيئة إلى العالم، ولأنّ بهذه الخطيئة عبر الموت إلى النّاس، كذلك علينا أن نحرّر المسيح من الأسر الموجود فيه؛ أسر الهيكل الّذي وضعناه بأنفسنا فيه، وأن نحرّر ذواتنا من السجّن الّذي سجنا أنفسنا فيه. عندها يتمّ اللّقاء وتتمّ المصالحة في الإنسان الآخر.

ملاحظة: دوّنت المحاضرة من قبلنا بتصرّف. تتمة...
24/11/2015 رسالة القدّيس بولس الرسول إلى أهل رومية - الإصحاح الرابع أهميّة عطية الإيمان
https://youtu.be/nKw_6Q-8R70

تفسير الكتاب المقدّس
رسالة القدّيس بولس الرسول إلى أهل روما
الإصحاح الرّابع
الأب إبراهيم سعد

24/11/2015

نبدأ اليوم بفترة التّحضير والاستعداد للدّخول في حالة العيد، ولذلك ابتداءً من الأسبوع المقبل، سنتكلّم قليلاً عن هذا الأمر استعدادًا للعيد، لنحاول سرقة معاني العيد في كلّ سنة من ضجيج هذا العالم، لأنّها مختبئة بوهم انتظار الموت فقط، لكنّنا اكتشفنا أنّ الموت لا يُنتظر بل يعاش، فبموت شخص مقرّب منّي تموت أجزاء منّي. الموت كالحياة، كلّما نتعرّف بأحد نشعر بهذه الحياة في نفوسنا. فإذا كنّا نعيش الموت والحياة معًا، يكون العيد، اكتشافًا بأشياء جديدة تدفعنا إلى الأمام ونكتسب اللّغة أي نعيش المعنى. لذلك لا تنتظروا العيد بل عيشوه لنصل إلى فهم مقصد الله وحبّه الإلهيّ. فكلّما رأيتُ إنسانًا، ويسمح لي بأن أمارس معه لغة الحبّ الإلهيّ، عندها أكتشف أسرارًا عظيمة. فالمحبّة تستر جمًّا من الخطايا كما يقول الكتاب، لذلك فالعيد بمعانيه الجديدة يستر عنكم خطاياكم، ويجعل تركيزكم على هذا الحبّ الإلهيّ الّذي سكبه الله وما زال يسكبه عليكم، ولن تعرفوا الطّرق، ولن تدركوا كيفيّة عطاءات الله إلاّ بالنّاس وبالإنسان، فعليكم التحرّر من العلاقة التي تأسركم بالله فقط. كلّ ما نتعلّمه هو دافع جديد قويّ لتكتشفوا في الإنسان عظمة الله، رغم فظاعة العالم، في برامجه ومحطّاته وقوّته وقداسته وحبّه للإنسان. يُقال: "الحبّ جنون". وواحدٌ فقط طبّق هذا القول في جنون حبّه وهو "أبو يسوع" أي يسوع. وستصطلح الدّنيا إذا اكتشف أهلها أنّ الله يحبّني ويحبّك.

"فماذا نقول إن أبانا إبراهيم قد وُجد حسب الجسد لأنّه إن كان إبراهيم قد تبرّر بالأعمال فله فخر، ولكن ليس لدى الله لأنه ماذا يقول الكتاب؟ فآمن إبراهيم بالله فحسب له برًّا أمّا الّذي يعمل فلا تُحسب له الأجرة على سبيل نعمة، بل على سبيل دين وأمّا الّذي لا يعمل، ولكن يؤمن بالّذي يُبرّر الكافر، فإيمانه يحسب له برًّا كما يقول داود أيضًا في تطويب الإنسان الّذي يحسب له الله برًّا بدون أعمال طوبى للّذين غفرت آثامهم وسترت خطاياهم طوبى للرّجل الّذي لا يحسب له الرّب خطية أفهذا التّطويب هو على الختان فقط أم على الغرلة أيضًا؟ لأنّنا نقول: إنّه حسب لإبراهيم الإيمان برًّا فكيف حسب؟ أوهو في الختان أم في الغرلة؟ ليس في الختان، بل في الغرلة وأخذ علامة الختان ختمًا لبرّ الإيمان الّذي كان في الغرلة، ليكون أبًا لجميع الّذين يؤمنون وهم في الغرلة، كي يحسب لهم أيضًا البرّ وأبًا للختان للّذين ليسوا من الختان فقط، بل أيضًا يسلكون في خطوات إيمان أبينا إبراهيم الّذي كان وهو في الغرلة فإنّه ليس بالنّاموس كان الوعد لإبراهيم أو لنسله أن يكون وارثًا للعالم، بل ببرّ الإيمان لأنّه إن كان الّذين من النّاموس هم ورثة، فقد تعطّل الإيمان وبطل الوعد لأنّ الناموس ينشئ غضبًا، إذ حيث ليس ناموس ليس أيضًا تعدّ لهذا هو من الإيمان، كي يكون على سبيل النّعمة، ليكون الوعد وطيدًا لجميع النّسل. ليس لمن هو من النّاموس فقط، بل أيضًا لمن هو من إيمان إبراهيم، الّذي هو أب لجميعنا كما هو مكتوب: إني قد جعلتك أبًا لأمم كثيرة. أمام الله الّذي آمن به، الّذي يحيي الموتى، ويدعو الأشياء غير الموجودة كأنّها موجودة فهو على خلاف الرّجاء، آمن على الرّجاء، لكي يصير أبًا لأمم كثيرة، كما قيل: هكذا يكون نسلك وإذ لم يكن ضعيفًا في الإيمان لم يعتبر جسده - وهو قد صار مماتًا، إذ كان ابن نحو مئة سنة - ولا مماتية مستودع سارة ولا بعدم إيمان ارتاب في وعد الله، بل تقوّى بالإيمان معطيًا مجدًا لله وتيقّن أنّ ما وعد به هو قادر أن يفعله أيضًا لذلك أيضًا: حسب له برًّا ولكن لم يكتب من أجله وحده أنّه حسب له بل من أجلنا نحن أيضًا، الّذين سيحسب لنا، الّذين نؤمن بمن أقام يسوع ربّنا من الأموات الّذي أسلم من أجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا".

اهتمّ بولس في هذا الإصحاح لعودة الجميع إلى هدف عمل الله، فقد ذكر إبراهيم ذلك الشّخص الّذي يعتبره اليهود أباهم، لكنّهم رغم اعتبار إبراهيم كأبيهم، كانوا يفرضون على النّاس الإيمان بالمسيح لنيل الخلاص، وبالتّالي يجبرونهم على ممارسة التّطهير الطّقسيّ. لم يُختن إبراهيم بالحقيقة، إذًا يستطيع الإنسان أن يخلص من دون المرور بالشّريعة، بل بالإيمان فقط بيسوع المسيح. الإيمان هو الإنجيل، فميزة إبراهيم هي امتلاكه لأرضٍ وعشيرة وملك واستقرار أي امتلاكه حياةً. لكن عندما ناداه ذلك الصّوت، طلب منه أن يتخلّى عن استقراره وحياته ورزقه وملكه، لأنّ المعدّ له سيكون أفضل.
لم يسأل إبراهيم عن ضمانة بل تخلّى عن كلّ شيء وذهب إلى المجهول مقتنعًا أنّ في كلمة الله المعلومة، لا المجهولة، بعكس المنطق البشريّ. قبول كلمة الله إذًا هو ما خلّص إبراهيم وليس إيمانه، فالإيمان هو الموضوع وأنت تكسب عندما تقبله. الإيمان غير المبنيّ على الفهم هو إيمان خرافيّ. "آمن بالحجر تخلص"، أي آمن بحجر الزّاوية يسوع المسيح، تخلص.
يطرح بولس في هذا الإصحاح أهميّة الإيمان والقيام بأعمال المحبّة بالإيمان. فتطبيق قانون دولة ما، لا يجعلك منها، لكنّ الإنتماء إليها هو الأساس، هو الّذي يمنحك الهويّة، لذلك عندما طلب اليهود أن يندرج كلّ من آمن بقيامة المسيح، وبمن أقامه من بين الأموات، في صفوفهم، كانوا يلغون قيمة الصليب وقيامة المسيح. نحن ننتقد في أعماقنا اليهود، لكنّنا نطبّق هذه النّظريّة الّتي تؤكّد أنّك لا تستطيع العيش مع إنسانٍ مختلف عنك، فخليّة الإلغاء موجودة فيك كقايين الّذي قتل هابيل لأنّه مختلف عنه. فالإنجيل يقودك إلى عيش كلّ يوم، وبشكل واضح، هو كتاب أرضيّ، كُتب لتعيشه على الأرض، وبين النّاس مع المختلفين عنك والّذين لا يقبلونك. تسيطر على النّاس فكرة قايين أي فكرة الإلغاء، وعدم الاستعداد لقبول شخص مختلف عنهم رغم أنّ الطّبيعة جعلتهم مختلفين عنه، فحتّى البصمة تختلف من شخصٍ إلى آخر.

وهب إبراهيم حياته لله ظنًّا منه أنّ كلّ حياة ثانية هي سراب ووهم. فقد آمن بأنّ كلمة الله حقيقة ومُحقَّقة رغم أنّها وعد، ولكن بعد قبوله لهذه الكلمة، سلك في الحياة كأنّها تحقّقت، مع أنّها بقيت وعدًا، هو العيش على أساس كلمة الله. ومات إبراهيم من دون أن تتحقّق كلمة الله الّتي وعده بها، بل تحقّقت وتمّت بعد مجيء يسوع. جاء يسوع بعد أن سكت الزّمان بعد إبراهيم، ولم يفتح فاه، كشاةٍ سيق إلى الذّبح. طلب مرّة واحدة أن تعبر عنه هذه الكأس، لكن ما لبث أن طلب أن تتمّ مشيئة الله، ثمّ قال:"إغفر لهم يا أبتاه لأنّهم لا يدرون ماذا يفعلون". فالمطلوب إذًا هو الإيمان بيسوع المسيح ربًّا ومخلّصًا لتنال ما قد تناله به، ولكنّ هذا لا يفترض الإيمان بدون الأعمال. فالإيمان الحقّ يُترجَم بأعمال المحبّة كما يقول بولس لأهل غلاطية. فتصبح الأعمال ترجمة للإيمان، وليست الطّريق لنصلْ إلى الخلاص. فأنتم مثلاً لا تعترفون ليغفر لكم الله خطاياكم، فخطاياكم قد غُفِرتْ، والاعتراف هو القبول بغفران الخطايا. إذًا لقبول غفران الخطايا عليك أن تكون صادقًا، وتنكر أيّة علاقة بآلهة أخرى، وتعترف بربوبيّة يسوع المسيح.
سرّ الإعتراف ليس لمناقشة موضوع المعترف، بل لطرح مشروع الله من جديد على المعترف. فاللّيتورجيا مبنيّة على كلمة واحدة وهي "اليوم" أو "الآن" كقوله: "اليوم علّق على خشبة"، "اليوم يولد من البتول" أو "اليوم تكون معي في الفردوس". لا أحد يكفل الغد سوى الله في مفهوم الذّهن. ويقارن يسوع إبراهيم باليهود الّذين يعتبرون أنفسهم أغنياء بكلّ ما يملكونه، وهم في الحقيقة لا يملكون شيئًا، بل كلّ شيء هو عطيّة من الله واعتبروها ملكهم عندما قال:"خير للجمل أن يدخل من ثقب الإبرة على أن يدخل غنيّ ملكوت السّماوات". فالعالم والملكوت لك، ولكنهما ليسا ملكك، لأنّك عندما تستعمل كلمة "ملكي"، تجعل لنفسك حقّ التّصرّف.ولكنّها عطيّة عليها ألا تُنسّيك المعطي لأنّك عندما تنسى المعطي، تصبح أنتَ صاحب الحقّ، وبذلك تصبح أنتَ المعطي. نحن نتعلّم لنغيّر مسار التّاريخ، بتغيير مسار سلوكنا الشخصيّ ليس بالعجائب ولكن ببساطة القداسة. فعندما تعطي حقيقة الإنجيل للنّاس، تردّ الجميل لا للمعطي بل للعالم.

تعلّمتم في اللّاهوت أنّ ابن الله تجسّد ليصير الإنسان إلهًا، لكنّ ابن الله تجسّد ليصير الإنسان إنسانًا. هذا هو المسيح، بلاهوته الذي لا تستطيع أن تدركه أيّها الإنسان! فنحن نتكلّم عن ناسوته، وعمّا ندركه، كحبّ الربّ يسوع للنّاس وللأبرص والأعمى. ولكنّنا نخاف أن نتكلّم عن الله وعن ابنه يسوع، ونختبئ فيهما، وننسى إنسانيّتنا مع الآخر. وهذا يحوّلك إلى قاضٍ وديّان، والله منعك عن ذلك. لقد سطعت شمس النّهار على الجميع، فكانت عطيّة الرّبّ للكلّ، لذلك فإنّ الإيمان هو بالقبول، أي أن تحيا على أساس قبولك الإيمان. وعندما تخطئ تدخل في الخيانة، وهي خيانة عهد الله من جديد. تعيش الكنيسة رحمةً ونعمةً في القدّاس الإلهيّ ولكن عند خروجك منها، تهوى الوثنيّة وعبادة الأصنام أي تهوى اليهوديّة وتميّز نفسك ثمّ تعود بعد حين إلى الكنيسة، فتكون إمّا وثنيًا أو يهوديًّا، وتتعمّد من جديد بكلمة الله الّتي قيلت لك عبر الإنجيل، فتقبلها وتكون كابن الله، تقبل البنوّة من عند الله وتجلس على المائدة وتأكل أكلاً لم تصنعه يدك ولم تشترك فيه بفعلك. نحن تشترك فقط بالأكل، فلماذا نستغلّ الحريّة مع الله ونستغلّ العبوديّة مع النّاس؟ إذًا أنتم عبيد يا بشر شئتم أم أبيتُم. أعطاكم الله الحريّة لكنّكم تحنّون دائمًا إلى العبوديّة، لأنّ العبد لا يستطيع أن يحبّ سيّده. وهو لا يدعوكم عبيدًا فقط، ليكسب حبّكم الصّحيح له.
نؤسّس في شرحنا هذا للدّخول في الإصحاح الخامس، السّادس والسّابع، كي نفهم أهميّة عطيّة الله. طوبى للّذين غُفرت آثامهم، وسُترت خطاياهم. لقد سامحنا الله وغفر آثامنا رغم سيطرة خطايانا علينا، لكنّه طلب منّا العيش على الأسس الصّحيحة. يستيقظ الله في كلّ يوم ويجد الإنسان قد دخل في الخطيئة نفسها، فصار يفكّر بالاستقالة من كونه قاضيًا وبالابتعاد عن معاملة النّاس بالحقوق، لكن سيمارس دوره كأبٍ، وهم لم يعرفوا صورة أب مثله، لهذا قال"هذا هو ابني الوحيد"، الذي تخلّى عنه لأمثالنا ليبرهن لنا عن حبّه. فسحقناه ولم نصدّق أنّه يحبّنا، فمن هو الجلاّد إذًا ومن هي الضّحيّة في هذا الموضوع؟ لقد أضحى الله طبعًا، ضحيّة الإنسان الجلاّد. إن كنتم تظنّون أنّكم بأعمالكم تخلصون فالخلاص لا يكون سوى بالإيمان بيسوع المسيح، وهو الّذي يخلّصكم. لا تتّبعوا النّاموس، بل اتّبعوا يسوع الّذي أقامه الله من بين الأموات والّذي أُسلم من أجل خطايانا، أي مات بسببها، ولكنّه قام من أجلنا. فالمسيح لم يمت عنّا، بل مات من أجلنا.

جاء يسوع ليكشف لنا سرًّا مكتومًا منذ دهور حول مشروع الله بالبنوّة، لذلك تفهمون الآن أنّه خلقنا على صورته ومثاله. موت وقيامة المسيح ليسا عملين قانونيّن بمعنى كفّارة، بل هما كشِف إلهيّ لقصد الله أن تكونوا أبناءً له، والابن يعني الوريث، أي أنتم ورثة الله كما يسوع وريث الله الوحيد، فقد أشرككم الله بهذه العطيّة. لقد أورثكم الله ملكوته، وأنتم تتلهّون بأمورٍ سخيفة في الحياة كالمخاصمات والحقد والظّلم، وتعيشون الموت والحياة في الوقت نفسه ولا تتعلّمون أيّها الناس! فكلّ ما في هذه الحياة هو نعمة، رغم كلّ سيّئات هذا العالم، لا زلنا نجد بين الأخطاء نِعمًا تقوّينا، ومحبّة الله سوف تظهر. وكما آمن إبراهيم بكلمة الله أنّها محقَّقة ولم تكن بعد قد تحقّقت، هذه هي دعوتنا اليوم أن نعيش على تحقيق كلمة الله رغم الوعد المقدّم لنا، سيولد لكم مخلّص، ومن آمن بهذه الولادة وصدّقها فعليه أن يعيشها.

ملاحظة: دوّنت العظة من قبلنا بتصرّف تتمة...
17/11/2015 رسالة القدّيس بولس الرسول الى أهل رومية - الإصحاح الثالث الخلاص بالإيمان بيسوع المسيح
https://youtu.be/3L4eTzXr_MY

تفسير الكتاب المقدّس
رسالة القدّيس بولس الرسول إلى أهل رومية
الإصحاح الثّالث
الأب إبراهيم سعد

17/11/2015

"اذًا ما هو فضل اليهوديّ أو ما هو نفع الختان،كثير على كلّ وجه أمّا أوّلًا فلأنّهم إستؤمنوا على أقوال الله فماذا إن كان قوم لم يكونوا أمناء، أفلعلّ عدم أمانتهم يبطل أمانة الله، حاشا بل ليكن الله صادقًا و كلّ إنسان كاذبًا كما هو مكتوب لكي تتبرّر في كلامك وتغلب متى حوكمت، ولكن إن كان إثمنا يبيّن برّ الله فماذا نقول ألعل الله الذي يجلب الغضب ظالم أتكلّم بحسب الإنسان،حاشا فكيف يدين الله العالم إذ ذاك فإنه إن كان صدق الله قد إزداد بكذبي لمجده فلماذا أُدان أنا بعد كخاطئ ،أما كما يفترى علينا و كما يزعم قوم أننا نقول لنفعل السيئات لكي تأتي الخيرات الّذين دينونتهم عادلة، فماذا إذًا أنحن أفضل كلا البتّة لأنّنا قد شكونا أنّ اليهود و اليونانييّن أجمعين تحت الخطيّة، كما هو مكتوب إنّه ليس بار ولا واحد، ليس من يفهم ليس من يطلب الله، الجميع زاغواو فسدوا معًا ليس من يعمل صلاحًا ليس ولا واحد، حنجرتهم قبر مفتوح بألسنتهم قد مكروا سمّ الأصلال تحت شفاههم وفمهم مملوء لعنة ومرارة، أرجلهم سريعة الى سفك الدّم في طرقهم اغتصاب وسحق وطريق السلام لم يعرفوه، ليس خوف الله قدّام عيونهم، و نحن نعلم ان كل ما يقوله النّاموس فهو يكلّم به الّذين في النّاموس لكي يستدّ كل فم ويصير كل العالم تحت قصاص من الله، لأنّه باعمال النّاموس كلّ ذي جسدٍ لا يتبرّر أمامه لأنّ بالنّاموس معرفة الخطيّة، وأمّا الآن فقد ظهر برّ الله بدون النّاموس مشهودّا له من النّاموس والأنبياء برّ الله بالايمان بيسوع المسيح الى كلّ وعلى كلّ الّذين يؤمنون لأنّه لا فرق، إذ الجميع أخطاوا وأعوزهم مجد الله متبرّرين مجانًا بنعمته بالفداء الّذي بيسوع المسيح الذي قدّمه الله كفّارة بالإيمان بدمه لإظهار برّه من أجل الصّفح عن الخطايا السّالفة بإمهال الله لإظهار برّه في الزّمان الحاضر ليكون بارًّا ويبرّر من هو من الايمان بيسوع، فأين الإفتخار قد انتفى بأيّ ناموس؟ أبناموس الأعمال؟ كلا بل بناموس الايمان، إذا نحسب أنّ الإنسان يتبرّر بالإيمان بدون أعمال النّاموس، أم الله لليهود فقط؟ أليس للأمم أيضًا؟ بلى للأمم أيضًا، لأنّ الله واحد هو الذي سيبرّر الختان بالإيمان. والغرلة بالايمان،. أفنبطل النّاموس بالإيمان؟ حاشا بل نثبت الناموس".


يطرح بولس هذه الجدليّة ليعلّمنا الفكر اليهوديّ المسيحيّ الّذي يشير إلى أنّ الوثنيّين غير المدركين لله، ولكي يؤمنوا بيسوع المسيح، عليهم المرور باليهوديّة أوّلًا، ليقبلوا ناموس موسى، ومن ثمّ يعتنقون الدّين المسيحيّ. طرحت الكنيسة الأولى وبولس فكرة الخلاص الّتي تتمّ بالإيمان بيسوع.فكان صراع الأمم في دخولهم اليهوديّة ومن ثمّ المسيحيّة أو دخولهم الدّين المسيحيّ مباشرةً.
جاء يهوديّ إلى بولس وألغى قيمة النّاموس، لكنّ بولس رفض هذا الموضوع وأوضح له أنّ النّاموس مهمٌّ في البدء له، لأنّه قَبِلَهُ والتجأ إليه، فبالتّالي لا يمكنك أن تنكر النّاموس. إذا كنت ابن النّاموس، فأنت ملزم به، أمّا إذا لم تدرك معناه فأنت لست مُلزمًا به. أكّدت الحقيقة أنّ النّاموس لم يخلّصك، لأنّ لا أحد طبّق أقوال هذا النّاموس. فكلّ إنسان تمرّد على هذا النّاموس، لكنّ الله بحبّه المجّاني قرّر تغيير النّمط وأرسل ابنه فصار كلّ من يؤمن به، ينل الحياة الأبديّة.
يقصد الله أمورًا مختلفة في مواقف عدّة، وهذا هو الجدل الّذي وضّح كتابة الإنجيل. فلِمَن الخلاص؟ للكلّ؟ يسوع يعطي هذه الحياة مجّانًا للجميع، إذًا الشّرط الوحيد هو قبول النّاس ليسوع المسيح كلمة الله، وما من شرط آخر؟ فلا تكترث ما إذا كنت تقوم بتطبيق النّاموس أم لا، لأنّ الإيمان بيسوع المسيح أضحى الأهمّ.

نلاحظ وجود جدل بين كلّ شخصين مسيحيّين حول ما إذا كان الله هو الباب أم أنّ أفعالنا هي الأهمّ؟ فهناك مجموعة ذات ذهنيّة تخضع لمفهوم الأولويّة والغيرة والحسد والتّحزّب والخصومة، ما زالت يهوديّة، والمعموديّة لم تدخل عقولها بل ما زالت جسديّة. وإذا المعموديّة قد غسلت جسدك، دون عقلك، فأنت لم تتحسّن نحو الأفضل، المعموديّة تدخل العقل والتّفكير على منطق البشريّة الّتي يتحوّل إلى منطق يسوع.
ما هي المعموديّة؟ هي بالحقيقة عينَا المسيح الّلتان ترى من خلالها العالم. ولأنّ المسيح ضرب الفكر الخاطئ والمنزويّ، بذلك أنت لا تستطيع أن تقيم حزبًا خاصًّا بك أو طائفة لك، نحن يهوديّون شئنا أم أبَيْنا، ولأنّنا ما زلنا من اليهود، فمن الضّروريّ أن تبقى أمامنا كلمة الله. لذلك نحن نقرأ الإنجيل دومًا حتّى في القدّاس، فعند دخولك إلى القدّاس، تواجه كلمة الله يسوع المسيح وتقبلها، عندها يصبح من بجانبك أخًا لك، أي عائلة واحدة، فالمناولة هي للجميع وبالطّريقة ذاتها. لكن ماذا يحدث عندما تخرج من الكنيسة؟ عندها تصبح يهوديًّا، تصنّف وتميّز، فاليهوديّة تسكننا. فميول الإنسان دائمًا تصبّ نحو النّخبويّة، أي النّخبة. الشّخص الّذي يفهم أكثر من غيره لا يعني أنّ فضله أصبح أفضل من غيره، فلا أحد لديه امتياز خاصّ عند الله.

فكّروا في الصّلاة أن تطلبوا من الله أن يعطيكم الحكمة والقوّة لئلاّ تميّزوا أنفسكم من غيركم. فما من أحد يتذكّر هذا الطّلب لأنّ الغيرة والحسد يسيطران دائمًا وبذلك تنشأ الأذيّة أي قطع الوصال ورفض الأخوّة، فتقطع البنوّة أيضًا.

لا تبالوا بتفصيل خطاياكم بل اكترثوا لنمط تفكيركم ومنطقكم، فالخطايا لا تتغيّر بل تبقى كما هي، ففعل التّوبة هو فعل الرّجوع إلى الله، وذلك بأمرٍ من العقل أي تغيير المنطق بتغيير الذّهن. لا تستطيع أن تتوب إلاّ عند العودة إلى الله، وبعدم النّظر إلى ما هو حولك ومقارنة النّاس بك.
ركّز بولس اليوم على عدم وجود فرق بين اليهوديّ والختان، فكلّهم مخطئون في النّاموس. وقوّة الشّريعة والقانون هو أن يكون "فضّاحًا" لخطيئتكم. النّاموس يدلّ على الخاطىء، فيقول بولس واقعيًّا أنّ "الكلّ أخطؤوا وأعوزهم مجد الله". إذًا في هذه الحالة إمّا يكون القانون سيّئًا أو نكون نحن خطأة. ولكن إذا كان هذا القانون من الله فلا يمكنه أن يكون خاطئًا، إذًا نحن هم الخطأة. فيسأل بولس: "على من يكون فضل الجميع؟" وجوابه أنّ البشر متساوون وكان لا بدّ من الله أن يتصرّف تصرّفًا حازمًا وجذريًّا، لهذا أرسل ابنه الوحيد ليتغيّر أساس المشروع، ولكي تنالوا الخلاص بالإيمان بيسوع المسيح.
النّاموس إذًا هو فتوىً كما عند الأديان الموجودة في أيّامنا هذه، أمّا ناموس يسوع فلا يجبرك على فعل أمر محدّد بل على قبول الواقع أو رفضه. الله يعطيك الهدايا أي العطايا، وما عليك سوى أن تقبلها. ومن يقبل هذه العطيّة ويتصرّف على أنّه لم يقبلها، يكن مصابًا بانفصام روحيّ. فهناك من يتباهى بإنجيله ويحسب لنفسه أهميّة ويبدأ بالشّعور بالأفضليّة، ولكنّه بالفعل متساوٍ مع الآخرين. هذا هو إذًا الفكر اليهوديّ.
لم يرد المسيح أن يتمتّع بشهرة وفخامة، بل أن يكسب أبناءً له، فالابن سرّ أبيه، حتّى ولو توفّي الأب، فبمجرّد رؤيتك لابنه تتذكّره، كما قال المثل: "من خلّف لم يمت". أنت ترى في الابن صورة الأب، فعليك أن تكون ابن المسيح، سائرًا في طريقه بسلوكك، وليس بهويّتك. فلماذا نميّز أنفسنا من سائر الأمم؟

تكمن المشكلة في كيفيّة قراءة "كلمة الله"، لأنّنا نفهمها أحيانًا بحسب حاجاتنا، لاستغلال رحمة الله، وللوقوع في الخطيئة المستمرّة الّتي تحوّل الكلمات إلى قبرٍ مفتوح بسبب لساننا الحادّ القاتل. فقتل النّاس بالكلمة، أصعب من قتلهم بالرّصاص. قتلهم بالرّصاص يتمّ مرّة واحدة أمّا قتلهم بالكلمة فيتمّ يوميًّا. والدّهاء الأكبر الّذي لم يصل إليه الشّيطان هو دهاء الإنسان، لأنّ الشّيطان يخاف من صليب المسيح ويستسلم، أمّا الإنسان فعلى العكس، يزيد تقوى وإيمانًا. يضع الإنسان بذكائه كلّ أخطائه على الشّيطان ليبرئ نفسه. فصفة الشّيطان هي الكذب، كما قال عنه يوحنّا " كذّاب، أبو الكذّاب". فالكذب هو الوهم. وهو حقيقة فارغة من معناها تصل إلى الوهم. إذًا أنتم تؤمنون وتصدّقون أنّ الشّيطان موجود، ويسوع المسيح قال عنه إنّه وهم، فبذلك أنتم تجعلون من الوهم حقيقةً وتضعون كلّ المسؤوليّة عليه.
نحن نعلم أنّ ما يقوله النّاموس يكلّم به الّذين في النّاموس، إذًا أُعطيَ النّاموس لمتابعيه ليدلّهم على خطيئتهم بحقّ هذا النّاموس. فبأعمال النّاموس لا يتضرّر أحد، لأنّ فيه معرفة الخطيئة، أمّا الآن فقد ظهر برّ الله بدون ناموس، لكنّ الأنبياء والنّاموس كانوا شاهدين له، أي كلمة الله هي شاهدة لنفسها وليست بحاجةٍ إلى شاهدٍ لتكون صادقة. أتى برّ الله بيسوع المسيح إلى الجميع، وعندما تفهمون هذا يتغيّر سلوككم. ويصبح الإنجيل مفهومًا عندما تفهمون أنّ المسيح أتى من أجل كلّ النّاس. قالوا لله: "من يستطيع أن يخلص؟" فردّ عليهم بوضوح أن ما هو غير مستطاع عند الإنسان، يكون مستطاعًا عند الله. إذًا كيف نتعامل مع من لم يؤمن بعد؟ هذا هو مشروع الإيمان والكنيسة، بالتّبشبر والتّعليم والكرازة، فالكنيسة هي عبارة عن علبة ذات إتّجاهين، مَن دخَلَها دخلَ الكنيسة، ومن خرج منها تخلّى عنها. إذًا لماذا التّمييز؟ من يتصرّف كعبدٍ، يدمّر العلاقة الصّحيحة لأنّه يغشّ عينيّ الله، إذًا أنت تخطئ، وتبقى ابن الله، وتكون مسؤولاً عن خطيئتك أمام أبيك، والدّليل موجود في إنجيل الابن الضّال عندما عاد إلى والده وطلب منه أن يجعله كأحد من أجرائه، فأمر الأب بتزيين الابن بأغلى الملابس وجعله وريثًا له، أي أعطاه المسؤوليّة من جديد.
تهرب من الله عند تواطئك المزيّف أمامه لاستدرار عطفه، ويكون هذا تهرّبًا من المسؤوليّة. فالعبد ليس سيّد نفسه، إذًا هو غير مسؤول، فالحرّ يكون مسؤولاً، ومن يقف أمام الله كعبدٍ فهو يقرّ بأنّه غير أهلٍ للمسؤوليّة. لذلك تجد عبدًا ثانيًا، وهو الشّيطان لتلومه على كلّ شيء وتكون أنت البريء. أنت ابن الله، حتّى ولو كنت خاطئًا، فالله يحبّك في خطاياك، لكن لا تجعل خطيئتك يومًا مبرّرة. ينظر الأب إليك كابن خادم لبنوّتك، ويتصرّف معك ببساطة، وكأنّ شيئًا لم يكن. أنتم تشعرون بالخجل إذًا بسبب حبّ الله الكبير لكم، وهو يعاقب المؤمنين بمحبّته وليس بغضبه، لكنّكم تحسبون محبّته الكبيرة غضبًا بسبب شعوركم بالخجل بهذا الضّياع الّذي عشتم فيه. قال بطرس: "إن أنت هو أجبرني أن آتي إليك"، فأجاب الرّبّ وقال له: "تعال"، فتبعه بطرس. وغرق عندما نظر إلى المياه، أي إلى الأسفل، لأنّه بدأ يلتفت إلى ما يحيط به، هذا هو الضّياع. مَن لا يخجل من حبّ الله، يكن رافضًا لحبّه له، ولأنّه يحبّك لا يجبرك على قبول بنوّته، فتنال إذًا ما أنت خطّطت له. إمتلئوا إذًا من رحمة الله ومجده وكونوا مدركين لأهميّتهما قبل أن يصبح الأمر مستحيلاً.

فكرة الأعمال في الكنيسة هي ثمرة الإيمان، وليست ثمرة المساعدة فقط، ولسرّ الإعتراف منطق حقوقيّ، فهو غسل للدّماغ ومعموديّة جديدة بكلمة الله، لذلك سرّ المعموديّة، سرّ التّوبة وسرّ الإعتراف متشابهان. فالمعموديّة هي نكران الشّيطان والاعتراف بالمسيح، ثمّ غسل الأعضاء بالماء، أمّا سرّ التّوبة فهو نكران الإله المعبود من قَبْل، أي عبادة الأوثان، وإقرار بخطاياك ثمّ إعلان عن إيمانك بالمسيح، فسرّ التّوبة هو معموديّة أخرى بدون معموديّة المياه. أمّا ما قبل المعموديّة فيكون الشّخص في مرحلة الموعوظين، لذلك يتمّ الإرشاد والتّوجيه والمرافقة في سرّ الإعتراف أي إعادة التّحضير لمعموديّتك. يتبرّر الإنسان إذًا بالإيمان بدون أعمال النّاموس، ولكن أفعال الرّحمة والخدمة تختلف عن أعمال النّاموس. أمّا الله فليس فقط لليهود بل هو للأمم أيضًا لأنّ الله واحد هو الّذي سيبرّر الختان بالإيمان، وغير المختونين بالإيمان. يطرح لنا هذا النّاموس لاحقًا كيف خلّص الله اليهود والأمم بمحبّته اللامتناهية.


ملاحظة: دوّنت المحاضرة من قبلنا بتصرّف. تتمة...
15/12/2015 كيف أبدأ سنةً جديدةً؟ إذا كنتم تحاسبون أنفسكم متناسين محبّة الله ورحمته
https://youtu.be/EAVlfEac_go

كيف أبدأ سنةً جديدةً؟
الأب إبراهيم سعد

15/12/2015

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

لا ترتبط السّنة الجديدة بالرّوزنامة، ولكن تُحدّد أنتَ بدايتها عندما تُقرّر البدء بأمرٍ جديدٍ. لذلك فالسّنة ليست 365 يومًا، بل هي قطعةٌ من عمرك، ومن الممكن أن تكون كبيرة أو صغيرة، لكن في كلّ مرّة تتعهّد فيها لنفسك، تكون بداية وسنة جديدة.

تبدأ حياة الإنسان بصرخةٍ مدوّيةٍ عندما يولد وتنتهي بصمتٍ مطلقٍ وقت الموت؛ وبين الصّرخة وبين الصّمت، تمتدّ سنوات حياتنا. وعلى الإنسان أن يُكرّس وقتًا من الصمت ليفكّر ويحلّل وليأخذ موقفًا، وليسأل: "كيف أبدأ سنةً جديدةً؟". لا أحد يستطيع أن يُجيب عن هذا السؤال إلا صاحبه. ولا يقدر الإنسان أن يقوم بتعهّدٍ في خطوةٍ جديدةٍ، إلاّ إذا سبق هذا الأمر تحديد لبعض النّقاط، وذلك من خلال جلسةٍ هادئةٍ للتعقّل والحكمة في ساعة صمتٍ وتأمّلٍ بأفكارٍ عديدةٍ للتفحّص والتفتيش في النفّس للخروج بخطّةٍ جديدةٍ. وعليك في البدء فحص السقطات، ومعرفة دوافعها، وإمكانيّة التخلّص منها وكيفية إنهائها.

أكثر التّوقّعات والخطايا أسبابها الحقيقيّة غير الأسباب الّتي تظنّون بها، ودوافعها الحقيقيّة مختلفة، وكيفيّة التّخلّص منها تختلف عن تخطيطكم، لذلك يبقى الإنسان كما هو، لأنّه لا يستطيع أن يُصيب الهدف فيُخطئ. ثمّ عليك بفحص الشّخصيّة في صفاتك. وأكثر الصّفات الّتي تُخيف، هي الحساسيّة الزّائدة في موضوع الكرامة، عندها تصبح سريع العطب، فمن الملاحظ أنّ مَن يمتلك الحساسيّة على كرامته هو إنسانٌ يغضب بسرعة، ويقوم بردّة فعلٍ سريعة. فالغضب لا يولّد إلاّ الأمر السّيّئ، مِن هنا وجوب التّحلي بالحكمة والتّعقّل، فعندها تُصبح عاقلاً ومدركًا للأسباب، خصوصًا إذا حلّلتَ ورأيتَ المشهد حيث كُنتَ في قمّة الغضب، وقُمتَ بِبدل الأدوار، عندها ستُدرك أنّه عليك القيام بالمخاطرة في التّغيير، رغم أن الانسان يحبّ الإستكانة. فكلّ جديد أو تجديد يُخيف، وتغيير النّفس هو مخاطرة، لكن لا بدّ من خوضها الى الأحسن، لأنّ ذلك يساعدك على التّحلّي بمفهوم الرِضا، وبإحساس رضِا الله عليك ورضاك على نفسك، مما يخلق سلامًا ما بعده سلام. فالهدوء في الطّبع إذًا، يبدأ من محاسبة النّفس بالحبّ، ولا شيء يمكن أن يزعزعه.
جلستك عليها أن تكون جلسة عادلة مع نفسكَ، كقاضٍ حكيمٍ وبنّاء، لا يعطي حكمًا ليوصل النّفس إلى السّجن، بل همّه الوحيد إعطاء التّوجيه للنّفس، لكي لا تقع في الخطأ عينه. ويعكس هذا توجيه كلّ طاقاتك السّلبيّة نحو الأفضل، إذ على الإنسان أن يُجنّب نفسه العثرات. يقول الكتاب في سفر الرؤيا من الإصحاح الثّاني: "أذكر من أين سقطتَ وتُب"، أي عد إلى النّقطة والأسباب والدّوافع الّتي جعلتك تقع! فمحاسبة النّفس أساسيّة، ولكن تَتضَمّنها مخاطرة كبيرة، فاحترسوا من الوقوع في شباك شيطان اليأس. وعليكم أن تحاسبوا أنفسكم إيجابيًّا وليس سلبيًّا، لأنّكم عندها ستقعون في ذلك الشبّاك أي اليأس. ففي هذه الدّنيا شيطانان: "الجهل واليأس"، فكن حكيمًا في محاسبة نفسِكَ من خلال إعطاء كلّ طاقتِكَ لمراحم الله وحبّه ومعالجتك الإيجابيّة لكلّ الأمور.
إذا كنتم تحاسبون أنفسَكم متناسين محبّة الله ورحمته، فأنتم بالطّبع يائسين، أو ترفضون المبادرة لعيش الحياة الجديدة في قمّة جدّتها، ويلزمكم في سنتِكم الجديدة اختبار المعرفة الحقيقية للنّفس وبصدقٍ.

فما هي أسسُ المعرفة الحقيقيّة للنّفس؟ أوّل أساس لتكتشف مكامن نفسكَ هو عدم الإلتهاء بتحليل الآخرين. تتمة...
1/12/2015 تأمّل في معاني عيد ميلاد الربّ يسوع إذًا أن تتبنّى شخصًا في الميلاد لا يعني مساعدته أو إعطاءه المال بل يعني إفراح قلبه
https://youtu.be/ZG7TZCy92O0

تفسير الكتاب المقدّس
تأمّل في معاني ميلاد الرّبّ يسوع

الأب إبراهيم سعد

1/12/2015

نبدأ اليوم بالتّفكير عاليًا بمعاني الحدث الّذي اقترب وهو ميلاد الرّبّ يسوع .

عندما قرأتُ قصة آدم وحوّاء في التّكوين، أدركتُ أنّه من الممكن القيام بمقارنة بين آدم وحوّاء في العهد القديم، وبين يوسف ومريم في العهد الجديد. إذ نلاحظ في قصّة آدم وحوّاء، وجود الله وآدم وحوّاء وإبليس (الحيّة)، أمّا في قصّة العهد الجديد فنلاحظ وجود الله، يوسف، مريم، والملاك. في قصّة آدم، وحوّاء الّتي هي من ضلعه، وهما واحد، يأتي إبليس وَيهمُس في أذن حوّاء حقيقةً تجهلُها "تأكُل من الثَمَرة وتَملُكُ قُدرة الله"، وهذه هي الحقيقة بالنسبة إلى إبليس. فنَتَج عن ذلك تمرُّد على الحُبّ وليس على الله، لأنّ العلاقة بين الله وَبين الإنسان هي علاقة حبّ، وليست علاقة سيادة، والدّليل أنّه ملّكَه الكوْن. أمّا في قصّة مريم ويوسف، فقد أَوصلَ الملاكُ بُشرى تبنّتها مريم، نتَجَ عنها طاعة "ها أنا أمةُ الرّبّ"؛ فلماذا نتجَ مع حوّاء تمرّد على الله؟ لأنّ مريم لم تُدخِل عنصُرًا ثالثًا إلى علاقتِها مع الله، عندما أتى الملاك بحقيقةٍ من عند الله. أمّا حواء فأدخلت عُنصُرًا ثالثًا في العلاقة بينها وبين الله. وهذه هي مشكلة الحُبّ. فإذا أدخلتَ عنصرًا ثالثًا إلى الحُبّ حصلَتْ العداوة، فينفصل النّاس بعضهم عن بعض. مريم قبِلتْ الحقيقة من الملاك المتكلّم باسم الله، أمّا حوّاء فأدخلت عُنصرًا ثالثًا ليس من عند الله، وتبنّتْ كلامًا غير كلمة الله، فدخَلَتْ في حالة التّمرّد على الحُبّ.

خطيئة آدم وحوّاء هي خطيئة الشّكّ بأنّ الله يخفي أمرًا يفيدها، لذلك جاءت الحيّة، وأبلغتها بأمرٍ يخفيه الله عنهما، عِلمًا أنّ الحُبّ بطبيعته يجعل المحبوب أهمّ من الّذي يحبّ، ولا أحدًا يحبّ إلّا إذا اقتنعَ أنّ الّذي أمامه أهمّ منه. فالحُبّ بطبعه يجعل المحبوب سيّدًا على الحبيب، بإرادة الحبيب. وعندما أحبَّ الآبُ الإنسان، جعله سيّدًا وملكًا بسبب الحُبّ. والحُبّ جعلك مثل الله، على صورته ومثاله. وعندما تعتبر أن ّالله أخفى عنك شيئًا حتّى لا يجعلك على مثاله يختَلُّ الحُبّ، فهو عندما خلقَكَ جعلَكَ مثله، فالشّيطان إذًا هو كذّاب مِن بداية التّكوين، وكذّابٌ يعني وهمٌ. لذلك انقطعت

العلاقة بين آدم وحوّاء بسبب التّمرّد، ونتيجة ذلك وصلا إلى الخجل من لا شيء. أمّا مريم فكانت تملك ما تخجل به، ولكنّها لم تخجل، مع أنَّها امرأة غير متزوّجة وحامل، وهذا عارٌ وإدانة بشريّة، ولكنَّها لم تخجل، لأنّها أبقتْ علاقتَها بالله جيّدة مِن دون أن يدخلها عنصرٌ ثالثٌ يفصل بينهما، فنَتجَتْ عن ذلك "الطّاعة".

الطّاعة لله تعني أنّ مَن أطاع، فقد فهم حُبّ الآخر له. مريم أطاعت بقولها: "ها أنا أمةٌ للرّب"، فلم يعد لديها سببٌ لتخجل به. أمّا آدم فتبنّى النّظريّة ووقع في حالة التّمرّد لتشويه العلاقة، لكنَّ يوسف، بدأ أوّلاً بالتّفكير، ثمّ كانت نتيجته أنّه أخذ امرأته أي قَبِلَ ما قاله له الملاك في حلمه.
كان لآدم وحوّاء ابنان: قايين وهابيل، فقتل قايين أخاه هابيل. أمّا من جهة مريم ويوسف فنتج ولدٌ يُدعى يسوع المسيح، ليخلّص العالم من خطاياه ولا يقتل أخاه. يُمكننا أن ندرك منذ البداية نهاية الأمور، فقد كان همّ آدم وحوّاء أن يبقيا ولو على أسس إلغاء بعضهما، أمّا في العهد الجديد، فالهمّ الوحيد كان بقاء الآخر ولو على أساس إلغاء نفسه.
اختلف المنطق، فليس لفّ هذا المولود بأقمطة بيضاء عند ولادته وكأنّه ميّتٌ، صُدفة. فهو منذ ولادته أدركَ رسالته، لأنّه من المستحيل أن تبدأ القصّة بالحُبّ، وألّا تنتهي بدفع الثّمن مِن قبل مَن يُحِبّ، فيكون المحبوب هو الشّخص المستفيد، لكنّنا نلاحظ أنّ في هذه الولادة بيّن لنا يسوع العكس.

تبدأ قصّة الميلاد بمنطق نهاية هذا المولود. فولادة يسوع المخلّص ملفوفًا بأقمطة بيضاء يعني أنّه مولودٌ ميّتًا. ولا نستطيع أن نفهم الميلاد، بمعزل عن سرّ الفصح، لذلك في الفَنّ واللّيتورجيا، في الأيقونات نجد الميلاد في المغارة، أمّا في الإنجيل فينعدم ذكر وجود مغارة، فبالرّسم القديم رسموا المغارة على أوّلها مريم ويوسف واقفَين، وبالدّاخل سوادٌ حالك ووجود طفلٍ يشعّ منه بياض النّور، وهذا تجسيد لصورة القبر، حيث رسموا يسوع خارجًا من القبر ويشعّ نوره أمّا القبر فكان مظلمًا. تتمة...
15/11/2015 رسالة القدّيس بولس الرسول إلى أهل رومية - الإصحاح الثاني راقب نفسك والتّعليم
https://youtu.be/rBf3jT440yo

تفسير الكتاب المقدّس
رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية
الإصحاح الثّاني
الأب إبراهيم سعد

15/11/2015

هذا الإصحاح هو ناموس المسيحيّين، فكلّما أخطأنا وتكلّمنا عن أحد، عُدنا وقرأناه من جديد، فيعود الملاك على باب شفتيكم ويقف حارسًا من جديد. "اجعل يا ربّ حارسًا لفمي ورقيبًا على باب شفتيّ". إنّ هذا المقطع هو من أصعب المقاطع لأنّه يحلّلنا ويرى كلّ خفايا قلوبنا.كتب بولس في رسالته هذه عن "الدّينونة"، فالإنسان الّذي لا يدين هو قدّيس. من لا يدين يكن قلبه مملوءًا رحمة، وهي رحمة إلهيّة وليست بإنسانيّة، لأنّ الّذي لا يدين هو من انتبه بيقظة روحيّة لرحمة الله وعاش على أساسها. لا أحد يشعر برحمة الله إلّا ورحم الآخر، ومن يعظ عن الرّحمة ثمّ يدين غيره، يكن قلبه عكس لسانه. الإنسان الصّادق مع نفسه هو من يتمتّع بانسجام بين لسانه وقلبه. وإلّا فنحن في حالة مرضيّة نفسيّة، حالة انفصام في الشّخصيّة الرّوحيّة أي التّعدّد. من يدين غيره يحسب نفسه بعيدًا عن الخطيئة ولا يرى مشكلته، لأنّك عندما تتذكّر أنّك إنسان خاطئ ترحمه أسوةً بإنسان آخر سيرحمك، فتلاحظ بذلك تغيّرًا في طريقة التّعاطي.
تكلّم بولس الرّسول عن غضب الله بالمقارنة مع موقفك تجاه الآخرين. فإدانة الآخرين تجرّ الحديث عن غضب الله. تُغضِب الله عندما تحكم على خطيئة غيرك ولا تنظر إلى خطيئتك. إذا كنتم تريدون ابتزاز غضب الله، فعليكم أن تمارسوا دينونة الآخرين، أمّا إذا أردتم التّمتّع برحمة الله، فكونوا رحماء مع الآخرين. نقطة ضعف الله هي الآخر، يركع إذا رحمت الآخرين، ويصبح خادمًا لك، أمّا إذا لم ترحم الآخر فيعود الله ديّانًا وسيّدًا عليك. غضب الله لا يظهر عندما ترتكب أنت الخطيئة، بقدر ما يظهر عندما لا ترحم الآخر في خطيئته. لا تستهيننّ بلطف الله فهو يقودك إلى التّوبة، يلطف بك ويفتح لك بابًا للعودة إلى الحياة معه. أفلم تفهم بعد أنّ لطفك يقود الآخر إلى التّوبة؟ فقساوة القلب تزيد من غضب الله باستمرار على غرار التّراكمات. فمن لم تصل إليه كلمة الله يحاسب حسب ناموسه الخاص، فالله يساوي في ما بيننا. أنتم تدينون الآخرين بحسب ما لديكم ولكن، فعليًّا، ما تملكونه ليس لكم.

أصبحت الدّاعشيّة نهجًا يمارسه النّاس بالسّلاح والآخر بالفكر واللّسان، فهي قطع الرّؤوس أي إلغاء الآخر. فالإدانة هي إلغاء للآخر، والظّنّ السيّء أيضًا هو كالإدانة، إذًا أنتم تواجهون جميع المفاهيم الّتي تحتاجونها، وتنسون رحمة الله لأنكم تستندون على أمور أخرى، ولا تنتظرونها إلاّ في لحظة الضيق. ضعوا أنفسكم إذًا مكان الّذي هو بحاجة إلى رحمتكم ولطفكم ومحبّتكم.
أكثر القدّيسين الّذين تقدّسوا هم من اكتشفوا أنّ هناك واحد فقط يحبّهم ويرحمهم في هذه الدّنيا، ومن لم يحبّه بشر، اكتشف أنّ الله يحبّه. فالقدّيسون أجمعهم أصبحوا مصدر رحمة للكثيرين، لأنّ القدّيس يرحم ويُرشد ويخدم ويساعد. عليكم التّحرّر إذًا من صورة القداسة الّتي تجعل الإنسان خارقًا للطّبيعة، فالقدّيس يتصرّف بعكس ما يتصرّفه البشر لأنّه سكن مسكن الرّوح، أمّا أنتم فما زلتم في مكان الجسد. لذلك ترى في كلّ صورة للقدّيسين هالة ذهبيّة فوق رأسهم، وهي ليست دلالة على انتقالهم إلى العالم الثّاني فقط بل أنّ كلّ ما هو صالح، هو من عند الله. فرحمة الله إذًا لا يكتشفها إلاّ الخطأة، وعندما يكتشفونها يصبحون قدّيسين، لأنّه من المستحيل أن تكشف رحمة الله، وتبقى على ما أنت عليه، إلّا إذا كنت مجدّفًا على الله.

اختفى القدّيسون من أجل نور المسيح للضّالين، أمّا نحن فنعطيهم كلّ الأهميّة وننسى المسيح، فالنّاس تريد التحزّب وهذا التّحزّب يجعلنا غير مطيعين للحقّ، وكلّ تحزّب هو تمرّد على الله لأنّه يجعلك تحبّ نفسك وتبغض الآخرين. يطلب الله منك أن تحبّ نفسك لتحبّ الآخرين. فمن لا يحبّ نفسه لا يستطيع من الأصل أن يحبّ الآخرين. وعندما ندخل في حالة الألوهيّة بعلاقتنا مع الله، نكون رافضين للتحزّب ولذلك نلطف ونرحم ونحبّ.
"راقب نفسك والتّعليم" كما قال بولس لتيموتاوس، راقب نفسك لتنسجم مع التّعليم، فإذا لم ينسجم التّعليم مع نفسك إذًا أنت صادق بالبدء، ولكنّك كاذب بسلوكك. إذا لم يفعل المسيحيّ ما هو مطلوب في الإنجيل، فهو بذلك مسيحيّ بالاسم وليس بالأعمال.

كيف يسيطر الإنسان على غضبه؟ في لحظة الغضب قم بالتّفكير بسبب تصرّف الآخر بهذه الطّريقة. حلّل فستكتشف أشياء كثيرة لم تنتبه لها أبدًا، عندها ترحم وتسامح. عليك أن تكون بطيئًا في التّكلّم وسريعًا في السّماع، بطيئًا في الغضب وسريعًا بالمسامحة. هذا هو السّلام الدّاخليّ والمصالحة النّفسيّة الّتي تكمن في تحرّرك من روح الإدانة، وروح الإدانة تبدأ بسوء الظّنّ، كما يقول المثل: "الإنسان لولا ظنّه لأصبح ملاكًا". يُجدّف على اسم الله بسببكم بين الأمم، تمنعوهم من الرّجوع إلى الله، إذًا أنت ترفض أن تدخل "الجنّة" أو أن يدخلها أحد.
من يعتبر نفسه مؤمنًا، يكن بأعماق نفسه محبًّا للمسيح، فالخاطىء لا يستطيع إدانة أخيه لأنّه مثله، وإذا كنت قدّيسًا، فلا تستطيع الإدانة لأنّ هذا المفهوم غير موجود بداخلك، إذًا أنت في جميع الأحوال لا تملك أيّ عذرٍ لتدين النّاس. انتبهوا من التّحزّب للّذين لا يطاوعون الحقّ بل الاثم، لأنّه في معظم الأوقات، يكون من نتحزّب له على خطأ، فتبرّر له خطأه وتبقى معه. ابتعدوا عن روح التحزّب، حتى في الكنيسة عندما قال بولس الرسول لأهل كورنثوس: " هل انقسم المسيح... ؟ من صُلبَ لأجلكم؟ (1كور 1:12-13)، إنّه واحدٌ، هو يسوع المسيح. إذًا، فالرّحمة كالمحبّة صفة إلهيّة وليست صفة إنسانيّة، أي أنّ الله أعطانا من نفسه، أمّا الدّينونة فلم يمنحك إيّاها خوفًا على أخيك منك، تنازل عن كلّ شيء، فهو لم يقل كونوا ديّانين كما أباكم الّذي في السّماوات ديّان، وإلّا لكانت سادت الفوضى في العالم.

يرتكز مفهوم الدّينونة على أمر أساسيّ، "بأن الله ليس عنده محاباة للوجود"، والإنسان لا يتحرّر من هذا الموضوع، لأن أكثرية الناس تحكم على المظاهر، فعلى الأرض الأذيّة وفي السّماء الرّحمة. ومن يطلب العدل؟ أيطلبه الظّالم أم المظلوم؟ الظّالم يريد العدل لأذيّة المظلوم، والأخير بدوره يريد العدل للانتقام من الظّالم. فحلّ الله موضوع العدل، وجعله لليوم الأخير، جميعكم متساوون بنظر الله، يهودًا ووثنيّين، فالشّمس تشرق علينا جميعًا، ورحمة الله هي للجميع.

"أن لا تميّز نفسك من غيرك"، هذه هي العبارة الأهمّ، فالمسيحيّ مميّز لأنّه غير مميّز، اللّه أعطاه ميزة لكنّه لم يميّزه عن جميع مخلوقاته. فموضوع الرّحمة الّتي يطرحها الإنجيل ليست من موقف ضعيف واستسلامي بل من العفو عند المقدرة، فالقدير الوحيد إذًا هو القادر على العفو والمغفرة. الضّعيف لا يعفو، يكذب بالمغفرة ويتحيّن الفرص للإنتقام. والجدير ذكره أنّ الحجّة الدّائمة عند الإنسان، هي الكرامة، أمّا المسيح الّذي نسي معنى تلك الكلمة، وأعطانا الخلاص والملكوت. المؤمن الحقيقيّ يوازن بثقل بين الكرامة والرّحمة، فهدف الكرامة هو الرّجوع إلى الذّات، أمّا الرّحمة فهي للآخر ومن أجل الآخر. لا تنسى أنّ الوجه يُظهر ما في الباطن، وأنّك لا تستطع أن تخبّئ شيئًا، فنحن في أزمة الصّدق مع النّفس في موضوع مفهومنا لرحمة الله، وعند إدراكك لهذه الرّحمة تصبح رؤوفًا وسموحًا ومحبًّا، وعندها يتغيّر العالم.

ملاحظة: دوّنت المحاضرة من قبلنا بتصرّف. تتمة...
13/10/2015 رسالة القدّيس بولس الرسول إلى أهل رومية - الإصحاح الأول، آية 1-15 تصحيح مسار الإنجيل
https://youtu.be/z5Y27xPCpzA

تفسير الكتاب المقدّس
رسالة بولس الرّسول إلى أهل رومية
الإصحاح الأوّل (الآية 1-15)
الأب إبراهيم سعد

13/10/2015

خاطب بولس الرسول أهل روما من دون أن يزورها، على غرار ما كان يفعله مع مدن وبلدان أخرى، إذ كان يذهب إلى المنطقة (كورنتس مثلًا) فيبشّر شعبها ليؤمن بالمسيح ويؤسّس كنيسة ثمّ ينتقل إلى منطقة أخرى. رسالة بولس إلى أهل روما هي أطروحة لاهوتيّة كبيرة عن كلّ مفهوم بولس للخلاص. وفيها بعث برسالة أو برسائل ليوبّخ ويصحّح مسار الإنجيل، وهذه الرّسالة توضّح الفكر البولسيّ لفهمه مسار إنجيل الرّبّ يسوع.
الرسول بولس يعرّف نفسه أنّه مفرز، مخصّص، ملك لإنجيل الله. فبولس قرأ جميع أنبياء العهد القديم الّذين كانوا يدلّون على المخلّص الآتي الّذي هو يسوع، هذا العهد القديم الّذي يتكلّم عن إنجيل الله الّذي فحواه المسيح المصلوب الّذي سبق فوعد به أبناءه، ورأى بولس أنّ أنبياء العهد القديم جميعهم كانوا يعلنون وعد الخلاص بمسيحٍ مخلّصٍ منتظر. فكانت مسيرة العهد القديم الطّويلة ليصلوا إلى هذه النّقطة أي إلى يسوع المسيح.
قال بولس الرسول في رسالته إلى أهل روما: "عن ابنه المولود الّذي صار من نسل داوود بحسب الجسد". فإنّ التّقليد الإنجيليّ واضح أي ولادة يسوع من مريم، لأنّه، بحسب الجسد، من نسل داوود. وذُكر داوود لأنّه كان ملكًا، وبالتّالي يسوع هو الملك، وهذا تقرأونه في انجيل متّى في الإصحاحين الأوّلين حيث يتكلّم عن سلالة يسوع أنّه من نسل داوود بالجسد.

"وتعين ابن الله بقوّة من جهة روح القدس، بالقيامة من بين الأموات، أي يسوع المسيح"، والمقصود بكلمة "تعين" أنّه أُعلن وظهر للبشر أنّه حقًّا هو ابن الله بالحدث العظيم الّذي هو القيامة. بولس إذًا يتكلّم عن قوّة إعلان يسوع المسيح كإبن الإله بحدث القيامة من بين الأموات مستعملًا كلمة "ربّنا"، الصّفة الإلهيّة.

"الّذي به لأجل اسمه قبلنا نعمة ورسالة لإطاعة الإيمان في جميع الأمم". من هنا الإنجيل ليس مكتوبًا ليكون محصورًا في جماعة صغيرة، إنّما هو مكتوب لجميع الأمم، وهذه ضربة للفكر اليهوديّ، لأنّ فحوى فكر اليهود هو: أنّهم احتكروا الله، أي أنّ الله هو إلههم وحدهم، وبالتّالي لا يستطيع الإنسان غير اليهوديّ أن يحصل على الخلاص، وهذا صعب جدًّا. فبولس في بداية رسالته إلى أهل روما، يضرب الفكر اليهوديّ الأساسيّ ويقول إنّ الخلاص هو "لجميع الأمم". وهي عبارة إذا فهم المسيحيّون معناها فإنّ سلوكهم في الدّنيا سوف يتغيّر، لأنّ عند المسيحيّين انحرافًا فكريًّا في نظرتهم إلى الله وإلى المسيح وكأنّه إلههم فقط.

ما هي خطورة الكلمة الّتي نضيف إليها الضّمائر التّالية ياء المتكلّم، "نا" المتكلّمين وكاف المخاطبة؟ فإذا قلت مثلًا "كتابي"، جعلت الكتاب ملكي دونك، و"كتابنا" أي أنّ هذا الكتاب ليس لهم، بل هو لنا، و"كتابك" تعني لك وليس لي. وإذا أضفنا هذه الضّمائر الّتي تدلّ على الملكيّة، حرمنا أي إنسان آخر من أن يملك هذا الأمر. وعندما نقول إنّ الله، أو يسوع المسيح هو إلهنا وربّنا، بمعنى أنّه إلهي وليس إلهك، قطعنا إمكانيّة هذا الإنسان للدّخول إلى الكنف الإلهي. لكن كلمة "إلهي" تعني أنّك أنت دخلت إلى كنف هذا الإله أي إلى بيته، إذًا أصبحت ملكه ولم يصبح ملكك. وعندما يملكك الله، لا يعطيك الحقّ أن تمنع غيرك من أن يملكه الله أيضًا.
وقد كانت مشكلة اليهود أنّه كانوا يعتقدون أنّهم " يملكون الله "، أي أنّ الله هو إلههم وليس من الممكن أن يكون لإنسان آخر. وإذا ما قرّر الله أن يتعاطى مع غير اليهود، أصبح عندهم مشكلة معه معتبرينه أحد الإثنين، إمّا أنّه ليس إله اليهود أو أنّه متعدٍّ عليه. وهذا ما حصل مع يسوع المسيح ، إذ لم تكن مشكلة اليهوديّ مع يسوع أنّه قال عن نفسه : "ابن الله" ولا لأنّه "قام بعجائب"، ولا أنّه "تكلّم بكلمة الله"، وإنّما كانت مشكلة يسوع مع اليهود أنّه قام بخلع تلك الخيمة الّتي كانوا يدخلونها،كليًّا، وجعل الأرض كلّها خيمة للكلّ. فصار الإنسان غير اليهوديّ يشبه الإنسان اليهوديّ، أي أنّه صار يأكل ويشرب على مائدة الله. واليهود رغم إقرارهم الدّاخليّ أن يسوع هو المسيح إلّا أنّهم رفضوه، ورفضوا قرار الله الّذي لم يعجبهم وسلبهم ملكيّتهم، فركّبوا له تركيبة ليتخلّصوا منه، متّهمينه بالتّدجيل.

الآن تخيّلوا أنتم أنّكم دخلتم بيت الله، وأُعطيتم كلّ النّعم والعطايا، ثمّ أتى إنسان من الخارج لم يكن ينتظر المسيح، ولم يكن يعرفه أصلًا، وقرّر أن يدخل، ووضعه الله في المنزلة الأولى. ماذا يحلّ بكم؟ عندها تحاولون إلغاءه، كي لا يراه الله، ولكنّ الحقيقة هي أنّ الله وحده يراه ولا يراكم لأنّكم لم تعودوا في بيته. هذا سبب ميل الإنسان لإلغاء الآخر، أسباب حسد وغيرة النّاس، أسباب تآمرهم على بعض، هذه هي أسباب اختراعهم الإشاعات والثّرثرات، أسباب حبّهم تهشيم سمعة الآخرين، لأنّهم يرونها الطّريقة الوحيدة لفرض وجودهم خوفًا من وجود الآخر الّذي يخطف نجمهم، فيقرّرون وضعه جانبًا تخلّصًا منه، وهذا مصدر روح الغضب ثمّ الكراهية فالحقد والحسد ثمّ الأذيّة فالإثم. فالرّذائل هي مسبحة بدون صليب، يحتلّ الخوف من قضيّة الوجود مكانة فيها. فالخوف من عدم الوجود هو في العمق خوف من الموت، لذلك صرنا جميعنا تحت عبوديّة الخطيئة خوفًا من الموت. أمّا من يقتنع أنّ وجوده مرتبط بوجود إلهه يسوع المسيح المصلوب، تخلق له هذه القناعة فرحًا، وهذا الفرح يُنتج مسبحة فضائل لأنّ الفضيلة تنتج الأخرى، فالتّواضع يؤدّي إلى المحبّة، والمحبّة تؤدّي إلى المسامحة، والمسامحة تؤدّي بالإنسان ألّا يتوقّف عند كلّ شيء، وعندها فقط يخفّ غضبه وحسده.
وتفكير اليهود اليوم مبنيّ على أنّهم بوجودهم يلغون وجود كلّ النّاس....لدرجة أنّهم يفسّرون آية المزامير الّتي تقول: "سبّحوا الله يا جميع الأمم وامدحوه يا سائر الشّعوب"، على أنّه عندما يحكم اليهود العالم، تصبح سائر الأمم تحت سلطانه. وبتسبيح اليهود لله، تكون الأمم تحت سلطانهم وكأنّها تسبّحه، وذلك لإلغاء أو عدم قبول أي شخص يدخل على الإيمان. قد تجدون هذا التّفكير غريبًا، ولكنّه، فعليًّا، شبيه بتفكيركم وتصرّفاتكم إلى حدّ كبير.
يقول بولس الرسول في رسالته إلى أهل روما: " الّذي لم يحسب نفسه معادلًا لله". ومعادلة يسوع لله هي طبيعته ولم يحصل عليها لأنّه مقتنع، ولا يخاف يسوع أن يسرقها منه أحد، وهذا يؤدّي إلى عدم الخوف من النّاس بل إلى خوفه على النّاس. ويتحوّل الكره إلى محبّة ويتحوّل حبّه إلى تضحية. هذا ما حصل مع يسوع النّاصريّ عندما قال بولس الرّسول:" فليكن فينا فكر المسيح، أنّه في صورة الله، لم تَعُد مساواته لله غنيمة، بل تجرّد من ذاته متّخذًا صورة عبد صائرًا كشبه النّاس، فوضع نفسه وأطاع حتّى الموت، (لا بموت عاديّ، بل بموت الصّليب أي موت العار)، لذلك أعطاه اسمًا يفوق جميع الأسماء". فيسوع الإنسان هو إذًا ابن الله الحقيقيّ الوحيد، وهو لا يخشى أن يخسر بنوّته. وعندما حاولوا إلغاءه قال يسوع: " إغفر لهم لأنّهم لا يدرون ماذا يفعلون"، وكأنّه يقول لليهود إنّكم لا تستطيعون إلغائي لأنّني ابن الله الوحيد، وقوّة ابن الله، يسوع المسيح، ظهرت بروح القدس، بقيامته من بين الأموات. لكلّ هذا هدف أن يصل كلّ بيت على وجه الأرض، لأنّ الله يريد أن يخلّص الجميع، وإذا أنت قبلت وغيرك لم يقبل، فعليك أن تذهب وتقنعه، هذه هي البشارة والكرازة، وهذا ما فعله بولس الرّسول.
وتكمن مشكلتنا في فهم أنّ الإنجيل والمسيح هما لكلّ النّاس. وإذا آمن المسيحيّ أنّ المسيح حيّ واقتنع أنّ الإنجيل هو لجميع الأمم، فسوف يكثر القدّيسون، ويصير له عقل إلهيّ يخلّص به الآخر باعترافه أنّ الإنجيل هو للجميع، إذًا ما هو عقل الله؟ الله يريد أن يخلّص كلّ إنسان، وقد رتّب منذ الأزل أنّه سوف يخلّص الجميع حتّى الإنسان الّذي سوف يُخلق بعد مئة مليون سنة، هذا هو عقل الله.
"أمّا أنتم فلكم فكر المسيح" هكذا ورد في الإنجيل، وعلينا أن نتبنّى هذا الفكر. أيستطيع الإنسان أن يمشي على رجليه وهو خالٍ من العقل؟ فالأوامر هي الّتي تحرّك الإنسان في الدّنيا. وإذا كان لديك فكر وأوامر المسيح، كما ورد في الإنجيل، تتغيّر يداك وتتغيّر أذناك ويتغيّر لسانك.

بعد قراءتنا للإنجيل علينا أن نتغيّر ونغيّر العالم، أن نصير ملكوتًا، علينا ذلك وإلّا فنكون مستسلمين لأمور الدّنيا، وإذا اعتقدتم أنّ التّعليم الدّيني هو معلومات دينيّة فأنتم إذًا ذاهبون باتّجاه الأصوليّة. لأنّ نتيجة معلوماتكم الدّينيّة تخلق لكم معرفة غير موجودة لدى الآخرين وذلك يجعلكم تتميّزون من غيركم، وعندما تتميّزون من غيركم فسوف تعطون رأيكم. أمّا الإنجيل فيمنعك من إعطاء الرّأي بغيرك إنّما هو يسمح لك أن تعطي رأيك لغيرك، وأن تتغيّر في الوقت والفكر والزّمن والتّصرّفات. وعليك عند قراءة الإنجيل أن تأخذ موقفًا تغييريًّا، ولهذا السّبب وضعت لنا الكنيسة الإنجيل في الليتورجية، في القدّاس، الّذي هو أن تأكل من مائدة أبيك وطعام أبيك ، في المناولة، وهدف قراءة الإنجيل هو أن تصير على مائدة أبيك.

هل يعقل عند قراءتك للإنجيل، أن يكون الله يفكّر بالّذي تكرهه كما يفكّر بك؟. وتأكل على مائدة الله وتخرج من الكنيسة ويظلّ الكره في قلبك؟ هل كانت تصرّفات المسيح بناءً على تصرّفات النّاس معه؟
يغضب الإنسان ويقع ويبكي ثمّ يقوم بردّة فعل سيّئة، ولكن إذا كان لديه الفكر الصّحيح والسّلوك السّليم، يرجع ويتحسّن رغم الخطأ والسيّئات. اشكروا الرّبّ أنّكم ما زلتم تقعون في التّجربة لأنّها تتمتّع بوجه إيجابي، لأنّنا عندها نقول "ارحمني يا الله"، أمّا عند انعدام الوقوع بالخطأ ننسى طلب الرّحمة، فنخسر هذا الرّابط بين الخطيئة وطلب الرّحمة ذلك هو، كمثل رئيس إحدى الأديرة يفرض على الرّهبان الذّهاب كلّ يوم وحفر قبرهم، وعند آخر الليل، يطلب منهم أن يسدّوا القبر وفي الصّباح التّالي يعاودون الحفر، وذلك لكي يتذكّر الرّهبان أنّ الموت أمامهم في كلّ حين.
أيركّز الإنجيل فقط على التّعامل مع الّذي يحبّك؟ "فأي فضلٍ لكم فإنّ الخطأة يفعلون كذلك"، " لذلك أحبّوا أعداءكم" هذه هي أقوال الإنجيل، إذًا الإنجيل ليس فقط حلاًّ لمشاكلك، إنّما هو يريك مشاكلك كما هي، يعلّمك كيف تواجهها. لم يلغِ يسوع الصّليب ولم يخترعه، إنّما واجهه، ومن لم يكن لديه هذا الفكر فهو في حالةٍ من الارتباك الدّائم.
يقول بولس الرّسول في رسالته إلى أهل روما: "الّذين بينهم أنتم أيضًا، أنتم مدعوّي يسوع المسيح"، أي أنّ يسوع المسيح دعا أيضًا أهل روما جميعهم للإيمان، فمن يُلبّي دعاء الله يستفِد وتَزُل مصيبته. فكلّ إنسان مسيحيّ مؤمن يصبح قدّيسًا بمعنى أنّه يَصير ملكًا لله.

"نعمة لكم وسلام من الله أبينا والرّبّ يسوع المسيح"، والنّعمة تعني امتلاكك هويّة، صرت مواطن ملكوت الله. فالصّوت الجميل ليس نعمة بل هو نتيجة اتّحاد الجينات الموجودة عند الأمّ والأب. النّعمة هي كجواز سفر مقدّم مجّانًا وللجميع، وهي شعورك بأنّك مواطن الملكوت وتتمتّع بسلامٍ داخليٍّ، مصدره الطّمأنينة، وهذه الهويّة تمتلكها في المعموديّة.

نحن في زمن نجهل به فهم الإنجيل، فالشّيطان قادرٌ أن يجعلك تقرأ الإنجيل بالطّريقة الخاطئة، فيوقع الخطأ بك ويعلّمك أفكارًا مضادةً لفكر المسيح. يقول بذلك بولس: "إلى جميع الموجودين في روما، أحبّاء الله مدعوّين قدّيسين. نعمة لكم وسلام من الله أبينا والرّبّ يسوع المسيح"، فسلام الله وسلام المسيح هو نفسه، وهذه هي وحدانيّة الآب والابن الّذي أتى بها بولس الرّسول من التّقليد الصّحيح، وهو نادى بالإيمان بيسوع المسيح داعيًا بالتّبشير به بكلّ جديّة وإخلاص. بذلك، عندما يرى الآخر قدرة الله وعجائبه في تصرّفات الإنسان المؤمن، سيمجّد الآب الّذي في السّماوات.

يزيد بولس الرّسول ويقول: " إنّ الله الّذي أعبده بروحي في انجيل ابنه شاهد لي كيف بلا انقطاع أذكركم متضرّعًا دائمًا في صلواتي، عسى الآن أن يتيسّر لي مرّة بمشيئة الله أن آتي إليكم"، فكان همّه الوحيد، المؤمنون، لا ينقطع عنهم حتّى لو أنّه لم يرَهم ولم يعرفهم، إذًا هذه هي عائلة الآب. ليس هناك من شيء يبعدنا عن صِلتنا بأبناء الله، حتّى الموت عاجز عن ذلك. لذلك فنحن نصلّي لأمواتنا، ليس فقط لكي يرحمهم الله بل لإعادة تكوين الكنيسة الحقيقيّة. فعندما نصلّي للراقدين، نقرّ بأنّهم ما يزالون معنا في كنيسة الله الواحدة، أنّ المنتقلين عنّا أصبحوا في الرّحمة الإلهيّة، في الملكوت الّذي سننتقل إليه نحن أيضًا، وهذا ما نسمّيه "التّعزية" فنقول " المسيح قام". هذا هو الاعتراف بإيماننا، فحتّى الموت لا يمنعك من الإعلان عن إيمانك بقيامة المسيح، فبصلاتنا نجعل الإنجيل حيًّا. لذا فكّروا بالنّاس على مثال تفكير بولس الرّسول بهم.

ملاحظة: دوّنت المحاضرة من قبلنا بتصرّف تتمة...
6/10/2015 رسالة القدّيس بولس الرسول إلى أهل رومية - المقدّمة سلاحك هو كلمة الله
https://youtu.be/zOwNaccVXOg

تفسير الكتاب المقدّس
رسالة القدّيس بولس الرسول إلى أهل رومية
الأب ابراهيم سعد
المقدّمة

6/10/2015

نعود مجددا ًإلى الإنجيل لكي نلبس الفرح والتعزية الروحيّة لأن الدنيا تعرّينا من الفرح الحقيقيّ، من كلّ رجاء.
يقول بولس الرسول في رسالته الى أهل رومية: "لن تستقيم الأمور مهما عظمت أفكار الناس إلاّ إذا كان سلاحك هو كلمة الله". فكلمة الله تعطيك الراحة والسلام والطمأنينة والقدرة على مواجهة تحديّات الدنيا. أما كلّ ما هو خارج هذه الحقيقة فهو وهم. عندما تكون كلمة الله مسيطرة، أي أنّ الشعب قبِلها، تكون البيئة نظيفة. أمّا إذا كانت البيئة خالية من كلمة الله، أو تظنّ نفسها تتبع كلمة الله، ولكنّها تتبعها عن مصلحة وخوف وأوهام، فتعمّ النفوس التوتر والاضطراب. وكلّ متوتر يُعدي غيره. وكلّ مطمئن يُعدي غيره. لأنّ الناس يتأثرون بعضهم ببعض سلبا ًأو إيجابا. من هنا على كلّ إنسان مسؤولية. المسؤولية الأولى أن يتحلّى الإنسان بحصن حتى لا يتأثر بالخطأ، أمّا المسؤولية الثانية، فهي أن يزرع الإنسان في غيره الإيجابية والفرح اللّذين يستمدّهما من الإنجيل.

لا يستطيع الإنسان أن يكون على الهامش، أي أن ينأى بنفسه، أن يتبع سياسة النأي بالنفس. فإمّا أن يكون الإنسان مع الحقّ، وإمّا أن يكون مع الباطل. الحياد هو أمر سلبيّ في الإنجيل لإنّ الإنسان المسيحيّ مُلتزم بالحقّ.
أمام كلمة الله وجب على الإنسان أن يبرز موقفه. أي أن يقول أنا أقبل كلمة الله أو لا أقبلها. إذا قبل الإنسان كلمة الله تغيّر سلوكه، وذلك لأنّ كلمة الله ̓تعاش. بعض المسيحييّن يتغنّون بكلمة الله ولكنّهم لا يعيشونها، لذلك نراهم يقعون بسرعة في الإحباط والحزن والخوف.

مفعول كلمة الله فينا، أنّها تنحتنا من جديد. كلمة الله هي النّحات ونحن الصنم، تنحتنا على الشكل الذي تريده هي. لذلك نحن نطيع كلمة الله، ما من طاعة مقدسة إلاّ طاعة واحدة، وهي الجواب على الحبّ. ولا طاعة من دون حُبّ. فكلمة الله يسوع المسيح هي الحبُّ، هي المحبة، وبالتالي نحن نطيع المحبة، أي مَن بذل نفسه من أجلنا. لكنّنا، نحن الناس، نهوى الذين يسودون ويتسلّطون علينا، وعندها نذهب إلى الجهل. فكلمة الله تعطينا الحكمة لكي نواجه ونصبر، كلمة الله لا تغشّنا، تجعلنا نرى الدنيا على حقيقتها، وهي لا تعظّم الأمور. بل تعلّمنا كيف نحزن، عندها نحزن كالذين لهم رجاء. كلمة الله تعلّمنا كيف نبني، كلمة الله حازمة، كلّها رحمة. فالتصحيح أو التصويب إن لم يكن نابعا ًمن الحبّ، يصبح دينونة للنّاس، ونحن دائما نستسهل الأحكام المسبقة، ونفضّل إدانة النّاس. كلمة الله تعلّمنا كيف نقف أمام المرآة وتسمح لنا أن نرى أنّ لكلّ منّا عينين وأذنين ... ولكن لكلّ منّا لسان واحد.



كلمة الله تعطينا عيونًا لا من تراب، بل عيونًا من بلور الملكوت. فلا نعود نرى أنفسنا فقط كأننا أمام مرآة بل نرى الآخرين كأننا أمام بلور الملكوت.(الفرق بين المرآة والبلور أن المرآة اُضيف عليها طلاء من فضة. والفضة هنا تعني المادة، أي الذهنية المادية التي تطفئ في الإنسان الرّوح). فكلمة الله تعطينا آذانًا ملؤها الرحمة، لا تظن بالسوء. لا تدين أحدا، ًأو تلبسه صفة هو بعيد عنها. تفتح أيدينا لخدمة الناس وتجنّد أرجلنا لتسلك في طريق الربّ. وأخيرا ً تعطينا قلوبا ًملؤها العقل وعقولا ًملؤها القلب، أي لا تعود قلوبنا تنحرف بسبب العاطفة، أو يسيطر على عقولنا الجفاف. بجملة واحدة نختصر ما قلناه، أنّ كلمة الله تجعل من كلّ منّا "إنساناً". فما "الإنسان"؟ الإنسان الذي على صورة الربّ يسوع المسيح، الذي أحبّنا وافتدانا على الصليب. من هنا وبسبب محبتنا للذي افتدانا وجب علينا أن نطيعه، ونعمل ما يرضيه.

ولكنّنا في هذه الأيام نعيش في زمن الوهم والغش في كلّ شيء. فالسّياسيون والذين يدّعون خدمة الشعب، لا يخدمون كلمة الله. "بل إنهم يرعون أنفسهم ولا يرعون الغنم" يقول الربّ. حتى المسؤولون عن خلاص نفوسكم لا أعرف إذا كانوا يعلمون قيمة خلاص نفوسكم. وبالتالي لا إله إلا الله، وكلّ الناس بشر. فكيف يصبح هذا البشري بعد شهر تراباً، وهل يكون بشريّا ًأو يكون تراباً، كالهباء الذي تذريه الرّياح عن وجه الأرض؟ تقول سفر المزامير. إذًا من الآن إلى أن تصبح ترابًا، أي إلى اليوم الذي تموت فيه، أنت مدعوّ إلى أن تصبح نوراً. لكن هذا النّور قمريّ وليس شمسيًّا، فالقمر يضيء لأنه يعكس نور غيره، لكنّ الشمس هي مصدر ذلك النور. أنت نورك قمريّ تعكس نور غيرك، أي نور كلمة الله، أي يسوع المسيح في كلّ أبعاده. فالمسيح هو المصدر الذي نستمّد منه نورنا. نحن نستطيع أن نكون نوراً إلى أن نتحوّل إلى تراب، أي حتّى الممات، ويصبح هذا التراب المعبر إلى النّور. إذ لم يكن عندنا هذا الرجاء، يذهب تعبنا سُدى، كما يقول الرسول بولس : فلنأكل ونشرب....وغدًا نموت.
يبدأ بولس رسالته إلى أهل روما بأنّه عبد ليسوع المسيح، وقد دُعي رسولاً، مُفرزا ًلإنجيل الله. هذا الكلام ̓يؤكد لنا مفهوم كلمة الله عند بولس. لا يمتاز بولس عن الآخرين إلا لأنّه يحمل مسؤولية إيصال كلمة الله إلى كلّ إنسان منّا.

يتعامل بولس مع الله تعامل العبد مع سيّده. في اليونانيّة تترادف كلمتا العبد والخادم. بولس هو إذا ًخادم ليسوع المسيح، ولكن له ذهنية العبد بمعنى أنّه لم يعد لديه مزاج خاص به. أي لم يعد لديه حريّة انتقاء المكان والزمان لتوزيع كلمة الله بناء على وضعه هو. فمزاج الإنسان هو الشيطان الرجيم، لأنّ أكثر الأمور التي يتلكأ الإنسان عن عملها سببها مزاجه، وخصوصاً الأمور التي تختص بالله كالصلاة وغيرها مثلا ً: كنت أصلّي وأنا واقف ثمّ وأنا نائم ثم بدأت أقصّر في الصلاة ... أو حتّى عندما تدعو كلمة الله الإنسان إلى خدمة ما فيعمل بحسب مزاجه. إنّ الله لم يسكب لبولس نعمة تزيده عن الآخرين، ولكنّه بالعكس، أغراه بالصليب. وهذا ما أغرى المسيحين الأوائل أيضاً. أمّا في أيّامنا هذه، المسيحيون يرغبون أن يكون لهم وجود وهيبة، ويريدون أن يكونوا كسائر الناس. فنعيد بالذكر أنّ اليهود طلبوا من الله أن يعاملهم كسائر الشعوب. أي أن ̓يصبح لهم ملك ودولة. ولكنّ الله قال لهم: "أنا هو ملككم".

يقول الربّ أنتم في هذا العالم ولكنّكم لستم من هذا العالم، أي أنّ ذهنيتكم لا يجب عليها أن تكون من طينة هذا العالم. لذلك كلمة الله معموديّة يوميّة جديدة، وهي ليست معموديّة بالجسد، لأننّا تعمدنا مرة واحدة بالجسد، ولكنها معموديّة العقل نفسها. الرسول بولس هو عبد يسوع المسيح لأنه لا يعرف أن يقول لله إلاّ كلمة :"بأمرك". وهكذا يبدأ بولس رسالته إلى أهل روما بكلمة "بأمرك". أي أنّه لن يركز على مزاجه، ولا على أهوائه، ولا على ما يحبّه هو، بل سيفعل كلّ يا يأمره به الله.

بولس هو إذًا عبد ليسوع المسيح وهو يُدعى رسولًا. أي أنّه من يحمل رسالة ليوصلها، ولا يملك الحقّ بفتح الرسالة، ولا أن يضيف إليها كلمة أو أن يحذف منها كلمة. إذ إنّه لا يملك الحقّ أصلا ًفي أن يقرأها وإلّا فذلك يعتبر خيانة. لأنّه إن أوصل مرسال رسالة إلى الملك الفلاني وغيّر في محتواها قطع (الملك صاحب الرسالة) رأسه، أو فعل الملك الذي استلمها ذلك. فالمرسال هو دائما ً تحت خطر الموت، أي تحت خطر إلغائه.
اعتبر بولس نفسه رسولا ًمفرزاً. بالعبريّ فراز تعني قداش أي أنّه قدّس نفسه. وبمعنى آخر اعتبر نفسه أنّه أرض مفروزة صارت ملك أحدهم، والمالك هو إنجيل الله. بمعنى آخر أن بولس هو أرض يملكها إنجيل الله. بولس هو إذا ًعبد ورسول ومُفرز، ثلاث كلمات لا تعطيه الحقّ أن يقول "بس أنا". والأنا بمعنى الأنا الإلغائية، أي أن يلغي غيره. أمّا الأنا وأنا الآخر تصبح نحن وهذه هي عائلة الله.
بولس هو مفرز لإنجيل الله أي للبشارة السّارة. وجميعنا نحبّ البشارة السّارة ولكن لماذا نرفضها؟، ليس لأنّنا لا نحبّ العبودية، بل لانّ الانسان يحنّ الى الحريّة ويمارس ممارسة العبودية. ليس لانّه لا يريد أن يكون عبدًا بل لانّه يخاف من الالتزام بكلمة الله. لانّه يظن ان كلمة الله سوف تحرمه من أمور كثيرة، وهو يشعر انها مصدر من مصادر الفرح في حياته، وسيكتشف أن هذه الأمور هي وهم بوهم بعد قراءة بولس الى اهل رومية.
ونعدكم في قراءتنا لرسالة بولس الى أهل رومية، أنّ كلّ اصنام افكاركم والأحلام بأوهام الفرح والراحة سوف تتهدّم. وتبقى في النهاية كلمة الله امامكم لتحدِّدوا موقفكم منها.

ملاحظة: دوّنت المحاضرة من قبلنا بتصرّف. تتمة...
10/3/2015 إنجيل القدّيس يوحنّا الرسول - الإصحاح العاشر الربّ يسوع هو الراعي الصالح
تفسير الكتاب المقدّس
إنجيل القدّيس يوحنّا الرسول
الإصحاح العاشر
الأب ابراهيم سعد

10/3/2015

سنتأمّل، اليوم، الإصحاح العاشر من إنجيل يوحنّا حيث يتكلّم على الرّاعي الصّالح، وبِما أنّنا نقترب من الفصح ، فَلْنتأمّل رعاية الرّبّ لنا من ويل الموت.
أوّلاً، الرّاعي، في العهد القديم، هو الله، الملك. عندما أراد الشّعب ملكاً، غير الله، كان على الأرض، لأنّ الله في السّماء، ولأنّهم يُريدون أن يُصبحوا مثل كلّ النّاس، أجابهم الله بأنّه اختارهم كي يكونوا مُمَيّزين عن الآخرين لأنّهم، في الأصل، مثل الآخرين ، إلّا أنّهم فهموا أنّ الله اختارهم لأنّهم لا يُشبهون الشّعوب الأخرى. أيّ أنّ هناك ما يجب أن يفعلوه كي يُصبحوا مختلفين عن الآخرين. فقرّروا أن يتمتّعوا بامتياز وهو أنّهم لا يُشبهون غيرهم من الشّعوب إلّا أنّهم أخذوا يتصرّفون مثلها. وأعطاهم الله ملكاً كي يُبرهن لهم بأنّها تجربة فاشلة لأنّهم، بعد مدّة، سيطلبون بناء هيكل للملك، وبعده هيكل لإله الملك، فيُصبحون من عابِدي الأصنام. فجاء الملك شاوول، ومن بعده الملك داوود والملك سُليمان... حتّى انهار كلّ شيء. فقال الله: "ويل للرّعاة الّذين يرعون أنفسهم ولا يرعون غنمي" لذلك قرّر أن يختار بنفسه، الرّاعي الّذي سيُؤكّد حضور الله، وقد انتظروا ذلك الرّاعي طويلاً إلى حين قول يسوع في الإصحاح العاشر: "أنا هو الرّاعي الصّالح". وكلمة "صالح" تعني المناسب، أيّ "أنا هو الرّاعي الوحيد" وبمعنى آخر إذا قال أحد إنّه الرّاعي فهو سارِق ولصّ.
إذاً، هذه الرّعاية تحتاج إلى سلطة، قيادة قطيع تحتاج إلى القوّة. وهذا الرّاعي، بدلاً من أن يجلس على العرش ويرعي النّاس، أسندَ رأسه إلى الصّليب، إذاً أصبح راعياً بفضل "مصلوبيّته". لقد جلس على عرش الرّعاية لأنّه رَضِيَ بأن يكون الحَمَل المذبوح من أجل رعيّته. إذاً كلّ راعٍ هو حَمَل ويسوع هو الوحيد الّذي يستطيع أن يكون الرّاعي والحَمَل في الوقت نفسه، وهذا ما لا يُمكن أن يُصوَّر إلّا بالكلمة. همُّ الرّاعي هو أن يصل قطيعه إلى الحظيرة في اللّيل، ويأكل العشب المغذّي من المَرعى في النّهار وهو يُرافقه.
رعاية يسوع، كلمة الله، أكّدت لنا أنّ الخروف المذبوح هو الّذي يرعى من "مذبوحيّته"، من جنبه المطعون، من الشّوك على رأسه، من المسامير في يديْه ورِجليْه. فكيف يستطيع المصلوب أن يرعاك؟ لا يقبل النّاس بأن يتبعوا الضّعيف فيبحثون دائماً عن القويّ، وهذه هي مشكلة يسوع. ففي تجربة البريّة، عندما طلب الشّيْطان منه أن يُحوّل الحجارة إلى خبز، رفض فعل ذلك لأنّه يُريد السّلطان الآتي من عند الله فقط، لكنّ الشّيْطان يُريد أن يُعطيه إيّاه من عند الشّعب. الله هو الّذي اختار أن يكون سلطان يسوع من صلْبه، إطاعة حتّى الموت، موت الصّليب. هذا هو السّرّ الّذي لا يُمكن لأحد أن يفهمه، إلّا أنّه قبل به، وهذا هو الإيمان. إذاً سُلطان يسوع كان بالكلمة الّتي قالها وبالدّم الّذي أُهرِق.
كم من شخصٍ اقتنع بأنّه يجب أن يتبع يسوع؟ في البدء، كانوا كثيرين بسبب العجائب الّتي كان يصنعها، إلّا انّهم سرعان ما وجدوا أنّه لا يُريد أن يكون زعيماً يُصفّق له الشّعب، فابتعدوا عنه لأنّهم أرادوا زعيماً قويّاً، لذلك، كما هو مكتوب في الإنجيل، فقد اختاروا باراباس، بدلاً من يسوع، على الرّغم من أنّه كان لصّاً، إضافةً إلى أنّه كان ضمن مجموعةٍ مُسلَّحةٍ تحمل السّيف بغية تحرير مملكة داوود واستعادتها من الاحتلال الرّومانيّ، فبالنّسبة إليهم هذه المملكة هي أرضيّة، سياسيّة، شعبيّة. سُجِنَ باراباس لدى الرّومان. وكان هناك رجلٌ اسمه يسوع وهو ابن الله. لذلك اختاروا باراباس لأنّه قويّ ويملك السّلاح، فبالنّسبة إلى اليهود، خَلَفَ الله بوعده لهم بأن يُرسِل إليهم المسيح المُنتَظَر كي يستعيد مملكة داوود، فأرسل لهم أحداً لا يقول إلّا كلمة الله ولا يُجيب عن أيّ سؤال. وبِرفضهم لِيسوع رفضوا الله أيضاً لذلك قال لهم يسوع: "مَن يرفضني يرفض الّذي أرسَلني" أيّ مَن رفض يسوع أصبح مُلحِداً، من دون إله، عابِداً للأصنام. وإذا رفضتم يسوع بعد أن تكونوا قد اقتنعتم بأنّ الله أرسله يكون هذا تجذيفاً.

في إنجيل يوحنّا، يقول إنّ يسوع كان عارِياً على الصّليب، فقد اقترعوا على ثوبه غير المَخيط أيّ ثوب الكهنة. إذاً هذا الّذي صُلِبَ كان الكاهن والذّبيحة في الوقت نفسه، كان المُقدّم والمُقَدَّم، المُقَرِّب والمُقَرَّب، الرّاعي والحَمَل في الوقت نفسه.لم يكن هناك حلّ إلّا أن يُقدّم الله نفسه في ابنه يسوع. لذلك إن لم يقبل اليهود بابن الله الحقيقيّ، فلن يقبلوا بالّذي أرسله أيّ الله. وباراباس هو من حزب اسمه "حامِلو الخناجر" ويهوذا الإسخريوطيّ كان من الحزب نفسه ويُريد أن يكون المسيح مثله لذلك اعتبر أنّه خائنٌ وسلَّمَهُ لأنّه يقوم بما يطلبه الله منه لا الشّعب. وقد سلّمه بِقُبلة والقُبلة هي التّعبير الأعلى عن الحبّ من دون كلام لأنّ كلمة "الحبّ" تخرج من الشّفتيْن ، وبالتّالي كان يهوذا يُعبّر عن حبّه الكبير ليسوع بالشّفتيْن. لكن يهوذا هو الكذّاب أبو الكذّاب أيّ الشّيْطان الّذي يُعطيك العلامات نفسها من الخارج ولكنها فارغة من مضمونها. يهوذا قبَّلَ يسوع بِشفتيْه وهو الّذي يجب أن يكون الرّسول الّذي يتكلّم بهاتيْن الشّفتيْن ويُبشّر بالمسيح.

كان بِرفقة يهوذا جنود، وكان برفقة يسوع أحد تلاميذه الّذي قطع أذن أحد الجنود فأمرهيسوع بأن يردّ سيفه وأعاد للجنديّ أذنه. واحد من الرّسُل قبّله ليصلبه وجاء الآخر يقطع أذن الوثنيّ لكي يمنعه من سماع كلمة التّبشير منه حتّى يؤمن. فَبِقطع أذنه يكون قد قطع له إمكانيّة أن يؤمن بالله.
إذاً هذا الرّاعي يعرف كلّ مَن في رعيّته من اسمه، يعرف رعيّته من ضعفها ومصائبها فيُعالجها. لم نفهم رعاية المسيح إلّا على الصّليب حيث كان الشّفاء لِكلّ ما نشكو نحن منه. الرّاعي يُعامِل النّاس بِحسب ضعفهم. لقد حلّ يسوع المسيح على الصّليب مشاكلنا بسبب ضعفنا لأنّه كان عليه أن يجد حلّاً لِيُثبت أنّه راعٍ صالح لِرعيّته كلّها الّتي تقبل به والّتي لا تقبل به، فقال: "اغفر لهم يا أبتاه لأنّهم لا يدرون ماذا يفعلون" قبل أن يموت أتمّ رعايته الكاملة فبذلك غفر خطايا الّذين قتلوه. وعندما تمّ كلّ شيء، أسلم الرّوح. في إنجيل يوحنّا، أسلم الرّوح لا يعني أنّه مات بل سلّم الرّوح القدس.
بِما أنّكم بانتظار عيد الفصح، عليكم التّفكير في معنى المسيح الرّاعي، في صفاته وعمله. والصّفة والعمل يتّحدان. إذا كان يسوع هو الرّاعي، يجب أن يكون هناك مكان فيه غنم كي يظهر بأنّه الرّاعي، كما يجب أن يكون هناك حظيرة ومَرعى. هذه الصّورة أعطاها الإصحاح العاشر من إنجيل يوحنّا.
يقول: "الحقّ الحقّ أقول لكم: إنّ الّذي لا يدخل من الباب إلى حظيرة الخراف، بل يطلع من موضع آخر (أيّ الّذي يُريد الدّخول إلى الله من دون يسوع)، فذاك سارق ولصّ، وأمّا الّذي يدخل من الباب فهو راعي الخراف، لِهذا يفتح البوّاب، والخراف تسمع صوته (الصّوت أيّ الكلمات)، فيدعو خرافه الخاصّة بأسمائها ويُخرِجها. ومتى أخرج خرافه الخاصّة يذهب أمامها، والخراف تتبعه، لأنّها تعرف صوته. وأمّا الغريب فلا تتبعه بل تهرب منه، لأنّها لا تعرف صوت الغرباء (أيّ الغنم لايعرف إلّا صوت من يملكه).

هذا المثل قاله لهم يسوع، أمّا هم فلم يفهموا ما هو الّذي كان يُكلّمهم به. فقال لهم يسوع أيضاً: الحقّ الحقّ أقول لكم إنّي أنا باب الخراف، جميع الّذين أتَوْا قبلي (أيّ الّذين كانوا يعتبرون أنفسهم الرّعاة أيّ الفرّيسيّين واليهود) هم سرقة ولصوص، ولكنّ الخراف لم تسمع لهم، أنا هو الباب. إن دخل بي أحد يخلص فيدخل ويخرج ويجد مرعىً. السّارق لا يأتي إلّا لِيسرق ويذبح ويُهْلِك، أمّا أنا فقد أتيْتَ لِتكون لهم الحياة ولِيكون لهم الأفضل (إذاً يسوع، هذا الرّاعي يجعل حياة الغنمة أفضل). أنا هو الرّاعي الصّالح، والرّاعي الصّالح يبذل نفسه عن الخراف (من صفات الرّاعي) وأمّامن يكون أجيراً، وليس راعياً، وليست الخراف له، فيرى الذّئب مُقبِلاً يترك الخراف ويهرب، فيخطف الذّئب الخراف ويُبدّدها والأجير يهرب لأنّه أجير، لا يُبالي بالخراف. أمّا أنا فإنّي الرّاعي الصّالح، وأعرف خاصّتي وخاصّتي تعرفني كما أنّ الآب يعرفني وأنا أعرف الآب (هو يُشبّه المعرفة أيّ العلاقة برعيّته بعلاقته بأبيه. وهو يرى علاقته بكم على هذا النّحو وأنتم يُمكنكم أن تجعلوها وَهْماً ولكنّه لن يتراجع وأنتَ عليك أن تستفيد، بأن تسمع صوته لا أن تكون أجيراً فَتُصبح سارقاً ولصّاً). وأنا أضع نفسي عن الخراف. ولي خراف أُخَر ليست من هذه الحظيرة (أيّ هو يعتبر الجميع رعيّته حتّى المُلحِدين وعمله أن يدلّهم على الطّريق الصّحيح)، ينبغي أن آتي بتلك أيضاً فتسمع صوتي، وتكون رعيّة واحدة وراعٍ واحد (أيّ أنّ عدد رعيّته غير محدود، وأنتَ يحقّ لك أن تُقرّر فقط إن كنتَ تبقى في هذه الرّعيّة أو ترحل، وليس لك الحقّ في تحديد الأشخاص الّذين يدخلونها، فتكونون رعيّةً واحدةً. إذاً هذا الرّاعي، على الصّليب، جعلك أنتَ مهما تكن، مثل أيّ شخص يقبل به مهما كان). لِهذا يُحبّني الآب، لأنّي أضع نفسي لِآخذها أيضاً، ليس أحدٌ يأخذها منّي، بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضاً. هذه الوصيّة قبلتها من أبي (هو فقط يقبل ولا يُعطي رأيه، هو راعٍ لا يُعطي رأيه في رعيته بل يقبل بما يقوله له أبوه).
وحدثَ أيضاً انشقاق بين اليهود بسبب هذا الكلام فقال كثيرون منهم: به شيْطان وهو يهذي. لماذا تستمعون إليه؟ آخرون قالوا: ليس هذا الكلام مَن به شيْطان. ألعلّ شيْطاناً يقدر أن يفتح أعين العميان (لأنّه في الإصحاح السّابق فتح عيْنيّ الأعمى، إذاً مَن يَقسم النّاس هو يسوع فقال "جئتُ لِأُلقي سيفاً")

وكان عيد التّجديد في أورشليم، وكان شتاء، وكان يسوع يتمشّى في الهيكل في رواق سليمان فأحاط به اليهود وقالوا له: إلى متى تُعَلّق أنفسنا؟ إن كنتَ أنتَ المسيح فَقُلْ لنا جهراً. أجابهم يسوع: إنّي قلتُ لكم ولستم تؤمنون. الأعمال الّتي أنا أعملها باسم أبي هي التي تشهد لي (أيّ ليس بحاجة إلى شهود) ولكنّكم لستم تؤمنون لأنّكم لستم من خرافي (هو يتحدّث إلى اليهود الّذين ينتظرون المسيح المُنتَظر)، كما قلتُ لكم خرافي تسمع صوتي (هذا هو المعيار)، وأنا أعرفها فَتتبعني وأنا أُعطيها حياةً أبديّةً، ولن تهلك إلى الأبد، ولا يخطفها أحد من يدي. أبي الّذي أعطاني إيّاها هو أعظم من الكلّ، ولا يقدر أحد أن يخطفها من يد أبي، أنا والآب واحد.

فَتناول اليهود أيضاً حجارة لِيرجموه. أجابهم يسوع: أعمالاً كثيرةً حسنةً أرَيْتُكم من عند أبي. بسبب أيّ عمل منها ترجمونني؟ أجابه اليهود قائلين: لسنا نرجمك لأجل عمل حسن، بل لأجل تجذيف، فإنّك وأنتَ إنسان تجعل نفسك إلهاً (يسوع لا يحتاج إلى دليل فقد اعترف بجريمته بالنّسبة إلى اليهود). أجابهم يسوع: أليس مكتوباً في ناموسكم: أنا قلتُ إنّكم آلهة، إن قال آلهة لأولئك الّذين صارت إليهم كلمة الله، ولا يُمكن أن يُنقَض المكتوب، فالّذي قدّسه الآب وأرسله إلى العالم أتقولون له: إنّك تجذّف، لأنّي قلت إنّي ابن الله؟ إن كنتُ لستُ أعمل أعمال أبي فلا تؤمنوا بي ولكن إن كنتُ أعمل، فإن لم تؤمنوا بي فآمنوا بالأعمال، لكي تعرفوا وتؤمنوا أنّ الآب فيّ وأنا فيه.
فَطلبوا أيضاً أن يُمسكوه فَخرج من أيديهم ومضى أيضاً إلى عبر الأردن، إلى المكان الّذي كان يوحنّا يُعمّد فيه أوّلاً ومكث هناك، فأتى إليه كثيرون وقالوا: إنّ يوحنّا لم يفعل آيةً واحدةً، ولكن كلّ ما قاله يوحنّا عن هذا كان حقّاً. فآمن كثيرون به هناك." إذاً أبواب الحظيرة مفتوحة للجميع.

يتكلّم الإصحاح الحادي عشر على إقامة أليعازر. مَن يسمع صوت يسوع يَحيا. قال يسوع: "أليعازر هلمّ خارِجاً" فسمع صوته لأنّه تلميذه.
إذاً أنتَ في حديث الفصح، تدخل في رعيّة المسيح من جديد أيّ تُخْلَق من جديد أيّ تقوم من جديد. إذا لم تدخل هذه الحالة العقلانيّة لا العاطفيّة لن تستطيع تجديد العهد.

ملاحظة: دوّنت المحاضرة من قبلنا بتصرّف. تتمة...