البحث في الموقع

لقاءات و نشاطات


انطلاقات وقداديس

"من اكل جسدي وشرب دمي له الحياة الأبدية"
(متى 25 : 40)
2/11/2016 تذكار الموتى المؤمنين إنّنا نحن أبناء الحياة، أبناء القيامة
https://youtu.be/vfhE8LrNO3k

"ونترجّى قيامة الموتى والحياة في الدّهر الآتي"
عظة صاحب السيادة المطران أنطوان نبيل العنداري
في القدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
"تذكار الموتى"
كنيسة مار فوقا – غادير

2/11/2016

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين

أبائي الأجلّاء،
أحبائي،

في هذا المساء المبارك، مساء تذكار الموتى، نلتقي في هذه الرعيّة الـمُحِبَّة للمسيح مع جماعة "اُذكرني في ملكوتك"، رافعين الذبيحة الإلهيّة للربّ، ذبيحة شكرٍ من أجل راحة موتانا، لكي يُغدق الرّبّ عليهم وِسعَ رحمتِه ويجازيهم خير جزاء على مسيرتهم في غربة هذه الدّنيا، في عبورهم إليه فيلتقون به ويتَّحِدون به.

في خاتمة قانون الإيمان، نُعلِن إيماننا ورجاءنا بالمسيح الّذي وعدنا بالقيامة والحياة: "من آمن بي، وإن مات فسيحيا". (يو25:11). هذا هو وعد الربّ لنا: "مَن يسمع كلامي ويؤمن بمَن أرسلني، يَنَلْ حياةً أبديّة" (يو 24:5). وبالتّالي فإنّنا نؤمِن بأنّ أمواتنا الّذين عاشوا حياتهم متمسّكين بهذا الإيمان، مرتكزين على وعود الربّ هذه، قد أصبحوا في حضرة الله، أي مع المسيح الّذي وطِئ الموت بالموت، لأنّ قيامته هي عربونٌ ودليلٌ على قيامتنا ومشاركتنا إيّاه في مجده السّماويّ. وبناءً على هذا الإيمان الّذي نردّده باستمرار ونجدّده في كلّ قدّاس، نترجّى ونعيش الرّجاء لأنّ الربّ أمينٌ في وعوده وبارٌ في كلّ عهوده، ولذا علينا أن نعيش إيماننا بكلّ أمانة وأن نشعر بانتمائنا للرّبّ، ونترجى لقاءَنا الدائم مع الرّبّ. وكما هي حال كلّ لقاءٍ بين اثنين، علينا أن نستعدّ له ونتحضَّر له، فنكون من السّاهرين اليَقِيظين في ذلك اليوم وتلك السّاعة اللّذيْن لا يعرفهما أحدٌ سوى الله الآب وحده، ونكون على استعدادٍ دائم للقاء الربّ وجهًا لوجه لنستحّق أن نسمع ما قاله للأبرار والصِّديقين: "تعالوا يا مباركي أبي، رثوا الملكوت الـمُعَدّ لكم" (متى 34:25). إنّ الرّب أمينٌ في وعوده وهو يُعِدُّ لنا الملكوت، ولكنّه يطلب منّا مقابل ذلك أن نلبّي نداءه لعيش الإيمان والالتزام بكلمة الربّ. إنّ رجاءَنا مستندٌ على كلمة الله والالتزام بها، لأنّ الأمل في حياة البشر هو مصدر الخَيْبَات والأحزان، غير أنّ الرّجاء يُخلِّصُنا وهو لا يخيب أبدًا لأنّه مرتكزٌ على المسيح يسوع الذي قام من بين الأموات. هذه هي البشرى الّتي نُعلنها: بشرى قيامة الربّ من بين الأموات، وهي ما نجسّده في حياتنا اليوميّة كوننا نحن المؤمنين بالمسيح شهودٌ له وسفراءٌ له.

إنّنا نحن أبناء الحياة، أبناء القيامة، إذ إنّنا حين ننتقل من هذه الدّنيا، كما يقول القدِّيس أوغسطينوس: "نعبر إلى الضّفة الثانية" أي إلى السّماء، حيث السعادة الأبديّة مع الرّبّ. لذلك عندما نرفع الصلوات من أجل أمواتنا، فهي تكون من أجل أن ينعموا بتلك السّعادة الأبديّة مع الرب، تلك السّعادة الّتي وَعدَنا بها الرّبّ. هذا هو رجاؤنا بالربّ: بأنّ أمواتنا هم السّابقون لنا في وصولهم إلى ملكوت الرّبّ، ونحن سنكون مِنَ اللّاحقين بهم، لأنّنا نثق بما وعدنا الربّ به. لذلك فإن الكنيسة تصلّي من أجل الموتى باستمرار، وتصلّي لهم في عدّة مناسبات، وذلك إيمانًا منها بأنّ الصّلاة من أجلهم تساهم في رفعهم صوب الآب، وَتُريح نفوسهم، وبالتّالي فإنّ الصّلاة تساهم في أن يسمع الأموات صوت الربّ يناديهم لكي يكونوا عن يمينه. تتمة...
13/6/2016 كنيسة الميلاد الإلهي - الحضيرة، بيت الشعار افرحوا مع الفرحين، وابكوا مع الباكين
https://youtu.be/Q7RxfRgM71k

عظة الأب ريمون جرجورة
في انطلاقة جماعة "أذكرني في ملكوتك"
بالقدّاس الإلهيّ من أجل الراقدين على رجاء القيامة
كنيسة الميلاد الإلهيّ- الحضيرة ، بيت الشِّعار

13/6/2016

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

في رسالة مار بولس إلى أهل روما، تُلِيَتْ على مسامِعنا اليوم الآية: "افرحوا مع الفرحين، وابكوا مع الباكين". إنّ الفرح لا يشير إلى الرّقص والغناء، والبكاء لا يشير إلى البقاء حزانى طول الحياة، بل المقصود بتلك الآية، أن نشارك الآخرين مشاعرَهم وأحاسيسَهم ومواقفَهم أيضًا. وبالطبع، لا نستطيع أن نذهبَ من أجل تعزية أحدِ المحزونين، ونرقص الدبكة، كما أنّه لا يجب أن نذهبَ إلى عرسٍ باكين ونائحين، غير أن البعض قد يقرع الأجراس حزنًا في عرسٍ ما، إن كان أحد العروسين غير مُوافق عليه من قِبَل الطرف الآخر.

إنّ بولس الرسول يقول لنا إنّنا كجماعةٍ مسيحيّةٍ قد أعلنت إيمانهَا بيسوع المسيح القائم من الموت، علينا أن نكون جماعةً واحدةً بقلبٍ واحد، حاضرةً لمواساة بعضها البعض في الأحزان والتشارك في الأفراح. على المسيحيّين أن يتّحدوا مع بعضِهم البعض ويتماسكوا أيضًا. وأنا حين أنقل الايمانَ لابنتي من خلال التعليم المسيحيّ، تسألني: هل حقًا هذا ما يُطبّق فعلاً؟ علينا أن نسأل ذواتنا: أنحن فعلاً نطبِّق القِيَم والمبادئ المسيحيّة في حياتنا؟ إنّنا، نحن المسيحيّين، مدعوّون كي نكون علامةً لحضور الله في هذا العالم.
في كتاب أعمال الرّسل، نقرأ أنّ النّاس كانوا يعرفون المسيحيّين من خلال محبتِهم لبعضِهم البعض، هذه هي المشاركة الحقيقيّة الّتي نحن مدعوّون لها. إنّ محبّتَنا لبعضِنا البعض عليها أن تدفعنا كي نقفَ جنبًا إلى جنب. إنّ الوقوف جنبًا إلى جنب مع الآخر، لا يعني أبدًا أن نناصرَه ظالماً كان أم مظلومًا، بل علينا أن نُشيرَ إلى أنّ الآخر قد ارتكب خطأً إن فعل، فنحن لا نستطيع إنكارَ الحقيقة وإخفاءها أو تغييرها. لكن يجب أن نقفَ مع الآخر من أجل الاستمرارِ في السير معًا للوصول إلى الحقيقةِ الّتي هي يسوع المسيح، الّذي تجسّدَ، وعاشَ حياتَنا، وكان نبيًا مقتدرًا بالقول والفعل، صُلِبَ وقام من بين الأموات، ومَنَحنا حياةً أبديةً.

في الانجيل الّتي تُليَ اليوم على مسامعنا، نجد فعلَ محبةٍ كبير من قِبَل الله إذ يعطي الانسان قيمةً كبيرةً جدًّا. في هذا النّصّ الانجيليّ، نقرأ عن اليهود الّذين أرادوا إحراج يسوع من خلال أسئلتِهم فيما يختّص بنهار السبت، وبالتّحديد فيما يختّص بشفاءِ الرّجل ذي اليدِ اليابسة. فكان جوابُ يسوع بسؤالهم عن إن كان يجوز تخليص خروفٍ وحيدٍ لصاحبه إن وقع في البئر نهار السبت، فأحرجَهم بسؤاله هذا عوض أن يُحرجوه. فإن كان يجب تخليص الخروف الّذي وقع في البئر نهار السبت، فكم بالأحرى حال الرّجل المريض يوم السبت!! فإن الإنسان الّذي تملك فيه الخطيئةُ، ألا يجب مساعدته كي يتخطّى تلك الأزمة؟ إن كان الإنسان محزونًا، ألا يجب أن نواسيه كي يخرجَ من حزنه، ولو وقع ذلك، نهار السبت؟!! ألا يجبُ مساعدةَ الإنسان الّذي يعاني من أزمةٍ، ألا يجبُ أن نأتيَ لنجدتِه ومساعدته؟!!
إذًا، إنّ يسوع يعطي قيمةً كبيرةً للإنسان كي يجعلَنا نُدرك أنّ الله الّذي تجسّد بين البشر وأخذ طبيعتنا البشريّة، يريد أن يرفعَنا فنصِل إليه، ونُصبح قدّيسين. هذه هي دعوتُنا الحقيقيّة والأساسيّة في الحياة.

في ذبيحتِنا الإلهيّة هذا المساء المبارك، نرفع صلاتَنا من أجل إخوتِنا المرضى، كي يمنحَهم الرّبّ نعمةَ الشِّفاء، كما نصلّي من أجل جماعتِنا المسيحيّة كي تكون متّحدةً مع بعضِها البعض بالمحبةِ وعملِ الخير. نصلّي لكَ يا ربّ، من أجل الّذين سبقونا لملاقاتِك، من أهلٍ وأقاربٍ وأحبّاء، وقد قمنا وإيّاهم بمسيرةٍ على هذه الأرض، أمّا الآن، فقد أصبحوا في قلبِك، كي يشرقَ نورُ وجهك عليهم جميعًا. يا ربّ، أعطنا، بعد أن نُكمِل مسيرتَنا على هذه الأرض، أن نلتقيَ يومًا ما، جميعنا بِكَ، حتّى نسبِّحَك ونمجِّدَك أيّها الآب والابن والرّوح القدس، إلى الأبد. آمين.


ملاحظة: دُوِّنت العظة من قِبلنا بتصرّف. تتمة...
22/5/2016 القدّاس الاحتفالي في عيد القيامة المجيدة كنيسة سيّدة الحبل بلا دنس - القبيات
https://youtu.be/cMURFfS9H6U

عظة صاحب السيادة المطران جورج بو جوده
رئيس أساقفة أبرشيّة طرابلس المارونيّة
القدّاس الاحتفالي السنويّ لجماعة "اُذكرني في ملكوتك"
بمناسبة عيد القيامة المجيدة
كنيسة سيّدة الحبل بلا دنس – القبيات

22/5/2016


الرسالة: روم 11/ 25- 36
الإنجيل: متى 28/ 16-20
الثالوث الأقدس.

الايمان المسيحيّ مبني على حقائق ثلاث من الصعب فهمها وإدراكها بمنطقنا البشري، لأنّها ليست موضوع تحليل علمي ولا فلسفي، بل هي موضوع إيماني مبنيّ على الثقة المطلقة بالله الّذي، وكما نقول في فعل الايمان: "لا يَغُش ولا يُغَش". هذه الحقائق، الّتي نسمّيها أسرارًا في إيماننا المسيحي هي سّر التجسّد، سرّ الفداء وسرّ الثالوث الأقدس.

كيف نستطيع مثلاً أن نفهم كيف أنّ الله صار إنسانًا بشخص ابنه يسوع المسيح؟ فالله بحسب الدين الإسلاميّ: "لم يَلِد، ولم يُولد، وليس مِن نَسلِه أحد." أمّا المسيح الّذي رأيناه وسمعناه وعاش معنا فيقول لنا: "إنـّي أنا والآب واحد، من رآني قد رأى الآب". ففِعل التجسّد هو فعل محبة مِن الله لا متناهية ولا حدود لها، إذ هكذا أحبّ الله العالم حتّى أنّه بذل ابنه الوحيد في سبيل فداء العالم، وهذا الابن الوحيد هو الّذي قال، مُعبِّرًا عن حبّه للإنسان: "ليس مِن حبٍّ أعظم مِن حبّ مَن يبذِل نفسه في سبيل أحبّائه". وهذا الحبّ هو حبّ عطاء وتضحية بالذّات تعويضًا عمّا قام به الانسان عندما رفض الله، وأراد أن يبني ذاته بذاته، وأن يجعل مِن نفسه إلهًا لنفسه، فحكم على نفسه بالموت من دون أن يستطيع أن يحقِّق مبتغاه. وبموقفه هذا، حكم الانسان على نفسه بالموت، لكنّ الله حكم له بالحياة، وافتداه بدم ابنه الوحيد.

هذا الابن الوحيد الّذي مات على الصّليب ليفتدي الانسان، انتصر على الموت بالقيامة، فوطِئ الموت بالموت، ليُعيد الحياة للّذين في القبور. وهو الّذي قبل أن يغادرنا، قرّر أن يبقى معنا بصورة سريّة، وقال لنا: "لقد نلتُ كلّ سلطان في السّماء والأرض، فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمِّدوهم باسم الآب والابن والرّوح القدس، وعلِّموهم أن يعملوا بكلّ ما أوصيتكم به، وها أنا معكم طوال الأيّام إلى انقضاء الدّهر". وقد أرسل لنا الرّوح القدس المعزّي الّذي يرشدنا إلى الحقِّ كلّه، وقد حلّ على الرّسل المجتمعين في العليّة مع مريم وأعاد شمل البشريّة الّتي كانت قد تشتّتت يوم قَرَّرت بناء ذاتها بذاتها، ومحاولتها الاستغناء عن الرّبّ، وبناء برجٍ يصل الأرض بالسّماء، فتبلبلت لغة الّذين حاولوا ذلك، فسميّ البرج "برج بابل". أمّا الروح القدس فقد أعاد جَمْعَهم، ونرى ذلك في تعداد الشعوب الّتي كانت حاضرة في أورشليم، في يوم العنصرة.
وإيماننا المسيحيّ مَبنيّ على هذه الحقيقة الّتي تُعَلِّمنا إيّاها الأسرار الثلاثة، والّتي لا يمكننا أن نفهمها إلاّ في ضوء تعليم الرّوح القدس وإرشاده. وقد حاول الكثير من اللّاهوتيّين عبر الأجيال أن يشرحوها لنا، ولم يستطيعوا. ونَذكُر مِن هؤلاء القدّيس أوغسطينوس الّذي كان يُفكِّر بالموضوع، وهو يسير على شاطئ البحر، إذ رأى طفلاً صغيرًا، وقد حفر حفرةً صغيرةً في الرّمل وأخذ صدَفةً بيَدِه وبواسطتها كان ينقل الماء من البحر إليها. فوقف أوغسطينوس وقال له: "ماذا تفعل أيّها الصّغير؟"، فأجابه: "إنّي أنقل البحر إلى هنا"، فقال له أوغسطينوس: "وهل تستطيع أن تنقل هذا البحر الواسع إلى هذه الحفرة الصغيرة؟" فأجابه الصّبي: "وهل تستطيع أنتَ أن تفهم هذا السرّ الواسع في عقلك الصّغير؟" ففهم أوغسطينوس أنّ ذلك كان علامةً من الله الّذي أرسل له هذا الملاك ليُحَدِّثَه عن هذا السرّ العظيم.
أسرار الإيمان الثلاثة: التجسّد، والفداء، والثالوث الأقدس هي أساس إيماننا المسيحيّ، وليس بإمكاننا أن نستوعبها، إلاّ عبر قيامنا بفعل إيمان ننتقل فيه من الفهم والشرح الماديّ، إلى الفهم الإيماني في ضوء إرشاد الروح القدس.
واليوم، أيّها الأحبّاء، نحن أيضًا أمام سرّ كبير لا يمكننا أن نفهمه إلاّ بموقف إيمانيّ، إنّه سرّ الموت الّذي نُحاول استيعابه في ضوء تعليم المسيح في حادثة إقامة لعازر من بين الأموات، فقد قال عندما أبلغوه أنّ صديقه لعازر قد مات: "إنّه راقد وأنا ذاهب لأُوقظه". وعندما عاتبته مرتا أخت لعازر لأنّه لم يأتِ عندما أبلغوه النبأ، قال لها إنّ أخاها سيقوم. فعبَّرت عن إيمانها بما تُعلِّمه الكتب المقدّسة، وبما يؤمن به الفريسيّون، ويرفضه الصّدوقيّون، فقال لها يسوع: "أنا القيامة والحياة، من آمن بي، وإن مات فسيحيا ..." كما قال لتلاميذه إنّ الّذي يسمع كلامه، ويؤمن به فإنّه بالموت ينتقل من الموت إلى الحياة.
بهذه الحقيقة آمن لص اليمين بوحي من الروح القدس عندما قال ليسوع: "اُذكرني يا سيّد إذا ما أَتيتَ في ملكوتِك"، معبِّرًا بكلامه هذا عن أنّ الموت، بالنسبة إليه ما هو سوى انتقال من حياة زائلة نستسلم فيها غالبًا إلى الاغراءات والتحديّات الخطيرة ونسير في درب الخطيئة وحضارة الموت، إلى حياةٍ دائمة هي عودة إلى بيت الآب، والعمل على ترسيخ حضارة الحياة.
إنّكم اليوم، أيّها الأحبّاء، تسيرون على هذه الدّرب، مُعلِنين التزامكم بهذا التعليم، وبهذه الحقيقة الّتي لا يعتريها أيّ شّك. وإذا كنتم قد اجتمعتم مع بعضكم البعض اليوم لعيش هذا الايمان، فَلِأنّكم تؤمنون بأنّ أمواتكم الّذين تُصلّون لأجلهم قد انتقلوا حقيقةً من الموت إلى الحياة، وأنّهم يعيشون اليوم مع الرّبّ يسوع الّذي وعدهم، كما وعد لص اليمين بأنّهم اليوم هم معه في الملكوت.

فلنرفع إذًا الصلوات من أجلهم، ولنطلُب من الرّبّ أن يُرسِل إلينا روحه القدّوس فيُرشِدَنا ويُعزِّينا ويُنيرُ لنا السبيل. آمين. تتمة...
29/11/2015 الذكرى السادسة لافتتاح مركزنا الروحي مِن أين تَبْتَدئ الحياة الأبديّة؟
عظة الأباتي سمعان أبو عبدو
في القدّاس الإلهي من أجل الراقدين على رجاء القيامة
في الذكرى السادسة لافتتاح مركزنا الروحي
زوق مكايل
29/11/2015


باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين

آبائي الأجلّاء، إخوتي الأحبّاء، نتواجد اليوم في هذا المركز للسنة السادسة على التوالي.
وأشكر الله على هذه النعمة الكبيرة، فجماعة "اُذكرني في ملكوتك" تَحيَا القياُمة، مرَدِدةً: "المسيح قام حقًا قام". كما أشكر كلّ الأشخاص الذين شاركونا الصلاة من أجل السلام في سوريا، وخاصة في حلب.

يقول إنجيل اليوم: "ماذا عليّ أن أعمل لأرث الحياة الأبديّة" (لو18:18). وأنا أتساءل دائمًا: مِن أين تَبْتَدئ الحياة الأبديّة؟، ولكن بعد الاطلاع والتأمّل، اكتشفتُ أنّ الحياة الأبديّة تبتدئ من هُنا، فكيف يتمُّ ذلك؟...وجدتُ أنّ في حياتنا مُتابعة لا انقطاعًا، فالحياة الأبديّة تبتدئ من هنا، وكما نعيش حياتنا هُنا، كذلك نَعيشها ما بعد هذه الحياة العرضيّة في المجد الأبديّ. وهذا تحدٍّ كبير، والشابّ الغنيّ مثال عن ذلك. إذ إنّ هُناك الكثير من العوائق والتحدّيات التي تبعدنا عن الله وتضع حواجز فتخلق انقطاعًا بين هذه الحياة والحياة الأبديّة، وتجعلنا نعبد أصنامًا ليست من لحم ودم. فعلينا أن نعلم أنّ هناك دائمًا استمرارًا لا تغييرًا.

في حياتنا ثلاثة أصنام: أولًا، صنم المال والامتلاك: فالله لا يريد أن ينزع منّا المال، وإنّما يريد ألّا يُغيّر المال من كيان وشخصيّة الإنسان، وتُصبح قيمة الإنسان تعادل ما يملك من المال.ثانيًا، عبادة صنم السلطة: وكلّ واحد منّا يقع في خطأ عِبادة هذا الصنم. فلكلّ شخص مركز في المجتمع، وهذا المركز يجعله إنسانًا مُتحكّمًا ومُتسلّطًا، مع أنّ الربّ يسوع المسيح قال: "من أراد أن يكون فيكم كبيرًا، فليكن لكم خادمًا" (متى 27:20). ثالثًا، صنم المتعة واللّذة: يقول البابا بينيديكتوس في رسالته عن المحبّة: "لا نستطيع أن نُزيل عامل اللّذة من الإنسان، ولكن يمكن أن نطوّره إلى (Philia) أي الصداقة، و(Agape) أي المحبّة المعطاءة، ولا يمكن أن ننزع (Eros) من الإنسان، لأنّ الله وضعه، ولكن يمكن أن نحولّه ونطورّه ليكوّن علاقتي مع الآخر".
وأصبح هناك مفهوم جديد للأصنام، حيث يمكننا أن نتخطى المال، ولكن هناك أشياء كثيرة يَصعُب علينا تخطّيها، ويُحذّرنا الربّ دائمًا من هذه الأصنام، ويطلب منّا أن نتخطاها لنصل إلى الحياة الأبديّة.

وهنا يأتي الجواب على سؤالنا...فالربّ يسوع رَحوم وحنون، يكشف نفسه ليلتقي مع كلّ شخص، لأنّه هو وأباه الحنونين لن يتركانا أبدًا. حيث قال للشابّ الصالح: "إذا أردت، لماذا تدعوني صالحًا" (لو19:18). تتمة...
21/11/2015 رعية سيّدة الإنتقال - مزيارة فالكنيسة إذًا هي بيت الله، وجماعة المؤمنين المعمّدين باسم المسيح، أي نحن البشر
انطلاقة الجماعة في رعية سيّدة الانتقال – مزيارة
عظة الأبّ جورج وهبه – خادم الرعيّة
21/11/2015

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

أبتِ الفاضل، أخواتي وإخوتي بالربّ يسوع. أحبُّ أن أُرحّب بهذه الجماعة التي تحمل أجمل اسم وأسمى مقام، استَقَتْهُ مِن الكتاب المقدّس وهو: "اُذكرني في ملكوتك"، وأرجو لها منه تعالى النَّجاح المستمر، والتوسُّع والانتشار لأنّها تؤول لخلاص النفوس كما أتمنّى أن تُحافظ على مسيرتها المقدّسة. أمّا اسمها فمستَوحى من الكتاب المقدّس، في السّاعة التي كان فيها المسيح مُعلّقًا على الصّليب بين لِصَّيْن، واحدٌ عن اليمين والآخر عن الشمال، ووسط هذه الآلام الموجعة، والعار الملحق بهم، صرخ لِصُّ الشمال وقال: "خلّصتَ كثيرين فإن كُنتَ أنتَ المسيح خلّص نفسك وخلّصنا وأنزلنا عن الصّليب" (لو35:23)، وإذا باللّص المصلوب عن يمين المسيح يقول: "اُسكتْ نحن بحقٍ جُزينا وصُلبنا، أمّا هذا الرجل فهو بريء، ولم يعمل شيئًا من السوء"( لو 41:23)، والتفت إلى يسوع وقال: "اُذكرني يا ربّ متى أتَيْتَ بملكوتك" (لو 42:23). فكان جواب يسوع له سريعًا: "الحقَّ الحقَّ أقول لك، اليوم ستكون معي في الفردوس"(لو43:23)، وهذه هي توبة اللّص المصلوب عن اليمين.

إخوتي وأخواتي فَلْيَعْلَم الجميع أنّ الكنيسة هي شركة مؤلّفة من ثلاثة أقسام:

أولًا، الكنيسة المجاهِدة، وهي التي تُصلّي، وتُقدّم القرابين، والحسنات، وأعمال الخير لصالحها، ولصالح مَن سبقها إلى دار الخلود، مُتذكِّرة تلك النفوس التي عبرت من هذه الفانية إلى الأبديّة...





ثانيًا، الكنيسة المتألّمة، وهي تلك النفوس التي تتألّم في المطهر، وتتطهّر من الآثام والخطايا، والهفوات، والنواقص التي ارتكبتها طيلة وجودها في الحياة الفانية، المحرُومة مِن مُشاهدة خالقها حتّى تتنقَّى من الخطايا، وتَخلُص بواسطة

الصلوات، والقرابين، وأعمال البرّ والخير التي تُقدَّم عنها من قبل الكنيسة المجاهدة على الأرض، أي بتلك الأعمال الحسنة التي تقوم بها هذه الجماعة الحبيبة...

ثالثًا، الكنيسة المنتصِرة، وهي تلك النفوس التي تَطَهَّرت تمامًا من نقائصها، وصعدَتْ إلى السماء، فجلسَتْ تواجه وجه خالقها، لأنّ المسيح يقول في الإنجيل المقدّس، لا أحد مِنّا نحن البشر بدون خطيئة، وقد برهَنَ عن ذلك عندما أرادت الجماعة أن ترجم المرأة الزانية، حيث قال: "مَن منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر"(يو 7:8)، فلمْ يرجمها أحد، وتبيّن أنّ الجميع خَطَأَة.

أحبّائي، أحبّ أن أقول لكم جميعًا، إنَّ الكنيسة ليست هذا البناء الجميل. فيسوع المسيح، عندما فقده والداه، ثمّ وجداه في الهيكل يَسْأَل ويُجَادِل العلماء، قالت له أمّه: "ها أنا وأبوك نطلبُكَ مُعذَّبين منذ يومين" (لو 48:2)، فقال لها: "ألا تعلمون أنّه عليّ أن أكون في بيت أبي؟"(لو 48:2). فالكنيسة إذًا هي بيت الله، وجماعة المؤمنين المعمّدين باسم المسيح، أي نحن البشر. تتمة...
1/11/2015 تذكار الموتى المؤمنين لتكن صلاتنا اليوم إعلانًا صارخًا لايماننا بالربّ
عظة صاحب السيّادة المطران انطوان نبيل العنداري
في القدّاس الاحتفالي بمناسبة تذكار الموتى
رعية مار فوقا - غادير
1/11/2015

باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

قيل في الإنجيل: "أنتَ هو المسيح ابن الله الحيّ". (متى 16:16). وفي هذا الأحد المبارك، عشيّة تذكار الموتى، نلتقي مع أبناء الرعيّة ومع جماعة "اُذكرني في ملكوتك" لنذكر موتانا، ونصلّي من أجل راحة نفوسهم، مؤمنين بأنّهم انتقلوا إلى الحياة الثانية، إلى الدار الأبديّة التي لا تنتهي. وفي تذكار موتانا نعود إلى كلمة الرّب في سؤاله لتلاميذه: "مَن يقول الناس إنّي أنا ابن الإنسان" (متى13:16).

فالرّب كان يعرف في ذلك الزمان الذي عاشه على الأرض المقدّسة، أنّه كان مَوضِع تساؤل، فمِنهم من رآه عظيمًا، ومِنهم من رآه يتكلّم وكأنّ له سلطانًا، لكنّ يسوع المسيح طلب من تلاميذه الذين أراد إشراكهم في رسالته، وفي عمليّة التبشير، وفي عمليّة الخلاص، أن يعلنوا فِعلَ إيمانهم...لذلك سألهم: "وأنتم من تقولون إنّي أنا؟" (متى15:16). وكان بطرس قد آمَن بالرسل، وبدأ يتكلّم باسم التلاميذ الإثني عشر ليُعلن هذا الإيمان، قائلًا: "أنت هو المسيح ابن الله الحيّ". وهذا الإعلان هو عطيّة ونعمة من الربّ، لأنّه ليس جوابًا بشريًّا، لذلك قال الربّ لبطرس: "طوبى لك يا سمعان بن يونا، إن لحمًا ودمًا لم يُعلن لك، لكن أبي الذي في السماوات" (متى 17:16).
ونحن في تقليد كنائسنا الشرقيّة، نقول في المناسبات والتذكارات والأعياد إنّ إيماننا هو إيمان بطرس، لكي نجدّد إيماننا بربّنا، ونعلن أنّه هو المسيح ابن الله المخلّص، الذي أتى إلى العالم لكي يفتدي الإنسان، لكي يحذّره من الخطيئة، من ظلمة الموت، وينقذه، فيكون من أبناء الرجاء، من أبناء الحياة، من أبناء الملكوت، حتّى ولو كان ذلك في اللحظة الأخيرة،كما قال لِمَن صُلب عن يمينه: "اليوم ستكون معي في الفردوس" (لو 43:23)، بعد أن قال له اللّص: "اذكرني ياربّ متى أتيت في ملكوتك".

ونحن في تذكار موتانا، نذكر أنّهم عاشوا هذا الإيمان في حياتهم، عاشوه بأمان والتزام، عاشوه وفق الوزنات التي أعطاهم إيّاها الرّب، لكي يستعدّوا في مسيرتهم أن يكونوا كما سمعنا في الرسالة: "إنّنا مِن أبناء النهار، لسنا من ليل وظلمة" ( تس 5:5)، لابسين درع الإيمان، فمَن يؤمن بالربّ لا يهلك، من يلتزم بالمسيح ويعتمد به، يلبس المسيح. وموتانا تعمّدوا وقبلوا سرّ العماد المقدّس، لذلك انتقلوا إلى الحياة الأبديّة، لأنّ الربّ قال لنا في الإنجيل: " فيخرج الذين عملوا الصالحات إلى قيامة الحياة" (يو 29:5).

وهذا يعلّمنا نحن، في هذه الكنيسة المجاهدة، كنيسة الأحياء، أن نعتبر من بطرس كأبٍ للرسل، من التلاميذ الذين كانوا بصحبة يسوع المسيح، من التعاليم الإنجيليّة، من شهادة الذين سبقونا، من جميع القدّيسين الذين تعيّد لهم الكنيسة اليوم، ومن موتانا الذين عاشوا بإيمان، كي يتجدّد إيماننا بربّنا، فيكون إيماننا إيمان بطرس، ونضرع الإيمان بالأعمال، لِتُزيّن إيماننا، كما يقول يعقوب الرسول في رسالته: "أرني إيمانك في أعمالك" (يع 18:2)، كذلك نزيّن هذا الإيمان بالفضائل، كما يقول يسوع المسيح في الجبل: "طوبى لأنقياء القلوب، السّاعين إلى السّلام، الرّحماء، الجيَاع والعطاش إلى البِرّ، المضطهدين من أجل البِرّ" (متى 5:1-11)، وبالتالي نكون شهوداً لربّنا في مسيرتنا الإيمانيّة، التي تقودنا إلى الاتحاد بموتانا الذين سبقونا إلى الملكوت. فلتكن صلاتنا في هذه العشيّة التي تجمع بين الأحياء والأموات، بين الكنيسة المجاهدة والكنيسة الظافرة، إعلانًا صارخًا لإيماننا بالرّب، قائلين: "أنت هو المسيح ابن الله الحيّ، وسرّ الفداء الذي غلب به الموت بالموت، وأشركنا بمجده الإلهيّ، أنعِم علينا ببركاتك، لكي نستحقّ نحن بدورنا أيضًا، أن نكون مِن أبناء الملكوت". آمين.

ملاحظة: دُوّنت العظة من قبلنا بتصرّف. تتمة...
6/9/2015 كنيسة القيامة للأقباط الكاثوليك - بروكلين، نيويورك الموت في الكتاب المقدّس
https://www.youtube.com/watch?v=BMTN_PaW5LY

"الموت في الكتاب المقدّس"
عظة الأب فرنسيس فايز
في القدّاس الإلهي من أجل الراقدين على رجاء القيامة
كنيسة القيامة للأقباط الكاثوليك - بروكلين، نيويورك
الذكرى الثانية لانطلاقة جماعة "اذكرني في ملكوتك"

6/9/2015

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله واحد، آمين.

في هذا الصّباح المقدّس نتأمّل مائدة الرّبّ من خلال كلمته حول موضوعٍ يهمّنا جميعًا، وخصوصاً اليوم لأنّنا نُحيي الذّكرى الثّانية لجماعة "اُذكرني في ملكوتك"، هذه الحركة المسيحيّة الّتي تؤمن بِرجاء القيامة لكلّ الرّاقدين.
الموت، يُقلقنا جميعاً من دون استثناء، ومهما تكلّمنا لن نحصل على العزاء الكافي لأنّنا نختبر الآلام. سأتناول الموت من خلال الكتاب المقدّس. يخاف الإنسان من كلّ ما يجهله وخصوصاً الموت لأنّه أكبر مجهول، بالنّسبة إلينا، في هذه الحياة. على الرّغم من خبراتنا الكثيرة لا نزال نجهل الموت وما ينتظرنا بعده. لذلك اختار المسيحيّون كلماتٍ كثيرة من أجل تخفيف وطأة الموت عليهم مثل "رقد"، "نام"، "انتقل"، "رحل إلى العالم الأفضل"... ولكن، هل هذه الكلمات كافية لتعزيتنا وخصوصاً إذا دخلنا في هذه المحنة؟
يقول لنا كاتب المزمور: "أيضاً إذا سِرتُ في وادي ظلّ الموت لا أخاف شرّاً لأنّك أنتَ معي". يُعرّف الكتاب المقدّس الموت بأنّه عمليّة انفصال، الموت هو انفصال، يحمل أكثر من معنى. "انفصال" أيّ هناك قطْعٌ لجزء عن الآخر، من مكانٍ إلى آخر، من موقفٍ إلى آخر. لذلك يشرح لنا الكتاب المقدّس مفهوم هذا الانفصال من خلال ثلاث نقاط. النّقطة الأولى هي الموت الجسديّ أو الانفصال الجسديّ وهو انفصال النّفس والرّوح عن الجسد. هذا هو المعنى المباشر للموت بالنّسبة إلى الجميع. وفي هذه الحالة نقول إنّ إنساناً قد مات. لهذا الانفصال نقطة ثانية يشرحها الكتاب المقدّس وهي الموت الرّوحي، وهو انفصال كامل للنّفس عن الله. جميعنا وُلِدنا في خطيئة الإنسان الأوّل الّتي نُسمّيها الخطيئة الأصليّة وبالتّالي وُلِدنا أمواتاً روحيّاً. مات كلّ البشر، عند الولادة، موتاً روحيّاً. وبعد خطيئة الإنسان الأوّل، آدم وحوّاء، اكتشفنا أنّنا منفصلون عن الله ومُنتظرون الأمل بوعد الرّبّ المخلّص لنا، وهو أنّه سيُنقذنا ويُعيدنا إلى الحياة الأبديّة مرّةً أخرى.

جميعنا أموات روحيّاً عندما نولد جسديّاً. هذا الموت يعني أنّ هناك فصًلا بين علاقتنا مع الله مباشرةً، فصًلا بين هويّتنا المولودين بها على صورة الله ومثاله.
يُعرّف اللّاهوت بالخطيئة الأصليّة على أنّها رفض لِحبّ الله. كلّ الحبّ الّذي يُقدّمه لي الله من خلال الآخرين أو كلمته فأرفضه. هذا الرّفض هو رفض لِحبّ الله. وكلّ ما يُمتّعني بالعلاقة مع الرّبّ أرفضه من خلال هذه الخطيئة.
يقول الكتاب المقدّس إنّ أجرة الخطيئة هو الموت. وبما أنّنا مولودون جميعاً في الخطيئة، أصبحنا نقتني الموت في حياتنا.
أيضًا، الموت الرّوحي هو الخطيئة بِحدّ ذاتها. أيّ عندما نعيش الخطيئة يوميّاً في حياتنا البشريّة ندخل في موتٍ روحيّ. وبالتّالي هناك نوع ثالث وهو الموت الأبديّ والأكثر خطورة.
الموت الجسديّ هو نتيجة طبيعيّة لِكلّ ما هو مخلوق على وجه الأرض. أمّا الموت الرّوحيّ فهو اختيارنا الشّخصيّ. نحن نختار أن نقطع العلاقة مع الرّبّ. ولكن الموت الأبديّ هو نتيجة لاختياراتنا على الأرض.
في الإصحاح العشرين من سفر الرّؤيا يقول: "وسلّم البحرُ الأمواتَ الّذين فيه، وسلّمَ الموتُ والهاويةُ الأمواتَ الّذين فيهما ودينَ كلّ واحد بحسب أعماله". وطرح الموت والهاوية في بحيرة النّار. هذا هو الموت الثّاني. وهو يعني الموت الأبديّ أي في نهاية العالم عندما يأتي الرّبّ ويحين موعد الدّينونة. وكلّ من لم يوجد مكتوباً في سفر الحياة طُرِح في بُحيرة النّار.
الموت الثّالث هو نتيجة اختياراتنا بعد أن أعطانا الرّبّ، من خلال الأنبياء وأخيراً من خلال ذاته، القدرة على أن نتصالح معه. ولكن إذا أصرَرْنا على مواقفنا وهي أن نقطع علاقتنا بالربّ يقول لنا سفر الرّؤيا: "هناك الموت الثّاني": في تنظيم عظتي، هو الموت الثّالث ولكن بالنّسبة إلى الكتاب المقدّس هو الموت الثّاني. الموت الأوّل هو موت الجسد أيّ انفصال النّفس والرّوح عن الجسد والموت الثّاني هو الأبديّ وقت الدّينونة.

الموت الأبديّ هو الموت الأخير الّذي سيستمرّ معنا. هذا الموت يعني النأي عن محضر الرّبّ. لا نستطيع أن نُكمل مع الرّبّ إلى الأبد. سيكون مثوى الأموات اي الموت الأبدي، الجحيم في الدينونة. تذكّروا نصّ الغنيّ ولعازر الّذي يوضح لنا نوع هذا الموت كما قلت سابقاً الموت الأبديّ، الجميع في الأبديّة الأحياء والأموات. يشرح لنا النّصّ أنّ الغنيّ أصبح في الجحيم فتمنّى أن يعود لحظة ويتمتّع بالرّبّ. أمّا الفقير فنال بالفعل التّمتّع بالرّبّ ولكنّه لم ينل هذه النّعمة على الأرض. انتقل الاثنان من هذه الأرض ولكن هناك شخص واحد انتقل إلى الحياة الأبديّة وهو لعازر الفقير، أمّا الآخر، الغنيّ، فانتقل إلى الموت الأبديّ. فصار يطلب من الرّبّ أن يمنحه فرصةً أخرى ليرجع، إلّا أنّه كان يسمع الصّوت يقول له إنّه حصل على الفرصة على الأرض ولم يعد له أي فرصة. لذلك الموت الثّالث هو الخوف الحقيقيّ، من خلال الطّقوس والصّلوات والتّقويّات والمصالحة مع الرّبّ نستطيع أن نعود إليه وننفصل عن الموت الثّالث.
إذاً الموت هو انفصال. وهناك الموت الجسديّ وهو انفصال النّفس والرّوح عن الجسد. وهذا الموت جميعنا سيمرّ به. الموت الرّوحي هو موتنا في علاقتنا بالربّ وانفصالنا عنه ويعني الخطيئة. الخطيئة هي موت يوميّ يمكن أن نعيشه على الأرض. الموت الثّالث هو الموت الأبديّ الّذي من خلاله لا عودة لنا إلى حضن الآب مرّة أخرى.

في معضلة الموت، نستطيع أن نقول إنّ هناك فرصة لنا كي نعود أحياء من جديد. وكما سبق وقلت، جميعنا ولدنا أمواتاً روحيّاً، ولكن الربّ أعطانا الحلّ بالخلاص عن طريق الأنبياء وابنه الوحيد. كما أنّنا في كلّ يوم نختبر الحياة، نموت من خلال التّجارب أو الضّعف الّذي نمرّ به، إلّا أنّ الرّبّ أعطانا الوسائل الّتي تُعيد لنا الحياة من جديد من خلال المعموديّة والتّوبة والأسرار، وخصوصاً الإفخارستيّا، وهي الحيويّة الحقيقيّة لِحياة الرّوح. مَن يعيش بكلّ النّعم الّتي أعطاه إيّاها الرّبّ، لن يموت ابداً.
الموت هو الوِلادة الرّوحيّة. غالباً ما نخاف من كلمة "الموت" ولكن إن لم نمت جسديّاً، لن نستطيع أن نولد روحيّاً. لو تخيلنا جميعًا، أنّنا سنظلّ على هذه المسكونة، هذه الأرض إلى الأبد، ما الفائدة؟ بالطّبع نحن نحزن ونتألّم عند موت شخص ولكن لو تخيّلنا أنّنا لن نموت وسنعيش، إلى الأبد، على الأرض لَكنّا أصبحنا أمواتاً روحيّاً وبالتّالي لن نلتقي بالرّبّ إلى الأبد. إذاً الموت يُعطينا وِلادةً جديدةً نستعيد هويّتنا، الّتي فقدناها بِسبب الخطيئة الأولى، ومكانتنا على صورة الله ومثاله فَنُقابله وجهاً لِوجه من دون الجسد، من دون وسائل تُعيق رؤيتنا للرّبّ.
الموت هو الباب الأخير للأبديّة، هو الشّباك الأخير الّذي يوصلنا إلى النّور، إلى الرّبّ. الموت هو ما يُحرّر الرّوح من الجسد. هذا البيت القديم الّذي نعيش فيه هو جسدنا، نتحرّر منه ونصبح في البيت الجديد فَنتخلّص من هذا الجسد أو ما يشدّنا إلى الأرض، فَننطلق بالرّوح إلى الله. لذلك، الموت هو الحريّة الحقيقيّة لأرواحنا على الرّغم من أنّ مشهد الموت كئيب ولا نحبّه، وإن تكلّمنا عليه في عظاتٍ كثيرة. قال يسوع إنّ هذه هي الضّمانة لنا. في اللّقاء مع الرّبّ لم يعد للموت سلطان وقوّة. كان الموت المعضلة الأكبر في الحياة ولكن بعد تجسّد الابن وصلبه وقيامته، انتصر يسوع على الموت فَلم تَعُدِ الكلمة الأخيرة للموت بل لِرجاء القيامة ولِمَن يتبع الربّ يسوع.
قال يسوع: "أنا هو القيامة والحياة، مَن آمَنَ بي وإن مات فَسيحيا. وكلّ مَن كان حيّاً وآمن بي لن يموت إلى الأبد" (يو 25:11-26). الإيمان هو المُنقِذ الوحيد من معضلة الموت، الايمان هو الّذي يُعطينا القيامة. لو عاش الغنيّ حياة الإيمان ومُعطياته لَكان أصبح من القائمين في يوم قيامة يسوع، الّذي حرّر كلّ الأموات منذ نشأة الإنسان الأوّل حتّى الإنسان الأخير الّذي مات قبل يسوع. لقد حرّر كلّ الأتقياء والأنبياء وكلّ الّذين كانوا قبله، الّذين كانوا مسجونين في الموت. في قيامة يسوع لم يعد للموت سلطان.
إن وُلِدنا مرّةً واحدةً سنموت مرّتيّن. كلّنا ولدنا في الجسد مرّة واحدة ولكنّنا سنموت مرّتيْن. الموت الأوّل هو عندما نولد منفصلين عن الرّبّ والموت الثّاني هو الموت الأبديّ. لذلك علينا أن نولد مرّتيْن. المرّة الأولى هي وِلادتنا الطّبيعيّة، الميلاد الجسديّ والمرّة الثّانية هي الولادة الجديدة، وهي أن نُجدّد حياتنا بالنّعم الّتي أعطانا إيّاها الرّبّ. لذلك إن ولدنا مرّتيّن سنموت مرّة واحدة، وخصوصاً إن متنا عمّا يُبعدنا عن الرّبّ. لذلك في هذا اليوم، دعوة لنا لنفهم تعزية السّماء. الرّجاء الّذي أعطانا إيّاه الرّبّ، النّعمة الّتي أعطانا إيّاها. الموت هو حلّ جميل، هو هبة من الرّبّ، لا لعنة كما يعتقد مَن لا رجاء لهم في القيامة. الموت هو نعمة، لذلك قال القدّيس فرنسيس "أخي الموت"، هو الوحيد الّذي فَهِمَ معضلة الموت وانتظره واعتبره أخاه بِمعنى أنّه العودة، من جديد، إلى حضن العائلة الّتي يترأسها الرّبّ. لذلك دعونا اليوم نطلب من الرّبّ نعمة استعدادنا للموت ونناديه بأخي الموت.
في رسالته إلى العِبرانيّين، يقول القدّيس بولس: "فَإذا قد تشارك الأولاد في اللّحم والدّم، اشترك هو أيضاً فيهما لكي يُبيد بالموت، ذلك الّذي له سلطان الموت أيّ إبليس، ويعتق أولئك الّذين، خوفاً من الموت، كانوا جميعاً كلّهم حياتهم تحت العبوديّة"، أيّ أنّ يسوع وُلِد، مثلنا، من لحم ودم وصار جسداً يملك صفاتنا الفانية ذاتها كي يُبيد الموت ويُجرّده من سلطانه فَيُحرّر كلّ الّذين كانوا تحت هذه العبوديّة أيّ تحت عبوديّة الموت. لذلك مع قيامة يسوع، لم يعد للموت قوّة. انتهت القوّة الّتي كانت مُطلَقَة وصار الشّيطان هو الحديث الوحيد في الموت. لذلك يسوع تحدّى الموت وقال الكلمات الشّهيرة: "أين شوكتك يا موت، أين غلبتك يا هاوية؟" أيّ أين هي قوّة الموت الّتي يؤلم بها البشريّة كلّها قبل تجسّد يسوع. بعد قيامته انكسرت هذه الشّوكة. أمّا شوكة الموت فهي الخطيئة، هي الّتي تصنع الموت. النّاموس هو قانون الرّبّ، هو الّذي يردّ لنا القوّة لِنتخلّص من معضلة الموت. أيّ بين يديْنا، العلاج الكامل للابتعاد عن شوكة الموت إذا اخترنا يسوع.

عندما قام يسوع عزّى كلّ الأسر الّتي لها شخص قد انتقل، وهو التّعزية الوحيدة لنا جميعاً. في سفر الرّؤيا، يقول: "وسيمسح الله كلّ دمعة من عيونهم، والموت لا يكون في ما بعد ولا يكون حزناً ولا صراخاً ولا وجعاً في ما بعد لأنّ الأمور الأولى قد مضت، انتهت" ( رؤ 4:21)، الموت الأوّل الّذي كان أكبر قوّة على وجه الأرض لم يعد له سلطان. والأُسر، الّتي تفقد الشّخص المُنتقِل، تمرّ بأزمات، يقول الرّبّ إنّه سيمسح كلّ دمعة من عيونهم ويُزيل عنهم الحزن والصّراخ.
كلّنا، من دون استثناء، في أُسَرِنا، اختبرنا معضلة الموت وفقدان الأقارب والأعزّاء والأحبّاء. ولكن كلمات التّعزية تقول لنا إنّ لنا سفيراً في السّماء يُدافع عنّا، هو سفير عن حياتنا أمام الرّبّ، يقول له إنّه يُحبّ هؤلاء النّاس وسيصلّي من أجلهم، لذلك نقول دائماً إنّ هناك علاقة بين الكنيسة المنتصرة الّتي في السّماء وبين الكنيسة المجاهدة الّتي هي على الأرض من خلال الأشخاص المُنتقلين. أيّ أنّ لديك أحد في السّماء يتكلّم من قِبَلك. تخيّلوا أنّ كلّ واحد منكم لديه شخص مهمّ في حياته وهو الوحيد الّذي يمكنه أن يتكلّم من قِبَلك أمام الرّبّ بخوفٍ فيقول: "أغفر لي". لذلك ما زال الرّبّ يُكلّمنا بِوسائل عديدة.

انتبهوا فإنّ الموت، بعد يسوع، قد تغيّرت حالته. لقد كان الكابوس الأسود قبل موت يسوع وقيامته. أمّا بعد موته وقيامته، نَصّ المزمور يقول: "أيضاً إذا سِرتُ في وادي ظلّ الموت لا أخاف شرّاً لأنّك أنتَ معي..." (مز 4:23). فتحوّلَ الموت من الكابوس إلى الظّلّ. عندما يمشي الإنسان تحت أشعّة الشّمس يرى ظلّه على الأرض. كان الموت، في البداية، حقيقةً ثابتةً أمّا بعد قيامة يسوع فقد اصبح مجرّد ظلّ، شكًلا أو صورة، ولم يعد بالشّكل الّذي يُخيفنا. لذلك إن مشيت مع الرّبّ سيُحوّل الموت إلى ظلّ لك فهو يحمله. وذلك عندما صُلِب يسوع ومات بِسبب خطيئتنا أخذ الموت الكامل وأعطانا ظلّه. يسوع أخذ الموت فمات وقام كي نتمتّع بالقيامة. إذاً سيرة الموت ومواضيعه أصبحت هي الظلّ وبالتّالي انتبهوا، سيروا في الإتّجاه الصّحيح.

الرّؤية تُحدَّد من الإفخارستيّا، من الذّبيحة، من لقائكَ بِيسوع وأن تأخذه كلّ يوم أحد فَتُبشّر بالقيامة وبِرجاء قيامة الرّاقدين. لذلك إذا سِرنا جميعاً أو قمنا بِرحلة إلى الرّبّ في كلّ يوم أحد، زرنا الكنائس التي امتلأت بالمؤمنين، ذلك يعني أنّ هذه أهمّ رحلة لأنّ الرّبّ يكون بُوصلتك. وعندما نمشي كلّنا باتّجاه الإفخارستيّا يتحوّل الموت إلى ظلّ ورحلتي تتحوّل إلى قيامة. أنظروا إلى المسيحيّة الّتي تُطمئننا إلى موضوع الموت والقيامة إلاّ أنّنا نحن، الّذين نبتعد عن نِعَم الرّبّ. لذلك أردتُ في هذا النّهار أن أعيد بنعمة الرّبّ إلى كلّ الأشخاص، نعمة رجاء القيامة. ثقوا بأنّ المسيحيّ الحقيقيّ الّذي يمشي مع الرّبّ ينتصر معه في القيامة ويُصبح الموت ظلّاً أيّ صورةً خياليّةً؛ إذا تحرّكت بعيداً عن الشّمس اختفت، أيّ إذا دخلت في الرّبّ اختفى هذا الظّلّ وأصبحت لديك حقيقةٌ واحدةٌ هي القيامة.

ملاحظة: دُوّنت العظة من قبلنا بتصرّف. تتمة...
12/7/2015 رعية مار أنطونيوس الكبير - بسكنتا نرى أنّ منطق الله مختلف تماماً عن منطق البشر
عظة الأب بطرس أبي خليل
في القداس الإلهي من أجل الراقدين على رجاء القيامة
كنيسة مار أنطونيوس الكبير - بسكنتا
في انطلاقة جماعة "أذكرني في ملكوتك"

12/7/2015

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله واحد، آمين.

نرحّب بجماعة "أذكرني في ملكوتك" وهي جماعة روحيّة، رسوليّة، مسكونية تشهد لكلمة الله وخصوصاً "أنا القيامة والحياة" ( يو 25:11)، مبادؤها أساسيّة. وفي نهاية الذّبيحة ستلقي الجماعة كلمة تشرح تأسيسها ونشأتها ونشاطاتها....

المبدأ الأوّل هو الشّهادة والّتي تكون في تقدمة الإفخارستيّا من أجل الإخوة الرّاقدين في الرّعايا كلّها. كما لاحظتم وأنتم تدخلون الكنيسة، لقد دوّنتم أسماء أمواتكم في سِجلّ خاصٍ.
المبدأ الثّاني هو تغذية إيماننا من خلال ترسيخ الكتاب المقدّس وتنشئة أبناء كنيستنا على تعاليمها وإيمانها بالحياة الأبديّة.
المبدأ الثّالث هو إقامة أعمال الرّحمة وعيش الفضائل الإلهيّة من أجل البقاء دائماً في حياة النعمة.
واليوم، سنقدّم هذا القدّاس على نيّة كلّ أمواتنا وخصوصاً المذكورة أسماؤهم في سّجل " اذكرني في ملكوتك" الّذي سيبقى في الكنيسة، كذلك أيقونة القيامة. ونحن أبناء القيامة نحتاج إلى أن نذكر أمواتنا كما نحضّر أنفسنا إلى أنّنا سنقوم في يوم القيامة كما قام المسيح.
سنتأمّل في نصّ الإنجيل الّذي سمعناه. يعرض لنا متّى في إنجيله ثلاثة مواقف. الموقف الأوّل هو موقف الفريسيّين عندما اجتمعوا معاً وتناقشوا من أجل إهلاك يسوع والتّخلّص منه فقرّروا اعتماد طريقة العنف.
الموقف الثّاني هو الجموع الّتي كانت تلاحق يسوع، أوّلاً، كي يشفي مرضاهم وثانياً، لأنّه كان يصنع المعجزات وهؤلاء اعتنقوا منطق المصلحة.
في الموقف الثّالث، نرى أنّ منطق الله مختلف تماماً عن منطق البشر. الله الآب يصنع بذاته المنطق الإلهيّ، وهو منطق لا يتوافق أبداً مع منطق الفريسيّين ومنطق الشّعب إنّما هو منطق يقوم على نبذ العنف واعتناق مبدأ السّلام والمحبّة والخدمة والصّمت. وكم أنّ الإنسان بحاجة إلى أن يصمت كي يعرف مشيئة الله.
إذا توسّعنا في هذه النّقاط الثلاث نرى، أوّلاً، أنّ الفريسيّين قرّروا قتل يسوع لأنّه صنع معجزةً يوم السّبت وهي شفاء شخص مشلول اليد لم يعد مجبراً على مدّ يده إلى النّاس ليطلب المساعدة بل أصبح بإمكانه أن يعمل ويكسب رزقه بعرق جبينه. يسوع لم يشفه فقط بل حرّره من كلّ أشكال الاستعباد الّتي كان النّاس يمارسونها. وكم من أشخاص يستعبدوننا في أمور خاصة، هم لا يساعدوننا، بل يمنعوننا من الوصول إلى النّضج الإنسانيّ والفكريّ، ومن العيش بسلام مع بعضنا البعض، ومن عيش حياتنا الرّوحيّة بسلام.
منطق الإنجيل، اليوم، معاكس لمنطق مجتمعنا الحاضر، يُبشّر العالم بالسّلطة والقوّة والحرب والعنف ويستغلّ حتّى الفقراء من أجل مصالحه الشّخصيّة في حين أنّ رسالة الإنجيل مغايرة لكلّ هذا.
قِيم المسيحيّ هي الحبّ الصّامت والعامل، وإعلان ضرورة الحبّ في قلب المجتمع المبنيّ دائماً على الحقد والأنانية والمصالح الشّخصيّة.
تبعت الجموع يسوع وتركت الفريسيّين يضعون الخطط لقتله، فقد سئمتْ هذه الجموع من الاستعباد وتعِبَتْ من تسوّل الخبز الفاني ومن وعود الأقوياء الفارغة، فلحقتْ بيسوع باحثةً عن سعادة القلب والفرح الحقيقيّ والسّلام الدّاخليّ، وقد عرفتْ هذه الجموع أنّ يسوع وحده قادرٌ على وضع الرّجاء في القلوب ومنح السّعادة الّتي تنمو وتكبر وتستمرّ...
حقيقة المسيح وحده أعلنها الله، وهي أنّ المسيح ليس مقاتلاً أو محارباً أو آتيًا كي يُبيد الأشرار وأعداء الله على الأرض بل على العكس، المسيح هو الخادم الأمين الّذي وضع كلّ كيانه في خدمة مشروع الله الخلاصيّ "كالحمل سيق إلى الذّبح ولم يفتح فمه" (أش 53)، المسيح هو الكائن المسالم الّذي جاء ليُغيّر حالة الكون كلّها بهدوء الحبّ وتمنّي المغفرة ولِيُعلن خلاص العالم الّذي يكمن في روح السّلام والخدمة والمحبّة لا في العنف. وكلامه على الصّليب يؤكّد ذلك: "يا أبتاه اغفر لهم لأنّهم لا يدرون ماذا يفعلون" (لو 43:23)، كما أنّه غفر للّصّ من دون أن يلومه وفي اللّحظة الأخيرة قال له: "اليوم تكون معي في الفردوس".
واليوم، كلّنا نعيش على وعد، بحسب قول قداسة البابا فرنسيس في رسالته الأخيرة لنا، كي نفكّر في مسار حياتنا وننظر إلى يسوع صارخين من أعماق قلوبنا: اُذكرني يا يسوع وأنتَ الآن في ملكوتك لأنّني أريد أن أصبح صالِحاً لكن أنا ضعيف وأنتَ وحدك قادرٌ على ذلك لأنّك أنتَ المحور وساكِن الملكوت.
نعم إخوتي، اليوم، نحن نذكر أمواتنا ونطلب الى الرّبّ أن يمنحهم الرّاحة والسّعادة في ملكوته السّماويّ فنحن أبناء الإيمان والرّجاء ونثق بأنّ نعمة الله تفوق الصّلاة وطلباتنا الّتي نقدّمها إليه، فهو الأب الكريم، الرّحوم، الغفور، المحبّ للبشر، ويسوع يذكرنا دومًا في انجيله بقوله: "أنا ما ارتفعتُ، جذبتُ إليّ النّاس أجمعين"(يو 32:12)
المسيح قام، حقا قام!

ملاحظة: دُوّنت العظة من قبلنا بتصرّف. تتمة...
25/6/2015 رعية مار الياس الحيّ - عين الصفصاف الكنيسة المجاهدة ... تحيا بإيمانها بالرّبّ يسوع وتحبّه وتترجّى القيامة معه
انطلاقة الجماعة في رعية مارالياس الحيّ – عين الصفصاف
عظة الأب مخايل عوض – خادم الرعية
25/6/2015

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله واحد، آمين.

في هذه اللّيلة المباركة والسّماويّة الّتي تتّحد فيها الأرض بالسّماء، قال يسوع: "كما في السّماء كذلك على الأرض" (متى 10:6). إخوتي الأحبّاء، اليوم وفي كلّ لحظة من لحظات حياتنا وخصوصاً خلال الذّبيحة الإلهيّة، التي هي مصدر النّعم، هناك دائماً ذِكْرٌ لأمواتنا، كما في كلّ الصّلوات.

قال الرّبّ يسوع في هذا الإنجيل: "...مَن آمنَ بي وإن مات فَسَيحيا" (يو 25:11)،كما أنّه قال أيضاً: "بل قد انتقل من الموت إلى الحياة"، هنا تكمن المسألة. ما هو الموت؟ البعض يعتبر أنّه شرّ. يقول مار بولس: "حياتي هي المسيح والموت ربح لي" (فيليبي 21:1)، لأنّ حياته هي المسيح. أيّ أنّ يسوع كان وهو الآن وسيبقى هو الحياة. كما يقول القدّيس يوحنّا: "به كان كلّ شيء، من دونه لم يكن شيء ممّا كُوّن" (يو3:1)، أيّ نحن بكلمة الله أصبحنا موجودين، كُوّنّا بكلمة الله وهي يسوع وهو الحياة. قال يسوع عن ذاته: "أنا الطّريق والحقّ والحياة...". (يو6:14).

إنطلاقاً من هذا التّأمّل، أريد الكلام على ثلاث كنائس هي:

الكنيسة المجاهدة وهي البشر الموجودون على الأرض. هي تحيا بإيمانها بالرّبّ يسوع وتحبّه وتترجّى القيامة معه. هناك حياة مستترة مع المسيح، حياة داخليّة مع يسوع لا بل هو الحياة في داخلنا، هو يحيا ويتحرّك، وبه نحيا ونتحرّك.كما يقول مار بولس: إنّنا إذا كنّا هياكل الرّوح القدس فدوره هو أن يُعطينا الحياة، لذا نقول: "أيّها الملك السّماويّ المعزّي، روح الحقّ الحاضر في كلّ مكان مالك الكلّ" أيّ أنّ روح الرّبّ واحد وهو يملأ البشريّة كلّها. هذا ما يُوحّدنا، يُوحّد الكنيسة المجاهدة والكنيسة المتألّمة والكنيسة المنتصرة. لا شيء يُوحدّها إلّا الرّوح القدس السّاكن في كلّ إنسان على الأرض. ولكن الرّوح القدس إمّا أن يكون فاعلاً فينا، وإمّا أن يكون حزيناً، كما يقول مار بولس: "لا تُحزِنوا روح الرّبّ السّاكن فيكم". فإذا حَزِنَ مرّةً وبعدها تُبْنا واعترفنا بخطايانا يفرح من جديد ويعيش فينا ويُجدّدنا، ولكن إذا عشنا في الخطيئة بقيَ حزيناً وشُلّ عمله. على الرّغم من قوّته، الخطيئة هي الوحيدة الّتي تكون حجر عثرة في طريقه فتمنعه من القيام بعمله.
لذلك يقول لنا يسوع دائماً أن نتوب، فهو يشفينا ويغفر لنا ويُطهّرنا ويُنقّينا. كما في مزمور "ارحمني يا الله": "إغسلني كثيراً من إثمي ومن خطيئتي طهّرني" ويُكرّر "روحك القدّوس لا تنزعه منّي". (مز 150)

الرّوح القدس يُوّحِدُنا، نحن، الكنيسة المجاهدة، بالكنيسة المتألّمة، والكنيسة المنتصرة أيّ أبناء السّماء. لذلك نجتمع للصّلاة من أجل أمواتنا. إذا كان روح الرّبّ فينا يُوحّدنا ولكن إذا كان الروح النجّس فينا فهو يُفرّقنا، وهنا يحصل التّشتّت والبُعد وكره النّاس بعضهم لبعض، عندها لا نستطيع أن نُصلّي من أجل ذاتنا أو من أجل بعضنا أو من أجل أمواتنا. هذا هو جوهر حياتنا المسيحيّة واتّحادنا بالسّماء وأبنائها. الموجودون في "المطهر" حتماً مصيرهم أبديّ في السّماء، والإنسان نفسه يعلم ذلك عندما يرى ربّنا، أيّ عندما ينتقل من هذه الحياة الّتي نعيشها، تتجلّى الحقيقة أمامه فيرى كيف عاش حياته.

الكنيسة المجاهدة هي أنتم وأنا واسمنا هو المجاهدون. والمجاهد هو الجنديّ الّذي يقول عنه مار بولس:"خذوا سلاح الله الكامل لِتستطيعوا المقاومة في اليوم الشّرير" (أف 6:10-11)، وليس في اليوم الشّرير فحسب بل في كلّ أيّام حياتنا "خذوا خوذة الخلاص، سيف الإيمان، ترس الرّوح، أنعلوا أقدامكم باستعداد إنجيل السّلام" أيّ كونوا دائماً متأهّبين مثل الملائكة.
الكنيسة المجاهدة، أيّ نحن، جنود، والجنديّ لا ينام، لا يدع روحه تغفل عن حقيقة أنّه لا يعرف متى يأتي السّارق كما يقول يسوع: "اسهروا وصلّوا لأنّكم لا تعلمون في أيّة ساعة يأتي السّارق..." ( متى 42:24)، والجنديّ يهتمّ بإرضاء الّذي جنّده أيّ يسوع كما يقول مار بولس، يسوع هو القائد، مريم العذراء هي قائدة السّفينة كما مار يوسف، إذاً الكنيسة المنتصرة ونحن الكنيسة المجاهدة، نصلّي من أجل الكنيسة المتألّمة. تتمة...
23/5/2015 رعية مار يوحنا المعمدان/ كنيسة مار شربل - كرم سده نحن نؤمن بأنّ الكنيسة ترفع الكثيرين إلى الملكوت السّماويّ
انطلاقة الجماعة في رعية مار يوحنا المعمدان/ مار شربل – كرم سده
عظة صاحب السيادة المطران جورج بو جوده السامي الاحترام
23/5/2015

باسم الآب والابن والروح القدس الإله واحد، آمين

أبتي، أخواتي، إخوتي الأحبّاء،

إنّ الشّعار الّذي اخترتموه لجماعتكم مُستمدّ من الإنجيل، من كلام اللصّ الذي كان إلى يمين الربّ يسوع على الصليب يشاركه في آلامه، وهو يُعطينا المعنى الحقيقيّ للموت: "يا ربّ، اُذكرني في ملكوتك"، إذ كان جواب الربّ يسوع: "اليوم تكون معي في الفردوس".
الشّاعر الكبير سعيد عقل، على الرّغم من أنّه لم يكن لاهوتيًّا، كانت لديه نظرة لاهوتيّة، لذلك قال إنّه من الممكن التأكّد من أنّ ذلك اللصّ هو القدّيس الوحيد الموجود في السّماء لأنّ الربّ يسوع طوَّبه بنفسه وقال له إنّه سيكون معه يومها في الفردوس.
طبعاً، نحن نؤمن بأنّ الكنيسة ترفع الكثيرين إلى الملكوت السّماويّ نظرًا إلى الحياة الّتي عاشوها ولكنّها، دائمًا، تستمدّ تعاليمها من كلام المسيح المذكور في الإنجيل الّذي قرأته منذ قليل.
بشريًّا، في أحيان عديدة، عندما نفقد شخصًا عزيزًا نصِل إلى مرحلة من اليأس والإحباط إلى أن ننتبه، من جديد، لحقيقة تعاليم المسيح. بالطّبع، الشّخص الّذي فقدناه لن نراه مُجدّدًا، لأنّه لم يعد يعيش معنا فنشعر بانسلاخ. ولكن عندما نسمع كلام المسيح وهو يقول "انتقل من الموت إلى الحياة"، نعرف أنّ للحياة على الأرض نهاية. فعندما يموت جسدنا نولد من جديد، نعود إلى مصدرنا الأوّل، إلى الملكوت السّماويّ، لأنّنا أحيانًا كثيرة ننسى هذه الحقيقة وهي أنّ الله خلقنا على صورته ومثاله وأعطانا روحه، والله لا يموت. لقد أعطانا روحه، جعلنا إلى جانبه في الفردوس، أعطانا حياةً وسعادةً لا نهاية لهما. ولكنّنا كنّا ولا نزال نتكبّر على الله ونضعه جانباً، نستسلم لإغراءات الشّيطان الّذي قال لنا إنّنا إذا خالفنا أمر الرّبّ وأكلنا ثمرًا من شجرة معرفة الخير والشرّ، أصبحنا غير محتاجين إلى الله لأنّنا أصبحنا آلهةً بأنفسنا، ونسيْنا كلام الرّبّ لأبويْنا الأوّليْن "لا تنسَ يا إنسان أنّكَ من التّراب وإلى التّراب تعود". في موقفنا الرّافض لله، أي عندما نضع الله جانباً، نحكم على أنفسنا بالموت لكنّ الله يحكم لنا بالحياة، فهو خَلقنا على صورته ومثاله وبالتّالي لا يُمكن أن نموت الموت الأبديّ بل ننتقل بالموت من الموت إلى الحياة. تتمة...