البحث في الموقع

لقاءات و نشاطات


انطلاقات وقداديس

"من اكل جسدي وشرب دمي له الحياة الأبدية"
(متى 25 : 40)
26/11/2017 القدّاس الاحتفالي في الذكرى الثامنة لافتتاح مركزنا الحالي - زوق مكايل أحد بشارة العذراء مريم
https://studio.youtube.com/video/TnTDxi6wLOQ/edit

عظة الخوري جوزف سلوم
في القدّاس الإلهيّ السنويّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
في الذكرى الثامنة لافتتاح المركز الروحي
لجماعة "أذكرني في ملكوتك" - زوق مكايل

26/11/2017

أبَويَّ الحَبيبَين الفاضِلَين،
إخوتي بالربّ يسوع،
ها نحن نلتقي اليوم لنحتفل بالذكرى الثَّامنة لتأسيس هذا المركز الروحيّ لجماعة "أذكرني في ملكوتك"، الّذي يعكس حضور الله في مجتمعنا اليوم، وهو إحدى علامات الرّجاء في زمننا الحاضر. إنّ حضورنا، هنا واليوم، هو تأكيدٌ منّا على قبولنا بدعوة الله لنكون علاماتِ رجاءٍ داخل عالمنا الـمُظلم والـمُثقَل بأعباء هذه الحياة.

منذ بداية الخليقة، والله يكلّم شعبه، فأرسل له رسلاً وأنبياءَ أمثالَ ابراهيم وموسى وإرميا وهوشع وحزقيال، وجميع أنبياء العهد القديم، الكبار منهم والصِّغار، وهو لا يزال يكلِّمنا إلى يومِنا هذا، ويدعو بعضًا من الـمؤمِنِين لاتِّباعه والتكرُّس له، لذلك نقرأ في الكتاب المقدَّس: اِسمعي أيّـتها الأُمَم وانصُتي أيّتها الشُّعوب، لأنّ الربّ يتكلّم. ومِن أهمّ الدّعوات في تاريخ الخلاص، دعوة الله للعذراء مريم، الّتي كان لها دورٌ أساسيّ في تحقيق خلاص الله للبشر. إنَّ الربّ يكلِّمنا نحن أيضًا اليوم الحاضرين ههنا، وهو يدعونا إلى القداسة من خلال التزامنا بمشروعه الخلاصيّ لنا، ولذا على كلّ مؤمِن أن يُصغي إلى أعماقه، ليتمكّن من سماع صوت الربّ في داخله.

إنَّ بشارة العذراء مريم، الّتي نحتفل بها اليوم في هذا الأحد المبارك، هي أيضًا بشارةٌ بولادة المسيح فيما بيننا، لأنّه بقبول مريم بشارة الملاك لها، تحقّقت ولادة المسيح في أرضنا. ولكنّ للأسف، لم يتمكّن البشر من رؤية تلك الولادة الإلهيّة في يوم البشارة لأنّهم يلهثون وراء الأضواء الـمُبهِرة، ولذا لم يتمكّنوا من رؤية الربّ يسوع الّذي وُلِد في أحشاء مريم في لحظة قَولها "نَعَم" لمشروع الله في حياتها، لأنّه كان لا يزال مُختبئًا في داخلها. وبالتّالي، كي نتمكّن من رؤية المولود، علينا التركيز على كلّ ما هو مخفيّ وغير ظاهرٍ أمام عيون الجسد. إخوتي، لننطلق اليوم معًا، صوب النّاصرة، حيث كانت بداية عيد الميلاد، فميلاد الربّ لم يبدأ في بيت لحم إنّما في النّاصرة، حيث كانت العذراء مريم تعيش حياة خفيّة، بعيدةً عن ضوضاء هذا العالم، وحيث تلقَّت البشارة. إنَّ الربّ يسوع، على مِثال مريم، لم يسعَ إلى إظهار ذاته وقوَّته للحصول على مجدٍ عالميّ زائل، بل سعى إلى عيش حياةٍ خفيّة بعيدةٍ عن الأضواء. لا نستطيع أن نـتأمّل في دعوة مريم من دون التأمّل في دعوة موسى الّتي تمّت من خلال العلَّيقة المشتعلة. إنَّ العلَّيقة المشتعلة من دون أن تحترق، ترمز إلى العذراء مريم في بتوليّتها وأمومتها، فهي على الرّغم من أنّها ولَدت الربّ، بَقِيَت عذراء.
إنَّ العذراء مريم هي أمّ يسوع، وهي أيضًا أمّ البشريّة جمعاء. في يوم البشارة، كانت كلّ الإمكانيّات مفتوحة أمام العذراء، إذ إنّها تملك ملء الحريّة لقبول البشارة أو رَفضِها. إنّ الحياة تَعرِض على الإنسان سلسلة من الأحداث الّتي تفرِض عليه اتِّخاذ المواقف تجاهها، إمّا برَفضِها أو بالقبول بها. وهنا نطرح السؤال: ما هي الأمور الّتي على المؤمِن القبول بها والرّضوخ لها في الحياة، وما هي الأمور الّتي يتوجّب عليه رَفضُها؟ على الإنسان أن يطلب من الربّ نعمة الحكمة فيُجيد قول "نَعم" للأمور الّتي تستحقّ ذلك، وقول "لا"، للأمور الّتي عليه رَفضُها. يعتقد البعض أنّ عدم رَفضِهم لما يطلبه الآخرون منهم، يُكسِبُهم محبّتهم، فأصبحوا عاجزين عن قول "لا"، على أيّ أمرٍ كان، ولذا هم يقولون "نَعَم"، على الدّوام. إنَّ هذا الاعتقاد خاطئٌ تمامًا لأنّه على المؤمِن أن يبحث عن إرضاء الله لا عن إرضاء الآخرين.

عبّرت مريم عن طاعتها لله بقولها "نَعَم" لمشروعه في حياتها، وقد كانت تلك الـ"نَعَم" أبديّة، فلم تتراجع مريم عن طاعتها لله عندما واجهتها الصّعوبات بل على العكس زادتها عَزمًا على إكمال مسيرة الخلاص الّتي كشفها الله لها. بِقَولها "نَعم" للملاك، قالت مريم "نَعم" للحياة، "نَعَم" للحبّ، "نَعم" للقداسة، "نَعم" لمشروع الله في حياتها على الرّغم من كلّ الصُّعوبات. وبالتّالي، على المؤمِن أن يتشبَّه بالعذراء مريم، فيقول "نَعَم"، لمشروع الله في حياته، لمشروع الحبّ والحياة، ويرفض كلّ مشروع يؤدِّي به إلى هلاك نفسه، نابِذًا الحقد والبُغض وكلّ أعمال الشِّرير. على الأهل أن يرفضوا لَعِبَ دور السَّحرة أمام أولادهم فيحقِّقوا لهم كلّ ما يَتَمنّون. على الأهل أن يكونوا حازمِين مع أولادهم، فيقولوا "نَعَم"، على الأمور الصّالحة لأولادهم، وأن يرفضوا الأمور الّتي لا نفع منها شارحِين أسباب ذلك الرّفض لأولادهم، راسمِين بكلمة "لا" الضوابط الاجتماعيّة والأخلاقيّة في تربية أولادهم. تحرّروا أيّها الأهل من كلّ أرقٍ تُسبِّبه لكم بعض نظريّات علم النّفس الحديث، وقولوا "لا" لأولادكم، دون خوفٍ مِن إصابتهم بِعُقَد نَفسِيّة.
إنّ كلمة "لا" تُذكِّرنا بمعصية آدم وحوّاء لكلمة الله. إنّ هؤلاء الأشخاص قد انغلقوا على ذواتهم ورفضوا سماع كلمة الله، لذا غرقوا في الخطيئة. فلنَتَعلّم مِن تجربتهم، ولنسعَ إلى معاشرة كلمة الله باستمرار، لنُدرِك ما هو مشروع الله الخلاصيّ لنا ونقبل به، قائلِين له:"نَعَم"، على مِثال العذراء مريم. على المؤمِن أن يسعى في حياته أن يتشبَّه بمريم فيطلب من الربّ أن يمنحه طواعيّة مريم وإيمان مريم، وفَرح مريم في تطبيقها لمشيئة الله. إنَّ كلّ مؤمِنٍ يملك ملء الحريّة لقبول مشروع الله في حياته أو رَفضِه.
ليست مريم "باب السّماء" كما يردّد المؤمنون في صلواتهم، بل هي "السّماء" بحدِّ ذاتها. إنّ مريم لم تقف على باب السّماء خارجًا، بل دخلت إليها، وهي موجودة مع ابنها يسوع وجمهور الملائكة والقدِّيسِيين. إنّ السّماء ليست مكانًا محدّدًا نقصِدُه بعد انتقالنا من هذه الفانية، بل السّماء هي مسكن الله، أي حيث نجد الله هناك تكون السّماء. في يوم بشارة مريم في النّاصرة، حضر الملاك إلى بيتها، قائلاً لها:"الربّ معك"، أي أنّ بيت مريم في النّاصرة تحوّل إلى سماء، لأنّ الربّ جاء إليه. وهذا ما تُعبِّر عنه الكنيسة البيزنطيّة حين تقول في مريم إنّ أحشاءها أصبحت أرحب من السّماء.
إنّ المؤمِن يستطيع أن يحوّل أرضه إلى سماء، حين يطيع كلمة الله، ويسعى على الدّوام للسير وِفق تعاليم الربّ ويبقى بمعيّته. في المعموديّة، نال المؤمِن النِّعمة بأن يكون هيكلاً لله، أي أنّه منذ تلك اللّحظة، أصبح حاملاً لكلمة الله، وهو بالتّالي مدّعو للتبشير بها ونقلها للآخرين. إنّ مشروع الله للبشر عظيمٌ جدًّا، ولذا لا يستطيع المؤمِن الالتزام به والثبات فيه دون طلب المعونة من العذراء مريم، الّتي كانت أوّل مَن قَبِل مشروع الله الخلاصيّ والتزم به، حين قال "نَعَم". فلنتَّخذ إخوتي العذراء مريم مِثالاً لنا وشفيعة في طاعتها لله، فنقبَل أن نكون على مِثالها أرضًا خصبة صالحة كي تُزرَع فينا كلمة الله وتنمو في أحشائنا. ولنقلع من نفوسنا كلَّ عُقمٍ، أي كلّ ما يمنعنا من تحقيق مشيئة الله في حياتنا، فنتحوّل من أرضٍ يابسة عقيمة إلى أرض صالحة تنمو فيها كلمة الله. مُخطِئٌ مَن يعتقد أنّ باستطاعه أن يُغيِّر البشر، مستندًا على قوّته الذاتيّة، لأنّه استنادًا إلى الخبرة البشريّة على مرّ العصور، وحدها كلمة الله أَثبَتَت جدارتها في تغيير البشر بطريقة فعّالة ودائمة، وتحويلهم من أشرار إلى أبرار. فَمَن يطيع الله، أي مَن يسمع كلمته ويحفظها ويعمل جاهدًا على تحقيقها في حياته، يُغيِّر روح الله حياته، فيتحوّل قلبه إلى سماء يسكن فيها الله ويستريح.

في الختام، أتوجّه بالمعايدة القلبيّة لكلّ المسؤولين في هذه الجماعة وبخاصّة السيِّدة جانيت الهبر.كما أسأل الله أن يجعل من هذا المركز مكانًا يشعّ بحضور الله، ويساهم في نقل كلمة الله إلى كلّ فاقدٍ للرّجاء كما كانت أحشاء مريم، فتتمكّن تلك الكلمة الإلهيّة من تَغيير قلوب البشر أوّلاً، ثمّ تغيير العالم، فيتحوّل عالمنا إلى سماءٍ جديدة. أرجوكم إخوتي، أن تحملوا كلمة الله الّتي سمعتموها اليوم إلى الجياع والعِطاش لها في محيطكم. كما أسألكم أن تتخلّوا عن السلبيّة في حياتكم، فتُميِّزوا الأمور الّتي يجب القبول بها من الأمور الّتي عليكم رفضها. كونوا إيجابيّين مع الآخرين وانقلوا لهم الفرح والرّجاء، والنَظرة الإيجابيّة إلى الحياة.
علينا نحن، أعضاء جماعة "أذكرني في ملكوتك"، أن نكون مميَّزين عن سائر المؤمِنِين، فننقل الرّجاء إلى الآخرين دافعين إيّاهم إلى ترك اليأس جانبًا، لذا فلتكن وجوهنا مبتسمة على الدّوام، تشعّ نورًا وسلامًا وحبًّا، تعكس حبّنا لكلمة الله. أسأل الله أخيرًا أن يقدِّسنا كما قدَّس البتول مريم، وأن يحوّل أرضنا الفانية إلى سماء جديدة، من خلال عيشنا لكلمته في حياتنا اليوميّة. آمين.
ملاحظة: دوِّنت العظة بتصرّف. تتمة...
22/10/2017 كاتدرائية الملاك رافايل الكلدانية - بعبدا "أيها الصبي لكَ أقول قم!" لو 7: 11-16
عظة صاحب السيادة المطران ميشال قصارجي السامي الوقار
في قداس عيد الملاك رافائيل
وفي انطلاقة جماعة "أذكني في ملكوتك"
كاتدرائية الملاك رافايل الكلدانية - بعبدا

22/10/2017

"أيُّها الصبيَّ لكَ أَقولُ قُم!" لوقا 7: 11- 16

نحتفل هذه السنة بعيد شفيع أبرشيّتنا الكلدانيَّة في لبنان، في أوضاعٍ صعبةٍ يُسيطرُ عليها قُتامُ الموت والأسى، لاضطراب الأحوال الأمنيَّة في عراقنا الحبيب واستمرار نزيف الهجرة وما يُعانيه إخوتُنا في سوريا من محنةٍ لم ينتهِ بعدُ مسلسلُ جلجلتها في ظلِّ بقاء الأحوال المعيشيَّة على ما هي عليه في وطن الأرز إثر تأزُّم الملف المعيشي وعدم توصُّل المسؤولين إلى حلولٍ بشأن تغذية السِّلسلة تُرضي جميع الأطراف.
هذه الأوضاع الصعبةُ من شأنها أن تُغذّي فينا إدراك هشاشة حياتنا ومعرفةَ مصيرنا الحقيقي، ألا وهو الحياةُ مع الله وفي الله؛ لذلك فنحن مدعوون، ونحن رازحون تحت نير البلايا والأحزان، إلى التمسُّك بالّذي عليه وَضَعْنا رجاءنا الوطيد... ذاك الّذي يستطيعُ وحده أن يلمُسَ نعشَ نفوسِنا المائتة في ظُلمةِ خطايانا، أن يلمُسَ لحد أوطانِنا الّتي تتقاذفها رياحُ الحروب، ان يُمسِكَ بضريح همومنا اليوميَّة وشدائدنا ليقولَ لنا: "لكَ أقولُ قُم!" (لوقا 4: 11-16).
أجل فالقيامة بالمسيح مستطاعةٌ في أيّ وقتٍ ممكنٍ ولَئن اعتقدنا في منظورنا البشريّ أنَّ الوقت قد فات وأَمسينا أسرى لنصيبنا وضحايا لمصيرنا.

أيُّها المباركون،
يتمحور عيدُ الملاك رفائيل هذا العام حول الرسالة الّتي بلَّغها هذا الأخير إلى "طوبيت" والِد "طوبيّا" في سِفرِ طوبيّا في العهد القديم حين قالَ له: "حينما لم يتوانَ في القيام وترك المائدة والذهاب لدفن الموتى، حينئذٍ أُرسِلتُ إليكَ..." (طوبيا 12: 13).
إنَّ الله الّذي يستطيع دون سواه أن يقيم الموتى من الرَّمس، أوصانا أيضًا أن يُعزِّي بعضُنا بعضًا وأن ندفن موتانا بوقارٍ ونصلّي لأجل نفوسهم نسعى لعَيش الاتِّحاد معهم في الملكوت حيثُ لا وجعٌ وحزنٌ ولا تنهُّد، بل حياةٌ لا تَفنى.
إنّنا نستخلصُ من القراءة الأولى الّتي سمعناها من سِفرِ طوبيا، التقدير الر فيع الّذي يخصُّ به الله الّذين يهتمّون بدفن الراقدين وإكرام ذكراهم والصلاة لأجلهم.
أمّا في الإنجيل الّذي تُلي على مسامعنا من بشارة القدِّيس لوقا الرسول، فإنَّ الضوء مُسلَّط على كَون الموت في المسيحيّة معراجًا إلى الملكوت المغبوط الّذي فيه يلتئم شُتاتُ أبناء الله جميعًا في منزل أبيهم ليأكلوا ويشربوا معه إلى مائدة مجده السماويّ؛ إذ إنَّ الآب قد أولى الابنَ الوحيد سُلطان حلّ عُقالات المنون وإنهاض الثاوين في ثراى اليأس والقنوط ووِهاد المعصي والزّلات.

أيُّها الإخوة والأخوات الأحباء،
يسرُّنا أن نطلق هذه السنة، في أبرشيَّة بيروت الكلدانيَّة، جماعة "أذكرني في ملكوتك" الّتي أرادتها السيِّدة "جانيت الهبر" مع معاونيها في التأسيس، حركةً صلاتيَّة مسكونيّة تضُمُّنا روحيًّا إلى نفوس السابق نياحهم من أبائنا وإخوتنا وأقاربنا وأصدقائنا الّذين أتمّوا شَوط العمر بإيمانٍ وتقوى وقد سبقونا إلى رياضِ النَّعيم ليشفعوا بنا أمام عرش الدّيان الرهيب ويَنهلوا من عِطر تقادمنا وصلواتِنا وشذى بخورنا فيضًا سخيًّا من الرَّحمة والرضوان وصَفحًا عن الأوزار وحلّاً من الرزايا والقبائح الّتي اجترموها عمدًا أو سهوًا، بالقَول أو بالفعل، حينما كانوا على أديم وادي الدموع سائرين في أرض الفناء الّتي نحن عليها مُقيمون. تتمة...
7/10/2017 رعيّة مار أنطونيوس الكبير المارونيّة - ملبورن مَن هو العبد الأمين الحكيم؟
https://youtu.be/VyWeDWasB28

عظة المونسنيور إيمانويل صقر
في انطلاقة جماعة "أذكرني في ملكوتك"
بالقدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
رعيّة القدِّيس أنطونيوس الكبير المارونية
داندينونغ، ملبورن - أستراليا

7/10/2017

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.

"مَن هو العبد الأمين الحكيم؟" (مّتى 45:24)

إخوتي، اليوم، هو الأحد الرابع من زمن الصّليب المقدّس، الزّمن الأخير من السّنة اللّيتورجيّة الطقسيّة. يبدأ هذا الزَّمن في الرابع عشر من شهر أيلول، وينتهي مع نهاية شهر تشرين الأوّل، فنستعدَّ في بداية شهر تشرين الثّاني لافتتاح سنة ليتورجيّة جديدة. ويأتي زمن الصّليب المقدَّس في نهاية السَّنة الطقسيّة أي بعد أن تكون الكنيسة قد احتفلت بقيامة الربّ يسوع من بين الأموات وصعوده إلى السّماء، وبعد أن تكون قد احتفلت بزمن العنصرة، زمن حلول الرّوح القدس. في هذا الزّمن سبعة آحاد، ونسمع في كلّ أحدٍ منها إنجيلاً يدفعنا إلى السّهر واليقظة والاستعداد لملاقاة الربّ في مجيئه الثّاني. فكلّ الأناجيل الّتي تُتلى في هذا الزّمن تدفعنا إلى الاستعداد للموت، أي لعبورنا من هذه الفانية واتِّحادنا مع الله في الملكوت.

وفي هذا الأحد الرابع من زمن الصّليب المقدّس، يطرح الربّ يسوع علينا السؤال: "مَن هو العبد الأمين الحكيم؟"، وفي سؤاله هذا، دعوةٌ لنا لعيش الأمانة والحكمة كما أنّه يُشكِّل دعوةً لنكون "هذا العبد الأمين الحكيم"، وقد أعطانا الربّ يسوع هذا المثل ليشرح لنا من خلاله صفات العبد الأمين الحكيم الّذي يبحث عنه. في هذا النّص الإنجيليّ، أعطانا يسوع صورةً عن عبدَين: الأوّل يرفض العمل، أمّا العبد الثّاني فهو عبدٌ نشيط، يُعطي الطّعام في حينه لرفاقه، وينتظر عودة سيِّده لينال منه المكافأة على عمله الصّالح هذا. إنّ الربّ يسوع أعطانا هذه الصّورة عن العبد الأمين طالبًا مِنّا الاستعداد للقائه في اليوم الأخير، وأن نكون أمناء على العطايا الّتي وَهبنا إيّاها الربّ. وهنا يُطرَح علينا السؤال: هل نحن حقًا نملك المقدرة على أن نكون أمناء على تلك العطايا، فنتصرّف بها بحكمة؟ ولكنّ السؤال هو: ما هو الكنز الثمين الّذي ائتمننا عليه الربّ يسوع؟
لكي نتمكّن من عيش الأمانة، علينا أن نُدرِك أوّلاً مفهوم الأمانة: إنّ الأمانة تدلّ على وجود صاحب خيراتٍ قد أَودَعَها الآخرون. إنّ الربّ هو صاحب الخيرات الفيّاضة، وها هو يدعونا إلى مشاركته فيها. حين يستودعنا أحدٌ ممتلكاته، فإنّه يتوّقع منّا عيش الأمانة والمحافظة على ما أودِعناه، لأنّه سيأتي يومٌ يستردّ أمانَته منّا. إنّ الأمانة الأكبر الّتي منحنا إيّاها الربّ يسوع هي ذواتنا أي حياتنا، فحياتنا هي هبةٌ منه. ولكنّ السؤال الّذي يُطرَح: "مَن هو العبد الأمين الحكيم الّذي سيتمكّن من المحافظة على نعمة الحياة، تلك الهبة الّتي زرعها الله في داخله؟ عسى أن نكون ذلك العبد الأمين الحكيم الّذي سيقف أمام الربّ في اليوم الأخير قائلاً له: هاكَ يا سيّدُ، حياتي، هذه الأمانة الّتي سلّمتني إيّاها، فإليك أردّها بعد أن سَعَيْتُ بكلّ طاقاتي للمحافظة عليها في هذه الحياة. إذًا، إنَّ أعظم أمانة منحنا إيّاها الله هي عطيّة الحياة، ليعبِّر لنا من خلالها عن رغبته في أن نكون شُركاء له في الحياة، ولذا على كل مؤمِن المحافظة على حياته.

إنّ الربّ يمنحنا الحياة في كنف عائلة، لأنّه يُدرِك حاجتنا للرعاية، ولذا هو يمنحنا آباء وأمّهات، يُمثِّلون حضوره معنا، هو مَصدَر كلّ العطايا، فيسكب الوالد والوالدة في قلوبنا حبّهما، لنتمكّن أن ننمو في الحياة، ونصبح شركاء بِدَورنا في نعمة الحياة. إنّ الآباء والأمّهات هم أهمّ الأشخاص الّذين يمنحنا إيّاهم الربّ: إذ عاشوا حياة "العبد الأمين الحكيم"، حين التقوا وتزوّجوا، وحين رزَقهم الله البنين في سنِّي زواجهم الأولى. حين يحصل الأهل على عطيّة الله لهم، عطيّة الحياة، فإنّهم يُدرِكون حينها سرّ الله الـمُتجلّي لهم في بيوتهم، سرّ الحياة، لذا ينكبّون على الاهتمام بها ورعايتها. إذًا، الأمانة الأولى الّتي يُسلِّمها الله للأهل هي مسؤوليّة الاهتمام بأطفالهم. إذًا، السؤال الّذي يُطرَح علينا: "مَن هو العبد الأمين الحكيم الّذي سينجح في المحافظة على أمانة الحياة الّتي أُعطيت له في أبنائه دُون تعريض الأطفال إلى المخاطر والمشاكل؟". إنّ نموّ تلك الحياة في داخل البيت، نموّ الأطفال، يؤدّي إلى نمّو شراكة الحبّ بين الأهل لتشمل الأبناء: فينمو الأبناء من خلال الحبّ الّذي يجدونه فاعلاً بين الأهل، إذ يسعى كلّ واحدٍ منهم إلى بذل حياته في سبيل الآخر. أحبّائي، فلنُصلِّ اليوم بشكل خاصّ من أجل كلّ الأمّهات والآباء الّذين ائتمَنهم الله على أمانةٍ عظيمةٍ جدًّا، هي الأبناء، تلك الحياة التّي تنمو بالتربية وتنضج في الحياة، فيُدرِك الأبناء بدورهم أهميّة عطيّة الحياة الّتي نالوها من الربّ فيشتركوا مع الآخرين في تلك النِّعمة. ومن هنا يظهر دور الإِخوة في الاهتمام ببعضهم البعض، وفي الاشتراك في تلك النِّعمة ونموِّها بالمحبّة. تتمة...
22/9/2017 كنيسة سيّدة المعونات - بولونيا يا ربّ ترأف وارحم الموتى المؤمنين بك
https://www.youtube.com/watch?v=F-jpz1rhC2o&t=1s

عظة الأب ميخائيل عوض
في انطلاقة جماعة "أذكرني في ملكوتك"
بالقدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
في كنيسة سيّدة المعونات - بولونيا

22/9/2017

المجد لله،
باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.
انطلاقة مباركة،
إخوتي الأحبّة،
في حياتنا المسيحيّة، تنقسم الكنيسة إلى ثلاثة أقسام: القسم الأوّل هو الكنيسة المجاهدة، الّتي تضمّ كلّ المؤمنين الأحياء في هذه الأرض. وهنا نودّ الترحيب بجماعة "اذكرني في ملكوتك"، تلك الكنيسة المجاهدة على هذه الأرض، طالبين من الله أن يباركها. تأسَّست هذه الجماعة نتيجة إلهام الرّوح القدس إلى مسؤوليها، فنَظَّمَت نفسها، وسارت في مسيرة روحيّة غايتها الأولى الصّلاة من أجل أمواتنا الراقدين على رجاء القيامة.

لا تقتصر الصّلاة من أجل أمواتنا على صلاة المسبحة إنّما تشمل أيضًا تقديم الذبيحة الإلهيّة من أجل راحة أنفسهم والقيام بأعمال رحمة على نيّتهم. إنّ كلّ هذه الأعمال الّتي نقوم بها من أجل موتانا صالحةٌ، ولكنّها تتطلّب الثبات في هذه المسيرة لأجل راحة نفوسهم. إنّ القدِّيسة تريزيا كانت تقدِّم ليسوع حبًّا به كلّ الأعمال الّتي تقوم بها في نهارها مهما كانت صغيرة على نوايا متعدِّدة منها خلاص الـمُرسَلين، وخلاص الفقراء والمساكين. هذا ما علينا فِعلُه نحن أيضًا إذ على المؤمِن أن يقدِّم كلّ الأعمال الّتي يقوم بها في نهاره حبًّا بيسوع، من أجل راحة نفوس أمواته، وهذا ما نقصده بكلمة "مسيرة"، الاستمرار في القيام بأمور من أجل راحة نفوس الموتى المؤمنين. إنّنا نشكر الله عليكم، جماعة "أذكرني في ملكوتك"، الآتية من القرى المجاورة لقريتنا، كما نشكره على ثباتكم في مسيرة الصّلاة من أجل الموتى المؤمنين، فأنتم رُكنٌ أساسيّ ومثالٌ للآخرين في ثباتكم في مسيرتكم. إنّ السؤال الّذي نطرحه على ذواتنا: هل سنجد بعد انتقالنا من هذه الدُّنيا مَن سيُصلّي لنا؟ إنّ الجواب بسيط، وهو: إنّ الأمر متعلِّقٌ بتربيتنا لأبنائنا ولأحفادنا على الصّلاة من أجل الموتى، فإنّه إن اكتسب أبناؤنا تلك العادة، فإنّهم حتمًا سيتناقلونها عبر الأجيال وسنجد حين انتقالنا من هذه الفانية مَن يُصلّي لنا. أمّا إذا لم نُربِّ أولادنا على الصّلاة للموتى، فحتمًا لن نجد من سيُصلّي لنا بعد موتنا الجسديّ في هذه الأرض. تتمة...
23/4/2017 القدّاس الاحتفالي السنوي في عيد القيامة المجيدة كنيسة مار تقلا - المروج
https://youtu.be/PTH-DrvIYYY

القدّاس الاحتفالي لجماعة "اُذكرني في ملكوتك"
بمناسبة عيد القيامة المجيدة
كنيسة مار تقلا - المروج

23/4/2017

1. كلمة ترحيب للأب الجليل موريس معوض - خادم الرعية
2. عظة الأب الجليل شربل فياض

أذكرني يا ربّ متى جئتَ في ملكوتك.

بادراكٍ دقيق لمقام المعلِّم الإلهيّ الربّ يسوع على عكس لِصّ الشمال، وبشعور صادق بالنَّدم، انتهز لِصّ اليمين الفرصة وأعدَّ العدَّة للمستقبل. لقد ذاب شوقًا إلى العالم الآخر وهو على بُعد لحظاتٍ منه.
إنّها وَمضَة من الإيمان والرّجاء، اختصر فيها درب الملكوت الطويل. وتحقّقت آماله بجواب مختصر قدَّم المعلِّم للّص التائب عهدًا مؤكدًا: "الحقّ أقول لك." كأنّي بالمعلِّم ينفُض عن قلب ذاك مصلوب اليمين غبار الشِّك رغم عجزه عن مدّ يد المساعدة لنفسه.
إنّه وعدٌ عاجل: "اليوم تكون معي في الفردوس. إنّه انتقال مِن آلام الصليب إلى أمجاد الفردوس. أوَلَيست حياتُنا كُلُنا تسعى إلى هذا المرتجى؟
أوَلَيسَ هاجسُ كلٍّ منّا؟ أَلَيسَ قولُ صاحب المزامير عن: إنَّ ألف سنةٍ في عينيّ الربّ كيومِ أمسِ العابر تشرح حالَ لِصّ اليمين، وحتّى حالنا نحن؟ فالفردوس الجديد هو الملكوت الجديد، هو المعلِّم نفسه أمس واليوم وإلى الأبد.
فأهلاً بكم آبائي، ويا أبناء وإخوة وأخوات الملكوت، فذكركم تسطّرونه اليوم خطوات على دروب الجلجلة ليُكتَب لكم بعد عُمرٍ طويل في سِجِّل الفردوس السّماويّ وإلى الأبد.
- نعمة الثالوث: الآب والابن والرّوح القدس تُرافق خطواتكم نحو الملكوت.
- شفاعة والدة الله تُثبِّتها.
- طلبات شفيعة الرعيّة الشهيدة تقلا تشهدُ عليها.
- وجماعة "أذكرني" في رعيّتنا وكافة أبنائها يُرَّحبون بكم، ويدعون لكم ومعكم إلى المعلِّم بجنى أثمار الفردوس.

لمجد الله الأعظم
خادمكم الأب موريس معوَّض


2. المجد لله

منذ عشرة أيّام، سمِعْنا صراخ المصلوب، وَصَرخنا معه: "إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟"، وها نحن اليوم، نَسمَعُ هتافَ الرّسول توما، ونهتف معه: "ربّي وإلهي". إنّه لَمِن الطبيعيّ والإنسانيّ، أن نشعر أمام كلّ صعوبة، أو مشكلة أو مصيبة أو خيبة أملٍ كُبرى، أو حُزنٍ أليم، بحالة التخلّي والفشل، ولكنّنا نعلم أنّ الربّ نفسه قد عاش هذا الاختبار أو حقيقة هذه الحالة شخصيًّا. عاش يسوع المسيح، ابن الله وابن الإنسان، حين كان مُعَلَّقًا على الصّليب، هذا الفشل واختبر الحزن، والشعور بالوحدة والظلم، لقد شعر بِحِقدِ الآخرين، كما اختبر أحاسيس أخرى ناتجة عن تشويه الحقيقة أو إخفائها. ولكن على الصّليب نفسه، وبشخص المصلوب، قدَّم ابن الله نفسه ذبيحةً عن الإنسان، وعن كلّ إنسان، فعبَّر عن محبّة الله اللامتناهية للبشر بتسليمٍ مُطلَق لمشيئة الآب السماويّ. على الصّليب نفسه، وبشخص المصلوب، عبّر يسوع الإنسان عن تَجاوُبِ الإنسان مع محبّة الله، فحَمَل ضُعفَنا وخطايانا، جَهلَنا وحِقدَنا، خيانتنا ويأسَنا، فافتدى إخوته البشر جميعًا: القريبين والبعيدين، المؤمنين وغير المؤمنين، المخلَّصين والخائبين، وحتّى الصّالبين والمتآمرين. على الصّليب، تمّ الفداء والخلاص الـمُنتظر. إنّ المسيح المصلوب هو منذ هذه اللّحظة، المسيح القائم من الموت، وبالتّالي فقد أصبحنا جميعُنا أبناءَ النّور والحياة، فَبِنُور حدث الصّليب، ننتقل مِن حالة الفشل والاستِعباد والموت إلى حالة النّجاح والحريّة والحياة.

إخوتي الأحبّاء، لهذا السبب، صرخ الرّسول توما صرخة مُدويّة حين ظهر يسوع القائم من بين الأموات، مجاهرًا بفِعلِ إيمان: "ربّي وإلهي". رأى الضياء، النّور القائم، الـمُنتصر، مُشِّعًا ومُزيلا ظلمة شكّه، فانحنى أمام هذه الحقيقة الّتي فَهِمَها. تتمة...
4/2/2017 رعية القدّيس ديمتريوس للروم الملكيين - حلب هدف هذه الجماعة حَثُّ المؤمنين على ذِكر أمواتهم
عظة الأب يورغي الأبيض
في انطلاقة جماعة "اُذكرني في ملكوتك"
بالقدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
كنيسة القدِّيس ديمتريوس للرّوم الملكيّين
السُلَيمانية - حلب

4/2/2017

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.

إنّ جماعة "أذكرني في ملكوتك" تحتفل معنا في هذه الذبيحة الإلهيّة، لنُصلّيَ معًا من أجل الموتى المؤمنين. إنّ هذه الجماعة حديثةُ المنشأ في سوريا، إذ انطلقت أوّلاً مع الأباتي سمعان أبو عبدو في الكنيسة المارونيّة، وها هي اليوم تنطلق في الكنيسة البِيزنطية الروميّة الكاثوليكيّة. وهدف هذه الجماعة حَثُّ المؤمنين على ذِكر أمواتهم والصّلاة لأجل راحة نفوسهم من خلال الذبيحة الإلهيّة. إنّ سجِلّ "أذكرني في ملكوتك"، الّذي سيُقدَّم مع تقدمة القرابين، ستُدوَّن فيه أسماء جميع أمواتِنا، نحن المشاركين في هذه الذبيحة، وسنذكرهم في كلّ شهرٍ حين نحتفل بالذبيحة الإلهيّة مع هذه الجماعة، كما أنّه سيتمّ إضافة أسماء موتى كلّ إنسان سيُشارِك في هذه الذبيحة، وسنذكرهم باستمرار. للأسف، كثيرة هي الأرواح المنسيّة، الأنفس المطهريّة الّتي لا يتمّ الصّلاة لأجلها. إخوتي، سنقوم بذِكر كلّ هؤلاء في الذبيحة الإلهيّة الشهريّة مع جماعة "أذكرني في ملكوتك"، في السبت الأوّل من كلّ شهر، كما سنذكر اليوم في ذبيحتنا كلّ شهدائنا الّذين فقدناهم في الأزمة الأخيرة الّـتي عانت منها مدينتنا وشعبها، ونسأل الله أن لا تزداد لائحة شهدائِنا في هذه المدينة، كما نودّ أن نشكر الله على نعمة تَحَسُّن الأوضاع الأمْنِيَّة في حلب، ونسأله المزيد مِن الأمان والسلام فيها. إخوتي، سنستمرّ في هذه المسيرة الإيمانيّة الّـتي بدأناها مع جماعة "أذكرني في ملكوتك"، وسنذكر موتانا باستمرار، ونصلّي لهم ونقدِّم الذبائح الإلهيّة من أجل راحة نفوسهم. كما نتأمّل أن يزداد عدد المشاركين في هذه الذبيحة لا من أجل أن تمتلئ الكنيسة إنّما من أجل أن نتمكّن من أن ندوِّن أسماء جميع موتى هذه المدينة، فنرفع الصلوات من أجلهم جميعًا.

إنّ هذه الجماعة ليست جماعة محليّة إقليميّة، بل عالميّة، وبالتالي فإنّ صلاتَنا هذه ستَنتَقِل إلى الخارج. إنّ صلاتنا لن تقتصر على المشاركة في الذبيحة الإلهيّة فقط، إنّما سيكون هناك نشاطاتٌ نتشارك فيها وسنلتقي بعد كلّ ذبيحة إلهيّة نحتفل بها، من أجل التباحث في كيفيّة تطوير جماعتنا هذه. آمين.

ملاحظة: دوِّنت العظة مِن قِبَلِنا بتصرّف. تتمة...
29/1/2017 رعية سيّدة البشارة - ايبادان، نيجيريا المسيح قام، حقًا قام
نتقدّمُ بكاملِ المحبةِ والشكرِ إلى الإكسرخوس سيمون فضول السامي الاحترام على احتضانِه لرسالتِنا الروحيّة في القارة الإفريقية، وإلى الأب الجليل طانيوس اليان على دعمِه لها، وإلى كلّ مَن عَمِلَ بإيمانٍ وأَمانةٍ على نشرِها في هذه الرعيةِ المباركة.
كما نسأل اللّه الآب أن تُثمِرَ خدمة رسالتُنا تعزيةً ورجاءً وسلامًا في نفوس المؤمنينِ، راجين أن يُفيضَ على أمواتِنا الرحمةَ العظمى. المسيحُ قام!
27/1/2017 رعية سيّدة الخلاص للروم الملكيين الكاثوليك - عين الرمانة نصلّي إلى الله، بشفاعة الربّ يسوع، طالبين منه مساعدتنا على تنقية نفوسنا
https://youtu.be/3nbQUYApdpI

عظة الخوري نيقولا نهرا
انطلاقة جماعة "اُذكرني في ملكوتك"
بالقدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
كنيسة سيّدة الخلاص - عين الرمانة

27/1/2017

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.

إنّ كثيرين من المؤمنين يجهلون حقيقة وجود المطهر. والكتاب المقدّس يتكلّم عن المطهر، وكذلك تفعل تعاليم الكنيسة، لكنّنا لن نتطرّق إلى هذا الأمر الآن، لِضيق الوقت.
إخوتي، إنّ العقل يؤكِّد وجود المطهر إذ يكفي أن يُفكِّر المؤمن في مصيره، في حالة موته بطريقة مفاجئة. فإنْ رأى الإنسان أنّ مصيره هو الجحيم، فإنّ ذلك سيدفعنا إلى التساؤل حول رحمة الله وعدله، إذ كيف يمكن لله أن يُعاقب الإنسان بالموت الأبديّ على ارتكاب هذا الأخير لخطايا بسيطة غير مميتة؟ أمّا إن رأى أن مصيره هو السّماء، فإن ذلك هو غير منطقيّ، إذ لا يمكن لأحد أن يدخل السّماء إن لم يكن كاملاً في النّقاوة. وبالتّالي وبحسب المنطق البشريّ، هناك ضرورة لوجود مكان ثالثٍ يشكِّل حلّاً وَسَطيًّا ما بين السّماء والموت الأبديّ، وفيه يُكفِّر الإنسان عن ذنوبه، كي يصل إلى النّقاوة الكاملة. إنّ كلّ خطيئة يرتكبها المؤمِن لا يمكن أن تُغفَر له، إن لم يَتُب عنها الإنسان ويُكفِّر عنها، تمامًا كما هي حال الإنسان حين يتعرّض للإساءة مِن قِبَل الآخرين، فهو لا يستطيع مسامحة الآخر الـمُذنِب إلّا حين يَعتَذر ويُعوِّض عن الضرر الذي سببّه، كتعبيرٍ عن مصداقيّة ندامته، وعن محبّته تجاه مَن تعرّض للإساءة.

إنّ المطهر هو المكان الّذي يُكفِّر فيه الإنسان، بعد الموت، عن الخطايا الّتي ارتكبها على الأرض، ولم يتمكّن من التعويض عنها. والتعويض عن الخطايا، ليس بالأمر الصّعب، إذ يكفي أن يُقدِّم الإنسان أفراحه وأحزانه، أتعابه وصلواته، وأعمال الرّحمة الّتي يقوم بها تجاه الآخر للربّ، إضافة إلى تقديم القداديس من أجل هذه الغاية. إنّ الإنسان يستطيع أن يُقدِّم كلّ أمرٍ للربّ، وبذلك يُخفِّف مِن عملية تطهيره بعد الموت. إنّ القدِّيسين قد أنهوا مطهرهم على هذه الأرض، إذ لم يُقدِّموا للربّ عذاباتهم فقط، إنّما أيضًا حياتهم اليوميّة بكلّ صعوباتها، فإنّ كلّ عملِ حبٍّ يقوم به الإنسان يستطيع أن يقدِّمه للربّ، وبالتّالي مع كلّ تقدمة يُقلِّل من مدّة مطهره. إخوتي، لنسعَ ولنجتهد كي نُنهي مطهرنا على هذه الأرض، فنتمكّن من دخول السّماء ونعاين وجه القدّوس. إنّ المطهر هو رحمة كبيرة من الله، إذ لا يمكن للإنسان أن يُعاين وجه القدّوس، وجه الطهارة الكاملة، إن لم يكن طاهرًا ومنقّى من كلّ خطيئة. إخوتي، إنّ الموتى أنفسهم يرفضون الوقوف في حضرة الله إن كانوا في حالة غير لائقة لمعاينة النّور الإلهيّ.

ليس الوقوف في حضرة الله بالأمر السّهل أبدًا، بل إنّه في غاية الصّعوبة: إنّ كلّ خطيئة تمنع الإنسان من مقابلة الله الفائق الجمال، لأنّ البشاعة والجمال لا يلتقيان أبدًا. إنّ الله هو قدّوس، أي كاملٌ في القداسة، ولذا لا تستطيع الأنفس المنتقلة مِن هذا العالم لقاء الربّ، إن لم تكن مُنَوَّرة، ممجَّدة ومطهَّرة. إنّ الأنفس هي أنفس صديقة لله، لا معادية له أو متمرّدة عليه، لأنّه إن كانت معادِيَةً لله، فإنّ مصيرها بالتأكيد هو الموت الأبديّ، إذ إنّها هي مَن ترفض لقاء الربّ. ولكنّ الأنفس المطهريّة هي أنفس صديقة لله، غير أنّ ضعفها البشريّ مَنَعَها مِن أنْ تكون في غاية النّقاوة، ولذا لم تتمكّن بَعد مِن لقاءِ الربّ وجهًا لوجه، وها هم في المطهر يُكفِّرون عمّا ارتكبوه مِن خطايا. إنّ الأنفس المطهريّة هي أنفس قدِّيسة، لأنّ روح الله لا يُفارقها، فَمُفارقة روح الله للنّفس تدلّ على أنّها أصبحت معادية لله، ومصيرها حتمًا هو الموت الأبديّ، وبالتالي لا فائدة من صلاتنا لها.

إنّ النّفوس المطهريّة ستنتقل جميعها إلى السّماء في يوم الدينونة، غير أنّ المؤمنين على هذه الأرض، يستطيعون مساعدة تلك الأنفس في الإسراع في عمليّة التّطهير من خلال تقديم الصلوات والقداديس وأعمال الرحمة والمحبة لأجلهم. في اليوم الأخير، أي في يوم الدينونة، لن يعود هناك مِن وجود للمطهر إذ ستكون كلّ الأنفس قد لاقت مصيرها وهي إمّا في السّماء وإمّا في جهنّم. إنّ يسوع يُحِبّ تلك الأنفس المطهريّة ويريد مَنْحَها الخلاص سريعًا لأنّه يعرف مدى عمق ألمها في المطهر. إنّ صلواتنا للأنفس المطهريّة مهمّة جدًّا، كما أنّ الإماتات وأعمال الرحمة مفيدة جدًّا لهم، ولكن تقديم القداديس من أجلهم، هي الوسيلة الأنجح لخلاصهم سريعًا من المطهر إذ إنّ دم يسوع قد سُفِك على الصّليب من أجلهم، وها هو يُسفَك اليوم أيضًا لخلاصهم. إنّ قدِّيسين كُثُرًا مثل الأب بيو، والقدِّيسة ماريّا فوستينا، قد ساهموا في خلاص نفوس كثيرة من المطهر من خلال صلواتهم، وتقديم القداديس من أجلهم. وإنّ العذراء مريم في ظهوراتها في فاطيما، شدّدت على أهميّة الصّلاة من أجل النّفوس المطهريّة. إنّ الله يستجيب لطلباتنا بطريقة أسرع حين نصلّي للأنفس المطهريّة ونقدِّم القداديس من أجلهم، وفي تصرّف الله هذا تعبيرٌ عن حبّه لتلك الأنفس، كما أنّه يعكس تشجيعه لنا للمثابرة على الصّلاة من أجلها. إنّ الأنفس المطهريّة هي نفوس غير قادرة على ارتكاب المزيد من الخطايا، إذ أصبحت إرادتها مرتبطة بالكامل بإرادة الله، وقد أصبح لديها قبول تام لإرادة الله، لذا ما عادت تتذمّر من آلام المطهر، بل على العكس مِن ذلك فهي تتقبّلها بسلام وفرح، إلى أن تنتهي تلك الآلام بوصولها إلى التنقية الكاملة ودخولها إلى السّماء. إنّ الأنفس المطهريّة تتوق إلى الاتحاد الكامل بالله، وهذا التوق يزداد أكثر فأكثر، كلّما ازدادت تلك الأنفس تنقيةً، أي كلّما اقتربت أكثر من الله، وازدادت حبًّا له. إنّ المطهر هو نعمةٌ كبيرةٌ منَحَها الله للبشر، لأنّها تُنَقِّيهم بعد الموت، وبالتّالي تسمح لهم بالدّخول إلى السّماء. إنّ الأنفس المطهريّة، في ظهوراتها للبشر، تُخبرنا عن صلاح الله وعظمة رحمته إذ ساعدها على تنقية ذواتها لكي تتمكّن من معاينة مجده، فتتحِّد به اتحادا كاملًا.
إنّ الأنفس المطهريّة هي في اتّحاد مع إخوتها القدِّيسين، ومع إخوتها البشر الّذين لا يزالون في هذه الفانية، وإنّ جميع هذه الأنفس تتساعد من أجل الحصول على الخلاص. إنّ جميع البشر يشكِّلون جسد المسيح السريّ، ومريم هي صلة الوصل بين كلّ أعضاء هذا الجسد الواحد الّذي رأسه هو المسيح يسوع. إنّ الأنفس المطهريّة الّتي تنهي مطهرها، تذهب إلى السّماء، وتتفرّغ للصّلاة من أجل خلاص كلّ تلك النفوس الّتي ساهمت في خلاصها من المطهر. إنّ القدِّيسين الّذين كانوا يُصلّون من أجل النّفوس المطهريّة وقد خلّصوا البعض منها بصلواتهم، قد شعروا بحضورها معهم في ساعات نزاعهم الأخير قبل الانتقال مِن هذه الفانية إلى الحياة الأبديّة. إذًا، يقوم دور المؤمن على مساعدة إخوته الّذين هم في المطهر على الحصول على الخلاص.
نصلّي إلى الله، بشفاعة الربّ يسوع، طالبين منه مساعدتنا على تنقية نفوسنا على هذه الأرض، فلا يطول انتظارنا في المطهر قبل معاينة وجه الربّ حين انتقالنا من هذه الفانية. إنّ كثرة الصّلاة مفيدةٌ للإنسان إذ تجعله قادرًا على الانفتاح أكثر على روح الله الّذي سيتغلغل في داخل كيانه، ويغيِّره. إنّ الحياة مزيجٌ من صعوبات وتعزيات، والله يعطينا تعزيات في أوقات الصعوبات لكنّنا لا نقدر على اكتشافها إلاّ بعد حين، وهذه التعزيّات تشكِّل وسيلةً من وسائل التنقية الّتي يمنحها إيّانا الربّ. إخوتي، لنطلب من الربّ يسوع، ومِن العذراء أمّه أن يساعدانا على تنقية ذواتنا، وعلى مساعدة إخوتنا في المطهر من خلال صلواتنا، وبخاصّة من خلال القداديس الّتي نُقدِّمها لأجلهم لأنّ دمّ يسوع هو ذو قوّة لا تُضاهى في مَنح النّفوس الخلاص، كما يمكننا اللّجوء إلى صلوات المسابح المتعدّدة وبخاصّة الّتي فيها يتمّ ذكر دمّ يسوع وجسده الأقدسيْن. إنّ صلواتنا الشخصيّة الخاصّة تساهم هي أيضًا في خلاص النّفوس. إخوتي، علينا أن نصلّي أيضًا من أجل كلّ النّفوس الخاطئة، كما يجب أن نضمّ إليها كلّ نوايا العذراء مريم لأنّ العذراء مريم وكذلك يسوع هما الأكثر معرفة بالنّفوس المحتاجة إلى صلواتنا.

ملاحظة: دوِّنت العظة مِن قِبَلِنا بتصرّف. تتمة...
24/11/2016 رعية مار ميخائيل - بيت الشعار نصلّي كي تجمعنا نعمة الرجاء
https://youtu.be/Xv_m7xaDqxU

عظة الخوري روني يونس
في انطلاقة جماعة "اُذكرني في ملكوتك"
بالقدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
كنيسة مار ميخائيل – بيت الشّعار

24/11/2016

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.

إخوتي الأحبّاء، سلام الربّ معنا جميعًا.
إنّنا نحتفل اليوم بالقدّاس الأوّل لجماعة "أذكرني في ملكوتك" في رعيّتنا، ونصلّي معها من أجل جميع أمواتنا الراقدين على رجاء القيامة. إنّ الكنيسة تتألّف من الكنيسة المجاهدة الّتي تضمّ جميع المؤمنين الأحياء على هذه الأرض الفانية، ومن الكنيسة الممجّدة الّتي تضمّ القدّيسين شفعاءنا، ومن الكنيسة المتألـمّة الّتـي تضمّ جميع أمواتنا. وعلى الكنيسة الـمُجاهدة أنْ تَنْضَمّ إلى الكنيسة الـمُمجدّة في صلاتها من أجل الكنيسة الـمتألّمة، الّـتي هي في حاجة ماسّة لصلاتِنا.

إنّ المواهبَ في الكنيسة متعدّدة وكثيرة، وهي تَهْدُف إلى تسليط الضوء على حقائق إيمانيّة، تَجاهَلها المؤمِن نتيجة انشغالاته الحياتيّة الكثيرة. وتتمتّع جماعة "أذكرني في ملكوتك" بموهبة خاصّة في الكنيسة، إذ تُسَلِّطُ الضوء على أهميّة الصّلاة من أجل أمواتنا، وتسعى إلى تذكير المؤمِن بضرورة العمل من أجل الحياة الأبديّة، لأنّها الوحيدة الباقيَة، فهذا العالم زائلٌ. فَمِنَ الضروريّ أن يتذكّر المؤمِن أمواته، لأنّه مِن خلالهم يستطيع أن يتذكّر أنّه يعيش في عالمٍ زائل، وأنّه سيعبُر في يومٍ من الأيّام إلى الحياة الأبديّة، وأنّ عليه الاستعداد لها. إنّ حَدَث الموت، لا يجب أن يُرعِب المؤمِن، لا بل عليه أن يكون سببًا لشعوره بالأمان، إذ إنّه يعبُر مِن خلاله إلى الله. على الموت، أن يكون سببًا يَدفَعُ المؤمِن ليُعبِّر عن إيمانه ورجائه بالربّ الّذي انتصر على الموت بقيامته، وليستعدّ للقاء الربّ وجهًا لوجه في الملكوت، بدءًا من مسيرة حياته على هذه الأرض.

أمام الموت، يَنقسِمُ النّاس إلى فريقين: فالفريق الأوّل يتّخذ موقفًا لا إيمانيَّا، وهو موقف الإنسان الّذي يعيش في قلب هذا العالم الّذي يعمّه الضجيج؛ أمام مشهد الموت، نراهم يصرخون ويبكون، لأنّ نظرتهم إلى الحياة تتحوّل إلى نظرة سوداويّة، فَنَظَرُهُم مُوَجَّه باستمرارٍ نحو القبر، لذا يغلبهم اليأس والحزن. كُثُرٌ هم الأشخاص الّذين يَتَبّنون هذا الموقف أمام الموت، وبخاصّةٍ عندما يكون الفقيد بعمر الشباب، ومقرَّبًا جدًّا، أن يكون أخًا أو ابنًا أو زوجًا. إنّ موت هذا الإنسان العزيز في عُمْرِ الشباب يَدفع، في الكثير من الأحيان، أفراد العائلة إلى الموت وهم ما زالوا في الحياة، فنراهم يَتفوَّهُون بكلماتٍ لا تُعبِّر عن إيمانهم، بل عن يأسِهم من الحياة، إذ يستخدمون عبارات مِثلَ: "ما نَفعُ حياتي بعد موته؟ وها قد رحل جسر البيت، فماذا تنفعني الحياة بعده؟". إنّ هذه الألفاظ تترافق مع تصرّفاتٍ تَنُمُّ عن يأسٍ وعن رغبةٍ في الموت، فَنَجِدُ أنّ أكثر الـمَعنييّن بهذا الموت، لا يكفّون عن زيارة القبر، مُتَناسِين ذواتهم وباقي أفراد العائلة الّذين لا يزالون على قَيدِ الحياة، وبحاجةٍ إلى وجودهم قُربَهم. إنّ الحياة تتوقّف عند هؤلاء، بموت هذا الإنسان العزيز، ويُقرِّرون إنهاء مِشوار حياتهم بقرارٍ منهم، فلا يَعُودون يتفاعلون مع نِعَمِ الله الّتي يُفيضُها عليهم. إنّ مِثَل هذا القرار بإنهاء مِشوار حياتنا، ونحن لا نزال فيها، هو قرارٌ سيُحاسِبُنا عليه الربّ عندما سَنَمثُل أمامه يوم الدينونة. إنّ هذا القرار هو انتحارٌ بطيءٌ وملموسٌ، ونحن لا يحقّ لنا اتّخاذ مِثْلَ هذا القرار. إنّ الإنسان الّذي يتّخذ مِثْلَ هذا القرار، يَرغب بالموت من أجل الموت، فَفُقدَانه لهذا الإنسان العزيز جَعَلَهُ يفقِدُ رجاءه بالربّ يسوع المسيح، مُخلِّصه وإلهه. إخوتي، علينا أن نصلّيَ من أجل هؤلاء ومن أجل ذواتِنا، ونطلبَ من الله أن يَمُدّنا بفضيلة الرجاء الّـتي تُساعدنا على مواجهة مِثِل تلك الصعوبات في الحياة. إخوتي، إنّ الإنسان الّذي لا رجاء له يَعبُر بالموت، مِن هذه الحياة إلى الموت في الحياة الثانية، غير أنّ الربّ يدعونا إلى العبور معه إلى الملكوت، أي إلى الحياة الأبديّة، فَلْنطلب منه اليوم، أن يَذْكُرَنا في ملكوته حين تَحين ساعة انتقالنا من هذا العالم. إنّ جماعة "أذكرني في ملكوتك"، تَحُثُّنا على الطلب باستمرار من الرّبّ أنْ يَذْكُرَنا في ملكوته. إنّ هذه الحياة هي مسيرة جهادٍ روحيٍّ طويلٍ على كافة الأصعدة، فعلى كلّ مؤمِنٍ أن يؤدّي الرسالة المطلوبة منه في هذه الحياة بكلّ أمانةٍ ليتمكّن من العبور -حين تأتي السّاعة - إلى الملكوت، حيث يُعِدُّ لنا الرّبّ المنازِل السماويّة. تتمة...
20/11/2016 رعيّة مار يوسف - ضهر العين، الكورة فإنّ الربّ يذكِّرنا بأنّ مجيئَه قادرٌ على تغيير ما يَعجز البشر عن تغييره
https://youtu.be/HNrJCXy_SMY

عِظة الخوري فؤاد الطَبَش – خادم الرعية
في انطلاقة جماعة "أذكرني في ملكوتك"
بالقدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
كنيسة مار يوسف – ضهر العين، الكورة

20/11/2016

"لا تخافي يا مريم، لأنّكِ وجدتِ نعمةً عند الله، وها أنت ستحبَلين وتلِدين ابنًا تُسمّينه يسوع"(لو 1: 30-31)

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.

زمن الميلاد يُفتَتَح بِبِشارتَيْن: بشارة زكريّا وبشارة العذراء مريم. وفي مقارنة بين هاتين البِشارتَيْن، لا نكتشف وجه الشَبَه بينهما إنّما نكتشف وجه الاختلاف، الّذي يظهر في نتيجة صلوات كلٍّ مِن هذين الشخصَيْن الـمَعْنِيَين بالبشارة. ففي بشارة الميلاد الأولى، نجد أنّ زكريّا كان يرفع الصلوات إلى الله من أجل حصوله على ولدٍ ليَنزع العار عن بيته. فالعار في العهد القديم، كان يطال كلّ زوجَيْن لا أولاد لهما، وهو يَطال المرأة تحديدًا، أي أليصابات في هذه العائلة. إذًا، تلك كانت طلبة زكريّا إلى الله، يُرَدِّدها طول حياته، وبخاصّةٍ عندما يكون في قدس الأقداس. وعندما وجد زكريّا أنّه أصبح طاعنًا في السِّن، وامرأته عاقرًا، اعتقد أنّ كلّ صلواته قد ذهبت سدىً، فقرّر الاستسلام والرّضوخ لِوَضعِه هذا. غير أنّ الله قد تدخَّل في حياة زكريّا حين فَقَدَ هذا الأخير الأمل بحصوله على ولدٍ، فأرسل له الملاك جبرائيل لينقل إليه البشارة أنّ طِلبته استُجِيَبت، وبالتّالي ليذكِّر زكريا أنّ الله قادرٌ على كلّ شيءٍ، وأنّه قادرٌ على زرع الرّجاء حيث لا رجاء. أمّا بشارة الميلاد الثانية، فهي تختلف كلّ الاختلاف عن الأولى، إذ إنّ مريم لم تطلب من الله أن تحمل ابنه يسوع المسيح في أحشائها. إنّ والِدَيْ مريم، حنّة ويواكيم، كانا عجوزَيْن عاقِرَيْن، لا أولاد لهما، ولكنّ الله منحَهما في شيخوختِهما فتاةً وهي مريم، فَقَدّماها للهيكل لفترةٍ من الزمن ثمّ ما لبثَتْ أن عادت إلى المنزل. إذًا، كانت مريم تعيش في محيط يغلب عليه طابعُ الإيمان والصّلاة والاتّكال على الله، وقد تعلّمَت منه أن تكون على استعدادٍ دائم لتلبية نداءات الرّبّ، بالطريقة الّـتي يطلبها وحين يطلبها. وها هو الملاك جبرائيل يظهر، من جديد، مُرسَلاً من الله إلى أرض البشر، ليُبَشِّر مريم، بالميلاد الإلهيّ.

إنّ الله في العهد القديم، كان يُكلِّم الشعب بواسطة الأنبياء الّذين كانوا يُرشِدون الشعب إلى طريق الله، ولذا نقرأ في الكتاب: "لديهم موسى والأنبياء"، إذ إنّ الله كان يعتمد هذه اللّغة مع شعبه في القديم. أمّا في العهد الجديد، فَقَدْ غيّر الله طريقة تواصلِه مع البشر إذ أرسلَ الملاك جبرائيل أوّلاً إلى زكريّا، ثمّ إلى مريم العذراء: أرسَله إلى زكريا ليُبَشِّرَه أنّه سيُرزق بولدٍ يُمهِّد الطريق أمام المخلّص؛ وأرسَلَه إلى مريم ليُبَشّرَها بمجيء المخلّص الّذي سيجلس على عرش أبيه ويُخلِّص جميع النّاس. إنّ الله افتَتَح صفحةً جديدةً مع البشر مُغايِرة للعهد القديم، إذ أظهرَ لهم حنانه ومحبّته من خلال مولِد يوحنّا في البشارة الأولى، كما يريد الله أيضًا، من خلال البشارة الثانية، أن يمنح الإنسان نِعمةً عُظمى بدعوة الإنسان للاشتراك في مشروعه الخلاصيّ للبشر، وإنّ مريم كانت الأولى في قبولها. إنّ سؤال مريم: "كيف يكون هذا وأنا لا أعرف رجلاً؟"، لم يكن نتيجة علامات استفهامٍ عند مريم في إمكانيّة تحقّق مشيئةِ الله، إنّما كان من أجل الاستيضاح كي تعرفَ ما هو دورها، وما هي الطريقة الّتي يجب أن تعتمدَها لتُحقِّق مشيئةَ الله، وتساعدَه في ذلك. فأتاها الجواب لسؤالها عبر الملاك، قائلاً لها إنّ روح الله يحلّ عليها، وإنّ قدرة العلّي ستُظلِّلُها وتحمِيها، وإنّ المولودَ منها نبيُّ العليّ يُدعى، وهو المسيح يسوع، ابن الله.

إنّ هذا النّص الإنجيليّ قد قرأناه السنة الماضيّة في ضوء سنة الرّحمة، السنة اليوبيليّة الّتي أعلنها البابا فرنسيس. أمّا اليوم، فَنَقرَأه بطريقةٍ مختلفةٍ، إذ نفهمه هذه السنة في ضوء نضوجِنا ونموِّنا في هذه السَّنة المنصرمة. ولذا، فإنّ السؤال الّذي نطرحه على ذواتنا انطلاقًا من هذا الإنجيل هو: كيف السبيل لإيصال كلمة الله في عالمٍ تملؤه الحروب، ويسوده الظلم، ويأكل فيه القويّ حقّ الضعيف؟ إنّ نهاية سنة 2016، تحمل لنا بشارة ولادةِ المخلّص، وهو مخلِّص لكلّ فردٍ منّا، فإمّا أن نكون مثل زكريا، وإمّا أن نكون مثل مريم، أمام هذه الولادة المنتظرة للمخلِّص. فإن اعتمدنا موقف زكريا، نَظَرْنا إلى هذا العالم، فاقِدِينَ الأمل في تغييره، وعندها سيأتي الربّ ليُعيدَ علينا كلمات الترنيمة الميلاديّة الّتي نرنمّها في عيد الميلاد: "ليلة الميلاد يُمَّحى البُغض، ليلة الميلاد تُدفَن الحرب"، وبالتّالي فإنّ الربّ يذكِّرنا بأنّ مجيئَه قادرٌ على تغيير ما يَعجز البشر عن تغييره، وعلى تغيير كلِّ المفاهيم البالية الّتي تسود مجتمعَنا. أمّا إن اعتمدنا موقفَ مريم، فَنَحنُ سنطلب من الربّ أن يُعطينا الجهوزيّة التّامة لتلبية نداءاته لنا، لنساعده في مشروعه الخلاصيّ، ونسأله عن الطريقة الّتي يرغب أن نعتمدَها في إيصال كلمتِه إلى الآخرين، واضعينَ كلّ اتّكالِنا عليه، مُردِّدين مع مريم العذراء: "لتكن مشيئتك"، فيتمّ التغيير فينا وفي الآخرين، بالطريقة والزّمان اللّذيْن يريدهما الرّبّ. آمين.


ملاحظة: دُوِّنت العظة من قِبَلِنا بتصرّف. تتمة...