تفسير الكتاب المقدّس
رسالة القدّيس بولس الرسول إلى العبرانيين
الإصحاح الثالث
الأب ابراهيم سعد
8/11/ 2016
"مِن ثمّ أيّها الإخوة القدِّيسون، شركاء الدّعوة السماويّة، لاحظوا رسولَ اعترافِنا ورئيسَ كهنته المسيح يسوع، حالَ كونِهِ أمينًا للّذي أقامه، كما كان موسى أيضًا في كلِّ بَيتِهِ. فإنّ هذا قد حُسِبَ أهلاً لمجدٍ أكثر من موسى، بِمقدارِ ما لِباني البيتِ من كرامةٍ أكثرَ من البيت. لأنّ كلَّ بيتٍ يَبنيه إنسانٌ ما، ولكنَّ باني الكلّ هو الله. وموسى كان أمينًا في كلّ بيته كخادمٍ، شهادةً لِلعَتيدِ أن يُتَكَلَّمَ به، وأمّا المسيح فَكَابنٍ على بيتهِ. وبيتُهُ نحنُ، إن تمسَّكْنا بثقة الرّجاء وافتخارِهِ ثابتةً إلى النّهاية. لذلك كما يقول الرّوح القدس: "اليوم، إن سمعتم صوتَهُ فلا تُقَسُّوا قلوبكم، كما في الإِسخاطِ، يوم التَّجربة في القَفرِ حيث جَرَّبَني آباؤكم. اختَبروني وأَبصَروا أعمالي أربعين سنةً. لذلك مَقَتُّ ذلك الجيل، وقلتُ: إنّهم دائمًا يَضِلّون في قلوبهم، ولكنَّهم لم يَعرِفوا سُبُلي. حتَّى أقسَمتُ في غضبي: لن يدخُلُوا راحتي." انظُروا أيّها الإخوة أن لا يكون في أحدكم قلبٌ شرّيرٌ بعدمِ إيمانٍ في الارتداد عن الله الحيّ. بل عِظُوا أنفسَكُم كلّ يومٍ، ما دام الوقتُ يُدعى اليوم، لكي لا يُقسَّى أحدٌ منكم بغرور الخطيئة. لأنّنا قد صِرنا شركاء المسيح، إن تمسَّكنا ببداءة الثِّقة ثابتةً إلى النّهاية، إذ قِيلَ: "اليوم، إن سمعتم صوته فلا تُقَسُّوا قُلوبَكم، كما في الإسخاط." فَمَن هُم الّذين إذ سمعوا أَسْخَطُوا؟ أَليسَ جميعُ الّذين خَرجُوا من مِصرَ بواسطة موسى؟ ومَن مَقَتَ أربعين سنةً؟ أَلَيسَ الّذين أَخطَأُوا، الّذين جُثَثُهم سقطت في القَفرِ؟ ولِمَن أَقسَمَ: "لن يدخُلوا راحتَهُ"، إلّا للّذين لم يُطيعوا؟ فَنَرى أنّهم لم يَقدِروا أن يَدخُلُوا لِعَدَمِ الإيمان".
إنّ أجمل صفةٍ يُطلقها الكاتب على الـمُرسَل إليهم هي أن يكونوا "الإخوة القدّيسون، شركاء الدّعوة الإلهيّة". وإنّ الكاتب لا يقصد بكلمة "قدِّيسين" أولئك الّذين أَعلَنَتْ الكنيسة قداستَهم على المذابح، إنّما أولئك الّذين اعتمدوا بالمسيح يسوع، فَبِالنِسبَة إلى بولس، القدِّيس هو مَن قَبِلَ المعموديّة باسم يسوع المسيح. إنّ كلمة "قدِّيس" في اللّغة العِبْريّة تعني المفروز أي أنّ القدِّيس هو الإنسان المفروز لله. وبالتّالي، فإنْ اسْتَبْدَلنا عبارة "القدّيس" بمعناها الأصلي في الآية الواردة في الرسالة، تُصبح الآية على الشكل التّالي: "أيّها الإخوة المفروزون لله، الّذين أنتم صِرتُم للمسيح".
أمّا بالنسبة إلى "شركاء في الدّعوة"، فإنَّ لكُلِّ احتفالٍ صاحبُ دعوةٍ واحدٍ، أمّا المدّعوون إليه فَكُثُر. وإنّ توجيهَ صاحبِ الدّعوة دعوةً لكَ لتُشاركَه في الاحتفال لا يجعلُكَ مُطلقًا داعيًا له، إنّما تَبقَى مدعوًا إليه، وبالتّالي فَأنتَ لا تشاركُه دعوةَ الأشخاص إلى الاحتفال. أمّا بالنسبة إلى بولس، فإنّ المفروزين لله قد أصبحوا مدعوّين إلى الدّعوة الإلهيّة بواسطة مؤمنين آخَرِين، كانوا قد أصبحوا شركاء في هذه الدّعوة. وبالتّالي، فإنّه لا يمكن للمؤمن أن يذهب وحيدًا إلى الملكوت، إنّما دائمًا برفقة أشخاص آخرين، غالبًا ما يكونونَ أولئك الّذين وصلَتْ إليهم الدّعوة من خلاله. إذًا، إنّ كلّ معمّدٍ باسم يسوع المسيح، لم يعد فقط مدعوًّا للملكوت، إنّما أصبحَ داعيًا له. إنّ السّماء تُشيرُ إلى حضور الله، وبالتّالي فإنّ الدّعوة السّماويّة هي دعوةٌ إلهيّة.
إنّ رئيس الكهنة يُقدِّم الذبيحة عن الشعب، ويَرُشُّ دمها على المذبح، وعلى أعتاب الأبواب وعلى المؤمنين. إنّ يسوع المسيح هو مُقدِّم الذبيحة، وَهوَ الذبيحة في آنٍ، وبهذا الفِعل تَميَّز عن سائر الكهنة، إذ لم يستَطِع أحدٌ منهم أن يُشبهَهُ في ذلك. إنّ العهد الجديد يؤكِّد لنا أنّ يسوع هو رئيس الكهنة، إذ يُخبرنا الإنجيليّ يوحنا أنّ الجنود عند أقدام الصّليب قد اقترعوا على لباس المسيح، فَهُم لم يتمكّنوا من تجزيئه لأنّه كان مصنوعًا من قطعةٍ قماش واحدة، أي كما كانت حالة ثياب الكهنة في ذلك الزَّمان. وبالتّالي، أراد الإنجيليّ أن يُشير إلى أنّ يسوع المسيح على الصّليب، هو رئيس الكهنة الّذي أصبح في الوقت نفسه الذبيحة. إنّ لوقا الإنجيليّ قد أشار أيضًا إلى الأمر نفسه، ففي بداية إنجيله، وتحديدًا في نصّ بشارة زكريا، يُخبرنا أنّ الكاهن زكريا لم يتمكّن من مباركة الشعب بعد أنْ خَرَجَ مِنَ الهيكل معقود اللّسان، فالمباركة كانت من واجبات الكاهن. لكنّه يُخبرنا، من ناحية أخرى، في ختام إنجيله، أنَّ يسوع قد بارك تلاميذه قبل صعوده إلى السّماء، وبالتّالي فَهوَ أي يسوع، قام بما يَتوَّجب على الكاهن القيام به. إنّ لوقا الإنجيليّ أراد الإشارة إلى أنّ يسوع هو رئيس الكهنة الحقيقيّ الوحيد.
لا يمكننا التكلّم في الكنيسة عن سرّ الكهنوت، بِـمَعزلٍ عن كهنوت المسيح، الّذي يشترك فيه جميع المؤمِنين. إنّ الكهنوت ذو طابع وظائفيّ، أي أنّ كلّ مؤمن يُصبِح كاهنًا إن كان يسعى إلى تحقيق كهنوت المسيح فيه، فالملابس الكهنوتيّة والاعتراف الأُسقُفِي بكهنوت المؤمِن لا يَجعلان منه كاهنًا، لذا على كلّ مؤمِن أن يُفعِّل كهنوت المسيح فيه. إنّ المسيح هو الّذي قدَّم نفسه ذبيحةً، فَهوَ قد أصبح في الوقت نفسه الكاهن والذبيحة، وبالتّالي يمكننا التكلّم عن كهنوت المسيح. أمّا كهنوت المؤمِن فَهوَ نتيجة كهنوت المسيح، فالمؤمِن هو كاهنٌ مولود من الإفخارستيّا أي من الكأس، الّتي ترمز إلى الذبيحة الحقيقيّة أي يسوع المسيح. وبالتّالي، فإنّ كهنوتَ المؤمنين هو سرّ الشكر لله، فَلَولا سرّ الشكر، أي سرّ الإفخارستيّا، لَما احتاج المؤمِنون إلى سرّ الكهنوت. إنّ كلّ إنسان قَبِل المعموديّة، قد اشترك بالفعل ذاته، في كهنوت المسيح ذي الطابع الملوكيّ. إذًا، إنّ كلّ مؤمن هو كاهن، إذ يحمل كهنوت المسيح الملوكيّ، وهو ما يُميِّز أتباع يسوع إذ يُعلنونَه ملكًا أوحد عليهم. أمّا الكاهن الّذي يحتفل بالذبيحة الإلهيّة فَهوَ إنسانٌ يتمتَّع بالكهنوت الملوكيّ كسائر المؤمنين، لكنّه كُرِّس من قِبَل الله للخدمة. وبالتّالي، فإنّ ما يُميِّز الكاهن مِنْ سائر المؤمِنين ليس تفوّقه عليهم قداسةً أو ذكاءً، إنّما بِكَونِه قد كرَّس ذاته للخدمة مِن خلال خدمة المذبح الثابت: أي مِن خلال الوعظ والتّعليم بكلمة الله، وتوزيع جسد الربّ ودمه على المؤمنين، أي عبر المناولة من جهة، وتكريس ذاته، طول أيّام حياته، لخدمة المذبح المتحرِّك أي الإنسان من جهة أخرى. إنّ المؤمِن بالمسيح يصبح شريكًا في الدعوة الإلهيّة من خلال سَعيِه إلى تحقيق كهنوت المسيح فيه من خلال إعلانه لكلمة الله، فيُشِعَّ عندئذٍ عمل الله الخلاصيّ من خلاله.
إنّ كلمة الأمانة في اللّغة اليونانيّة pistos تعني الأمين، كما تعني المؤمِن في الوقت نفسه. إذًا، على المؤمِن أن يكون أمينًا في نقلِه لكلمة الله إلى الآخرين، وإلاّ تَحوَّل إلى مُتَدَيِّن. إنّ المؤمِن مؤتمَن على الدّعوة الإلهيّة الّتي أصبح شريكًا فيها. إنّ الدّعوة الإلهيّة تتمتّع بصفاءٍ وشفافيّةٍ لا حدود لهما، غير أنّه مِنَ الصَعب أن تُحافِظَ على شفافيِّتها هذه، بسبب أهواء الإنسان وضُعفِه. إنّ الله يعلم بأهواء البشر وضعوفاتهم، ولكنّه، على الرّغم من ذلك، قرّر أنْ يَضَعْ "مصيره" بين أيديهم، فَسَلَّمَهم كلمته، طالبًا منهم تناقُلَها فيما بينهم. وهنا، أودّ القول إنّه إنْ تَرَكَ المسيحيّون أرضَ المشرق، فإنَّ المسيح لن يبقى فيها وذلك بسبب عدم وجود شريكٍ له في الدّعوة الإلهيّة. إذًا، إنّ الهدف مِن بقاء المسيحيّين في الشرق، هو إبقاء المسيح فيه، إذ ليس وجود المسيحيّين مَن يَستطيع تغيير العالم إنّما وجود المسيح فيه، فَهوَ الوحيد القادر أن يُدخِل النّور إلى هذا العالم الـمُظلِم. إنّ المسيح هو الضمانة الوحيدة كي يتغيّر هذا العالم. لذا، تُلقى على المؤمنين بالمسيح، مسؤوليّة نقل البشارة إلى الآخرين بكلّ أمانة، وذلك لأنّهم شركاء في الدّعوة الإلهيّة، فعليهم المحافظة على نقاوتها وعدم تعريضِها للتّشويه بسبب الضعف البشريّ وأهوائه. إنّ على المؤمنين عدم التحجّج بخطاياهم، للتهرّب مِن هذه المسؤوليّة، فالله يَعلم بحالة الإنسان، وهو مُدرِكٌ أنّه وَضَع في هذه "الآنية الخزفية" أي الإنسان، "كنزًا ثمينًا" هو كلمة الله. إخوتي، إنّ كلّ معمَّد، ما إنْ يخرج من جُرن المعموديّة، حتّى يُصبح أهلاً لإعلان كلمة الله للآخرين، فالمسحة الّـتي ينالها في المعموديّة هي مَسحَةٌ إلهيّة، وهي مسحةُ الرّوح القدس. إنّ هذه المسحة الإلهيّة تخرج من لَدُن الله ولا تعود إليه إلّا وقد أنجزَتْ ما خرجَت للقيام به، فَهي لا تعود إلى الله فارغةً. إذًا، إنّ الإشكاليّة الّـتي نطرحها لا تتعلّق بمصير الله في الشرق بعد رحيل المسيحييّن، إنّما بمصير الإنسان في الشرق حين يتخلّى الإنسان عن الله.
إنّ هذه الرسالة تتكلّم عن أمانةِ المسيح لله الآب الّذي أقامَه مِن بين الأموات. ولا يُقصد بالأمانة ممارسة الطقوس الدينيّة، فهذه الرسالة لا تتكلّم عن الطقوس الدينيّة لأنّها موجّهة إلى العبرانيين، أي إلى الشعب الّذي يُدرِك جيّدًا كيفيّة عيش طقوسِه الدينيّة. إنّ كاتب الرسالة لم يَهدِف إلى إقامة مقارنة بين موسى والمسيح، بل أرادَ الإضاءة على علاقة الله بموسى وعلاقة موسى بالله. إنّ موضوع هذه الرسالة هو الأمانة لله، فَتَطرَّق الكاتب إلى أمانة موسى في كلّ بيته، فقال عنه إنّه "كان أمينًا كخادم، شهادةً للعتيد أن يُتَكلَّم به". في العهد القديم، تكلَّمَ موسى عن المسيح مُشيرًا إلى مجيء نبيّ "مِثْلَه" بَعدَه. إنّ كلمة "مِثَله"، لا تشير إلى وجود شَبَهٍ بين هذا النبيّ العتيد وموسى، إنّما تُشير إلى أنّ هذا النبيّ العتيد أي يسوع، سيأخُذ وظيفة موسى، الّـتي هي قيادة شعب الله إلى الخلاص. إنَّ فَشَلَ موسى في إيصال الشعب إلى الخلاص، لم يجعل الله يتردّد في استبدال موسى بنبيّ آخر هو يشوع، من أجل الوصول إلى هدفه ألا وهو خلاص الشعب. وعندما فَشِل يشوع أيضًا في إيصال الشعب إلى الخلاص، تمّت ترقِيَته، أي انتقاله إلى السّماء. إنّ الإنسان يبقى حيًّا طالما أنّه يحقّق ويخدم مشروع الله الخلاصيّ، وهذه هي الأمانة لله. إنّ الله يقوم بترقيَة كلّ إنسان قد أنهى دَورَه في مشروعه الخلاصيّ، إلى السّماء. إنّ ضعف الإنسان لا يجب أن يُحبِطَهُ، فطالما أنّ الإنسان ما زال على قَيْدِ الحياة، فهذا يعني أنّ الفرصة ما زالت أمامه ليُحاول تحقيق مشيئة الله في حياته، والعمل على تحسين عيوبِه. إخوتي، علينا التحلّي بهذا الرّجاء، بأنّ الحياة هي فرصةٌ لنا كي نتغيّر، فلا نيأسَنَّ من أوضاعنا، ولا نُدينَنَّ ذواتنا، بل نتعامل معها بكلّ رحمةٍ. إنّ الربّ يدين النّاس بالرّحمة، ولكنّ البشر أرادوا التشبّه بالله ولكنّهم فشِلوا إذ أعطوا لأنفسِهم حقَّ إدانة الآخرين وذواتهم، دون أن يتمتّعوا بالرّحمة الّتي يُعامل الله بها البشر. إخوتي، على المؤمِن أن يُعامل ذاته بالرّحمة، وإلّا وَقَعَ أسيرَ اليأس، فكلّ الأوضاع الحياتيّة السيئة الّـتي يُعاني منها المؤمِن تدفعه إلى اليأس من الحياة أو مِن ذاته، غير أنّه لا ييأس لثقته بأنّ الله لن يتركَه، وبأنّه سيُرسِل إليه الرّوح القدس، وهو سيعمل في داخله فيُغيِّره، ويساعده على تحقيق مشيئة الله في حياته. إنّ الشعب اليهوديّ قد يئسَ مِن وَضعِه في الصحراء، لذا لم يتمكّن مِن سماع صوت الله والانقياد له. أمّا الإنسان المؤمِن، فَهوَ مدعوّ إلى اتّخاذ العِبَر من مسيرة هذا الشعب، فلا يُقسِّي قلبه حين يسمع صوت الربّ في داخله، فَيَتمكّن روح الله القدّوس مِن التغيير في حياة الإنسان.
أراد الله أن يُحرِّر الشعب اليهوديّ من عبوديّتهم لفرعون في مِصر، لذا قام بدعوة موسى النبيّ من خلال العلّيقة الـمُلتَهِبة غير الـمُحترِقة، لـمُساعدتِه في هذا المشروع. إنّ العلّيقة الملتهبة غير المحترِقة، ترمز إلى العذراء مريم في العهد الجديد، إذ إنّها حمَلَت ابن الله في أحشائها مِنْ دون أن تحترق. سأل موسى الله عن هويّته ليتمكّن من إخبار الشعب باسم الإله الّذي أرسَله إليهم، فعرَّف الله عن نفسه لموسى قائلاً: "أهْيه أَشِر أَهْيِه". إنّ هذه العبارة العِبريّة تعني في اللّغة العربيّة "أكون الّذي أكون"، أي أنّ الله لم يُعطِ اسمه للشعب لأنّه يريد أن يكتشفه الشعب من خلال أعماله في حياتهم، لأنّه "إله حَدَث". إنّ الله لم يُعطِ اسمه للشعب كي لا يحفظه، فيَربُطَ الشعب الله بمكانٍ محدّد، فيتحوّل الله إلى إله مكانٍ أي إلى إله صنمٍ. إنّ الله رفض أن يكون إله مكان أي مُرتبطًا بمكانٍ محدّد يمكن زيارته من وقتٍ إلى آخر في رحلاتِ حجٍّ تُنَظّم لهذه الغاية. إنّ الله أراد أن يكون إله هذا الشعب في كلّ زمانٍ وكلّ مكان. إنّ المسيحيّين أعادوا الله إلى حالة مِنَ الصنميّة، إذ جعلوا مِنه "إله مكان" لا "إله حَدَث"، وأدخلوا على علاقتهم بالله الطابع الماديّ، فأصبحوا يحاولون استرضاء الله عبر تقديمهم له البخور والشمع وما إلى هنالك من تقادم... إنّ المسيحيّين يَسْعون إلى جعل الله إلهًا صَنَمًا يتقبّل العطايا والمدائح مِنَ الإنسان مِن دون اعتراض، جاعلين مِنه إلهًا لجماعةٍ محدّدة متواجدة في مكان محدّد. إنّ الله هو "إله حَدَث" وليس "إله مكان"، لذا هو يُعرِّف عن نفسه للشعب في الكتاب المقدّس على أنّه هو مخلِّصهم وخالقِهم. في الكتاب المقدّس، يتمّ استخدام عبارة "أنا الّذي" في تعريف الله عن نفسه. إنّ عبارة "الّذي"، تتطلّب ذِكرًا لحَدَث أو لعملٍ معيّن، وبالتّالي يريد الله أن يعرّف عن نفسه للشعب على أنّه إله حَدَث، أي أنّه يُعرِّف عن ذاته من خلال عمله في حياة الإنسان. إنّ الإنسان يحوِّل الله إلى صنمٍ، عندما يتناسى عمل الله في حياته. إنّ صورة الله الحقيقيّة بعيدة كلّ البُعدِ عن الصورة الّتي نرسمها عن الله في مخيّلاتنا وتصوّراتنا له. في القدّاس الإلهيّ، يردّد الكاهن من خلال الصّلوات، على مسامع الشعب كلّ قصّة الله مع شعبه، الموجودة في الكتاب المقدّس، أي أنّه يُذَكِّر الشعب بأنّ الله الّذي يعبُده هو خالق البشر، وأنّ البشر قد تمّردوا عليه، وأنّ الله كلّمهم بالأنبياء، وأنّه أرسَل في ملء الأزمنة ابنه الوحيد ليُخلّص البشر ويفتديَهم على الصّليب مِنَ العُصيان. إنّ كلّ آلهة الأمم في العهد القديم، كانت تُجسِّد أهواء البشر ومخاوفِهم، أمّا الله الحقيقيّ الّذي كان يعبده الشعب اليهوديّ، فهو إلهٌ مختلفٌ عن سائر الآلهة إذ لا يُجسّد أهواء البشر، وبالتّالي فإنّ صورة الله مختلفة كلّ الاختلاف عن تصوّرات البشر لله.
في الصحرّاء، طلب الله من موسى المثول أمام فرعون لِيَطلُب مِنه تحرير الشعب، كي يتمكّن هذا الأخير مِن عبادة الله في المكان الّذي يُحدّده الله له، ثمّ أضاف الله لموسى قائلاً إنّه سيُقسيّ قلب فرعون كي يرفض هذا الأخير طلب موسى. إنّ الله قد قسّى قلب فرعون لكي لا يجعل الشعب مِنْ فرعون شريكًا لله في الخلاص، فالربّ يريد خلاص الشعب مِنْ دون مساعدةِ أحد، فَهوَ الوحيد القادر على منح الخلاص للشعب. إنّ الله يحبّ الإنسان إلى حدّ أنّه لا يقبل أن يكون له شريكٌ في هذا الحبّ، ولذا أراد الله أن يُخلِّص الشعب مِن دون مساعدةٍ من أحد، تعبيرًا عن هذا الحبّ. إنّ الله أنانيّ في حبّه للبشر، وهو يعرض حبّه على البشر، فإنْ قَبَل البشر به، آمنوا به وأدّوا له العبادة، وإلّا أصبحوا رافضين لله ولحبّه الّذي لا مثيل له. إنّ الإنسان لا يستطيع أن يُدرِك حبّ الله له من خلال المشاعر فقط، إنّما أيضًا من خلال العقل والقلب معًا، فالأحاسيس هي أصنام يصنعها الإنسان لِذاتِه. إنّ الأحاسيس الـمُفرَطة، تخلق عند الإنسان صورة خياليّة غير واقعيّة عن الله. عندما شعر الشعب اليهوديّ في الصحراء بالجوع، ألقى اللّوم في ذلك على موسى الّذي أخرجهم مِنْ مِصر، وهدّدوه بالعودة إلى مِصر إن لم يلبِّ لهم احتياجاتهم. في العهد القديم، كانت مِصر ترمز إلى الازدهار والغِنى، لذا كانت ملجأً للشعوب الّتي كانت تُعاني من المجاعات، إذ كانوا يقصدونها من أجل تلبية احتياجاتهم من الطّعام، والكتاب المقدّس يقدّم لنا بعض النماذج عن الّذين قصدوا مِصر، كإبراهيم وموسى ويوسف، وكذلك يسوع. إنّ يسوع لم يقصد مِصر بُغيَة الحصول على طعام، إنّما كي يقول للشعب اليهوديّ، إنّه بخروجِه من مِصر سيتَحقّق الخروج الحقيقيّ للشعب من العبوديّة، وسيتمّ تحريره.
اعترض موسى على اختيار الله له ليعظ النّاس، كونَه كان بطيء اللّسان أي أنّه كان يُعاني من "التأتأة"، غير أنّ الله لم يتراجع عن اختياره لموسى، لكنّه فرز هارون، لمساعدة موسى في المهمّة الّـتي أوكلها إليه، فأصبح هارون نبيًّا لموسى، أي مُتكلِّمًا باسمه. إنّ موسى قد عرض لله معاناة الشعب وامتِعاضِهم مِنْ عدم توفُّر الطعام، فَما كان مِنَ الله إلّا أن أَرسِل إليهم في الصحراء الـمَنّ والسلوى. إنّ الصحراء ترمز إلى الموت، إذ لا مأكل فيها ولا مشرب؛ وفي قلب هذا الموت، أراد الله أن يبعث الحياة إلى شعبه، عبر الـمَنّ والسلوى. إنَّ تجميع الشعب للمأكل في الصّحراء، كان سيُشكِّل حُجّةً لهم، لينكروا أنّ الله وحده هو مَن خلّصهم، وليُعلنوا اشتراكِهِم في خلاصهم الشخصيّ، لذا كان الطّعام المتبقّي لليوم التّالي يَفسُد. إنّ الله أراد أن يُعلِّم الشعب من خلال إفساد الطّعام المتبقّي أنّه الوحيد القادر على الاهتمام بهم في كلّ زمانٍ وكلّ مكانٍ، دون وجود شريكٍ له في ذلك، وبالتّالي كان على الشعب أن يُدرِك من خلال هذا العمل أنّ الله هو مخلِّصُهم الأوحد. إنّ الشعب كان يهدّد موسى بالعودة إلى مِصر، أرض العبوديّة، كلّما اعترضَتْه الصّعوبات، وبالتّالي أراد الشعب مِن الله أن يتعامل معهم كما كان يتعامل معهم فرعون أي كسيِّدٍ له الأمر النّاهي. إنّ كلّ مَن يُطعمك يصبح سيّدًا لك، وبالتّالي فإنَّ عمله هذا سيُشعرك بضرورة الخضوع له، حتّى وإن لم يكن ذلك ضمن نواياه.
إنّ يسوع قد تعرّض للتّجارب نفسها الّتي تعرّض لها الشعب في الصّحراء: فإبليس قد جرّب المسيح أوّلاً مِنْ خلال طلبه مِنه تحويل الحجارة إلى خبز فيُعلن مجده للشعوب كلّها، فتسجد له. إنّ عدم انصياع الله لطلبات إبليس لا يُعبِّر أبدًا عن عدم مقدرة يسوع على إنجاز تلك الأعجوبة، إنّما يُعبِّر عن قراره عدم الخضوع إلّا لله الآب وحده دون سواه. إنّ إبليس عاد مرّة أخرى، ليُجرِّب المسيح يسوع طالبًا مِنه أن يسجد له، كي يُعطيه ممالك هذا العالم. هذه التجربة عاشها الشعب في الصّحراء، حين قرّروا صناعة العِجل المذَهَّب والسّجود له، عندما تأخّر موسى للنزول مِنَ الجبل عند استلامه لَوْحَي الوصايا. إنّ الشعب لم يُرِد مِنْ خلال هذا العِجل الّذي صنعوه بأيديهم، إعطاء صورة لله كي يتمكّنوا من عبادة الله بشكل أفضل، بل أرادوا تحويل الله إلى صنمٍ. إنّ الله رحوم وغفور، يستطيع مغفرة كلّ الخطايا إلّا واحدة، وهي تحويل اللهَ إلى صنمٍ. إنّ مشكلة إسرائيل مع الله تكمن في رفضه للماء الحيّ الّذي يقدِّمه الله لهم، وبَحثِه عن آبار مشقّقة لا ماء فيها، مِنْ دون التمكّن من إيجاد نبع ماءٍ حيّ حقيقيّ آخر. لذا، فإنّ خطيئة هذا الشعب هي خطيئة مُضاعفة، لأنّه لم يترك اللهَ بُغيَة إتّباع إلهٍ آخر قادر على الاهتمام به بطريقة أفضل من الله، إنّما ترك اللهَ من أجل السّعي خلفَ أوهامٍ وآلهة غير قادرة على تقديم شيءٍ له. إنّ الكتاب المقدّس لا يتكلّم عن صراع بين آلهة متعدّدة، فصراع الله لم يكن مع إله فرعون، بل كان صراعه مع فرعون، المخلوق البشريّ كسائر البشر، وذلك لأنّ الشعب قد استبدل الله بفرعون. إنّ إله فرعون غير موجود، لذا لا وجود لصراعٍ بين آلهة، إذ لا إله إلّا الله بِحَسب الكتاب المقدّس. إنّ سفر الخروج، لا يتكلّم عن صراعٍ بين موسى وفرعون، بل عن صراع الله مع فرعون. إنّ الله قد شقّ البحر الأحمر كي لا يغرق الشعب، فهو لا يريد هلاكهم إنّما خلاصهم. إنّ هدف الله مِن شقّ البحر لم يكن من أجل إظهار قوّته الخارقة، إنّما من أجل إدراك الشعب دون أيّ شك، أنّ الله هو مخلِّصهم من العبوديّة، دون أيّ شريك له، إذ لا دور لموسى ولا للشعب في خلاصهم وعبورهم البحر الأحمر. إنّ الشعب لم يتمكّن من عبور البحر مستندًا على قوّته الذاتيّة ومهاراته كالسباحة مثلاً، إنّما مستندًا على الله وقوّته دون سواها، ودون وجود أيّ شريك بشريّ أو إلهيّ له. إذًا، هذه هي الأمانة لله، أنْ يشعر الإنسان أنَّ لا مُعين له، ولا خلاص له دون الله، وهذا ما عاشه يسوع إذ لم يُسْنِد إلى ذاته، الاشتراك في تحقيق خلاص البشر، فَهوَ كان يَنسبُ كلّ حَدَث الخلاص إلى الله وحده دون سواه. إنّ يسوع قال في مَوضِعٍ واحد: "إنّ أبي يعمل وأنا أيضًا أعمل"، وفي حديثه هذا لم يقصد حَدَث الخلاص، بل قَصدَ أنَّ الله هو المسؤول عن خلاص الإنسان، وهو أي يسوع كإنسان يُشارك الله في عملِهِ الخلاصيّ.
على المؤمِن ألّا يُقسّي قلبه، حينَ يسمع صوتَ الله، لئلاّ يُصبح كالشعب اليهوديّ حينَ كان في الصحراء، فَهو قد ضلَّ في قلبه، وأضاع طريقَ الله. وبالتّالي، إنّ كلّ إنسانٍ يعيش في حالةِ ضياعٍ داخليّة، يُصبح غير قادر على معرفة الطريق الصحيح الّذي عليه أن يسلكه. إنّ كلمة "قلب" في اللغة العبريّة تعني: "اللّب"، وهذه الكلمة لا تُشير إلى جزءٍ معيّن في جسم الإنسان بل تشير إلى كيانه كلّه. إنّ الإنسان في هذا العالم يعيش تحدّيًا عظيمًا جدًّا، إذ عليه أن يُحاول باستمرار تمييز صوت الله مِنْ بين أصوات هذا العالم وضجيجه، والانصياع له، فلا يُقسّي قلبه، وبالتّالي لا يُضلّ الطريق. إنّ عدم دخول الإنسان في راحة الربّ لا يُعبِّر أبدًا عن عقاب الله للإنسان كونه لم يكن أهلاً للدّخول في مشروع الله الخلاصيّ، إنّما هو نتيجة ضلال الإنسان لطريق الله، وبالتّالي هو نتيجة قساوة قلبه وعدم سماعه لصوت الربّ. إنّ كلام الفيلسوف الإيطالي "ماكيافيللي" عن أنّ الغاية تُبرِّر الوسيلة لا يَصُّح إلّا في الله، إذ إنّه الوحيد الّذي يحقّ له أن يستخدم كلّ الوسائل في سبيل تحقيق مشروعه ألّا وهو خلاص البشر، وما قصّة يعقوب وعيسو إلاّ خير مثال عن ذلك. في العهد القديم، كانت تُعطى البركة للبِكر على حَسَب ما أمَر به الله الشعب. غير أنّ في قصّة عيسو، نجد أنّ احتيال الإنسان وُظِّف لخدمة مشروع الله الخلاصيّ، فنرى أنّ البركَة قد مُنِحت ليعقوب نتيجة تلاعب الإنسان، فقَبِل الإنسان بذلك، ولم يسمح لألاعيب البشريّة بعرقلة مشروعه، فَما يهمّ الله هو إكمال مشروعه الخلاصيّ للبشر على الرّغم مِنْ كلّ شيء.
إنّ كلمة الله قادرة على أن تحصِر الإنسان ولكنّها غير قادرة على أن تحصِر الله وتَحُدَّه، وبالتّالي لا يحقّ للإنسان أنْ يلوم الله على أعماله الإلهيّة. في أغلب الأحيان، يوجِّه الإنسان اللّوم لله على أمورٍ سّيئة قَدْ حصلت، ولا علاقة لله بها. إنّ الله يحبّ الإنسان، لذلك يتقبّل لومَه في أمور كثيرة لا علاقة له بها، لكنّه ينتظر الإنسانَ بشوقٍ متأمِّلاً عودته إلى حضن الله بعد زوال الصعوبات والـمِحَن الّتي يمّر بها. إنّ الله لا يتصرّف كالبشر، بل هو يتصرّف بطريقة معاكسة تمامًا لهم. إنّ الإنسان يتمتّع بالتقوى المزيّفة إذ يتظاهر أنّه يتناسى خطايا إخوته البشر، فَهُوَ لا يستطيع مسامحة الآخرين على أذيّتهم له، غير أنّ الله يسامح الإنسان وينسى كلّ خطاياه تجاهه ما إن يعود إليه تائبًا. إنّ القلب الشرير لَهوَ علامة على عدم الإيمان. إنّ الله لم يُعطِ الحقّ للإنسان بإدانة أخيه الإنسان على قلبه الشرير، فالله هو الوحيد القادر على إدانة النّاس لأنّه يعلم خفايا القلوب. إنّ الآية الثانية عشرة من هذا الإصحاح من رسالة العبرانيين، لا تُشكِّل دعوة للمؤمن لإدانة الآخرين على قلوبهم، إنّما على العكس، فَهي دعوة للإنسان كي يسهر على قلبه فلا يتحوّل قلبه إلى قلبٍ قاسٍ شريّر، فيبقى قلبه قلبًا حيًّا ينبض بالحياة والخير.
إنّ العظة هي إعلان كلمة الله في زماننا الحاضر، وبالتّالي فإنَّ العظة تتوجّه إلى كلّ مؤمِن يسمعها اليوم، وتدعوه لكي يبقى أمينًا لصوت الله وللدّعوة الإلهيّة التّي اشترك بها وللاستعداد للمثول أمام الله، بكلّ أمانة في اليوم الأخير. إذًا، السؤال الّذي يُطرَح علينا اليوم، هل نحن نقبل الاشتراك في هذه الدّعوة الإلهيّة الموجّهة إلينا، أم لا؟ إنّ الله سيتقبّل حريّتك واختيارك، ولن يُعاقِبَك على ما اخترت. إنّ رحمة الله أكبر من خطايانا السّاكنة في أفكارنا، لذا لا نسمَحنَّ إخوتي أن تغلب الخطيئة على رحمة الله لنا من باب التقوى المزيّفة، أي عندما نتحجّج بعدم استحقاقنا لرحمة الله لنا إذ إنّنا خطأة. إنّ كافّة البشر هم غير مستحّقين لرحمة الله لهم، غير أنّ الإنسان المؤمِن هو مَن يُعلن عن استعداده لقبول رحمة الله في حياته، ويتحمّل مسؤوليّته في ذلك. إنّ كلام بولس عن استحقاق الإنسان لتناوُلِ جسد الربّ ودمه، لا يقصد به، وصول الإنسان إلى حالة من القداسة كي يتقرّب مِنْ جسد الربّ ودمه، إذ في هذه الحالة لن يتقرّب أحد من المناولة، بل إنّ ما قصده بولس في كلامه، هو أنّه على الإنسان أن يُميِّز بين جسَد الربّ وسائر المأكولات، فيتقربّ منه بكلّ خشوع وانسحاق قلب. إنّ الإنسان القادر على التمييز بين جسد الربّ وسواه من المأكولات، هو إنسان مستحقّ لتناول جسد الربّ، وأمّا مَن لا يستطيع التمييز، فالأفضل له ألّا يتقرّب مِن جسد الرّب ودمه. إنَّ مَنْ يستطيع أنْ يُميِّز جسد الربّ، لن يسمح لشعوره بعدم الاستحقاق مِن أنْ يمنعه مِنَ التقرّب مِنْ عطيّة الربّ المجانيّة هذه، حتّى وإنْ كانَ خاطئًا. إنّ الإنسان الّذي يتقبّل عطيّة الله المجانيّة هذه، يسعى ويجهد كي يتحمّل المسؤوليّة الّتـي تُلقيها على عاتقه تلك العطيّة المجانيّة، أمّا مَن يريد التهرّب من المسؤوليّة، فَهوَ يتذرَّع بحجّة عدم استحقاقه لتَناوُلِ جسَد الربّ ودمه. إذًا، على المؤمِن، أن يتقرّب مِنَ المناولة الإلهيّة كالعبد الفقير الّذي ينتظر بشوقٍ عطيّة الله المجانيّة له، ويسعى في المقابل إلى محاولة التخلُّص من خطاياه قدر الـمُستطاع، أي إنّه لا يجب التهربّ مِنَ المناولة الإلهيّة بحجّة حالة الخطيئة الّتي ينغمس فيها الإنسان. عندما يتناول الإنسان جسد الربّ، عليه أن يُدرِك أنّه اتّحد بالمسيح، وبالتّالي أصبحَ مُشاركًا له في ميراث الله. إنّ المسيح البارّ الّذي لم يرتكب إثمًا والّذي مات بسبب الحبّ والإخلاص والوفاء، رَضيَ أن يشارِكَه البشر ميراثه، هُم الّذين لا يتوانون عن الخيانة والغدر، وارتكاب الآثام. لقد مات المسيح على الصّليب، لأنّه رفَضَ خيانة أمانته لله. إنّ كلام المسيح وحياته كلّها، لا يستطيع أن يكون مدعاة خيبة أملٍ بالنسبة لله، فالمسيح ينظر إلى الأمور كما ينظر إليها الله الآب. أمّا الإنسان، فَقَدْ يشعر بخيبة أملٍ نتيجة حصول أخيه الإنسان على أكثر ممَّا حصل هو عليه. إن الاشتراك بميراث المسيح، هو أمرٌ مؤكّد عند المؤمِن الّذي يَضع ثقته بالله. إنّنا نقرأ في سفر الرؤيا عن ملامة الله لأحد ملائكة الكنائس السبع، على نسيانِه لمحبّته الأولى لله. إنَّ جميع الّذين أغضبوا الله في الصحراء، ماتوا في خطاياهم. وكاتب رسالة العبرانيين، أقام مقارنة بين العهد الجديد والعهد القديم، في موضوع أمانة الشعب لله، كما أراد أن يُذَكِّر المؤمِن بأنّ رحمة الله له، وعطاياه هي الّتي تجعله في حالة النّعمة، والاستحقاق لتناول جسدِ الربّ ودمه.
ملاحظة: دُوِّنت المحاضرة من قِبلنا بتصرّف.
تتمة...